إعراب القراءات الشّواذ - ج ١

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

إعراب القراءات الشّواذ - ج ١

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة الأزهريّة للتراث
الطبعة: ١
ISBN: 977-315-069-0
الصفحات: ٤٤٨
الجزء ١ الجزء ٢

٥ ـ قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (١) :

يقرأ ـ بنصب الكاف ـ وكذلك قرأ بعضهم ، مالك ، ومليك.

والوجه فيه : أن يكون : إما على المدح ، أو على النداء ، كما ذكرنا فى «ربّ».

ويقرأ ـ بالرفع ـ على إضمار «هو» (٢).

و «مليك» ـ بالياء ـ أبلغ من (مالِكِ) ، وكذلك كل «فعيل» يجوز فيه «فاعل» «ففعيل» أبلغ (٣).

ويقرأ «ملك يوم الدّين» : على أنه فعل ماض ، و «يوم» مفعول به ، أو ظرف (٤).

٦ ـ قوله تعالى : (إِيَّاكَ) (٥) :

يقرأ ـ بكسر الهمزة ، وتخفيف الياء ـ :

والوجه فيه : أنه حذف إحدى الياءين ؛ لثقل التضعيف فى الياء ، وقد جاء عنهم فى حذف المضاعف حروف كثيرة :

منها : أنهم خففوا «أىّ» : قال الفرزدق (٦) :

__________________

(١) النصب فى هذه القراءة جاء على ما تقدم فى «الرحمن ، الرحيم».

(٢) وقراءة الرفع على ما تقدم ...

(٣) وجه المفاضلة بين «مالك ، ومليك» : أن قراءة «مليك» أبلغ ؛ لأن الصيغة للمبالغة وهى أنسب لعظمة الخالق ، المالك (عزوجل) وذلك : لأن «فعيل» من صيغ المبالغة ، التى تدل على الكثرة ، ... و «فاعل» تدل الصيغة على مجرد الاتصاف بالفعل ، ولا تقتضى المبالغة.

(٤) الفعل (مالِكِ) وفاعله مستتر جوازا ، يعود على رب العزة (جل ، وعز) و (يَوْمِ) مفعول به ، أو ظرف زمان.

(٥) قراءة : كسر الهمزة ، وتخفيف الياء (إِيَّاكَ) جاءت على تخفيف التضعيف فى الياء ، ونظّر أبو البقاء لذلك.

(٦) الفرزدق : «همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية ...» انظر ١ / ٤٧٨ الشعر والشعراء.

٤١

تنظّرت نصرا ، والسماكين أيهما

علىّ مع الغيث استهلّت قواطره (١)

يريد : أيّهما.

وقالوا فى «أمّا» : «أيما» : فرارا من التضعيف ، قال الشاعر (٢) :

يا ليتما أمنا شالت نعامتها

أيما إلى جنة ، أيما إلى نار

وقالوا فى «ظللت» : «ظلت ، وظلت» ـ أيضا ـ.

وقد قرئ بهما فى المشهور.

وقيل : «يا» ـ بالتخفيف ، والقصر : ضوء الشمس (٣) ، وذلك هو حقيقتهما ، فكأن من خفف أراد ذاتك نعبد ، أو حقيقتك.

وفى هذا نظر.

ويقرأ «أيّاك» ـ بفتح الهمزة ، مع التشديد ، والتخفيف.

والأشبه : أنها لغة مسموعة (٤) ؛ لأن القياس لا مدخل له فى ذلك.

ويقرأ ـ بالهاء مكسورة ، ومفتوحة ـ مع التشديد ، والتخفيف ، وإبدال

__________________

(١) استشهد بالبيت ابن هشام فى المغنى ، والبيت عنده :

تنظرت نصرا ، والسماكين أيهما

علىّ من الغيث استهلّت مواطره

حيث قال فى «أى» : «وقد تخفف ، كقوله : وذكر البيت. ١ / ٧٧ مغنى اللبيب .. واللهجة تميمية ، وانظر ١ / ٤١ المحتسب.

(٢) البيت لسعد بن قرط العبدى ـ كما استظهر العينى ، والاستشهاد فى مواضع :

الأول : إبدال الميم الأولى من «إما» المكسورة ياء. الثانى : فتح همزته. الثالث : حذف واو العطف. إذ التقدير : «إما إلى جنة وإما إلى نار» ٤ / ١٥٤ شواهد العينى.

ويقول ابن الناظم : «... ففتح الهمزة وهى لغة بنى تميم ، وإبدال من الميم الأولى ياء ، ثم حذف الواو» ٥٣٠ شرح ابن الناظم للألفية ـ بتحقيقنا ـ.

ويقول ابن هشام : «وأما قوله : ... أيما إلى جنة ، أيما إلى نار فشاذ ، وكذلك فتح همزتها ، وإبدال ميمها الأولى. ٣ / ٣٨٢ ، أوضح المسالك ...

(٣) انظر ١ / ١٦٩ معجم مقاييس اللغة ، وانظر ١ / ٤٠ المحتسب.

(٤) يقرر أبو البقاء حقيقة لغوية ، هى : أن اللغة تؤخذ بالسماع ، لا بالقياس.

٤٢

الهمزة هاء كثير فى لغتهم ، قال الشاعر (١) :

فهيّاك ، والأمر الّذى إن توسّعت

موارده ضاقت عليك مصادره

وقالوا فى «أردت» : «هردت» وفى «أرحت الدابة» : «هرحتها» ، وفى «إنّك» : «هنّك».

وكان الوجه فيه : أن مخرج الهاء ، والهمزة متقاربان ، والهاء أخف من الهمزة ، فعدلوا إلى الأخف (٢).

ويقرأ «ويّاك» ـ بواو مكسورة ، مكان الهمزة ، وفى هذا بعد ، إلا أن له وجها من القياس ، وذلك : أنهم قالوا فى «وعاء» : «إعاء» وفى «وشاح» :

«إشاح» ، وفى «وجاج» : «إجاح» فأبدلوا من الهمزة واوا ، وذلك دليل على اشتراك بينهما ، يسوغ قلب أحدهما إلى الأخرى.

ووجه الاشتراك : أن مخرج الهمزة أول المخارج ، مما يلى الحلق ، ومخرج الواو والشفتان وهو أول من جهة طرف الفم ، فهما مشتركان فى الأولية ، وفى أن كل واحد منهما مقابل للآخر ، وفى أن الهمزة ثقيلة ، تخرج بكلفة ، وتهوّع ، والواو ثقيلة ؛ لتعلقها بعضوين ، وهما الشفتان ، فلما اشتركا من هذه الوجوه شاع أن يبدل أحدهما من الآخر (٣).

٦ ـ قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) :

يقرأ ـ بكسر النون ـ وهى لغة فاشية فى العرب ، يكسرون أول حرف

__________________

(١) البيت : لمضرس الأسدى ، أو طفيل بن عوف ، وهو من شواهد المحتسب ١ / ٤٠ ... وديوان طفيل ...

ويقول ابن جنى : «فأما فتح الهمزة فلغة فيها : إياك ، وأياك ، والهاء بدل من الهمزة ، كقولهم :

فى : أرقت : هرقت ، وأردت : هردت ، وأرحت الدابة : هرحت ...» ثم استشهد بالبيت المتقدم.

(٢) الهمزة : مخرجها من أسفل الحلق ، والهاء من الشفتين ، فهى أخف من الهمزة ، ولذلك عدل إليها ، وذلك من الإبدال المسموع.

وانظر كتابنا «بلوغ الأرب فى الواو فى لغة العرب» مخارج الحروف ، وصفات المخارج ...

الفصل الأول.

(٣) لقد أحسن أبو البقاء التعليل للإبدال بين الهمزة ، والواو.

٤٣

المضارعة ، إلا الياء ؛ لثقل الكسرة عليها ، ومنهم من يكسر الياء ـ أيضا ـ وهو قليل (١).

والوجه فى كسرها : أن حرف المضارعة أول ، زائد ، وبعده ساكن ، فيكسر الأول ، كما يكسر ، لالتقاء الساكنين ، ولذلك : كسرت همزة الوصل ، وغيرها مما حرك لالتقاء الساكنين (٢).

ويقرأ ـ يعبد ـ على ما لم يسم فاعله.

والوجه فيه : أن المراد إثبات العبادة له (سبحانه) على الإطلاق ، والاستحقاق ، وإذا قال «تعبد» : خص به المخاطب ، دون غيره ، «فيعبد» أعم ، وفيه اعتراف من المخاطب : أنه (سبحانه) المستحق للعبادة منه ، ومن غيره ، إلا أن فى هذه القراءة ضعفا من جهة الإعراب ، وذلك : أن (إِيَّاكَ) ضمير منصوب ، وناصبه (نَعْبُدُ) ، فإذا قرأت «يعبد» لم يبق هذا الفعل ناصبا «لإيّاك» ، بل يجب أن يقال : أنت تعبد ؛ لأن «أنت» ضمير مرفوع فبعيد (٣).

ويمكن أن يقال : جعل ضمير المنصوب موضع المرفوع ، كما جعلوا المرفوع فى موضع المجرور ، فقالوا : «مررت بك أنت» ، وقالوا فى «لولاى» : إن الياء ضمير مجرور فى موضع المرفوع ، أى : لو لا أنّك.

هذا قول سيبويه (٤).

__________________

(١) وتسمى اللهجة : تلتلة بهراء ، وهى بطن من تميم تكسر حروف المضارعة مطلقا ، لا فرق بين صيغة ، وأخرى ، ولا بين حرف من حروف المضارعة ، وآخر. ص ٢٧ فقه اللغة لنجا.

وتعقب ذلك سيبويه ، واستثنى الياء ، كما قلل ذلك أبو البقاء.

(٢) تعليل حسن من أبى البقاء لتلك اللهجة.

(٣) قراءة «يعبد» ـ ببناء الفعل للمجهول لها وجاهة من ناحية المعنى ؛ لما ذكره أبو البقاء ...

أما الضعف فإنه جاء من قبل الصناعة النحوية ، وقد تفضل أبو البقاء ببيان ذلك.

(٤) سيبويه : هو عمرو بن عثمان ، بن قنبر ، إمام البصريين ... أصله من البيضاء من أرض فارس ، ونشأ بالبصرة ، ومات بالبيضاء ، أو بشيراز سنة ١٨٠ ، أو ١٨٨ ه‍ ـ بغية الوعاة.

٤٤

والأخفش (١) يقول : الياء مرفوعة (٢).

وقرأ بعضهم : «نعبد» ـ بإسكان الدال ـ.

فيحتمل : أن يكون القارئ اختلس الضمة ، فظنها السامع سكونا ، ويجوز أن يكون سكنها القارئ فرارا من اجتماع الحركات ، وأن الباء قبل الدال مضمومة ، فجاوز توالى الضمتين ، وبعدها حركات.

٧ ـ قوله تعالى : (الصِّراطَ) :

يقرأ ـ صراطا مستقيما ـ على التنكير.

والوجه فيه (٣) من جهتين :

إحداهما : أن (الصِّراطَ) جنس ، وتعريف الجنس ، وتنكيره سواء ، ألا ترى أنه لا فرق بين قولك : «شربت العسل» و «شربت عسلا» و «تزوجت النساء ، وتزوجت نساء» إذا أردت بالألف واللام الجنس ، لا العهد.

وقد جاء ذلك صريحا فى قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى : ٥٢] ، و (إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٤) [الأنعام : ١٦١].

والجهة الثانية : أنه أراد النكرة فى المعنى ، ثم ينصرف إلى المعهود بقرينة (٥).

__________________

(١) الأخفش : «سعيد بن مسعدة ، أبو الحسن الأخفش ، الأوسط ، أحد الأخافش الثلاثة المشهورين ...

سكن البصرة ... أحفظ من أخذ عن سيبويه ... مات سنة ٢١٦ ، أو ٢١٥ ، أو ٢١١ ه‍ ـ البغية ١ / ٥٩٠.

(٢) خلاصة ما ذكره أبو البقاء : أنه إذا ولى «لولا مضمر ، فحقه أن يكون ضمير رفع ... وسمع قليلا «لولاى ، ولولاك ، ولولاه» خلافا للمبرد ، وذهب سيبويه ، والجمهور أن «لولا» جارة للضمير مختصة به ، ولا تتعلق بشىء ، وموضع المجرور رفع بالابتداء ، والخبر محذوف ، وذهب الأخفش : إلى أن الضمير مبتدأ ، ولولا غير جارة ، وأنابوا الضمير المحفوض عن المرفوع ، كما عكسوا ، إذ قالوا : «ما أنا كأنت ، ولا أنت كأنا ...» انظر ١ / ٢٧٤ مغنى اللبيب ...

(٣) فى (ب) زيادة «فيه».

(٤) فى (ب) و (إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) زيادة عن (أ).

(٥) يريد أبو البقاء : أن «أل» الداخلة على جنس لا تكسبه التعريف ، بل يبقى على تنكيره ، ويكون التنكير فى المعنى.

٤٥

والقرينة شيئان :

أحدهما : قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) : فأبدل الثانى من الأوّل ، فتخصّص.

والثانى : أن الغرض من هدايتهم إلى صراط مستقيم.

وقد ثبت بالدليل : أن الإسلام هو الصّراط المستقيم ، ولا مستقيم سواه (١).

ويقرأ «صراط المستقيم» ـ على الإضافة ، والتقدير : صراط الدّين المستقيم ، أو الحق المستقيم.

وهو مثل قوله تعالى : (صِراطِ اللهِ) و (صِراطَكَ) (٢) (الْمُسْتَقِيمَ) ، فأضافه إليه (سبحانه).

٨ ـ قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ) :

يقرأ ـ بلام واحدة مخففة ـ مفتوحة».

وإذا ابتدأت به أثبتّ قبل اللام همزة مفتوحة ، تسقط فى الوصل.

والوجه فى ذلك : أنه حذف اللام الأولى ، كراهية التشديد ، وحسن ذلك عنده أن الألف واللام لا يفيد فى هذا الاسم تعريفا ؛ لأن تعريف «الّذى» بصلته ، والألف ، واللام زائدتان ، فحسن حذفها لزيادتها ، وأبقى الهمزة تنبيها على أن الأكثر فى الاستعمال ثبوت اللام ، وأن حذفها عارض ، ونظيره قولهم : «الحمد» فيمن حذف الهمزة ، وحرك اللام بحركتها ، وأبقى همزة الوصل ؛ تنبيها على أن حركة اللام عارضة.

__________________

ـ ويذكر ذلك ابن هشام فى التصريح حيث يقول ، فى شرط النعت بالجملة ، وهو أن يكون المنعوت نكرة : لفظا ، ومعنى ... أو معنى ، لا لفظا ، وهو المعرف بأل الجنسية ، كقوله :

ولقد أمرّ على اللئيم يسبّنى ... ٣ / ٣٠٦ التصريح.

وعلى ذلك : لا ينصرف المحلّى «بأل» إلى المعهود إلا بقرينة ـ كما ذكر أبو البقاء.

(١) وانظر ٣ / ١٩٦ شرح ابن عقيل للشاهد : ولقد أمر على اللئيم ...

(٢) فى (أ) صراتك.

٤٦

وبهذا : أخذ سيبويه بالنسب إلى «يد» فقال : «يديىّ» ـ بتحريك الدال ، و «يدوىّ» لأن الدال بعد الحرف تحركت ، فأقرها فى النسب ، والتثنية ؛ لأن ردّ المحذوف صار كالعارض ، والأخفش يسكنها ، ويردها إلى الأصل (١).

٩ ـ قوله تعالى : (أَنْعَمْتَ) :

يقرأ ـ بضم التاء ـ والتقدير : صراط الذين قلت فيهم : أنعمت عليهم.

ولا بد من إضمار القول ؛ ليصير محكيا عمّن سأل الله الهداية.

١٠ ـ قوله تعالى : (عَلَيْهِمْ غَيْرِ) :

فيها عشرة أوجه قد قرئ بها : ففى الهاء خمسة ، وفى الميم خمسة :

الوجه الأول : كسر الهاء ، وسكون الميم [عليهم].

والثانى : كسر الهاء ، وضم الميم ، من غير إشباع [عليهم غير].

والثالث : كسر الهاء ، وضم الميم ، مع الإشباع [عليهموا غير].

والرابع : كسر الهاء ، والميم ، من غير إشباع [عليهم غير].

والخامس : كذلك ، إلّا أنه مع الإشباع [عليهمى غير].

والسادس : ضم الهاء ، وسكون الميم [عليهم].

والسابع : ضم الهاء ، والميم ، من غير إشباع [عليهم غير].

والثامن : ضم الهاء ، والميم ، مع الإشباع [عليهموا غير].

والتاسع : ضم الهاء ، وكسر الميم من غير إشباع [عليهم غير].

__________________

(١) «إذا نسبت إلى «يد ، ودم» جاز لك وجهان :

أ ـ فمن يقول : يدان ، ودمان» ـ بعدم الرد ـ بحذف عند النسب.

ب ـ ومن يقول : «يديان ، ودميان ـ بالرد ـ يرد المحذوف عند النسب».

وعلى ذلك :

فمذهب سيبويه ، والأكثرين ـ فتح عين المجبور ، وإن كان الأصل السكون ، مثل «يدوىّ ، وديدىّ ...».

ومذهب الأخفش : يرد إلى الأصل ، فيقال عند النسب : «يديىّ ، ودميىّ ...»

انظر كتابنا النسب ص ١٣٣ ، وانظر الكتاب ٢ / ٧٩.

٤٧

والعاشر : كذلك ، إلا أنه مع الإشباع «عليهمى غير».

والأصل فى هذا الباب : أن هاء الضمير حقها الضم ؛ ولأنها خفية ، فبينت بأقوى الحركات.

ولذلك : تضم بعد الضمة ، والفتحة ، ولا يجوز كسرها ، كقولك : «جاءنى غلامه» و «رأيت غلامه».

ويجوز ضمّها بعد كسرها.

وأما الميم فالأصل فيها : أن تضمّ ، ويتبعها واو ، كما قرأ ابن كثير.

والعلة فى ذلك من وجهين :

أحدهما : أن الألف ثابتة فى التثنية ، كقولك : «عليهما» فيجب أن تكون الواو للجمع لتكون له علامة ، كما للتثنية علامة (١).

والأصل : أن الميم علامة مجاوزة الواحد ، ثم يزاد عليها علامة التثنية ، والجمع.

والثانى : أن علامة جمع المؤنث حرفان ، نحو : «عليهنّ» فالمذكر أولى بذلك.

فأما من كسر الهاء فى عليهم : فإنه جانس بها الياء ، التى قبلها ، ومن ضم فعلى الأصل ، ومن اقتصر على ضمها حذف الواو ، لدلالة الضمة عليها ، كما تدل الكسرة على الياء فى قولهم : «يا غلام».

وبعض العرب يقول فى «قاموا» : «قام» : يحذف الواو لما ذكرنا ، ومن أسكن الميم خفف ، وقد أمن اللبس ؛ إذ لا تشتبه بالتثنية ، ولا بالمؤنث.

ومن كسر الميم بعد كسرة الهاء أتبع الكسر الكسر ، ومن أتبعها ياء قال :

إصلها الواو فيما ذكرنا ، ولكنها أبدلت ياء لما انكسر ما قبلها.

__________________

(١) تنظير حسن.

٤٨

ومن كسر الميم بعد الضمة قال : الهاء حاجز غير حصين ، فكأنّ الميم وقعت بعد الياء فى «عليهم» (١).

١١ ـ قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) :

يقرأ ـ بالنصب ـ وفيه وجهان :

أحدهما : هو حال من الهاء ، والميم فى «عليهم» أى : أنعمت عليهم ، مرضيّا عنهم.

والثانى : هو استثناء منقطع ، أى : أنعمت عليهم ، إلا المغضوب عليهم.

وهذا مثل قولهم : «ما له ابن إلّا بنتا».

١٢ ـ قوله تعالى : (الضَّالِّينَ) :

يقرأ ـ بهمزة مفتوحة ، قبل الحرف المشدد ، حيث كان من القرآن ، نحو «جأن ، ودأبّة ، والحأقّة» وهى لغة مسموعة من العرب (٢).

والوجه فيها : أن الألف ساكنة ، والأول من المشدّد ساكن ، والجمع بين الساكنين مستثقل جدّا ، وهو ممتنع فى كثير من المواضع ، وإنما يجوز إذا كان الأول حرف مدّ ، يجعل مده كالحركة الحاجزة : فمن أبدل الألف ـ هنا ـ همزة قال : فررت من الجمع بين الساكنين ، فأبدلتها همزة ؛ لأنها أختها فى المخرج ، وحرّكتها بالفتح المجانس للألف ؛ لئلا يلتقى ساكنان ، ولأن الحركة فى الهمز حاجز ، كما أن المد فى الألف حاجز.

ويقرأ ـ بتخفيف اللام ـ وهو بعيد.

ووجهه على ضعفه : أنه خفف فرارا من ثقل التضعيف.

__________________

(١) أحسن أبو البقاء التعليل للوجوه التى ذكرها.

(٢) القراءة : جاءت على لهجة من يقول : «عألم ، وخأتم» فى «عالم ، وخاتم» وقد تقدم الكلام عن ذلك.

واستشهد له العكبرى بقول العجاج :

 ...

فخندف هامة هذا العألم

٤٩

وهذا نظير حذف اللام فى «ظلت» وهو أصل أسماء الفاعلين فلما حذفت فى الفعل حذفت فى الاسم ، الجارى على الفعل (١).

__________________

(١) ويقول ابن مالك :

ظلت ، وظللت فى ظللت استعملا

 ...

والجائز ثلاثة أوجه :

١ ـ الإتمام ، نحو : ظللت أفعل.

٢ ـ حذف لامه : وإبقاء فائه على حركتها ، نحو : «ظلت».

٣ ـ حذف لامه ، وإبقاء فائه على حركتها ، نحو : «ظلت».

انظر ٤ / ٢٤٦ شرح ابن عقيل.

والاسم الجارى على الفعل يأتى موافقا لحروف الفعل.

٥٠

سورة البقرة

١ ـ قوله : (الم) :

الحروف فى أوائل السور : منهم من يفصل بين كل حرفين منها بوقيفة يسيرة.

والعلة فى ذلك : أنه أراد أن يبين بناء هذه الحروف على السكون ، وأن كلا منها غير متعلق بالآخر ، فأجراه مجرى ما يوقف عليه بالكلية ؛ لتمام الكلام عليه ، كقولك : «هذا زيد» ، ومنها ما يجتمع فى آخره ساكنان ، مثل «لام ، وصاد ، وميم» فيفصل بالوقف ؛ لأن الأصح : يجمع بين ساكنين فى الوصل.

ومن لم يقف : اكتفى بالمد الذى فى الساكن الأول ، وأجراه على مقتضى الوصل.

٢ ـ قوله تعالى : (ذلِكَ)

يقرأ «ذاك الكتاب» ـ بغير لام ، وهو خلاف المصاحف ، المأخوذ بها ، إلا أن الوجه فيه من وجهين :

أحدهما : أن اللام تدل على البعد ، المشار إليه ، والمشار إليه هنا هو القرآن ، وذكره متصل بهذه الإشارة ، فهو قريب.

والثانى : أن معنى «ذلك» هذا ، وهو إشارة إلى حاضر ، فلذلك لم يحتج إلى اللّام ، قال خفاف بن ندبة» (١) :

أقول له ، والرمح يأطر متنه

تأمّل خفافا إننى أنا ذالكا

__________________

(١) خفاف بن ندبة :

هو خفاف بن عمير بن الحارث بن الشريد السلمى ، وأمه ندبة سوداء ، وإليها ينسب ، وهو أحد أغربة العرب ، وهم عم خنساء بنت عمرو بن الشريد السلمى الشاعرة ...

شهد خفاف فتح مكة ، مع الرسول العظيم ، ومعه لواء بنى سليم. ـ

٥١

أى : هذا فى أحد الوجهين.

٣ ـ قوله تعالى : (الْكِتابُ).

يقرأ بالإمالة فى كل حال ، من أجل كسرة الكاف ، وأمال بعضهم «لا» ، لأن «لا» تشبه «بلى» فى أنها تكون جوابا ، قائما برأسه.

٤ ـ قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ).

يقرأ بالنصب ، والتنوين ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن تعلق «فى» ب (رَيْبَ) فيكون (رَيْبَ) عاملا فيما بعده.

وفى الخبر على هذا وجهان :

أحدهما : محذوف ، تقديره : لا ريبا فيه لكم ، أو نحو (١) ذلك ، ونظيره قولهم : «لا مرورا بزيد» إذا نونت.

والثانى : الخبر قوله تعالى : (لِلْمُتَّقِينَ) أى : لا يرتاب فيه المتقون ، و (هُدىً) على هذا حال من الهاء.

والوجه الثانى : أن يكون «ريبا» مفعولا به ، أى : لا أجد ريبا فيه.

ويجوز أن يكون مصدرا ، أى : لا يرتاب فيه ريبا.

وقرىء بالرفع ، والتنوين ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن يعمل «لا» عمل «ليس» ويجعل الخبر «فيه» وقد ذكر هذا

__________________

ـ اللغة : والمعنى :

يأطر : يثنى ، ويعطف ، متنه : المتنان : مكتنفا الصلب من العصب ، واللحم ، يقول خفاف قاتل مالك بن حمار.

سيد بنى شمخ بن فزارة :

أقول له .. ورمحى يعمل فيه ما يعمل ، تأمل الضربة القاصمة فإنها من خفاف ... وقبل البيت :

إن تك خيلى قد أصيب حميمها

فعمدا على عينى تيممت مالكا

انظر ١ ، ٣٤٨ ، ٣٤٩ الشعر والشعراء.

(١) بناء على أن «لا» نافية للجنس.

٥٢

الأصل سيبويه (١) ، واستشهد عليه بقول الشاعر (٢) :

من صدّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لا براح

أى : ليس براح لى.

وهذا سائغ فيما إذا كان الاسم نكرة (٣).

والوجه الثانى : أن يكون ألغى «لا» وهو القياس فيها ، و (رَيْبَ) مبتدأ ، و (فِيهِ) الخبر ، ومثله (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) [البقرة : ٣٨].

وقرآ آخرون «لا ريب» ـ بالضم من غير تنوين ـ وهو ضعيف فى القياس ، ومن بعد ذلك : فيه وجهان :

أحدهما : أنه بناه على الضم تنبيها على تمكنه ، وأن بناءه عارض ، كما بنيت «قبل ، وبعد» على الضم (٤) : فعلة بنائه غير علة ضمه.

والوجه الثانى : أن حق المبنىّ السكون ، وحق الموقوف عليه السكون ـ أيضا ـ

__________________

(١) يقول سيبويه فى الكتاب ١ / ٢٨ فى قول سعد بن مالك التيمى :

من فرّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لا براح

«جعلها بمنزلة «ليس» فهى فى منزلة «لات فى هذا الوجه ...»

وقد ذكر فى الكتاب فى ١ / ٣٥٤ ، ٣٥٧ : «أن الرفع عربى على قوله : حين لا مستصرخ» ولا براح والنصب أجود ، وأكثر من الرفع.

وانظر ما كتبناه فى تحقيقنا ، وشرحنا لشرح الأشمونى ، لألفية ابن مالك : ١ / ٣٦٧ ، ...

(٢) الشاعر : سعد بن مالك ، والبيت من مجزوء الكامل.

ومعنى البيت :

من أعرض عن نار الحرب ، وولى منها ، فأنا مخالف له فى ذلك ؛ إذ لا براح لى ؛ لأننى ابن قيس.

(٣) كما هو مشترط فى عمل «لا» النافية للجنس .. انظر ٢ / ٦ شرح ابن عقيل.

(٤) تبنى «قبل ، وبعد» فى الحالة الآتية :

«إذا حذف ، ما تضاف إليه ، ونوى معناه ، دون لفظه .. كقوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) وجاء على ذلك قول الشاعر : أبى النجم العجلى :

أقبّ من تحت ، عريض من عل

فقد بنى الظرفان «تحت ، وعل» على الضم ؛ لأن كلا منها قد حذف لفظ المضاف إليه ، ونوى معناه ، ٣ / ٧٤ شرح ابن عقيل للألفية.

٥٣

ثم حرك بالضم ؛ لئلا يلتقى ساكنان : الباء ، والياء ، كما بنيت «عوض» على الضمّ ، ويجوز أن يكون أراد التنوين ، فحذف تخفيفا ، وهو ينويه.

٥ ـ قوله تعالى : (فِيهِ) (١)

يقرأ ـ بضم الهاء ـ

والوجه فيه : أن أصل الهاء الضم ـ على ما ذكرنا ـ فى (عَلَيْهِمْ) فأخرجه على الأصل ، ولم يحتفل بالياء ، والكسرة قبلها ؛ لأن مراعاة الأصل أولى من الإتباع ، وكذلك (مِنْ رَبِّهِمْ) وما أشبهه.

٦ ـ قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).

يقرأ ـ بإظهار التنوين ، وكذلك النون الساكنة عند اللام ، والراء.

والوجه فيه : أنه أخرجه على الأصل ، وهو : البيان.

ويجوز : أن يكون نوى الوقف على التنوين ، وأجرى الأصل مجرى الوقف.

والوجه : إدغامها ؛ لقرب الحرفين أحدهما من الآخر.

ويقرأ ـ بالإدغام ـ إلا أنّه ـ أبقى عنه التنوين ، والنون ؛ لئلا يبطل على الحرفين صفتهما ، وهى الغنّة ، وأدغم على ما هو مقتضى اجتماع الساكنين ، فجمع بين الأمرين.

٧ ـ قوله تعالى : (بِما أُنْزِلَ).

يقرأ بسكتة يسيرة ، مع اتصال النّفس ، وكذلك فى كل ساكن لقى همزة.

والغرض منه : بيان حرف المدّ من الهمزة ، وهكذا قرأ بعضهم (وَبِالْآخِرَةِ) بوقفة يسيرة على لام المعرفة ، إذا وقعت بعدها الهمزة.

٨ ـ قوله تعالى : (أُنْزِلَ إِلَيْكَ).

يقرأ ـ بإدغام اللام فى اللام ـ.

__________________

(١) انظر ما كتبه العكبرى فى «التبيان فى إعراب القرآن» فقد عقد فصلا طيبا فى ذلك ، ١ / ١ ، ١٢ ، ١٣.

٥٤

ووجهه : أن يكون سكن اللام من «أنزل» وألقى عليها حركة الهمزة ، فالتقت اللامان ، وسكنت الأولى ، وأدغمت فى الثانية ، فصار «أنزلّيك».

٩ ـ قوله تعالى : (يُوقِنُونَ) (١) :

يقرأ ـ بالهمز ـ وهو بعيد ؛ لأن أصل الواو ياء ساكنة ، مضموم ما قبلها ، وحكمها : أن تقلب واوا ؛ لتجانس الضمة قبلها ، فأما من همز فشبهته فى ذلك من وجهين :

أحدهما : أن الواو الساكنة قد جاورت الضمة ، فكأنها مضمومة ؛ لأن من عادة العرب أن يجروا المجاور مجرى المجاور ، ولذلك : همزوا «أوائل» كما همزوا «كساء» لأنهم أجروا مجاور الظرف ، وقد جاء فى الشعر «المؤقد» و «مؤسى» .. بالهمز ، لما ذكرنا (٢) وإذا كانت الواو مضمومة ضمّا لازما جاز همزها ، مثل «أقّتت» و «أجوه».

والوجه الثانى : أنه نبه بالهمز : على أن الفعل الماضى منه فى أوله همزة ، وهو «أيقن».

١٠ ـ قوله تعالى : (سَواءٌ) :

__________________

(١) أعرب (هُمْ يُوقِنُونَ) أبو البقاء فى «التبيان ...».

حيث قال : «هم» مبتدأ ، ذكر على جهة التوكيد.

ولو قال وبالآخرة يوقنون لصح المعنى ، والإعراب.

ووجه التوكيد فى «هم» تحقيق عود الضمير إلى المذكورين ، لا إلى غيرهم ، و (يُوقِنُونَ) الخير.

وأصله : «يؤقنون» لأن ماضيه «أيقن» والأصل : أن يؤتى فى المضارع بحرف الماضى ، إلا أن الهمزة حذفت ـ لما ذكرنا ـ فى «يؤمنون ، وأبدلت الياء واوا لسكونها ، وانضمام ما قبلها» ١ / ١٩ ، ٢٠ ـ التبيان ...

وقال العكبرى فى (يُؤْمِنُونَ) :

«فإذا قلت : «نؤمن» وتؤمن ، ويؤمن» جاز لك فيه وجهان :

أحدهما : الهمز : على الأصل ، والثانى قلب الهمزة واوا تخفيفا ، وحذفت الهمزة الوسطى حملا على «أومن» والأصل : يؤأمن ... ١ / ١٧ ، ١٨ التبيان.

(٢) يريد قول جرير : لحبّ المؤقدان إلى مؤسى ١ / ٤٧ المحتسب.

٥٥

يقرأ «سوّى عليهم» ـ مقصورا ، حكاه الأهوازى فى الموضح (١).

ووجهه : أنه قصر الممدود ، وهو جائز بلا خلاف ، وإنما الخلاف فى مدّ المقصور ويقوى (٢) ذلك : أن «سوّى ، وسوّى» ـ بالكسر ، والضم ـ مقصوران ، فحمل المفتوحة عليهما.

وحكى بعضهم : «سواو» (٣) ـ بقلب الهمزة واوا ، وذلك : لأجل ضمها ؛ لأن الواو من جنس الضمة ، وكذلك فى «يس» ، لا غير [يريد : و (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) ..].

١١ ـ قوله تعالى : (أَنْذَرْتَهُمْ) (٤).

يقرأ ـ بهمزتين ، محققتين ، بلا فصل ـ وهذا هو الأصل : فالأولى للاستفهام ، والثانية : همزة «أفعل» ، ومنهم من يفصل بينهما بألف فرارا من توالى الهمزتين ؛ فإنهما مثلان مستثقلان.

وحكى فى الموضح تليينهما [أى تسهيلهما] ، وهذا فيه نظر ؛ لأن تليين الهمزة المفتوحة تقريب لها من الألف ، والألف لا يصح الابتداء بها ، ويزداد ذلك ضعفا لوقوع الثانية بعدها ملينة فكأنه جمع بين ألفين ، وأجاز بعض النحويين التليين ؛ لأن الهمزة ، وإن لينت فليست ألفا ، وما بقى منها من صوت الهمزة يصح الابتداء بها ، ولذلك جعلوا الهمزة الملينة بمنزلة المحققة ، فى مقابلتها لحرف صحيح ، وفى العروض ، وغير ذلك.

__________________

(١) نقل أبو البقاء ما حكاه الأهوازى فى الموضح فى قراءة «سوّى عليهم».

وعلل للقراءة.

والمشهور فى «سوى» قول ابن مالك :

«ولسوى ، سوى سواء اجعلا» ...».

واستشهد الأشمونى فى شرحه لما ذكر ابن مالك ٢ / ٢٦١ بتحقيقنا.

(٢) فى (ب) ويقرى».

(٣) لعلها لهجة غير مشهورة.

(٤) الأصل تحقيق الهمزتين ، «بلا فصل : إذ الهمزة الأولى للاستفهام ، والثانية من صيغة أفعل».

ومن فصل بينهما بألف يكون قد فرّ من توالى الهمزتين ، فرارا من الثقل ... والتليين فيه نظر لما ذكره أبو البقاء.

٥٦

ويقرأ «أنذرتهم» ـ بهمزة واحدة ، على لفظ الخبر ، والهمزة على هذا مرادة (١) ، ودل على ذلك أمران :

أحدهما : تقدّم سواء فإنها تقتضى شيئين ، فصاعدا.

والثانى : «أم» وهى مقابلة لهمزة الاستفهام.

١٢ ـ قوله تعالى : (أَنْذَرْتَهُمْ ، أَمْ لَمْ) :

يقرأ ـ بإلقاء حركة الهمزة على الميم قبلها ، وحذف الهمزة ، وهو مقيس على «الأرض ، والأنثى» ونحوه.

وليّن بعضهم هذه الهمزة ، وأتى بخيالها ، وهو : إضعاف صوت الهمزة ، وهو نظير تليين الأولى فى (أَنْذَرْتَهُمْ) وقد ذكرناه.

ويقرأ «أولم تنذرهم» وهو بعيد جدّا ، لأن ألف التسوية لأحد الشيئين ، فتدخل «أم» تنبيها على ذلك ، فكأنه قال : الأمران مستويان ، ولا شك هاهنا ، لتدخل «أو» دالة عليه.

والوجه لمن قرأ به : أن «أو» قد تقع فى الإباحة ، فيقرب معناها من معنى «الواو» كقولك : «جالس الحسن ، أو ابن سيرين» وليس المعنى ، جالس أحدهما ، بل تقديره : «جالس الحسن ، وابن سيرين» وأشباههما (٢).

وقد جاءت «أو» بمعنى «الواو» خاصة ، كقوله تعالى : (إِلَّا ما حَمَلَتْ

__________________

(١) على قراءة (أَنْذَرْتَهُمْ) بهمزة واحدة تكون هذه الهمزة من بنية الفعل ، ويكون الفعل من الثلاثى ، المزيد بهمزة ، وتكون الجملة خبرية.

وقد دلّل أبو البقاء على ما ذهب إليه من الأمرين ، اللذين سجلهما ويقول ابن مالك :

«وأم» بها اعطف إثر همز التسويه

أو همزة عن لفظ «أىّ» مغنيه

وانظر شرح الأشمونى ٣ / ١٨٣ ، ١٨٤ بتحقيقنا.

(٢) وجاء فى التصريح لابن هشام.

وأما «أو» فإنها بعد الطلب للتخيير ، نحو : «تزوج زينب ، أو أختها» أو للإباحة نحو «جالس العلماء أو الزهاد» والفرق بينهما امتناع الجمع بين المتعاطفين فى التخيير ، وجوازه فى الإباحة.» ٣ / ٣٧٧ التصريح.

٥٧

ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) [الأنعام : ١٤٦] فتكون «أو» بمعنى «الواو» ـ هاهنا ـ حملا على المعنى ، كأنه قال : «سواء عليهم الإنذار ، وتركه» (١).

١٣ ـ قوله تعالى : (عَلى سَمْعِهِمْ) :

يقرأ ـ أسماعهم ـ على الجمع.

والوجه فيه : أنه جعل الواحد سمعا ، بمعنى ، سامع «كصوم ، وفطر ، وزور» بمعنى «صائم ، ومفطر ، وزائر» : فهو مصدر بمعنى الفاعل ، أو فاعل بلفظ المصدر وقصد بذلك : أن يناسب بينه ، وبين القلوب ، والأبصار» (٢).

١٤ ـ قوله تعالى : (غِشاوَةٌ) :

يقرأ ـ بالنصب ـ على تقدير : وجعل على أبصارهم غشاوة ، وقد صرح به فى الجاثية (٣).

ويقرأ ـ بضم الغين ، وفتحها ، وكسرها ـ مع الألف.

ويقرأ ـ غشوة ـ بغير ألف ، مع الأوجه الثلاثة فى «الغين».

ويقرأ ـ بالعين ـ غير المعجمة : ضما ، وفتحا ، وكسرا ، مع الألف ، وإسقاطها ، وكل ذلك لغات فيها : فالغين من الغشاء ، وهو : غطاء على العين ، والعيّن : من عشا بصره : إذا قلّ إدراكه به (٤).

__________________

(١) يقول ابن الناظم فى شرح الألفية : وربما عاقبت الواو ، أشار به إلى قول الشاعر :

جاء الخلافة ، أو كانت له قدرا.

كما أتى ربه موسى على قدر

أوقع «أو» مكان الواو ، لما أمن اللبس ، ورأى أن السامع لا يجد عن حملها على غير معنى الواو مخرجا ، ومثل ذلك قول الآخر :

قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم

ما بين ملجم مهره ، أو سافع

وقول امرئ القيس :

تظل طهاة اللحم من بين منضج

صفيف شواء ، أو قدير معجل

ص ٥٣٤ ، ٥٣٥ شرح ابن الناظم بتحقيقنا.

(٢) تعليل طيب جاء موافقا لقواعد العربية بالنسبة للإضافة ، ولقواعد المصدر ..

(٣) يشير إلى قوله (عزوجل) : (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) [الجاثية : ٢٣].

(٤) انظر مادة (غشى) فى القاموس المحيط ، وانظر ١ / ٥٣ الكشاف ، فقد سجل الزمخشرى اللغات.

٥٨

١٥ ـ قوله تعالى : «وما يخادعون»

يقرأ ـ يخدعون ـ بفتح الياء ، من غير ألف.

ويقرأ ـ بضم الياء ، وكسر الدال ـ وماضيه «خدع ، وأخدع» بمعنى واحد (١) وهو متعد إلى أنفسهم.

ويجوز أن يكون «أخدع نفسه» : وجدها مخدوعة ، كقولهم : «أحمدت الرجل : إذا وجدته محمودا ، ويجوز : «أخدع نفسه» : عرضها للخداع ، كقولهم : «أبعت الفرس» : إذا عرضتها للبيع (٢).

ويقرأ ـ بفتح الياء ، وسكون الخاء ، وتشديد الدال ، وكسرها [يخدّعون].

والأصل : «يختدعون» : فقلبت التاء دالا ، وهذه تشبه قراءة نافع فى «يهدّى» [حيث قرأ ورش بفتح الياء والهاء وتشديد الدال. وقرأ قالون بوجهين :]

[١ ـ بفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدال.]

[٢ ـ بفتح الياء واختلاس (*) فتحة الهاء وتشديد الدال.]

ووجهها : أنه جمع بين ساكنين ، لأن الثانى مدغم ؛ متحرك.

ويقرأ «يخدعون» ـ بضم الياء ، وفتح الدال ، من غير ألف ، ويقرأ كذلك : إلا أنه بألف.

والوجه فيهما : أن تقديره : يخدعون عن أنفسهم ، فلما حذف حرف الجر تعدى الفعل ، فنصب ، مثل قوله : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) [الأعراف : ١٥٥] (٣).

ويقرأ «وما يخادعهم» بزيادة الضمير ، و «أنفسهم» رفع على أنه فاعل (٤).

__________________

(١) انظر مادة (خدع) فى القاموس المحيط.

(٢) من معانى «أفعل» الثلاثى ، المزيد بالهمزة :

(أ) المصادفة : «ويقصد بها الوجود على صفة .. تقول : «أبخلته ، وأحمدته ، وأعظمته» والمراد : وجدته بخيلا ، ومحمودا ، وعظيما».

(ب) التعريض : ومعناه : أن تقصد الدلالة على أنك عرضت المفعول به ، لأصل معنى الفعل ، تقول : «أبعت الثوب ، وأرهنت المتاع» والمراد : «أنك عرضت الثوب للبيع ، والمتاع للرهن» ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤ من كتابنا «تصريف الأفعال».

(*) الاختلاس والإخفاء كلاهما بمعنى واحد وهما النطق بثلثى الحركة .. انظر الإضاءة للضباع)

(٣) وانظر ١ / ٥٧ ، ٥٨ البحر المحيط.

(٤) والتقدير على هذه القراءة : وما يخادعهم إلا أنفسهم».

٥٩

١٦ ـ قوله تعالى : (مَرَضٌ) (١) :

يقرأ ـ بسكون الراء ـ وهى لغة قليلة ، شبه اللازم بالمتعدى ، نحو «سمع سمعا».

والأكثر التحريك ، ويقوى السكون فيه : أن اسم الفاعل منه «فعيل» وهو «مريض» وهذا يقربه من «ظرف ظرفا ، فهو ظريف» وفى هذا حمل لازم على لازم ، ولكن من بابين مختلفين (٢).

١٧ ـ قوله تعالى (فَزادَهُمُ) :

يقرأ ـ بالإمالة ـ وفيه وجهان :

أحدهما : أن الألف مبدلة من ياء.

والثانى : أن الزاى تكسر فى «حال ، نحو ؛ «زدت ، وزدتّم» والإمالة تنبيه على ذلك ، والإمالة ـ هنا ـ أقوى من الإمالة فى «خاف» لأن ألفها واو ، وإنما أميلت لكسرة الخاء فى بعض الأحوال ، وفى «زاد» الانقلاب ، وكسر الأول» (٣).

١٨ ـ قوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا) :

يقرأ «لاقوا الذين آمنوا» بزيادة ألف ، وفتح القاف ، وضم الواو ، فى الوصل.

__________________

(١) جاء فى النهر «مرض» فى المصباح المنير ، فقد سجل قراءة «مرض» بسكون الراء «وقرئ مرض ـ بسكون الراء ، وهى لغة «كالحلب ، والحلب» ، وانظر مادة ١ / ٥٧ النهر ، وانظر ١ / ٥٤ البحر المحيط.

(٢) الفعل «سمع» يتعدى بنفسه وبالحرف .. وأما (مَرَضٌ) فإنه يتعدى بالهمزة ، يقال : أمرضه الله انظر مادة (سمع) ، و (مرض) فى المصباح المنير.

والفعل (ظرف) من أفعال السجايا ، والطباع (*) ... وانظر مادة (ظرف) فى المصباح المنير.

(٣) ويقول ابن مالك فى ألفيته :

وهكذا تبدل عين الفعل إن

يؤل إلى «فلت» كماضى : خفّ ، ودن

ويقول ابنه : «من أسباب الإمالة : أن تكون الألف بدلا من عين «فعل» ، تكسر فاؤه حين يسنده إلى تاء الضمير : يائيا كان ، أو واويا «كبان ، وخاف» فإنك تقول فيها : «بنت ، وخفت» فيصيران فى اللفظ على وزن «فلت» ص ٨١٥ شرح ابن الناظم للألفية.

(*) وهذه الأفعال تهكون على وزن «فعل» نحو : طهر ، ونجس ، وكرم.

٦٠