تراثنا ـ العددان [ 97 و 98 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 97 و 98 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٥٢٤

الطريق الخامس عشر : عن الأُستاذ أبي جعفر محمّد بن المرزبان ، عن الدوريستي ، عن أبيه ...(١).

الطريق السادس عشر : عن الشيخ أبي المحاسن مسعود بن علي بن محمّد الصوابي ، عن علي بن عبدالصمد التميمي ...(٢).

الطريق السابع عشر : عن السيّد المرتضى بن الداعي الحسني ، عن الدوريستي ، عن أبيه ...(٣).

الطريق الثامن عشر : عن هبة الله بن دعويدار ، عن الدوريستي ، عن أبيه ...(٤).

الطريق التاسع عشر : عن السيّد أبي السعادات هبة الله بن علي الشجري ، عن الدوريستي ، عن أبيه ...(٥).

والحمد لله أوّلاً وآخراً وباطناً وظاهراً ،

وصلّى الله على سيّدنا محمّد خير الأنبياء والمرسلين ،

وعلى آله الأئمّة الهداة المهديّين الطيّبين الطاهرين.

وافق الفراغ من إتمام هذه الرسالة الموجزة ليلة الجمعة الثامن عشر من شهر محرّم الحرام ، من سنة ثلاثين وأربعمائة بعد الألف من الهجرة النبويّة المباركة ببلدة «قم» المقدّسة ، على يد العبد الفقير المحتاج إلى رحمة ربّه الغفور السيّد حسن الموسوي البروجردي ، حامداً مصليّاً مسلماً.

__________________

(١) قصص الأنبياء : ١٢٠ / ١١٧.

(٢) قصص الأنبياء : ١٦٢ / ١٧٤.

(٣) قصص الأنبياء : ٥٥ / ٢٧ و ١٤٢ / ١٤٧.

(٤) قصص الأنبياء : ١٣٩ / ١٤٣.

(٥) قصص الأنبياء : ١٥٩ / ١٦٩.

  

٨١

المصادر

١ ـ الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: لشيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠ هـ)، السيّد حسن الخرسان الموسوي، دار صعب ودار التعارف بيروت.

٢ ـ أعيان الشيعة: للسيّد محسن الأمين، حسن الأمين، دار التعارف ـ بيروت.

٣ ـ إقبال الأعمال: لرضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس الحلّي، (ت ٦٦٤ هـ)، طبع ونشر مكتب الإعلام الإسلامي في قم المقدّسة.

٤ ـ إيضاح المكنون: لمصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة چلبي (ت ١٠٦٧ هـ)، مؤسّسة التاريخ العربي بيروت.

٥ ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: للشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي، (ت ١١١١ هـ)، نشر دار الكتب الإسلاميّة، واستفدنا من الطبعة الحجريّة أيضاً.

٦ ـ تأويل الآيات الظاهرة في العترة الطاهرة: للسيّد شرف الدين علي الأسترآبادي النجفي (من أعلام القرن العاشر)، تحقيق ونشر مؤسّسة الإمام المهدي، قم المقدّسة.

  ٧ ـ التحرير الطاوسي: للحسن بن زين الدين صاحب المعالم (ت ١٠١١ هـ)، فاضل الجواهري، مطبعة سيّد الشهداءعليه‌السلام ـ قم المقدّسة.

٨ ـ تهذيب الأحكام: لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، (ت ٤٦٠ هـ)،

٨٢

نشر دار الكتب الإسلاميّة.

٩ ـ خلاصة الأقوال: للحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي المعروف بالعلاّمة الحلّي، (ت ٧٢٦ هـ)، نشر من منشورات رضي قم المقدّسة.

١٠ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: للعلاّمة الطهراني آقا بزرگ، نشر دار الأضواء، بيروت.

١١ ـ رجال ابن الغضائري: لأحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري الواسطي (من أعلام القرن الخامس)، السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، دار الحديث ـ قم المقدّسة.

١٢ ـ رجال الشيخ: لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠ هـ)، من منشورات رضي قم المقدّسة.

رجال الكشي = اختيار معرفة الرجال: نشر مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام.

١٣ ـ رجال النجاشي: لأحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي، (ت ٤٥٠ هـ)، نشر مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام.

١٤ ـ الرسائل الرجاليّة: لأبي المعالي محمّد بن محمّد إبراهيم الكلباسي (ت ١٣١٥ هـ)، محمّد حسين الدرايتي، دار الحديث ـ قم المقدّسة.

١٥ ـ الرعاية لحال البداية في شرح الدراية: لزين الدين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (ت ٩٦٥ هـ)، مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، قم المقدّسة.

  ١٦ ـ رياض العلماء: للميرزا عبدالله أفندي من أعلام القرن الثاني عشر، من منشورات مكتبة السيّد المرعشي النجفي في قم المقدّسة.

١٧ ـ سلوة الحزين: لقطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي

٨٣

(ت ٥٧٣ هـ)، عبد الحليم الحلي، باشراف مكتبة العلاّمة المجلسي، دليل ما ، قم المقدّسة.

١٨ ـ الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم: لزين الدين أبو محمّد عليّ بن يونس العاملي النباطي البياضي (ت ٨٧٧ هـ)، محمّد باقر البهبودي، المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة ـ طهران.

١٩ ـ فضائل الأشهر الثلاثة: للشيخ أبي جعفر الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، (ت ٣٨١ هـ)، غلام رضا عرفانيان اليزدي، مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف.

٢٠ ـ فقه القرآن: لقطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي (ت ٥٧٣ هـ)، السيّد مهدي الرجائي، مكتبة السيّد شهاب الدين المرعشي، قم المقدّسة.

٢١ ـ فلاح السائل: لرضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس، (ت ٦٦٤ هـ)، نشر مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي حوزه العلميّة، قم المقدّسة.

٢٢ ـ الفهرست: لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠ هـ)، جواد القيّومي، مؤسّسة النشر الفقاهة ـقم المقدّسة.

٢٣ ـ قصص الأنبياء: لقطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي (ت ٥٧٣ هـ)، غلام رضا عرفانيان اليزدي، الآستانة المقدّسة الرضويّة مشهد المقدّسة.

قصص الأنبياء = النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين: للسيّد نعمة الله الجزائري، (ت ١١١٢ هـ).

  ٢٤ ـ الكافي: لثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني، (ت ٣٢٩ هـ)،

٨٤

تحقيق علي أكبر غفّاري، نشر دار الكتب الإسلاميّة.

٢٥ ـ كمال الدين وتمام النعمة: لمحمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، (ت ٣٨١ هـ)، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين.

٢٦ ـ مجلّة نشر دانش: السنة ١٩، الرقم الثالث، سنة ١٣٨١.

٢٧ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن: لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، (ت ٥٦٠ هـ)، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.

٢٨ ـ مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: للميرزا حسين النوري الطبرسي (ت ١٣٧٠ هـ)، تحقيق مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التراث.

٢٩ ـ مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: لأبي الفضل علي الطبرسي، (المتوفّى في أوائل القرن السابع الهجري)، نشر مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التراث، قم ـ إيران.

٣٠ ـ معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة: للسيّد أبوالقاسم الموسوي الخوئي، (ت ١٤١٤ هـ)، من منشورات مدينة العلم ـ قم المقدّسة.

٣١ ـ مكارم الأخلاق: لرضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي، من أعلام القرن السادس الهجري، من منشورات الشريف الرضي.

٣٢ ـ مكتبة ابن طاوس وأحواله وآثاره: لإتان كلبرگ، السيّد علي القرائي ورسول جعفريان، مكتبة السيّد شهاب الدين المرعشي، قم المقدّسة.

٣٣ ـ مناقب آل أبي طالب: لأبي جعفر رشيد الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني (ت ٥٨٨ هـ)، طبع ونشر في المطبعة الحيدريّة في النجف الأشرف.

  ٣٤ ـ من لا يحضره الفقيه: للشيخ أبي جعفر الصدوق محمّد بن علي بن الحسين

٨٥

بن بابويه القمّي، (ت ٣٨١ هـ)، نشر جامعة المدرّسين.

٣٥ ـ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، (ت ١١٠٤ هـ)، تحقيق: عبدالرحيم الرباني الشيرازي، نشر دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

٣٦ ـ هدية العارفين: لإسماعيل باشا البغدادي، مؤسّسة التاريخ العربي بيروت.

 

٨٦

مدوّنات الشيخ المفيدرحمه‌الله

وقراءتـه الكلاميـة للتاريخ

الشيخ قاسم خانجاني

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة :

إنّ معرفة الجوانب المختلفة للتاريخ الإسلامي وبالأخصّ التاريخ الشيعي لعلّه يبدو هيّناً للوهلة الأُولى ، ولكنّه لا يخلو من الصعوبة والتعقيد في واقع الأمر بالرغم من كثرة المدوّنات التاريخية التي تناولت العديد من الوقائع وكثرة من كتب من الأشخاص والرواة في هذا الجانب ، إلاّ أنّ هناك عوامل متعدّدة أدّت إلى قلب الحقائق التاريخية وأظهرتها على غير واقعها وتضافرت بشكل بحيث أصبح من الصعب جدّاً الاعتماد على تلك المدوّنات ، فإنّ هيمنة السلطات الجائرة على المؤلّفين ورواة أحداث التاريخ من جانب ، والاستفادة المغرضة للأعداء من جانب آخر ، والإفراط والتفريط من بعض الموالين من جانب ثالث ، كلّ هذا كان من أهمّ العوامل المؤثّرة في مسار تحريف الوقائع التاريخية.

ففي خضمّ هذه التعقيدات الصعبة لمعرفة التاريخ الصحيح تتجلّى لنا

 

٨٧

عظمة مساعي وجهود شخصيّات فذّة عظيمة لا مثيل لها كالشيخ المفيد ، بالأخصّ إذا درسنا تلك الحقبة التاريخيّة التي عاشها الشيخ المفيد واستطعنا أن نتعرّف على تلاطم تلك الأمواج المضطربة للآراء والأفكار الكلامية والعقائدية والنظريّات المذهبية في عصره ، فإنّه سوف تتجلّى لنا أكثر عظمة تلك الجهود.

وإنّ ما يهمّنا في هذه الرسالة هو معرفة أحد أهمّ الجوانب من أبعاد هذه الشخصيّة العملاقة التي قلّ ما نعثر على مثيل لها في التاريخ.

خلفيّات دراسة آثار الشيخ المفيد رحمه‌الله :

بالرغم من كلّ ما كتب عن شخصيّة الشيخ المفيد المتميّزة وأُلّف عن خصوصياتها وما امتازت به شخصيّته الفذّة عن غيرها ، وكلّ ما تناول شخصيته من مؤلّفات صدرت بعد ارتحاله وحتّى في أيّام حياته الشريفة طوال عشرة قرون على اختلاف مشاربها ، والتي انصبّت على دراسة الجوانب المختلفة لآرائه وأفكاره التي تعدّ أُسس المعارف الشيعيّة المذكورة في العديد من الحوارات والمقالات ، ولكن مع كلِّ ذلك فإنّ عدم الإلمام بجميع الجوانب الفكرية له على مرّ العهود الماضية لهو من المواضيع المسلّمة التي لا يختلف فيها اثنان ، وإنّ جميع الجهود التي حصلت في هذا الشأن ـ لتناثرها على أقلّ تقدير ـ ما هي إلاّ قليل من كثير.

إنّ أحد أفضل المؤلّفات التي تطرّقت إلى آراء الشيخ المفيد وحقّقت جانباً منها هو كتاب انديشه هاي كلامي شيخ مفيد (الآراء الكلامية للشيخ المفيد) ، حيث يعدّ من الجهود التي تستحقّ التقدير ، ولكن كما تبيّن من اسمه فإنّه يشير إلى جانب من أفكاره بشمولية ولم يتوجّه إلى الجانب

 

٨٨

التاريخي الذي يعدّ أحد أبعاد فكر الشيخ المفيد ، فإنّه إمّا لم يتطرّق إليه أصلا أو ذكره بشكل متناثر عار عن الأهميّة.

إنّ أكمل مجموعة ضمّت جميع كتبه ورسائله الموجودة وجميع المقالات التي كتبت في أبعاد شخصيّته وآثاره هي مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد والرسائل وما يقارب سبعين مقالة نشرت بمناسبة مرور ألف عام على رحيله للمؤتمر العالمي الذي أُقيم لتجليل الشيخ المفيد رحمه‌الله سنة ١٤١٣ هـ في مدينة قم المقدّسة ، ولكن في هذه المجموعة أيضاً قلّما ذكر الجانب التاريخي للشيخ المفيد.

إنّ غاية ما توصّلنا إليه في تحقيقنا أنّه لم يكتب في هذا المجال شيء يذكر ، وانطلاقاً من هذا فقد بذلنا جهدنا وحاولنا أن نجمع في مقالتنا هذه كلّ ما كان حائزاً للأهميّة في فكر الشيخ المفيد ويمكن أن يقع تحت عنوان الوقائع التاريخية أو تحليلا للتاريخ الإسلامي وبالأخصّ تاريخ الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام ، وحاولنا أن نعطي صورة واضحة عن الالتفاتات التاريخية التي أشار إليها ، مستفيدين في كلّ ذلك من آرائه وأفكاره ، علماً بأنّنا نعتقد بأنّ عملنا هذا لم يكن آخر الأعمال ولا أكملها في هذا المضمار.

وبالرغم من أنّ الاطلاع على أحداث تاريخ صدر الإسلام وبالأخصّ تاريخ الأئمّة عليهم‌السلام ضرورة لابدّ منها في كلّ عصر ، ولكن هذا الأمر يصبح في غاية الأهميّة بعد مضيّ قرون متمادية عن ذلك العهد ، وذلك لأنّا إذا نسينا التحقيقات والتحليلات والمدوّنات التاريخيّة الصحيحة التي ورثناها من أسلافنا المتقدّمين وإذا غفلنا عن الآثار الواصلة إلينا في مجال التاريخ فمن الطبيعي جدّاً أنّنا سوف نعاني من فقر شديد في المعلومات ينعكس علينا بشكل لا نستطيع معه أن ندافع عن مبادئنا وآرائنا.

 

٨٩

وبلطف الباري عزّ وجلّ فإنّنا لم نصل إلى هذه المرحلة وإنّ من سبقنا من السلف قد بذل قصارى جهده في هذا المجال ، ولكن يبدو أنّ بلورة الآراء التاريخية للشيخ المفيد بالشكل الذي جاء في هذا التحقيق قلّ ما اعتني به سابقاً ، وإنّ الضرورة وأهميّة الموضوع الملحّة هي التي كانت قد دعتنا إلى أن نقوم بهذا التحقيق وأن نتطرّق إلى الأسس الفكرية للشيخ المفيد في انتخاب وتحليل الحوادث التاريخيّة ، ومن ضمن استعراضنا لتلك الحوادث التي تعرّض لها الشيخ المفيد استطعنا الوصول إلى الصحيح منها ممّا ارتئاه.

إنّ الغرض من هذا التحقيق هو الإجابة عن أسئلة كثيراً ما تتبادر إلى الذهن حيث يمكن الإشارة إلى بعضها هنا ، وهي كالتالي :

هل كان الشيخ المفيد مؤرّخاً؟

ما هو هدف الشيخ المفيد من وراء طرحه للبحوث التاريخيّة؟

كيف كانت طريقة الشيخ المفيد في طرحه للمواضيع التاريخيّة؟

ما هي المواضيع التي كانت تشكّل أساس المباحث التاريخيّة عند الشيخ المفيد؟

إلى أي حدٍّ استطاع الشيخ المفيد أن يصل إلى هدفه في تدوين التاريخ؟

وفي مقام الإجابة عن هذه الأسئلة نستطيع أن نشير إلى الأُمور التالية :

بالرغم من أنّ الشيخ المفيد له مؤلّفات كثيرة في مجال التاريخ إلاّ أنّه لم يكن مؤرّخاً بالمعنى المصطلح.

إنّ الهدف الأساسي للجهود التي قدّمها الشيخ المفيد في آثاره هو

 

٩٠

الدفاع عن الإمامة ومنزلة الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام ، وإنّه وجد في الحوادث التاريخية أرضيّة مناسبة للوصول إلى ذلك الهدف.

إنّ طريقة الشيخ المفيد في استفادته من الأدلّة العقليّة والنقليّة هي محاولة منه لإثبات المدوّنات التاريخية الصحيحة والتي استطاع من خلالها رسم صورة واضحة المعالم عن حياة أئمّة المذهب الشيعي عليهم‌السلام.

إنّ أساس الأبحاث التاريخية للشيخ المفيد تركّزت على عناصر مهمّة ، مثل النصّ على إمامة الأئمّة عليهم‌السلام وبالأخصّ الإمام علي عليه‌السلام ، أحقّيّة الأئمّة عليهم‌السلام ، عدم أهليّة الغاصبين للخلافة ، عصمة الإمام وعلم الإمام ، وكلّ ذلك كان مبتنياً على تعريفه لهذه الموضوعات.

لقد نال الشيخ المفيد نجاحاً كبيراً أثناء تدوينه للتاريخ من خلال وصوله إلى هدفه الذي كان قد رسمه.

 

٩١

الفصل الأوّل

الشيخ المفيد رحمه‌الله من الولادة إلى الوفاة

ألف : الحياة الشخصية للشيخ المفيد رحمه‌الله :

اسمه ومولده ونسبه ولقبه وشهرته :

هو محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي العكبري البغدادي الكرخي المعروف بـ (ابن المعلّم)(١) والمشهور بـ (الشيخ المفيد)(٢) ، ولد في الحادي عشر من ذي القعدة سنة ٣٣٦ هـ(٣) في (سويقة ابن البصري) من نواحي عكبرى ، وهي بلدة تقع على الضفّة الشرقية لنهر دجلة ما بين بغداد والموصل في الطريق المؤدّي إليهما على بعد عشرة فراسخ من بغداد(٤).

لقد أرجع الشيخ النجاشي نسب الشيخ المفيد إلى يعرب بن قحطان بثلاث وثلاثين واسطة(٥) ، و (قحطان) ترجع إليه أُصول العرب

__________________

(١) تاريخ بغداد ٣ / ٢٣١ ، ميزان الاعتدال ٤ / ٣٠.

(٢) العبر في خبر من غبر ٢ / ٢٢٥.

(٣) رجال النجاشي : ٤٢٠.

(٤) (گذري بر حيات شيخ مفيد) من المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد ، رقم ٥٥ ، ص٨ نقلاً من معجم البلدان ٤ / ١٤٢.

(٥) يبدو أنّ العدد المذكور لوسائط نسب الشيخ المفيد غير صحيح ولابدّ للعدد أن يكون أكثر من ذلك.

  

٩٢

القحطانيّين(١) ، أمّا الجدّ الخامس للشيخ المفيد فهو سعيد بن جبير ، ومن هنا قال البعض : إنّه هو نفسه سعيد بن جبير التابعي المشهور والعالم المجاهد الذي قتل على يد الحجّاج بن يوسف الثقفي(٢).

إنّ هذا الزعم باطلٌ بالأدلّة التالية : أصالة عروبة الشيخ المفيد خلافاً لسعيد بن جبير التابعي ، اختلاف اسم الجدّ لسعيد بن جبير التابعي مع سعيد بن جبير الواقع في نسب الشيخ المفيد ، عدم وجود ابن لسعيد بن جبير التابعي باسم (النعمان) الواقع في نسب الشيخ المفيد ، وأدلّة أُخرى(٣).

أمّا ألقابه فقد ذكروا للشيخ المفيد عدّة ألقاب من جوانب مختلفة وجميعها صحيح ، فقيل : (الحارثي)(٤) لوقوع (الحارث بن مالك) و (الحارث بن كعب) في سلسلة نسبه(٥). وقيل : (العكبري) لأنّ المكان الذي ولد فيه يسمّى بـ (عكبرى). ودعي بـ (البغدادي)(٦) نسبةً إلى محلّ نشأته ومستقرّه في بغداد. وقيل : (الكرخي)(٧) لأنّ سكناه في منطقة الكرخ من بغداد ، وهي منطقة كان يقطنها الشيعة(٨).

__________________

(١) الأعلام للزركلي ٥ / ١٩٠.

(٢) الطبقات الكبرى ٦ / ٢٦٤.

(٣) (ناگفته هايي از حيات شيخ مفيد) من المقالات الفارسية لمجمع الشيخ المفيد رقم ٥٥ ، ص ٥١.

(٤) معالم العلماء : ١١٢.

(٥) رجال النجاشي : ٣٩٩.

(٦) الفوائد الرضوية : ٦٢٨.

(٧) العبر في خبر من غبر ٢ / ٢٢٥ ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب ٢ / ١٩٩.

(٨) تاريخ ابن خلدون ٣ / ٦٦٢ ، نقلاً عن البياني (ندوشن) ، شيرين ، تيسفون وبغداد در گذر تاريخ ، ص ١٦١.

  

٩٣

وسمّي بـ (ابن المعلّم) نسبة إلى والده حيث كان مشتغلاً بالتعليم في واسط(١). وأخيراً فإنّ أهمّ وأشهر لقب له هو (المفيد).

وهناك اختلاف في وجهات النظر وقع في من لقّبه بـ (المفيد) ، فالمعروف أنّ هذا اللقب قد جاء من جرّاء حوار دار بين الشيخ المفيد وعليّ بن عيسى الرمّاني فلقّبه به(٢) ، وفي خبر آخر أبدل البعض مكان الرمّاني عبدالجبّار المعتزلي عوضاً عنه(٣) ، ولكنّ ابن شهرآشوب كان يعتقد بأنّ لقب (المفيد) جاءه من الناحية المقدّسة لسيّدنا ومولانا الحجّة ابن الحسن المهدي عجّل الله فرجه(٤) ، ولكنّه لم يقدّم لكلامه هذا سنداً مُعتمداً عليه غير ما صدر من توقيعات الناحية المقدّسة في إعطائه هذا اللقب حيث وصلته باسم (الشيخ المفيد)(٥) ، علماً أنّ هذا الكلام يبدو غير صحيح أيضاً ، وذلك لأنّ التوقيعات المذكورة صدرت في السنين الأخيرة لحياة الشيخ المفيد ويظهر أنّه عرف بـ : (المفيد) قبل صدور هذه التوقيعات(٦).

__________________

(١) لسان الميزان ٥ / ٤١٦.

(٢) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام) ٢ / ٦٢١ ، السرائر : ١٦١.

(٣) مجالس المؤمنين : ٤٦٥.

(٤) معالم العلماء : ١١٢.

(٥) لقد صدر توقيعان من الناحية المقدّسة لسيّدنا ومولانا الإمام الحجّة ابن الحسن عليه‌السلام للشيخ المفيد طيلة حياته ، حيث جاء في أوّل إحدى هاتين الرسالتين العبارة التالية : «للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد ...) ولم يكن لابن شهرآشوب أي دليل آخر سوى هذا الخطاب ، وقد أرجع في كتاب معالم العلماء توضيحه لهذا التوقيع إلى كتابه الآخر مناقب آل أبي طالب ، ولكن لم يرد في المناقب الموجود حاليّاً شيء مما ذكر.

(٦) (نجوم أمّت ، تاريخ حيات شيخ مفيد) نور علم ، رقم ٥٥ ، ص ٦٨.

  

٩٤

أساتذة الشيخ المفيد رحمه‌الله :

إنّ الشيخ المفيد ابتدأ بطلب العلم وهو في مقتبل العمر ، ولكن لابدّ أن يُعلَم أنّ أوّل درجاته العلمية التي حاز عليها هي إجازة رواية الحديث ، كما ذكروا له عن ابن أبي إلياس ـ المتوفّى سنة ٣٤١ هـ ـ إجازة رواية الحديث وذلك في الخامسة من عمره(١) ، وقد روى عن ابن السمّاك في حين أنّ ابن السمّاك توفّي ولم يبلغ الشيخ المفيد أكثر من ثمان سنين من عمره(٢) ، وكذلك في سنيّ رشده ، فقد سمع ونقل الحديث عن العديد من المحدّثين.

وبما أنّ الشيخ المفيد برع في العديد من المواضيع العلميّة فإنّنا نذكر أساتذته في بعض تلك المواضيع جهد الإمكان :

فمن أهمّ أساتذة الشيخ المفيد في علم الكلام أبو الجيش مظفّر بن محمّد أو غلامه(٣) أبو ياسر طاهر ، ويحتمل أن يكون من بعده عبدالله بن وصيف الناشئ الصغير (المتوفّى سنة ٣٦٦ هـ)(٤) ، ومحمّد بن أحمد بن جنيد الإسكافي (المتوفّى سنة ٣٨١ هـ)(٥) وهو من متكلّمي الشيعة ،

__________________

(١) تاريخ بغداد ٨ / ٤٤٩.

(٢) انظر : تاريخ بغداد ١١ / ٣٠٢.

(٣) المراد من كلمة (غلام) هنا وفي موارد أخرى مشابهة هو التلميذ لا العبد ، وقد شاع هذا الإصطلاح في علمي الرجال والحديث وله شواهد كثيرة ، انظر رجال الخاقاني : ١٢١.

(٤) وفيات الأعيان ٣ / ٣٧١.

(٥) الذريعة ١ / ٢٩٩ ، أعلام الزركلي ٥ / ٣١٢ ، رجال النجاشي : ٣٨٥ ، الفهرست : ١٣٤.

  

٩٥

والحسين بن عليّ البصري وعليّ بن عيسى الرمّاني ، وهما من مشايخ المعتزلة(١).

ومن أهمّ أساتذة الشيخ المفيد في الفقه نذكر في مقدّمهم جعفر بن محمّد بن قولويه (المتوفّى سنة ٣٦٩ هـ)(٢) ، ومن بعده فقهاء آخرين من بين مشايخه ، مثل الحسن بن حمزة الطبري (المتوفّى سنة ٣٥٨ هـ)(٣) ، وقد ذكر من بينهم ابن الجنيد الإسكافي ، وابن داود القمّي (المتوفّى سنة ٣٧٨ هـ)(٤) ، والشيخ الصدوق (المتوفّى سنة ٣٨١ هـ)(٥).

هذا ، وإنّ هناك من يعتقد بأنّ هذه الشخصيّات وإن عدّوا من مشايخ الشيخ المفيد إلاّ أنّه لم يعلم تلمّذه عليهم سوى سماعه الحديث عنهم(٦). وعلى كلّ التقادير فإنّهم يعدّون من أهمّ مشايخه.

تلامذة الشيخ المفيد رحمه‌الله :

إنّ الشيخ المفيد كان متبحّراً في علوم شتّى وكان له اهتمام خاصٌّ في

__________________

(١) (گذري بر حيات شيخ مفيد) من المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد ، رقم ٥٥ ص ١١.

(٢) رجال الطوسي : ٤٥٨ ، رجال العلاّمة : ٣١. وانظر رجال النجاشي : ١٢٣ فيما استفاده من شيخه.

(٣) رجال النجاشي : ٦٤ ، وقد ذكره الشيخ الطوسي في رجاله : ٤٦٥ باسم «حسن بن محمّد بن حمزة» وفي الفهرست : ٥٢ باسم «حسن بن حمزة» ويبدو أنّ هذا الاسم هو الصحيح.

(٤) الفهرست : ١٣٦ ، أعلام الزركلي ٥ / ٣١٤.

(٥) رجال النجاشي : ٣٩٢ ، رجال الطوسي : ٤٩٥.

(٦) (گذري بر حيات شيخ مفيد) من المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد ، رقم ٥٥ ص ١١.

  

٩٦

نشر وتدريس العلوم وتربية الطلاّب ، ومن ثَمّ فقد تلمّذ عليه الكثير من طلبة العلوم ، فقد نقلوا قصصاً تدلّ على شدّة حرصه في أمر التعليم وتربية الطلاّب ، فإنّ أوضح ما قدّمه في مجال سعيه المستمر هو بحثه عن نوابغ الأطفال في المدارس وورشات الصناعات اليدوية ، حتّى قيل في حقّه : إنّه كان يبذل لأهاليهم الأموال من أجل إشرافه عليهم وتربيتهم وتعليمهم(١) ، ولهذا السبب يمكن أن نعدّ له كثيراً من التلامذة ، حيث تلمّذ على يده الرعيل الأوّل من علماء الشيعة ، وقد كانوا يعدّون من أبرز تلامذة الشيخ المفيد ممّن كان يحضر حلقات درسه ويكتب منه العلم ، نذكرهم بترتيب سنيّ وفياتهم :

السيّد الرضي محمّد بن الحسين بن موسى أبو الحسن (٣٥٩ ـ ٤٠٦ هـ)(٢) ، وهو جامع نهج البلاغة من خطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وأخو السيّد المرتضى علم الهدى ، كان شاعراً كبيراً ونقيباً للعلويّين في بغداد ، وقد ألّف كُتباً أيضاً ، منها كتاب خصائص الأئمّة(٣).

السيّد المرتضى علم الهدى عليّ بن الحسين بن موسى أبو القاسم (٣٥٥ ـ ٤٣٦ هـ)(٤) ، من كبار علماء الشيعة ، وله مؤلّفات كثيرة في شتّى المعارف الدينية ، وقد كان مجدّاً في طلب العلوم إلى مرتبة بحيث لم يُرَ في

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٧ / ٣٤٤.

(٢) رجال النجاشي : ٣٨٩ ، تاريخ بغداد ٢ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٣) رجال النجاشي : ٢٧٠.

(٤) المصدر السابق.

  

٩٧

زمانه أحدٌ مثله ، فإنّه كان شاعراً أديباً ، وكانت له منزلةً عظيمةً في العلم وفي الدين والدنيا ، ولقد نال هو وأخوه السيّد الرضي رعاية وإشراف أُستاذهم الشيخ المفيد وذلك بعد الرؤيا الصادقة التي رآها الشيخ المفيد في حقّهم ، فقد أحضرتهما أمّهما العلوية الجليلة عند الشيخ المفيد لينال تربيتهما وتفقيههما في الدين ، إنّ للسيّد المرتضى آثارٌ قيّمة ، من أهمّها كتاب الشافي في الإمامة وكتاب الأمالي(١).

سلاّر بن عبدالعزيز الديلمي أبو يعلى (المتوفّى سنة ٤٤٨ هـ)(٢) ، من أكابر فقهاء الشيعة ، وله عدّة كتب ، منها كتاب المواسم العلوية والأحكام النبوية(٣).

النجاشي أحمد بن عليّ أبو العبّاس (٣٧٢ ـ ٤٥٠ هـ)(٤) ، كبير رجاليي الشيعة ، وله الكتاب المعروف بالرجال ، وله كتب أُخرى ذكرتها بعض المصادر(٥).

الشيخ الطوسي محمّد بن حسن أبو جعفر (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) المعروف بشيخ الطائفة(٦) ، وله الكتابان القيّمان تهذيب الأحكام والإستبصار من الكتب الأربعة للشيعة ، وله كتب أُخرى كثيرة في سائر العلوم ، كالفقه

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٣٣٠ ، رياض العلماء ٢ / ٤٤٣.

(٢) رجال ابن داود : ١٠٦ ، رجال العلاّمة : ٨٦ ، الذريعة ١ / ٧٤.

(٣) رجال العلاّمة : ٢١ ، الذريعة ١٠ / ١٥٤.

(٤) المصدر السابق ، روضات الجنّات ١ / ٦٢.

(٥) رجال ابن داود : ١٦٩ ـ ١٧٠ ، الذريعة ٤ / ٥٠٤.

(٦) رجال ابن داود : ١٦٩.

  

٩٨

والكلام وتفسير القرآن و...(١).

أبو الفتح الكراجكي محمّد بن عليّ (المتوفّى ٤٤٩ هـ)(٢) ، ذكر أنّه رأس الشيعة ومن أصحاب السيّد المرتضى ، كان نحويّاً لغويّاً منجّماً طبيباً ومتكلّماً(٣) ، ذكروا له كتباً ، منها كتابه المشهور كنز الفوائد(٤).

ولابدّ أن نلفت الأنظار هنا إلى أنّ بعض أصحاب كتب تراجم الرجال ـ إمّا لأنّهم لم يكونوا مطّلعين أو لأنّهم اعتمدوا نقلا غير مطمأن إليه أو بأيّ دليل آخر ـ أرادوا أن يعدّوا بعض ملوك آل بويه مثل (عضد الدولة) أيضاً من تلامذة الشيخ المفيد(٥) ، ولكن مع التفحّص والبحث في كتب الرجال والتراجم وكتب التاريخ المرتبطة بعهد الشيخ المفيد نستطيع أن نجزم بأنّ ما نسبوه لا أساس له يعتمد عليه وما هو إلاّ محض نقل من الكتب المتأخّرة ، فلا نستطيع أن نعوّل عليه.

وفاة الشيخ المفيد رحمه‌الله :

توفّي الشيخ المفيد يوم الجمعة الثالث من شهر رمضان سنة ٤١٣ هـ بعد عمر من السعي والجهاد والتبليغ في سبيل الله ، وقد أدخل في قلوب

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٠٣.

(٢) مرآة الجنان ٣ / ٥٤ ، رياض العلماء ٥ / ٤٨٨.

(٣) مرآة الجنان ٣ / ٥٤.

(٤) المصدر السابق ، روضات الجنّات ٦ / ٢٠٩.

(٥) أعيان الشيعة ٨ / ٤٣١.

  

٩٩

المحبّين لوعةً حتّى قالوا في وصف ذلك اليوم الذي توفّي فيه : «وكان يوم وفاته يوماً لم يُرَ أعظم منه من كثرة الناس للصّلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والموافق»(١).

وقد اشترك في تشييع جثمانه الطاهر والصلاة عليه ثمانون ألفاً من الشيعة فقط بحيث إذا أضفنا إليهم غير الشيعة فسيكون العدد هائلاً ، وإذا قسنا هذا الجمع الغفير مع قلّة النفوس آنذاك لتجلّت لنا عظمة وجلالة تلك الحركة التي اعتراها الحزن والأسى في ذلك العهد ، ولعلّ من أجل هذه العظمة تطرّق أكثر من أرّخ لوفاة الشيخ المفيد إلى ذكر ذلك الحشد الكبير المشارك في تشييع جثمانه ، كما ذكروا أيضاً ضيّق مكان المصلّين على جسده الطاهر بالرغم من أنّ تلك المراسم أقيمت في أكبر ساحات بغداد آنذاك وهي المسمّاة بميدان الأشنان.

فإنّ مثل السيّد المرتضى علم الهدى وهو من أبرز تلامذة الشيخ المفيد دوّن مراسم التشييع حيث كان شاهداً من قريب لما جرى في ذلك اليوم ، كما أنّه أمّ الصلاة أيضاً على الجثمان الطاهر للشيخ المفيد ، ودفن في بيته أوّلاً ثمّ نقل بعدها إلى مرقد الإمامين الكاظمين عليهما‌السلام ، ودفن إلى جوار أُستاذه أبي القاسم جعفر بن قولويه القمّي بالقرب من قدمي الإمام الجواد عليه‌السلام حتّى صار اليوم مرقده الشريف في رواق الحرم الكاظمي معروفاً ، حيث يقصده الزوّار تبرّكاً به(٢) ، وعلى قبره الشريف لوحة كتبت فيها أبيات شعرية نسبت للإمام الحجّة ابن الحسن المهدي عجّل الله فرجه :

__________________

(١) لسان الميزان ٥ / ٤١٦.

(٢) الجمل ، مقدّمة المحقّق : ٢٠.

  

١٠٠