بحوث في الملل والنّحل - ج ١

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: لجنة ادارة الحوزة العلمية بقم المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٤

الكتاب يتناول آراء ومعتقدات الطوائف المختلفة التي شهدتها الساحة الفكرية الاسلامية في العصور اللاحقة لوفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وذلك في إطار من التحليل والمقارنة والدراسة والتقييم.
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

قد بايعوا زيد بن علي ثم قالوا له : ابرأ من الشيخين نقاتل معك فأبى وقال : كانا وزيري جدي فلا أبرأ منهما فرفضوه وارفضوا عنه فسموا رافضة ، وقالوا الروافض ولم يقولوا : الرفاض لأنهم عنوا الجماعات » (١) .

غير أن ابن منظور ، وإن أصاب الحق في صدر كلامه وجعل للفظ معنى وسيعاً يطلق على المسلم والكافر ، والمسلم شيعيه وسنيه لكن استشهد على وجه تسمية قسم من شيعة علي ( عليه السلام ) بها بقول الأصمعي ، وهو منحرف عن علي وشيعته فكيف يمكن الاعتماد على قوله ، خصوصاً إذا تضمن تنقيصاً وازدراء بهم ، وليس ذلك بدعاً من ابن منظور وأضرابه ، بل هو مطرد في كل مورد يستشهدون بشيء فيه وقيعة للشيعة فترى هناك أثراً من مطعون إلى منحرف إلى ناصبي إلى خارجي و « في كل واد أثر من ثعلبة » وعلى أي تقدير هذه الفكرة هي المعروفة بين أرباب الملل في تسمية شيعة الإمام بالرافضة ، ونداء محبيه بالرفضة .

يقول البغدادي في الفرق عند البحث عن الزيدية : « وكان زيد بن علي قد بايعه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة وخرج بهم على والي العراق وهو يوسف بن عمر الثقفي عامل هشام بن عبد الملك فلما استمر القتال بينه وبين يوسف بن عمر الثقفي قالوا له : إنا ننصرك على أعدائك بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر ، بعد أن ظلما جدك علي بن أبي طالب . فقال زيد بن علي : لا أقول فيهم إلا خيراً وما سمعت من أبي فيهم إلا خيراً . وإنما خرجت على بني أمية الذين قتلوا جدي الحسين ، وأغاروا على المدينة يوم وقعة الحرة ، ثم رموا بيت الله بالمنجنيق والنار . ففارقوه عند ذلك حتى قال لهم رفضتموني ومن يومئذٍ سموا رافضة » (٢) .

قال البزدوي أحد المؤلفين في الفرق عند البحث عن مذهب الروافض : « وإنما سموا روافض ، لأنهم وقعوا في أبي بكر وعمر فزجرهم زيد فرفضوه

____________________

(١) لسان العرب : ج ٧ ص ١٥٧ مادة رفض .

(٢) الفرق بين الفرق ص ٣٥ .

١٢١
 &

وتركوه فسموا روافض » (١) .

هذا ما لدى القوم من أولهم وآخرهم ، فقد أخذوا بقول الأصمعي الناصبي في التسمية ومن لف لفه وحذا حذوه .

نظرنا في الموضوع

لا أظن الأصمعي وهو خبير في اللغة يجهل بحقيقة الحال ولكن عداءه قد جره إلى هذا التفسير ، فإن الحق أن الرافضة كلمة سياسية كانت تستعمل قبل أن يولد زيد بن علي ومن بايعه من أهل الكوفة ، فالكلمة تطلق على كل جماعة لم تقبل الحكومة القائمة ، سواء أكانت حقاً أو باطلاً . هذا هو معاوية بن أبي سفيان يصف شيعة عثمان ـ الذين لم يخضعوا لحكومة علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وسلطته ـ بالرافضة ويكتب في كتابه إلى « عمرو بن العاص » وهو في البيع في فلسطين « أما بعد : فإنه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك ، وقد سقط إلينا (٢) مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني ، أقبل اُذاكرك أمراً » (٣) .

ترى أن معاوية يصف من جاء مع مروان بن الحكم بالرافضة وهؤلاء كانوا أعداء علي ومخالفيه ، وما هذا إلا لأن هؤلاء الجماعة كانوا غير خاضعين للحكومة القائمة آنذاك . وعلى ذلك فتلك لفظة سياسية تطلق على القاعدين عن نصرة الحكومة والإلتفات حولها ، وبما أنه كان من واجب هذه الجماعة البيعة للحكومة والمعاملة معها معاملة الحكومة الحقة ، ولكنهم لم يقوموا بواجبهم فتركوه فتفرقوا عنها ، فسموا رافضة .

فقد خرجنا بهذه النتيجة : إن كلمة الرفض والرافضة ليستا من

____________________

(١) أصول الدين للبزدوي .

(٢) سقط إلينا : نزل إلينا .

(٣) وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري ( المتوفی سنة ٢١٢ ) ، ص ٢٩ .

١٢٢
 &

خصائص الشيعة ، بل هي لغة عامة تستعمل في كل جماعة غير خاضعة للحكومة القائمة ، وبما أن الشيعة منذ تكونها لم تخضع للحكومات القائمة بعد رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) فكانت رافضة حسب الاصطلاح الذي عرفت ، ولم يكن ذلك الاصطلاح موهوباً من زيد بن علي لشيعة جده . كيف وقد ورد ذلك المصطلح على لسان أخيه محمد الباقر ( عليه السلام ) الذي توفي قبل زيد بن علي وثورته بست سنوات .

روى أبو الجارود عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : « إن رجلاً يقول إن فلاناً سمانا باسم ، قال : وما ذاك الاسم ؟ قال : سمانا الرافضة . فقال أبو جعفر ـ مشيراً بيده إلى صدره ـ : وأنا من الرافضة وهو مني . قالها ثلاثاً » (١) .

وروى أبو بصير فقال : « قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : جعلت فداك اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا ، قال : وما هو ؟ قال : الرافضة ، فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : إن سبعين رجلاً من عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى ( عليه السلام ) فلم يكن في قوم موسى أحد أشد اجتهاداً وأشد حباً لهارون منهم ، فسماهم قوم موسى الرافضة » (٢) .

وهذه التعابير عن أبي جعفر باقر العلوم ( عليه السلام ) أصدق شاهد على أن مصطلح الرفض ليس وليد فكرة زيد ، وأجله عن هذه النسبة والفكرة ، بل كان مصطلحاً سائداً في أقوام ، فكل من لم يخضع للحاكم القائم ، والحكومة السائدة وصار يعيش بلا إمام ولا حاكم سمي رافضياً والجماعة رافضة أو رفضة .

وبهذا الملاك أطلق لفظ الرافضي على من لم يعتقد بشرعية حكومة الخلفاء حتى شاع وذاع قبل مقتل زيد كما عرفت وبعده .

فعن معاذ بن سعيد الحميري قال : « شهد السيد إسماعيل بن محمد الحميري رحمه الله ، عند « سوار » القاضي بشهادة فقال له : ألست

____________________

(١) بحار الأنوار : ج ٦٥ ص ٩٧ الحديث ٢ نقلاً عن المحاسن للبرقي ، المتوفى عام ٢٧٤ .

(٢) بحار الأنوار : ج ٦٥ ص ٩٧ الحديث ٣ .

١٢٣
 &

إسماعيل بن محمد الذي يعرف بالسيد ؟ فقال : نعم . فقال له : كيف أقدمت على الشهادة عندي ، وأنا أعرف عداوتك للسلف ؟ فقال السيد : قد أعاذني الله من عداوة أولياء الله ، وإنما هو شيء لزمني . ثم نهض فقال له : قم يا رافضي فوالله ما شهدت بحق فخرج السيد رحمه الله وهو يقول :

أبوك ابن سارق عنز النبي

وأنت ابن بنت أبي جحدر

ونحن على زعمك الرافضو

ن لأهل الضلالة والمنكر (١)

وروي أنه كان عبد الملك بن مروان لما سمع من الفرزدق قصيدته المعروفة في مدح الإمام علي بن الحسين قال له : « أو رافضي أيضاً أنت ؟ فقال الفرزدق : إن كان حب آل محمد رفضاً فأنا هذاك فقال عبد الملك : قل فيّ مثل ما قلته فيه وعلي أن أضعف عطاءك . . . الخ » (٢) .

٤ ـ الحشوية

لقد كثر الكلام حول تفسير الحشوية وأنّ المراد منها ما هي ونحن نأتي هنا بمجمل القول من أوثق المصادر . قال الجرجاني : « وسميت الحشوية حشوية لأنهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن رسول الله (ص) قال : وجميع الحشوية يقولون بالجبر والتشبيه ، وتوصيفه تعالى بالنفس واليد والسمع والبصر ، وقالوا : إن كل حديث يأتي به الثقة من العلماء فهو حجةً أياً كانت الواسطة » (٣) .

وقد ذكر الصفدي : « أن الغالب في الحنفية معتزلة . والغالب في الشافعية أشاعرة ، والغالب في المالكية قدرية ( لعله يعني جبرية ) والغالب في الحنابلة حشوية » (٤) .

ونقل الشيخ محمد زاهد الكوثري في تقديمه على كتاب « تبيين كذب

____________________

(١) الغدير : ج ٢ ص ٢٥٦ طبع بيروت .

(٢) أمالي السيد المرتضى : ج ١ ص ٦٨ في التعليق .

(٣) التعريفات للجرجاني ص ٣٤١ والحور العين ص ٢٠٤ ومعرفة المذاهب ص ١٥ .

(٤) الغيث المنسجم للصفدي ج ٢ ص ٤٧ وراجع ضحى الإسلام لأحمد أمين ج ٣ ص ٧١ .

١٢٤
 &

المفتري » وجهاً آخر وقال : « وكان الحسن البصري من جلة التابعين ومن استمر سنين ينشر العلم في البصرة ويلازم مجلسه نبلاء أهل العلم وقد حضر مجلسه يوماً أناس من رعاع الرواة ولما تكلموا بالسقط عنده قال ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة أي جانبها فسموا الحشوية ومنهم أصناف المجسمة والمشبهة » (١) .

*       *      *

قال الصادق ( عليه السلام ) :

« العامل على غير بصيرة كالسائر على سراب بقيعة ، لا يزيده سرعة السير إلا بعداً » (٢) .

____________________

(١) تبيين كذب المفتري : ص ١١ .

(٢) الوسائل الباب ١٨ من أبواب صفات القاضي الحديث ٣٦ .

١٢٥
 &

بحوث في الملل والنحل الجزء 1 الشيخ جعفر السبحاني

١٢٦
 &

الفصل الخامس

نظرة في كتب أهل الحديث ( الحنابلة والحشوية )

لا نقاش في أن الحديث النبوي حجة إلهية كالقرآن الكريم ولا يعدل المسلم المؤمن عنهما إلى غيرهما ، فالكتاب معجزة خالدة واللفظ والمعنى منه سبحانه ، وأما السنة فلفظها للنبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) والمفاد والمضمون منه سبحانه . فلا فرق بين قوله تعالى : ( فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) (١) وقوله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) : « الصلح جائز بين المسلمين » (٢) كما لا فرق بين قوله سبحانه : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) (٣) وقوله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) : « التراب أحد الطهورين يكفيك عشر سنين » (٤) .

فالمسلم المؤمن بالله وكتابه ورسالة نبيه لا يفرق بين كتابه تعالى وكلامه ( صلی الله عليه وآله وسلم ) ، كما لا يفرق بين قوله وفعله ، بين إشارته وتقريره فكلٌّ حجة إلهية يجب العمل على وفقه ولا يكون المسلم مسلماً إلا إذا استسلم في هذه المجالات كلها . قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا

____________________

(١) سورة الحجرات : الآية ١٠ .

(٢) التاج الجامع للأصول : ج ٢ ص ٢٠٢ ، رواه الترمذي وأبو داود والبخاري .

(٣) سورة المائدة : الآية ٦ .

(٤) سنن الترمذي : ج ١ ص ٢١٢ باب ما جاء في التيمم للجنب .

١٢٧
 &

تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

إن للحديث النبوي من جلالة الشأن وعلو القدر ما لا يختلف فيه اثنان ، ولا يحتاج في إثباته إلى برهان . إذ هي الدعامة الثانية ـ بعد الذكر الحكيم ـ للدين والأخلاق ، والحكم والآداب ، مما يتمتع به المسلمون في دينهم ودنياهم .

وهذه المكانة الجليلة والمنزلة الرفيعة ، تقتضي مزيد العناية بها ودراستها بأحسن الأساليب العلمية والمنطقية ، حتى يتميز الصحيح من الزائف ولا ينسب إليه كل ما يحمل اسم الحديث والسنة ، أو كل ما يوجد في بطون الكتب وضمائر الأسفار ، معقولاً كان أو غير معقول ، مخالفاً كان للقرآن أو لا .

إن قوله ( صلی الله عليه وآله ) : « من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار » إخطار أكيد للواعين بأن أعداء الدين لبالمرصاد وسوف ينسبون إليه كل مغسول من البلاغة ، وعار عن الفصاحة وينقلون منه كل معنى ثقيل على الفطرة ، أو مضاد للعقل السليم ، الذي به عرفناه سبحانه وعرفنا براهين رسالة رسوله .

وقد دق رسول الله ( صلی الله عليه وآله ) بكلامه هذا جرس الإنذار للأمة لا سيما للوعاة منهم وحفاظ أحاديثه حتى لا يظنوا أن كل ما يصل إليهم باسم الحديث هو الحديث النبوي على حقيقته ، بألفاظه ومعانيه وليس قبول كل حديث ـ ولو كان فيه ما فيه ـ آية التسليم لله وللرسول ، وآية عدم التقدم عليهما في ميادين الأصول والفروع .

ويتضح ذلك أشد الوضوح إذا وقفت على ما تلوناه عليك من أن الحديث النبوي رزیء بالموضوعات التي تولى كبرها أعداء الدين والإسلام أولاً ، وتجره الحديث ثانياً ، يضعون الأحاديث تزلفاً إلى الحكام وتقرباً منهم .

هذا هو أبو هريرة أكثر الصحابة رواية عن رسول الله مع أنه لم يصاحب النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) إلا سنتين أو أقل منهما جاء بروايات فيها

____________________

(١) سورة الحجرات : الآية ١ .

١٢٨
 &

طامات وغرائب بقيت على مر الدهر ، وقد أتعب شراح الصحاح والمسانيد أنفسهم الزكية لحلها وتوجيهها . غير أن المتحري للحقيقة ومن يرى أن الحق أولى من الصحابة والصحابي يرى في أحاديثه آثار الوضع والدس والاختلاق بما لا مجال في المقام لذكرها (١) .

وقد أتينا في بعض الفصول السابقة بإلمامة توقفك على مأساة نقل الحديث والتحدث به وكتابته ونشره بين الأمة ، وعرفت أن ترك الكتابة بل ترك التحدث كان فضيلة ، وخلافه بدعة . ولكن الظروف والأحوال ألجأت المسلمين إلى الكتابة والتدوين ونشره في أواخر النصف الأول من القرن الثاني .

ولأجل ذلك صار العثور على الحديث الصحيح الذي حدث به رسول الله ( صلی الله عليه وآله ) أمراً صعباً لما مر من دس الدساسين ووضع الوضاعين تزلفاً إلى أصحاب السلطة والعروش وغير ذلك من دواعي الجعل .

غير أن الأحاديث والمأثورات المروية في كتب الحديث ، أخذت لنفسها بعد التدوين مقاماً عالياً ، وأضيفت إليها آراء الصحابة وأقوال التابعين فصار الجميع هو الأصل الأصيل في تنظيم العقائد وتشريع الأحكام سواء أكان موافقاً للقرآن أم مخالفاً ، وسواء أكان موافقاً للعقل السليم أم مخالفاً له ، وقد بلغ التحجر بهم إلى حد أن قالوا :

١ ـ إن السنة لا تنسخ بالقرآن ، ولكن السنة تنسخ القرآن وتقضي عليه ، والقرآن لا ينسخ السنة ولا يقضي عليها (٢) .

٢ ـ إن القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن (٣) .

٣ ـ إن القول بعرض الأحاديث على الكتاب قول وضعه الزنادقة (٤) .

____________________

(١) لاحظ في الوقوف على قيمة أحاديث أبي هريرة كتاب « أبو هريرة شيخ المضيرة » للعلامة المصري الشيخ محمود أبي رية .

(٢) مقالات الإسلاميين : ج ٢ ص ٢٥١ .

(٣) جامع بيان العلم : ج ٢ ص ٢٣٤ .

(٤) عون المعبود في شرح سنن أبي داود : ج ٤ ص ٤٢٩ .

١٢٩
 &

فبلغ بهم التقليد إلى حد صاروا يأخذون بظواهر كل ما رواه الرواة من الأخبار والآثار الموقوفة والمرفوعة ، والموضوعة والمصنوعة وإن كانت شاذة أو منكرة أو غريبة المتن أو من الإسرائيليات مثل ما روي عن كعب ووهب و . . . أو معارضة بالقطعيات التي تعد من نصوص الشرع ومدركات الحس ويقينيات العقل ويكفرون من أنكرها ويفسقون من خالفها . . . (١) .

فإذا كان هذا مصير الحديث مع كونه مصدراً للعقائد والأصول فلا محالة تنجم عنه مناهج ومذاهب لا تفترق عن معتقدات اليهودية والنصرانية والمجوسية بكثير . فظهرت بينهم مذاهب التجسيم والتشبيه والرؤية والجبر وقدم كلام الله وغيره مما سبقهم إليه أهل الكتاب في عهودهم القديمة والحديثة . وما هذا إلا لأجل أن الأحاديث المروية صارت حجة في مفادها ودليلاً في مضامينها على إطلاقها من دون نظر في إسنادها ، أو دقة في معانيها ، ومن دون عرضها على الكتاب والعقل .

فإذا كان الحديث بهذا المعنى مصدراً للأصول والعقائد ، فلا محالة تكون العقيدة الإسلامية أسيرة ما حدث عنه أصحاب الحديث في القرون الثلاثة الأولى ، فيوجد فيها ما أوعزنا إليه من مسألة التجسيم وأخواتها .

إن التجسيم والتشبيه والجبر وخلق الأعمال ، التي ابتلي بها المسلمون في القرون الأولى ، وبقيت آثارها إلى العصور الأخيرة ، كلها من نتائج غفلة عدة من المحدثين وتقصيرهم في هذا المجال . فرووا مناكير الروايات ، واغتروا بها ، وبالتالي تورطوا في جهالات متراكمة ، وظلمات متكاثفة ، نأتي بأسماء عدة من هؤلاء وآثارهم الباقية ، وإلا فالمحدثون المشبهون أكثر من هؤلاء بكثير ، إلا أن الدهر أكل على آثارهم وشرب :

١ ـ عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد التميمي الدارمي السجستاني ، صاحب المسند ، ولد قبل المائتين بيسير ، وتوفي عام ٢٨٠ هـ له كتاب

____________________

(١) من كلام السيد رشيد رضا تلميذ الإمام عبده ، لاحظ الأضواء : ص ٢٣ .

١٣٠
 &

« النقض » ، يقول فيه : « اتفق المسلمون على أن الله تعالى فوق عرشه وسماواته » .

ولما كان الذهبي ، شديد الميل إلى الحنابلة ، كثير الازدراء بأهل التنزيه ، أخذته العصبية فحاول إصلاح عبارته ، فقال : « أوضح شيء في هذا الباب قول الله عز وجل : ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) (١) فليُمَرْ كما جاء ، كما هو معلوم من مذهب السلف ، وينهى الشخص عن المراقبة والجدال وتأويلات المعتزلة » (٢) .

يلاحظ عليه : أنّ كتاب الله ليس كتاب لغز ، بل هو كتاب هداية ، فما معنى إثبات شيء لله تعالى وإمراره عليه ، من دون التعرف على مفهومه ومعناه ، وما أحسن قول تلميذه تاج الدين عبد الوهاب السبكي ( ت ٧٢٨ ـ م ٧٧٨ ) في طبقات الشافعية الكبرى في حقه : « إن الذهبي غلب عليه مذهب الإثبات ومنافرة التأويل والغفلة عن التنزيه ، حتى أثر ذلك في طبعه انحرافاً شديداً عن أهل التنزيه ، وميلاً قوياً إلى أهل الإثبات فإذا ترجم لواحد من أهل الإثبات ، يطنب في وصفه بجميع ما قيل فيه من المحاسن ويبالغ في حقه ، ويتغافل عن غلطاته ، ويتأول له ما أمكن وأما إذا ترجم أحداً من الطرف الآخر ، كإمام الحرمين ، والغزالي ونحوهما ، لا يبالغ في وصفه ، ويكثر في قول من طعن فيه ، ويعيد ذلك ، ويبديه ، ويعتقده ديناً ، وهو لا يشعر ، ويعرض عن محاسنهم الطافحة ، فلا يستوعبها ، فإذا ظفر لأحد منهم بغلطة ذكرها ، وكذلك فعله في أهل عصرنا ، إذا لم يقدر على أحد منهم بتصريح يقول في ترجمته : « والله يصلحه » ، وسببه المخالفة في العقائد » (٣) .

٢ ـ خشيش بن أصرم ، مصنف كتاب « الاستقامة » يعرفه الذهبي بأنه يرد فيه على أهل البدع (٤) ، ويريد منه أهل التنزيه الذين لا يثبتون لله سبحانه

____________________

(١) سورة طه : الآية ٥ .

(٢) سير أعلام النبلاء : ج ١٣ ، ص ٣٢٥ .

(٣) طبقات الشافعية الكبرى : ج ٢ ص ١٣ .

(٤) تذكرة الحفاظ : ج ٢ ص ٥٥١ .

١٣١
 &

خصائص الموجود الإمكاني ، وينزهونه عن الجسم والجسمانيات . توفي في شهر رمضان ، سنة ٢٥٣ (١) .

٣ ـ أحمد بن محمد بن الأزهر بن حريث السجستاني السجزي . نقل الذهبي في ميزان الاعتدال عن السلمي قال : « سألت الدارقطني عن الأزهري ، فقال هو أحمد بن محمد بن الأزهر بن حريث ، سجستاني منكر الحديث ، لكن بلغني أن ابن خزيمة حسن الرأي فيه وكفى بهذا فخراً » (٢) .

يلاحظ عليه أنه : كفى بهذا ضعفاً ، لأن ابن خزيمة هذا رئيس المجسمة والمشبهة ، ومنه يعلم حال السجستاني ، والجنس إلى الجنس يميل .

توفي سنة ٣١٢ (٣) .

٤ ـ محمد بن إسحاق بن خزيمة . ولد عام ٣١١ . وقد ألف « التوحيد وإثبات صفات الرب » ، وكتابه هذا مصدر المشبهة والمجسمة في العصور الأخيرة . وقد اهتمت به الحنابلة ، وخصوصاً الوهابية ، فقاموا بنشره على نطاق وسيع . وسيوافيك بعض أحاديثه .

٥ ـ عبد الله بن أحمد بن حنبل . ولد عام ٢١٣ ، وتوفي عام ٢٩٠ يروي أحاديث أبيه ( الإمام أحمد بن حنبل ) . وكتابه « السنة » المطبوع لأول مرة بالمطبعة السلفية ومكتبتها عام ١٣٤٩ ، مشحون بروايات التجسيم والتشبيه ، يروي فيه ضحك الرب ، وتكلمه وأصبعه ، ويده ، ورجله ، وذراعيه ، وصدره وغير ذلك مما سيمر عليك بعضه .

وهذه الكتب الحديثية الطافحة بالإسرائيليات والمسيحيات جرت الويل على الأمة وخدع بها المغفلون من الحنابلة والحشوية وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً .

____________________

(١) سير أعلام النبلاء : ج ٢ ص ٢٥٠ ـ ٢٥١ .

(٢) ميزان الاعتدال : ج ١ ص ١٣٢ .

(٣) سير أعلام النبلاء : ج ١٤ ص ٣٩٦ .

١٣٢
 &

ولأجل أن يقف القاریء على بعض ما في هذه الكتب من الأحاديث المزورة التي تخالف الذكر الحكيم وتناقض العقل والفطرة نأتي بنماذج مما ورد في الكتابين التاليين :

١ ـ السنة لأحمد بن حنبل الذي رواه عنه ابنه عبد الله .

٢ ـ التوحيد لابن خزيمة .

وهؤلاء وإن كانوا يتلون قوله سبحانه : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ولكنهم يروون أحاديث تثبت للرب سبحانه آلاف المثل .

نعم ، يقول ابن خزيمة : « إنا نثبت لله ما أثبته الله لنفسه ونقر بذلك بألسنتنا ونصدق بذلك بقلوبنا من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد المخلوقين ، وعز ربنا عن أن نشبهه بالمخلوقين » (١) .

لكن هذه العبارة اتخذها واجهة لتبرير نقل الروايات الصريحة في التجسيم والجهة ، ولا تتحمل تلك الروايات هذا التأويل الذي لهج به ابن خزيمة وأبناء جلدته .

وهذا كتاب السنة لإمام الحنابلة وقد رواه عنه ابنه تجد فيه أحاديث تعرب عن أن لله سبحانه ضحكاً وأصبعاً ويداً وذراعين ووجهاً ، التي يتبادر منها البدع اليهودية والمسيحية .

وما نذكره هنا إنما هو نماذج مما ورد في الكتابين المذكورين والسابر فيهما يجد أضعاف أمثاله وأكثر هذه الأحاديث قد أخرجت في الصحاح والسنن .

إن كتاب التوحيد لابن خزيمة قد وقع مورد القبول عند أهل الحديث والحنابلة ، كيف ، وقد جمع الأحاديث من هنا وهناك وحشاها في كتابه من غير فحص ولا تنقيب ، وهذه كانت المنية الكبرى للحنابلة في تلك العصور . ولأجل ذلك صار الكتاب يقرأ على العلماء والفضلاء حتى يتخذوه ميزاناً لتمييز الحق عن الباطل ، ولا يتخلف أحد عن الاعتراف بما جاء فيه .

____________________

(١) التوحيد لابن خزيمة : ص ١١ .

١٣٣
 &

قال ابن كثير في حوادث سنة ٤٦٠ هـ : « وفي يوم النصف من جمادى الآخرة قرأ « الاعتقاد القادري » الذي فيه مذهب أهل السنة والإنكار على أهل البدع . وقرأ أبو مسلم الكجي البخاري المحدث كتاب « التوحيد » لابن خزيمة على الجماعة الحاضرين ، وذكر بمحضر من الوزير ابن جهير وجماعة الفقهاء وأهل الكلام ، واعترفوا بالموافقة » (١) .

هذا ، وبمرور الزمن وعلى أثر تفتح العقول أفلت شمس كتاب التوحيد وشطب المفكرون من الأشاعرة على ما فيه . يقول الرازي في هذا الصدد عند تفسير قوله سبحانه ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) : « واعلم أن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه بـ « التوحيد » وهو في الحقيقة كتاب الشرك ، واعترض عليها . وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات لأنه كان رجلاً مضطرب الكلام ، قليل الفهم ، ناقص العقل » (٢) .

هذا ، ولو أن الرازي وقف على ما في تعاليم الأشاعرة من الجبر الملتوي في مقابل الجبر الصريح كما سيبين ، والتجسيم والتشبيه الخفيين ، لما اتخذ المذهب الأشعري ـ الذي هو أحد وجهي العملة والوجه الآخر هو عقيدة أهل الحديث ـ لنفسه شعاراً ، ولما حماهم بحماس .

يقول الدكتور أحمد أمين : « وفي رأيي لو سادت تعاليم المعتزلة إلى اليوم لكان للمسلمين موقف آخر في التاريخ غير موقفهم الحالي وقد أعجزهم التسليم وشلهم الجبر ، وقعد بهم التواكل » (٣) .

والصحيح أن يقال : لو سادتهم الحرية في البحث والاستماع واتباع الأحسن لكان موقفهم غير هذا .

____________________

(١) البداية والنهاية : ج ١٢ ص ٩٦ .

(٢) تفسير الإمام الرازي : ج ٢٧ ص ١٥٠ .

(٣) ضحى الإسلام : ج ٣ ص ٧٠ .

١٣٤
 &

في أن الله يضحك

١ ـ روى ابن حنبل : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن يعلى بن عطاء ، عن وكيع بن حدس ، عن عمه أبي رزين قال : قال رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) : ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره قال : قلت : يا رسول الله أو يضحك الرب ؟ قال : نعم . قلت : لن نعدم من رب يضحك خيراً » (١) .

رواه ابن خزيمة لكن بدل قوله نعم ، قال : « إي والذي نفسي بيده إنه ليضحك » (٢) .

٢ ـ روى عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن اسماعيل بن أبي معمر ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : « ضحك ربنا من رجلين يقتل أحدهما صاحبه ثم يصيران إلى الجنة » (٣) .

ورواه ابن خزيمة بأسانيد مختلفة (٤) .

٣ ـ وجاء في خبر طويل رواه عن إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني أبو أحمد قال : « أملاه علينا إملاء في دار كعب : قال حدثني محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحمن خالد بن أبي يزيد ، حدثني زيد بن أبي أنيسة ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي عبيدة بن عبد الله ، عن مسروق بن الأجدع ، حدثنا عبد الله بن مسعود ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : . . . فيقول الله له ـ أي لمن أدخله الجنة ثم لم يزل يطلب منزلة أرفع من أخرى ـ : لن ترضى أن أعطيك مثل الدنيا مذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافها ؟ فيقول : أتستهزیء بي وأنت رب العالمين ؟

____________________

(١) السنة لعبد الله بن حنبل : ص ٥٤ .

(٢) التوحيد وإثبات صفات الرب : ص ٢٣٥ .

(٣) السنة : ص ١٦٦ .

(٤) التوحيد : ص ٢٣٤ .

١٣٥
 &

قال : فضحك الرب من قوله . قال : فرأيت ابن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن قد سمعتك تحدث هذا الحديث مراراً كلما بلغت هذا المكان من هذا الحديث ضحكت . فقال ابن مسعود : إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحدث بهذا الحديث مراراً ، كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدو آخر أضراسه ـ الحديث (١) .

ورواه ابن خزيمة عن ابن مسعود (٢) وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي .

٤ ـ وروى ابن خزيمة بأسانيد متعددة عن رسول الله ( صلی الله عليه وسلم ) قال : « يتجلى لنا ربنا عز وجل يوم القيامة ضاحكاً » (٣) .

قال ابن خزيمة « باب ذكر إثبات ضحك ربنا عز وجل » : بلا صفة تصف ضحكه ـ جل ثناؤه ـ لا ولا يشبه ضحكه بضحك المخلوقين وضحكهم كذلك . بل نؤمن بأنه يضحك كما أعلم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ونسكت عن صفة ضحكه جل وعلا ، إذ الله عز وجل استأثر بصفة ضحكه لم يطلعنا على ذلك ، فنحن قائلون بما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مصدقون بذلك بقلوبنا ، منصتون عما لم يبين لنا ، مما استأثر الله تعالى بعلمه (٤) .

وقد عرفت ما في تأويله من الوهن وأن هذه الأحاديث لو صحت لوجب حملها على ظواهرها من الضحك الملازم لبدو الأسنان والفم ، والقول بأنه يضحك ولا نعلم حقيقته ، تأويل سخيف ، بل الأمر دائر بين القبول تماماً أو الرد كذلك .

____________________

(١) السنة : ص ٢٠٦ ـ ٢٠٨ .

(٢) التوحيد : ص ٢٣١ .

(٣) التوحيد : ص ٢٣٦ .

(٤) التوحيد : ص ٢٣٠ ـ ٢٣١ .

١٣٦
 &

في أن لله يداً

١ ـ قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : « قرأت على أبي إبراهيم بن الحكم بن أبان ، حدثني أبي ، عن عكرمة قال : إن الله لم يمس بيده شيئاً إلا ثلاثاً : خلق آدم بيده ، وغرس الجنة بيده ، وكتب التوراة بيده » (١) .

٢ ـ وقال : قرأت على أبي ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، حدثنا أبو الجنيد ـ شيخ كان عندنا ـ عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير : « أنهم يقولون إن الألواح من ياقوتة لا أدري قال حمراء أو لا ؟ وأنا أقول سعيد بن جبير يقول : إنها كانت من زمردة وكتابتها الذهب وكتبها الرحمن بيده ويسمع أهل السماوات صرير القلم » (٢) .

٣ ـ وقال : « حدثني أبي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنا الجرير ، عن أبي عطاف قال : كتب الله التوراة لموسى بيده وهو مسند ظهره إلى الصخرة في الألواح من در ، يسمع صريف القلم ، ليس بينه وبينه إلا الحجاب (٣) .

٤ ـ وقد أفرد ابن خزيمة لإثبات اليد لله صفحات كثيرة ومما رواه عن أبي هريرة ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : « لما خلق الله الخلق كتب كتاباً وجعله تحت العرش : إن رحمتي تغلب غضبي » (٤) .

٥ ـ ومنها عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) « قال : إن الله يفتح أبواب السماء في ثلث الليل فيبسط يديه فيقول : ألا عبد يسألني فأعطه » (٥) .

٦ ـ ومنها : عن أبي هريرة ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : « ما تصدق أحد بصدقة من طيب ـ ولا يقبل الله إلا الطيب ـ إلا أخذها الله

____________________

(١) السنة : ص ٢٠٩ .

(٢) السنة : ص ٧٦ .

(٣) السنة : ص ٧٦ .

(٤) التوحيد : ص ٥٨ .

(٥) التوحيد : ص ٥٨ ، وروى ابن خزيمة أحاديث كثيرة جداً في نزول الله إلى السماء الدنيا كل ليلة ص ١٢٥ ـ ١٣٦ ووصفها بأنها أخبار ثابت السند صحيح القوام .

١٣٧
 &

بيمينه ، وإن كانت مثل تمرة ، فتربو له من كف الرحمن » . الحديث (١) .

في أن لله عينين

استدل ابن خزيمة بما ورد من أن الله بصير ، على أن له عينين ، قال : نحن نقول : لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى وما في السماوات العلى وما بينهما من صغير وكبير . . . إلى أن قال : كما يرى عرشه الذي هو مستو عليه . وبنو آدم وإن كانت لهم عيون يبصرون بها فإنهم إنما يرون ما قرب من أبصارهم مما لا حجب ولا ستر بين المرئي وبين أبصارهم . . . واستطرد في ذكر نواقص عيون بني آدم ثم قال : فما الذي يشبه ـ يا ذوي الحجا ـ عين الله الموصوفة بما ذكرنا ، عيون بني آدم التي وصفناها بعد » (٢) .

في أن لله أصبعاً

١ ـ روى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي يقول : حدثنا يحيى بن سعيد بحديث سفيان ، عن الأعمش ومنصور ، عن ابراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : « إن الله يمسك السماوات على أصبع . قال أبي : وجعل يحيى يشير بأصابعه ، وأراني كيف جعل يحيى يشير بأصابعه يضع أصبعاً أصبعاً حتى أتى على آخرها » (٣) .

٢ ـ أما حديث سفيان المشار إليه فهو ما رواه بإسناده عن عبد الله : « أن يهودياً أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا محمد إنّ الله يمسك السماوات على أصبع والأرضين على أصبع والثرى على أصبع والجبال على أصبع والخلائق على أصبع ثم يقول : أنا الملك . فضحك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى بدت نواجذه . ثم قال : وما قدروا الله حق قدره » .

____________________

(١) التوحيد : ص ٦١ .

(٢) التوحيد : ص ٥٠ ـ ٥١ .

(٣) السنة : ص ٦٣ .

١٣٨
 &

ثم أضاف عبد الله بن أحمد ، قال أبي ، قال يحيى ، قال فضيل بن عياض ، فضحك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تعجباً وتصديقاً له .

وروي هذا الخبر وما في معناه بأسانيد مختلفة عن ابن مسعود تارة وعن ابن عباس أخرى (١) .

٣ ـ وقال حدثني أحمد بن إبراهيم سمعت وكيعاً يقول : « نسلم هذه الأحاديث كما جاءت ولا نقول كيف كذا ، ولا لم كذا ، يعني مثل حديث ابن مسعود « إن الله يحمل السماوات على أصبع والجبال على أصبع » وحديث أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : « قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن » ونحوها من الأحاديث » (٢) .

وأورد أخباراً مفادها أن الله تعالى حيث تجلى للجبل فجعله دكاً إنما تجلى بأصبعه ، ضربه على رأس الجبل فاندك .

٤ ـ منها : حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا هريم ، حدثنا محمد بن سواء ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : « فلما تجلى ربه للجبل » قال هكذا ، وأشار بطرف الخنصر يحكيه (٣) .

٥ ـ ومنها ما ذكره ابن خزيمة قال : حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، قال حدثنا ثابت ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : « لما تجلى ربه للجبل » رفع خنصره وقبض على مفصل منها ، فانساخ الجبل ، فقال له حميد : أتحدث بهذا ؟ فقال : حدثنا أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتقول : لا تحدث به ؟ (٤) .

____________________

(١) السنة : ص ٦٢ ـ ٦٤ .

(٢) السنة : ص ٦٤ .

(٣) السنة : ص ٦٥ .

(٤) التوحيد : ص ١١٣ .

١٣٩
 &

في أن لله كلاماً وصوتاً

١ ـ قال عبد الله بن أحمد ، حدثني أبو معمر ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، قال : وحدثنا ابن نمير وأبو معاوية كلهم عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : « إذا تكلم الله بالوحي ، سمع أهل السماء صلصلة كصلصلة الحديدة على الصفا » (١) .

وأخرج ابن خزيمة أخباراً كثيرة في ذلك (٢) .

في أن لله ذراعين وصدراً

١ ـ قال عبد الله بن أحمد ، حدثني سريج بن يونس ، حدثنا سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر ، عن هشام بن عروة عم أبيه ، عن عبد الله بن عمرو قال : « ليس شيء أكثر من الملائكة ، إن الله خلق الملائكة من نور ، فذكره وأشار سريج بيده إلى صدره ، قال : وأشار خالد إلى صدره فيقول : كن ألف ألف ألفين فيكونون » (٣) .

٢ ـ وقال : حدثني أبي ، حدثنا أبو أسامة حماد بن أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو قال : « خلقت الملائكة من نور الذراعين والصدر » (٤) .

٣ ـ وقال : « حدثنيه أبو خيثمة زهر بن حرب ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا شيبان ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : إن غلظ جلد الكافر اثنان وسبعون ذراعاً بذراع الجبار وضرسه مثل ذلك » (٥) .

____________________

(١) السنة : ص ٧١ .

(٢) التوحيد : ص ١٤٥ ـ ١٤٧ .

(٣ و ٤ و ٥) السنة : ص ١٩٠ .

١٤٠