تراثنا ـ العددان [ 111 و 112 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 111 و 112 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٧٨

«٣ ـ حمزة الزيّات ، عن جعفر الصادق ، عن محمّد الباقر ، عن عليّ ابن الحسين زين العابدين ، عن أبيه الحسين بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب.

٤ ـ الكسائي ، وقد قرأ على حمزة بسنده المتقدّم». ثمّ قال :

«وربّما كان سند قراءة حمزة هو أهمّ ما يَلْفِتُ النّظر في هذه الأسانيد ، وذلك أنّه ينتظم سلسلة الرُّواة الأئمّة الطّاهرين من آل البيت ، بحيث [نستطيع في ضوء ذلك أيضاً] أن نطمئنّ إلى أنّ هؤلاء الأبرار من آل البيت عليهم‌السلاملم يخرجوا على إجماع المسلمين على المُصْحَف الإمام(١) وآية رضاهم به إقراؤهم النّاس بمحتواه ، دون زيادة أو نقص ، أو ادّعاء يمسّ كمال هذا الأثر الخالد من وحي السّماء».

وأضاف : «وقد وجدنا الإمام عليّاً حريصاً كلّ الحرص على سلامة النّصّ القرآنيّ على ما هو عليه في رسم عُثمان ، زاجراً كلّ من يريد المساس بهذا الرّسم ، وذلك فيما ذكره ابن خالويه بصدد قراءته عليه‌السلام : (وطلع منضود) بالعين بدل الحاء الّتي جاءت بها القراءة العامّة (وَطَلْح مَنضُود). قال : قرأهاعليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه على المنبر ، فقيل له : أفلا تغيّره في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١ ـ أبو عمرو بن العلاء عن نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر ، وهما قرأا على أبي الأسود الدؤلي ، وهو قرأ على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

٢ ـ عاصم بن أبي النجود ، عن أبي عبدالرحمن السلمي ، وهو قرأ مباشرة على عليّ ،وقراءة عاصم من طريق حفص بن سليمان بن المغيرة هي الشائعة الآن في أكثر بلادالمشرق.

٣ ـ حمزة الزيّات ...

(١) هذا هو اصطلاح خاص بمصحف عثمان الذي كان يقرا فيه.

١٤١

المصحف؟ قال : ما ينبغي للقرآن أن يهاج ، أي لا يغيّر.

فأيّ حرص أعظم من هذا الحرص على أن يظلّ رسم المصحف كما هو ، دون أن يمسّه أدنى تغيير ، ولو بقلب العين حاء ، أو الحاء عيناً ، فليس المهمّ في نظر عليّ عليه‌السلام أن يتمّ التغيير على حسب قراءته ، ولكنَّ المهمّ ألاّ يسنّ للناس هذه السنّة الّتي تعدّ سابقة خطيرة ، تشجّعهم فيما بعد على إحداث ما يرون ضرورته من تعديلات ، قد تحكمها الأهواء وتوحي بها ، فيتعرّض النصّ المُنَزّل بذلك لأخطار التحريف والتزييف ، وليس عليّ بالذي تفوته هذه النقطة الخطيرة ، فإنّ من سنّ سنّة سيّئة تحمّل وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. ولقد أثابه الله على هذه السنّة الحسنة ، حين منعهم من إحداث التعديل ، فصان كتاب الله إلى يوم القيامة.

وقد كان أمر الحديث عمّا نسب في التّاريخ إلى عليّ ـ من أنّ له مُصْحَفاً ـ أمراً هَيِّناً لا يكاد يبلغ بنا ما بلغه الحديث عن مُصْحَف ابن مسعود أو أُبيّ ، لولا أنّ اعتبارات سياسيّة وتاريخيّة قد ارتبطت بالحديث عنه ، وزاد الغُلاة من الوضّاعين المشكلة اشتعالاً بما ألصقوه بهذا المُصْحَف من روايات ، وما حاكوا حوله من أقاصيص ، افترق النّاس في أمرها ، وليس الافتراق في مثل هذه المواضع بالأمر الهيّن : إذ هو متّصل بمزالق عقديّة خطرة ـإلى أن قال شاهين ـ :

من أجل هذا ، نرى لزاماً علينا أن نتناول قضيّة مُصْحَف عليّ بشيء من التّفصيل من وجهة نظر بعض طوائف الشّيعة ، وذلك بعدما عرفنا موقفه من المصْحَف الإمام بأسانيد ثابتة ثبوتاً قطعيّاً ... ، إلى أن قال تحت عنوان (عودة إلى الحديث عن مصحف عليّ) :

فإذا علمنا أنّ عليّاً لم ترد عنه أيّة رواية من هذا الّذي تقدّم ، أدركنا أنّ

١٤٢

مُصْحَفه الّذي ارتضاه لم يكن سوى هذا المُصْحَف الإمام الّذي لو لم يقم به عُثمان لقام به هو ، وليس بين أيدينا بعد ذلك مرويّاً عن عليّ سوى مجموعة من القراءات الّتي تُنْسب إلى الاختلاف اللّهجيّ أحياناً ، وتعزى إلى الزّيادة البيانيّة أحياناً أُخرى ، وهو بهذا لا يختلف مطلقاً عمّا روي عن عبدالله بن مسعود من هذا النوع ، أو عن أبيّ بن كعب وابن عبّاس إلاّ في طابع المفردة المروية أو بعبارة أصحّ : في طبيعة الحروف الخاصّة بعليّ بن أبي طالب ، من حيث هو متمثّل لبيئة معيّنة تضع بصماتها على مفرداتها ، وقارئ ذو نظر ورأي في البيان القرآني ، يُضمِّن قراءته وتفسيراته بعض آرائه(١) ، شأن بقية صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله)ممّن أُثِرَتْ عنهم هذه المصاحف والقراءات»(٢).

ثمّ قال : «قرأ عليّ : (فمن خاف من موص حيفاً) بالحاء والياء ، بدلاً من (جنفاً) في القراءة العامّة.

وقرأ : (يحرّفون الكلام) ، والقراءة العامّة : (الكلم) دون ألف.

وقرأ : (أن يكون عُبَيداً لله) على التصغير ، والعامّة : (عَبْدَاً لله).

وقرأ : (يوم حصده) بغير ألف ، والعامّة : (يوم حصاده).

وقرأ : (ورياشاً) بالألف ، والعامّة : (وريشاً).

وقرأ : (وإن يروا سبيل الرشاد) بألف ، والعامّة : (الرشد).

وقرأ : (وعلى الثلاثة الذين خالفوا) ، والعامّة : (خلّفوا).

وقرأ عليّ وجماعة كثيرة : (قد شعفها) بالعين المهملة ، والعامّة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تقدّمت الإشارة إلى أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يدوّن آراءه الشخصية وإنما دوّن العلوم التي أخدها عن رسول الله(صلى الله عليه وآله).

(٢) تاريخ القرآن:٢٠٠.

١٤٣

(شغفها) بالمعجمة.

وقرأ : (أفلم يتبيّن الذين آمنوا) ، والعامّة : (أفلم ييئس).

وقرأ : (لنثوينّهم) بالثاء ، والعامّة هي : (لنبوّئنّهم).

وقرأ : (ثمّ ننحي الذين اتّقوا) بحاء مهملة ، والعامّة : (ننجي) بالجيم.

وقرأ : (يا ويلنا مِنْ بَعْثنا) ، والعامّة : (مَنْ بَعَثَنا) على الاستفهام.

وقرأ : (جِيلاً) بالياء ، والعامّة : (جِبِلاًّ) بالباء.

وهذه النماذج الّتي سقناها تعبّر تعبيراً صادقاً عن الطابع الذي يسمّ كلّ ما روي عن عليّ تقريباً ، فليس في قراءاته زيادات في النصوص ، غير ما لاحظناه من أنّه قرأ كما قرأ ابن مسعود وابن عبّاس وأبيّ بن كعب : (وكان أمامهم ملك يأخذ كلّ سفينة صالحة غصباً) ، والقراءة العامّة هي : (وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَة غَصْباً). فهذا الفرق تفسيريٌّ محض ، ولا يعدّ طبقاً لما أُثِرَ عن عليّ وسائر الصحابة من إقرائهم بالمصحف الإمام ، سوى بيان للمراد من الآية فحسب.

أمّا بقية رواياته فهي من ذلك النوع الموافق للرسم دائماً ، مهما توهّم القارئ وجهاً للمخالفة ، فالروايات الّتي تختلف عن القراءة العامّة بإشباع الألف أو قصرها هي قراءات موافقة للرسم تماماً؛ لأنّ الإملاء العثماني قد جرى على عدم رسم الألف في أكثر المواضع ، وبذلك تحتمل الكلمة كلا النطقين ، ومن ذلك مثلاً : (ملك يوم الدين) الّتي نقرؤها بالألف الممدودة على صورة (مالك) ، وهي في قراءة أبي عمرو بن العلاء الصحيحة وفي قراءة غيره (ملك) مقصورة ، وهذا هو شأن : (الكلام والكلم) ، و (حصاده وحَصده) ، (ورياشاً وريشاً) و (الرشاد والرشد) و (خالفوا وخلفوا)». انتهى كلام الدكتور شاهين.

١٤٤

وعليه فالقرآن المطبوع في المدينة المنوّرة هو المرويّ عن حفص ، عن عاصم ، عن أبي عبدالرحمن السلمي ، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

وقد ذكر أبو عمرو الداني بأنّ السلمي أخذ القراءة أيضاً عرضاً على عثمان وابن مسعود وأُبيّ بن كعب وزيد بن ثابت.

لكنّ شعبة شكّك في سماعه من عثمان وعبدالله بن مسعود ، ولم يتأكّد سماعه من زيد وأُبيّ ، وحتّى لو قلنا بأنّه أخذ عن أُبيّ وابن مسعود فهما تلميذا الإمام عليّ عليه‌السلام وإنّ قراءتهما توافق قراءةَ أهل البيت عليه‌السلام.

أجل ، إنّ الذهبي وغيره استدلّوا على لقياه عثمان وسماعه منه بأدلّة منها رواية البخاري ـ الذي يشترط المعاصرة والسماع ـ له ، وعنعنته عن عثمان كما في مسند أحمد : حدّثنا عبدالله ، حدّثني أبي ، ثنا محمّد بن جعفر وبهز وحجّاج ؛ قالوا : حدّثنا شعبة ، قال : سمعت علقمة بن مرثد يحدّث عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبدالرحمن السلمي ، عن عثمان بن عفّان ، عن النبيّ أنّه قال : «إنّ خيركم من عَلَّمَ القرآن أو تعلَّمه».

قال محمّد بن جعفر وحجّاج ، قال أبو عبدالرحمن : «فذاك الذي أقعدني هذا المقعد».

قال حجّاج ، قال شعبة : «ولم يسمع أبو عبدالرحمن من عثمان رضي‌الله‌عنه ولا من عبدالله ، ولكن قد سمع من عليّ رضي‌الله‌عنه».

فَتَعَقُّبُ أحمد للرواية ونقله كلام حجّاج عن شعبة جاء للقول بعدم وثوقه بهذه العنعنة والرواية.

وفي الطبقات الكبرى في ترجمة السلمي : «واسمه عبدالله بن حبيب ، روى عن عليّ وعبدالله وعثمان ، وقال حجّاج بن محمّد ، قال شعبة : لم

١٤٥

يسمع أبو عبدالرحمن السلمي من عثمان ولكن سمع من عليّ(١)».

وفي الجرح والتعديل : حدّثنا عبدالرحمن ، نا عليّ بن الحسن [الهسنجاني] ، ثنا أحمد [بن حنبل] ثنا حجّاج ـ يعني ابن محمّد الأعور ـ قال قال شعبة : لم يسمع أبو عبدالرحمن من عثمان ولكن [سمع] من عليّ(٢).

وفيه أيضاً حدّثنا عبدالرحمن ، حدّثني أبي ، نا معاوية بن صالح بن أبي عبدالله الأشعري ، قال : حدّثني يحيى بن معين ، نا حجاج بن محمّد ، عن شعبة ، قال : لم يسمع أبو عبدالرحمن السلمي من عثمان ولا من عبدالله بن مسعود ولكنّه قد سمع من عليّ(٣) هذا أوّلاً.

وثانياً : نصّ السلمي بأنّه أخذ القرآن من عليّ عليه‌السلام (٤) ، كما أنّه قال : «ما رأيت رجلاً أقرا من عليّ»(٥) ، وهذا النصّ الأخير يشير إلى اختصاص السلمي بعليٍّ؛ لأنّه لا يعقل أن يقول (ما رأيت أحداً أقرأ من عليٍّ) ثمّ يعتمد قراءة غيره.

وثالثاً : بما أنّ السلمي كوفيّ فلا يستبعد أن يكون عرض ما سمعه من عثمان ـ على فرض صحّة سماعه منه ـ على عليّ أيّام خلافته في الكوفة ، فكانت القراءة النهائية موافقة لقراءة الإمام عليِّ عليه‌السلام ، ويؤيّده نصّ الثقات للعجلي : «أبو عبدالرحمن السلمي المقرئ الأعمى ، كوفيّ من أصحاب عبدالله ، ثقة ، وكان يقرئ في زمان عثمان وقرأ على عثمان بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الطبقات الكبرى ٦ / ١٧٢.

(٢) الجرح والتعديل ١ / ١٣١.

(٣) الجرح والتعديل ١ / ١٣١.

(٤) الطبقات الكبرى ٦ / ١٧٢.

(٥) المصنف لابن أبي شيبة ١ / ٣٩٠ ، وشواهد التنزيل للحسكاني ١ / ٣٣ و ٣٤.

١٤٦

عفّان ، وعرض على عليّ بن أبي طالب»(١).

أمّا أخذه عن ابن مسعود فهو الآخر يرجع إلى الإمام عليّ عليه‌السلام أيضاً ؛ لأنّ ابن مسعود صرّح بأنّه أخذ بضعاً وسبعين سورة من في رسول الله(صلى الله عليه وآله) (٢) والباقي أخذها من خير الناس علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٣).

وقد قال الذهبي في معرفة القرّاء الكبار : «وروى حفص بن سليمان ، قال : قال لي عاصم : ما كان من القراءة التي أقرأتك بها فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبدالرحمن السلمي عن عليّ رضي‌الله‌عنه ، وما كان من القراءة التي أقرأت بها أبا بكر ابن عيّاش فهي القراءة التي كنت أعرضها على زرّ بن حبيش عن ابن مسعود»(٤).

وبذلك يكون زر بن حبيش قد قرأ القرآن كلّه على عليّ بن أبي طالب(٥) ، كما أنّه قرأ على ابن مسعود أيضاً ، فابن مسعود كان قد قرأ على عليّ عليه‌السلام فتعود قراءته إلى الإمام عليّ عليه‌السلام أيضاً.

وللبحث صلة ...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) معرفة الثقات للعجلي ٢ / ٤١٣.

(٢) صحيح البخاري ٦ / ١٠٢.

(٣) المعجم الكبير ٩ / ٧٦ / ح ٨٤٤٦ ، المعجم الأوسط ٥ / ١٠١/ ح ٤٧٩٢ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٠١ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٤٠٣ عن الطبراني ، شرح الأخبار ١ / ١٤٤/٨٣ ، بحار الأنوار ٤٠ / ١٨٠.

(٤) معرفة القراء الكبار ١ / ٩٢.

(٥) كنز العمال ٢ / ٣٥١.

١٤٧

مع الشريف الرضي في ديوانه

(٢)

المرحوم الشيخ محمّد عليّ اليعقوبي

الفصل الثاني

في الشعر المنسوب للشريف الرضي وهو لغيره

ـ ١ ـ

في الكشكول للبهائي (ص٤٨) أورد للشريف الرضي بضع مقاطيع مشهورة ومثبّتة بديوانه إلى أن قال : «وله نوّر الله ضريحه ...» وذكر له أبياتاً ثمانية منها :

قد حصلنا من المعاش كما قد

قيل قدماً لا عطر بعد عروس

ذهب القوم بالأطائب منها

ودعينا إلى الدنيِّ الخسيس

ما افتخار الفتى بثوب جديد

وهو من تحته بعرض دنيس

والغنى ليس باللجين وبالـ

ـتبر ولكن بعزّة في النفوس

وليست الأبيات للشريف الرضي ولا وجود لها بديوانه وإنّما هي

١٤٨

للشاعر المشهور علي بن الحسن المعروف بـ : (صرَّدر) المتوفّى عام (٤٦٥هـ) بعد الرضي بستّين عاماً ، وهي من قصيدة له تبلغ العشرين بيتاً قالها في عميد الدولة شرف الدين وقد عرض عليه تقليد عمل من أعمال العراق لم يرضه ، وهي بتمامها مثبتة بديوانه المطبوع أخيراً بمصر عام (١٣٥٣هـ) على نسخة مخطوطة بقلم الشاعر محمود سامي البارودي عن نسخة قديمة في مكتبات الأستانة.

ـ ٢ ـ

في الجزء الثاني من المستظرف (ص١٨٥) لمؤلّفه الأبشيهي المتوفّى عام (٨٥٠هـ) قال الشريف الرضي :

علِّلاني بذكرهم واسقياني

وأمزجا لي دمعي بكأس دهاق

وخذا النوم من جفوني فإنّي

قد خلعت الكرى على العشّاق

وليس الشعر للشريف الرضي وإنّما هو من مقطوعة لأخيه علم الهدى السيّد المرتضى أوّلها :

يا خليليَّ من ذؤابة قيس

في التصابي رياضة الأخلاق

والبيت الأخير هو الذي ردَّ به المطرَّز على المرتضى حين عرَّض فيه بقوله :

إذا لم تبلِّغني إليكم ركائبي

فلا وردت ماء ولا رعت العشبا

والقصّة معروفة في كتب الأدب.

ـ ٣ ـ

وفي كتاب معادن الجواهر تأليف العلاّمة الشهير السيّد محسن الأمين

١٤٩

العاملي رحمه‌الله (ج١ ص٤١٥) نسب هذه الأبيات للشريف الرضي :

ولابدّ أن أسعى لأشرف رتبة

وأمنع عن عيني لذيذ منامي

وأقتحم الخطب المهول بحيث أن

أرى الموت خلفي تارةً وأمامي

فأمّا مقاماً يضرب المجد دونه

سرادقه أو ناعياً لحمامي

إذا أنا لم أبلغ مقاماً أرومه

فكم حسرات في نفوس كرام

وليست الأبيات للشريف وإنّما هي لشرف الدين أبي المحاسن محمّد ابن نصر الله المعروف بابن عنين المتوفّى عام (٦٣٠هـ) الدمشقي ، وهي مثبّتة في ديوانه المطبوع عام (١٣٦٥هـ) بدمشق بعناية المرحوم صديقنا الأستاذ خليل مردم رئيس المجمع العلمي العربي (ص١١٦) ، وإليك نصّها كما في الديوان لتقف على ما وقع فيها من تحريف النسّاخ :

ولابدّ أن أسعى لأفضل رتبة

وأحمي عن عيني لذيذ منام

وأقتحم الأمر الجسيم بحيث أن

أرى الموت خلفي تارة وأمامي

فأمّا مقاماً يضرب المجد حوله

سرادقه أو باكياً لحمامي

فإن أنا لم أبلغ مقاماً أرومه

فكم حسرات في نفوس كرام

ـ ٤ ـ

وفي محاضرات الراغب الأصبهاني (ج٢ ص٢١٩) نسب للشريف هذا البيت :

فمؤجّل يلقى الردى في أهله

ومعجّل يلقى الردى في نفسه

وليس هو للشريف وإنّما هو من أبيات لأبي فراس الحمداني وقد مرَّ عليَّ في بعض كتب الأخلاق والمواعظ ومن تلك الأبيات :

١٥٠

المرء رهن مصائب لا تنقضي

حتّى يوسَّد جسمه في رمسه

ـ ٥ ـ

وفي محاضرات الراغب أيضاً (ج٢ ص٢٣٣) نسب للشريف الرضي :

أتته المنيّة مغتالة

رويداً تخلّل من سيره

فلم تغن أجناده حوله

ولا المسرعون إلى نصره

ولا وجود لهما في ديوانه وليس عليهما شيءٌ من ديباجة شعره.

ـ ٦ ـ

وفي الجزء الثاني (ص٢٠٣) من المستظرف للأبشيهي نسب هذه الأبيات للسيّد الشريف :

وتميس بين مزعفر ومعصفر

ومعنبر وممسَّك ومصندل

هيفاء إن قال الشباب لها انهضي

قالت روادفها اقعدي وتمهّلي

وإذا سألت الوصل قال جمالها

جودي وقال دلالها لا تفعلي

والأبيات ليست للشريف الرضي وإنّما هي للشاعرة شمسة الموصلية ، وقد رواها جلال الدين السيوطي المتوفّى عام (٩١١هـ) في كتابه نزهة الجلساء في أشعار النساء ـ ط بيروت ـ (١٩٥٨م) (ص٦٠) عند ترجمة شمسة المذكورة وذكر قول أبي حيّان عنها وأنّها كانت شيخة عالمة ومن شعرها :

وتميس بين مزعفر ومعصفر

ومكبّر ومعنبر ومصندل

فبهارة في روضة أو وردة

في جونة أو صورة في هيكل

هيفاء إن قال الزمان لها انهضي

قالت روادفها اقعدي وتمهّلي

١٥١

والبيت الثالث ـ هيفاء إن قال الشباب ـ أورده الصفدي شاهداً في شرح لامية العجم (ج١ ص٢٤٣) ونسبه لشمسة الموصلية أيضاً.

ـ ٧ ـ

وفي معاهد التنصيص لعبد الرحيم العبّاسي (بتحقيق محمّد محي الدين عبد الحميد مفتّش العلوم الدينية والعربية بالجامع الأزهر) (ج١ ص ٢٤٧) نسب هذين البيتين للشريف الرضي :

ويوم وقفنا للوداع فكلّنا

يعدّ قطيع الشوق من كان أحزما

فصرت بقلب لا يعنّف في الهوى

وعين متّى استمطرتها أمطرت دما

والبيتان للسيّد المرتضى ـ لا للرضي ـ من مقطوعة له أثبتها المرتضى في أماليه (ج١ ص٧٨) وإليك نصّ قوله : «ذاكرني بعض الأصدقاء بقول أبي دهبل الجمحي وهو يعني ناقته :

وأبرزتها من بطن مكّة عندما

أصات المنادي بالصلاة فأعتما

وسألني إجازة هذا البيت بأبيات تنضمّ إليه وأجعل الكناية فيه كأنّها كناية عن امرأة لا عن ناقة فقلت في الحال :

فطيَّب ريَّاها المقام وضوّأت

بإشراقها بين الحطيم وزمزما»

وذكر الأبيات التسعة وفي آخرها (ويوم وقفنا للوداع ..) إلى آخر البيتين ، ووجدت القطعة مع البيتين مثبّتة بديوان المرتضى ط مصر (ج٣ ص٢٠٠) وأنّ الذي التمس منه ذلك هو الوزير الحسن بن أحمد فارتجل المرتضى الأبيات في الحال.

ـ ٨ ـ

وفي أنوار الربيع للعلاّمة الجليل السيّد علي خان في باب (مراعاة

١٥٢

النظير) قال : «ومن أعجب ما وقع في هذا النوع قول الشريف الرضي رضي‌الله‌عنه :

حيّرني روض على خدِّه

ويلي من ذاك وويلي عليه

أىّ جنى يقطف من حسنه

وكلّ ما فيه حبيب إليه

نرجستَي عينيه أم وردتَي

خدّيه أم ريحانَتي عارضيه»

وقال بعدها : «هذا هو الشعر الذي قيل فيه إنّه أرقّ أنفاساً من نسيم السحر وأدقّ اختلاساً من النفاث إذا سحر».

قلت : ولا وجود للأبيات المذكورة في ديوان الشريف الرضي المطبوع منه والمخطوط ، ومن الغريب أن يتّفق للسيّد هذا الوهم في نسبتها للشريف وهو الباحث الضليع.

ـ ٩ ـ

وفي كتاب نفحة اليمن لمؤلّفه أحمد بن محمّد الأنصاري اليماني الشرواني المتوفّى عام (١٢٥٣هـ) (ص١٠٩) نسب هذه الأبيات للشريف الرضي :

عجباً للزمان في حالتيه

وبلاء وقعت منه إليه

أي خير أرجو من الدهر في الـ

ـدهر وما زال قائلاً لبنيه

من يعمِّر يفجع بفقد الأحبا

ء ومن مات فالمصيبة فيه

ربَّ يوم بكيت منه فلمّا

صرت في غيره بكيت عليه

وليست الأبيات للشريف الرضي ولا وجود لها في ديوانه ولم ينسبها أحد إليه ، والبيت الأخير منها لأبي العتاهية وهو من أمثاله السائرة ولكنّه جاء محرّفاً وأصله كما في ديوانه :

كم زمان بكيت منه قديماً

ثمّ لمّا مضى بكيت عليه

١٥٣

والبيتان الأوّل والرابع منها نسبهما شيخنا القمّي في الكنى والألقاب (ج١ ص٣٩٧) لعبد الله بن المعتزّ العبّاسي في ترجمته.

ـ ١٠ ـ

وفي كتاب النفحة أيضاً نسب للسيّد الشريف هذين البيتين :

بين الضعائن حاجة خلّفتها

أودعتها يوم الفراق مودّعي

وأظنّها لا بل يقيني أنّها

قلبي لأنّي لم أجد قلبي معي

ولا وجود لهما في ديوان الشريف ، وهذا الشعر وما قبله ينحطّ عن أسلوب الشريف الرضي ونفسه العالي المعروف لدى كلِّ من درس أدب الشريف ، وكأنّ البيتين الأخيرين منحولان ومحرَّفان من أبيات أوردها صاحب أنوار الربيع في باب (تجاهل العارف) بعنوان : قال شيخنا محمّد الشامي :

بيني وبينك يا ظباء الأجرع

عهد أضيع وحقّ دين ما رُعي

لي عندكنّ وديعة وأظنُّها

قلبي فإنّي لا أرى قلبي معي

ـ ١١ ـ

مناجاة الحبيب ـ ط مصر ـ عام (١٣٤٨هـ) جمعه محمّد أحمد رمضان المدني أثبت فيه عدّة قصائد ومقطعات لكثير من الشعراء ، المخضرمين والمولّدين والمعاصرين وهو متداول بأيدي المتأدّبين من الشباب ، جاء في الطبعة الخامسة منه (ص١٣٨) بعنوان للشريف الرضي :

خلِّياني بلوعتي وغرامي

يا خليلىَّ واذهبا بسلام

قد دعاني الهوى ولبَّاه لبِّي

فدعاني ولا تطيلا ملامي

خامرت خمرة المحبّة عقلي

وجرت في مفاصلي وعظامي

١٥٤

وأورد منها (١٦) بيتاً ، وليست هي للشريف الرضي وإنّما هي للعلاّمة الشيخ بهاء الدين محمّد العاملي المعروف بالبهائي المتوفّى عام (١٠٣٠هـ) وقد أوردها الشيخ المذكور في كتابه الكشكول وأنّه وازن بها قصيدة لأحد السادات في مدح والده (الحسين بن عبد الصمد) وهي تناهز الـ (٢٤) بيتاً أوّلها (خلّياني بلوعتي وغرامي ...) ومثبّتة في (ص٤٨) ط مصر.

وقد أوردها أيضاً العلاّمة السيّد علي خان في كتابه أنوار الربيع في باب (الانسجام) بعنوان : ومن ذلك قول العلاّمة الشيخ بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي (خلِّياني بلوعتي وغرامي ...) وهي مثبّتة في (ص٤٧٢).

ـ ١٢ ـ

وفي كشكول الشيخ الجليل الشيخ يوسف البحراني (ص٢١) أورد تخميساً لأبيات أربعة قال إنّها للشريف الرضي ، ثمّ استبعد هو كونها للشريف الرضي والأصل المنسوب للسيّد الرضي هو :

أرى حمراً ترعى وتأكل ما تهوى

وأسداً ظماءً تطلب الماء ما تُروى

وأشراف قوم ما ينالون قوتهم

وأنذال قوم تأكل المنَّ والسلوى

ولم يبلغوا هذا بحدِّ سيوفهم

ولكن قضاه عالم السرِّ والنجوى

لحا الله دهراً صيَّرتني صروفه

أذلّ لمن يسوى ومن لم يكن يسوى

وشأن السيّد الشريف أسمى من أن تنسب له هذه المعاني المبذولة والألفاظ المرذولة ، والتخميس الذي أورده لها هو للسيّد حسن بن يحيى

١٥٥

الأعرجي الحلّي من أدباء القرن الحادي عشر للهجرة ، وقد ترجمنا له في كتابنا البابليّات (ج١ ص١٥٩) ، كما ترجم له سيّدنا الأمين في الأعيان ج٢٤ ص٢٥٥) نقلاً عن السيّد ضامن بن شدقم ، واستبعد السيّد الأمين أيضاً أن يكون هذا الشعر للشريف الرضي ، والأبيات تنسب لمحمّد بن إدريس الشافعي.

١٥٦

الفصل الثالث

في مآخذ الشريف الرضي من الشعراء

قال الشريف الرضي :

ونحن النازلون بكلِّ ثغر

نريق على جوانبه الدماءا

نظر فيه إلى قول المتنبّي :

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى

حتّى يراق على جوانبه الدم

قال الشريف في مدح والده النقيب الحسين بن موسى :

وإذا بلغن بي الحسين فإنّه

حقٌّ لهنّ على المطالب واجب

كأنّه يقول : إذا بلغت النياق بي الحسين فإنّ لهن حقّاً واجباً وهو أن يحرِّم ركوبها على نفسه وعلى غيره ، وهو مأخوذ من قول أبي نؤاس في الأمين :

وإذا المطىُّ بنا بلغن محمّداً

فظهورهنّ على الرجال حرام

وبيت أبي نؤاس أجود سبكاً وأظهر معنىً.

قال الشريف :

يسير وأرضه جرد المذاكي

وجوُّ سمائه ظلّ العُقاب

أخذه من قول النابغة الذبياني :

١٥٧

إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم

عصائب طير تهتدي بعصائب

قال الشريف :

نفرُّ إلى الشراب إذا غصصنا

فكيف إذا غصصنا بالشراب

وهو نظير قول الشاعر :

إلى الماء يسعى من يغصّ بريقه

فقل أين يسعى من يغصُّ بماء

قال الشريف معرِّضاً :

حمته مذلّته سطوتي

وكيف ينال ذباباً ذبابي

والذباب الأوّل الحشرة المعروفة والثاني ذباب السيف وهو طرفه الذي يضرب فيه ، وقد أخذ المعنى من قول إبراهيم بن العبّاس الصولي :

نجابك عرضك منجى الذبا

ب حمته مقاذره أن ينالا

قال الشريف راثياً :

مضى التليع الأعلى لطيّته

واستأخر المنسمان والذنب

وفي الديوان (التليد) وليس لها معنى والصواب ما ذكرناه وهو من قولهم أتلع الرجل عنقه فهو أتلع وتليع من التلع (محرّكة) وهو طول العنق ، والطيّة بالكسر والتشديد : النيَّة والوجه ، والمنسم كمجلس : خفّ البعير ، والذنب : الذيل ، كأنّه يقول : ذهب كرام الناس الذين يشبَّهون بالسنام وبقي أراذلهم الذين يشبَّهون بالمناسم والأذناب ، وهو نظير قول الخنساء :

إنّ الزمان وما تفنى عجائبه

أبقى لنا ذنباً واستُؤصل الرأس

١٥٨

قال الشريف في مدح خاله أبي الحسين بن الناصر :

هابوا ابتسامك في دهياء مظلمة

وليس يوصف ثغر الليث بالشنب

نظر فيه إلى قول أبي الطيّب المتنبي :

إذا رأيت نيوب الليث بارزة

فلا تظنّنَّ أنَّ الليث يبتسم

قال الشريف :

تعلَّم فإنَّ الجود في الناس فطنة

تناقلها الأحرار والطبع أغلب

نظر فيه إلى قول المتنبّي :

وللنفس أخلاق تدلّ على الفتى

أكان سخاءً ما أتى أم تساخيا

قال الشريف :

وأعظم ما ألاقي أنَّ دهري

يعدُّ محاسني لي من ذنوبي

وقد لمح فيه إلى قول البحتري :

إذا محاسني اللائي أدلّ بها

كانت ذنوباً فقل لي كيف أعتذر

قال الشريف :

وهل نافعي أن يكثر الماء في الدنى

ولمّا يجرني ـ إن ظمئت ـ شراب

نظر فيه إلى قول أبي فراس الحمداني :

معلِّلتي بالوصل والموت دونه

إذا متُّ ظمآناً فلا نزل القطر

وفي ضدِّه يقول أبو العلاء المعرّي معاصر الرضي :

فلا هطلت علىَّ ولا بأرضي

سحائب ليس تنتظم البلادا

١٥٩

قال الشريف :

خلا منك طرفي وامتلا بك خاطري

كأنّك من عيني نُقلت إلى قلبي

وكرَّر المعنى في قصيدة رثى أخته بها :

لئن خلا منك طرف

لقد ملي منك قلب

وقد نظر فيه إلى قول ابن المعتز :

يقولون لي والبعد بيني وبينها

نأت عنك شروى وأنطوى سبب القرب

فقلت لهم والسرُّ يظهره البكا

لئن فارقت عيني لقد سكنت قلبي

قال الشريف :

وأحلم خلق الله حتّى إذا دنا

إليها الأذى طارت بها جهلاتها

نظر فيه إلى قول النابغة الذبياني :

ولا خير في حلم إذا لم تكن له

بوادر تحمي صفوه أن يكدَّرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له

حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

قال الشريف في رثاء الصابي :

ليس الفجائع في الذخائر مثلها

بأماجد الأعيان والأفراد

وقد تناول الشعراء هذا المعنى كثيراً ومنهم أبو دؤاد الأيادي حيث قال :

١٦٠