تراثنا ـ العددان [ 87 و 88 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 87 و 88 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

المصادر

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ الاعتقادات في دين الإمامية ، للشيخ الصدوق (ت ٣٨١ هـ) ، دار المفيد ، بيروت / ١٤١٤ هـ.

٣ ـ أعيان الشيعة ، لمحسن الأمين (ت ١٣٧١ هـ) ، دار التعارف ، بيروت / ١٤٠٣ هـ.

٤ ـ أمل الآمل ، للحرّ العاملي (ت ١١٠٤ هـ) ، دار الكتاب الاسلامي ، قم / ١٤٠٤ هـ.

٥ ـ تفسير الأصفى ، للفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ) ، مكتب الإعلام الإسلامي ، قم / ١٤١٨ هـ.

٦ ـ تفسير البرهان ، للسيّد هاشم البحراني (ت ١١٠٧ هـ) ، مؤسسة إسماعيليان ، قم / ١٤١٧ هـ.

٧ ـ تفسير التبيان ، لشيخ الطوسي (ت ٤٦٠ هـ) ، مكتب الإعلام الإسلامي ، قم / ١٤٠٩ هـ.

٨ ـ تفسير الصافي ، للفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ) ، مؤسسة الهادي ، قم / ١٤١٦ هـ.

٩ ـ تفسير كنز الدقائق ، للميرزا محمّد المشهدي (ت ١١٢٥ هـ) ، تحقيق : حسين الدرگاهي ، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، طهران / ١٤١٠ هـ.

١٠ ـ تفسير كنز الدقائق ، للميرزا محمّد المشهدي (ت ١١٢٥ هـ) ، تحقيق : مجتبى العراقي ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم / ١٤٠٧ هـ.

١١ ـ تفسير مجمع البيان ، للطبرسي (ت ٥٤٨ هـ) ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت / ١٤١٥ هـ.

١٢ ـ تفسير نور الثقلين ، لعبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (ت ١١١٢ هـ) ، مؤسسة إسماعيليان ، قم / ١٤١٢ هـ.

١٠١

١٣ ـ التفسير والمفسرون ، للدكتور الذهبي ، نسخة لم يذكر فيها دار النشر ولا سنة الطبع.

١٤ ـ خاتمة المستدرك ، للميرزا النوري (ت ١٣٢٠ هـ) ، مؤسّسة آل البيتعليهم‌السلاملإحياء التراث ، قم / ١٤١٥ هـ.

١٥ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، لآغا بزرك الطهراني (ت ١٣٨٩ هـ) ، دار الأضواء ، بيروت / ١٤٠٣ هـ.

١٦ ـ رياض العلماء ، للميرزا عبد الله الأفندي الأصبهاني ، مطبعة الخيام ، قم / ١٤٠١ هـ.

١٧ ـ طبقات أعلام الشيعة ، لآغا بزرك الطهراني ، مؤسسة مطبوعات إسماعيليان ، قم / ١٤١٤ هـ.

١٨ ـ طبقات مفسران شيعة ، لعقيقي البخشايشي ، دفتر نشر نويد اسلام ، قم / ١٤١٥ هـ.

١٩ ـ معادن الحكمة في مكاتيب الأئمة ، لمحمّد بن المحسن بن المرتضى الكاشاني ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم / ١١١٥ هـ.

٢٠ ـ هدية الأحباب ، للشيخ عباس القمّي ، كتابخانه صدوق ، طهران / ١٤٠٤ هـ.

١٠٢

تاريخ النظرية الفقهية

في المدرسة الإمامية

(٢)

السيد زهير الأعرجي

تعرضنا إلى تاريخ النظرية الفقهية ، مروراً بالمدارس الفقهية في التاريخ الإمامي ، وعوداً على بدء نستأنف البحث ..

١١ ـ مدرسة القرن الحادي عشر الهجري

ومن أبرز فقهاء تلك المدرسة : الشيخ البهائي ، والمحقّق السبزواري ، والفيض الكاشاني ، والمحقّق الخونساري.

١ ـ الشيخ البهائي : محمّد بن حسين بن عبد الصمد (ت ١٠٣٠ هـ) ، وكتبه الفقهية : الجامع العباسي رسالة عملية باللغة الفارسية ، كتبها إلى الشاه عبّاس الصفوي.

والاثنا عشريّات الخمس في الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحجّ ، مرتّب على عشرين باباً ، خرج منه خمسة أبواب في العبادات إلى آخر الحجّ فأدركه الأجل ، ثمّ تمّمه بعده تلميذه نظام الدين الساوجي.

وله حاشية على القواعد الشهيدية ، أوّلها : «اللّهمّ إنّا نحمدك بلسان الحال والمقال ، ونشكرك على ترادف الأنعام والأفضال ، ونستكفيك على

١٠٣

رفع جلباب الغموض والإجمال ، عن القواعد الشهيدية التي هي محكّ فحول الرجال». عناوينه : (قوله ، قوله) ، طبع بعضها على حواشي القواعد المطبوع سنة ١٣٠٨ هـ(١).

وله أيضاً حاشية على كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، في ثلاثة أجزاء ، لم يسعده التوفيق في إكماله ، بل وصل إلى مرحلة في كتاب الطهارة.

وله كتاب حرمة ذبائح أهل الكتاب ، وقد تطرّق إلى أقوال علماء الإمامية حتّى الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي ؛ ثمّ ردّ فقهاء المذاهب الأُخرى التي قالت بالحلّية.

فقال : «والجواب عمّا احتجّوا به [أي فقهاء المذاهب] عن أصالة الحلّ فبأنّ الأصل إنّما يتمسّك به إذا بقي على حاله ولم يرتفع حكمه بشيء من الدلائل ، وقد قدّمنا دلالة الآية الكريمة وأحاديث أهل البيت على ما قلناه.

وأمّا عمّا هو عمدتهم ، وهو الاستدلال بآية : (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)(٢) ، فيه أنّه لا ريب أنّ ظاهرها ينافي ظاهر آية : (وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ)(٣) ، ولكن رفع التنافي بينهما ليس منحصراً في ما ذكرتم ليتمّ كلامكم ؛ فإنّ رفعه بتخصيص الطعام فيها بما عدا اللحوم أولى وأحسن من حملكم وتأويلكم البعيد ، وتخصيص الطعام بالبرّ والتمر ونحوهما شائع ، وفي حديث أبي سعيد الخدري : «كنّا نخرج صدقة

__________________

(١) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٦ / ١٧٣ رقم ٩٤٠.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٥.

(٣) سورة الانعام ٦ : ١٢١.

١٠٤

الفطرة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير»(١).

قال ابن الأثير في النهاية : «قيل المراد به البرّ ، وقيل التمر ، وهو أشبه ؛ لأنّ البرّ كان عندهم قليلاً ولا يتّسع لإخراج زكاة الفطرة(٢)» ... وقد روى أصحابنا عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام أنّ المراد بالطعام في هذه الآية الحبوب وما شابهها ... (٣).

٢ ـ المحقّق السبزواري : ملاّ محمّد باقر (ت ١٠٩٠ هـ) وكتاباه الفقهيّان : الذخيرة ، والكفاية.

٣ ـ الفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ) وكتابه الحديثي الفقهي : الوافي.

الوافي :

يصف الفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ) كتابه الوافي بهذه العبارات : «هذا كتاب واف في فنون علوم الدين ، يحتوي على جملة ما ورد منها في القرآن المبيّن ، وجميع ما تضمّنته أُصولنا الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار ، أعني : الكافي ، والفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار من أحاديث الأئمّة الأطهار سلام الله عليهم. حداني إلى تأليفه ما رأيت من قصور كلّ من الكتب الأربعة عن الكفاية ، وعدم وفائه بمهمّات الأخبار الواردة للهداية ، وتعسّر الرجوع ؛ إلى المجموع لاختلاف أبوابها في العنوانات ، وتباينها في مواضيع الروايات ، وطولها المنبعث في المكرّرات»(٤).

__________________

(١) سنن النسائي ٥ / ٥١ ، باب التمر في زكاة الفطر.

(٢) النهاية ـ لابن الاثير ـ ٣ / ١٢٧.

(٣) حرمة ذبائح أهل الكتاب : ٦٩ ـ ٧٠.

(٤) الوافي ـ للفيض الكاشاني ـ : ٦.

١٠٥

وبعد أن يعرض أهدافه في تصنيف هذا الكتاب ، يتعرّض إلى موارد النقص في الكتب الأربعة :

أ ـ فـ : الكافي في رأيه ـ وإن كان أشرفها وأوثقها وأتمُّها وأجمعها ؛ لاشتماله على الأصول ـ إلاّ أنّه أهمل كثيراً من الأحكام ولم يأتِ بأبوابها ، وربّما اقتصر على أحد طرفي الخلاف من الأخبار ، ولم يشرح المُبهمات والمشكلات ، ولم يحسن ترتيب الكتب والأبواب والروايات.

ب ـ ومن لا يحضره الفقيه خال من الأُصول وفيه قصور عن كثير من الأبواب والفصول ، وربّما يشبه الحديث فيه بكلامه ، ويختلط كلام المصنّف بذيل الحديث ، وربّما يرسل الحديث إرسالاً ويهمل الإسناد.

ج ـ والتهذيب ـ وإن كان جامعاً للأحكام ـ إلاّ أنّه كسابقه خال من الأُصول ، ويشتمل على تأويلات بعيدة ، ويفرّق لما ينبغي أن يجمع ، ويجمع لما ينبغي أن يفرّق ، ووضع كثير من الأخبار في غير مواضعها ، مع قصور في العناوين ، وتكرار للمطالب والروايات.

د ـ والاستبصار ـ الذي هو بضعة من التهذيب ـ يقتصر على الأخبار المختلفة ، جمع بينها المصنّف بالقريب والغريب.

وبكلمة ، فإنّ الفيض الكاشاني استشعر بأنّ الكتب الحديثية الأربعة لم يكن لها نظام واحد تامّ يجمع الأُصول والأحكام ؛ بسبب اختلاف أزمان المصنّفين الثلاثة أعلى الله مقامهم ، واختلاف آرائهم وطريقة جمعهم. فقام بتصنيف الوافي على ضوء المنهج التالي :

١ ـ جمع الروايات جمعاً منظّماً ، حسبما أوحاه له علمه بذلك ، وحذف المكرّر منها.

٢ ـ أرجع جميع الروايات التي جاءت في الكتب الأربعة إلى

١٠٦

أسانيدها ، حسبما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

٣ ـ شرح الروايات الغامضة التي كانت بحاجة إلى شرح وبيان مختصر.

وليس في كلام المصنّف قدس‌سره من توهين بحجّية الكتب الأربعة ، بل قد يستفاد من كلامه العكس ، فقد كان يؤمن ـ بسبب عقيدته الأخبارية ـ بقطعية الأخبار الواردة في تلك الكتب الحديثية ، ومنهجه في تنظيم الروايات وشرحها كان رائعاً ، ولنعرض نموذجاً في ذلك :

«(كا)(١) عليّ ، عن أبيه ، عن ابن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن محمّد بن الميسر ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ، ويريد أن يغتسل منه ، وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان؟ قال : «يضع يده ويتوضّأ ، ثمّ يغتسل». هذا ممّا قال الله تعالى : (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج)(٢).

(بيان)(٣) : ويتوضّأ ، يعني : يغسل يده ، فإنّه كثيراً ما يجيء بهذا المعنى ، وإنّما تلا عليه‌السلام الآية ؛ لأنّ الماء الذي يستعمل في الطهارة من الحدث لا بدّ له من مزيد اختصاص في حالة الاختيار ، وأقلّه أن لا يلاقي شيئاً من النجاسات إن كان قليلاً ، ولا يكون آجناً متغيّر اللون والطعم بغير النجاسة ، ولا يكون مسخّناً بالشمس ، إلى غير ذلك كما يظهر من الأخبار الآتية.

فإذا اضطرّ الإنسان إلى استعمال غيره سقط اعتباره دفعاً للحرج ،

__________________

(١) هذا الرمز يشير إلى أنّ الرواية مصدرها كتاب (الكافي) للشيخ الكليني.

(٢) سورة الحج ٢٢ : ٧٨.

(٣) شرح المصنف للرواية.

١٠٧

فيكفيه ما يجوز استعماله في غير ذلك من المياه ، وكذا إذا علم به بعد استعماله فإنّه يجزيه كما يأتي بيانه»(١).

٤ ـ المحقّق الخوانساري : حسين ـ من فقهاء القرن الحادي عشر ـ وهو صهر المحقّق السبزواري ، كتابه الفقهي : مشارق الشموس في شرح الدروس ، وهو شرح لكتاب الدروس الشرعية للشهيد الأوّل.

١٢ ـ مدرسة القرن الثاني عشر الهجري

ومن أبرز فقهائها : الحرّ العاملي ، والفاضل الهندي ، والمحقّق البحراني.

١ ـ محمّد بن الحسن بن علي الحرّ العاملي (ت ١١٠٤ هـ) ، وكتابه : وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة.

استخرج مصنّفه الأحاديث الشريفة في الفروع الفقهية والآداب الشرعية من الكتب الأربعة ، وأضاف إليها أحاديث أُخرى من كتب الأصحاب ، تربو على مائة وثمانين كتاباً ، ووزّع الأحاديث حسب ترتيبها الفقهي من الطهارة إلى الديّات.

قال المصنّف في مقدّمته : «كتاب يطمئنّ الخاطر به ، وتركن النفس إليه ، ويصلح للوثوق به والاعتماد عليه ، ويكتفي به أرباب الفضل والكمال ، في الفقه والحديث والرجال ، كتاب كافل ببلوغ الأمل ، كاف في العلم والعمل ، يشتمل على أحاديث المسائل الشرعية ، ونصوص الأحكام الفرعية ، المروية في الكتب المعتمدة الصحيحة التي نصّ على صحّتها

__________________

(١) الوافي ٤ / ٥.

١٠٨

علماؤنا نصوصاً صريحة تكون مفزعاً لي في مسائل الشريعة ، ومرجعاً يهتدي به من شاء من الشيعة»(١).

وللحرّ العاملي كتاب : بداية الهداية ، وهو في الواجبات والمحرّمات المنصوصة من أوّل كتب الفقه إلى آخرها على سبيل الاختصار. وعبارات الكتاب ـ في أغلب الأحيان ـ عين ألفاظ الروايات ، وإن لم تنقل على نحو الروايات. وهذا الكتاب في الواقع هو مختصر لكتاب آخر هو : هداية الأُمّة إلى أحكام الأئمّة بحذف الأسانيد والمكرّرات. وقد حصر عدد الواجبات المنصوصة فكانت : ألف وخمسمائة وخمسة وثلاثين واجباً ، وعدد المحرّمات المنصوصة : ألف وأربعمائة وثمانية وأربعين محرّماً.

وقد أضاف الشيخ عبّاس بن محمّد رضا القمّي (ت ١٣٥٩ هـ) إلى ذلك الجهد جهداً أضافياً ، فكتب : لبّ الوسائل إلى تحصيل المسائل ذكر فيه المستحبّات والمكروهات.

٢ ـ الفاضل الهندي : الشيخ بهاء الدين الأصفهاني (ت ١١٣٧ هـ) ، وكتابه الفقهي : كشف اللثام.

٣ ـ المحقّق يوسف البحراني (ت ١١٨٦ هـ) ، وكتابه الموسوعي : الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ، وهو موسوعة فقهية من الطهارة إلى الظهار ، حافلة بمهامّ المسائل ، طافحة بأمّهات الدلائل ، وجامعة للفروع والأحكام والأحاديث والأخبار. وقد انبرى لآراء الفقهاء وما فهموه من الروايات فناقشها. والقاعدة في الكتاب أنّ المصنّف كان يضمّ إلى كلِّ رأي أدلّته ، ويضيف إلى كلِّ قول مستنده وما يؤيّده ويدعمه ، ثمّ يحاول

__________________

(١) الوسائل ١ / مقدّمة.

١٠٩

نقاشها بما يستطيع أن يورد عليها من نقود ومؤاخذات ، فإن تمّ عنده الدليل ورأى الشبهة باطلة ردّها ، وأحكم الدليل واثبته ، واختار ما أدّى إليه اجتهاده.

ولم يتسنّ للمصنّف إكمال كتابة الموسوعة ، فقام ابن أخيه الشيخ حسين البحراني بتكملة المشروع ، بعنوان : عيون الحقائق الناظرة في تتميم الحدائق الناضرة : طبعت في النجف الاشرف سنة ١٣٥٤ هـ. وهو يحتوي على تسعة من كتب الفقه ، وهي : الظهار ، الإيلاء ، اللعان ، العتق ، الإقرار ، الجعالة ، الإيمان ، النذر ، الكفّارات.

والحدائق الناضرة : يحتوي على اثني عشر مقدّمة في الأخبار ، ونقل الحديث ، والظروف التي واجهت الشيعة في ذلك ، وأصول الفقه ، ثمّ يبدأ بالطهارة ، وينتهي بكتاب الظهار ، كما ذكرنا. وعيون الحقائق الناظرة يبدأ بإتمام كتاب الظهار ، وينتهي بكتاب الكفّارات.

١٣ ـ مدرسة القرن الثالث عشر الهجري

وتعدّ هذه المدرسة من أغنى المدارس الشيعية في البحث العلمي ، واستقصاء الدليل ، وتفريع البحوث ، واعتماد الأُصول. ومن أبرز فقهائها : الوحيد البهبهاني ، والنراقي ، والمراغي ، والنجفي ، والأنصاري.

١ ـ الوحيد البهبهاني : محمّد باقر بن محمّد أكمل (ت ١٢٠٦ هـ) من تلامذة السيّد صدر الدين الرضوي القمّي ، صاحب شرح الوافية.

تصدّى للحركة الأخبارية ودافع عن الاجتهاد ، وكتبه الفقهية أكثرها رسائل مختصرة أو حواشي مثل : رسالة في النكاح ، ورسالة في الصلاة والطهارة ، ورسالة في استحباب صلاة الجمعة ، ورسالة في التقية ، ورسالة

١١٠

في الحيض وأحكامه ، ورسالة في المتاجر ، وحاشية على المسالك ، وحاشية على المدارك ، وحاشية على شرح الإرشاد ونحوها من الرسائل والحواشي ، ولم يؤثر عنه قدس‌سره أنّه كتب دورة فقهية كاملة.

٢ ـ السيّد مهدي بحر العلوم (ت ١٢١٢ هـ) ، من تلامذة الوحيد البهبهاني ، بلغ في تهذيب النفس حدّاً كبيراً ، وله منظومة في الفقه.

٣ ـ الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت ١٢٢٨ هـ) ، وكتابه الفقهي : كشف الغطاء.

٤ ـ أبو القاسم الجيلاني القمّي (ت ١٢٣١ هـ) ، وله كتاب : جامع الشتات ، يشتمل على مباحث فقهية من الطهارة وحتّى الديّات. وله كتاب : غنائم الأيّام ، وهو فقه استدلالي مفصّل في العبادات ، خرج منه كتاب الطهارة والصلاة والزكاة والخمس والصوم والاعتكاف والحجّ. وله رسائل في ، بيع الفضولي ، وبيع المعاطاة ، وفي إخراج المؤن من الزكاة ، والجزية ، والحجّ وغيرها.

٥ ـ أحمد بن محمّد مهدي النراقي (ت ١٢٤٥ هـ) ، وكتابه : مستند الشيعة في أحكام الشريعة في مجلّدين ضخمين على الطبعة الحجرية (ط ١٣٢٥ هـ) ، من الطهارة وحتّى آخر الفرائض ، من الكتب الفقهية الاستدلالية المتميّزة بالدقّة وكثرة التفريعات ، حتّى ذُكر في مدحه ما لم يُذكر لسواه في تلك المرحلة ، فقيل فيه : «لا يعادله كتاب في الجامعية والتمامية ؛ لاشتماله على الأقوال ، مع الإحاطة بأوجز مقال من غير قيل وقال ، وارتجاله في الاستدلال ، وما به الإناطة بأخصر بيان ومثال من دون خلل وإخلال. فقد أجمل في الإيجاز والإعجاز ، وفصّل في الإجمال حقّ الامتياز. فهو بإجماله فصيل ، وفي تفصيله جميل ، سيّما في كتاب القضاء ، فقد اشتهر بين

١١١

الفضلاء أنّه لم يكتب مثله»(١).

يقول المصنّف في المقدّمة في بيان منهجيته العلمية في الكتاب : «هذا كتاب مستند الشيعة في أحكام الشريعة ، جعلته تذكرة لنفسي ، وذخيرة ليوم فاقتي وفقري ، مقتصراً فيه من المسائل على أهمّها ، ومن الدلائل على أتمّها ، وما اقتفيت فيه أثر أكثر من تقدّم علىّ من بيان المسائل غير المهمّة ، وإيراد الفروع الشاذّة النادرة. واحترزت عن الاشتغال بوجوه النقض والإبرام ، والإكثار فيما لا اعتناء بشأنه ولا اهتمام. وتركتُ فيه ذكر المؤيّدات الباردة ، وردّ القياسات الضعيفة الفاسدة ، بل أوردت فيه أمّهات المسائل الشرعية ، وأودعت فيه مهمّات الأحكام الفرعية. وذكرت عند كلِّ مسألة من المسائل ، ما ثبت عندي حجيّته من الدلائل ، ولم أتجشّم في المسائل الوفاقية غالباً لعدّ النصوص والأخبار ، وطلبت في كلِّ حال ما هو أقرب إلى الإيجاز والاختصار. وطويت عن ذكر المروي عنه في الأخبار ؛ لعدم حاجة إليه ولا افتقار.

ورمزتُ إلى فقهائنا الأطياب ، بما هو أقربُ إلى الأدب وأبعد من الإطناب ...»(٢).

والمعروف عند الفقهاء ، أنّ كتاب المستند امتاز بتحليل أصل المسألة وتفريعها ومناقشتها إلى أن تثبت مشروعيّتها. ففي باب «النجاسات»(٣) مثلاً فصّل في الفصل السابع حول «الكفّار» فقسّمهم إلى ثلاثة أقسام ، هم : غير الكتابي الذي لم ينتحل الإسلام ، والكتابيّون ، والمنتحلون للإسلام. ثمّ

__________________

(١) مستند الشيعة : المقدّمة.

(٢) مستند الشيعة ١ / ٣.

(٣) مستند الشيعة ١ / ١٩٦.

١١٢

استعرض بعد ذلك ما أجمع عليه فقهاء المذهب حول نجاستهم ، ثمّ حاول أخيراً الاستدلال على رأيه الفقهي حول الموضوع. فقال في مناقشة نجاسة النواصب ـ الذين ينتحلون الإسلام ولكنّهم يظهرون البغض لأهل البيت عليهم‌السلام ـ : «والمستفاد من كثير من العبارات بل المصرّح به في كلام جماعة(١) نجاسة المنكر لما يعلم ثبوته أو نفيه من الدين ضرورة. وهو مشكل ؛ لأنّا وإن قلنا بكفر ذلك ، ولكن لا دليل على نجاسة الكافر مطلقاً بحيث يشمل المقام. وشمول الإجماعات المنقولة لمثله غير معلوم. فإنّ ظاهر بعض كلماتهم أنّ مرادهم من الكفّار بالإطلاق غير فِرْق الإسلام. ألا ترى الفاضل قال في المنتهى ـ بعد دعوى الإجماع على نجاسة الكفّار ـ : حكم الناصب حكم الكفّار ؛ لأنّه ينكر ما يعلم من الدين ضرورة(٢). وكذا تُشعر بذلك عبارة المعتبر(٣) وغيره(٤) أيضاً. ومع ذلك يعاضده عدم التبادر ، وتبادر الغير. ويؤكّد ذلك أنّ منهم من حكم بكفر المخالفين لإنكاره الضروري ، ومع ذلك قال بطهارتهم ، كالفاضل ، فإنّه صرّح في زكاة المنتهى(٥) ، وشرح فصّ الياقوت(٦) : بأنّ المخالفين لإنكارهم ضروريّ الدين كفرة ، ومع ذلك هم طاهرون عنده. ولذا قيل في ردّ استدلال من يقول بنجاسة المخالفين بكفرهم : إنّه على تقدير إطلاق الكفر عليهم حقيقة

__________________

(١) العلاّمة الحلّي في تحرير الأحكام ١ / ٢٤.

(٢) المنتهى ١ / ١٦٨.

(٣) المعتبر ١ / ٩٨.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١ / ٢٨٣.

(٥) المنتهى ١ / ٥٢٢.

(٦) لم نعثر على هذا الكتاب.

١١٣

فلا دليل على النجاسة كلّية ، وإن هو إلاّ مصادرة محضة(١). فالطهارة هنا قوية ، للأصل. والقياس على غير المنتحل مردود. والآية(٢) على فرض تماميّتها غير نافعة ؛ لعدم تحقّق الشرك مطلقاً ، وعدم ثبوت الإجماع المركّب»(٣).

ويتميّز الكتاب أيضاً بمنهجية مبنائية ، فهو يستند على بعض المباني الفقهية والأُصولية التي آمن بها المصنّف ، منها : عدم اجتماع الأمر والنهي ، وعدم إفادة الجملة الخبرية للوجوب والتحريم ، وكون الشهرة الفتوائية جابرة أو كاسرة لسند الرواية ، وعدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلّي ، وغيرها من المباني الأُصولية.

٦ ـ السيّد مير عبد الفتاح الحسيني المراغي (ت ١٢٥٠ هـ) ، وكتابه : العناوين.

ويحتوي على نيّف وتسعين عنواناً من القواعد الفقهية المتلّقاة عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، ونذكر من تلك العناوين بعض النماذج :

أ ـ أصالة الاشتراك في التكليف. ويعني أنّه إذا ثبت حكم لأحد المكلّفين بخطاب لفظي أو بغيره فالقاعدة تقتضي باشتراك سائر المكلّفين معه في ذلك الحكم.

ب ـ قاعدة الشكّ بعد الفراغ والتجاوز. وتشمل تلك القاعدة للشكّ الابتدائي في أجزاء العمل بعد الفراغ من جزء والدخول في جزء آخر مترتّب عليه شرعاً مستقلّ في الاسم.

__________________

(١) الرياض ١ / ٨٥.

(٢) قوله تعالى : (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) سورة المائدة ٥ : ٥.

(٣) المستند ١ / ٢٠٤.

١١٤

ج ـ أصالة عدم تداخل الأسباب. ويراد بتداخل الأسباب : اشتراكها في التأثير في مسبّب واحد. فمثلاً لو اجتمعت أسباب الوضوء ـ من نوم وبول وريح التي يؤثّر كلٌّ منها في وجوب الوضوء ـ كان مقتضى تداخلها وضوءات ثلاثة. ومعنى عدم تداخلها اجتماعها في وضوء واحد ، بمعنى كون هذا الوضوء الواحد مقتضى كلّ واحد من الأسباب(١).

ونلمس من كتاب العناوين طريقة فقهاء الشيعة في تأسيس الضوابط الفقهية على نهج الأدلّة الشرعية والعقلية ، ومحاولاتهم الهادفة إلى بناء القواعد الفقهية ، من أجل تيسير الاستدلال الشرعي لقضايا الاستنباط.

٧ ـ الشيخ محمّد حسن النجفي (ت ١٢٦٦ هـ) ، وموسوعته الفقهية الجليلة : جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام ، وهو شرح استدلالي على شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي.

وتتّصف تلك الدورة الفقهية بالموسوعية والشمولية ، والدقّة الفائقة في نقل أقوال فقهاء الطائفة ، وتمحيصها ، والردّ عليها ردّاً علميّاً.

فمن ميزات منهجيّتها :

١ ـ محاولة المصنّف الإحاطة بجميع الأبواب الفقهية المعهودة من الطهارة وحتّى الديّات.

٢ ـ السعة والإحاطة بأقوال الفقهاء وأدلّتهم ، مع مناقشتها مناقشة استدلالية معمّقة.

٣ ـ الأُسلوب الأدبي والنسق اللغوي العلمي الذي انتهجه المصنّف ، إنّما انتهجه لجميع الموسوعة في أعدادها الـ (٤٣) مجلّداً.

__________________

(١) العناوين : ٢٠ ، ١٥٢ ، ٢٣١.

١١٥

٤ ـ كثرة التفريعات الفقهية التي حاول المصنّف طرحها ، ومحاولته جمع أُمّهات المسائل وفروعها.

٥ ـ قال المصنّف : «... أنا ما كتبته على أن يكون كتاباً يرجع إليه الناس ، وإنّما كتبته لنفسي حتّى أخرج إلى العذارات] منطقة ريفية قرب الحلّة يسكن فيها أخواله [، وهناك أُسأل عن المسائل ، وليس عندي كتب أحملها ؛ لأنّي فقير ، فعزمت على أن أكتب كتاباً يكون لي مرجعاً عند الحاجة. ولو أردت أن أكتب كتاباً مصنّفاً في الفقه ، لكنت أحبّ أن يكون على نحو رياض المير السيّد علي فيه عنوان الكتابية في التصنيف»(١).

والكتاب ينقل غالباً عن المحكي عن المصادر الفقهية ، دون أن يتيسّر للكاتب الرجوع إليها ، وهو دليل على صحّة قصد المصنّف. فقد كان كتاب مذاكرة ومراجعة للمسائل الفقهية. وقد اقتطف المصنّف بعض عبارات الرياض ، وشرح اللمعة ونحوها من دون الإشارة العلمية إلى ذلك. وقد أخذ عليه بعض المتأخّرين في ذلك ، دون علم بنية المصنّف. ولكن كلّ ذلك لا يقلّل من قيمة العمل العلمي الجبّار الذي قام به الشيخ النجفي رضوان الله تعالى عليه. فقد عرض بإيجاز وعمق متميّز ما وصل إليه الفكر الفقهي الإمامي في القرن الثالث عشر الهجري.

ونعرض في ما يلي نماذج منتقاة ، تكشف عن طبيعة النقل والردّ والاستدلال في تلك الموسوعة العلمية :

أ ـ عندما تعرّض في كتاب التجارة لمسألة جواز الولاية من قبل الجائر إذا كان مكرهاً ، عرض آراء الفقهاء ، ثمّ ناقش توهّم بعضهم بتخيّل

__________________

(١) جواهر الكلام ١ / ١٦ مقدّمة الشيخ المظفرقدس‌سره.

١١٦

أنّ المسألة من باب التعادل والتراجيح فالتزموا الموازنة بين ما يظلم به وما يخشاه من الظلم عليه.

وأجاب على ذلك التوهّم وغيره بالقول : «لا يخفى عليك تنقيح ذلك كلّه بعد ما عرفت موضوع المسألة ومدركها ، كما أنّه لا يخفى عليك عدم جواز ظلم الغير بأمر الجائر الذي يُخشى من تخلّفه ظلماً على بعض آخر دون نفس المُكرَه وماله وعرضه. ضرورة عدم مشروعية رفع الظلم عن مؤمن بظلم مؤمن آخر. وكون ذلك قد يقتضي التقية في بعض الأحوال ، لا يستلزم اقتضاءَه في الفرض. وكذا لا يخفى عليك أنّ المراد بالإكراه هنا ، أعمّ من التقية التي هي دين في العبادات ، لمعلومية عدم الفرق هنا بين وقوع الإكراه من الموافق في المذهب والمخالف بعد فرض تسلّطه على النفس والعرض والمال ...»(١).

ب ـ وعندما تعرّض لمسألة جوائز السلطان الجائر وضرورة إرجاعها إلى مالكها الحقيقي مع الإمكان ، قال في ردّه على بعض مآخذ المسألة : «نعم ، لو كان قد قبضه ـ أي جوائز السلطان الجائر ـ من أوّل الأمر بعنوان الاستنقاذ والإرجاع إلى مالكه اتّجه حينئذ عدم ضمانه بالتلف بغير تفريط ؛ لأنّ يده حينئذ يد أمانة ، لا من فروع يد الغاصب المعامل نفسه معاملة المالك ؛ ولأنّه حينئذ محسنٌ لا سبيل عليه. وفرق واضح بين هذا القبض وبين القبض بعنوان قبول الهبة ، وإثبات يد المدفوع إليه بدل يد الدافع. فليست هي حينئذ إلاّ يد الدافع الذي قد فُرض كونه غاصباً ، وإن كان المدفوع إليه جاهلاً وعزم على إرجاعها على مالكها بمجرّد علمه بالغصب.

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٢ / ١٦٩.

١١٧

لكن قد سبقت ذلك يد الضمان ، فلا يجديه هذا العزم في رفعه ، ولا في تحقيق كونها يد أمانة ، كما هو واضح بأدنى تأمّل هذا.

ولا يخفى عليك حكمها في يد الظالم من الأخذ منه قهراً مع الإمكان إن بقيت في يده وعوضها مع التلف ويقاصّ بها من أمواله. من غير فرق في ذلك بين موته وحياته ، وبين كونها معلومة المالك ومجهولته ؛ لأنّها بحكم الديون. لكن في شرح الأُستاذ أنّ ما في يده من المظالم تالفاً لا يلحقه حكم الديون ، في التقديم على الوصايا والمواريث ؛ لعدم انصراف الدين إليه ، وإن كان منه وبقاء عموم الوصية والمواريث على حاله. والسيرة المأخوذة يداً بيد من مبدء الإسلام إلى يومنا هذا ، فعلى ذلك لو أوصى بها بعد التلف خرجت من الثلث ، وما كان منها باقياً يجب ردّه. ولو امتنعوا منه ، حلَّ الحلال وحُرِّمَ الحرام.

وفيه ، مع أنّه لم نجد له موافقاً عليه منعٌ واضح. خصوصاً بعد معلومية المغصوب منه. ودعوى عدم الانصراف ـ كدعوى السيرة المجدية ـ ممنوعتان أشدّ المنع. وما في كتاب التحرير من أنّ الأفضل للمظلوم عدم أخذه ما ظلم به وإن تمكّن منه أجنبي عن ذلك ، ويمكن أن يكون وجهه مراعاة التقية ، والله أعلم»(١).

ج ـ وعندما تعرّض لمسألة البيع وانطباقها على العقود ، قال مناقشاً الآراء الفقهية في ذلك : «والظاهر أنّه النقل للتبادر الذي لا ينافي اقتضاء الحقيقة إطلاقه على العقد المبني على المسامحة ، كما نبّه عليه ثاني الشهيدين في الروضة. والعقود المقابلة للإيقاعات في اصطلاحهم

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٢ / ١٧٩.

١١٨

ما توقّفت على الإيجاب والقبول ، فلا تأييد فيه للقول بكون البيع نفس العقد. ولأنّ البيع فعلٌ فلا يكون انتقالاً ؛ لأنّه انفعال ولا عقداً لما تعرفه إن شاء الله تعالى ، ولأنّه لفظ من مقولة الكيف ، والمقولات العشرة متباينة ، فلا يصدق بعضها على بعض. وحمل العقد على المعنى المصدري ليكون فعلاً بعيد جدّاً فإنّ المفهوم منه اصطلاحاً هو المعنى الاسمي لا المصدري. ولأنّ الانتقال أثر البيع وغايته المترتّبة عليه ، والعقد سببه المؤدّي ، والسبب غير المسبّب ، فيمتنع تعريف أحدهما بالآخر ، بالقول عليه وإن جاز أخذه قيداً للمقول. ولأنّ النقل هو الموافق لتصاريف البيع ، وما يشتقّ من الأفعال والصفات بخلاف غيره ، إذ لا يراد ببعتُ مثلاً معنى الانتقال ، كما هو ظاهر ، ولا العقد ، وإلاّ لكان إيجاباً وقبولاً معاً ، وهو معلوم البطلان. وكذا البائع فإنّه ليس بمعنى المنتقل ولا بمعنى الموجب والمقابل ، والمطّرد في الجميع هو النقل. فيكون البيع موضوعاً له إجراء له على الأصل من لزوم التوافق مع الإمكان. فلا يقدح تخلّفه في النكاح ، لثبوت وضعه للعقد ، وامتناع الموافقة في أنكحت ونحوه ، فوجب صرفه إلى معنى آخر ، كتمليك الانتفاع ، والتسليط على الوطيء وغيرهما ممّا يناسب العقد ، بخلاف المقام الذي لم يثبت وضعه فيه للعقد»(١).

وهذا المستوى من النقاش العلمي في طول المواضيع الفقهية التي آمنت بها الإمامية ، وضع الفقه الاستدلالي الشيعي على قمّة الفكر الديني في العالم.

٨ ـ الشيخ مرتضى الانصاري (ت ١٢٨١ هـ) ، من نوابغ الفقهاء ،

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٢ / ٢٠٦.

١١٩

وعرف بخاتم الفقهاء والمجتهدين. عيّنه صاحب الجواهر للمرجعية العامّة بعده. وكتابه الفقهي هو : المكاسب.

ويتضمّن كتاب المكاسب بين دفّتيه على علم جمٍّ ، واستدلال دقيق ، وإثارة لقوّة الاجتهاد ، وتعليم لمناهج الاستنباط. وتظهر قوّة المصنّف العلمية في مناقشته الاستدلالية للمكاسب المحرّمة ، والولاية وأقسامها ، والبيع ، والمعاطاة ، وبيع الفضولي وإشكالات الشيخ أسد الله التستري الواردة على بيع الفضولي وإجابات الشيخ الأنصاري عليها ، والخيارات وأقسامها ، وجوائز السلطان ، والخراج ونحوها. ونستعرض نماذج منتقاة من اسلوبه الاستدلالي في كتاب المكاسب :

أوّلاً : في البيع : يبدأ الشيخ الأنصاري بالتعريف اللغوي للبيع ، فيقول : إنّه مبادلة مال بمال ، ويستشهد بكلام صاحب المصباح المنير ، ويستظهر اختصاص المعوّض بالعين ويؤيّده باستقرار اصطلاح الفقهاء. ثمّ يستدرك ذلك بالقول : نعم ربّما يستعمل في كلمات بعضهم في نقل غيرها. ثمّ يستظهر الاستدراك المذكور من خلال نقل عدد من الأخبار.

ولا شكّ في كون العوض منفعة ، كما في القواعد ، والتذكرة ، وجامع المقاصد ، فيقول : ولا يبعد عدم الخلاف فيه. نعم نسب إلى بعض الخلاف فيه. ثمّ يذكر وجهاً لهذا الاستدراك بالقول : ولعلّه لمّا اشتهر في كلامهم من أنّ البيع نقل الأعيان. والظاهر إرادتهم بيان البيع نظير قولهم : إنّ الإجارة لنقل المنافع.

ثمّ يدخل في عمل الحرّ ، ثمّ يذكر الحقوق الأُخرى فيقسّمها على قسمين ، ثمّ يقول : ولا ينتقض ببيع الدين على من هو عليه. ثمّ يفرق بين الحقِّ والملك. ثمّ يستظهر عدم وجود حقيقة شرعية ولا متشرّعية في البيع.

١٢٠