محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣
أخبرَني أبو محمّدٍ الحسنُ بن محمدٍ العلويّ ، عن جدِّه ، عن محمّدِ بنِ ميمون البزّاز قال : حدّثَنا سفيان بنُ عُيَيْنةَ ، عنِ ابنِ شهاب الزُّهْريِّ قالَ : حدّثَناعليٌ بن الحسينِ عليهماالسلام ـ وكانَ أفضلَ هاشميًّ أدركْناه ـ قالَ : «أحِبُّونا حُبَّ الاسلامِ ، فما زالَ حبُكم لنا حتّى صارَ شَيْناً علينا» (١).
وروى أَبومعمّرٍ ، عن عبدِ العزيزِ بنِ أَبي حازمِ قالَ : سمعتُ أَبي يقولُ : ما رأَيتُ هاشميّاً أفضلَ من علي بنِ الحسينِ عليهماالسلام (٢).
أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ بنِ يحيى قالَ : حدّثَني جدِّي قالَ : حدّثَني أَبو محمّد الأنصاريُّ قالَ : حدّثَني ُمحمد بنُ ميمون البزّاز قالَ : حدّثَنا الحسينُ بن عَلْوانَ ، عن أَبي عليٍّ زيادِ بنِ رُسْتَمَ ، عن سعيدِ ابنِ كُلثوم قالَ : كنتُ عندَ الصّادقِ جعفرِ بنِ محمّدٍ عليهماالسلام فذُكِرَ أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنُ أَبي طالبٍ عليهالسلام فأَطراه ومدحَه بما هو أَهلُهُ ، ثمّ قالَ : «واللّهِ ما أكلَ عليّ بنُ أَبي طالبٍ عليهالسلام منَ الدًّنيا حراماً قطُّ حتّى مضى لسبيلهِ ، وما عُرِضَ له أَمرانِ قطُّ هما للهِّ رضى الله أَخذَ بأَشدِّهما عليه في دينهِ ، وما نزلتْ برسولِ اللّهِ صلىاللهعليهوآله نازلةٌ إِلاٌ دعاه فقدّمَه ثقةً به ، وما أَطاقَ عملَ رسولِ اللهِّ من
__________________
(١) رواه ابن سعد بسند آخر في الطبقات ٥ : ٢١٤ ، وابو نعيم في الحلية ٣ : ١٣٦ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ٤ : ٣٨٩ ، وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٤٢ ، ونقله المجلسي في البحار ٤٦ : ٥٨ / ٧٣.
وفي هامش «ش» : اهذا نهي لهم عن الغلوّ ، يقول :أحبونا الحب الذي يقتضيه الاسلام ولا تتجاوزوا الحدّ فيكون غلوّاً.
(٢) علل الشرائع : ٢٣٢ ، حلية الاولياء ٣ : ١٤١ ، وعن الحلية وتاريخ النسائي رواه ابن شهرآشوب في المناقب ٤ : ١٥٩ ، تذكرة الخواص : ٢٩٧ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٧٣ / ٦٠.
هذهِ الامّةِ غيرُه ، وإنْ كانَ لَيَعْمل عملَ رجلٍ كأَنَّ وجهَه بينَ الجنّةِ والنّارِ ، يَرجو ثوابَ هذه ويخافُ عقابَ هذه ، ولقد أَعتقَ من مالِه أَلفَ مملوك في طلب وجهِ اللّهِ والنّجاةِ منَ النّارِ ممّا كدَّ بيديه ورشحَ منه جبينه ، وأن كان ليقوتُ اهلَه بالزّيتِ والخلِّ والعجوةِ ، وما كانَ لباسُه إلّا الكرابيسَ ، إِذا فضلَ شيءٌ عن يدِه من كمِّه دعا بالجَلَمِ (١) فقصه ، وما أَشبهه من ولدِه ولا أَهلِ بيتِه أَحدٌ أَقرب شبهاً به في لباسِه وفقهه من عليِّ بنِ الحسينِ عليهماالسلام.
ولقد دخلَ أَبو جعفر ـ ابنه ـ عليهماالسلام عليه فإذا هو قد بلغَ منَ العبادةِ ما لم يبلُغْه أَحدٌ ، فرآه قدِ اصفرّ لونُه منَ السّهرِ ، ورمَصَتْ عيناه منَ البكاءِ ، ودَبِرَتْ جبهته وانخرمَ أَنفُه منَ السُجودِ ، ووَرِمَتْ ساقاه وقدماه منَ القيامِ في الصّلاةِ ، فقالَ أَبو جعفر عليهالسلام : «فلم أَملكْ حينَ رأَيتُه بتلكَ الحالِ البكاءَ ، فبكيتُ رحمةً له (٢) ، وإذا هو يُفكِّر ، فالتفتَ إِليّ بعدَ هُنيهةٍ من دخولي فقالَ : يابُنَيٌ ، أَعطِني بعضَ تلكَ الصحفِ التّي فيها عبادةُ عليِّ بنِ أَبي طالبٍ عليهالسلام ، فأَعطيتُهُ ، فقرأ فيها شيئاً يسيراً ثمّ تركَها من يدِه تضجُّراً وقالَ : مَنْ يَقوى على عبادةِ عليّ عليهالسلام؟! » (٣).
وروى محمّدُ بن الحسينِ قالَ : حدّثَنا عبدُاللّهِ بن محمّدٍ القُرشيّ قالَ : كانَ علي بنُ الحسينِ عليهماالسلام إِذا توضّأ اصفَرَّ لونُه ، فيقولُ له
__________________
(١) الجَلَم : الذي يجزّ به الشعر والصوف ، كالمقص «مجمع البحرين ـ جلم ـ ٦ : ٣٠».
(٢) فى هامش «ش» و «م» : عليه.
(٣) ذكر ذيله ابن شهرآشوب في مناقبه ٤ : ١٤٩ ، وأورده الطبرسي في اعلام الورى: ٢٥٤ مختصراُ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٧٤ / ٦٥.
أَهلُه : ما هذا الّذي يَغشاكَ؟! فيقول : «أَتدرونَ لمن أَتاهَّبُ للقيام بينَ يديه » (١).
وروى عمرُو بنُ شمرٍ ، عن جابرٍ الجعفيّ ، عن أَبي جعفر عليهالسلام قالَ : «كانَ علي بنُ الحسينِ عليهماالسلام يُصلِّي في اليوم والليلةِ أَلفَ ركعةٍ ، وكانتِ الرِّيحُ تمَيِّله بمنزلةِ السُّنبلةِ» (٢).
وروى سفيانُ الثوريُّ ، عن عبيدِاللهِ بنِ عبدِ الرّحمنِ بنِ مَوْهَبٍ قالَ : ذكِرَ لعليِّ بنِ الحسينِ فضلُه فقالَ : «حَسْبُنا أَن نكونَ من صالحي قومِنا» (٣).
أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ ، عن جدّه ، عن سلمة بن شَبيب ، عن عُبيدِاللّهِ بنِ محمّد التّيميِّ قالَ : سمعتُ شيخاً من عبدِ القيس يقولُ : قالَ طاوُوس : دخلتُ الحِجْرَ في الليل ، فإِذا عليّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام قد دخلَ فقامَ يُصلِّي ، فصلّىَ ما شاءَ الله ثمّ سجدَ ، قالَ : فقلتُ : رجلٌ صالحٌ من أَهلِ بيتِ الخيرِ ، لأستمعَنَّ إِلى دعائه ، فسمعتهُ يقولُ في سجودِه : «عَبيدُكَ بفِنائكَ ، مِسكينُكَ بفِنائكَ ، فقيرُكَ بفِنائكَ ، سائلُكَ بفِنائكَ ». قالَ طاووس : فما
__________________
(١) مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٣٦ ، وذكر ما يشابهه ابن سعد في طبقاته ٥ : ٢١٦ ، وابو نعيم في حليته ٣ : ١٣٣ ، والذهبي في سير اعلام النبلاء ٤ : ٣٩٢ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٧٣ / ١٦.
(٢) مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ١٥٠ ، اعلام الورى :٢٥٥ ، وانظر الخصال : ٥١٧ / ٤ صدر الحديث ، وكذا سير اعلام النبلاء ٤ : ٣٩٢ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٧٤ / ٦٢.
(٣) طبقات ابن سعد٥ : ٢١٤ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٣٥ ، مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ١٦٢ ، اعلام الورى : ٢٥٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٧٤ / ٦٣.
دعوتُ بهنَّ في كَرْبٍ لأفُرِّجَ عنِّي (١).
أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمد ، عن جدِّه ، عن أحمد بن محمّدٍ الرّافعيّ ، عن إِبراهيم بن عليٍّ ، عن أَبيه قالَ : حججتُ معَ عليٍّ بنِ الحسينِ عليهالسلام فالْتَاثَتْ (٢) عليه النّاقةُ في سيرِها ، فاَشارَ إِليها بالقضيبِ ثمّ قالَ : «آه! لولا القِصاص» وردَّ يدَه عنها (٣).
وبهذا الاسنادِ قالَ : حج عليُّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام ماشياً ، فسارَ عشرينَ يوماً منَ المدينةِ إِلى مكّةَ (٤).
أَخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ : حدّثَنا جدِّي قالَ : حدّثَنا عمّارُ بنُ أَبان َقال : حدّثَنا عبدُاللهِّ بن بُكَيْرٍ ، عن زُرارة بن أَعيَنَ قالَ :سمعَ سائلٌ في جوفِ الليلِ وهويقولُ : أَينَ الزّاهدونَ في الدّنيا ، الرّاغبونَ في الآخرةِ؟ فهتفَ به هاتفٌ من ناحيةِ البقيعِ يُسمَعُ صوتُه ولا يُرى شخصُه : ذاكَ علي بن الحسينِ عليهالسلام (٥).
وروى عبدُ الرزّاقِ ، عن مَعْمرٍ ، عنِ الزّهريّ قالَ : لم أُدركْ أَحداً من أَهلِ هذا البيتِ ـ يعني بيتَ النّبيِّ عليهالسلام ـ أفضلَ من عليِّ
__________________
(١) سير أعلام انبلاء ٤ : ٣٩٣ ، وفي هامشه عن ابن عساكر ١٢ : ٢٠ آ ، ب ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٣٥ ، وفي كفاية الطالب : ٤٥١ ، وتذكرة الخواص : ٢٩٧ ، والفصول المهمة : ٢٠٢ ، باختلاف يسير ، وثقله العلامة إلمجلسي في البحار ٤٦ : ٧٥ / ٦٦.
(٢) التاثت الناقة : اي ابطأت في سيرها. «مجمع البحرين ـ لوث ـ ٢ : ٢٦٢ ».
(٣) مناقب إبن شهرآشوب ٤ : ١٥٥ ، اعلام الورى :٢٥٥ ، الفصول المهمة : ٢٠٣ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٧٦ / ٦٩.
(٤) مناقب ابن شهرآشوب ٤ :١٥٥ ، اعلام الورى : ٢٥٦ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٧٦ / ٧٠.
(٥) مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ١٤٨ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٧٦ / ٦٧.
ابنِ الحسينِ عليهماالسلام (١).
أَخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ : حدّثَني جدِّي قال : حدّثَنا أَبو يونسَ محمّدُ بنُ أحمدَ قالَ : حدّثَني أَبي وغيرُ واحدٍ من أصحابنا : أَنّ فتىً من قُرَيشٍ جلسَ إِلى سعيدِ بنِ المُسيَّب ، فطلعَ عليُّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام فقالَ القُرَشيُّ لابنِ المُسيِّبَ : مَنْ هذا يا أَبا محمّدٍ؟ قالَ : هذا سيِّدُ العابدينَ علي بنُ الحسينِ بنِ عَليِّ بنِ أَبي طالبِ عليهمالسلام (٢).
أخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ : حدّثَتي جدِّي قالَ : حدّثَني محمّدُ بنُ جعفرٍ وغيرُه قالوا : وقفَ على عليِّ بنِ الحسينِ عليهماالسلام رجلٌ من أَهلِ بيتهِ فأَسمعَه وشتمه ، فلم يكلِّمْه ، فلمّا انصرفَ قالَ لجلسائه : «قد سمعتم ما قالَ هذا الرّجلُ ، وأَنا أًحِبُّ أَن تَبلغوا معي إِليه حتّى تَسمعوا رَدِّي عليه » قالَ : فقالوا له : نفعلُ ، ولقد كنّا نُحبُ أَن تَقولَ له ونَقولَ ، قالَ : فأخذ نعليه ومشى وهو يقولُ : ( وَالْكَاظِمِيْنَ الْغَيْظَ وَالْعَافِيْنَ عَنِ الناس وَاللُّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَ ) (٣) فعلمْنا أَنّه لا يقولُ له شيئاً ، قالَ : فخرجَ حتَّى أَتى منزلَ الرّجلِ فصرخَ به فقالَ : «قولوا له : هذا علي بنُ الحسينِ » قالَ : فخرجَ إِلينا ًمتوثّباً للشّرِّ ، وهو لا يشكُ أَنّه إِنّما جاءه مُكافِئاً له على بعضِ ما كانَ منه ، فقالَ له علي بنُ الحسينِ عليهماالسلام : « يا
__________________
(١) الجرح والتعديل ٦ : ١٧٩ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٣٨٩ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٧٦ / ٧١.
(٢) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٧٦ / ٧٢.
(٣) آل عمران ٣ :١٣٤.
أَخي إِنّكَ كنت قد وقفتَ عليّ آنِفاً فقلتَ وقلتَ ، فإِن كنتَ قلتَ ما فيَّ فأَستغفرُ اللهَ منه ، وِان كنتَ قلتَ ما ليسَ فيَّ فغفرَ اللّه لكَ » قالَ : فقبّلَ الرّجلُ ما بينَ عينيه وقالَ : بل قلتُ فيكَ ما ليسَ فيكَ ، وأَنا أحقُ به.
قالَ الرّاوي للحديثِ : والرّجلُ هو الحسنُ بنُ الحسنِ (١).
أَخبرَني الحسنُ بنُ محمّدٍ ، عن جدِّه قالَ : حدّثَني شيخٌ من أَهلِ اليَمَنِ قد أَتتْ عليه بضعٌ وتسعونَ سنةً (بما أَخبرَني به رجلٌ ) (٢) يقالُ له عبداللهُ بن محمّدٍ قالَ : سمعتُ عبدَ الرّزّاقِ يقولُ : جعلتْ جاريةٌ لعليِّ بنِ الحسينِ عليهماالسلام تَسكبُ عليه الماءَ ليتهيّأَ للصّلاةِ ، فنعستْ فسقطَ الإبريقُ من يدِ الجاريةِ فشجَّه ، فرفعَ رأسَه إليها فقالتْ له الجاريةُ : إِنّ اللهَّ يقولُ : ( وَالكَاظِمِيْنَ الْغَيْظَ ) (٣) قالَ : « قد
__________________
(١) ذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب ٤ : ١٥٧ ، والذهبي في سير اعلام انبلاء ٤ : ٣٩٧ ، وفي هامشه عن ابن عساكر ١٢ : ٢٤ آ ، وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٤٠ ، ونقله ألعلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٥٤ / ١.
(٢) كذا في «ش» و «م» و «ح » ، وفي هامش «ش» ، قال أخبرني رجل ، وفوقه علامة النسخة ، وفي هامش «م» كلمة قال وكأن المراد منه هو نفس ما في هامش «ش» ، ونسخة البحار موافقة لهذه النسخة. وقد ورد الخبر في امالي الصدوق بنفس السند حيث قال : حدثنا الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال : حدثني يحيى بن الحسين بن جعفر قال : حدثني شيخ من أهل اليمن يقال له : عبداللهّ ابن محمد قال : سمعت عبد الرزاق ، كذا في النسخ المعتبرة من الأمالي ، وفي النسخة المطبوعة من الأمالي :الحسين بن محمد بن يحيى ، وهوتصحيف ، وشيخه هو جدّه يحيى بن الحسن بن جعفر وما في نسخ الأمالي المخطوطة تصحيف.
(٣) آل عمران ٣ : ١٣٤.
كظمتُ غيظي (١) » قالت : ( وَالْعَافِيْنَ عَنِ النَّاسِ ) (٢) قالَ لها : «عفا اللّهُ عنكِ » قالتْ : ( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَ ) (٣) قالَ : «اذهَبي فأَنتِ حُرةٌ» (٤).
وروى الواقديُّ قالَ : حدّثَني عبدُاللّهِ بن محمّدِ بنِ عُمَر بن عليٍّ قالَ : كانَ هشامُ بنُ إِسماعيلَ يُسيءُ جوارَنا ، ولقيَ منه عليُّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام أَذىً شديداً ، فلمّا عزِلَ أَمرَ به الوليد أَن يُوقَفَ للنّاسِ ؛ قالَ : فمرَّ به عليُّ بنُ الحسينِ وقد وُقِفَ عندَ دارِ مروانَ ، قالَ : فسلّمَ عليه ، وكان عليُّ بنُ الحسينِ عليهالسلام قد تقدّمَ إِلى حامّتِه ألّا يعرضَ له أَحدٌ (٥).
ورُوِيَ :أَن عليَّ بنَ الحسينِ عليهالسلام دعا مملوكَه مرّتينِ فلم يُجِبْه ، ثمّ أَجابَه في الثّالثةِ ، فقالَ له : «يا بنّي ، أما سمعتَ صوتي؟» قالَ : بلى ، قالَ : «فما بالُكَ (٦) لم تُجبْني؟» قالَ : أَمِنْتُكَ ، قالَ : « الحمدُ للّهِ الّذي جعلَ مملوكي يأْمنِّي (٧) » (٨).
__________________
(١) في «ش» : ألغيظ ، وما في ألمتن من نسخة «م» و «ح » وهامش «ش» ونسخة البحار ، وكذا بعض المصادر.
(٢) و (٣) آل عمران ٣ : ١٣٤.
(٤) مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٤٠ ، وذكره الصدوق في أماليه : ١٦٨ / ١٢ ، وابن شهراشوب في مناقبه ٤ : ١٥٧ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ :٦٨ / ٣٧.
(٥) انظر تاريخ الطبري ٦ : ٤٢٨ ، كامل ابن الأثير ٤ : ٥٢٦ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٥٥ / ٥.
(٦) في «م» وهامش «ش» : فمالك.
(٧) في هامش «ش» يأْمنني.
(٨) مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٤٠ ، مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ١٥٧ ، اعلام الورى : ٢٥٦ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٥٦ / ٦.
أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدِ بن يحيى قالَ : حدّثَني جدِّي قالَ : حدّثَنا يعقوبُ بنُ يزيدَ قالَ : حدّثَنا ابنُ أَبي عُمَيرٍ ، عن عبدِاللّهِ بنِ المغيرةِ ، عن أَبي جعفرٍ الأعشى ، عن أَبي حمزةَ الثُّمالي ، عن عليِّ بنِ الحسينِ عليهماالسلام قالَ : «خرجتُ حتّى انتهيتُ إِلى هذا الحائطِ فاتكأت عليه ، فإِذا رجلٌ عليه ثوبانِ أَبيضانِ يَنظُر في تجاهِ وجهي ، ثمّ قالَ : يا عليَّ بنَ الحسينِ ، ما لي أَراكَ كئيباً (١) حزيناً ، أَعَلى الدُنيا حُزنُكَ؟ فرِزْقُ اللهِّ حاضرٌ للبَرِّ والفاجرِ؛ قالَ : قلتُ : ما على هذا أحزنُ (٢) ، واِنّه لَكَما تقولُ ؛ قالَ : فعَلى الآخرةِ؟ فهو وعد صادقٌ يَحكمُ فيه مَلِكٌ قاهرٌ ؛ [قالَ : قلتُ : ولا على هذا أَحزن ، وانّه لَكَما تقولُ ؛ قالَ : ] (٣) فعلامَ حزنُكَ؟ قالَ : قلتُ : أتخوَّفُ من فتنةِ ابن الزبيرِ؛ قالَ : فضحكَ ثمّ قالَ : يا علي بنَ الحسينِ ، هل رأَيتَ أحداً قطُ توكَّلَ على اللّهِ فلم يَكفِه؟ قلت : لا ؛ قالَ : يا عليَّ بنَ الحسينِ ، هل رأَيتَ أحداً قطُّ خافَ اللّهَ فلم ينْجِه؟ قلتُ : لا ؛ قالَ : يا عليَّ بنَ الحسينِ ، هل رأَيتَ أَحداً قط قد سأَلَ اللهَ فلم يُعْطِه؟ قلتُ : لا ؛ ثمّ نظرتُ فإِذا ليسَ قُدَّامي احد (٤) » (٥).
__________________
(١) في «م» وهامش«ش» :مكتئباً.
(٢) في هامش «ش» : حزني.
(٣) ما بين المعقوفين اثبتناه من المطبوع وبعض المصادر الاخرى كأمالي المصنف والكافي ومختصر تاريخ دمشق.
(٤) في مختصرتاريخ دمشق هنا زيادة : » ... يا علي هذا الخضر عليهالسلام ناجاك».
(٥) التوحيد للصدوق :١٧ / ٣٧٣ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٣٨ ، الكافي ٢ : ٥٢ / ٢ بطريق آخر ، والمصنف في اماليه :٣٤ / ٢٠٤ ، واخرج نحوه ابو نعيم في حليته ٣ : ١٣٤ ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٤٥٠ ، وابن الصباغ في الفصول المهمة : ٢٠٣ ، والمناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٣٧ ، والخرائج والجرائح للراوندي ١ : ٢٦٩ / ١٣ ،
أخبرني أبو محمدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ : حدّثَنا جدي قال : حدّثَنا أبو نصرٍ قالَ : حدّثَنا عبدُ الرّحمن بن صالحٍ قالَ : حدّثَنا يونسُ بنُ بُكَيرٍ ، عنِ (ابنِ إِسحاق ) (١) قالَ : كانَ بالمدينةِ كذا وكذا أَهل بيتٍ يأْتيهم رِزقُهم وما يحتاجونَ إِليه ، لا يدرونَ مِن أَينَ يأْتيهم ، فلمّا ماتَ عليُّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام فَقَدُوا ذلكَ (٢).
أخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ : حدّثَنا جدِّي قالَ : حدّثَنا أَبونصرٍ قالَ : حدّثَنا محمّدُ بنُ عليِّ بنِ عبدِاللّهِ قالَ : حدّثَني أَبي قالَ : حدّثَنا عبدُاللّه بن هارونَ قالَ : حدّثَني عمرُو بنُ دينارٍ قالَ : حضرتْ زيدَ بنَ أُسامة بن زيدٍ الوفاةُ فجعلَ يبكي ، فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام : «ما يُبكيكَ؟» قالَ : يُبكيني أَنّ عليَّ خمسةَ عشرَأَلفَ دينارٍ ولم أَتركْ لها وفاءً؛ فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِ عليهالسلام : «لا تَبكِ ، فهي عَلَيَّ ، وأَنتَ منها بريء » فقضاها عنه (٣).
وروى هارونُ بنُ موسى(٤) قالَ : حدّثَنا عبدُ الملك بن عبدِ العزيزِ
__________________
ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٣٧ / ٣٣.
(١) كذا في «م» والبحار ، وفي «ح » : أبي اسحاق ، كما في «ش» : علي بن اسحاق.
ويونس بن بكيرالشيباني يروي عن محمد بن اسحاق كما في تهذيب التهذيب١١ :٤٣٥ ، ونقل ابن منظور في مختصرتاريخ دمشق عين الحديث عن محمد بن اسحاق. وهو الأنسب.
(٢) مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٣٨ ، وذكره ابو نعيم في حلية الاولياء ٣ : ١٣٦ ، باختلاف يسير ، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٧ : ٢٧٠ و ١١ : ٣٨٢ ، وابن شهرآشوب في مناقبه ٤ : ١٥٣ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٦ه / ٧.
(٣) مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٣٩ ، وانظر حلية الاولياء ٣ : ١٤١ ، وتذكرة الخواص : ٢٩٨ ، مناقب آل أبي طالب ٤ : ١٦٣ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٥٦ / ٨.
(٤) هارون بن موسى هذا من مشايخ يحيى بن الحسن العبيدلي ، انظر غاية الاختصار: ٢٢ ، ٢٤ ، ٣٢ ، وقد روى عن عبد الله بن نافع الزبيري في ص ٣٢ من غاية الاختصار ، وهو
قالَ : لمّا وليَ عبدُ الملك بن مروانَ الخلافةَ ردَّ إلى عليِّ بنِ الحسينِ صلواتُ اللّهِ عليهما صدقاتِ رسولِ اللّهِ وعليٌِ بنِ أَبي طالبِ صلواتُ الله عليهما ، وكانتا مضمومتينِ ، فخرجَ عمرُ بنُ عليٍّ إِلى عبدِ الملكِ يتظلّمُ إِليه من نفسه ؛ (١) فقال له عبد الملك : أقولُ كما قال ابن أَبي الحقيق:
إِنَّا إِذَاَ مَالَتْ دَوَاعِي
الْهَوَى |
|
وَأنصَتَ السَّامِعُ لَلْقَائِل |
وَاصْطَرَعَ النَّاسُ بِأَلْبَابهِمْ |
|
نقضي بحُكْمٍ عَادِلٍ َفاصِلِ |
لا نَجْعل الْباطِلَ حَقاً وَلاَ |
|
نُلِظًّ (٢)دُوْنَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ |
نَخَافُ أَنْ تَسْفَهَ أَحلامُنَا
فنَخْمُلَ |
|
الدَّهرَمعَ الْخَاملِ (٣) |
أخبرَني أَبو محمّد الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ : حدّثَنا جدِّي قالَ : حدّثَنا أَبوجعفرٍ محمّدُ بن إِسماعيلَ قالَ : حجَّ عليُّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام فاستجهرَ (٤) الناس من جمالهِ ، وتَشوّفوا إِليه وجعلوا يقولونَ : مَنْ هذا؟! مَن هذا؟! تعظيماً له وِاجلاللاً لمرتبتِه ، وكانَ الفرزدقُ هناكَ
__________________
هارون بن موسى بن عبدالله المدني مولى آل عثمان الذي عنونه ابن حجر وذكر روايته عن عبدالله بن نافع الزبيري في وروايته عن عبد الملك ابن الماجشون ، وعبد الملك بن الماجشون هو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبدالله بن أبي سلمة الماجشون التيمي مولاهم أبو مروان المدني المتوفى سنة ٢١٢ أو ٢١٤ ، ومن هذا كله يظهر أن الرواية مأخوذة من كتاب يحيى بن الحسن العبيدلي.
(١) في هامش «ش» : أي من اختلال احوال نفسه.
(٢) اُلظّ به : لازمه لا يفارقه. «الصحاح ـ لظظ ـ ٣ : ١١٧٨ ».
(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ١٢١ / ١١.
(٤) لم نعثر على هذه الصيغة في بعض الموسوعات اللغوية المفصلة ، وفي هامش النسختين «ش» و «م» : جهرت ألرجل وأجتهرته [أصح ـ كما في هامش «ش»] اذا استحسنته ، وما أحسن جهره وجهرته.
فانشأ يقولُ :
هذَا الَّذِيْ تَعْرِفُ الْبَطْحاءُ
وَطْاتَهُ |
|
وَالبيْتُ يعْرفُهُ وَالْحِلُّ
وَالْحرَمُ |
هذَا ابنُ خيْرِ عِبَادِ الله كلّهِمُ |
|
هذَا التقيُّ النًّقِيُّ الطاهِرُ
الْعَلَمُ |
يَكَادُ يُمسِكُهُ عِرْفان رَاحتِهِ |
|
رُكنُ الحَطِيْمِ إِذَا ماجَاءَ
يَسْتَلمُ |
يُغْضيْ حياءً وَيغْضَى منْ
مَهَابتِهِ |
|
فمَا يُكلَّمُ إلا حينَ يبتَسِمُ |
أَيُّ الْخلائقِ لَيْسَتْ في
رِقابهِمُ |
|
لأوَّلِيّةِ هذَا أَولهُ نعَمُ |
منْ يَعْرِفِ اللهَّ يَعْرِفْ
أَوَّلِيّةََ ذَا |
|
فَالدِّيْنُ مِنْ بَيْتِ هذَا نَالَهُ
الأممُ |
إِذَا رَأتهُ قرَيْشٌ قالَ قائلهَا |
|
إِلى مَكَارِمِ هذَا يَنْتَهِي
الْكَرَمُ (١) |
أخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ ، عن جدِّه قالَ : حدّثَني داودُ ابن القاسمِ قالَ : حدّثَنا الحسينُ بنُ زيد ، عن عمِّه عمر بن عليٍّ ، عن أَبيه عليِّ بنِ الحسينِ عليهماالسلام أَنّه كانَ يقولُ : «لم أَرَ مثلَ التّقدُّم في الدُّعاءِ ، فإِنّ العبدَ ليسَ يَحضرُه الأجابةُ في كلِّ وقتٍ (٢) ».
وكانَ ممّا حُفِظَ عنه منَ الدُّعاءِ حينَ بلغَه تَوجُّهُ مُسْرِفِ بنِ عُقْبةَ إِلى المدينةِ :
«ربِّ كم من نعمةٍ أَنعمتَ بها عليَّ قلَّ لكَ عندَها شكري ، وكم
__________________
(١) ديوان الفرزدق ٢ : ١٧٨ ، وانظرالاغاني ٢١ : ٣٧٦ ، الاختصاص : ١٩١ ، حلية الاولياء ٣ : ١٣٩ ، مرآة الجنان ١ : ٢٣٩ ، حياة الحيوان مادة ـ أسد ـ ١ : ٩ ، مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ١٦٩ ، كفاية الطالب : ٤٥١ ، الفصول المهمة : ٢٠٧ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ١٢١ / ١٣ ، وثمة رواية أخرى للواقعة في المصادر آنفة الذكر.
(٢) جاء في هامش «ش» ما نصّه : هذا أمرمنه بالدعاء أيام الرخاء ليكون مفزعاً وعدّة أيام البلاء ، فربما يوافق وقت الشدة الوقت الذي لا يستجاب الدعاء فيه.
من بليّةٍ ابتليتَني بها قلَّ لكَ عندَها صبري ، فيا مَنْ قل عند َنعمتِه شكري فلم يَحرِمْني ، وقلَّ (١) عندَ بلائه صبري فلم يَخذًلني ، يا ذا المعروف الذي ( لا ينقطع ) (٢) أبداً ، ويا ذا النّعماءِ الّتي لا تُحصى عدداً ، صلِّ على محمّدٍ ( وآلِ محمّدٍ ) (٣) وادفعْ عنِّي شرّه ، فإِنِّي أَدرأُ بكَ في نحرِه ، وأَستعيذُ بكَ من شرِّه » فقدمَ مسرفُ بنُ عُقْبةَ المدينةَ وكانَ يقال: لا يُريدُ غيرَعليِّ بنِ الحسينِ ؛ فسَلِمَ منه وأَكرمَه وحباه ووَصَلَه (٤).
وجاءَ الحديثُ من غير وجهٍ : أنَّ مُسْرِفَ بنَ عُقْبةَ لمّا قدمَ المدينةَ أَرسلَ إِلى علي بنِ الحسينِ عليهماالسلام فأتاه ، فلمّا صارَ إِليه قرّبَه وأَكرمَه وقالَ له : وصّاني أَميرُ المؤمنينَ ببرِّكَ وتمييزِكَ من غيركَ ؛ فجزّاه خيراً ؛ ثمّ قالَ : أَسرِجوا له بغلتي ، وقالَ له : انصرِفْ إِلى أَهلِكَ ، فإِنِّي أَرى أَنْ قد أَفزعْناهم وأَتعبْناكَ بمشيِكَ إِلينا ، ولو كانَ بأَيدينا ما نَقوى به على صِلَتِكَ بقدرِ حقِّكَ لَوَصلْناكَ ؛ فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام : « ما أَعذرَني للأمير(٥)! » وركبَ ؛ فقالَ لجلسائه : هذا الخيِّرُ لا شرّ َفيه ، معَ موضعِه من رسولِ اللّهِ ومكانِه منه (٦).
وجاءَتِ الرِّوايةُ : أَنّ عليَّ بنَ الحسينِ عليهالسلام كانَ في مسجدِ رسولِ اللّهِ صلىاللهعليهوآله ذاتَ يومٍ إِذ سمعَ قوماً يُشبِّهونَ اللهَّ
__________________
(١) في هامش «ش» : ويا من قل.
(٢) في هامش «ش» و «م» : لاينقضي ولا ينقطع.
(٣) في هامش «ش» : وآله.
(٤) مناقب آل أبي طالب ٤ : ١٦٤ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ١٢٢ / ١٤.
(٥) في هامش «ش» : أي أعذِر الأمير ، كما يقول : ما أضربني لزيد.
(٦) انظر تاريخ الطبري ٥ : ٤٩٣ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ١٢٢.
تعالى بخلقِه ، ففَزِعَ لذِلكَ وارتاعَ له ، ونهضَ حتّى أَتى قبر َرسولِ اللّهِ صلىاللهعليهوآله فوقفَ عندَه ورفعَ صوتَه يناجي ربَه ، فقالَ في مُناجاتِه له :
«إِلهي بَدَتْ قدرتُكَ ولم تَبدُ هيئةٌ فجهلوكَ ، (وقدّروكَ بالتّقديرِ على غيرِ ما به أَنتَ ) (١) ، شبّهوكَ وأَنا بريءُ يا إِلهي منَ الّذينَ بالتّشبيهِ طلبوكَ ، ليسَ كمثلِكَ (٢) شيءٌ إِلهي ولم يدركوكَ ، وظاهرُ ما بهم من نعمةٍ دليلُهم عليكَ لو عرفوكَ ، وفي خلقِكَ يا إِلهي مَندُوْحَةٌ أَن يناولوكَ (٣) ، بل سَوَّوْكَ بخلقِكَ فمِنْ ثَمَّ لم يَعرفوكَ ، واتّخذوا بعضَ آياتِك ربّاً فبذلكَ وصفوكَ ، فتعاليتَ يا إِلهي عمّا به المشَبِّهونَ نَعَتُوكَ » (٤).
فهذا طرفٌ ممّا وردَ منَ الحديثِ في
فضائلِ زينِ العابدينَ عليهالسلام.
وقد روى عنه فقهاءُ العامّةِ منَ العلومِ ما لا يُحصى كثرةً ، وحُفِظَ عنه منَ
المواعظِ والأدعيةِ وفضائلِ القرآنِ والحلالِ والحرام والمغازي والأيّامِ ما هو
مشهورٌ بينَ العلماءِ ، ولو قَصَدْنا إِلى شرحِ ذلكَ لَطَالَ به الخطابُ وتقضّى به
الزّمانُ.
وقد رَوَتِ الشِّيعةُ له آياتٍ معُجزاتٍ وبراهينَ واضحاتٍ لم
__________________
(١) العبارة في «ش» مضطربة ومكررة ، وأثبتناها من «م».
(٢) في «م» وهامش «ش» : ليس مثلك.
(٣) في هامش «ش» : يعني في خلقك مستغنىً باعتبار الاستدلال عن تناول ذلك والكلام فيها نفسها ، وحقيقة المناولة ان تتناول ذاته عزّت.
(٤) نقله العلامة المجلسي في البحار ٣ : ٢٩٣ / ١٥ ، وذكره الصدوق في الأمالي : ٤٨٧ عن الأمام الرضا عليهالسلام وكذا في التوحيد : ١٢٤ / ٢ ، والعيون ا : ١١٦ / ٥.
يَتَّسِعْ لذكرِها المكانُ ، ووجودُها في كتبِهم المصنّفةِ ينوبُ مَنابَ إيرادِها في هذا الكتابِ ، واللهُّ الموفٌق للصّوابِ.
* * *
باب
ذكر أولادِ عليِّ بنِ الحسينِ عليهما السّلامُ
وولد عليّ بن الحسينِ عليهماالسلام خمسةَ عشرَولداً :
محمّدٌ المُكنّى أَبا جعفرٍ الباقر عليهالسلام ، أًمُه أُمّ عبدِاللهِ بنتُ الحسنِ بنِ عليِّ بنِ أَبي طالب عليهمالسلام.
وعبدُاللهِّ والحسنُ والحسينُ ، أُمُّهم أُمُّ ولدٍ.
وزيدٌ وعمرُ ، لأم ولدٍ.
والحسين الأصغرُ وعبدُ الرّحمنِ وسُليمان ، لأمّ ولدٍ.
وعلي ـ وكانَ أَصغرَ ولدِ عليِّ بنِ
الحسينِ ـ وخديجةُ ، أًمُّهما أُمُّ ولدٍ
ومحمّدٌ الأصغرُ ، أُمُّه أمُّ ولدٍ.
وفاطمةُ وعليّةُ وأُمُّ كلثوم ، أُمًّهنَّ أُمُّ ولدٍ.
* * *
باب
ذكر الإمامِ بعدَ عليِّ بنِ الحسينِ عليهما السلامُ ،
وتاريخ مولدِه ، ودلائلِ إِمامتِه ، ومبلغ سنَّه ،
ومدّة خلافتِه ، ووقت وفاتِه وسببها ،
وموضع قبرِه ، وعدد أولادِه ، ومختصر من أخبارِه
وكانَ الباقرُ أَبو جعفرٍ محمّدُ بنُ عليِّ بنِ الحسينِ عليهمالسلام من بينِ إِخوته خليفةَ أَبيه علي بنِ الحسينِ ووصيه والقائمَ بالإمامةِ من بعدِه ، وبرز على جماعتِهم بالفضلِ في العلمِ والزُهدِ والسؤْدَدِ ، وكانَ أَنبهَهم ذِكراً وأَجلَّهم في العامّةِ والخاصّةِ وأَعظمَهم قدراً ، ولم يَظهْر عن أَحدٍ من ولدِ الحسن والحسينِ عليهماالسلام من علم الدِّينِ والأثارِ والسُّنّةِ وعلمِ القرانِ والسيرِ وفنونِ الأداب ما ظهرَ عن أَبي جعفرٍ عليهالسلام ، وروى عنه معالمَ الدِّينِ بقايا اَلصّحابةِ ووجوهُ التّابعينَ ورؤساءُ فقهاءِ المسلمينَ ، وصارَ بالفضلِ به عَلَماً لأهلِه تُضْرَبُ به الأمثالُ ، وتَسيرُ بوصفِه الأثارُ والأشعارُ؛ وفيه يقول القُرظيُّ :
يَابَاقِرَ الْعِلْمِ لاهْلِ التُّقَى |
|
وَخَيْرَمَنْ لبى على الأجبُلِ (١) |
وقالَ مالكُ بنُ أَعيَنَ الجُهَنيّ فيه :
إذَا طَلَبَ النَاسُ عِلْمَ الْقُرَا |
|
نِ كَانَتْ قُرَيْش عَلَيْهِ عِيَالا |
وَإنْ قِيْلَ : أيْنَ ابْنُ بِنْتِ
الَّنب |
|
يِ؟ نِلْتَ بِذَاكَ فُرُوْعَاً
طِوَالا |
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٠٣ ، مختصر تاريخ دمشق ٢٣ : ٧٨.
نُجُوْم تَهَلّلُ لِلْمُدْلِجين |
|
جِبَالٌ تُوَرِّثُ عِلْمَاً جِبالا (١) |
ووُلِدَ عليهالسلام بالمدينةِ سنةَ سبعٍ وخمسينَ منَ الهجرة ، وقُبِضَ فيها سنةَ أَربعَ عشرةَ ومائة ، وسنه يومئذٍ سبعٌ وخمسونَ سنة ، وهو هاشميّ من هاشِمِيَّيْنِ علوي من علوييْنِ ، وقبرُه بالبقيعِ من مدينةِ الرّسولِ عليهِ واله السّلامُ.
روى ميمون القداحُ ، عن جعفر بنِ محمّدٍ ، عن أَبيه قالَ : «دخلتُ على جابرِ بنِ عبدِاللهِ رحمةُ اللهِّ عليه فسلَّمتُ عليه ، فردَّ عليَّ السّلامَ ثم قالَ لي : مَنْ أَنتَ؟ ـ وذلكَ بعدَما كُفّ بصرُه ـ فقلتُ : محمّدُ بنُ عليِّ بنِ الحسين ؛ فقالَ : يا بُني ادْنُ منِّي ، فدنوتُ منه فقبّلَ يَدَي ثمّ أَهوى إلى رجليّ يقبِّلها فتنحّيتُ عنه ، ثمّ قالَ لي : إِنّ رسولَ اللهِ صلىاللهعليهوآله يُقرئُكَ السّلامَ ، فقلتُ : وعلى رسولِ اللهِ السّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه ، وكيفَ ذلكَ يا جابرُ؟ فقالَ : كنتُ معَه ذاتَ يومٍ فقالَ لي : يا جابر ، لعلكَ أَنْ تبقى حتّى تلقى رجلاً من ولدي يقالُ له ُمحمّد بنُ عليِّ بنِ الحسينِ ، يَهبُ اللهُ له النُورَ والحكمَةَ فاقْرِئْه منِّي السّلامَ » (٢).
وكانَ في وصيّةِ أَميرِ المؤمنينَ عليهالسلام إلى ولدِه ذكرُ محمّدِ بنِ
__________________
(١) معجم الشعراء للمرزباني : ٢٦٨ ، سير اعلام النبلاء ٤ :٤٠٤.
(٢) انظر الكافي ١ : ٣٩٠ / ٢ ، امالي الصدوق : ٢٨٩ / ٩ ، كمال الدين ١ : ٢٥٤ / ٣ ، علل الشرائع : ١ : ٢٣٣ ، مختصر تاريخ دمشق ٢٣ : ٧٨ ، الفصول المهمة : ٢١١ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٩٦ ، وقد ورد فيها مضمون الخبر بطرق مختلفة.وقد روى هذا الخبر في غاية الاختصار: ١٠٤ باسناده الى محمد بن الحسن العبيدلي ، قال : أخبرني ابن أبي بزة:أخبرنا عبداللهّ بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه ... ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٢٢٧ / ٨.
عليٍّ والوَصاة به.
وسمّاه رسول الله وعرفَه بباقرِ العلمِ (١) ، على ما رواه أصحابُ الأثارِ ، وبما ِرويَ عن جابرِ بن عبدِاللهِ في حديثٍ مجرّدٍ أَنّه قالَ : قالَ لي رسولُ اللهِ صلىاللهعليهوآله : «يوشَكُ أَن تبقى حتى تلقى ولداً لي منَ الحسينِ يقالُ له : محمّدُ يَبقرُ علمَ الدينِ بقراً ، فإذا لقيتَه فأقرِئْه منّي السلامَ » (٢).
وروتِ الشّيعةُ في خبر اللوح الّذي هبطَ به جَبْرِئيْلُ عليهالسلام على رسولِ اللّهِ صلىاللهعليهوآله منَ الجنةِ ، فاَعطاه فاطمةَ عليهاالسلام وفيه أَسماءُ الأئمّةِ من بعدِه ، وكانَ فيه : «محمّدُ ابنُ عليٍّ الإمام بعدَ أَبيهِ » (٣).
وروتْ أيضاً : أنّ اللّه تباركَ وتعالى أنزلَ إلى نبيِّه عليه وآله السّلامُ كتاباً مختوماً باثني عشرَ خاتماً ، وأمَرَه أن يدفعَه إلى أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب عليهالسلام وياْمرَه أن يَفُضَّ أولَ خاتمٍ فيه ويعملَ بما تحتَه ، ثم يدفعه عندَ وفاتِه إلى ابنهِ الحسنِ عليهالسلام وياْمره أَن يَفضُّ الخاتمَ الثانيَ ويعملَ بما تحتَه ، ثم يدفعه عندَ حضورِ وفاتِه إِلى أَخيهِ الحسينِ وياْمره أَن يفضَّ الخاتمَ الثالثَ ويعمل بما تحتَه ، ثمّ يدفعه الحسينُ عندَ وفاتَه إلى ابنهِ عليّ بنِ الحسينِ عليهماالسلام ويأمره بمثلِ ذلكَ ويدفعه عليُّ بنُ الحسين عندَ وفاتهِ إلى ابنهِ محمّدِ بنِ علي الأكبرِ عليهالسلام ويأمره بمثلِ ذلكَ ، ثمّ يدفعه محمّدُ بنَ عليٍّ إِلى
__________________
(١) في هامش «ش« و «م» : العلوم.
(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ١٩٧ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٢٢٢ / ٦.
(٣) انظر ص ١٣٨ من هذا الكتاب.
ولدِه حتّى ينتهي إِلى آخرِ الأئمّةِ عليهمالسلام أجمعين (١).
ورَوَوْا أَيضاً نصوصاً كثيرةً عليه بالأمامةِ بعدَ أَبيه عنِ النّبيِّ صلىاللهعليهوآله وعن أَمير المؤمنينَ وعنِ الحسينِ وعليّ بنِ الحسينِ عليهمالسلام.
وقد رَوى النّاسُ من فضائلهِ ومناقبِه ما يكثر به الخطبُ إِن أَثبتْناه ، وفيما نذكرُه منه كفايةٌ فيما نقصدُه في معناه إِنْ شاءَ اللّهُ.
أَخبرَني الشّريفُ أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ : حدَّثني جدَي قالَ : حدثَنا محمدُ بنُ القاسم الشيبانيّ قالَ : حدّثَنا عبدُ الرّحمن بن صالح الأزديّ ، عن أَبي مالكٍ الجَنْبيّ (٢) ، عن عبدِاللهِ بنِ عطاءٍ المكِّيِّ قالَ : ما رأَيت العلماءَ عندَ أحدٍ قطُ أَصغرَمنهم عند أَبي جعفرٍ محمّدِ بنِ عليِّ ابنِ الحسينِ عليهمالسلام ، ولقد رأَيتُ الحَكَمَ بن عُتَيْبَةَ ـ معَ جلالتِه في القوم ـ بينَ يديه كأَنّه صبيّ بين يَدَيْ مُعَلِّمه (٣).
وكانَ جابر بنُ يزيدَ الجعفيّ إِذا روى عن محمّدِ بنِ عليٍّ عليهماالسلام شيئاً قالَ : حدّثَني وصيُّ الأوصياءِ ووارثُ علم الأنبياءِ محمّدُ ابنُ عليِّ بنِ الحسينِ عليهمالسلام.
__________________
(١) انظر الكافي ١ : ٢٢٠ / ١ ، ٢ ، أمالي الصدوق : ٣٢٨ / ٢ ، كمال الدين : ٢٣١ / ٣٥ ، غيبة النعماني : ٥٢ / ٣ ، ٤ ، أمالي الطوسي ٢ : ٥٦.
(٢) كذا واضحاً في «ش» و «م» و «ح » وفي ذيل الكلمة في «ش» : «هكذا وكأنه اشارة الى أنّه هو الموجود في نسخة قرئت على المصنف ، وقد تكررت الحكاية عن نسخة قرئت على الشيخ ـ يعني المصنف ـ كما مرّ. وفي هامش «ش» : «الجنبي لا غير ، » وقد سقط (عن أبي مالك الجنبي ) من نسخة البحار ، وفي المطبوع من الارشاد (الجهني ) وهو تصحيف من النسّاخ ، وعلى هذه النسخة المصحفة بنى بعض المعاصرين الوهم الذي عقده في كتابه واعترض على المصنف وغيره.
(٣) مختصر تاريخ دمشق٢٣ : ٧٩ ، حلية الاولياء ٣ : ١٨٦ ، مناقب آل أبي طالب ٤ : ١٨٠ و ٢٠٤ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦ : ٢٨٦ / ٢.