الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


الموضوع : الفرق والمذاهب
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٣

موسى عليه السلام وما صار أمره وما شأنه ، فبقوا في هذه الحالة ثلاثة أيام ، ثم أنشأ الله علا شأنه سحابا سمعوا منه أنه ينادي : مات موسى وأي نفس لا تموت فعلموا أن الله قبضه).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الحادي والعشرين بعد المأتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة يرويه عن نبيهم قال في صفة حال الخلق يوم القيامة : وأنهم يأتون آدم ويسألونه الشفاعة فيعتذر إليهم ، فيأتون نوحا فيعتذر إليهم ، فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض ، أشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول لهم إبراهيم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات. قال الحميدي : فذكرها أبو كتان يحيى بن سعيد بن كناني في الحديث : نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري (١).

(قال عبد المحمود) : كيف جاز لهؤلاء الأربعة المذاهب أن يذكروا عن نبيهم مثل هذه ويصححوه؟ وقد ذكروا عنه أنه ما كان يقبح ذكر أحد من رعيته وأمته ويستر على الخلائق بجهده ، فكيف صدقوا عنه أنه يقول ذلك عن إبراهيم خليل الله ورسوله وجد محمد " ص " والذي أحال في كتابهم الإسلام إليه ، فقال " ملة أبيكم إبراهيم " (٢) ، ويقولون في توجههم : على ملة إبراهيم وقال في كتابهم " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم " (٣).

ومع ذلك تراهم قد بلغوا من الجهل إلى أن يقولوا على الله أنه أمرهم باتباع ملة إبراهيم والتأسي به فيما لفقوه عليه من الكذب ، أتراهم لو سمعوا

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ١٨٥.

(٢) الحج : ٧٨.

(٣) الممتحنة : ٤.

٣٦١

أحدا يقول عن أبي بكر وعمر أو أحد الصحابة أنه كذب ثلاث كذبات أما كانوا يكذبون الحديث في ذلك؟ ويقدحون في القائل؟ ويسقطون رواية من يرويه؟ فكيف استجازوا أن يصححوا عن الأنبياء ما يكذبونه عن بعض الصحابة؟ إن هذا من تناقضهم الهائل واختلافهم الباطل.

ومن ذلك في المعنى ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث السابع والأربعين بعد المأتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة أن رسول الله " ص " قال : لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات ثم شرحها أبو هريرة في حديثه عن نبيهم (١).

(قال عبد المحمود) : سوءة لمستمع الحديث هذا على وجه التصديق به ، وسوءة لراويه ومصححه ، والله ما كان نبيهم بهذه الصفات ، ولقد رأيت في كتابهم وأحاديثهم عنه أنه نهى عن ذم الدواب التي لا تعقل ، وأنه ما ذم طعاما قط ولو كان مذموما ، فكيف يقال عن من تنزه عن ذم طعام مذموم ونهى أصحابه عن الغيبة وعن ذم الدواب والناس ، أنه يصرح بالشهادة على إبراهيم أنه كذب معاذ الله من سوء عقائد هؤلاء الأربعة المذاهب.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثامن والخمسين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال : إن النبي " ص " قال : نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال : رب أرني كيف تحيي الموتى قال : أو لم تؤمن قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي ، قال ويرحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي (٢).

(قال عبد المحمود) : وكيف يجوز لأهل الملة أن يصححوا عن نبيهم

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٤٠.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ١٣٣ و ٤ / ١٨٣٩.

٣٦٢

قدحه في الأنبياء وتقبيحه لذكرهم؟ وكيف يجوز تصديق من يروي مثل ذلك عنه؟ وكيف يجوز لعاقل أن يقتدي بقوم هذه صفاتهم أو يثق برواياتهم.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث السادس والستين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال : إن رسول الله " ص " قال : قرصت نملة نبيا من الأنبياء ، فأمر بقرية النمل فأحرقت ، فأوحى الله تعالى إليه إن قد قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح (١).

(قال عبد المحمود) : هل يليق بعاقل يعرف سنة الأنبياء أن يصدق عن أحد منهم الطعن في بعضهم ، وخاصة من قد شهدوا أنه أكمل الأنبياء ، فكيف يصدق عن أكملهم أنه يجاهر بذمهم ويذكر لهم عيوبا وهو الذي صدقهم وزكاهم ومدحهم وعرف أمته بهم؟ وهل كان يقع من نبي مثل هذه الحركات التي لا تقع إلا من الملوك الجبارين؟ والذين لا يفكرون في سخط مالك يوم الدين حتى يقولوا عن نبيهم مثل هذه المقالة.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أنس بن مالك في الحديث السادس والخمسين من المتفق عليه وهو حديث طويل يتضمن ذم هؤلاء الأربعة المذاهب لجماعة من الأنبياء وغلطهم في ذلك على من وصفوه بأنه أكمل الأنبياء.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الرابع والأربعين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال : بينما الحبشة يلعبون عند النبي " ص " بحرابهم إذ دخل عمر بن الخطاب فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها ، فقال له رسول " ص " : دعهم يا عمر(٢).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٥٩.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦١٠.

٣٦٣

وروى الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين حديثا في المعنى مثل هذا ، وهو أن محمدا نبيهم " ص " كان جالسا وعنده جوار يتغنين ويلعبن ، فجاء عمر فاستأذن فقال النبي " ص" : اسكتن فسكتن ، فدخل عمر فقضى حاجته ثم خرج ، فقال لهن محمد نبيهم : عدن إلى الغناء فعدن إلى الغناء ، فقلن : يا رسول الله " ص " من هذا الذي كل ما جاء قلت اسكتن وكلما خرج قلت عدن إلى الغناء ، فقالوا عن نبيهم محمد " ص " أنه قال : هذا رجل لا يؤثر سماع الباطل ونحو ذلك.

ورووا في صحاحهم عدة أحاديث يتضمن أمثال ذلك تركنا ذكرها كراهية الإطالة.

وقد روى مسلم منها في صحيحه سبعة أحاديث في المجلد الأول بنحو هذه المعاني تنفر منها عقول العارفين بالأنبياء ولا يثبت مثلها عن أكمل العقلاء.

(قال عبد المحمود) : يا أهل العقول يا ذوي البصائر انظروا في عقول هؤلاء الذين رووا مثل هذا عن نبيهم وصدقوا قائله ، وتفكروا هل يجوز أن يقتدي عاقل بهم؟ أو يثق برواياتهم ، أو يسكن إلى بصائرهم؟ ويغلب الظن أنه ما حملهم على الكذب في ذلك على نبيهم إلا قصدهم لمدح عمر وكونه أنكر على النبي " ص " وأرشده إلى الصواب في هذه الأسباب.

ولئن كان عمر يعتقد في نفسه أو يعتقد له أحد منهم أنه أكمل من النبي المبعوث إليه فإنه كفر صريح من معتقد ذلك وتقبيح لذكر الله والإسلام وبهت للعقول والأفهام.

أبعد الله من رحمته قوما بلغوا من الجهل وتعمد الكذب إلى هذه الغاية وما سمعنا عن أمة من الأمم أنها تبلغ في حق نبيها وتقبيح ذكره إلى هذه المقالة السخيفة مع اعتقادهم لنبوته.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين قال : إن النبي

٣٦٤

صلى الله عليه وآله صلى بالناس صلاة العصر ركعتين ، ودخل حجرته ثم خرج لبعض حوائجه فذكره بعض أصحابه فأتم الصلاة.

ومن كتاب الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث السبعين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال : أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما وفي رواية هارون بن معروف وحرملة بن يحيى فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله " ص " فخرج إلينا رسول الله " ص " فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب ، فقال لنا : مكانكم.

وفي حديث محمد بن يوسف عن الأوزاعي فمكثنا على هيئتنا يعني قياما ثم رجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه تقطر فكبر وصلينا معه (١).

(قال عبد المحمود) : أنظر رحمك الله إلى هؤلاء القوم السفهاء كيف شهدوا لرجل أنه أكمل الأنبياء وأعقل العقلاء ، وإن عنده من الفطنة والبصيرة ما لم يبلغ إليه أحد ممن كان قبله ولا يأتي بعده مثله ، ثم يصدقون مثل هذه الغفلة عنه ويصححون أن ذلك وقع منه؟ ولو سمعوا مثل ذلك عن أبي بكر وعمر كذبوا قائله ولعنوا ناقله.

أحمد الله على السلامة من الاقتداء بهم والاتباع لهم ، ولا سيما عترة نبيهم الذين أمرهم الله بالتمسك بهم متفقون إن هذا ما جرى منه وإن نبيهم منزه عنه فلم تلتفت الأربعة المذاهب إلى من زكاه وصدقوا من ذمه ورووا عنه ما حكيناه. ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحيحين للحميدي في الحديث الخامس والأربعين ، بعد المأتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة في حديث يزيد بن إبراهيم عن محمد أبي هريرة قال : صلى بنا رسول الله " ص " إحدى صلاتي العشي ـ قال محمد يعني ابن سيرين وأكثر ظني العصر ـ فسلم في ركعتين ،

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٢٢ ـ ٤٢٣.

٣٦٥

ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها مغضبا ، وفيهم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه ، وخرج سرعان الناس فقالوا أقصرت الصلاة؟ وهناك رجل يدعوه النبي ذا اليدين فقال : يا نبي الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال : لم أنس ولم تقصر الصلاة ، قال : بلى قد نسيت ، قال : صدق ذو اليدين ، فقام فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده وأطول ثم رفع رأسه وكبر (١).

ورووا نحوه في الحديث السابع من كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عمران بن حصين (٢)

(قال عبد المحمود) : يا بشرى لمن فارق هؤلاء الأربعة المذاهب القائلين عن نبيهم مثل هذه المقالات المصدقين عنه لهذه الروايات.

ومن طريف هذا الحديث إن أبا بكر وعمر كانا ذاكرين أنه غلط وسهى ، ليت شعري من عرف من الرواة باطنهما حتى شهد لهما بذلك ، أو من شهد لهما بالعصمة حتى يصدقهما أنهما كانا أكمل من نبيهم وأحضر فكرا وأشد بصيرة ، وليت شعري من أين لهما أنه غلط وسهى وهلا جوزا أن يكون قد قصرت الصلاة وصارت ركعتين ونسخت منها ركعتان؟ وكيف استجازا سوء الظن به بما قالا فيه إنه سهى وغلط قبل أن يعترف به كما زعموا؟ وليت شعري كيف استحسن رواة هذا الحديث ومصححوه أن يذكروا عن نبيهم أنه غلط وسهى؟ ثم يذكرون أن أبا بكر وعمر من دون الصحابة ودون بني هاشم وعترة نبيهم على وجه التنزيه لهما بأنهما هاباه أن يكلماه ، يعني أنهما كانا منزهين في هذه عن السهو ، وليت شعري من يروي عنهما ما تقدم وما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى من الإقدام والإنكار على نبيهم في عدة مقامات ومقالات ، وكيف يستحسن أن يكذبوا

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ٦٦ و ١ / ١٢٣.

٣٦٦

أنفسهم وينافضوا ويباهتوا ويقولوا في هذه الرواية أنهما هاباه.

ومن طريف الحديث المذكور أنهم صدقوا أبا هريرة في أن نبيهم قال ما قصرت ولا سهوت ، وأن ذا اليدين كذبه ورد عليه ، وما أنكر على ذي اليدين منكر ، وأن نبيهم عاد وعرف أن ذا اليدين صادق في تكذيبه ، ما رأيت ولا سمعت عن قوم يقتدى بهم في الإسلام قد بلغوا من الاختلاط إلى هذه الغاية ، وليس العجب لهم فحسب بل العجب لمن يقتدي أو يثق بهم.

ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند عمران بن حصين في الحديث الأول من المتفق عليه ما تضمن معناه لأن ألفاظه فيها تكرار وأسماء الرواة تطويل لا حاجة إلى ذكره ها هنا قال : إن النبي " ص " كان في سفر فنام هو وأصحابه في آخر الليل إلى أن طلعت الشمس ، فأول من استيقظ أبو بكر ثم عمر فكبر عمر تكبيرا عاليا وأيقظ رسول الله " ص " فأمرهم بالارتحال وسار غير بعيد ثم نزل وصلى الصبح قضاء.

وروى نحوه في كتاب الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث الثاني من أفراد البخاري من مسند أبي قتادة الحرث بن ربعي وروى نحوه أيضا في مسند أبي هريرة في الحديث الثاني من أفراد مسلم (١).

(قال عبد المحمود) : إذا نظرت أيها العاقل في وصفهم لعناية الله بنبيهم وأنه سبحانه جل وعلا لا يصح أن ينام وأن جبرئيل ما كان شفقته على نبيهم دون عناية عمر حتى كان يوقظه دون الله أو جبرئيل ، وإذا نظرت إلى رواياتهم عن نبيهم محمد " ص " أنه تنام عيناه ولا ينام قلبه وتفسيرهم ذلك بأن نومه لا يمنعه من معرفة الأحوال ، ونظرت في رواياتهم بوجوب قضاء ما فات من الصلاة عقيب ذكره ، ثم يذكرون عنه في هذه الرواية أنه أخر القضاء إلى بعد الارتحال

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه ١ / ٤٧٥.

٣٦٧

وأنه قد نام قلبه حتى لم يحس بخروج الوقت ، وكل ذلك يشهد عليهم بالمناقضة في رواياتهم وسوء مقالاتهم وتكذيب أنفسهم.

ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحيحين للحميدي أيضا في الحديث الخامس من المتفق عليه من مسند جابر بن عبد الله أن عمر جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس ، فجعل يسب كفار قريش وقال : يا رسول الله ما كدت أصلى العصر حتى كادت الشمس تغرب فقال النبي " ص " : ما صليتها : قال : فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب (١).

(قال عبد المحمود) : هل كان يحسن من مسلم أو من يتبع المسلمين أو من يلزم التقية المسلمين أو من يريد للإسلام خيرا أن يروي مثل الحديث ويصدق رواته ويصححه ومذهب المسلمين إن من تعذر عليه الصلاة على الاختيار فليصلها صلاة الخوف وصلاة شدة الخوف ، ولهم في أداء الصلاة وأنها لا تسقط مع بقاء التكليف بها تفصيلات طويلة حتى أن فيهم من يقول إنه تصلى عند اضطراب السيوف وذهاب الأرواح بالتسبيح فقط ، فكيف استجازوا مع ذلك أن يصدقوا عن نبيهم ويشهدوا عليه أنه ترك الصلاة بالكلية حتى خرج وقتها ، مع أن عمر ما تركها أما كان لعمر أسوة برسول الله " ص " في ترك الصلاة إن كان تركها ، وهذه رواية يكذبها عترة نبيهم وينكرها خاصة.

ومن ذلك ما رواه الجمع بين الصحيحين للحميدي أيضا في الحديث الرابع والأربعين من أفراد مسلم من مسند عائشة قالت : دخل على رسول الله " ص " رجلان ، فكلماه بشئ لا أدري ما هو ، فأغضباه ، فلعنهما وسبهما ، فلما خرجا قلت : يا رسول الله ما أصاب أحد من الخير شيئا ما أصابه هذان ، قال :

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٣٨.

٣٦٨

وما ذاك؟ قلت : لعنتهما وسببتهما قال : أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت : اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاتا وأجرا (١).

(قال عبد المحمود) : اعتبروا رحمكم الله في هذا الحديث فإن فيه طرائف فمن طرائفه كونه يخالف كتابهم في وصف نبيهم بالرحمة والشفقة عليهم وأنه لعلى خلق عظيم ، وأنه ما فظا غليظ القلب ، فكيف جاز أن يصدقوا أو يصححوا يخالف كتابهم ويردوا على كتاب نبيهم بقول عائشة.

ومن طرائفه أن يكون لعن نبيهم وسبه مصلحة لمن يلعنه ويسبه وخيرا وزكاة ومعلوم أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، فكيف قبلت عقولهم قول عائشة في ذلك ووصفوا نبيهم بهذه المقالات التي لا تليق به.

ومن طرائفه أنهم يشهدون لهما أنهما من المسلمين برواية عائشة ، وأنه يجوز مع ذلك أن يسبهما ويلعنهما وهذه أمور يستحي ذووا البصائر من تصحيحها عن أدنى العقلاء ، فكيف جاز أن ينسبوها إلى أكمل الأنبياء؟ لقد بلغ التعجب من هؤلاء القوم إلى أبعد الغايات ، ورحمتهم من شدة هذه الغفلات.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث الرابع عشر من أفراد البخاري من مسند عبد الله بن عمر أنه كان يحدث عن رسول الله " ص " إنه لقي زيد بن عمر بن نفيل بأسفل بلدح وذاك قبل أن ينزل الوحي على رسول الله " ص " فقدم إليه رسول الله سفرة فيها لحم ، فأبى أن يأكل منها ، ثم قال : إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه (٢).

(قال عبد المحمود) : انظروا رحمكم الله إلى هذه الرواية التي شهدوا بصحتها وأن نبيهم ممن يذبح على الأنصاب ويأكل منه ، وقد ذكروا في

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٠٠٧ في كتاب البر والصلة.

(٢) رواه البخاري في صحيحه ٦ / ٢٢٥.

٣٦٩

كتبهم إن الله كان يتولى تربيته وتأديبه وجبرئيل يلازم تهذيبه ، وإنه ما كانت له متابعة للجاهلية ولا رضي شيئا من أمورهم ، فكيف كذبوا أنفسهم في ذلك كله وفي مدح الله تعالى له ومدحهم له لأول أمره وآخره وظاهره وباطنه ، ثم مع هذا يشهدون عليه أن زيد بن عمر بن نفيل كان أعرف بالله منه وأتم حفظا لجانب الله ، فكيف أقتدي أنا وغيري من العقلاء بقوم يروون مثل هذا ويصححونه ، ولقد سألت علماء أهل العترة من شيعتهم فرأيتهم ينكرون تصديق ذلك غاية الانكار.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث العشرين بعد المائتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال : قال رسول الله " ص " لبلال في صلاة الغداة : يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة ، فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة ، قال بلال : ما عملت عملا في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لم أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كنت أقدر أن أصلي (١).

(قال عبد المحمود) : قد تعجبت من تصديقهم وتصحيحهم أن بلالا سبق رسول الله " ص " إلى الجنة ودخلها قبل أن يدخلها ، ما هذا إلا اختلاط شنيع واضطراب بديع ، فأين رواياتهم أنه أول داخل إلى الجنة وأول شافع ، وأنه لا يدخلها أحد إلا بإذنه أو جواز منه؟ فكيف استحسنوا أن يرووا هاهنا إنه ما كان علم من بلال إنه قد سبقه إلى الجنة حتى سمع خشفة نعليه؟ وليت شعري أي حاجة لبلال إلى تلك النعلين اللتين توجهت الإشارة إليهما حتى يلبسهما في الجنة. إن هذا من المحال الذي لا يخفى على أهل الكمال.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث السادس من المتفق عليه من مسند حذيفة بن اليمان قال : كنت مع النبي " ص "

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٩١٠ فضائل بلال.

٣٧٠

فانتهى إلى سباطة قوم ، فبال قائما فتنحيت فقال : ادنه فدنوت حتى قمت عند عقبيه فتوضأ فمسح على خفيه. وفي رواية حتى فرغ (١).

(قال عبد المحمود) : انظر أيدك الله إلى قوم رووا في كتبهم إن نبيهم علم الناس الآداب في البول والخلاء وسائر الأمور الدينية والدنيوية ، وإنه لا يبول قائما كما يفعله السفهاء ويتباعد عن الناس وقت بوله ثم يصدقون ويصححون أنه بال قائما كما يفعل السفهاء والأراذل ، والله ما بلغ أعداؤهم إلى هذه الحال ، وإني سمعت جماعة من أهل الملل يشهدون أن محمدا " ص " ما كان بهذه الصفات ، وإنه كان مؤدبا منزها عن هذه الأمور المنقصات.

ثم العجب من هذا الحديث أن حذيفة يعلم أن الأدب في التباعد عن نبيهم فكيف يقال أن النبي " ص " أمره بالدنو منه عند عقيبه وأن يترك الأدب ، ثم وأي غرض يمكن أن يكون للنبي في الاطلاع عليه عند هذه الحال ، أما استحيى أما خاف أهل الإسلام في رواية هذا المحال.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث الخامس والخمسين من أفراد البخاري من مسند أبي هريرة قال : وأتى النبي " ص " بني حارثة فقال أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم ، ثم التفت فقال : بل أنتم فيه (٢).

(قال عبد المحمود) : يا لله وللعقول كيف يقول هؤلاء عن رجل ذكروا أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، ولو لم يأت في قرآنهم هذه الآية فإن نبيهم ما كان بصفة من يستعجل في أمر قبل تحقيقه ، فكيف صدقوا وصححوا أنه قال ما ليس بحق ثم رده على نفسه وكشف لهم عن غلطه؟ وهل كان يجوز

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢٢٨.

(٢) البخاري في صحيحه ٢ / ٢٢١.

٣٧١

أن يقبل عليه في ذلك شهادة مسلم ، ولو أن مسلما ادعى عليه مثل هذا وجب أن يحكم عليه بالردة أو نحوها ويستتاب ، الحمد لله على التنزه مما حصل لهؤلاء في رسوله ، ونسأله أن يوفقنا لمراضيه.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث الثالث من أفراد مسلم من مسند رافع بن خديج قال : قدم نبي الله " ص " المدينة وهم يأبرون النخل فقال : ما تصنعون؟ قالوا : كنا نصنعه قال : لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا منه ، فتركوه فنفضت أو فنقصت ثمارها قال : فذكروا ذلك له. فقال : إنما أنا بشر مثلكم إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به ، وإذا أمرتكم بشئ من رأى فإنما أنا بشر (١).

ومن مسند طلحة بن عبد الله في الحديث الثالث من أفراد مسلم قال : مررت مع رسول الله " ص " بقوم على رؤس النخل ، فقال ما يصنع هؤلاء؟ فقالوا : يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فقال رسول الله " ص " : ما أظن يغني ذلك شيئا قال : فأخبروا بذلك فتركوه ، فأخبر بذلك رسول الله " ص " فقال : إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فإني إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن ، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني لن أكذب على الله عز وجل (٢).

(قال عبد المحمود) : كيف صدقوا مثل هذا الحديث وصححوه وقد شهدوا في عدة مواضع أن نبيهم " ص " ما كان بصفة من يخفى عليه مثل هذا الأمر الذي ما يخفى على الصبيان والنساء ، وأنه ما تربى ولا عاش إلا مع قوم يعرفون عادة النخل في التلقيح ، ولو لم يكن تربى معهم فإن هذا ما هو من الأمور الخفية على الخلائق ، ولو كان ذلك قد خفى عليه ما كان بصفة من يستعجل السؤال والتحقيق ، وكيف يفعل ذلك من يتضمن كتابه إنه ما ينطق عن الهوى؟

__________________

(١ ـ ٢) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٣٥.

٣٧٢

وكيف يقتدي عاقل بقوم هذه رواياتهم ومقالاتهم؟ لقد استحييت لهؤلاء الأربعة المذاهب من هذه الأمور العجائب.

(ومن طريف ما قبحوا به ذكر نبيهم بما لو ذكر أحد منهم أو من واحد من الصحابة كذبوه ، ما ذكره عبد الرحمن بن جوزي في كتاب مرآة من الجياد في باب السبق بالمصارعة قال ما هذا لفظه ورفعه إلى أبي عبد الله بن حرب قال : صارع رسول " ص " أبا دكانه في الجاهلية وكان شديدا شاة بشاة ، ودنى فصرعه النبي ثلاث مرات ، فقال أبو دكانه ما أقول لأهلي شاة أكله الذئب وشاة تسرق فما أقول للثلاث فقال " ص " ما كنا لنصرعك لنجمع عليك أن نصرعك ونغرمك ، خذ غنمك.

(قال عبد المحمود) : كيف تلزمونا أيها المسلمون إذا أنكرنا نبوة نبيكم. وأنتم تقولون عنه مثل هذه الروايات التي لا تليق بالفضلاء ولا بالعقلاء فكيف عن الأنبياء ، وهل بلغتم من الجهل إلى أن تقولوا أنه كان في الجاهلية مثل بعضهم في المصارعة واللعب وأحوال أهل السفه ، أعنت يا بن الجوزي على هدم الإسلام وبطلان النبوة وأشمت قلوب الأعداء وجعلت الحجة للزنادقة على مخالفة المسلمين ، فإن لم يكن لكم دين أما كان لك عقل يردك عن هذه الفضائح التي نسبتها إلى دين الإسلام).

(قال عبد المحمود) : فقد عرفتك طرفا مما ذكروه عن الأنبياء وعن نبيهم من الأمور التي ما كان يجوز تصديقها عنهم ، ولا كان يحل أن يقبلوا ممن ينقل ما يقتضي النفور منهم ، ومع هذا فقد قبلوا ونقلوا وصححوا فكيف يقتدي بقوم يصفون نبيهم بهذه الصفات ويصدقون عنه مثل هذه الروايات.

أخبار النبي " ص " عن ارتداد بعض أصحابه بعد وفاته

ومن طرائف ما رأيت من مناقضاتهم في نحو ذلك أني سمعت جماعة من هؤلاء الأربعة المذاهب ورأيت في كتبهم أنهم يستعظمون ذكر أحد من الصحابة

٣٧٣

بسوء حتى أنهم لو علموا أن رجلا ذكر عن أبي بكر وعمر وأمثالهم نقصا أو روى لهم عيبا أو يلعنهم أو غلب على ظنهم أن أحدا نسب إلى أحد هؤلاء الصحابة خطيئة فإنهم يضللون القائل والناقل والمستمع ، ويبيح كثير منهم دم من يعتقد ذلك.

فمن اعتقاداتهم في ذلك ما ذكره أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي وهو من علماء الأربعة المذاهب في كتاب الاعتقاد ما هذا لفظه : إن الصحابة كلهم عدول رجالهم ونسائهم ، ثم قال عقيب ذلك : فمن تكلم فيهم بتهمة أو تكذيب فقد توثب على الإسلام بالإبطال.

ومن ذلك ما ذكره الغزالي في كتاب الإحياء في قواعد العقائد في الأصل التاسع قال : واعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة (١).

(قال عبد المحمود) : سأذكر لك طرفا من ذمهم للصحابة فيما بعد إن شاء الله تعالى ، ثم يا لله أما يجرون أحد الصحابة مجرى أحد الأنبياء ، كيف سهل عليهم ذم بعض الأنبياء وخاصة نبيهم الذي عندهم أكملهم ، وعظم عندهم ذم بعض الصحابة وقالوا كلهم عدول ، ثم كيف يجوز أن يرغب عاقل في دين قوم هذه رواياتهم وعقائدهم وهذه مقالاتهم عن نبيهم المشفق عليهم المحسن إليهم.

ومن طريف ما سمعت عن جماعة منهم بل رأيت أنهم يرجحون أهل الذمة على فرقة من المسلمين يسمونها الرافضة ، ومودتهم لأهل الذمة أكثر من مودتهم لهذه الفرقة لأنهم يعتقدون في هذه الفرقة أنها تعتقد بخطيئة بعض الصحابة أو ضلال بعضهم.

وهذا من طرائف هؤلاء وفضائحهم وسوء توفيقهم ، لأن هذه الفرقة المسماة عندهم بالرافضة أقصى ما رأيت منهم وسمعت عنهم ما حكيت من اعتقادهم لضلال بعض الصحابة ، وقد كان الصحابة يضلل بعضهم بعضا في حياتهم وقد

__________________

(١) إحياء علوم الدين : ١ / ٩٣.

٣٧٤

جرى بينهم من الاختلاف واستباحة بعضهم دم بعض وذم بعضهم بعضا ما قد عرفه أكثر أهل الملل ، وقد تقدمت رواياتهم عن نبيهم أنه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام : يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقاتلهم بأمر نبيهم وكانوا من الصحابة وسفكت الدماء بين الفريقين.

ومن طريف ما رأيت من المناقضة لهم شهادتهم بتزكية الصحابة جميعهم ثم شهادتهم بأن نبيهم أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين منهم.

وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي بكر في الحديث الثامن من المتفق عليه قال عن النبي " ص " أنه : إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار(١).

(قال عبد المحمود) : فانظر رحمك الله في هذه المناقضات وأعجب وأبعد من اعتقاد أهل هذه المقالات ، ثم كيف لم يكن لهذه الفرقة الرافضة أسوة بالصحابة فيما فعلوا في أنفسهم؟ وكيف صار أهل الذمة أخف على قلوبهم وأقرب إليهم من هذه الفرقة؟ وأهل الذمة يقولون عن نبيهم وصحابته وأهل بيته وخاصته كل عظيمة ويرمونهم بكل قبيحة ، وإذا خلى الذمي مع مثله في أكثر أوقاته فلعله يلتذ بتقبيح ذكر نبيهم وصحابته وأهل ملته ويدينون بذلك ، ويعتقدون أنهم لو وجدوا من ينصرهم عليهم سفكوا دماءهم وتملكوا نساءهم وزالوا خلافتهم وممالكهم واستعبدوهم وجعلوهم تحت أقدامهم وانتقموا منهم لإحيائهم وأمواتهم.

فكيف صارت الرافضة باعتقاد خطأ بعض الصحابة أبعد إلى هؤلاء المسلمين من أهل الذمة؟ وكيف صار أهل الذمة أقرب إلى هؤلاء المسلمين من الرافضة ، لولا أن هؤلاء المعتقدين لذلك من هؤلاء الأربعة المذاهب معاندون أو جهال بالمعقول

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٢١٤ كتاب الفتن.

٣٧٥

والمنقول ، فلا يجوز لأحد أن يلتفت إليهم ولا يعول عليهم سواء قلوا أو كثروا ارتفعوا في الدنيا أو اتضعوا.

(قال عبد المحمود) : ومما رأيت من تكذيب هؤلاء الأربعة المذاهب لأنفسهم ودينهم ولكثير من صحابة نبيهم جملة وتفصيلا ، وشهادتهم أن نبيهم ذمهم وشهد عليهم بالضلال.

ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في مسند سهل بن سعد في الحديث الثامن والعشرين من المتفق عليه قال سمعت النبي " ص " يقول : أنا فرطكم على الحوض ، من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم : فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث ، فقال : هكذا سمعت سهلا يقول؟ قال : فقلت : نعم قال : وأنا أشهد على سعيد أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول : إنهم أمتي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي وغير (١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الستين من المتفق عليه من مسند عبد الله بن عباس قال : ألا وأنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح : " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " (٢) قال : فيقال

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٩٣ ، والبخاري : ٢٨ / ٢٦ ، والبخاري في صحيحه ٧ / ٢٠٨.

(٢) مائدة : ١١٧ و ١١٨.

٣٧٦

لي : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم (١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الحادي والثلاثين بعد المائة من المتفق عليه من مسند أنس بن مالك قال : إن النبي " ص " قال : ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني ، حتى إذا رايتهم ورفعوا إلى اختلجوا دوني فلأقولن : رب أصحابي أصحابي فليقالن لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (٢).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث السابع والستين بعد المائتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : قال النبي " ص " : بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم فقلت : إلى أين؟ قال : إلى النار والله. قلت : ما شأنهم؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم. فقلت : إلى أين؟ فقال : إلى النار والله. قلت : ما شأنهم. قال : إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم (٣).

ورووا مثل ذلك من عدة طرق من مسند عائشة.

ورووا نحو ذلك من عدة طرق من مسند أسماء بنت أبي بكر.

ورووا نحو ذلك من عدة طرق من مسند أم سلمة.

ورووا نحو ذلك من مسند سعيد بن المسيب.

وجميع هذه الروايات في الجمع بين الصحيحين للحميدي.

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢١٩٥ كتاب الجنة.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٠٠ ، والبخاري في صحيحه : ٧ / ٢٠٧.

(٣) رواه البخاري في صحيحه : ٧ / ٢٠٨.

٣٧٧

ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسند عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله " ص " أنا فرطكم على الحوض وليرفعن إلي رجال منكم ، حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني فأقول : أي رب أصحابي. فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (١).

وروى نحوه الحميدي في ميند؟ الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن مسعود.

وروى نحوه الحميدي أيضا في مسند حذيفة بن اليمان في الحديث السابع من المتفق عليه (٢).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي الدرداء في الحديث الأول من صحيح البخاري قالت أم الدرداء في الحديث : دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب فقلت : ما أغضبك؟ فقال : والله ما أعرف من أمر محمد " ص " شيئا إلا أنهم يضلون جميعا (٣).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث الأول من صحيح البخاري من مسند أنس بن مالك عن الزهري قال : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت : ما يبكيك؟ فقال : لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت.

وفي حديث آخر منه ما أعرف شيئا مما كان على عهد رسول الله " ص " قيل الصلاة قال : أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها (٤).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في مسند

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٢٥٣ و ٢٥٨.

(٢) راجع صحيح مسلم : ٤ / ١٧٩٦.

(٣) البخاري في صحيحه : كتاب الأذان رقم الحديث ٣١ : ١ / ١٥٩.

(٤) البخاري في صحيحه : كتاب المواقيت رقم الحديث ٧ : ١ / ١٣٤.

٣٧٨

أبي مالك وأبي عامر كذا ذكره الحميدي بهذا اللفظ أن النبي " ص " قال : أول دينكم نبوة ورحمة ، ثم ملك ورحمة ، ثم ملك وجبرية ، ثم ملك عض يستحل فيه الخز والحرير.

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث السادس بعد الثلاث مأة من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال عن النبي " ص " في أواخر الحديث المذكور : إن مثلي كمثل رجل استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها ، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها قال : فذلك مثلي ومثلكم ، أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن النار فتغلبوني وتقتحمون فيها(١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث العاشر من مسند ثوبان مولى رسول الله من حديث أبي الربيع عن الزهري عن النبي " ص " قال : إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة ، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأصنام والأوثان(٢).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث التاسع والأربعين من أفراد البخاري من مسند أبي هريرة أنه قال : لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مآخذ القرون قبلها شبرا بشبر ، وذراعا بذراع فقيل له : يا رسول الله كفارس والروم؟ قال : من الناس إلا أولئك (٣).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٨٩ ، والبخاري في صحيحه : كتاب الأنبياء رقم ٤٠.

(٢) رواه جامع الأصول عنه : ١٢ / ٦٢.

(٣) رواه جامع الأصول عنه : ١٠ / ٤٠٩.

٣٧٩

الحادي والعشرين من المتفق عليه من مسند أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله " ص " : لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا في جحر ضب لا تبعتموهم قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال : فمن؟ (١).

ومن ذلك ما ذكره صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (٢).

عن حذيفة عن النبي " ص " أنه قال : وأنتم أشبه الأمم سمتا ببني إسرائيل لتركبن طريقهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا؟ (٣).

(قال عبد المحمود) : هذه بعض أحاديثهم الصحاح مما ذكروه عن صحابة نبيهم وعن أمته ، وما يقع منهم من الضلال بعد وفاته ، وسأذكر فيما بعد طرفا من أحاديثهم الصحاح المتضمنة لمخالفتهم له وذمه لهم في حياته.

فإذا كان قد شهد نبيهم على جماعة من أصحابه بالضلال والهلاك ، وأنهم ممن كان يحسن ظنه بهم في حياته ، ولحسن ظنه بهم قال أي رب أصحابي ، ثم يكون ضلالهم قد بلغ إلى حد لا تقبل شفاعة نبيهم فيهم ويختلجون دونه وتارة يبلغ غضب نبيهم عليهم إلى أن يقول سحقا سحقا ، وتارة يقول : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم ، وتارة يشهد عليهم أبو الدرداء وأنس بن مالك وهما من أعيان الصحابة عندهم بأنه ما بقي من شريعة محمد " ص " إلا الاجتماع في الصلاة ثم يقول أنس وقد ضيعوا الصلاة ، وتارة يشهد نبيهم أنه بعد وفاته

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٠٥٤ كتاب العلم.

(٢) المائدة : ٤٤.

(٣) الكشاف : ١ / ٦١٦ ، ورواه العلامة المجلسي عن صحيح الترمذي : ٢٨ / ٣٠.

٣٨٠