في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

عامر النجّار

في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

المؤلف:

عامر النجّار


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-115-X
الصفحات: ٢٥٢

وهذا كلام عجيب الشأن ، غريب المعنى ، مما يؤكد عمق الخزعبلات والخرافات التى امتلأت بها كتابات البهائية والبابية هذا الّذي لولاه ما استوى الله على عرش رحمانيته ، ومن هذا الّذي لولاه ما استقر الله على كرسى صمدانيته.

حقّا .. لقد استطاع الفكر البابى أن يؤثر تأثيرا عجيبا فى عقول استوت عليها الخرافات والخزعبلات ، وقد استطاع ملا حسين البشروئى الخراسانى أن يجمع عددا لا بأس به من هؤلاء الذين يؤمنون بالخرافات ولما اجتمع حوله عدد كبير ممن اعتقدوا بالبابية ، بدأ يحارب الدولة الإيرانية ، ويحاول بسط نفوذ البابية فى كل مكان.

يقول محمد فاضل : " إن حسين الخراسانى جمع إليه رجاله وسمى كل فرد من نخبتهم باسم من أسماء الأنبياء ، ومن دونهم بأسماء الأولياء ، ووعدهم بالإمارة والسلطنة إن سلموا ، وبالجنة إن قتلوا ، ثم قال : " اعلموا أيها الأحباب إنه لا بد أن يفتح الباب الدنيا ، ويوحد الدين ، وتفتحون أنتم مدينة مازندران (١) ومدينة الرى (٢) ، وتذبحون اثنى عشر ألف من الأنفس .. فاشتدت بذلك عزائم رجاله وقاتلوا بشدة ، وكان ذلك فى شهرى ذى القعدة وذى الحجة من سنة ١٢٦٤ ه‍ ، والحكومة لاهية بوفاة الشاه محمد وجلوس الشاه ناصر الدين ، والمقاطعات خالية من حكامها لذهابهم إلى طهران يؤدون فرائض التهنئة والتعزية ، فلما تبوأ الشاه ناصر الدين أريكه الملك أمر بقطع دابر البابيين ، ونازل البابيون المسلمين فى ميدان القتال

__________________

(١) مازندران : من مدن إيران ، نقع جنوب بحر قزوين ، وهى مدينة طبرستان الحالية.

(٢) الرى : من مدن إيران الشهيرة ، وتقع فى الطرف الشمالي الشرقى من إقليم الجبال ، وبالرى ولد هارون الرشيد. لسترنج ، كى ، بلدان الخلافة الشرقية ، ص ٢٤٩.

٢١

وانتصر البابيون فى البداية ، وأحدث البابيون مذابح كبيرة بين المسلمين فى مدينة مازندران.

فلما انتشر نبأ هذه المصيبة فى أرجاء مازندران هلعت له القلوب ، وأخذ الناس أهبتهم للذود عن دينهم ، والدفاع عن أنفسهم وأموالهم ، وأرسل الشاه قائدا من أبرز قواده هو الأمير" مهدى قلى مرزا" وزحف الأمير على قلعة الخراسانى فى اليوم التاسع والعشرين من المحرم سنة ١٢٦٥ ه‍ فلما دنا منها عسكر قبالتها ، وقامت الحرب على ساقها بين الفريقين ، ودامت أشهرا تأكل النفوس والأموال ، وكانت الحرب سجالا بينهم خلال هذه المدة حتى أصيب الخراسانى برصاصة فى صدره وأخرى فى بطنه من جيش المسلمين ، فكتم الأمر على رجاله ، وثبت على ظهر جواده ، وأمرهم بالرجوع إلى القلعة ، حتى إذا دخلوها انقلب طريحا على الأرض إلى جانب الملا محمد على البارفروشي ، وأوصى قومه بطاعة البارفروشي ، وأوصاهم بأن يدفنوه تحت جدار القلعة ، ويدفنوا معه ملابسه وسيفه ، ويمحو آثار قبره حتى لا يعرف فينبش ، ويمثل به ، ثم قضى نحبه ونفذوا وصيته .. واستطاع جيش المسلمين أن يضيقوا الخناق على البابيين وأصلوهم فى قلعتهم الهزيمة المرة ـ فلم يكن خليفة ـ حسين الخراسانى قائدا ماهرا ، وقيل : إن عدد الجنود والأهالى الذين استشهدوا فى حربهم مع جيوش الملا" حسين الخراسانى" حوالى خمسمائة ، وهلك من البابيين ألفان وخمسمائة (١).

هذا هو باب الباب الملا حسين البشروئى والخراسانى رجل آمن بعقيدة فاسدة تنكر الأديان ، وقاتل من دونها قتالا مريرا ، لكن جهوده

__________________

(١) محمد فاضل : الحراب فى صدر البهاء والباب ، ص ٢٠٣ ـ ٢٠٥ باختصار.

٢٢

العنيفة من أجل نصرة البابية أنهكت قواه ، ودمرته وأنهت حياته دون أن يحقق مراده ، فقد انكشفت حقيقة البابية للناس ، وخسر دنياه وآخرته ، (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)" (١).

__________________

(١) سورة القصص : ٨٣.

٢٣

الباب على محمد الشيرازى

ولد ميرزا على محمد فى غرة المحرم سنة ١٢٣٥ ه‍ ، الموافق ٢٦ مارس سنة ١٨١٩ م بمدينة شيراز (١) الإيرانية التى تقع جنوب وسط إيران.

وكان أبوه من تجار شيراز ، لكنه توفى وعلى لا زال صغيرا ، فكفله خاله الميرزا سيد على ، وكان أيضا يعمل بالتجارة ، ورحل معه إلى مدينة بوشهر (٢) ؛ فاشتغل معه وتعلم منه أصول التجارة كما تعلم الكتابة والقراءة وأحسن الخط واهتم بقراءة كتب غلاة الشيعة وغلاة الصوفية وكتب السحر والشعوذة ، ويقال أنه كان يجلس فوق سطح منزله فى وقت الحر والهاجرة وهو عارى الرأس ويحاول حل ألغاز وطلسمات كتب الحروفية وكتب الشعوذة ، وفى هذا الوقت تعرف عليه رجل اسمه جواد الطباطبائى وهو من تلاميذ كاظم رشتى ، ووجد فى الفتى الشيرازى بغية الرشتى الّذي كان يبحث عن المهدى المنتظر ، وقد وله الطباطبائى بالشيرازى ولها تامّا وخصوصا بعد أن عرف اهتمامه بعلوم الطلسمات والسحر ، ومكث معه فى بيت خاله ستة أشهر وأوهمه خلالها بأن بشارات أحمد الأحسائي وكاظم رشتى تشير إليه ، وقد أحس خاله عليّ أن ابن أخته تعتريه من وقت لآخر لحظات ذهول وانطواء ، فخاف عليه من سوء حالته النفسية ، فأخذه إلى النجف وكربلاء للراحة والاستشفاء النفسى بزيارة المشاهد الشيعية الكبرى كمشهد الإمام على والإمام الحسين ، واستقر بعد ذلك فى كربلاء.

__________________

(١) يوجد بشيراز مقبرتا الشاعرين الفارسيين البارزين حافظ والسعدى.

(٢) مدينة بوشهر أو بوشير ثغر بإيران يطل على الخليج العربى وتعد مركزا مهمّا من مراكز التجارة الداخلية بإيران.

٢٤

والتقى بكاظم رشتى فلازمه ملازمة الظل لصاحبه ، وكان الرشتى معجبا بالفتى وجماله فأوحى لتلاميذه بأنه المهدى المنتظر ، والباب الّذي يتوقعونه ، وساعده على ذلك تلميذ من تلاميذ الرشتى ، اسمه ملا حسين البشروئى الّذي كان يبحث عن خليفة يخلف الرشتى فتوسم ذلك فى على محمد الشيرازى الّذي أحبه الرشتى وأرهص إرهاصات متعددة بأنه الخليفة من بعده ، وبأنه الباب والمهدى المنتظر.

فكان ملا حسين البشروئى أول من آمن بهذا الباب ، فأنعم عليه الباب بلقب باب الباب ، واختار ثمانية عشر من أتباعه وأطلق عليهم لفظ" حي" ؛ لأن مجموعها بحساب الجمل ثمانية عشر (١) ، وأرسلهم لنشر مذهبه فى أنحاء إيران المختلفة.

وادعى الشيرازى أنه خليفة موسى وعيسى ومحمد ، وأنه نقطة التقاء الأديان ، فثار عليه العلماء ، وسجن ثم أعدم بعد ذلك فى اليوم السابع والعشرين من شعبان سنة ١٢٦٦ ه‍ ، الموافق الثامن من يوليو ١٨٥٠ م. " اقتيد مع اثنين من أصحابه ، من قلعة جهريق فطيف بهم فى شوارع تبريز وطرقها إلى ساحة الإعدام.

وهو وصاحباه يتبرءون من البابية ، وقنصل الروس يتابع المشهد وهو لا يكتم قهره وحسرته ، وألقى بجثته فى خندق خارج المدينة ، مشيعا بلعنات المؤمنين والتقط القنصل الروسى صور المشهد وبعث بها إلى حكومته.

وفى قول الكاشانى فى (نقطة الكاف) أن الدولة الإيرانية سمحت بعد أيام لوصيه" يحيى صبح أزل" فأخرج الجثة وكفنها بكفن من الحرير الأبيض

__________________

(١) الحاء بحروف الجمل تدل على العدد ٨ ، والياء تدل على العدد ١٠.

٢٥

ودفنها. وقال" آواره" فى الكواكب الدرية : " إن نعش الباب سرق من الخندق ووضع فى صندوق أعد لهذا الغرض ووضع فى مصنع أحمد الميلانى التاجر المعروف ، المشمول بحماية دولة الروس".

زاد النبيل" الزرندى البهائى" : " أن الّذي نقل ذلك الصندوق إلى حيفا بفلسطين الميرزا عبد الكريم الأصفهانى ؛ فسمى أحمد أحد أبواب المرقد باسم عبد الكريم اعترافا بفضله ، وكان عمر الباب الشيرازى يوم أعدم إحدى وثلاثين سنة وسبعة أشهر وعشرين يوما ، على أصح الأقوال" (١).

* معنى الباب :

جاء فى دائرة المعارف الإسلامية ، مادة باب أنه" مصطلح أطلقه أنصار مذهب الشيعة فى عهدها الأول على المريد الأكبر المفوض من الإمام وتردد كتب السيرة الخاصة بأئمة الشيعة الاثنى عشرية أسماء أبواب الأئمة ، وكان الباب مرتبة فى الطبقات الروحية عند طائفة الإسماعيلية.

ويأتى الباب فى المرتبة الثانية بعد الإمام ، ومنه يتلقى التعاليم مباشرة وهو بدوره يهدى الحجج الذين يقودون الدعوة ؛ ولذلك يبدو أن المصطلح يدل على رأس القائمين بالدعوة ، ويرادف فى مصطلح الإسماعيلية" داعى الدعاة" الّذي يتردد فى كتب التاريخ العامة ، ولكن قلما يظهر فى بعض نصوص الإسماعيلي" (٢).

وكلمة الباب فى الاصطلاح الشيعى : " الشخص الّذي يكون واسطة بين الشيعة الإمامية ، وإمامهم الثانى عشر محمد بن الحسن العسكرى

__________________

(١) د. عائشة عبد الرحمن : قراءة فى وثائق البهائية ، ص ٤٧.

(٢) دائرة المعارف الإسلامية ، المجلد الخامس ص ٤٩٩.

٢٦

، ولما كان من تقاليد الشيعة أن الشخص الممتاز الّذي يكون واسطة بين المهدى الغائب وبين شيعته يسمى" الباب" فقد زين لعلى الشيرازى ادعاء هذا اللقب شخص ينتمى لهذه النحلة وهو البشروئى ، وكان أقرب الرجال إلى الباب حيث وجد فى الباب الطريق إلى المجد ، فما زال به حتى أقنعه أنه المهدى المنتظر الّذي ينتظره العالم ليملأ الدنيا عدلا بعد أن ملئت جورا" (١).

والبابية تحلة باطلة تنسب إلى الشيرازى الّذي سمى بالباب ثم أطلق على نفسه (النقطة) ، وتطور الأمر حتى أطلق على نفسه وزعم أنه خالق الحق.

والحقيقة أن الشيرازى بعد أن أقنع نفسه وأقنع من حوله بأنه الباب نجد الأثر الإسماعيلي فى فكره واضحا" فقد اقتنع بأنه الباب الّذي أشرقت منه على العالم الرغبة المعصومة التى للإمام المستور الّذي يعد المصدر الأعلى لكل حقيقة وهداية" ، وسرعان ما جال فى روعه أنه أكبر من أن يكون أداة لإمام الوقت الّذي يحيا ليعلم الناس ويهديهم رغم اختفائه عن الأنظار ، وقد رفع الله قدره على إمام الوقت اقتصادا فى مراحل التطور الروحى ، واختصارا لمراتب الهداية ، فاعتقد أنه المهدى الجديد إذ لا بد من ظهوره على وجه التحقيق حوالى نهاية الألف الأول من السنين بعد ظهور الإمام الثانى عشر ٢٦٠ ه‍ ـ ١٢٦٠ ه‍ ، ولكنه لا يلى مرتبة المهدية وفقا لنظرية الشيعة فى ظهور المهدى ، فإن عند الباب أن المهدى ينبغى أن يكون مظهرا من مظاهر العقل الكونى ، أى أن يكون محل ظهوره ، وهو فى هذا يتابع مبادي فرقة الإسماعيلية من غلاة الشيعة ، كما أنه هو أرفع مراتب الحقيقة

__________________

(١) نصير ، آمنة : أضواء وحقائق على البابية ، البهائية ، القاديانية ، طبعة الشروق ، مصر ، ١٩٨٤ م ، ص ١٢.

٢٧

التى حلت فى شخصه حلولا جثمانيّا ، وقد اختلفت فى شكلها الظاهرى فحسب مع المظاهر السابقة لهذه المادة الروحانية المنبعثة من الله تعالى ، ولكنها فى حقيقتها وجوهرها تتماثل معها تماما ، فموسى وعيسى اتخذا من شخصية الباب سبيلا إلى العودة إلى الدنيا ، كما تجسد فى شخصه غيرهما من الأنبياء الذين تجلى العقل الكلى الإلهي فى صورهم الجثمانية منذ أقدم العصور والأحقاب .... وأعلن أن هذا التجلى للروح الإلهي الّذي تجسد فى شخصه لهداية أهل عصره ، سوف يتجدد فى المستقبل" (١).

* الشيرازى يؤله نفسه :

بعد أن ادعى أنه تجلت فيه روح باب المهدى أولا ، وروح المهدى ثانيا ، ثم روح على ، وروح النبي محمد ، تدرج به الأمر لأن يدعى أن روح الله تجلت فيه ، وأنه المرآة التى يرى فيها الله ، والتى يستطيع المؤمنون أن يشاهدوا بها الله نفسه فيقول : " وصبرت حتى يمحص الكل ، ولا يبقى إلا وجهى ، وأعلم بأنه لست أنا بل أنا مرآة فإنه لا يرى فىّ إلا الله" (٢).

وفى وصيته إلى الميرزا يحيى (صبح أزل) يعلنها صريحة أن وصى الرب لا يكون إلا ربّا وإلها ونص الوصية يقول فيها لصبح أزل : " الله أكبر تكبيرا كبيرا ، هذا كتاب من عند الله المهيمن ، القيوم قل كل من الله مبدءون ، قل كل إلى الله يعودون ، هذا كتاب من عليّ قبل نبيل (النبيل يطابق محمدا فى العدد بحساب الجمل) ، وذكر الله للعالمين إلى من يعدل اسمه اسم الوحيد أى يحيى ، لأن يحيى يطابق فى العدد بحساب الجمل الوحيد). ذكر الله للعالمين ،

__________________

(١) العقيدة والشريعة فى الإسلام ، جولد تسهير ، ترجمة محمد يوسف موسى وآخرين ، نشر دار الكتاب المصرى ، ١٩٤٦ م ، ص ٢٤١.

(٢) المرجع السابق : ص ٢٤٢.

٢٨

قل كل من نقطة البيان ليبدءون أن يا اسمه الوحيد ، فاحفظ ما نزل فى البيان ، وأمر به فإنك لصراط حق عظيم" (١). ويقول داعية البهائيين أبو الفضل الجلبائيجانى : " نحن لا نعتقد فى الميرزا على محمد الباب إلا أنه رب وإله" (٢).

__________________

(١) براون ، مقدمة نقطة الكاف.

(٢) الجلبائيجانى ، الفرائد ، طبعة باكستان ، ص ١٥.

٢٩

الملا محمد على البار فروشي

واحد من أبرز تلاميذ الباب الميرزا على الشيرازى ، وهو أحد الذين ارتبط اسمهم بتلميذة الباب المعروفة ب" قرة عين" ارتباطا جسديّا محرما فقد عرفت بشدة عشقها له ، وشدة ولهه بها ، وما كان البارفروشي إلا واحدا من عشاق كثر لها مثله مثل الميرزا يحيى صبح الأزل أخو البهاء صاحب الدعوة البهائية فقد كان يحيى وسيما أنيقا فى مظهره وملبسه يبدو فتيّا قويّا جذابا فاستطاعت أن تضمه إلى سلسلة من عشقوها.

يقول مؤرخ البابية الميرزا جانبى الكاشانى : " كان الميرزا يحيى مركز الجمال والجلال يتكرر إلى الطاهرة! وكانت ـ وهى فى الثانية والعشرين من عمرها شابة ملتهبة ، تحتضن ذلك الطفل الأزلى ـ وهو فى السابعة عشر من العمر ، عمر المراهقة والفتوة والشباب المقبل ، وترضعه من لبن لم يتغير طعمه ، وتربيه فى مهد الآداب الحسنة ، والأخلاق الطيبة ، وتلبسه ملابس أهل الفكرة المستقيمة إلى أن قويت بنيته" (١).

فلم يكن محمد على البارفروشي إلا واحدا من هؤلاء العشاق لتلك المرأة التى كانت تقول بأنه يجوز للمرأة أن تتزوج تسعة رجال" (٢).

وكانت ترى" حل الفروج ورفع التكاليف بالكلية" (٣) ، يقول الشهيد إحسان إلهى ظهير : " لقد أحبت قرة عين الملا محمد على البارفروشي

__________________

(١) إحسان إلهى ظهير ، البابية ، ص ٢٤٩ ، نقلا عن جانى الكاشانى ، نقطة الكاف ، ص ٢٤١.

(٢) مفتاح باب الأبواب ، ص ١٧٩.

(٣) مختصر التحفة الاثنى عشرية ، ص ٢٤.

٣٠

حبّا جنونيّا ، وقدمت له نفسها وكل ما تملك ، وسمحت له أن يستذلها ويرغمها ويستعبدها ، ولكنها لم تكتف به وحده وسخت ـ بنفسها ، وجادت للميرزا حسين على المازندرانى البهاء مع امتصاص أخيه الصغير الميرزا يحيى صبح أزل" (١).

ولد محمد على البارفروشي حوالى عام ١٢٣٨ ه‍ من سفاح فكان مولده على فراش الميرزا مهدى البارفروشي نسبة إلى مدينة بارفروش التابعة لمنطقة مازندرانى الإيرانية .. ومن العجيب أن هذا الّذي ولد من زنا أطلق عليه اسم الباب اسم القدوس ، وكان محمد البارفروشي هذا يعتقد أنه المسيح كما نقل عنه مؤرخ البابية الكاشانى فى نقطة الكاف ، فيقول : " إن والدة القدوس لما زفت إلى والده كانت حبلى من ثلاثة أشهر ، وبعد ستة أشهر من الزواج وضعت حملها ، وأنجبت حضرته ؛ لذلك كان الأعداء يعرضون به وينسبون إلى أمه التهمة ، ويطعنون فى نسبه ، ولكن الأحباء والمخلصين يؤولون هذا بالخير ، ويعدونه معجزة حكاية للمسيح" (٢) ؛ ولهذا ليس غريبا أن نجد ولد الزنا يدعى بعد ذلك أنه عيسى فيقول للميرزا مهدى الّذي ولد على فراشه .. فاعلم أنى لست بولدك .. بل أنا عيسى وظهرت بصورة ابنك ، واعترفت بأبوتك مصلحة .. القدوس .. إنه هو عيسى الّذي ولد بلا والد بقدرة الله وإظهارا للمعجزة الربانية" (٣).

هذا القدوس عند البابية مثال الحياة الجنسية غير النظيفة سجد له

__________________

(١) إحسان إلهى ظهير ، البابية ، ص ٢٤٩.

(٢) المرجع السابق ، ص ٢٥٢.

(٣) المرجع السابق ، ص ٢٥٢ ـ ٢٥٣ نقلا عن نقطة الكاف للكاشانى.

٣١

الباب الشيرازى مرتين ، أما باب الباب البشروئى فكان يقدسه قداسة عجيبة لدرجة أنه كان ينحنى له ذلّا وتعبدا ويعتبره مقدسا فعلا ، رغم أن ثقافة القدوس ثقافة محدودة ، وأسرته لم تكن من الأسر المعروفة عند الشيعة ، فقد تعلم فى مدارس الشيخية وصاحب باب الباب البشروئى وشاركه فى الدعوة إلى الباب ، وأصبح هو الآخر من أقرب الناس إليه ومنحه لقب القدوس ، ومنها ادعى المهدوية ، وأنه هو عيسى الّذي ولد بلا والد.

ولقد آمن البابية بهذا الكلام العجيب من شاب عرف عنه المجون والاستهتار.

وكان الباب البشروئى ينزهه ويقدسه حتى أقام له سرادقا عظيما حجبه فيه عن الناس فلا تدركه الأبصار ، ولا تراه العيون ، إجلالا لشأنه وتنزيها لذاته .. ويروى أن البارفروشي طلب الاغتسال فى بعض الأيام ، فلما برز من السرادق ، والبابية وقوف حوله خروا له ساجدين ، ومسحوا جباههم بالأرض وكانت مبتلة بماء المطر ، ولم يرفعوها حتى أذن لهم" (١).

وحينما أرادت الدولة الإيرانية القضاء على البابية التى كانت منتشرة فى مازندران بإيران استطاع باب الباب أن يحصنها بقلعة ضخمة حصينة منيعة ، وكون جيشا كبيرا استطاع أن يحارب به جيش الحكومة وينتصر عليه فى مواقع كثيرة حتى أنه استطاع أن يقضى على الجيش الّذي أرسله الشاه ناصر الدين ، وجعلهم يفرون إلى قرية قريبة من مازندران" فراد" ولحق بهم وأفناهم ، وقضى على كل أبناء القرية ، بل ذبحهم ذبحا شيوخا وأطفالا وشبابا وإناثا وحرق القرية كلها.

__________________

(١) محمد فاضل : الحراب فى صدر البهاء والباب ، ص ٢٠٣.

٣٢

وبعد ذلك استطاع جيش الحكومة أن يقتل باب الباب فى مازندران وقبل قتله أوصى أتباعه بطاعة البارفروشي الّذي تولى أمر قيادة الجيش من بعده ، لكنه لم يكن بدرجة كفاءة الخراسانى البشروئى باب الباب ، فلم يستطع أن يحافظ على القلعة الحصينة طويلا خصوصا بعد أن حاصرتها قوات الشاه زمنا طويلا ، فاستنفدوا كل مؤنهم ولم يجدوا خبزا ولا ماء فطلبوا الأمان من قائد جيش الشاه ، وكان اسم هذا القائد" سليمان خان الافشار" فاستأمنهم وأجابهم إلى طلبهم ، ثم عقد مجلسا للنظر فى عقيدتهم ، فرجع بعض البابيين إلى الإسلام وتاب من كفره وردته ، وظل آخرون على بابيته وكفره فحكم عليهم المجلس بالقتل ، أما البارفروشي وأصحابه من قادة البابية فأرسلوا إلى مدينة بارفروش ليحكم عليه وعليهم علماء المدينة بحكم الإسلام فحكموا عليهم جميعا بالموت ، وكان قتله فى أول رجب سنة ١٢٦٥ ه‍.

٣٣

المبحث الثانى

مؤتمر بدشت

لما كان الباب معتقلا فى قلعة" ماكو" قرر أتباعه أن يعقدوا مؤتمرا فى صحراء" بدشت" القريبة منه وهى واقعة على نهر" شاهرود" بين خراسان ومازندران ، وكان من رءوس هذا الاجتماع حسين البشروئى المسمى" باب الباب" وملا محمد على البارفروشي المسمى عندهم بالقدوس و" قرة عين" بنت ملا صالح القزوينى ويلقبونها" الطاهرة" وميرزا حسين على المازندرانى الّذي عرف بعد ذلك بالبهاء وصاحب الدعوة البهائية ، والميرزا يحيى على ، أخوا الميرزا حسين على الملقب ب" صبح أزل".

يقول مؤرخ البهائية البهائى ميرزا عبد الحسين أواره فى كتابه" الكواكب الدرية فى تاريخ ظهور البابية والبهائية" : " لما تم اجتماع الأحباء فى بدشت شرعوا فى البحث ، وكانت مجالسهم منقسمة إلى طبقتين : الطبقة الأولى المجالس الخاصة ، وهى التى تعقد بكبراء الأصحاب وعظمائهم ، والطبقة الثانية المجالس العامة ، وهى التى تعقد بمن سواهم ، أما المجالس الخاصة فكانت المذاكرات التى تجرى بين خواص الأحياء وأكابرهم فيها تدور حول تغيير الفروع ، وتجديد الشريعة ، وبعد أن أقر الرأى العام على وجوب السعى فى تخليص حضرة الباب وإنقاذه ، قرر أيضا إرسال المبلغين إلى النواحي والأكناف ليحثّوا الأحباء على زيارة الحضرة (الباب) فى ماكو

٣٤

مستصحبين معهم من يتسنى استصحابه من ذوى قرباهم وودهم ، وأن يجعلوا مركز اجتماعهم ماكو ، حتى إذا تم منهم العدد الكافى طلبوا من الشاه الإفراج عن حضرة الباب ، فإذا لبى الشاه طلبهم فبها ونعمت ، وإلا أنقذوا الحضرة بصارم القوة وحدّ الاقتدار" (١).

ويقول آواره : " دار البحث حول الأحكام الفرعية من حيث التبديل وعدمه ، وتبين بعد المذاكرات الطويلة أن أكثرهم يعتقد بوجوب أن يكون الظهور اللاحق أعظم مرتبة وأعم دائرة من سابقه ، وأن يكون كل خلف أرقى وأكمل من سلفه ، فعلى هذا القياس يكون حضرة الباب أعظم مقاما وآثارا من جميع الأنبياء والذين خلوا من قبله ، ويثبت أن له الخيار المطلق فى تغيير الأحكام وتبديلها ، وذهب قلائل إلى عدم جواز التصرف فى الشريعة الإسلامية ، مستندين إلى أن حضرة الباب ليس إلا مروجا ومصلحا لأحكامها مما دخل عليها من البدعة والفساد .. وفى أخريات الأمر تدخل حضرة بهاء الله فى المسألة ، وأبرز من أساليب الحكم ، ولطائف الحزم ما هدأ به روع الجميع ، وذلك أنه طلب إحضار المصحف الشريف ، فأحضر إليه أمام الجمع كله ، ففتحه وتلا سورة الواقعة وأخذ فى تفسيرها وتأويلها وأفاض فى شرحها وبيانها أى بما يوافق اقتراح تغيير دين الإسلام ، وأن القرآن نفسه أشار إلى ذلك وأنبأ بوقوعه ، حتى اطمأنت قلوب الجميع وعلموا بأنه لا بد من وقوع هذه الواقعات وحدوث هذه الحادثات كلها" (٢)

__________________

(١) ميرزا عبد الحسين أواره ، " الكواكب الدرية فى تاريخ ظهور البابية والبهائية ، طبعة القاهرة ، ١٣٤٣ ه‍ ١٩٢٤ م ، ص ٢١٨ باختصار.

(٢) المرجع السابق ، ص ٢١٩ ـ ٢٢٣ باختصار.

٣٥

وفى النهاية يقول مؤرخ البابية : " وفى خاتمة المجلس تقرر تحرير هذه المسألة ورفعه إلى حضرة الباب فى ماكو والتماس إصدار الحكم الفاصل الجازم منه وفيها ، وهذا ما كان ، ومما علم فيما بعد وتبين أن خواص الأحباء كانوا على حق ، وأن رأى حضرة بهاء الله كان متفقا مع حكم حضرة الباب على وجوب تغيير الشريعة ، وأن القدوس وباب الباب والطاهرة كانوا أيضا قائمين على سواء السبيل وجادة اليقين فى إدراكهم وفهمهم (أسرار الأمر) .. اما الذين ضاقت صدورهم ، ولم تتسع لقبول هذا التجديد العظيم فإنهم قاموا بتشويش الأفكار وإفساد الناس على زمرة الأحباء ، ونجم عن ذلك ما نجم من إغارة عصابة من المسلمين عليهم واعتدائهم بالضرب والسلب وطردهم من الجهة ، فتفرق عند ذلك جمع الأحباء إلى ثلاث فرق ، ففرقة سارت بركاب حضرة بهاء الله متجهة إلى طهران ، وأخرى ذهبت مع القدوس والطاهرة إلى مازندران ، وثالثة تحت لواء باب الباب إلى خراسان ، ولكن الجميع أجمع العزم وعقد النية على تنفيذ ما تقرر فى هذا التجمع ولم الشعث فى ماكو ، والعمل على إنقاذ حضرة الباب (١).

وينقل الأستاذ إحسان إلهى ظهير فى كتابه المهم عن البابية نصوصا من مصادر البابيين أنفسهم مثل" مطالع الأنوار" و" نقطة الكاف" للبابى الميرزا جانى الكاشانى ، و" مفتاح باب الأبواب" و" الكواكب". تصور ما كان عليه البابيون فى صحراء بدشت من انحراف وفساد أخلاقى وانحلال شنيع فينقل عنهم ما ذكروه : " فنصبت الخيام فى تلك البداء الجملة ، الغناء ، المنعزلة

__________________

(١) المرجع السابق : ٢١٩ ـ ٢٢٣ باختصار.

٣٦

من العمائر وسكانها ، وصاروا يرتكبون الفواحش والفجور والفسوق ، ويعبثون بالنساء. وكانت الشابة الجميلة" قرة عين" تتوهج شبابا ونضرة وأنوثة ملتهبة عارمة ، والشاب الوسيم الجميل المتألق ، قوى البنية ، بعيد المنكبين ، المتدفق بالرجولة والحيوية والجمال محمد على البارفروشي القدوس محل الأنظار ، وموقع الأعين ، حيث لم يبلغ كلاهما الثلاثين من عمره ، كما كان من الجهة الثانية الميرزا حسين على (البهاء) يمتاز بترفه وغناه ، وباستضافته جميع الحاضرين ، علاوة على حسنه وشبابه ، وبأن كان آنذاك كما يقول مؤرخوه شابّا ذا شعر مرسل ، كشعر الأوانس".

وحتى الميرزا جانى الكاشانى المؤلف لكتاب" نقطة الكاف" ألمح بأشياء منها ، قوله : إن قرة عين لما فرت من قزوين بعد مقتل عمها إلى خراسان ، ووصلت إلى شاهرود" (١) ، ففى نفس الوقت وصل جناب الحاج محمد على القدوس من مشهد ، وصارا مصداق ، و" جمع الشمس والقمر" ؛ لذلك لما اقترن سماء المشيئة القدوس ، بأرض الإرادة قرة عين ظهر أسرار التوحيد وسر العبادة ، وارتفع الحجاب عن وجه المعشوق المقصود ، وأعطيا كئوسا من جوهر الخمر لذة للشاربين ، حتى فقدت الجماعة شعورها من وفور السرور والنشوان ، وتغنوا بألحان بديعة ، وظهر معنى" هتك الستر لغلبة السر" ، وتجاوبت أصواتهم الفرحة المسرورة ببصائر السماوات السبعة" (٢).

__________________

(١) شاهرود : يوجد نهر شاهرود فى طبرستان وكان على شاهرود أكبر قلاع الإسماعيلية (الحشاشين) نسترنج ، كى ، بلدان الخلافة الشرقية ، ص ٢٥٥ ، ص ٤١٥.

(٢) إحسان إلهى ظهير : البابية ، ص ٧٦ وما بعدها.

٣٧

وذهبت قرة عين مع الشاب القدوس إلى مازندران" (١) ودخلت معه فى قرية" هزار جريب" (٢) فى حمام واحد للاستحمام ، ولما سمع أهل القرية ما هم عليه من الفجور العلنى ، وعدم العفة والحياء ، والجهر باقتراف الكبائر ، هجموا عليهم جماعات ووحدانا ، فقتلوا البعض وفرقوا جمعهم ، كما افترقت هذه المومسة أيضا من عشيقها وزميلها فى الخلوة والجلوة" (٣).

ولكى نتعرف على حقيقة هذه المرأة التى لعبت دورا خطيرا فى تطور البابية وانتشارها أذكر نصّا من خطبها فى مؤتمر بدشت التى أعلنت من خلاله أنه لا بد من نسخ الشريعة الإسلامية وإلغاء شعائر الإسلام من صلاة وصوم وزكاة وسائر التكاليف الإسلامية ، ودعت من خلاله إلى خلع الحجاب عن المرأة والتحرر من التقاليد البالية ، والدعوة إلى الزنا باعتبار أن المرأة كالزهرة لا بد من قطفها وشمها بالكيف والكم معا.

تقول فى خطبة لها فى المؤتمر : " اعلموا أيها الأحباب والأخيار ، اعلموا أن أحكام الشريعة المحمدية قد نسخت الآن بظهور الباب ، وأن أحكام الشريعة الجديدة البابية تصل إلينا ، وأن اشتغالكم بالصوم والصلاة والزكاة وسائر ما أتى به محمد ، كله عمل لغو ، وفعل باطل ، ولا يعمل بها الآن إلا كل غافل وجاهل ، إن مولانا الباب سيفتح البلاد ويسخر العباد ،

__________________

(١) مازندران : هى طبرستان ، وهى إحدى أجزاء خراسان وطبرستان يتألف معظمها مما يعرف اليوم بجبال البرز هو الاسم الحالى لسلسلة الجبال العظيمة الفاصلة بين هضبة بلاد فارس والأراضى الخفيضة على ساحل بحر قزوين. لسترنج ، كى ، بلدان الخلافة الشرقية ، ترجمة بشير فرنسيس وكوركيس عواد ، طبعة مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ١٤٠٥ ه‍ ١٩٨٥ ، ص ٤٠٩.

(٢) هزار جريب : لعلها مدينة هزار ، وتسمى آزار سابور ، وتسمى أيضا نيسابور ، وهى أول مرحلة بريد فى الطريق الذاهب من شيراز إلى" ما بين" وفى الطريق الجبلى من شيراز إلى أصفهان. المرجع السابق ، ص ٣١٦.

(٣) د. عبد المنعم النمر : البابية والبهائية تاريخ ووثائق ، ص ٥٦.

٣٨

وستخضع له الأقاليم السبعة المسكونة ، وسيوحد الأديان الموجودة على وجه البسيطة ، حتى لا يبقى إلا دين واحد ، هو دينه الحق .. الحق الأول ، لا أمر اليوم ولا تكليف ، ولا نهى ولا تعنيف ، مزقوا الحجاب بينكم وبين نسائكم ، وأخرجوهن من الخلوة إلى الجلوة ، فما هى إلا زهرة الحياة الدنيا ، وإن الزهرة لا بد من قطفها وشمها ، شموها بالكيف والكم ، فالزهرة تجنى وتقطف وللأحباب تهدى وتتحف" (١).

وتقول أيضا فى هذه الخطبة : " مزقوا هذا الحجاب الّذي بينكم وبين النساء ، وفكوا عنكم هذه القيود الشنعاء ، وشاركوهم فى الأفعال والأقوال ولا تمنعوهن الحق من مشاركة الرجال ، وأخرجوهم من الخلوة إلى الجلوة ، وواصلوهن بعد تلك الجفوة والسلوة ، فما هن إلا رياحين خلقن للشم ، وتصاوير جعلن للثم والضم ، ولا بد من قطف الريحانة وشمها ، ولثم صورة الحبيب وضمها ، دون أن يحدد عدد الشام أو يكيف كم اللاثم والضام ، فالريحانة تجنى وتقطف وصورة الحبيب تهدى وتتحف ، أما المال فمشاع غير مقسوم ، فيه حق للسائل والمحروم ، جعل للناس سواء بسواء. لا للأغنياء دون الفقراء ، فادفعوا الفاقة عنكم بهذا الذهب ، وشاركوا بعضكم بعضا فى المال والنسب ، وساووا فى ذلك بين فقيركم وغنيكم ، ولا تردوا من يطلب التمتع بحلائلكم أو بناتكم فلا نهى اليوم ولا أمر ، ولا تكليف ولا حد ولا زجر ، فخذوا حظكم من هذه الحياة ، فلا شيء بعد الممات" (٢).

__________________

(١) د. عبد المنعم النمر : البابية والبهائية تاريخ ووثائق ، ص ٥٧.

(٢) محمد فاضل : الحراب فى صدر البهاء والباب ، ص ١٩٤ ، ١٩٥.

٣٩

أعتقد أن كلام" قرة عين" ينبئ عن فكرها وهدفها الخبيث وهو محاولة تحطيم الأخلاق الإسلامية ، ونشر الرذيلة فى المجتمعات الإسلامية ، وتحطيم عقائد الإسلام ومباديه ، وإن شعائر الإسلام فى رأيها لا تناسب روح العصر لأنه فى معتقدها عبارة عن قيود لا بد من التحرر منها فلا داعى للصلاة ولا الصيام ، ولا الزكاة ، ولا أى شعيرة من شعائر الإسلام ؛ لأنها تريد أن تهدم قواعده ، وفى رأيها أن الّذي يفعل ذلك الآن مجموعة من المغفلين الجهلة المتأخرين ، بل تعلنها صريحة أن أحكام الشريعة الإسلامية قد نسخت بظهور الباب.

وتدعو إلى التحرر من الحجاب والثياب فتقول : مزقوا الحجاب بينكم وبين نسائكم. وتقول للرجال وتقصد المرأة لا بد من قطفها وشمها ، شموها بالكيف والكم فخذوا من هذه الحياة ، فلا شيء بعد الممات.

ولنا أن نتصور الآن كم كانت البابية دعوة إلى الفجور الصارخ ؛ ولهذا استطاع الباب أن يجمع حوله كل ساقط ومنحرف ، وكل من يريد أن يتحلل عن قواعد الإسلام بدعوى انتهاء زمن التكاليف فقد تم رفع التكاليف فى رأيها.

والمهم عندنا أن هذه المرأة اتضح لنا دورها الخطير فى الدعوة إلى نسخ الشريعة الإسلامية والتحلل من كل روابط الإسلام وقيوده الأخلاقية ، وصدق الأستاذ إلهى ظهير ـ رحمه‌الله ـ حين قال : " إن المؤرخين قاطبة اتفقوا على أن أول من اقترح نسخ البابية لشريعة الإسلام ورفع أحكامها" قرة عين" (١).

__________________

(١) إحسان إلهى ظهير : البابية ، ص ٢٥١.

٤٠