الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]
المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٢
الأصحاب. ثم أشار الى رواية الزهري.
وبالجملة فإن هذا الفرد وان اتفقوا عليه إلا انه لا دليل عليه بل الأدلة ترده.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور في كلام الأصحاب ان أيام البيض هي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، ونقل في المختلف عن ابن أبى عقيل أنه الأيام الثلاثة المتقدمة.
قال في المختلف : صيام أيام البيض مستحب إجماعا والمشهور في تفسيرها الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر ، سميت بيضا بأسماء لياليها من حيث ان القمر يطلع مع غروب الشمس ويغرب مع طلوعها ، قاله الشيخان والسيد المرتضى وأكثر علمائنا ، وقال ابن ابى عقيل : فأما السنة من الصيام فصوم شعبان وصيام البيض وهي ثلاثة أيام في كل شهر متفرقة أربعاء بين خميسين الخميس الأول من العشر الأول والأربعاء الأخير من العشر الأوسط وخميس من العشر الأخير. لنا ان العلة ما ذكرناها ولا تتم إلا في الأيام المذكورة. انتهى كلامه والله العالم.
ومنها ـ صوم الغدير والعيد الكبير وقد تكاثرت الاخبار بذلك :
ومنها ـ ما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن الحسن بن راشد عن أبى عبد الله عليهالسلام (١) قال : «قلت له جعلت فداك هل للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال نعم يا حسن أعظمهما وأشرفهما. قلت وأى يوم هو؟ قال هو يوم نصب أمير المؤمنين عليهالسلام علما للناس. قلت جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال تصومه يا حسن وتكثر الصلاة على محمد وآله صلىاللهعليهوآله وتبرأ الى الله ممن ظلمهم حقهم ، فإن الأنبياء عليهمالسلام كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا. قال قلت فما لمن صامه؟ قال صيام ستين شهرا. ولا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب فإنه اليوم الذي نزلت فيه النبوة على محمد صلىاللهعليهوآله وثوابه مثل ستين شهرا لكم».
__________________
(١) الوسائل الباب ١٤ و ١٥ من الصوم المندوب.
وروى في الكافي عن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : نعم أعظمها حرمة. قلت وأى عيد هو جعلت فداك؟ قال اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله أمير المؤمنين عليهالسلام وقال من كنت مولاه فعلى مولاه. قلت أى يوم هو؟ قال وما تصنع باليوم ان السنة تدور ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة. فقلت وما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟ فقال تذكرون الله تعالى فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد فان رسول الله صلىاللهعليهوآله أوصى أمير المؤمنين عليهالسلام أن يتخذ ذلك اليوم عيدا وكذلك كانت الأنبياء تفعل كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيدا».
قوله عليهالسلام ـ : «وما تصنع باليوم» في جواب سؤال الراوي عن أى يوم هو ـ يعطي انه عليهالسلام فهم من سؤاله أن مراده السؤال عن كونه أى يوم من أيام الأسبوع فأجابه عليهالسلام بما ذكره من أن أيام الأسبوع تدور ولا تبقى على زمان توافق ذلك الزمان بل المعتبر تعيينه بالأشهر.
وروى الشيخ في التهذيب عن على بن الحسين العبدي (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله الصادق عليهالسلام يقول : صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش انسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك ، وصيامه يعدل عند الله (عزوجل) في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات وهو عيد الله الأكبر. الحديث». الى غير ذلك من الأخبار المتواترة.
ومنها ـ صوم يوم المبعث وهو اليوم السابع والعشرون من رجب.
ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ رواية الحسن بن راشد المتقدمة.
وما رواه الصدوق عن الحسن بن بكار الصيقل عن أبى الحسن الرضا عليهالسلام (٣) قال : «بعث الله محمدا صلىاللهعليهوآله لثلاث ليال مضين من رجب وصوم ذلك اليوم
__________________
(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ من الصوم المندوب.
(٣) الوسائل الباب ١٥ من الصوم المندوب.
كصوم سبعين عاما». قال سعد (١) كان مشايخنا يقولون ان ذلك غلط من الكاتب وانه لثلاث بقين من رجب. الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
ومنها ـ صوم يوم النصف من رجب أيضا.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في المصباح عن الريان بن الصلت (٢) قال : «صام أبو جعفر الثاني عليهالسلام لما كان ببغداد صام يوم النصف من رجب ويوم السابع والعشرين منه وصام معه جميع حشمه. الحديث».
ومنها ـ صوم يوم دحو الأرض وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة
ويدل عليه ما رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن راشد (٣) قال : «كنت مع أبى وأنا غلام فتعشينا عند الرضا عليهالسلام ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة فقال له ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليهالسلام وولد فيها عيسى بن مريم عليهالسلام وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا». الى غير ذلك من الاخبار.
قال في المدارك : ومقتضى ذلك عد الشهور قبل الدحو واستشكله جدي (قدسسره) في فوائد القواعد بما علم من انه تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وان المراد من اليوم دوران الشمس في فلكها دورة واحدة وهو يقتضي عدم خلق السماوات قبل ذلك (٤) فلا يتم عد الأشهر في تلك المدة. ثم قال : ويمكن دفعه بان الكتاب العزيز ناطق بتأخر الدحو عن خلق السماوات والأرض والليل والنهار ، حيث قال عزوجل (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٥) وعلى هذا فيمكن تحقق الأهلة وعد الأيام قبل ذلك. انتهى.
__________________
(١ و ٢) الوسائل الباب ١٥ من الصوم المندوب.
(٣) الوسائل الباب ١٦ من الصوم المندوب ، والراوي الحسن بن على الوشاء.
(٤) ارجع الى الاستدراكات.
(٥) سورة النازعات الآية ٢٨ و ٢٩ و ٣٠ و ٣١.
ومنها ـ صوم أول يوم من ذي الحجة وصوم يوم التروية بل صيام التسعة :
فروى ثقة الإسلام في الكافي عن سهل بن زياد عن بعض أصحابنا عن أبى الحسن الأول عليهالسلام في حديث (١) قال : «وفي أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن عليهالسلام فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا».
وروى الشيخ في كتاب المصباح مرسلا عن أبى الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام (٢) انه قال : «من صام أول يوم من العشر عشر ذي الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهرا».
وروى الصدوق مثله (٣) وزاد «فان صام التسع كتب الله له صوم الدهر». ورواه في كتاب ثواب الأعمال مثله (٤).
قال (٥) : وقال الصادق عليهالسلام «صوم يوم التروية كفارة سنة ويوم عرفة كفارة سنتين».
وقال في الكتاب المذكور (٦) وروى ان في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن (على نبينا وآله وعليهالسلام) فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين سنة ، وفي تسع من ذي الحجة أنزلت توبة داود (على نبينا وآله وعليهالسلام) فمن صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة :.
ومنها ـ صوم اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة بشرط تحقق الهلال وعدم الشك فيه لئلا يكون يوم العيد وان لا يضعفه عن الدعاء.
فروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام (٧) قال : «سألته عن صوم يوم عرفة فقال من قوى عليه فحسن ان لم يمنعك من الدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة فصمه ، وان خشيت ان تضعف عن ذلك فلا تصمه».
وروى بسنده عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبى جعفر عليهالسلام (٨) قال :
__________________
(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٨ من الصوم المندوب.
(٧ و ٨) الوسائل الباب ٢٣ من الصوم المندوب.
«سألته عن صوم يوم عرفة فقلت جعلت فداك انهم يزعمون انه يعدل صوم سنة (١) فقال كان أبى لا يصومه. فقلت ولم ذاك؟ قال ان يوم عرفة يوم دعاء ومسألة وأتخوف أن يضعفني عن الدعاء واكره أن أصومه ، وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى وليس بيوم صوم».
وروى ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (٢) «انه سئل عن صوم يوم عرفة فقال أنا أصومه اليوم وهو يوم دعاء ومسألة».
وروى في الموثق عن محمد بن مسلم (٣) قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول ان رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان». ورواه الشيخ في الموثق عن محمد بن قيس عن ابى جعفر عليهالسلام مثله (٤).
وروى الصدوق في الفقيه بإسناده عن يعقوب بن شعيب (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن صوم يوم عرفة فقال ان شئت صمت وان شئت لم تصم».
قال (٦) وذكر ان رجلا أتى الحسن والحسين (عليهماالسلام) فوجد أحدهما صائما والآخر مفطرا فسألهما فقالا ان صمت فحسن وان لم تصم فجائز.
وروى الصدوق بإسناده عن عبد الله بن المغيرة عن سالم عن أبى عبد الله عليهالسلام (٧) قال : «اوصى رسول الله صلىاللهعليهوآله الى على عليهالسلام وحده واوصى على الى الحسن والحسين (عليهماالسلام) جميعا وكان الحسن امامه ، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن عليهالسلام وهو يتغدى والحسين عليهالسلام صائم ثم جاء بعد ما قبض الحسن عليهالسلام فدخل على الحسين عليهالسلام يوم عرفة وهو يتغدى وعلى بن الحسين عليهالسلام صائم ، فقال له الرجل انى دخلت على الحسن عليهالسلام وهو يتغدى وأنت صائم ثم دخلت عليك وأنت مفطر وعلى بن الحسين عليهالسلام صائم؟ فقال ان الحسن عليهالسلام كان إماما فأفطر لئلا يتخذ
__________________
(١) المغني ج ٣ ص ١٧٤ و ١٧٥ انه كفارة سنتين.
(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٢٣ من الصوم المندوب.
صومه سنة وليتأسى به الناس فلما ان قبض كنت أنا الإمام فأردت أن لا يتخذ صومي سنة فيتأسى الناس بي».
وروى في الكافي عن زرارة عن أبى جعفر وأبى عبد الله (عليهماالسلام) (١) قالا : «لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة ولا في المدينة ولا في وطنك ولا في مصر من الأمصار».
والذي يقرب عندي من التأمل في هذه الاخبار بعين الفكر والاعتبار أنها إلى الدلالة على عدم الاستحباب كما في سائر الأيام المذكورة في المقام أقرب وان كان الصيام في حد ذاته مستحبا مطلقا.
ويدل على ذلك أولا ـ الخبران الدالان على ان الرسول صلىاللهعليهوآله بعد نزول شهر رمضان لم يصمها مع ما علم من ملازمته صلىاللهعليهوآله على صيام السنة.
وثانيا ـ قول الحسين عليهالسلام في حديث سالم المذكور : ان الحسن عليهالسلام في وقت إمامته وكذلك هو عليهالسلام إنما لم يصوما لئلا يتخذ الناس صومه سنة وليتأسى الناس بهما في ترك صومه ، فإنه ظاهر كما ترى في عدم الاستحباب على الوجه المذكور.
واما ما ذكره في الوسائل ـ من أن المقصود دفع توهم الناس وجوب صوم يوم عرفة لا استحبابه ـ فبعيد عن ظاهر الخبر كما لا يخفى على المتأمل فيه.
وثالثا ـ ما صرح به عليهالسلام في حديث يعقوب بن شعيب من التخيير بين الصوم وعدمه ، ومن الظاهر منافاته للترغيب المذكور في هذه الأيام المعدودة في المقام. والسؤال ليس عن وجوبه حتى يحمل الكلام على دفع الوجوب بل السؤال عن استحبابه على وجه الترغيب كغيره من الأيام المعدودة.
ورابعا ـ النهى المؤكد في رواية زرارة الأخيرة.
والأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث قالوا باستحبابه جمعوا بين روايات النهى وروايات الاستحباب بحمل أخبار النهى على ما إذا لزم منه الضعف عن الدعاء
__________________
(١) الوسائل الباب ٢١ من الصوم المندوب.
أو خوف الوقوع في صيام العيد استنادا الى الخبرين الأولين ، وفي دلالتهما على ذلك تأمل سيما الخبر الثاني.
وبالجملة فإن عده في حديث الزهري المتقدم (١) في الأيام التي يتخير بين صومها وعدمه بالتقريب الذي قدمنا بيانه يدل على ان استحباب صومه على جهة الترغيب إنما هو عند العامة (٢) كما في تلك الأفراد المعدودة معه ، وما دل من الأخبار هنا صريحا على كون صيامه يعدل سنة أو نحو ذلك فيجوز خروجه مخرج التقية ، واليه يشير قول سدير لأبي جعفر عليهالسلام : «انهم يزعمون انه يعدل صوم سنة» يعني العامة فأجاب (عليهالسلام) بأن أبى كان لا يصومه. بمعنى انه لو كان كما يدعونه لكان أبى أولى بالمحافظة على صيامه لما علم من تهالكه (عليهالسلام) على الوظائف المؤكدة. ثم ان الراوي لما سأله عن الوجه في عدم صيامه أجابه بهذا الوجه الإقناعي من انه يتخوف أن يضعفه عن الدعاء أو يتخوف انه ربما يكون يوم عيد. وهذا الجواب وقع عن عدم صومه مطلقا ، فهو من قبيل العلل الشرعية التي لا يشترط اطرادها ولا دوران المعلول مدارها بل يكفى وجودها في الجملة ولو في مادة لا بمعنى انه ان أضعفه عن الدعاء لم يصمه وان لم يضعفه استحب له ، وكذلك بالنسبة إلى الهلال. وبالجملة فالأقرب عندي هو ان صومه ليس إلا مثل غيره من الأيام لا مثل هذه الأيام المرغب فيها.
ومنها ـ صوم مولد النبي صلىاللهعليهوآله وهو اليوم السابع عشر من ربيع الأول على المشهور ، وقال الكليني انه اليوم الثاني عشر منه وهو مذهب الجمهور (٣) ونقل في
__________________
(١) ص ٦.
(٢) المغني ج ٣ ص ١٧٤ و ١٧٥ وقد استثنى ص ١٧٦ منه صومه لمن كان بعرفة ليتقوى على الدعاء.
(٣) في مرآة العقول ج ١ ص ٣٤٩ : اتفقت الإمامية إلا من شذ منهم ان ولادته (ص) في سابع عشر ربيع الأول. وذهب أكثر المخالفين إلى انها في الثاني عشر منه
المدارك عن جده في فوائد القواعد الميل اليه.
ثم قال في المدارك : وليس في الباب رواية تصلح لإثبات أحد القولين. ثم قال : ويدل على استحباب صوم السابع عشر من شهر ربيع الأول والسابع والعشرين من رجب
ما رواه الشيخ بسند مشتمل على عدة من الضعفاء والمجاهيل عن إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي عن ابى الحسن الثالث (عليهالسلام) (١) «انه قال له يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهن وهي أربعة : أولهن يوم السابع والعشرين من رجب يوم بعث الله محمدا صلىاللهعليهوآله إلى خلقه رحمة للعالمين ، ويوم مولده وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دحيت الكعبة ، ويوم الغدير فيه أقام رسول الله صلىاللهعليهوآله أخاه عليا (عليهالسلام) علما للناس واماما من بعده».
أقول : وهذا الحديث وان ضعف سنده بهذا الاصطلاح المحدث إلا انه صحيح بالاصطلاح القديم لإجماع الطائفة على العمل به قديما وحديثا وهو جابر لضعف الخبر بتصريح أرباب هذا الاصطلاح فإنه لا راد له بل الكل قائل به».
ورواه الراوندي سعيد بن هبة الله في كتاب الخرائج والجرائح عن إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي (٢) قال : ركب أبى وعمومتي الى أبى الحسن (عليهالسلام) وقد اختلفوا في الأيام التي تصام في السنة وهو مقيم في قرية قبل سيره إلى سر من رأى فقال لهم جئتم تسألوني عن الأيام التي تصام في السنة فقالوا ما جئناك إلا لهذا فقال. ثم ساق الخبر على نحو ما تقدم.
__________________
واختاره المصنف اما اختيارا أو تقية والأخير أظهر. راجع الإمتاع للمقريزى ج ١ ص ٣ وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ١ ص ٢٦ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٦٧ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٢٥.
(١) التهذيب ج ٤ ص ٣٠٥ وفي الوسائل الباب ١٤ من الصوم المندوب.
(٢) الوسائل الباب ١٩ من الصوم المندوب.
ويؤيد هذا الخبر ما ذكره الشيخ في المصباح (١) قال : روى عنهم (عليهمالسلام) انهم قالوا : من صام يوم سابع عشر من شهر ربيع الأول كتب الله له صيام سنة.
وقال شيخنا المفيد (قدسسره) في كتاب مسار الشيعة (٢) : في اليوم السابع عشر من ربيع الأول كان مولد رسول الله صلىاللهعليهوآله ولم يزل الصالحون من آل محمد صلىاللهعليهوآله على قديم الأوقات يعظمونه ويعرفون حقه ويرعون حرمته ويتطوعون بصيامه. قال : وقد روى عن أئمة الهدى (عليهمالسلام) انهم قالوا : من صام يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول ـ وهو مولد سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ كتب الله له صيام سنة.
وقال في المقنعة (٣) قد ورد الخبر عن الصادقين (عليهمالسلام) بفضل صيام أربعة أيام في السنة. الى ان قال : يوم السابع عشر من ربيع الأول. ثم ساق الكلام وذكر ثواب صوم كل يوم من تلك الأيام. وظاهر عبارته تكاثر الأخبار عنده بذلك.
وقال محمد بن على بن الفتال الفارسي في كتاب روضة الواعظين (٤) : روى ان يوم السابع عشر من ربيع الأول هو يوم مولد النبي صلىاللهعليهوآله فمن صامه كتب الله له صيام ستين سنة.
وبذلك يظهر ان ما ذكره من المناقشة في سند الخبر المتقدم من المناقشات الواهية.
واما ما يدل على ان مولده صلىاللهعليهوآله الثاني عشر من الشهر المذكور فلم أقف عليه في أخبارنا ولعل ما ورد بذلك انما هو من طرق العامة حيث ان هذا هو المختار عندهم (٥)
ومنها ـ صوم يوم عاشوراء على وجه الحزن ، كذا قيده جملة من الأصحاب
__________________
(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٩ من الصوم المندوب.
(٥) ارجع الى الصفحة ٣٦٧.
وكأنهم جعلوا ذلك وجه جمع بين الأخبار الواردة في صومه أمرا ونهيا (١).
وبهذا جمع الشيخ بين الاخبار في الاستبصار فقال : ان من صام يوم عاشوراء على طريق الحزن بمصاب آل محمد صلىاللهعليهوآله والجزع لما حل بعترته صلىاللهعليهوآله فقد أصاب ومن صامه على ما يعتقده مخالفونا من الفضل في صومه والتبرك به والاعتقاد ببركته وسعادته (٢) فقد أثم وأخطأ.
ونقل هذا الجمع عن شيخه المفيد (قدسسره) قال في المدارك بعد ذكر ذلك : وهو جيد. أقول : بل الظاهر بعده لما سيظهر لك ان شاء الله تعالى بعد نقل الأخبار الواردة في هذا المقام :
فاما ما يدل على استحباب صومه فمنها ـ ما رواه في التهذيب عن ابى همام عن أبى الحسن (عليهالسلام) (٣) قال : «صام رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم عاشوراء».
__________________
(١) الوسائل الباب ٢٠ و ٢١ من الصوم المندوب.
(٢) لم نقف في اخبار العامة على ما يرجح الصوم يوم عاشوراء للتبرك والسعادة إلا على حديث ابى موسى في صحيح مسلم باب (صوم يوم عاشوراء) وفيه ان أهل خيبر كانوا يصومون يوم عاشوراء ويتخذونه عيدا ويلبسون فيه نساءهم الحلي فقال رسول الله (ص) فصوموه أنتم. وللأحاديث الواردة في صومه المشتملة على الإباضية والمرجئة والضعفاء افتى فقهاء أهل السنة باستحباب صومه ، قال العيني في عمدة القارئ ج ٥ ص ٣٤٧ اتفق العلماء على ان صوم يوم عاشوراء سنة وليس بواجب. نعم اختلق أعداء أهل البيت (ع) أحاديث في استحباب التوسعة على العيال يوم عاشوراء والاغتسال والخضاب والاكتحال ، وفيها يقول ابن كثير الحنبلي كان النواصب من أهل الشام يعاكسون الشيعة فيتطيبون ويغتسلون ويطبخون الحبوب ويلبسون أفخر الثياب ويتخذون ذلك اليوم عيدا يظهرون فيه السرور عنادا للروافض وقد رد هذه الأحاديث السيوطي في اللئالي المصنوعة ج ٢ ص ١٠٨ الى ١١٣ والذهبي في الميزان ج ١ ص ١١٦ وابن حجر في مجمع الزوائد ج ٣ ص ١٨٩ وفي الصواعق المحرقة ص ١٠٩.
(٣) الوسائل الباب ٢٠ من الصوم المندوب.
وما رواه عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (١) قال : «صيام يوم عاشوراء كفارة سنة».
وما رواه الشيخ عن مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهماالسلام) (٢) «ان عليا (صلوات الله وسلامه عليه وآله) قال : صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة».
وما رواه عن كثير النواء عن أبى جعفر (عليهالسلام) (٣) قال : «لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي فأمر نوح (عليهالسلام) من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم. وقال أبو جعفر (عليهالسلام) أتدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وحواء (عليهماالسلام) وهذا اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه ، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى عليهالسلام فرعون ، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم عليهالسلام ، وهذا اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس عليهالسلام) وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم (عليهالسلام) وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم عليهالسلام».
واما ما يدل على عدم جواز صومه ، فمنه ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم جميعا (٤) «أنهما سألا أبا جعفر الباقر عليهالسلام عن صوم يوم عاشوراء فقال : كان صومه قبل شهر رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك (٥)».
وما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن عبد الملك (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم فقال تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين (عليهالسلام) وأصحابه (رضوان الله عليهم)
__________________
(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٠ من الصوم المندوب.
(٤ و ٦) الوسائل الباب ٢١ من الصوم المندوب.
(٥) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٨٨.
بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين وأصحابه (كرم الله وجوههم) وأيقنوا أن لا يأتي الحسين (عليهالسلام) ناصر ولا يمده أهل العراق ، بأبي المستضعف الغريب. ثم قال : واما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليهالسلام صريعا بين أصحابه وأصحابه صرعى حوله ، أفصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام (غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم) وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام ، فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوطا عليه ، ومن ادخر فيه الى منزله ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقا في قلبه الى يوم يلقاه وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده وشاركه الشيطان في جميع ذلك».
وما رواه فيه عن محمد بن عيسى بن عبيد عن جعفر بن عيسى أخيه (١) قال : «سألت الرضا (عليهالسلام) عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه فقال عن صوم ابن مرجانة تسألني ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين (عليهالسلام) وهو يوم يتشاءم به آل محمد صلىاللهعليهوآله ويتشاءم به أهل الإسلام واليوم الذي يتشاءم به أهل الإسلام لا يصام ولا يتبرك به ، ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله فيه نبيه صلىاللهعليهوآله وما أصيب آل محمد صلىاللهعليهوآله إلا في يوم الاثنين فتشاءمنا به وتبرك به عدونا ، ويوم عاشوراء قتل فيه الحسين (عليهالسلام) وتبرك به ابن مرجانة وتشاءم به آل محمد صلىاللهعليهوآله فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب وكان محشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما».
وما رواه فيه عن زيد النرسي (٢) قال : «سمعت عبيد بن زرارة يسأل
__________________
(١ و ٢) الوسائل الباب ٢١ من الصوم المندوب.
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صوم يوم عاشوراء فقال : من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد. قال قلت : وما كان حظهم من ذلك اليوم؟ قال : النار ، أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرب من النار».
وما رواه عن نجية بن الحارث العطار (١) قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن صوم يوم عاشوراء فقال صوم متروك بنزول شهر رمضان (٢) والمتروك بدعة قال نجية فسألت أبا عبد الله (عليهالسلام) من بعد أبيه (عليهالسلام) عن ذلك فأجابني بمثل جواب أبيه ، ثم قال اما انه صوم يوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنة إلا سنة آل زياد بقتل الحسين بن على عليهماالسلام».
وما رواه عن زرارة عن أبى جعفر وأبى عبد الله (عليهماالسلام) (٣) قالا : لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة. الحديث وقد تقدم في صوم عرفة.
وما رواه الصدوق في كتاب المجالس عن الحسين بن أبى غندر عن أبيه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (٤) قال : «سألته عن صوم يوم عرفة فقال عيد من أعياد المسلمين ويوم دعاء ومسألة. قلت فصوم يوم عاشوراء؟ قال ذلك يوم قتل فيه الحسين (عليهالسلام) فان كنت شامتا فصم. ثم قال ان آل أمية نذروا نذرا ان قتل الحسين عليهالسلام أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا ويفرحون أولادهم فصارت في آل أبى سفيان سنة الى اليوم فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح ذلك اليوم. ثم قال : ان الصوم لا يكون للمصيبة ولا يكون إلا شكرا للسلامة وان الحسين (عليهالسلام) أصيب يوم عاشوراء فان كنت في من أصيب به فلا تصم وان كنت شامتا ممن سره سلامة بنى أمية فصم شكرا لله تعالى».
وما رواه في كتاب المجالس أيضا بإسناده إلى جبلة المكية (٥) قال : «سمعت
__________________
(١ و ٣) الوسائل الباب ٢١ من الصوم المندوب.
(٢) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٨٨.
(٤) الوسائل الباب ٢١ من الصوم المندوب ، والرواية في مجالس الشيخ لا مجالس الصدوق.
(٥) الوافي باب صيام يوم عاشوراء والاثنين.
ميثم التمار يقول والله لتقتلن هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر مضين منه وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة ، وان ذلك لكائن قد سبق في علم الله (تعالى ذكره) اعلم ذلك بعهد عهده الي مولاي أمير المؤمنين (عليهالسلام) ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كل شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار والطير في جو السماء وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض ومؤمنو الإنس والجن وجميع ملائكة السماوات ورضوان ومالك وحملة العرش ، وتمطر السماء دما ورمادا. ثم قال وجبت لعنة الله على قتلة الحسين (عليهالسلام) كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس. قالت جبلة فقلت له يا ميثم وكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي يقتل فيه الحسين بن على (عليهماالسلام) يوم بركة؟ فبكى ميثم (رحمهالله) ثم قال سيزعمون بحديث يضعونه انه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم (عليهالسلام) وإنما تاب الله على آدم في ذي الحجة ، ويزعمون انه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود عليهالسلام وإنما قبل الله توبته في ذي الحجة ، ويزعمون انه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس عليهالسلام من بطن الحوت وإنما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة ويزعمون انه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح عليهالسلام على الجودي وإنما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجة ، ويزعمون انه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل وإنما كان ذلك في ربيع الأول. ثم قال ميثم يا جبلة اعلمي ان الحسين بن على (عليهماالسلام) سيد الشهداء يوم القيامة ولأصحابه على سائر الشهداء درجة ، يا جبلة إذا نظرت الى الشمس حمراء كأنها دم عبيط فاعلمي ان سيدك الحسين عليهالسلام قد قتل. قالت جبلة فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة فصحت حينئذ وبكيت وقلت قد والله قتل الحسين عليهالسلام».
أقول : وميثم التمار (رضياللهعنه) كان من حواري أمير المؤمنين عليهالسلام وخواصه كما هو مصرح به في الاخبار وكلام علمائنا الأبرار فقوله (رضى الله عنه) مقتبس من قوله عليهالسلام.
ثم أقول : لا يخفى عليك ما في دلالة هذه الاخبار من الظهور والصراحة في تحريم صوم هذا اليوم مطلقا وان صومه إنما كان في صدر الإسلام ثم نسخ بنزول صوم شهر رمضان (١) وعلى هذا يحمل خبر صوم رسول الله صلىاللهعليهوآله (٢).
واما خبر القداح وخبر مسعدة بن صدقة الدال كل منهما على ان صومه كفارة سنة والأمر بصومه كما في ثانيهما فسبيلهما الحمل على التقية (٣) لا على ما ذكروه من استحباب صومه على سبيل الحزن والجزع ، كيف وخبر الحسين بن ابى غندر عن أبيه (٤) ظاهر في أن الصوم لا يكون للمصيبة وانما يكون شكرا للسلامة ، مع دلالة الأخبار الباقية على النهى الصريح عن صومه مطلقا سيما خبر نجية وقولهما (عليهماالسلام) فيه انه متروك بصيام شهر رمضان والمتروك بدعة. وبالجملة فتحريم صيامه مطلقا من هذه الاخبار أظهر ظاهر.
واما خبر كثير النواء ـ مع كون راويه المذكور بتريا عاميا (٥) قد وردت فيه الذموم الكثيرة مثل قول الصادق عليهالسلام (٦) «اللهم إني إليك من كثير النوا برئ في الدنيا والآخرة». وقوله أيضا (٧) «ان الحكم بن عتيبة وسلمة وكثير النواء وأبا المقدام والتمار ـ يعنى سالما ـ أضلوا كثيرا ممن ضل من هؤلاء وانهم ممن قال الله تعالى : (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)» (٨). ـ معارض بخبر ميثم المذكور.
__________________
(١) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٨٨.
(٢) ص ٣٧٠.
(٣) المغني ج ٣ ص ١٧٤.
(٤) ص ٣٧٣.
(٥) فرق الشيعة للنوبختى ص ١٣ والتبصير للاسفراينى ص ٣٣ ورجال الشيخ الطوسي ورجال البرقي.
(٦) رجال الكشي ص ٢٠٨ الطبع الحديث في النجف الأشرف.
(٧) رجال الكشي ص ٢٠٨ الطبع الحديث في النجف الأشرف والرواية عن ابى جعفر (ع).
(٨) سورة البقرة الآية ٨.
وبالجملة فإن دلالة هذه الأخبار على التحريم مطلقا أظهر ظاهر ولكن العذر لأصحابنا في ما ذكروه من حيث عدم تتبع الأخبار كملا والتأمل فيها.
نعم قد روى الشيخ (رضياللهعنه) في كتاب مصباح المتهجد (١) عن عبد الله ابن سنان عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «دخلت عليه يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله مم بكاؤك لا ابكى الله عينيك؟ فقال لي أو في غفلة أنت أما علمت ان الحسين ابن على (عليهماالسلام) أصيب في مثل هذا اليوم؟ فقلت يا سيدي فما قولك في صومه؟ فقال لي صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ولا تجعله يوم صوم كملا وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله صلىاللهعليهوآله وانكشفت الملحمة عنهم. الحديث».
وهذه الرواية هي التي ينبغي العمل عليها وهي دالة على مجرد الإمساك إلى الوقت المذكور. والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في المسالك حمل كلام الأصحاب باستحباب صوم يوم عاشوراء على وجه الحزن هو صومه على هذا الوجه المذكور في هذه الرواية. وهو بعيد فان كلامهم صريح أو كالصريح في أن مرادهم صيام اليوم كملا كما في جملة أفراد الصيام. والله العالم.
ومنها ـ صوم أول يوم من المحرم بل الشهر كملا : روى الصدوق (عطر الله مرقده) مرسلا (٢) قال : «روى ان في أول يوم من المحرم دعا زكريا ربه (عزوجل) فمن صام ذلك اليوم استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليهالسلام».
وروى في كتاب المجالس وعيون الاخبار في الصحيح عن الريان بن شبيب (٣) قال «دخلت على الرضا عليهالسلام في أول يوم من المحرم فقال لي يا ابن شبيب أصائم أنت؟
__________________
(١) ص ٥٤٧ وفي الوسائل الباب ٢٠ من الصوم المندوب.
(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٥ من الصوم المندوب.
فقلت لا فقال ان هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا ربه فقال (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (١) فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكريا (وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ : أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) (٢) فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله (عزوجل) استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليهالسلام».
وروى الشيخ المفيد (قدسسره) في المقنعة (٣) عن النعمان بن سعد عن على عليهالسلام انه قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لرجل ان كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر تاب الله (عزوجل) فيه على قوم ويتوب الله فيه على آخرين».
وروى ابن طاوس (طاب ثراه) في كتاب الإقبال (٤) عن النبي صلىاللهعليهوآله قال «من صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوما».
قال (٥) وروى من طرقهم (عليهمالسلام) «ان من صام يوما من المحرم محتسبا جعل الله تعالى بينه وبين جهنم جنة كما بين السماء والأرض».
وبإسناده عن الشيخ المفيد (قدسسره) في كتاب حدائق الرياض (٦) عن الصادق عليهالسلام قال : «من أمكنه صوم المحرم فإنه يعصم صائمة من كل سيئة».
وعن النبي صلىاللهعليهوآله (٧) «ان أفضل الصلاة بعد الصلاة الفريضة الصلاة في جوف الليل ، وان أفضل الصوم من بعد شهر رمضان صوم شهر الله الذي يدعونه المحرم».
ومنها ـ صيام الخميس والجمعة والسبت ، روى الشيخ المفيد في المقنعة (٨) عن راشد بن محمد عن أنس قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة».
وفي رواية أسامة بن زيد (٩) «ان النبي صلىاللهعليهوآله كان يصوم الاثنين والخميس فسئل عن ذلك فقال ان اعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس».
__________________
(١) سورة آل عمران الآية ٣٤.
(٢) سورة آل عمران الآية ٣٥.
(٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٢٥ من الصوم المندوب.
(٩) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٩٣.
ورواية ابن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام (١) قال : «رأيته صائما يوم الجمعة فقلت له جعلت فداك ان الناس يزعمون انه يوم عيد (٢)؟ فقال : كلا انه يوم خفض ودعة».
وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليهالسلام (٣) «في الرجل يريد أن يعمل شيئا من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا؟ قال : يستحب أن يكون ذلك يوم الجمعة فإن العمل يوم الجمعة يضاعف».
وروى في كتاب عيون الاخبار بسنده عن الرضا عليهالسلام (٤) قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله من صام يوم الجمعة صبرا واحتسابا أعطى ثواب صيام عشرة أيام غر زهر لا تشأ كل أيام الدنيا». ورواه الطبرسي في صحيفة الرضا عليهالسلام (٥).
وروى الصدوق عن دارم بن قبيصة عن الرضا عن آبائه (عليهمالسلام) (٦) قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لا تفردوا الجمعة بصوم».
وروى الشيخ بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله (٧) قال : «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله أو بعده».
قال الشيخ : هذا الخبر طريقه رجال العامة (٨) لا يعمل به. وقال ان المعمول عليه هو رواية ابن سنان. يعني الرواية المتقدمة (٩).
أقول : قال العلامة في المختلف قال ابن الجنيد لا يستحب افراد يوم الجمعة بصيام فان تلا به ما قبله أو استفتح به ما بعده جاز. والمشهور الاستحباب مطلقا لنا ـ ان الصوم عبادة في نفسه وقد روى زيادة ثواب الطاعة يوم الجمعة وان الحسنات تتضاعف فيه ، وما رواه ابن سنان في الصحيح. ثم نقلها كما قدمناه ثم قال احتج ابن
__________________
(١ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٩) الوسائل الباب ٥ من الصوم المندوب.
(٢) عمدة القارئ ج ٥ ص ٣٣٣.
(٧) الوسائل الباب ٥ من الصوم المندوب رقم ٦.
(٨) المغني ج ٣ ص ١٦٥.
الجنيد بما رواه عبد الملك بن عمير (١) قال : «سمعت رجلا من بنى الحارث بن كعب قال : سمعت أبا هريرة يقول ليس أنا أنهى عن صوم يوم الجمعة ولكن سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله قال «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله أو بعده». والجواب ما ذكره الشيخ ان طريقه رجال العامة لا يعمل به بل الأول هو المعمول به. ثم قال (قدسسره) مسألة : قال ابن الجنيد وصوم الاثنين والخميس منسوخ وصوم يوم السبت منهي عنه عن النبي صلىاللهعليهوآله ، ولم يثبت عندي شيء من ذلك ولم يذكر المشهورون من علمائنا ذلك. نعم روى جعفر بن عيسى عن الرضا عليهالسلام. ثم ساق الرواية كما قدمناها في صيام عاشوراء (٢) ثم قال : فان صح هذا السند كان صوم يوم الاثنين مكروها وإلا فلا.
أقول : والذي يقرب عندي أن صيام هذه الثلاثة الأيام أعنى الجمعة والخميس والاثنين وان جاز من حيث استحباب الصوم مطلقا إلا انه ليس من قبيل صيام الترغيب الذي نحن في صدد عد أفراده ، فإن رواية الزهري مع رواية كتاب الفقه الرضوي المتقدمتين في أول الكتاب (٣) قد عد فيهما هذه الأيام الثلاثة من قبيل ما يتخير بين صومه وتركه ، وهو مؤذن ـ كما قدمنا بيانه سابقا ـ بعدم الاستحباب فيها على الوجه المذكور في صيام الترغيب.
ويؤيده ما تقدم في رواية محمد بن مروان (٤) المنقولة في صيام ثلاثة أيام السنة انه كان صلىاللهعليهوآله يصوم الاثنين والخميس أولا ثم تحول عنه الى صيام الثلاثة المذكورة. وهو مشعر بنسخها.
وما تقدم (٥) في رواية جعفر بن عيسى أخي محمد بن عيسى بن عبيد من الدلالة على كراهة صوم الاثنين.
__________________
(١) التهذيب ج ٤ ص ٣١٥ وفي الوسائل الباب ٥ من الصوم المندوب ، وهي نفس الرواية رقم ٧ ص ٣٧٨.
(٢ و ٥) ص ٣٧٢.
(٣) ص ٥.
(٤) ص ٣٤٨.
وما ورد في صحيحة على بن مهزيار (١) الواردة في من نذر أن يصوم يوما دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو سفر أو مرض؟ فكتب عليهالسلام في جوابه «قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها».
وما رواه في الخصال عن عقبة بن بشير الأزدي (٢) قال : «جئت الى أبى جعفر عليهالسلام يوم الاثنين فقال كل. فقلت انى صائم. فقال وكيف صمت؟ قال قلت لأن رسول الله صلىاللهعليهوآله ولد فيه. فقال : اما ما ولد فيه فلا يعلمون واما ما قبض فيه فنعم. ثم قال : فلا تصم ولا تسافر فيه».
ويمكن استثناء يوم الجمعة من هذه الثلاثة لصحة ما ورد في صيامه ورجحانه على ما عارضه. والله العالم.
ومنها ـ صوم يوم المباهلة وهو الرابع والعشرون من شهر ذي الحجة ، ولم أقف فيه على نص.
وعلله العلامة في المنتهى بأنه يوم شريف قد أظهر الله فيه نبينا صلىاللهعليهوآله على خصمه وحصل فيه من التنبيه على قرب على عليهالسلام من ربه واختصاصه به وعظم منزلته وثبوت ولايته واستجابة الدعاء به ما لم يحصل لغيره ، وذلك من أعظم الكرامات الموجبة لاخبار الله تعالى ان نفسه نفس رسول الله صلىاللهعليهوآله فيستحب صومه شكرا لهذه النعم الجسيمة.
ومنها ـ صوم يوم النيروز لما رواه الشيخ في المصباح عن المعلى بن خنيس عن الصادق عليهالسلام (٣) قال : «إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وتكون ذلك اليوم صائما. الحديث».
__________________
(١) الوسائل الباب ١٠ من كتاب النذر والعهد وفيه «يوما من الجمعة دائما».
(٢) الوسائل الباب ٢٢ من الصوم المندوب.
(٣) الوسائل الباب ٢٤ من الصوم المندوب.