السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٧
النيسابوري من أعلام أهل السنة :
١ ـ ابن خلكان : « أبو عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم النيسابوري ، الحافظ المعروف بابن البيع ، إمام أهل الحديث في عصره ، والمؤلف فيه الكتب التي لم يسبق إلى مثلها ، كان عالما عارفا واسع العلم ، تفقّه على أبي سهل محمد بن سليمان الصعلوكي الفقيه الشافعي ، ثم طلب الحديث وغلب عليه ، فاشتهر به وسمعه من جماعة لا يحصون كثرة ، فان معجم شيوخه يقرب من ألفي رجل ، حتى روى عمّن عاش بعده ، لسعة روايته وكثرة شيوخه ، وصنف في علومه ما يبلغ ألفا وخمسمائة جزء ، منها الصحيحان ، وأما ما تفرّد بإخراجه فمعرفة الحديث ، وتاريخ علماء نيسابور ، والمدخل إلى علم الصحيح ، والمستدرك على الصحيحين وما تفرّد به كل واحد من الإمامين.
وكانت ولادته في شهر ربيع الأول سنة ٣٢١ بنيسابور. وتوفي بها يوم الثلاثاء ثالث صفر سنة ٤٠٥ » (١).
٢ ـ الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( رجال المشكاة ) : « كان فريد عصره ووحيد وقته ، خاصة في علوم الحديث ، وروي عنه الدارقطني ومحمد بن أبي الفوارس ، وكان ثقة ».
٣ ـ الرازي في ( فضائل الشافعي ) : « وأما المتأخرون من المحدثين فأكثرهم علما وأقواهم قوة وأشدّهم تحقيقا في علم الحديث هؤلاء وهم : أبو الحسن الدارقطني والحاكم وأبوه عبد الله الحافظ ... فهؤلاء العلماء صدور هذا العلم بعد الشيخين ، وهم بأسرهم متفقون على تعظيم الشافعي ... ».
٤ ـ الأسنوي : « وبعد ، فإن الشافعي رضياللهعنه وأرضاه ونفعنا به وبسائر أئمة المسلمين أجمعين قد حصل في أصحابه من السعادة أمور لم تتفق في أصحاب غيره ... ومنها : إن كبار أئمة الحديث من جملة أصحابه الآخذين عنه
__________________
(١) وفيات الأعيان ٣ / ٤٠٨ باختصار.
أو عن أتباعه ، كالإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وابن المنذر ، وابن حبان ، وابن خزيمة ، والبيهقي ، والحاكم ، والخطابي ، والخطيب ، وأبي نعيم وغيرهم. إلى زماننا » (١).
٥ ـ ابن الأثير بعد ذكر شرط الصحيحين : « وهذا الشرط الذي ذكرناه قد ذكره الحاكم أبو عبد الله النيسابوري ، وقد قال غيره : إن هذا الشرط غير مطرد في كتابي البخاري ومسلم ، فإنهما قد أخرجا فيهما أحاديث على غير هذا الشرط. والظن بالحاكم غير هذا ، فإنه كان عالما بهذا الفن خبيرا بغوامضه عارفا بأسراره ، وما قال هذا القول وحكم على الكتابين بهذا الحكم إلاّ بعد التفتيش والاختبار والتيقن لما حكم به عليهما » (٢).
أقول : ونحن نقول في مورد حكم الحاكم بصحة هذا الحديث الذي ذكرناه بأنه كان عالما بهذا الفن خبيرا بغوامضه عارفا بأسراره ، وما قال هذا القول وما حكم على هذا الحديث بهذا الحكم إلاّ بعد التفتيش والاختبار والتيقن لما حكم به عليه. ولله الحمد على ذلك.
* * *
__________________
(١) طبقات الشافعية ١ / ٣.
(٢) جامع الأصول ١ / ٩٢.
(١٢)
وحدة السّياق
بين حديث الغدير وحديث أخرجه البخاري
أخرج البخاري في ( صحيحه ) الحديث التالي : « حدثني إبراهيم بن المنذر ، قال نا محمد بن فليح ، قال حدثنا أبي عن هلال بن علي عن عبد الرحمن ابن أبي عمرة عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة. اقرءوا ان شئتم : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّما مسلم ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني وأنا مولاه » (١).
وقد علمت سابقا أن هذا الحديث قد أخرجه مسلم أيضا ، كما علمت من ( الدر المنثور ) أنه قد أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه.
وهذا الحديث يماثل سياق حديث الغدير ، فيلزم أن يكون المراد من ( المولى ) في حديث الغدير نفس المعنى المراد منه في هذا الحديث.
وأما تماثل السياق فواضح جدّا ، فإن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ذكر أولا أولويته بالمؤمنين من أنفسهم في الدنيا والآخرة ثم قال : « وأنا مولاه ». وكذلك الأمر في حديث الغدير حيث بيّن فيه كونه أولى من المؤمنين من أنفسهم ثم قال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ».
__________________
(١) صحيح البخاري تفسير سورة الأحزاب.
فبنفس الدليل الذي حملوا به ( المولى ) في حديث الصحيحين على معنى ( ولي الأمر ) نحمل ( المولى ) في حديث الغدير عليه.
أمّا حملهم ( المولى ) على ذلك فقد عرفت من عبارة القسطلاني ذلك ، فإنه فسّر « وأنا مولاه » بقوله : « أي ولي الميت أتولى عنه أموره ».
ونحوه عبارة الكرماني والنووي. فراجع.
* * *
(١٣)
حديث الغدير بلفظ :
« ... فإنّ عليّا بعدي مولاه ... »
وجاء في ( تاريخ ابن كثير ) عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : « من كنت مولاه فإنّ عليا بعدي مولاه » وإليك النص الكامل للحديث بسنده :
« قال عبد الرزاق : أنا معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال : نزلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند غدير خم ، فبعث مناديا ينادي ، فلما اجتمعنا قال : ألست أولى بكم من آبائكم؟ قلنا : بلى يا رسول الله. قال ألست ألست؟ قلنا : بلي يا رسول الله. قال : من كنت مولاه فإنّ عليا بعدي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
فقال عمر بن الخطاب : « هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت اليوم ولي كلّ مؤمن » (١).
ولو أراد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من ( الولي ) الموالاة والمحبة لما كان للتقييد بقوله « بعدي » وجه.
وبما ذكرنا صرح ابن تيمية حيث قال : « فقول القائل : علي ولي كلّ مؤمن بعدي كلام يمتنع نسبته إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فانه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي ، وإن أراد الامارة كان ينبغي أن يقال : وال على كل
__________________
(١) تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٤٩.
مؤمن » (١).
ومن الواضح أن لفظ ( الولي ) يرادف ( المولى ). فظهر أن ليس المراد هو ( الموالاة ) وإلاّ لكان الإتيان بلفظ ( بعدي ) لغوا يمتنع نسبته إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
* * *
__________________
(١) منهاج السنة ٤ / ١٠٤.
(١٤)
كلام ابن حجر المكّي
استنادا إلى فهم أبي بكر وعمر
وقال ابن حجر المكي في الجواب عن حديث الغدير : « سلمنا أنه أولى ، لكن لا نسلّم أن المراد أنه أولى بالامامة ، بل بالاتّباع والقرب منه ، فهو كقوله تعالى : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ). ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال ، بل هو الواقع ، إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر ، وناهيك بهما من الحديث ، فإنهما لما سمعاه قالا له : أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني.
وأخرج أيضا أنه قيل لعمر : إنك تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من اصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم : فقال : إنه مولاي » (١).
أقول : وهل ( الأولى بالاتباع ) إلاّ الامام؟
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ٢٦.
(١٥)
حديث مسلم بن الحجّاج :
لا يقل العبد لسيّده « مولاي » فإنّ مولاكم الله
ومن الأدلة ما أخرجه مسلم في ( صحيحه ) بعد حديث :
« وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وأبو كريب قالا : نا أبو معاوية. ح وقال : ثنا أبو سعيد الأشج قال : نا وكيع ، كلاهما عن الأعمش بهذا الاسناد ، وفي حديثهما : ولا يقل العبد لسيده مولاي. وزاد في حديث أبي معاوية : فإن مولاكم الله » (١).
وروى المولوي محمد إسماعيل : « وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لا يقولنّ أحدكم عبدي وأمتي ، كلّكم عبيد الله وكلّ نسائكم إماء الله ، ولكن ليقل سيّدي. وفي رواية : لا يقل العبد لسيده مولاي فإنّ مولاكم الله » (٢).
فمن منع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من أن يقول العبد لسيده « مولاي » يظهر أن المتبادر من ( المولى ) معنى وراء معنى المحب والناصر والمحبوب ، إذ لو كان المراد شيء من هذه المعاني لم يكن للمنع عن ذلك وجه.
ومن إطلاقه صلىاللهعليهوآلهوسلم ( المولى ) على نفسه وعلى أمير المؤمنين عليهالسلام يعلم أنه ليس مراده من ذلك المحب والناصر والمحبوب ، وإنما المراد معنى لا يجوز إثباته لسائر الناس ، وهو الأولوية بالتصرف ، فإن هذا المعنى ثابت
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ / ١٩٧ باب ألفاظ من الأدب.
(٢) منصب امامت ـ مخطوط.
لله عز وجل ، ثم للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم لأمير المؤمنين عليهالسلام القائم مقامه.
* * *
(١٦)
قول سيّدتنا الزهراء عليهاالسلام
أنسيتم قول رسول الله يوم غدير خم ...؟