النصّ الجليّ في إثبات ولاية علي عليه السلام

محمد حسين بن الآقا باقر بروجردي

النصّ الجليّ في إثبات ولاية علي عليه السلام

المؤلف:

محمد حسين بن الآقا باقر بروجردي


المحقق: علي أصغر شكوهي قوچاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٥٠

الفريقين في هذا الباب ـ شعرا :

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

وكلّ بطيء في الهدى ومسارع

أيذهب مدحي والمخبّر صادق (١)

وما المدح في جنب الإله بضائع

فأنت الّذي أعطيت إذ كنت راكعا

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيّد

ويا خير شار ثمّ يا خير بايع

فأنزل فيك الله خير ولاية

وبيّنها في محكمات الشرائع (٢)

ثمّ أقول : في الآية حسب النزول دلالة على أنّ كلّ ولاية كانت لله ورسوله على النّاس ، كانت لعليّ عليه‌السلام ، ضرورة إرادة ولاية واحدة صدرا وذيلا ، والمتبادر من الولاية لله ورسوله في المقام إنّما هو أولويّة التصرّف في الخاصّ والعامّ ، بدليل امتناع غيره ، والحصر والتسوية بالعطف ، وعدم ترجيح بعض أفراد المطلق الواقع في كلام الحكيم.

وقول الزمخشريّ باحتمال عدم الاختصاص به ، مدفوع بالإجماع. وقد نقله في المواقف (٣) ، وشرح المقاصد (٤) ، وشرح التجريد (٥) ، وكذا ما في الصواعق عن البصريّ : إنّ عليّا كان من جملة من نزلت فيهم (٦) ، وإنّما توهّموه من لفظ الجمع ، وإلّا فلم ينقل عن أحد اشتراك أحد مع عليّ عليه‌السلام في فعله في ذلك ونزول الآية في حقّه ؛ ولعلّ البصريّ أراد عمومها لمن كان يأتي من بعده من أولاده الطّاهرين ،

__________________

(١) في الأصل : أيذهب مدحي والمحبّ صانعا.

(٢) النور المشتعل من كتاب ما نزل ٧٠ ؛ المناقب للخوارزميّ ٢٦٥ ؛ شواهد التنزيل ٢٣٦ ؛ نهج الايمان ١٤٨.

(٣) شرح المواقف ٨ : ٣٥٩ ـ ٣٦٢.

(٤) شرح المقاصد ٥ : ٢٦٩ ـ ٢٧٢.

(٥) شرح تجريد العقائد ٣٦٨.

(٦) الصواعق المحرقة ١٣١.

٤١

على أنّ البصريّ لا عبرة بكلامه.

ولو قيل : سياق الآية يدلّ على أنّ المراد بالولاية المحبّة والنصر ، لكونهما المراد في الآية السابقة واللّاحقة.

قلنا : ممنوع ؛ بل المراد بقوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (١) (٢). قبول ولاية الله ورسوله وولاية عليّ في الآية السابقة ، وفي أخبارنا دلالة عليه. مثل ما رواه في المجالس (٣) عن الباقر عليه‌السلام ، في قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) قال : إنّ رهطا من اليهود أسلموا ، منهم عبد الله سلام ، وأسد ، وثعلبة ، وابن أمين ، وابن صوريا. فأتوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : يا نبيّ الله ، إنّ موسى أوصى إلى يوشع بن نون ، فمن وصيّك يا رسول الله ومن وليّنا بعدك؟ فنزلت الآية (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) الآية.

قال رسول الله : قوموا ؛ فقاموا فأتوا المسجد ، فإذا سائل خارج ، فقال يا سائل ، أما أعطاك أحد شيئا؟ قال : نعم ، هذا الخاتم. قال : من أعطاكه؟ قال : أعطانيه ذلك الرجل الّذي يصلّي. قال : على أيّ حال أعطاك؟ قال : كان راكعا ، فكبّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكبر أهل المسجد ؛ فقال النبيّ : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وليّكم بعدي ، قالوا : رضينا بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّا ، وبعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وليّا ؛ فأنزل الله (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) (٤) الآية.

ومحمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام من التابعين في الطبقة الثالثة ، مقبول القول والرّواية عند المخالفين أيضا بلا خلاف.

يظهر منهم ـ مع أنّه لا عبرة بالسّياق بعد فعل عثمان في القرآن ، وكذا ردّ عمر

__________________

(١) المائدة : ٥٦.

(٢) تفسير الحبريّ ٢٦١ ؛ تفسير فرات ٣٨ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٢٣٥.

(٣) أمالي الصدوق ١٠٨ ح ٤.

(٤) المائدة : ٥٦.

٤٢

القرآن الّذي كتبه بخطّه [أمير المؤمنين] عليه‌السلام وجمعه وجاء به [بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله] إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في محضر المهاجرين والأنصار ، وقال : كتاب ربّكم كما أنزل ، ففتحه عمر وردّه (١) ، وقال : لا حاجة لنا فيه ، حسبنا مصحف عثمان ، وأمر زيد بن ثابت بتأليف القرآن (٢) على أنّ نصرة الله ورسوله بعده للمؤمنين لا تحصل إلّا للعالم بالسّياسات الشرعيّة إن قلت : يلزم من ذلك ثبوت الولاية له في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قلنا : لا ضير ؛ بل نلتزم نحن به ، إلّا أنّه كان مولى مولّى (٣) عليه في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) وهذا الردّ كفر منه ، لأنّ ردّ وزير الرسول كردّ الرسول. والدليل على وزارته ما نقله في الخطبة القاصعة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله : «إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلّا أنّك لست بنبيّ ولكنّك وزير ، وإنّك لعلى خير». محمد حسين.

(٢) روى البخاريّ في صحيحه ، كتاب فضائل القرآن في باب جمع القرآن ٦ : ٩٩ في هذا الباب رواية طويلة مفصلة ، جاء فيها : وأرسل عثمان إلى كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق.

وقال البيهقيّ في سننه ٢ : ٤١ أرسل عثمان إلى حفصة بنت عمر أن : أرسلي إلينا بالصحف الّتي جمع فيها القرآن ، فأرسلت بها إليه حفصة ، فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وغيره أن ينسخوها في المصاحف «إلى أن قال» ففعلوا حتّى كتبت المصاحف ، ثمّ ردّ عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كلّ جند من أجناد المسلمين بمصحف ، وأمرهم أن يحرقوا كلّ مصحف يخالف المصحف الّذي أرسل به ، وذلك زمان أحرقت المصاحف.

(٣) قال عبد خير : قال عليّ عليه‌السلام : لمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقسمت أن لا أضع ردائي على ظهري حتّى أجمع بين اللوحين ، فما وضعت ردائي حتّى جمعت القرآن. انظر حلية الأولياء ١ : ٦٧ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٥١.

وفي خبر طويل عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، أنّه عليه‌السلام حمله وولى راجعا نحو حجرته وهو يقول : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ).

انظر : مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٥١ ؛ الاحتجاج للطبرسي ٨٢ ؛ كتاب سليم بن قيس ٧٢.

(٣) الأوّل بالتخفيف بخلاف الثاني ، كما لا يخفى. محمد حسين

٤٣

فإن قلت : لفظ الجمع ينافي إرادة الوحدة من الآية.

قلنا : إلّا مع القرينة ، خصوصا بعد الأخبار المذكورة ، مع أنّا نريد الجمع ـ وهم عليّ والأئمّة من ولده عليهم‌السلام ـ كما روي من طريقنا.

على أنّا نقول : المراد بالموصول : إمّا الجمع أو الفرد ؛ وعلى الثاني ، إمّا المنتشر ، أو المعيّن ، وعلى الثاني ، إمّا الموجود ، أو من سيوجد منه ، ولا سبيل إلى الأوّل اتّفاقا للزوم الولاية لكلّ من فعل ذلك ، وإن كان فاسقا فاجرا أو عدمه لغيره ، وإن كان مجمعا عليه ؛ والثاني باطل إجماعا من الأمّة ، ولأنّه مناف للحكمة ، بل مخالف للضرورة ، ولا إلى الثاني ، لما ذكر ، وللإبهام الموجب للتعرّي عن الفائدة ، ولا إلى الرابع للزوم وجوب ذلك على الخليفة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ، ولا قائل به ، فتعيّن أن يكون المراد بالموصول هو الفرد المعيّن ، وليس الموجود غير عليّ عليه‌السلام بالاتّفاق ، وبه تمّ المرام ـ والحمد لله ـ على أنّ ولاية عليّ عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثابتة بالإجماع المركّب من الآية بعد الأخبار المذكورة.

وظاهر الآية ثبوت ولايته بلا فصل ، وولاية غيره منفيّة بالأصل ، ولزوم التناقض لو أريد من الآية أيضا ، إذ يلزم أن يكون كلّ واحد منهم مولى للآخر ومولّى عليه له. والتالي باطل عقلا وإجماعا ، فالمقدّم مثله ، وتأخير عليّ عليه‌السلام من زمان وفاة (١) النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما بعد عثمان تقييد بلا حجّة ، ودعوى بلا بيّنة لا تسمع (٢) ؛ فوجب إرادة الوحدة من الآية الشريفة ، وليس إلّا عليّا بالإجماع المركب ،

__________________

(١) في الأصل : «فوت».

(٢) كيف يكون دليلا لهم وهو يشكو ويقول : فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتئي بين أن اصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصّغير ، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصّبر على هاتا أحجى.

نهج البلاغة ـ الخطبة المعروفة بالشّقشقيّة ـ وتشهد هذه الخطبة أنّ قعوده عليه‌السلام كان لعدم الناصر والمعين. محمد حسين

٤٤

والأخبار الصحيحة والمعتبرة نقلا عن الأصول والجوامع المجمع عليها في الفريقين.

فائدة :

قوله تعالى : في الآية الثانية (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي (الَّذِينَ آمَنُوا) المذكور في الآية السّابقة ـ أعني المتصدّق بالخاتم في ركوعه ـ (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) يعني أولئك حزب الله ، لأنّ من تولّى ولي الله فقد تولّى الله ، فكان [من] حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون ، وهذا إنّما كان مقابلا لحزب الشيطان ، وحزب الشيطان هم الخاسرون ؛ فإن لم يكن [من] حزب الله كان [من] حزب الشيطان ، فمن لم يتولّ عليّا عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ـ كما دلّت عليه الآية والرّوايات ، والإجماع المركب والبيانات السّابقة ـ كان [من] حزب الشيطان ، وحزب الشيطان هم الخاسرون ، والحمد لله.

٤٥

الآية السّادسة

من المائدة أيضا ؛ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ٦٧.

فاعلم أنّ هذه الآية الشريفة إنّما نزلت في عليّ عليه‌السلام يوم غدير خمّ (بضمّ الخاء المعجمة وتشديد الميم : موضع بين مكّة والمدينة على ثلاثة أميال من الجحفة عنده غدير مشهور يضاف إليه).

والقصّة مشهورة عند المسلمين ، وهي أنّه لمّا أمر الله عزوجل رسوله بولاية عليّ عليه‌السلام ، وأنزل عليه (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية ، وفرض ولاية أولي الأمر ، فلم يدروا ما هي ؛ فأمر الله رسوله أن يفسّر لهم الولاية المذكورة في قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية ، إثباتا للحجّة وإيضاحا للمحجّة ، كما فسّر لهم الصّلاة والزّكاة والصوم والحجّ ، فلمّا أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله ، وتخوّف أن يرتدّوا عن دينهم وأن يكذّبوه ؛ فضاق صدره وراجع ربّه ، عزوجل ؛ فأوحى الله إليه (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الآية ، فصدع بأمر الله تعالى ذكره ، فقام بولاية عليّ عليه‌السلام يوم غدير (١) خمّ ، فنادى الصّلاة جامعة وأمر أن يبلّغ

__________________

(١) غدير خمّ : مجمع مياه أو بئر ، سمّي باسم رجل صبّاغ أضيف إليه الغدير الذي هو بين مكّة والمدينة ـ

٤٦

الشاهد الغائب.

وتفصيله [على] ما في الاحتجاج (١) : عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما‌السلام ـ الّذي قوله حجّة على المخالف أيضا ، لكونه من التابعين في الطبقة الثالثة ، ثقة ـ.

قال ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ (٢) : محمّد بن عليّ عليهما‌السلام هذا أسند الحديث عن جماعة من الصحابة ، منهم جابر بن عبد الله وأبو سعيد ، وابن عبّاس ، وأبو هريرة ، وأنس بن مالك ، والحسن والحسين عليهما‌السلام ، وروى عنه خلق كثير من التابعين منهم : سعيد بن المسيّب ، والأئمّة ، أي أئمّة الحديث.

وقال ابن سعيد في الطبقات (٣) : إنّه من الطبقة الثالثة من أهل المدينة ، وكان عالما عابدا. روى عنه الائمّة أبو حنيفة وغيره ، وقد لقي جابر بن عبد الله الأنصاريّ من الصّحابة ، قال : إنّه قد حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة ، وقد بلّغ جميع الشرائع غير الحجّ والولاية ؛ فأتاه جبرئيل ، فقال : يا محمّد إنّ الله عزوجل يقرئك السلام ، ويقول لك : إنّي لم أقبض نبيّا من أنبيائي ، ولا رسولا من رسلي إلّا بعد إكمال ديني ، وتأكيد حجّتي ، وقد بقي عليك من ذلك فريضتان ممّا يحتاج أن تبلغها قومك : فريضة الحجّ ، وفريضة الولاية والخلافة ، من بعدك ؛ فإنّي لم أخل أرضي (٤) من حجّة ولن أخليها أبدا ؛ فإنّ الله عزوجل يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ ،

__________________

بالجحفة ، معجم البلدان ٢ : ٣٨٩.

(١) الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ٥٥ ـ ٦٧.

(٢) تذكرة الخواصّ ٣٠.

(٣) الطبقات الكبرى ٥ : ٣٢٠ ـ ٣٢٣.

(٤) الإمامة في اللغة : هي التقدّم ، والائتمام. وعند المتكلّمين : رئاسة دينيّة مشتملة على ترغيب عموم الناس في حفظ مصالحهم الدينية والدنيويّة.

والولاية : بكسر الواو الإمارة ، والسلطان ، والوليّ : كلّ من ولي أمرا أو قاربه ، و «وليّ اليتيم» الّذي يلي أمره ، ويقوم بكفالته.

٤٧

ويحجّ معك كلّ من استطاع سبيلا من أهل الحضر والاطراف ، والأعراب وتعلّمهم من حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم ، وتوقفهم من ذلك على مثال الّذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرائع ، فنادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا إنّ رسول الله يريد الحجّ ، وأن يعلّمكم من ذلك مثل الّذي علّمكم من شرائع دينكم ، ويوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه من غيره ؛ فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخرج معه الناس وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع ، فيصنعوا مثله.

فحجّ بهم وبلغ من حجّ مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون ، على نحو عدد أصحاب موسى عليه‌السلام سبعين ألفا الذين أخذ عليهم ببيعة هارون ، فنكثوا واتّبعوا العجل والسامريّ ، وكذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ البيعة لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بالخلافة على عدد أصحاب موسى عليه‌السلام ؛ فنكثوا البيعة واتّبعوا العجل سنّة بسنّة (١) ، ومثلا بمثل ، واتّصلت التلبية ما بين مكّة والمدينة ، فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل عن الله تعالى ؛ فقال يا محمّد ، إنّ الله يقرئك السّلام ويقول لك : إنّه قد دنا أجلك ومدّتك وأنا مستقدمك على ما لا بدّ منه ولا عنه محيص ، فاعهد عهدك ، وقدّم وصيّتك ،

__________________

ـ والخلافة : الإمامة و ـ الإمارة و «الخليفة» ـ والمستخلف ـ والسلطان الأعظم ، جمع خلفاء وخلائف ، واشتقاقه من «خلف» بضمّ عين المضارع وفتحها في الماضي : صار خلفه ، وأخذه من خلفه ، وجاء بعده فصار مكانه ، فلاحظ أصولها وفروعها تجدها متوافقة ومتقاربة مع الإمامة وأصولها وفروعها.

وفريضة الولاية أوجب الفرائض وأشدّها ، فقد يرخّص في بعض الأحيان والأحوال في ترك الفرائض ، أمّا الولاية فلا رخصة فيها ، روى الكليني في الكافي ٢ : ٢٢ ، عن أبي العلاء الأزدي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ الله عزوجل فرض على خلقه خمسا ، فرخّص في أربع ، ولم يرخّص في واحدة» وفيه أيضا ١ : ١٧٨ و ١٧٩ عن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال : لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت.

(١) إشارة إلى الأخبار الواقعة في هذا الباب متواترة ، فإنّ ما وقع في الأمم السابقة يقع في هذه الأمّة ، حذو النعل بالنعل. محمد حسين

٤٨

واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء والسلاح والتّابوت ، وجميع ما عندك من آيات الأنبياء عليهم‌السلام ؛ فسلّمها إلى وصيّك وخليفتك من بعدك ، حجّتي البالغة على خلقي : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فأقمه للنّاس علما ، وجدّد عهده وميثاقه وبيعته ، وذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الّذي واثقتهم به ، وعهدي الّذي عهدت إليهم من ولاية وليّي ومولاهم ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ فإنّي لم أقبض نبيّا من الأنبياء إلّا من بعد إكمال ديني وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي ، وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي على خلقي باتّباع وليّي وطاعته ؛ وذلك أنّي لا أترك أرضي بغير قيّم ليكون حجّتي لي على خلقي ؛ ف «اليوم اكملت لكم دينكم» (١) الآية ، بولاية وليّي ، ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة عليّ عليه‌السلام عبدي ووصيّ نبيّي ، والخليفة من بعده ، حجّتي البالغة على خلقي ، مقرون طاعته بطاعة محمّد نبيّي ، ومقرون طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي ، من أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني ، جعلته علما بيني وبين خلقي ، من عرفه كان مؤمنا ، ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك [في] بيعته كان مشركا ، ومن لقيني بولايته دخل الجنّة ، ومن لقيني بعداوته دخل النار.

فأقم يا محمّد عليّا علما ، وخذ منهم البيعة ، وجدّد عليهم عهدي وميثاقي لهم الّذي واثقتهم عليه ، فإنّي قابضك إليّ ، ومستقدمك عليّ ، فخشي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قومه وأهل النفاق والشّقاق أن يتفرّقوا ويرجعوا جاهليّة ، لما عرف من عداوتهم ، ولما تنطوي عليه أنفسهم لعليّ عليه‌السلام من البغضة.

وسأل جبرئيل أن يسأل ربّه العصمة من النّاس ، وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من النّاس من الله جلّ اسمه ، فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف ؛ فأتاه

__________________

(١) المائدة : ٣.

٤٩

جبرئيل في مسجد الخيف فأمره أن يعهد عهده ويقيم عليّا للنّاس ، ولم يأته بالعصمة من الله جلّ جلاله الّذي أراد ، حتّى أتى «كراع الغميم» (١) بين مكّة والمدينة ؛ فأتاه جبرئيل وأمره بالّذي أتاه به من قبل الله تعالى ولم يأته بالعصمة ؛ فقال : يا جبرئيل ، إنّي أخشى قومي أن يكذّبوني ولا يقبلوا قولي في عليّ عليه‌السلام : فرحل فلمّا بلغ غدير خمّ قبل الجحفة (٢) بثلاثة أميال أتاه جبرئيل على خمس ساعات مضت من النّهار بالزّجر والانتهار والعصمة من النّاس ؛ فقال : يا محمّد ، إنّ الله يقرئك السّلام ويقول لك : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) في عليّ عليه‌السلام (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).

وكان أوائلهم قربت من الجحفة ؛ فأمره بأن يردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ، ليقيم عليّا للنّاس ، ويبلّغهم ما أنزل الله تعالى في عليّ عليه‌السلام ، وأخبر بأنّ الله عزوجل قد عصمه من الناس ؛ فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ما جاءته العصمة مناديا ينادي في النّاس بالصلاة جامعة ، ويردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر : فتنحّى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير ، أمره بذلك جبرئيل عن الله عزوجل في موضع «سلمات» (٣) ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقمّ ما تحتهنّ ، وينصب له أحجار كهيئة المنبر يشرف على النّاس ؛ فتراجع النّاس ، واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون ؛ فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فوق تلك الأحجار ، ثمّ حمد الله تعالى وأثنى عليه ، فقال : الحمد لله الّذي علا في توحّده ، ودنا في تفرّده ، وجلّ في سلطانه ، وعظم في أركانه ، وأحاط بكلّ شيء علما وهو

__________________

(١) كراع الغميم : موضع بناحية الحجاز بين مكّة والمدينة. لسان العرب ٨ : ٣٠٩ ؛ معجم البلدان ٤ : ٤٤٣.

(٢) الجحفة : قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكّة أربع مراحل ؛ سمّيت الجحفة لأنّ السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام ، وهي الآن خراب بينها وبين غدير خمّ ميلان. معجم البلدان ٢ : ١١١.

(٣) سلمات موضع في طريق مكّة. لسان العرب ٦ : ٣٤٧ «سلم».

٥٠

في مكانه ، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه ، مجيدا لم يزل ، محمودا لا يزال. (والخطبة فيها مواضع من النصّ على خلافة عليّ عليه‌السلام وإمامته ووجوب طاعته وفضله).

وفي رواية القمّيّ (١) : أيّها النّاس ، هل تعلمون من وليّكم؟ قالوا : نعم ، الله ورسوله ، قال : ألستم تعلمون أنّي أولى بكم منكم بأنفسكم؟ قالوا : بلى. قال : اللهمّ اشهد ، فأعاد ذلك عليهم ثلاثا ، في كلّ ذلك يقول مثل قوله الأوّل ، ويقول الناس كذلك ، ويقول : اللهمّ اشهد ، ثمّ أخذ بيد أمير المؤمنين عليه‌السلام فرفعه حتّى بدا للنّاس بياض ابطيه ، ثمّ قال : ألا من كنت مولاه ، فهذا عليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله وأحبّ من أحبّه ، ثمّ قال : اللهمّ اشهد عليهم وأنا من الشّاهدين (٢).

فاستفهمه عمر (٣) من بين أصحابه ؛ فقال (٤) : يا رسول الله هذا من الله أو من رسوله؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم هذا من الله ومن رسوله ، إنّه أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجّلين ، يقعده الله تعالى يوم القيامة على الصراط ، فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النّار ؛ فقال أصحابه الّذين ارتدّوا بعده : قد قال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد الخيف ما قال ، وقال هنا ما قال ، وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له ؛ فاجتمع أربعة عشر نفرا (٥) ، وتآمروا على قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقعدوا له في

__________________

(١) تفسير القمّيّ ١ : ١٧١ ـ ١٧٣.

(٢) تفسير الصافي ٢ : ٧٠.

(٣) لا تخفى على المنصف أنّ هذا السؤال وقع منه لرجائه أن يكون الأمر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيسهل له الخدش فيه ، كما نسب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الهذيان عند وفاته. قال في «حياة الحيوان» : وهو أوّل من سمّي بأمير المؤمنين وهو كما ترى. «منه».

(٤) المغازي للواقدي ٢ : ١٠٤٤ ؛ أسباب النزول للواحدي ١٧٠ ؛ الخصال ٢ : ٢٧٢.

(٥) معارج النبوّة في مدارج الفتوّة الركن الرابع ٢٣٧.

٥١

العقبة ـ الحديث (١).

وبالجملة كيفيّة تنصيص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على خلافة عليّ عليه‌السلام ، وإقامته يوم غدير خمّ ونزول هذه الآية في هذه الكيفيّة عند أصحابنا [مورد] إجماع ، وقد أثبتنا في كتبنا الأصوليّة أنّ إجماعهم حجّة قاطعة بالبرهان القاطع عقلا ، والنّور السّاطع نقلا ، لكونه كاشفا عن رأي أهل بيت العصمة والطهارة ، بشهادة آية التطهير النّازلة في حقّهم. بتواتر رواية الفريقين ، وتواتر عندهم كلّ ذلك أيضا ، وكفى به حجّة على الخصم العنيد ، لأنّ التواتر عبارة عن إخبار جماعة يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب من جهة الكثرة ، ولا يشترط فيه الايمان واتّحاد المذهب ؛ كما ذكره أكابر الأصوليّين من الفريقين.

ولا ريب في تواتر أخبار غدير خمّ ونصب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا عليه‌السلام بالخلافة والإمامة والإمارة ، ونزول هذه الآية في حقّه ، وفي الأمر أيضا كما مضى ، فيكون حجّة على المخالفين أيضا ، وقد تواتر عنهم ذلك أيضا (٢).

__________________

(١) كان أهل العقبة الّذين أرادوا اغتيال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة عشر رجلا ، سمّاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحذيفة. انظر : المغازي للواقدي ٢ : ١٠٤٤ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ٥٠ ـ ٥٤.

(٢) مسند أحمد ١ : ١١٩ ، ١٥٢ ؛ و ٤ : ٣٦٨ ؛ و ٥ : ٣٤٧ ، ٣٦٦ ؛ صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ ؛ تفسير الطبريّ ٦ : ١٩٨ ؛ غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٦ : ١٩٢ ؛ التفسير الكبير للرازيّ ٣ : ٥٣٩ ؛ الدرّ المنثور ٢ : ٢٩٨ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٨ ؛ رسالة طرق حديث «من كنت مولاه فعليّ مولاه» للحافظ شمس الدين الذهبي ٨٥ ؛ الذرّية الطاهرة للدولابيّ ١٦٨ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٢ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٠ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٦٣٢ ؛ ذخائر العقبى ٦٧ ؛ الفصول المهمّة ٤٠ ـ ٤٢ ؛ تذكرة الخواصّ ٢٨ ـ ٣٤ ؛ الرياض النضرة ٢ : ٢١٧ ؛ مطالب السئول ٥٣ ؛ أسباب النزول للواحدي ١٣٥ ؛ تفسير ابن كثير ٢ : ١٤ ، ٤٩١ ؛ الجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ ١٨ : ٢٧٨ ؛ البداية والنهاية ٧ : ٣٤٩ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٢٨ ـ ١٨٣ ؛ ذكر أخبار اصبهان ١ : ١٠٧ و ٢ : ١٢٨ ؛ تاريخ بغداد ٨ : ٣٩٠ رقم ٤٣٩٣ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٠ ؛ الأصول من الكافي ١ : ٢٨٩ ؛ الأمالي للطوسي ٢ : ١٧١ ـ ١٨٠ ؛ مجمع البيان ٢ : ٢٢٣ ؛ تفسير فرات ١٩٥ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣١٨ ، ٤٢٨ ؛ كشف اليقين ٣٧٦ ؛ تفسير الحبري ـ

٥٢

فقد رواه البخاريّ في صحيحه (١) ، وأحمد بن حنبل في مسنده (٢) ، وفي الفضائل (٣) بعدّة طرق صحيحة حسنة ، والثعلبيّ في تفسيره (٤) ، وابن المغازلي الشافعيّ (٥) ، وابن عقدة (٦) بمائة وخمس وعشرين طريقا ، ورواه الترمذيّ (٧) في جامعه ، والسجستانيّ في صحيحه (٨) ، والأندلسيّ (٩) في الجمع ، والخوارزميّ (١٠) ، والبيهقيّ (١١) ، وابن مردويه (١٢) في المناقب والمرزبانيّ في السّرقات ، والواحديّ في الأسباب (١٣).

وأبو الفرج في المرج (١٤) ، والعجليّ في الموجز (١٥) ، وابن الصبّاغ في الفصول (١٦) ،

__________________

ـ ٢٦٢ ، ٢٦٣ ؛ خصائص الوحي المبين ٢٩ ؛ المقنع في الامامة ٧٤ ، ٧٥ ؛ تفسير التبيان ٣ : ٤٣٥ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٨.

(١) صحيح البخاريّ بل رواه البخاريّ في تاريخه الكبير ٤ : ١٩٣ رقم ٢٤٥٨ ؛ و ١ : ٣٧٥ رقم ١١٩١ ؛ و ٦ : ٢٤٠ رقم ٢٢٧٧.

(٢) مسند أحمد ١ : ٨٤ ، ٨٨ ، ١١٨ ، ١١٩ ، ١٥٢ ؛ ٤ : ٣٦٨ و ٣٧٠.

(٣) فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٥٧٢ ، ٥٨٥ ، ٥٨٦ ، ٦١٣ ، ٦٨٢.

(٤) تفسير الثعلبيّ ٤ : ٩٢ ، ٩٣.

(٥) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ١٦ ـ ٢٧.

(٦) كتاب الولاية لابن عقدة ١٥٥ ـ ٢٥٤.

(٧) سنن الترمذيّ ٥ : ٦٣٣ ، ح ٣٧١٣.

(٨) لم أعثر عليه في سنن أبي داود المطبوع ، وروى عنه العمدة لابن البطريق ١٠٣ ح ١٣٨ ؛ ورواه ابن ماجة في سننه ١ : ٥٥.

(٩) العمدة لابن البطريق ١٠٣ ح ١٣٨ و ١٣٩.

(١٠) المناقب للخوارزميّ ١٣٤ ـ ١٣٦ ، ١٥٤ ـ ١٥٦ ، ١٦١.

(١١) السنن الكبرى للبيهقيّ ١٠ : ١٤ ح ١٩٥٢٠ ضمن حديث.

(١٢) الصراط المستقيم ٢ : ٣٠٤.

(١٣) أسباب النزول للواحدي النيسابوريّ ١٣٥.

(١٤) هو أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الأصبهانيّ ، رواه في كتابه ، مرج البحرين ، انظر ملحقات إحقاق الحقّ ٢١ : ١٢.

(١٥) الفصول المهمّة لابن الصبّاغ ٤١.

(١٦) الفصول المهمّة ٤٠ ـ ٤٤.

٥٣

والشاميّ في المطالب ، والحافظ في الحلية (١٧) ، والجزريّ في الأسنى (١٨) ، والسيّد جمال الدّين في الروضة ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (١٩) ، والسبط في المرآة ، والغزاليّ في سرّ العالمين وكشف ما في الدّارين (٢٠) ، والقاضي زاده في الاعتقاديّة (٢١) ، وابن حجر في الصواعق (٢٢) ، والحمويّ في المنهاج ، والنيسابوريّ في تفسيره (٢٣) ، والزمخشريّ (٢٤) في آية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) ـ من النحل ـ ، وصاحب المشكاة (٢٥) ، والحسكانيّ (٢٦) ، والطبرانيّ (٢٧) ، والدار قطنيّ (٢٨) ، والأصفهانيّ (٢٩) ، والنسائيّ (٣٠) ، والذهبي (٣١) ، وسبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (٣٢) ، كلّهم من أكابر علماء العامّة وأعاظمهم.

__________________

(١٧) حلية الأولياء ٥ : ٢٧ و ٤ : ٣٥٦.

(١٨) أسنى المطالب ٤٨ ـ ٥٠.

(١٩) شرح نهج البلاغة ١ : ٢٣٤.

(٢٠) سرّ العالمين وكشف ما في الدارين ١٦.

(٢١) ورواه أيضا في كتابه الآخر. تحفة الشاهيّة ١٥٨.

(٢٢) الصواعق المحرقة ١٢٢.

(٢٣) غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٦ : ١٢٩.

(٢٤) تفسير الكشّاف ٢ : ٦٢٩.

(٢٥) مشكاة المصابيح ٣ : ١٧٢٠ ح ٦٠٨٢.

(٢٦) شواهد التنزيل ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٨.

(٢٧) المعجم الكبير للطبرانيّ ٣ : ١٠٨ ح ٣٠٥٢ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٣٣.

(٢٨) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٥ والصراط المستقيم ١ : ٣٠١.

(٢٩) حلية الأولياء لأبي نعيم الاصفهاني ٤ : ٣٥٦.

(٣٠) خصائص الإمام عليّ عليه‌السلام للنسائيّ ٦٩ ـ ٧٤.

(٣١) ميزان الاعتدال ٤ : ٦٧ ، رقم ٤٢٣٠ ؛ و ٥ : ٣٥٤ ، رقم ٦٤٨٧.

(٣٢) تذكرة الخواصّ ٢٨ ـ ٣٤.

٥٤

ورواه في الجوامع (١) لأبي عليّ صاحب التفسير من أصحابنا عن ابن عبّاس ، وجابر بن عبد الله ، إنّ الله أمر نبيّه أن ينصب عليّا للنّاس ، ويخبرهم بولايته ، فتخوّف أن يقولوا : حابى ابن عمّه ، وأن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه ، فنزلت هذه الآية ؛ فأخذ بيده يوم غدير خمّ. وقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه وفي المجمع (٢) رواه عن الثعلبيّ (٣) والحسكانيّ (٤) وغيرهما من العامّة.

وفي قلع الأساس للمحدّث الفاضل الميرزا محمّد حديث الولاية في كتاب الولاية عن مائة وعشرين صحابيّا.

والطبريّ بخمسة (٥) وسبعين طريقا ، والبخاريّ (٦) بسبعة ، وابن عقدة بمائة وخمسة (٧) وعشرين طريقا.

وفي منهاج الكرامة للعلّامة الحليّ : اتّفقوا على نزولها في عليّ عليه‌السلام.

روى أبو نعيم (٨) الحافظ بإسناده عن عطيّة ، قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

وفي تفسير الثعلبيّ (٩) معناه : بلّغ ما أنزل إليك من ربّك في فضل عليّ عليه‌السلام ؛ فلمّا نزلت أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ ، وقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه.

__________________

(١) تفسير جوامع الجامع للطبرسيّ ١١٤.

(٢) مجمع البيان ٣ : ٣٤٤ ؛ ذيل الآية ٦٧ من سورة المائدة.

(٣) تفسير الثعلبيّ.

(٤) شواهد التنزيل ١ : ٢٥٥.

(٥) كتاب الولاية لمحمّد بن جرير الطبريّ ٨٧ ـ ١٠٠ ؛ نهج الإيمان ١١٢ ، نقلا عن الطبريّ.

(٦) انظر التاريخ الكبير للبخاريّ ١ : ٣٧٥ رقم ١١٩١ ، و ٤ : ١٩٣ رقم ٢٤٥٨ ، و ٦ : ٢٤٠ رقم ٢٢٧٧.

(٧) كتاب الولاية لابن عقدة ١٥٥ ـ ٢٥٤.

(٨) النور المشتعل من كتاب ما نزل ٨٦.

(٩) تفسير الثعلبيّ ٤ : ٩٢.

٥٥

وفي قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، روى أبو نعيم (١) بإسناده إلى أبي سعيد الخدريّ ، قال : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا النّاس إلى عليّ عليه‌السلام في غدير خمّ ، وأمر بما تحت الشجرة من الشّوك فقمّ ، فقام فأخذ بضبعي عليّ فرفعهما ينظر النّاس إلى بياض إبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي وبولاية عليّ من بعدي ، ثمّ قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله.

وقال الجزريّ (٢) ـ من علماء الجمهور ـ في كتاب أسنى المناقب في فضائل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

اعلم أنّ حديث «من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، صحيح من وجوه كثيرة ، تواتر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو متواتر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا ، رواه الجمّ الغفير عن الجمّ الغفير ، ولا عبرة بمن حاول انكاره ممّن لا اطّلاع له في هذا العلم ، فقد ورد مرفوعا من حديث ثمانية وعشرين صحابيّا أيضا ، وثبت أنّ هذا القول منه يوم غدير خمّ.

وقد عرفت أنّ أحمد بن حنبل أخرجه في المسند (٣) والفضائل بطرق كثيرة صحيحة حسنة ، من ذلك ما رواه عن زاذان ، قال : سمعت عليّا عليه‌السلام ينشد النّاس في الرّحبة (٤) ، ويقول : أنشد الله رجلا سمع رسول الله يقول يوم غدير خمّ «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ؛ فقام ثلاثة عشر رجلا من الصّحابة ، فشهدوا أنّهم سمعوا

__________________

(١) النور المشتعل من كتاب ما نزل ٨٦.

(٢) أسنى المطالب ٤٨.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٨٤.

(٤) الرّحبة : رحبة المسجد والدار ـ بالتحريك ـ ساحتهما ومتّسعهما. والرحبة في الحديث هي رحبة مسجد الكوفة.

٥٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك.

ورواه الترمذيّ (١) ، فزاد فيه : اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وأدر الحقّ معه ، [و] لفظ الترمذيّ هكذا : رحم الله عليّا ، اللهمّ أدر الحقّ معه حيث دار.

وفي لفظ أسنى المناقب للجزريّ : وأدر الحقّ معه حيث كان (٢).

ومن ذلك ما رواه أحمد في الفضائل (٣) عن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت وليّه فعليّ وليّه. وفي هذه الرواية «فقام بالرّحبة ثلاثون رجلا وخلق كثير ؛ فشهدوا له بذلك».

وقال أحمد في الفضائل (٤) : عن رياح بن (٥) الحارث ، قال : جاء رهط إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقالوا : السّلام عليك يا مولانا ، وكان بالرحبة ، فقال : كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ فقالوا : سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خمّ : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، قال رياح : فقلت : من هؤلاء؟ فقيل لي : نفر من الأنصار فيهم أبو أيّوب الأنصاريّ صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال أحمد : حدّثنا ابن نمير ، حدّثنا عبد الملك (٦) بن سليمان ، عن عطيّة العوفي ، قال : أتيت زيد بن أرقم ؛ فقلت له : إنّ ختنا لي حدّثني عنك بحديث في شأن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأنا أحبّ أن أسمعه منك ؛ فقال لي : إنّكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم ؛ فقلت له : ليس عليك منّي بأس ، فقال نعم : كنّا بالجحفة ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علينا ظهرا وهو آخذ بعضد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ فقال :

__________________

(١) سنن الترمذيّ ٥ : ٢٩٧.

(٢) لم نجدها في أسنى المناقب.

(٣) فضائل الصحابة ٢ : ٥٦٣ ح ٩٤٧.

(٤) نفس المصدر ٢ : ٥٧٢ رقم ٩٦٧ ؛ مسند أحمد ٥ : ٤١٩.

(٥) في الأصل : رماح بن الحرث.

(٦) في الأصل : عبد الملك بن عطيّة.

٥٧

أيّها النّاس ألستم تعلمون أنّي أولى بالنّاس من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ؛ قالها أربع مرّات (١).

وقال أحمد أيضا (٢) : حدّثنا عفّان ، حدّثنا حماد بن سلمة ، حدّثنا زيد ، عن عديّ بن ثابت ، عن براء بن عازب ، قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سفر ، فنزلنا بغدير خمّ ، فنودي فيها الصلاة جامعة ، وكسح (٣) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين شجرتين ، فصلّى بها الظهر ، وأخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وقال : من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهمّ انصر من نصره ، واخذل من خذله ، قال ، فقال عمر بن الخطّاب هناك : يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

وبالجملة : لا مجال في الارتياب في تواتر حديث (٤) «من كنت مولاه فعليّ مولاه» كما عرفت ، قد توافق فيه روايات الخاصّة والعامّة في الأصول والصّحاح المعتبرة بالأسانيد الكثيرة ، وتلقّاها بالقبول أكابر الفريقين كما عرفت.

وقد أنشأ شعراء الأصحاب في ذلك اليوم قصائد في بيان هذا المطلب للنبيّ ، والشرف لعليّ وولاية الوليّ ، حكاها أعاظم علماء الفريقين مثل الكميت ،

__________________

(١) فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٥٨٦ ح ٩٩٢.

(٢) مسند أحمد ٤ : ٢٨١ ؛ تذكرة الخواصّ ٢٩.

(٣) كسح : كنس.

(٤) في مكالمات عمرو بن العاص مع معاوية ، حكاه في تذكرة الخواصّ ، عن الواقدي [تذكرة الخواصّ ٨٦] : «أما علمت يا معاوية أنّ أبا الحسن بذل نفسه لله ، وبات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال له : من كنت مولاه فعليّ مولاه» ـ إلى آخره ـ فلم يقدر معاوية على دفعه بمحضر الجماعة المعاندين من أهل الشام وغيره ، فمن تتبع كتب السّير والحديث والتفسير والقصائد والأشعار وغيرها من كتب المسلمين من الخاصّة والعامّة ، ظهر له أنّه لا يمكن دفع هذا الخبر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ المسلمين تلقّوه بالقبول ، فهو مشهور بين الخاصّ والعامّ ، مذكور على ألسنة النسوان والأطفال والعوامّ في الأقطار والأمصار ، لا يتأمّل [أي لا يتردّد] فيه إلّا بعض من له اللجاج أو في ذهنه الاعوجاج (منه رحمه‌الله).

٥٨

والحميري ، وقيس وغيرهم (١) ، ستعرف شطرا منها إن شاء الله تعالى.

وذكر ابن كثير (٢) من علماء الجمهور عند ذكر ترجمة الطبريّ الشافعيّ : إنّي

__________________

(١) نظم الشعراء في واقعة الغدير من الأشعار ما لا يحصى لانتشاره ، ومنهم دعبل الخزاعي ، والعوني ، والأمير أبو فراس الحمداني ، وأبو العلاء ، والقاضي التنوخي ، وغيرهم.

قال دعبل بن عليّ بن رزين بن عثمان الخزاعيّ المتوفّى سنة ٢٤٦ ه‍ : أخبار شعراء الشيعة ٩٦ ـ ١٠٨.

فقال : ألا من كنت مولاه منكم

فهذا له مولاه بعد وفاتي

أخي ووصيّي وابن عمّي ووارثي

وقاضي ديوني من جميع عداتي

(أخبار شعراء الشيعة ١٤٨ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٠)

وقال العونيّ ، وهو أبو محمّد طلحة بن عبيد الله بن أبي عون الغسّانيّ العونيّ ، كان يتفنّن في الشعر ويأتي بأساليبه وفنونه وبحوره مقدرة منه على تحوير القول وصياغة الجمل كيفما شاء ، قال ابن شهرآشوب في المعالم إنّه نظم أكثر من المناقب. الغدير ٤ : ١٢٤ ـ ١٤٠.

من قال أحمد في يوم الغدير له :

من كنت مولاه من عجم ومن عرب

فإنّ هذا له مولى ومنذرها

يا حبّذا هو من مولى ويا بأبي

(مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٤١)

وقال الزاهيّ وهو أبو القاسم عليّ بن إسحاق بن خلف القطّان البغداديّ النازل بالكرخ ، الشهير بالزاهي ، شاعر ، عبقريّ تحيّز في شعره إلى أهل بيت الوحي ، ودان بمذهبهم. الغدير ٣ : ٣٨٨ ـ ٣٩٨.

من قال أحمد في يوم الغدير له

بالنقل في خبر بالصدق مأثور :

قم يا عليّ فكن بعدي لهم علما

واسعد بمنقلب في البعث محبور

مولاهم أنت والموفي بأمرهم

نصّ بوحي على الأفهام مسطور

وذاك أنّ إله العرش قال له

بلّغ وكن عند أمري خير مأمور

فإن عصيت ولم تفعل فإنّك ما

بلّغت أمري ولم تصدع بتذكيري

(مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٣٠)

وقال الأمير أبو فراس الحمدانيّ ، وهذه الأبيات من قصيدته في مدح آل البيت :

تبّا لقوم تابعوا أهواءهم

فيما يسوؤهم غدا عقباه

أتراهم لم يسمعوا ما خصّه

منه النبيّ من المقال أتاه

إذ قال في يوم الغدير معالنا

من كنت مولاه فذا مولاه

(ديوان أبي فراس ٣١٢ ـ ٣١٤ ، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٣٩)

(٢) عبقات الأنوار ٢ : ٤٨٧ ؛ وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٤ : ٢٧٧ ، في ترجمة ابن جرير أنّ ابن ـ

٥٩

رأيت كتابا ضخيما في مجلّدين ، كلّه طرق هذه الرواية ، يعني رواية «من كنت مولاه» في يوم غدير خمّ ، وكتابا جمع فيه طرق حديث الطير المشويّ.

بل قال أبو المعالي الجوينيّ (١) من أعاظم المخالفين متعجّبا : إنّي رأيت كتابا في بغداد مكتوبا عليه «المجلّد الثامن والعشرون من مجلّدات هذه الرواية ويتلوه المجلّد التاسع والعشرون».

وقد حكى هذه الحكاية بعض الفضلاء الأعلام في كتاب صنّفه في الإمامة عن أبيه ، أنّه رآه أيضا في بغداد عند صحّاف ؛ وقد اشتهرت بين أرباب السير على وجه لا ينكر ولا يؤوّل ، وله شواهد أخرى ستعرف بعضها فيما يأتي إن شاء الله.

قال أبو الحسن الواحديّ (٢) عليّ بن أحمد ـ من أكابر علماء المخالفين ـ في تفسيره : هذه الولاية الّتي أثبتها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام مسئول عنها يوم القيامة. وروى قوله تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٣) : أي عن ولاية عليّ عليه‌السلام ، والمعنى أنّهم يسألون هل والوه حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أضاعوها وأهملوها؟

قال الغزاليّ في كتاب له سمّاه سرّ العالمين وكشف ما في الدارين : لكن أسفرت الحجّة وجهها ، وأجمع الجماهير على متن الحديث عن خطبة يوم غدير خمّ ، باتّفاق الجميع وهو يقول : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، فقال عمر بن الخطاب : بخّ بخّ لك يا أبا الحسن ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ؛ إلى

__________________

ـ جرير جمع طرق حديث غدير خمّ في أربعة أجزاء. قال : رأيت شطره فبهرني سعة رواياته وجزمت بوقوع ذلك.

(١) نهج الايمان ١٣٣ ، وفيه : قال أبو المعالي الجوينيّ : شاهدت مجلّدا ببغداد في يد صحّاف فيه روايات هذا الخبر مكتوبا عليه «المجلّدة الثامنة والعشرون من طرق قوله «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ويتلوه المجلّدة التاسعة والعشرون».

(٢) الصواعق المحرقة ١٤٩.

(٣) الصافات : ٢٤.

٦٠