شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي
المحقق: الدكتور عمر عبدالسلام تدمري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٢١
قال ابن إسحاق : فقال حسّان بن ثابت يحرّض بني أبي البراء على عامر [بن] الطّفيل :
بني أمّ البنين ألم يرعكم |
|
وأنتم من ذوائب أهل نجد |
تهكّم عامر بأبي براء |
|
ليخفره ، وما خطأ كعمد |
ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي |
|
فما أحدثت في الحدثان بعدي |
أبوك أبو الحروب أبو براء |
|
وخالك ماجد حكم بن سعد (١) |
__________________
(١) ديوانه : ص ١٠٧ باختلاف في بعض الألفاظ وفي ترتيب الأبيات ، وانظر : سيرة ابن هشام ٣ / ٢٣٢ ، وتاريخ الطبري ٢ / ٥٤٨.
ذكر الخلاف في غزوة بني النّضير
وقد تقدّمت في سنة ثلاث
ذهب الزّهري إلى أنّها كانت قبل أحد. وقال غير واحد : كانت بعد أحد ، وبعد بئر معونة.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أنا الحسن بن عليّ بن الحسين بن البنّ ، أنا جدّي ، أنا أبو القاسم المصّيصي ، أنا عبد الرحمن بن أبي نصر ، أنا عليّ بن أبي العقب ، أنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا محمد بن عائذ ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن عبد الله بن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في نفر من أصحابه إلى بني النّضير يستعينهم في عقل (١) الكلابيّين. قالوا : اجلس أبا القاسم ، حتى تطعم وترجع بحاجتك. ثم ساق الحديث كلّه وتقدّم ذكره.
وقال الواقدي : حدّثني إبراهيم بن جعفر ، عن أبيه قال : لما خرجت بنو النّضير أقبل عمرو بن سعدى فأطاف بمنازلهم ، فرأى خرابها ، وفكّر ثم
__________________
(١) العقل : الدّية.
رجع إلى قريظة فيجدهم في الكنيسة فينفخ في بوقهم ، فاجتمعوا. فقال الزّبير بن باطا : يا أبا سعيد أين كنت منذ اليوم ، وكان لا يفارق الكنيسة وكان يتألّه في اليهودية ، قال : رأيت اليوم عبرا قد عبرنا بها ، رأيت منازل إخواننا خالية بعد ذلك العزّ والجلد والشّرف الفاضل والعقل البارع ، قد تركوا أموالهم وملكها غيرهم وخرجوا خروج ذلّ. ولا والتّوراة ما سلّط هذا على قوم قطّ لله (١) بهم حاجة. فقد أوقع قبل ذلك بابن الأشرف ذي عزّهم؟ بيته في بيته آمنا ، وأوقع بابن سنينة سيّدهم ، وأوقع ببني (٢) قينقاع فأجلاهم وهم جدّ يهود ، وكانوا أهل عدّة وسلاح ونجدة ، وحصرهم فلم يخرج إنسان منهم رأسه حتى سباهم ، وكلّم فيهم فتركهم على أن أجلاهم من يثرب ، يا قوم قد رأيتم ما رأيت فأطيعوني وتعالوا نتّبع محمدا ، فو الله إنّكم لتعلمون أنّه نبيّ ، وقد بشّرنا به وبأمره ابن التّيهان وابن الحواس (٣) ، وهما أعلم يهود ، جاءانا من بيت المقدس يتوكّفان (٤) قدومه ، أمرانا باتّباعه ، وأمرانا أن نقرئه منهما السلام ، ثم ماتا على دينهما ، فأسلكت القوم ، فأعاد هذا القول ونحوه ، وتخوّفهم بالحرب والسّباء والجلاء. فقال ابن باطا : والله لقد قرأت في التوراة (٥) صفته التي أنزلت على موسى ، ليس في المثاني التي أحدثنا. فقال له كعب بن أسد : ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتّباعه؟ قال : أنت ، قال كعب : ولم ، التّوراة ما حالت (٦) بينك وبينه قطّ ، قال الزّبير : أنت صاحب عهدنا وعقدنا فإن اتّبعته اتّبعناه وإن أبيت أبينا. فأقبل عمرو بن
__________________
(١) في ع : (الله). والتصحيح من ابن الملّا.
(٢) في ع : (بني) والتصحيح من ابن الملّا.
(٣) في ع : ابن الهيبان وابن جواس ، والتصحيح من ابن الملّا.
(٤) يتوكف الخبر : يتوقعه ويتسقّطه.
(٥) نصّ عبارة ع : قال ابن باطا : قرءوا التوراة قرأت صفته. وهي مضطربة وصحّحناها من ابن الملا.
(٦) في ع : حلت ، ولعلّ الوجه ما أثبتناه.
سعدى على كعب فذكر ما تقاولا ، في ذلك ، إلى أن قال كعب : ما عندي في أمره إلّا ما قلت ، ما تطيب نفسي أن أصير تابعا.
وقال ابن إسحاق : كانت غزوة بني النّضير في ربيع الأول سنة أربع. وحاصرهم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ستّ ليال (١).
قال : ونزل تحريم الخمر (٢).
* * *
غزوة بني لحيان
قال ابن إسحاق (٣) : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في جمادى الأولى ، على رأس ستّة أشهر من صلح (٤) بني قريظة إلى بني لحيان بطلب بأصحاب الرّجيع : خبيب وأصحابه ، وأظهر أنّه يريد الشام ليصيب من القوم غرّة.
وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن حزم ، وغيره قالوا : لما أصيب خبيب وأصحابه خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم طلبا لدمائهم ليصيب من بني لحيان غرّة ، فسلك طريق الشّام وورى على النّاس أنّه لا يريد بني لحيان ، حتى نزل أرضهم ـ وهم من هذيل ـ فوجدهم (٥) قد حذروا فتمنّعوا في رءوس الجبال. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لو أنّا هبطنا عسفان لرأت قريش أنّا قد جئنا مكة. فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مائتي راكب حتى نزل
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٠.
(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٠.
(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٩٧.
(٤) في ع : صالح. والتصحيح من ابن الملّا.
(٥) في ع : فوجدوهم ، والتصحيح من ابن الملّا.
عسفان ، ثم بعث فارسين حتى نزلا كراع الغميم (١) ثم انصرفا إليه (٢).
فذكر أبو عيّاش الزّرقيّ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلّى بعسفان صلاة الخوف.
وقال بعض أهل المغازي إنّ غزوة بني لحيان كانت بعد قريظة.
* * *
غزوة ذات الرّقاع (٣)
قال ابن إسحاق (٤) : إنّها في جمادى الأولى سنة أربع ، وهي غزوة خصفة من بني ثعلبة من غطفان.
وقال محمد بن إسماعيل (٥) رحمهالله : كانت بعد خيبر ، لأنّ أبا موسى جاء بعد خيبر ، يعني وشهدها. قال : وإنّما جاء أبو هريرة فأسلم أيام خيبر.
وقال ابن إسحاق (٦) : في هذه الغزوة سار رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى نزل نخلا (٧) ، فلقي بها جمعا من غطفان ، فتقارب النّاس ولم يكن بينهم حرب.
__________________
(١) كراع الغميم : واد بعد عسفان بثمانية أميال ، وقيل فيما بين عسفان ومرّ الظّهران ، والكراع جبل أسود في طرف الحرّة يمتدّ إليه (معجم البلدان ٤ / ٤٤٣ ، ووفاء ألوفا : ٣٥٤).
(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٩٧.
(٣) قيل سمّيت بذلك لأنّ أقدامهم نقبت «رقّت جلودها» فكانوا يلفّون عليها الخرق وقيل بل سمّيت بذلك لأنهم رقّعوا راياتهم فيها ، ويقال : ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع. (انظر الدرر في المغازي والسير لابن عبد البر ١٧٦ ، وصحيح البخاري ، باب غزوة ذات الرقاع).
(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٦.
(٥) صحيح البخاري ٥ / ٥١ باب غزوة ذات الرقاع.
(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٦.
(٧) في ع : النخلة ، والتصحيح من البخاري وابن هشام وياقوت حيث قال في نخل : منزل في منازل بني ثعلبة من المدينة على مرحلتين ، وقيل موضع بنجد من أرض غطفان مذكور في غزوة ذات الرقاع (معجم البلدان ٥ / ٢٧٦).
وقد خاف النّاس بعضهم بعضا ، حتى صلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأصحابه صلاة الخوف. ثم انصرف بالنّاس.
وقال الواقدي : إنّما سمّيت ذات الرّقاع لأنّها (١) قبل جبل كان فيه بقع حمرة وسواد وبياض ، فسمّي ذات الرّقاع.
قال : وخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعشر خلون من المحرّم ، على رأس سبعة وأربعين شهرا ، [و] قدم صرارا (٢) لخمس بقين من المحرّم. وذات الرّقاع قريبة من النّخيل بين السعد والشقرة (٣).
قال الواقدي : فحدّثني الضّحّاك بن عثمان ، عن عبيد الله بن مقسم ، عن جابر ، وحدّثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن جابر ، قال. وعن مالك ، وغيره ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر قال : قدم قادم بجلب (٤) له ، فاشترى بسوق النّبط (٥) ، وقالوا : من أين جلبك؟ قال : جئت به من نجد ، وقد رأيت أنمارا وثعلبة (٦) قد جمعوا لكم جموعا ، وأراكم هادين عنهم. فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قوله. فخرج في أربعمائة من أصحابه ـ
__________________
(١) في ع : لأنّه. ولعلّ الوجه ما أثبتناه.
(٢) صرار : موضع ، وقيل ماء ، وقيل بئر قديمة على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق (معجم البلدان ٣ / ٣٩٨).
(٣) النّخيل : بصيغة التصغير ، منزل في طريق فيد به مياه وسوق قرية الكديد وهو معروف اليوم بقرب الكديد فوق الشقرة ، والسعد : موضع بقرب المدينة شرقيّ النّخيل ، وقيل جبل بينه وبين الكديد ثلاثون ميلا على جادّة طريق كان يسلك من فيد إلى المدينة. والشقرة : موضع بطريق فيد بين جمال حمر على نحو ثمانية عشر ميلا من النخيل ، ولا تزال معروفة (من تعليقات العلامة الشيخ حمد الجاسر على هامش المغانم المطابة). وانظر : معجم البلدان ٣ / ٢٢.
(٤) الجلب : ما يجلب من الخيل والإبل والمتاع ونحوه.
(٥) النبط : هم الأنباط ، قوم كانوا ببلاد الشام من الآراميّين.
(٦) أنمار وثعلبة : هما على الأرجح أنمار بن عمرو «ويروى : أنمار بن بغيض» وثعلبة بن قيس ، بطنان من العرب من غطفان من العدنانية ، انظر : أنساب الأشراف (١ / ٣٤٠) والاشتقاق لابن دريد (٢٧٧) ومعجم قبائل العرب لكحالة (١ / ٤٧ و ١٤٤).
وقيل سبعمائة ـ وسلك على المضيق (١) ، ثم أفضى إلى وادي الشّقرة ، فأقام بها يوما ، وبثّ السّرايا ، فرجعوا إليه مع اللّيل وأخبروه أنّهم لم يروا أحدا ، وقد وطئوا آثارا حديثة.
ثم سار النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، حتى أتى محالّهم ، فإذا ليس فيها أحد ، وهربوا إلى الجبال ، فهم مطلّون على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وخاف النّاس بعضهم بعضا.
وفيها صلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأصحابه صلاة الخوف.
وقال عبد الملك بن هشام (٢) : وإنّما قيل لها ذات الرّقاع لأنّهم رقّعوا فيها راياتهم. قال : ويقال ذات الرّقاع شجرة هناك. والظاهر أنّهما غزوتان.
وقال شعيب ، عن الزّهري ، حدّثني سنان الدّؤلي ، وأبو سلمة ، عن جابر أنّه غزا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل نجد ، فلما قفل قفل معه ، فأدركته القائلة في واد كثير العضاة (٣) ، فنزل وتفرّق النّاس في العضاة يستظلّون بالشجر. وقال : هو تحت شجرة فعلق بها سيفه. فنمنا نومة ، فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدعونا فأجبناه ، فإذا عنده أعرابيّ جالس ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّ هذا اخترط سيفي وأنا نائم ، فاستيقظت وهو في يده صلتا ، فقال : من يمنعك منّي؟ قلت : الله. فشام (٤) السيف وجلس. فلم يعاقبه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد فعل ذلك. متّفق عليه (٥).
__________________
(١) المضيق : قرية كبيرة في لحف جبل آرة قريبة من الفرع.
(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٦.
(٣) العضاة : أعظم الشجر أو كلّ شجرة ذات شوك.
(٤) شام السيف : أغمده.
(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة ذات الرّقاع. وكتاب الجهاد والسير ، باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة ، وباب تفريق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر.
قال أبو عوانة ، عن أبي بشر : اسم الأعرابي «غورث بن الحارث».
ثم روى أبو بشر ، عن سليمان بن قيس ، عن جابر قال : قاتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم محارب خصفة بنخل ، فرأوا من المسلمين غرّة ، فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث ، حتى قام على رأس رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالسيف فقال : من يمنعك منّي؟ قال : الله. فسقط السيف من يده ، فأخذه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : من يمنعك منّي؟ قال : كن خير آخذ. قال : تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ، قال : لا ، ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك ، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلّى سبيله. فأتى أصحابه وقال : جئتكم من عند خير النّاس.
ثم ذكر صلاة الخوف ، وأنّه صلّى بكلّ طائفة ركعتين. وهذا حديث صحيح إن شاء الله (١).
وقال البكّائي ، عن ابن إسحاق (٢) ، حدّثني وهب بن كيسان ، عن جابر بن عبد الله قال : خرجت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى غزوة ذات الرّقاع من نخل على جمل لي ضعيف ، فلما قفل رسول الله صلىاللهعليهوسلم جعلت الرفاق تمضي ، وجعلت أتخلّف ، حتى أدركني رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : مالك يا جابر؟ قلت : يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا. قال : أنخه. وساق قصّة الجمل.
* * *
غزوة بدر الموعد
قال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، وروى عن عروة : (٣) أنّ رسول
__________________
(١) المسند للإمام أحمد : ٣ / ٣٩٠.
(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٧.
(٣) المغازي لعروة ١٨٣.
الله صلىاللهعليهوسلم استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدرا. وكان صلىاللهعليهوسلم أهلا للصّدق والوفاء ، فاحتمل الشيطان أولياء من النّاس ، فمشوا في النّاس يخوّفونهم وقالوا : أخبرنا أن قد جمعوا لكم مثل الليل من النّاس ، يرجون أن يوافقوكم فينتهوا بكم ، فالحذر لا تغدوا. فعصم الله المسلمين من تخويف الشيطان فاستجابوا الله ولرسوله وخرجوا ببضائع لهم ، وقالوا : إن لقينا أبا سفيان فهو الّذي خرجنا له ، وإن لم نلقه ابتعنا ببضائعنا. وكان بدر متّجرا يوافي كل عام. فانطلقوا حتى أتوا موسم بدر ، فقضوا منه حاجتهم ، وأخلف أبو سفيان الموعد ، فلم يخرج هو ولا أصحابه.
وأقبل رجل من بني ضمرة ، بينه وبين المسلمين حلف فقال : والله إن كنّا قد أخبرنا أنّه لم يبق منكم أحد ، فما أعملكم إلى أهل هذا الموسم؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو يريد أن يبلغ ذلك عدوّه من قريش : إعمالنا إليه موعد أبي سفيان وأصحابه وقتالهم ، وإن شئت مع ذلك نبذنا إليك وإلى قومك حلفهم ثم جالدناكم. فقال الضّمري (١) : معاذ الله.
قال : وذكروا أنّ ابن الحمام قدم على قريش فقال : هذا محمد وأصحابه ينتظرونكم لموعدكم. فقال أبو سفيان : قد والله صدق. فنفروا وجمعوا الأموال ، فمن نشط منهم قوّره (٢) ، ولم يقبل من أحد منهم دون أوقيّة. ثم سار حتى أقام بمجنّة (٣) من عسفان ما شاء الله أن يقيم ، ثم ائتمر هو وأصحابه فقال أبو سفيان : ما يصلحكم إلّا خصب ترعون فيه السّمر
__________________
(١) في ع : الضميري ، والصّواب ما أثبتناه ، وفي سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٩ أنه مخشيّ بن عمرو الضّميري.
(٢) قوّره : كذا في ع ، ولم أهتد إلى الوجه فيها. وفي التاج : قار القانص الصّيد يقوّره أي ختله ، ولعلّها هنا بهذا المعنى.
(٣) مجنّة : سوق بأسفل مكة على بريد منها ، وهي لكنانة وأرضها من أرضها (أخبار مكة ١ / ١٣١) وانظر : معجم البلدان ٥ / ٥٨.
وتشربون من اللّبن ، ثم رجع إلى مكة ، وانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة بنعمة من الله وفضل ، وكانت تلك الغزوة تدعى غزوة جيش السّويق. وكانت في شعبان سنة أربع (١).
وقال الواقديّ : كانت بدر الموعد ، وتسمّى بدر الصّغرى ، لهلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهرا من مهاجره عليه الصّلاة والسّلام ، وأنّه خرج في ألف وخمسمائة من أصحابه ، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة ، وكان موسى بدر يجتمع فيه العرب لهلال ذي القعدة إلى ثامنه. فأقام بها المسلمون ثمانية أيّام وباعوا بضائعهم ، فربح الدرهم درهما. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل.
* * *
غزوة الخندق
قال موسى بن عقبة : كانت في شوّال سنة أربع. وقال ابن إسحاق : كانت في شوّال سنة خمس (٢). فالله أعلم.
ويقوّي الأوّل قول ابن عمر إنّه عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة ، فلم يجزه (٣) النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه. ولكنّ هذه التقوية مردودة بما سنذكره في سنة خمس.
* * *
وفيها توفّي عبد الله بن رقيّة بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأبوه عثمان رضياللهعنه عن ستّ سنين. ونزل أبوه في حفرته (٤).
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٨ ، عيون الأثر ٢ / ٥٣ ، ٥٤.
(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٥٨.
(٣) في الأصل : يجده والوجه ما أثبتناه.
(٤) تاريخ الطبري ٢ / ٥٥٥.
وفيها في شعبان (٤١ ب) ولد (١) الحسين بن عليّ رضياللهعنهما (٢).
وفيها قتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح (٣) وأصحابه. وقد ذكروا. وكنية عاصم : أبو سليمان ، واسم جدّه : الأقلح قيس بن عصمة بن بني عمرو بن عوف. ومن ذريّته الأحوص الشاعر ابن عبد الله بن محمد بن عاصم بن ثابت.
وكان عاصم من الرّماة المذكورين ، ثبت يوم أحد وقتل غير واحد ، وشهد بدرا.
وقتل يوم بئر معونة من الصّحابة : عامر بن فهيرة (٤) مولى الصّدّيق ، وكان من سادة المهاجرين.
ومن قريش : الحكم بن كيسان المخزومي (٥) ، ونافع بن بديل بن ورقاء السهمي (٦).
وقتل يومئذ من الأنصار : الحارث بن الصّمّة (٧) بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول أبو سعد.
فعن محمد بن إبراهيم التّيمي ، أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم آخى بين الحارث بن الصّمّة وصهيب. وقال الواقدي : شهد الحارث أحدا ، وثبت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبايعه على الموت ، وقتل عثمان بن عبد الله بن المغيرة. وعن المسور
__________________
(١) من أول قوله : «ولد الحسين ..» نرجع إلى نسخة الأصل بعد انتهاء السقط الّذي أشرنا إليه.
(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٥٥٥.
(٣) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٦٢.
(٤) المغازي لعروة ١٨٢ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٢٣٠.
(٥) المغازي لعروة ١٨٢.
(٦) في سيرة ابن هشام ٣ / ٢٣٢ «الخزاعي».
(٧) المغازي لعروة ١٨٢.
ابن رفاعة أنّ الحارث خرج مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بدر ، فكسر بالرّوحاء ، فردّه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة وضرب له بسهمه وآجره. قال ابن سعد (١) : وله ذرّيّة بالمدينة وبغداد.
حرام بن ملحان (٢) : واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عديّ بن النّجّار ، شهد بدرا ، وهو أخو أمّ سليم. قال لما طعن يوم بئر معونة : فزت وربّ الكعبة. رضياللهعنه.
عطيّة بن عمرو ، من بني دينار. وهذا لم أره في الصّحابة لابن الأثير (٣).
المنذر بن عمرو (٤) بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ودّ السّاعديّ ، أحد النّقباء ليلة العقبة. شهد بدرا وأحدا. وخنيس هو المعروف بالمعنق ليموت.
أنس بن معاوية بن أنس ، أحد بني النّجّار.
أبو شيخ (٥) بن ثابت بن المنذر ، سهل بن عامر بن سعد ، من بني النّجّار كلاهما.
معاذ بن مناعص (٦) الزّرقيّ ، بدري ، عروة بن الصّلت السّلمى حليف الأنصار.
__________________
(١) الطبقات الكبرى ٣ / ٥٠٨.
(٢) الطبقات الكبرى ٣ / ٥١٤.
(٣) الإشارة هنا إلى كتاب «أسد الغابة في معرفة الصحابة» لأبي الحسن علي بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير ، ولم يترجم فيه لعطية بن عمرو الديناري هذا. وانظر ترجمة موجزة له في الإصابة (٢ / ٤٨٥).
(٤) الطبقات الكبرى ٣ / ٥٥٥.
(٥) الطبقات الكبرى ٣ / ٥٠٤.
(٦) في طبعة القدسي ٢٢٩ «ناعص» والتصحيح من الطبقات الكبرى ٣ / ٥٩٥.
مالك بن ثابت ، وأخوه : سفيان ، كلاهما من بني النبيت.
فهؤلاء الذين حفظت أسماؤهم من الشّهداء السبعين الذين صحّ أنّه نزل فيهم (بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) ثم نسخت.
وقيل : بل كانوا اثنين وعشرين راكبا. ولعلّ الراويّ عدّ الركاب دون الرّجّالة.
أخبرنا إسماعيل بن أبي عمرو ، أنا ابن البنّ ، أنا جدّي ، أنا ابن أبي العلاء ، أنا ابن أبي نصر ، أنا ابن أبي العقب ، أنا أحمد بن البسري ، ثنا محمد بن عائذ ، أخبرني حجوة بن مدرك الغسّاني ، عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس رضياللهعنهما قال : بعث عامر ابن مالك ملاعب الأسنّة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ابعث إليّ رهطا ممّن معك يبلّغوني عنك وهم في جواري. فأرسل إليه المنذر بن عمرو في اثنين وعشرين راكبا ، فلما أتوا أدنى أرض بني عامر بعث أربعة ممّن بعث إلى بعض مياههم ، أو قال إلى بعضهم. قال : وسمع عامر بن الطّفيل فأتاهم فقاتلهم فقتلهم قال : [٤٢ أ] ورجع الأربعة رهط الذين كان وجّه بهم المنذر ، فلما دنوا إذا هم بنسور تحوم ، قالوا : إنّا لنرى نسورا تحوم ، وإنّا نرى أصحابنا قد قتلوا. فلما أتوهم قال رجلان منهم : لا نطلب الشهادة بعد اليوم ، فقاتلا حتى قتلا. ورجع الرّجلان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلقيا رجلين من بني عامر فسألاهما من هما فأخبراهما فقتلاهما وأخذا ما معهما. وأتيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبراه خبر أصحابهم وخبر الرجلين العاميين ، وأتياه بما أصابها لهما. فعرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم حلّتين كان كساهما فقال : قد كانا منّا في عهد. فوادهما إلى قومهما دية الحرّين المسلمين.
وقال حسّان (١) بعد موت عامر بن مالك يحرّض ابنه ربيعة :
__________________
(١) ديوانه ١٠٧.
بني أمّ البنين ألم يرعكم * الأبيات
فقال ربيعة : هل يرضى منّي حسّان طعنة أطعنها عامرا؟ قيل : نعم فشدّ عليه فطعنه فعاش منها.
* * *
وفيها توفّيت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة (١) بن الحارث بن عبد الله ابن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة القيسيّة الهوازنيّة العامريّة الهلالية رضياللهعنها ، وكانت تسمّى أمّ المساكين لإحسانها إليهم ، تزوّجت أوّلا بالطّفيل بن الحارث بن المطّلب بن عبد مناف ، ثم طلّقها فتزوّجها أخوه عبيدة بن الحارث ، فاستشهد يوم بدر ، ثم تزوّجها رسول الله صلىاللهعليهوسلم في رمضان سنة ثلاث ، ومكثت عنده على الصّحيح ثمانية أشهر ، وقيل كانت وفاتها في آخر ربيع الآخر ، وصلّى عليها النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ودفنها بالبقيع ، ولها نحو ثلاثين سنة رضياللهعنها.
* * *
وفيها تزوّج النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أمّ سلمة أمّ المؤمنين هند بنت أبي أميّة (٢) ـ واسمه حذيفة ، وقيل سهيل ، ويدعى زاد الراكب ، ابن المغيرة بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم ـ القرشيّة المخزومية ، وكانت قبله عند ابن عمة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وأمّه برّة بنت عبد المطّلب ، وهاجر بها إلى الحبشة فولدت له هناك زينب ، وولدت له سلمة وعمر ودرّة ، وكان أخا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم من الرضاعة ، أرضعتهما وحمزة ثويبة مولاة أبي لهب ، ويقال إنّه كان أسلم بعد عشرة أنفس ، وكان أوّل من هاجر إلى الحبشة ، ثم كان أوّل من هاجر إلى المدينة ، ولما عبر إلى الله كان الّذي أغمضه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم دعا له ، وكان قد جرح بأحد
__________________
(١) الطبقات الكبرى ٨ / ١١٥ تسمية أزواج النبيّ وأولاده لابن المثنّى ٦٩.
(٢) تسمية أزواج النبيّ وأولاده ٥٦ ، الطبقات الكبرى ٨ / ٨٦.
جرحا ، ثم انتفض عليه ، فمات منه في جمادى الآخرة سنة أربع. فلما توفّي تزوّجها النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، حين حلّت في شوّال ، وكانت من أجمل النّساء ، وهي آخر نسائه وفاة.
ثم تزوّج بعدها بأيام يسيرة ، بنت عمّته أمّ الحكم ، زينب بنت جحش (١) بن رئاب الأسدي ، وكان اسمها برّة فسمّاها زينب. وكانت هي وإخوتها من المهاجرين ، وأمّهم أميمة بنت عبد المطّلب ، وهي التي نزلت هذه الآية فيها : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) (٢). وكانت تفخر على نساء النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وتقول : زوّجكنّ أهاليكنّ وزوّجني الله من السّماء.
وفيها نزلت آية الحجاب (٣). وتزوّجها وهي بنت خمس وثلاثين سنة.
وفي هذه السنة رجم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم اليهوديّ واليهوديّة اللّذين زنيا.
وفيها توفّيت أمّ سعد بن عبادة (٤) ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم غائب في بعض مغازيه ، ومعه ابنها سعد ، قال قتادة ، عن سعيد بن المسيّب ، إن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم صلّى على قبر أمّ سعد بعد أشهر ، والله أعلم.
* * *
__________________
(١) تسمية أزواج النبي وأولاده ٦١ ، الطبقات الكبرى ٨ / ١٠١.
(٢) سورة الأحزاب الآية ٣٧.
(٣) هي قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) سورة الأحزاب : الآية ٥٣.
(٤) الطبقات الكبرى ٣ / ٦١٤ و ٨ / ٣٣٨ ، أسد الغابة ٥ / ٥٨٧ ، الإصابة ٤ / ٣٦٧ رقم ٧٤٧ ، الاستيعاب ٤ / ٣٦٢.
السّنة الخامسة
«غزوة ذات الرقاع»
خرج لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعشر خلون من المحرّم. قاله الواقدي (١) كما تقدّم. وقال ابن إسحاق (٢) : إنّها في جمادى الأولى سنة أربع.
غزوة دومة الجندل
وهي بضمّ الدّال
قيل سمّيت بدومى بن إسماعيل عليهالسلام ، لكونها كانت منزله (٣).
ودومة بالفتح موضع آخر.
وهذه الغزوة كانت في ربيع الأوّل.
ورجع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قبل أن يصل إليها ، ولم يلق كيدا (٤).
وقال المدائنيّ : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المحرّم ، يريد أكيدر دومة ،
__________________
(١) المغازي ١ / ٣٩٥ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٦١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٥٥.
(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٦.
(٣) الروض الأنف ٣ / ٢٧٦.
(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٥٨.
فهرب أكيدر ، وانصرف النّبيّ صلىاللهعليهوسلم.
وقال الواقديّ : حدّثني ابن أبي سبرة ، عن عبد الله بن أبي لبيد ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وحدّثني عبد الرحمن بن عبد العزيز ، عن عبد الله بن أبي بكر وغيرهما ، قالوا : أراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقرب إلى أدنى الشام ليرهب قيصر ، وذكر له أنّ بدومة الجندل جمعا عظيما يظلمون من مرّ بهم. وكان بها سوق وتجّار ، فخرج رسول الله بألف [من المسلمين ، فكان] (١) يسير اللّيل ويكمن النّهار ، ودليله مذكور العذريّ ، فنكب عن طريقهم ، فلما كان بينه وبين دومة يوم قوي (٢) ، قال له : يا رسول الله إن سوائمهم ترعى عندك ، فأقم حتى انظر. وسار مذكور حتّى وجد آثار النّعم ، فرجع وقد عرف مواضعهم ، فهجم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم على ماشيتهم ورعائهم فأصاب من أصاب ، وجاء الخبر إلى دومة فتفرّقوا ، ورجع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم.
وهي عن المدينة ستّة عشرة يوما ، وبينها وبين دمشق خمس ليال للمجدّ ، وبينها وبين الكوفة سبع ليال ، وهي أرض ذات نخل ، يزرعون الشّعير وغيره ، ويستقون (٣) على النّواضح ، وبها عين ماء.
* * *
غزوة المريسيع
وتسمّى غزوة بني المصطلق ، كانت في شعبان سنة خمس على الصحيح ، بل المجزوم به.
قال الواقدي (٤) : استخلف النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فيها على المدينة زيد بن حارثة.
__________________
(١) ما بين الحاصرتين عن المغازي للواقدي ١ / ٤٠٣.
(٢) في المغازي للواقدي ٤٠٣ «وبين دومة يوم أو ليلة ، سير الراكب المعنق» بدل «يوم قوي».
(٣) في الأصل : يسقون.
(٤) المغازي للواقدي ٤٠٤.
فحدّثني شعيب بن عبّاد عن المسور بن رفاعة قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سبعمائة.
وقال يونس بن بكير : قال ابن إسحاق (١) حدّثني محمد بن يحيى بن حبّان ، وعاصم بن عمر ، وعبد الله بن أبي بكر قالوا : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبلغه أنّ بني المصطلق (٢) يجمعون [٤٣ أ] له ، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية أمّ المؤمنين ، فسار النّبيّ صلىاللهعليهوسلم حتى نزل بالمريسيع (٣) ، ماء من مياههم ، فأعدّوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتزاحف النّاس فاقتتلوا ، فهزم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بني المصطلق وقتل من قتل منهم ونفّل نساءهم وأبناءهم وأموالهم ، وأقام عليهم من ناحية قديد (٤) والسّاحل.
وقال الواقدي (٥) عن معمر وغيره : أنّ بني المصطلق من خزاعة كانوا ينزلون ناحية الفرع ، وهم حلفاء بني مدلج ، وكان رأسهم الحارث بن أبي ضرار ، وكان قد سار في قومه ومن قدر عليه ، وابتاعوا خيلا وسلاحا ، وتهيّأ للمسير إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال الواقدي : وحدّثني سعيد بن عبد الله بن أبي الأبيض ، عن أبيه ،
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٦ تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٤.
(٢) بطن من خزاعة من القحطانية ، وهم بنو المصطلق واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة (معجم قبائل العرب ٣ / ١١٠٤).
(٣) المريسيع بالعين المهملة في أصحّ الروايات وأشهرها ، وضبط بالغين المعجمة ، وهو بناحية قديد إلى الساحل ، قاله ابن إسحاق ، وفي حديث للطبراني هو ماء لخزاعة بينه وبين الفرع نحو يوم ، وقال المجد : الفرع على ساعة من المريسيع (وفاء ألوفا ٢ / ٣٧٣ ومعجم ما استعجم ٤ / ١٢٢٠).
(٤) قديد : قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه ، وقيل موضع قرب مكة وقيل موضع بين الحرمين ، وقيل واد. (وفي تعليقات الشيخ حمد الجاسر على المغانم المطابة أنّ القرية لا تزال معروفة ولكنّها ضعيفة وتقع بين خليص وعسفان بقرب مكة).
(٥) المغازي ١ / ٤٠٨.
عن جدّته ، وهي مولاة جويرية ، [قالت] (١) سمعت جويرية تقول : أتانا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونحن على المريسيع ، فأسمع أبي يقول : أتانا مالا قبل لنا به ، قالت : وكنت أرى من النّاس والخيل والعدد ما لا أصف من الكثرة ، فلما أن أسلمت وتزوّجني رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورجعنا جعلت انظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى ، فعرفت أنّه رعب من الله. وكان رجل منهم قد أسلم يقول : لقد كنّا نرى رجالا بيضا على خيل بلق ، ما كنّا نراهم قبل ولا بعد.
قال الواقديّ (٢) : ونزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم الماء ، وضربت له قبّة من أدم ، ومعه عائشة وأمّ سلمة ، وصفّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أصحابه ، ثمّ أمر عمر فنادى فيهم : قولوا : لا إله إلّا الله ، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم ، ففعل عمر ، فأبوا. فكان أوّل من رمى رجل منهم بسهم ، فرمى المسلمون ساعة بالنّبل ، ثم إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر أصحابه أن يحملوا ، فحملوا ، فما أفلت منهم إنسان ، وقتل منهم عشرة وأسر سائرهم ، وقتل من المسلمين رجل واحد.
وقال ابن عون : كتبت إلى نافع أسأله عن الدّعاء قبل القتال ، فكتب إنّما كان ذلك في أول الإسلام ، قد أغار رسول الله صلىاللهعليهوسلم على بني المصطلق وهم غارّون ، وأنعامهم تسقى على الماء ، فقتل مقاتلهم وسبى سبيهم ، فأصاب يومئذ أحسبه قال : جويرية. وحدّثني ابن عمر بذلك ، وكان في ذلك الجيش. متّفق عليه (٣).
وقال إسماعيل بن جعفر ، عن ربيعة الرأي ، عن محمد بن يحيى بن حبّان ، عن ابن محيريز ، سمع أبا سعيد يقول : غزونا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بني
__________________
(١) إضافة من المغازي للواقدي ١ / ٤٠٨.
(٢) المغازي ١ / ٤٠٧.
(٣) صحيح مسلم (١٧٣٠) كتاب الجهاد والسير ، باب جواز الإغارة على الكفّار الذين بلغتهم دعوة الإسلام إلخ.