تراثنا ـ العددان [ 109 و 110 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 109 و 110 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٣٠

أفوّق نبل القوس بيني وبينه

فيؤلمني من نزعها وبها عرضي

وأرجع لم أولغ لساني من دمي

ولم أدم أعضائي بنهش ولا عضِّ

إذا اضطرمت ما بين جنبي غضبة

وكاد فمي يمضي من القول ما يمضي

والأبيات ليست للسيّد الحلّي وإنّما هي من قصيدة طويلة للشريف الرضي تنيف على أربعين بيتاً عاتب بها أخاه السيّد المرتضى كما جاءفي الديوان ، وقد جاء البيت الأوّل محرّفاً وصوابه :

أفوِّق نبل القول بيني وبينه

فيؤلمني من قبل نزعي بها عرضي

وهي من قصائده العامرة التي اختارها الدكتور زكي مبارك وأودعها كتابه عبقرية الشريف الرضي.

ـ ١٣ ـ

وفي الجزء العاشر من أعيان الشيعة (ص٢٤٨) قال سيّدنا العلاّمة الأمين في ترجمة أحمد بن منير الطرابلسي : «وله شعر كثير في الأئمّة عليهم‌السلام لم يحضرنا منه شيء ، وأورد صاحب النجوم الزاهرة من شعره قوله :

جنى وتجنّى والفؤاد يطيعه

فلا ذاق من يجنى عليه كما يجني

فإن لم يكن عندي كعيني ومسمعي

فلا نظرت عيني ولا سمعت أذني».

٣٤١

ومن الخطأ والوهم نسبة البيتين لابن منير فإنّهما للشريف الرضي ومثبتان في ديوانه من جملة أبيات له ، وإنّ ولادة ابن منير سنة (٤٧٣هـ) ووفاة الشريف الرضي سنة (٤٠٦هـ) قبل ولادة ابن منير بما يقرب من سبعين عاماً ، وقد أورد الباخرزي أبيات السيّد في دمية القصر (ص٧٤) في ترجمة الشريف الرضي وكأنّها ممّا اختاره من مقاطيعه ، وإليك نصّ الأبيات بكمالها كما في الديوان والدمية :

جنى وتجنّى والفؤاد يطيعه

فيأمن أن يجنى عليه كما يجني

إلى كم تسيء الظنّ بي متجرِّماً

وأنسب سوء الظنّ منك إلى الضنِّ

ووالله لا أحببت غيرك واحداً

إليّة برٍّ لا يخاف ويستثني

فإن لم تكن عندي كعيني ومسمعي

فلا نظرت عيني ولا سمعت أذني

وإنّك أحلى في الجفون من الكرى

وأعذب طعماً في فؤادي من الأمن

ومن الغريب أن يعتمد سيّدنا الأمين على صاحب النجوم الزاهرة بنسبة الأبيات لابن منير ، ولا أحسب أنَّ السيّد لم يرها في ديوان الرضي

٣٤٢

والدمية ، والعصمة لله وحده والإنسان معرَّض للنسيان.

ـ ١٤ ـ

وفي كتاب الأعلام للباحث الكبير المحقّق خير الدين الزركلي (ج٧ ص٣٦) ترجم للشاعر محمّد الصبحي (المعَّاز) وذكر أنّه تولّى وظائف في الحجاز والمكلاّ واليمن وتخرّج عليه كثير من معلّمي المدارس بحضر موت واستقرّ في عدن مديراً لمدرسة فيها فأدركته منيّته عام (١٣٥٤هـ) إلى أن قال : «قرأت له أبياتاً تدلّ على شاعرية قوية منها في حسن الإغضاء :

دع المرء مطويّاً على ما ذممته

ولا تنبش الداء العضال فتندما

إذا العضو لم يؤلمك إلاّ قطعته

على مضض لم تبق لحماً ولا دما

نقلاً عن جريدة البلاغ المصرية عام (١٣٥٥هـ) وقد جاءت في البيت الأوّل جملة (ولا تنبش) محرَّفة وصوابها (ولا تنشر) وأراد بها الشاعرمقابلة الطي من قوله (دع المرء مطوياً) وهو من أنواع البديع».

وممّا يؤسف له غفلة الأستاذ الزركلي عمّا جاء في جريدة البلاغ التي نقل عنها من الخطأ والغلط ، فأنّى لشعراء حضرموت والمكلاّ بهذا النمط والأسلوب من الشعر الرصين الذي تنبثق منه الحكمة وتطغى عليه الروعة ، وكيف لا يكون كذلك وهو من نظم أشعر الطالبيّين الشريف الرضي ، فإنّ البيتين من مقطوعة له مثبتة بديوانه المتداول بأيدي الناس قبل المعّاز وصاحب البلاغ بنحو ألف عام عددها (١٤) بيتاً أوّلها :

٣٤٣

وكم صاحب كالرمح راغت كعوبه

أبى بعد طول الغمز أن يتقوّما

تقبّلت منه ظاهراً متبلّجاً

وأدمج دوني باطناً متجّهما

ولو أنّني كشّفته عن ضميره

أقمت على ما بيننا اليوم مأتما

فلا باسط بالسوء إن ساءني يداً

ولا فاغر بالذمِّ أن رابني فما

حملتك حمل العين لجَّ بها القذى

فلا تنجلي يوماً ولا تبلغ العمى

(دع المرء مطويّاً) إلى آخر البيتين وختامها قوله :

ومن لم يوطِّن للصغير من الأذى

تعرَّض أن يلقى أجلَّ وأعظما

ـ ١٥ ـ

وفي الجزء الأوّل من كتاب آداب اللغة العربية (ص١١٧) لجورجي زيدان في ترجمة عنترة بن شدّاد العبسي قال : «ومن أقواله قصيدة يهدّد بها عمارة والربيع بن زياد العبسي مطلعها :

لغير العلا منِّي القلا والتجنّب

ولولا العلا ما كنت للعيش أرغب»

ولاشكّ أنّه نقلها من ديوان عنترة (ص١١) ط بيروت عام (١٨٩١م)وأورد له نماذج أخرى من ديوانه ، وهي من عيون قصائد الشريف الرضي تنيف على (٧٠) بيتاً ومثبّتة بديوانه ، ولقد كفانا عن الإشارة إلى هذا الخطأ الفظيع ما صرَّح به شيخنا العلاّمة كاشف الغطاء في كتابه المراجعات والمطالعات المطبوع في صيدا عام (١٣٣١هـ) عند نقده لكتاب زيدان المذكور (ج٢ ص ٥١) حيث قال رحمه الله :

٣٤٤

«أمّا المطلع فلا شكّ أنّه للشريف الرضي وهو موجود في نسخة ديوانه القلمية والمطبوعة بتغيير لفظ العيش بالحبّ لا غير ، ويبعد أن يعمد هذا السيّد الأبي الشهم العظيم القدر إلى بيت مشهور لذلك الشاعر المشهور فينتزعه ويجعله طليعة قصيدة من غرر قصائده ، كما يبعد أن يكون من قبيل توارد الخاطر ، ومن راجع القصيدتين عرف أنّهما بمسلك السيّد أشبه ، وإلى أسلوبه أقرب ، على أنّ الديوان المنسوب لعنترة ـ لعدم ورود رواية وثيقة به ـ أكثره أو الكثير منه مستعار على الظنّ من السيّد الرضي ونظرائه الذين بلغ الشعر في أعصارهم إلى أرقى معارجه وأنقى مناهجه ، وما أبعد ما بين شعر عصر عنترة من الشعر الذي ينسب إليه ، وهذا شيء يعرفه أهله والله أعلم بالحقيقة ... أهـ».

وقد تأثّر زيدان في غلطة السيّد أحمد الهاشمي صاحب كتاب جواهر الأدب حيث قال (ص٦٢٥) من كتابه المذكور في عنوان القصيدة المذكورة : «أنّها للشريف الرضي ، وقيل لعنترة العبسي» وأثبت منها (١٨) بيتاً وذكر في تعليقته على ترجمة الشريف أنّه توفّي عام (٤٦٣هـ) وهو خطأ لا يغتفر فإنّ وفاة الشريف عام (٤٠٦هـ) فلينتبه من يراجع جواهر الأدب.

وإليك ما قاله بعض الباحثين عن ديوان عنترة ، ففي كتاب الوسيط للإسكندري وعناني (ص٧٤) : «وأكثر ما في سيرته الموضوعة في زمن الفاطميّين وما في الديوان المنسوب إليه المستخرج من هذه السيرة منحول لايعتدّ به ...».

٣٤٥

وفي كتاب الأعلام للبحّاثة الكبير الزركلي في ترجمة عنترة : «وينسب إليه ديوان شعر مط أكثر ما فيه مصنوع».

وهذا شاعر مصر الكبير وأديبها الشهير محمود سامي البارودي قد أثبت من حماسة هذه القصيدة ما يناهز الـ (٢٣) بيتاً ولم يخامره شكّ في نسبتها للشريف الرضي ـ راجع مختارات البارودي (ج٢ ص٢٢١) ـ

وختمهابقوله :

ملكت بحلمي فرصة ما استرقّها

من الدهر مفتول الذراعين أغلب

أعدُّ لفخري في المقام محمّداً

وأدعو عليّاً للعلا حين أركب

ـ ١٦ ـ

ديوان عنترة العبسي مشهور ومتداول في المكتبات الخاصّة والعامّة وسائر المدارس وطبع غير مرّة وشرحه كثيرون من أقطاب اللغة والبيان لتسهيل الإستفادة منه على الناشئين والمتأدّبين ـ كما يقولون ـ ، وقد وقف على تصحيح إحدى طبعاته الأخيرة أمين سعيد صاحب مجلّة الشرق الأدنى.

وأكثر ما فيه منحول أو مصنوع كما قال الزركلي وغيره (١) ، ولم يتصدّ

__________________

(١) وأورد له قصيدة في مدح كسرى أنو شروان مطلعها :

فؤاد لا يسلِّيه المدام

وجسم لا يفارقه السقام

وصدر البيت كله للمتنبّي ، وتمامه : (وعمر مثل ما يهب اللئام).

٣٤٦

أحد من أولئك الأساتذة إلى نقده وإلى ما فيه من الشعر المنحول والمسروق ، وقد أشرنا آنفاً إلى القصيدة البائية المنحولة من ديوان الشريف الرضي ، ولم يكتف السارقون من غزو ديوان الرضي بسرقة قصيدة واحدة بل أعادوا الكرَّة على قصيدة أخرى داليّة تنيف على (٥١) بيتاً من قصائد الشريف ومثبّتة بديوانه المطبوع في بيروت (ص٢٥٨) فاقتطعوا منها (٢١) بيتاًونسبوها لعنترة بديوانه وأوّلها :

لأىَّ حبيب يحسن الرأي والودُّ

وأكثر هذا الناس ليس له عهد

وجاء بعض أبياتها محرَّفاً ومشوَّهاً مثل قوله :

ويصحبني إلى آل عبس عصابة

لها شرف بين القبائل يعتدُّ

ومنها كما في ديوان الشريف :

ولا مال إلاّ ما كسبت بنيله

ثناء ولا مال لمن لا له مجد

إذا عربيٌّ لم يكن مثل سيفه

مضاء على الأعداء أنكره الحدُّ

إذا قلَّ مال المرء قلَّ صديقه

وفارقه ذاك التحنّن والودُّ

ـ ١٧ ـ

ديوان مجنون ليلى الذي رتّبه وشرح ألفاظه اللغوية الكاتب الاجتماعي محمود كامل فريد ولا يكاد يصدّق بجميع ما ورد فيه من القصص الموضوعة والأشعار المنحولة ، ومن ذلك ما جاء في (ص١٦٢) : «قيل إنّه ذات يوم ـ أي المجنون ـ قيس بن الملوّح في روضة غنّاء قد

٣٤٧

أينعت عقب يوم ماطر وبقربه قطيع من الغزلان والوعول وهو ينظر إلى ظبية منها فلمّا ملأ عينه من محاسنها أنشد :

نظرت ببطن مكة أمَّ خشف

تبغَّم وهي ناشدة طلاها

فأعجبني ملامح منك فيها

فقلت أخا الغريب أما تراها

ولولا أنّني رجل حرامٌ

ضممت قرونها ولثمت فاها».

والأبيات ليست للمجنون وإنّما هي للشريف الرضي من قطعة رائعة يذكر فيها أيّامه بـ : (منى) مثبّتة بديوانه (ص٩٦٢) ط بيروت وأوّلها :

أحبّك ما أقام منىً وجمع

وما أرسى بمكّة أخشباها

ولم يك غير موقفنا فطارت

بكلِّ قبيلة منّا نواها

فواهاً كيف تجمعنا الليالي

وآهاً من تفرِّقنا وآها

لأنت النفس خالصة فإن لم

تكونيها فأنت إذاً مناها

إلى أن يقول : (نظرت ببطن مكّة أمَّ خشف) إلى آخر الأبيات الثلاثة ، وورد البيت الثاني هكذا :

فأعجبني ملامح منك فيها

فقلت أخا القرينة أم تراها

وهي إحدى حجازيّات الشريف الرضي التي اختارها الدكتور زكي مبارك وأثبتها في كتابه عبقرية الشريف الرضي.

ـ ١٨ ـ

وفي محاضرات الراغب الأصبهاني (ج٢ ص١٣٢) في باب : (ما قيل

٣٤٨

في العرج) نسب هذين البيتين للغسّاني وهما :

إذا ما تعدَّت بي وسارت محفة

لها أرجل يسعى بها رجلان

وما كنت من فرسانها غير أنّها

وفت لي لمّا خانت القدمان

والبيتان لأبي إسحاق الصابي ـ لا للغسّاني ـ من قصيدة تنيف على (٤٤) بيتاً أرسلها للشريف الرضي وقد أوردها الثعالبي في اليتيمة بتمامها في ترجمة الصابي ، والبيت الأوّل منها أثبته الشريف الرضي بديوانه معنوناً بقوله : وكتب إليه أبو إسحاق الصابي قصيدة يشكو فيها زمانة لحقته حتّى صار يحمل في محفّة ، أوّلها :

إذا ما تعدَّت بي وسارت محفّة

لها أرجل يسعى بها رجلان

فقال ـ أي الرضي ـ يجيبه عنها وذلك سنة (٣٨٤هـ) :

ظماي إلى من لو أراد سقاني

وديني على من لو يشاء قضاني

وقد جاراه فيها وزناً وقافية وعدداً ، ونحن إنّما تعرّضنا لتصويب ما أخطأبه الراغب لعلاقته بديوان الشريف الرضي ، ولأنّ مطلع القصيدة مذكور فيه ومنسوب لصاحبه مع جواب الشريف عنها.

ـ ١٩ ـ

واتّفق لي ـ من سبق القلم ـ مثل ذلك السهو في بيت واحد في كتابنا البابليّات (ج٢ ص ١٦٤) في ترجمة السيّد حيدر الحلّي ، فقد أوردت قوله :

وله الطرف حيث سار أنيس

وله السيف حيث بات ضجيع

٣٤٩

وذكرت أنّه أخذه من مهيار الديلمي حيث قال :

إذا راق صبح فالحصان مصاحب

وإن جنَّ ليل فالحسام ضجيع

وليس البيت لمهيار وإنّما هو للشريف الرضي من قصيدة طويلة مطلعها :

خصيم من الأيّام لي وشفيع

كذا الدهر يعصي مرة ويطيع

وهي مثبّتة بديوان السيّد الرضي لهذا اقتضى التنويه.

وللموضوع صلة ...

٣٥٠

من ذخائر التراث

٣٥١

٣٥٢

٣٥٣
٣٥٤

مقـدّمة التحقيـق

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين أبي القاسم محمّد ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين ، وعلى أصحابهم الغرّ المنتجبين ، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين ، وبعد :

منذ أن ظهر شرب التتن والدخان في مطلع القرن الحادي عشر الهجري وشاع في البلاد الإسلامية ، افترقت مواقف الناس فيه بين مدّ وجزر ، واختلفت آراءُ الفقهاء إلى ثلاثة آراء ؛ فمنهم من رأى حرمته وأنكر أشدّ الإنكار على شاربه ، ومنهم من رأى إباحة شربه وحلّله وتجاهر بشربه ، والرأي الثالث توسّط الرأيين بتجنّبه كراهة له ؛ ولأنّهـ في رأيهِـ عادة قبيحة.

وقد صنّفت رسائل كثيرة في بيان حكم شرب التتن ، وموقف الشريعة الإسلامية منه منذ انتشاره وحتّى يومنا هذا ، وبإلقاءِ نظرة فاحصة على بعض معاجم فهارس الكتب ككتاب هدية العارفين أسماء المؤلّفين وآثار المصنّفين ، وكتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، وكتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة وغيرها ، تجد مدى اهتمام فقهاء المسلمين

٣٥٥

بهذا الموضوع ، إثباتاً أو نفياً ، تحليلاً أو تحريماً.

والمصنّف السيّد الشهرستاني قدس‌سره ليس بِدْعاً في الخوض بهذا الموضوع ، فهو الكاتب الموسوعي الذي جالَ قلمه وفكره في الكثير من العلوم والمعارف ، وسطّر العديد من المصنّفات والرسائل التي بلغت العشرات على ما رُقم في صفحات مَنْ ترجم سيرته العطرة.

ومن تصانيفه المعروفة هذه الرسالة الدخانية الموسومة تحفة الإخوان في حكم شرب الدخان والذي دفعه إلى تصنيفها وحثّه على تأليفها وجوب نصح المؤمن لأخيه لمّا رأى من شياع شرب الدخان وانتشاره بين سائر طلاّب الكمال فضلاً عن عامّة الناس.

وقَدَّر الله تعالى لِي قبل عقد من الزمن أن أُسطّر بحثاً فقهياً عن حكم الدخان في نهار شهر رمضان ومن خلال تتبّعي للرسائل المرسومة في هذا الباب علمت أنّ للسيّد الشهرستاني رسالة في الدخان ، ولكن لم أوفّق لمشاهدتها والاطّلاع على مضمونها في تلك الظروف العصيبة.

واليوم حيث تقيم جامعة الكوفة مؤتمرها التكريمي للسيّد هبة الدين الشهرستاني قدس‌سره (١) مع جمع تراثه وتحقيق ما يمكن إخراجه إلى النور ممّا رشح من يراعه الكريم وفاضَ بهِ ذهنهُ المتوقّد ، ولحسن ظنّهم بي التمسوا

__________________

(١) تحت شعار (السيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني مسيرة اجتهاد وسيرة جهاد) للمدّة من (٣١ آذار إلى ١ نيسان / ٢٠١٠م) برعاية جامعة الكوفة/ مركز دراسات الكوفة ، والجامعة العالمية للعلوم الإسلاميةـ لندن.

٣٥٦

منّي تحقيق هذه الرسالة والتعليق عليها بما يوضّح مطالبها ، ويؤهّلها إعدادا للطبع والنشر ، إذ كان لنا سابقة بهذا الموضوع.

وبالفعل أرسلت لي صورة المخطوط على قرص مدمج ، وبعد اطّلاعي عليها تردّدت في العمل بها لأسباب ، منها : إنّ المخطوطة ناقصة الأوراق من الأخير ، فلا وجه لتحقيقها بعد القطع بعدم وجود نسخة أخرى غير نسختنا ، ومن خلال سؤالي وتتبّعي واستفساري من أحفاد المصنّف وغيرهم ؛ للمطابقة والتصحيح ، ولكي يخرج العمل أكثر دقّة وأقلّ خطأ في ضِمنِ منهج علميٍّ صحيح ، إضافة إلى أنّه لم يبق لإقامة المؤتمر سوى اثني عشر يوماً فقط ، وحيث التمسني من لا يمكنني ردّ رجائه ، وحثّني من لا يسعني التوقّف في رأيه ، فاستجبت لذلك ، وتوكّلت على الله تعالى خالق كلّ شيء ، وهو حسبي (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَان مُّبِين) (١) (يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إلاّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْب سَلِيم) (٢) ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

السيّد محمود المقدّس الغريفيّ

٨ شهر ربيع الآخِر ١٤٣٠هـ

الموافق ٢٥/٣/٢٠١٠م

النجف الأشرف

__________________

(١) سورة الدخان : ١٠.

(٢) سورة الشعراء : ٨٨ ـ ٨٩.

٣٥٧

المُصنّف

السيّد هبة الدين الشهرستاني

في واقع الأمر وحقيقته أنّ تسليط الضوء على شخصية المصلح الكبير والعَلمِ المجاهد السيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني قدس‌سره يَحتاجُ إلى كتاب مستقلّ وذلك لمسيرته الحافلة بالعطاء والبناء ، والجهاد والتجديد ، والتصنيف والتأليف ، وما إلى ذلك من المواقف السياسية والاجتماعية والفكرية في خدمة الإنسانية ، على الرغم من صعوبة الأدوار التي مرَّ بها في حياته فتراه شامخاً لم ينثن.

ومن فضل الله وحمده أنّه قد نهض بأعباء دراسة سيرة هذا الرجل الكبير المعطاء بعض أهل الفضل والعلم ممّن أفرغوا وسعهم وجهدهم في تدوين ما تعلّق بسيرته وشخصيته ، ونظم مسيرة حياته في فصول ثرية وأبواب زاهرة في كُتب مستقلّة ، قد تغنينا والباحثين بالاكتفاء بما حوتها من معالم سيرته عن ترجمته في هذه الرسالة وغيرها.

ومن هذه الكتب ، كتاب العلاّمة الأديب والمحقّق الأريب السيّد عبد الستّار الحسني حفظه الله تعالى الموسوم السيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني حياته ونشاطه العلمي والاجتماعي ، وكتاب السيّد محمّد مهدي العلوي رحمه الله الموسوم هبة الدين الشهرستاني أو نابغة العراق ، وكتاب

٣٥٨

الدكتور محمّد باقر الشيخ أحمد البهادلي الموسوم السيّد هبة الدين الحسيني آثاره الفكرية ومواقفه السياسية ، وغيرها.

وحيث أحلنا الرجوع إلى الكتب للتفصيل والتوسّع في سيرة حياته لابدّ أن نذكر قبساً منها وقطفاً من ثمراتها ؛ ليتعرّف القارئ الكريم على هذا العَلَم الكبير ولو بصورة مختصرة ، فاخترنا ما ذكره السيّد محسن الأمين من ترجمته في كتابه أعيان الشيعة (١) مع بعض التصرّف والإضافة بما يغني الترجمة ويعزّزها ، فهو :

السيّد محمّد علي ابن السيّد حسين ابن السيّد محسن ابن السيّد مرتضى من آل الأمير السيّد علي الكبير الحسيني ، المعروف والمشهور بالسيدهبة الدين الشهرستاني ، ولقب (الشهرستاني) لَحِقَ بهِ من جهة الخؤولة.

ولد المصنّف في سامرّاء في ٢٤ رجب سنة ١٣٠١هـ ، ونشأ في كربلاء المقدّسة حيث قرأ فيها العلوم العربية وشطرا من الفقه والأصول ، ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف فبقي فيها ست عشرة سنة ، قرأ فيها على الشيخ ملاّكاظم الخراساني الآخوند وشيخ الشريعة الشيخ فتح الله الأصفهاني ، وخرج منها في ١٤ شهر رمضان سنة ١٣٣٠هـ ، فساح في السواحل العربية وبلادالهند نحو سنتين ، وحجّ بيت الله الحرام وعاد إلى النجف الأشرف في رجب سنة ١٣٣٢هـ ، ثمّ عاد إلى كربلاء.

__________________

(١) أعيان الشيعة ١٠/٢٦١.

٣٥٩

وكان قدس‌سره قبل رحلته قد أصدر مجلّة العلم في النجف الأشرف وهي أوّل مجلّة عربية ظهرت فيها ، وقد نحا فيها مَنْحىً إصلاحيّاً لم يألفه الناس من قبل ، وهاجم بعض التقاليد الطارئة على أذهان المتديّنين ، وككلّ مصلح يتصدّى لنشر آرائه فقد لاقى مقاومة وعنتاً شديدين.

واتّصلت بعض أفكاره بالأقطار الإسلامية خارج العراق فكان لها نفس الصدى.

وثارت بينه وبين السيّد عبد الحسين شرف الدين معركة قلمية عنيفة على صفحات مجلّة العرفان.

وكان من أقطاب الحركة الدستورية في العراق وإيران منذ عام ١٣٢٤ـ ١٣٣٠هـ ، وبعد عودته من رحلته كانت طلائع الحرب العالمية الأولى قد أطلّت ، ولمّا هاجم الإنكليز العراق كان ممّن خرج لقتالهم مع من خرج من العلماء فكان في جبهة الشعيبة ، وقد دوّن ذكرياته عن تلك الحوادث في رسالة سمّاها الخيبة في الشعيبة.

ثمّ انتقل إلى سكن مدينة الكاظمية المقدّسة ، وبعد الاحتلال الانكليزي للعراق كان أحد رجال الثورة العراقية الكبرى التي اندلعت عليهم عام ١٩٢٠م. فاعتقل وَحُكِمَ عليهِ بالإعدام ، ثمّ شمله العفو العام.

ولمّا قام الحكم الملكي في العراق ـ إثر تولية فيصل بن الحسين مَلِكاً على العراق ـ اختير وزيراً للمعارف العراقية في أوّل وزارة ألّفت في عهده ، ثمّ استقال منها فاستقالت الوزارة كلّها ، وعاد إلى كربلاء.

٣٦٠