الشيخ عبدالأمير عبدالزهره « أبو علي البصري »
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-8163-14-6
الصفحات: ٢٨٨
وهذا الحديث عن الرسول صلىاللهعليهوآله فيه إشارة وإذن لزيارة الامام الرضا عليهالسلام لأنّ الرسول صلىاللهعليهوآله يقول عنه القرآن الكريم : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) . وكذلك قوله سبحانه وتعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) . وبهذا نخاطب لمن يخطّأنا في زيارة العترة الطاهرة ونقول لهم إنّما نأتي لزيارتها تلبية لنداء الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله وأهل بيته الطاهرين وهم أعلم بالشرع من غيرهم لأنّ الذكر نزل في بيوتهم ، وأهل البيت أدرىٰ بالذي فيه .
الفائدة الثانية : أفاد الامام الهادي عليهالسلام ان موضع قبره لبقعة من بقاع الجنة ، وفي هذا المضمون روايات كثيرة عن الأئمة عليهمالسلام نتبرّك بقسم منها ، ما روي عن الامام محمد الجواد عليهالسلام قال : « إنَّ بين جبلي طوس قبضة قبضت من الجنة » (١) وكذلك يدلّ على ذلك ما روي عن الامام الرضا عليهالسلام : « إنّ في خراسان بقعة سيأتي عليها زمان تكون مختلف الملائكة لا تزال تهبط فيها فوج من الملائكة وتصعد فوج حتى ينفخ في الصّور ، فقالوا يابن رسول الله وما هي هذه البقعة ؟ قال : هي بأرض طوس ، وإنّها والله روضة من رياض الجنّة من زارني فيها كان كما لو زار رسول الله صلىاللهعليهوآله ... » (٢) . إضافة هل روايات كثيرة في هذا المعنى .
الفائدة الثالثة : أفاد الامام الهادي عليهالسلام إنّ زائر الرضا عليهالسلام يعتق من النار إذا زاره مؤمناً ، يسكن الجنة وفي هذا المعنى روايات كثيرة منها ما روي عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله قال : « ستدفن بضعة منّي بخراسان ما زارها مؤمن إلّا أوجب الله له الجنة وحرّم جسده على النار » (٣) وكذلك ما روي عن الامام الجواد عليهالسلام قال :
______________________
(١) من لا يحضره الفقيه ( للشيخ الصدوق ) : ٥٧١ نقلاً عن مفاتيح الجنان ( للقمي ) .
(٢) نفس المصدر السابق .
(٣) نفس المصدر السابق راجع للمفاتيح .
« ضمنت لمن زار أبي بطوس عارفاً بحقّه الجنّة على الله تعالى » وهذه الرواية قيّد الامام الجواد قيداً وهو أن يكون الزائر على معرفة بحقّ أبيه الرضا عليهالسلام ومن هذه الحقوق أولاً ان يعرف انه امام مفترض الطاعة ثاني انه غريب شهيد ثالثاً له حق برسول الله لأنّ ولده وقد أوصانا في القرآن الكريم : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) إلى آخر حقوقه عليهالسلام .
الفائدة الرابعة : قضاء الحوائج عند قبر الامام الرضا عليهالسلام : إنّ الله عز وجل هو قاضي الحاجات لكن جعل أبواباً وأسباباً لقضاء هذه الحوائج ومن جملة الأسباب الناجحة لقضاء الحوائج هي زيارة الامام الرضا عليهالسلام سواء كان مشياً على الأقدام أو مطلق الزيارة وجعل الإمام الهادي عليهالسلام بعض الشروط منها أن يكون الزائر على غسل والغسل من مستحبات الزيارة لكن في هذه النقطة من أسباب ودواعي قضاء الحاجة ، ثانياً الصلاة عند الرأس الشريف للإمام الرضا عليهالسلام وهنا أطلق الامام الهادي عليهالسلام الصلاة وماذا يقرأ فيها لكن يستفاد من بعض الكتب يقرأ في الركعة الأُولى بعد الحمد سورة يس ، وفي الركعة الثانية بعد الحمد سورة الرحمن ، ويمكنه أن يقتصر على مطلق الركعتين حيث أنّ الامام الهادي عليهالسلام أطلق الركعتين ولم يقيّد بسور مخصوصة والشرط الثالث أن يقنت في أثناء الصلاة ويسمي حاجته الشرط الرابع أن لا تكون في هذه الحاجة قطيعة رحم أو إثم ، أيّ الحاجات المشروعة .
لماذا تقضىٰ الحوائج عند قبر الامام الرضا عليهالسلام ؟
وللجواب على هذا السؤال نذكر مجموعة أُمور :
أولاً
: الامام المعصوم عليهالسلام يجسّد رحمة الله في
أرضه وهو من أبرز مظاهر رحمة الله في أرضه ، ورحمة الله سبقت غضبه ، وقبر الامام المعصوم عليهالسلام تفاض
عليه الرحمات الإلهية ثم منه تفاض على الزائر والمتوسل وإليه أُشير في زيارة الامام الرضا عليهالسلام التي رواها المحدث القمي قدسسره في المفاتيح : ٥٧٥ : « اَللّٰهُمَّ اِلَيْكَ صَمَدْتُ مِنْ اَرْضي ، وَقَطَعْتُ الْبِلٰادَ رَجٰاءَ رَحْمَتِكَ فَلٰا تُخَيِّبْني ، وَلٰا تَرُدَّني بِغَيْرِ قَضٰآءِ حٰاجَتي » وفي الزيارة الجامعة الكبيرة « اَلسَّلٰامُ عَلَيْكُمْ يٰا اَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ ، وَمَوْضِعَ الرِّسٰالَةِ ، وَمُخْتَلَفَ الْمَلٰائِكَةِ ، وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ » إذن هم معدن الرحمة .
ثانياً : لجاههم الوجيه عند الله عزّ وجل ولكرامتهم على الله عزّ وجل تقضى الحوائج عند قبورهم فيكونوا شفعاء للزائر عند الله سبحانه في قضاء حاجته وإليه أشير في الزيارة الجامعة الكبيرة « مُسْتَجيرٌ بِكُمْ ، زٰآئِرٌ لَكُمْ لٰائِذٌ عٰآئِذٌ بِقُبُورِكُمْ ، مُسْتَشْفِعٌ اِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ بِكُمْ ، وَمُتَقَرِّبٌ بِكُمْ اِلَيْهِ ، وَمُقَدِّمُكُمْ اَمٰامَ طَلِبَتي ، وَحَوٰآئِجي وَاِرٰادَتي في كُلِّ اَحْوٰالي وَاُمُوري ... » .
شفاء بصر العلامة الحجة السيد حسين الطباطبائي آل بحر العلوم :
حيث قصد العلامة السيد حسين آل بحر العلوم قبر الامام الرضا عليهالسلام من الغريّ ونظم قصيدة قرأها عند الرضا عليهالسلام فمنّ الله عليه بالعافية ببركة الامام الرضا عليهالسلام حيث قال في خطابه :
قصدت قبرك من أرض الغري ولا |
|
يخيبُ الله راجي قبرك العطرِ |
رجوت منك شفاعيني وصحتها |
|
فامنن عليّ بها واكشف قذى بصري |
* * *
أقول هذا العلّامة قصده ووصل إلى حضرته
الشريفة وانشد القصيدة وحدثت الكرامة ، لكن أخته فاطمة المعصومة كريمة أهل البيت شقيقة الإمام الرضا عليهالسلام أُخته لأُمّه وأبيه هذه لم يحالفها الحظ لرؤية أخيها هذه أقبلت أولاً لشوقها لروية
أخيها الرضا عليهالسلام وثانياً أرادت أن تقف إلى جنب أخيها الرضا عليهالسلام كما وقفت الحوراء زينب بإزاء أخيها الحسين عليهالسلام وكيف نصرته بكل ما تستطيع . وثالثاً : لما ينقل في بعض الكتب أنّ الرضا عليهالسلام كتب إليها كتاباً ، وكتب الإمام الرضا عليهالسلام وهو في خراسان إلى السيدة الزكية فاطمة المعروفة بالسيدة معصومة ( كريمة أهل البيت ) أن تلحق به ، فقد كانت أثيرة عنده ، وعزيزة عليه ، ولما انتهى الكتاب إليها تجهّزت وسافرت إليه (١) . ولما وصلت إلى ( ساوه ) مرضت فسألت عن المسافة بينها وبين ( قم ) فقيل لها عشرة فراسخ فأمرت بحملها إلى قم فحملت إليها ونزلت في بيت موسى الخزرج الذي خرج لاستقبالها في موكب مهيب وأخذ بزمام ناقتها وأقدمها إلى داره فبقيت عنده سبعة عشر يوماً ثم انتقلت إلى حضيرة القدس .
هذا ما هو مذكور في الكتاب التأريخية وما نقله المحدث القمي في سفينة البحار وغيرها . ولكن تناقل على ألسن بعض الخطباء ولا أدري لعلّهم أطلعوا سابقاً على مصدر لم نعثر عليه وهي أنّها عليهاالسلام لما وصلت إلى قم رأت اعلام سود منشورة فسألت ما الخبر فقيل لها انّ الرضا عليهالسلام مات مسموماً فشهقت من حينها ومات حزناً على أخيها .
گصدت للنزل تعدي |
|
او گامت تنشد النسوان |
||||
عليمن هالاعلام السود |
|
تخفج والنزل حزنان |
||||
صاحن مات ابو محمد |
|
غريب الدار بخريسان |
||||
صاحت والدمع سچاب |
|
اخته موچبه اعلى الباب |
|
تعنه النزل شيب او شاب |
||
كلها تلطم الفرگاه |
|
او منها العين همّاله |
||||
* * *
______________________
(١) نقلاً عن حياة الامام الرضا ( للقرشي ) : ٣٥١ نقلاً عن جوهرة الكلام : ١٤٦ .
لمّن شافت الوادم |
|
تتصارخ لفت ليها |
||||
كلها تجذب الونه |
|
او تنعه ابفگد واليها |
||||
طاحت على الوجه عالگاع |
|
لاچن انغمه اعليها |
||||
لفوا ليها يشوفوها |
|
وبفگده يعزوها |
|
من گاموا حرچوها |
||
لنها امفارجه الدنيا |
|
اعلى اخيها المامش امثاله |
||||
* * *
ماتت حين ما سمعت |
|
ابموت الرضا المعصومه |
||||
ما شافت ترضه الخيل |
|
والدم غير ارسومه |
||||
الله ايساعدچ عالضيم |
|
يا زينب المظلومه |
|
شافت وليها اعلى الثره |
||
والشمر يگطع منحره |
|
او جثته ابدمها امعفره |
||||
* * *
المعصومه اخوها انشال |
|
فوگ الروس واتشيّع |
||||
او جسمه الطاهر اتغسل |
|
ابدال الماي بالمدمع |
||||
وزينب شافت المظلوم |
|
جسمه اعله الثره امگطع |
||||
اوراحت يسيره اويه العده |
|
اوياها اليتامه امگيده |
|
اوراسه اعلى عسال انهده |
||
او عگب احسين محملها |
|
خوله او زجر يبراله |
||||
* * *
ايسوقها زجر يضرب متونها |
|
والشمر يحدوها بسبّ أبيها |
* * *
علم الامام الرضا عليهالسلام
ما شجاني ذكراي رسماً دريسا |
|
أقفر البين ربعه المأنوسا |
لا ولم تجر أدمعي لظعون |
|
سار فيها الحادي يسوق العيسا |
بل بكائي وحسرتي لغريب |
|
شردوه فحلّ بالرغم ( طوسا ) |
يابن موسى لا ينقضي لك حزني |
|
لك حزني لا ينقضي يابن موسى |
لست أنساك حين جرعك الخا |
|
ئن بالعهد سمّه المدسوسا |
قسماً في علو شأنك يابن |
|
المصطفى واليمين ليست غموسا |
إنّ يوماً أرداك سمّ بني |
|
العباس فيه قد كان يوماً عبوسا |
يا إماماً يرفع نعشك خلنا |
|
رفع الله للسما إدريسا |
شيّعت نعشه النفوس ولكن |
|
رزؤه شيّع الأسى والنفوسا |
* * *
يا بني العباس چم الكم جرح |
|
حدر ضلع المصطفى او طعنة رمح |
او دم مدامع فاطمه منكم تسح |
|
حيث خليتوا الچبد منها خذم |
* * *
آه من مامونكم لعنه وجب |
|
گطع حبل الوصل گص حبل النسب |
سم ابن موسى يويلي بالعنب |
|
او يظن غيره بالفعل دونه انتهم |
* * *
ظل ابو محمد حليف او سادته |
|
مثل عمه الحسين يجذب ونته |
آه والسم لعد گلبه فتته |
|
ايلوج مثل احسين من صابه السهم |
* * *
بعث لخته خبر حاله المبتلي |
|
يختي گومي امن المدينه او عجّلي |
من وصل ليها الطارس من علي |
|
او قرت مكتوبه الچبد منها انجسم |
* * *
غدت دمع العين دم اتفايضه |
|
وسَرَّعت بالسفر سچت بالفضه |
گبل ما توصل او لن ناعي الرضا |
|
مات فخر العرب بديار العجم |
* * *
من سمعت أخوها مات شهگت والدمع همّال |
|
|
|
اجو ليها يحركوها لگوها سلّمت بالحال |
|
غريبه بالدرب ماتت ونعشها شيعوه وانشال |
|
|
|
وغريب الطف بگه مطروح وعليه زينب دمعها سال |
|
* * *
علم الامام الرضا عليهالسلام :
عن الامام الصادق عليهالسلام : « يا بني إنّ لفي صلبك عالم آل محمد سمّي جدّي أمير المؤمنين ليتني أدركته » .
المقدمة :
شخصية الامام الرضا عليهالسلام فهي ملء فم الدنيا
في فضائلها ومواهبها وقد قال الامام الكاظم عليهالسلام
لأولاده : « هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد صلىاللهعليهوآله
سلوه
عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم ... » وقال إبراهيم بن العباس الصولي الكاتب المبدع والشاعر المشهور قال « ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا ... ومن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقه ... » (١) . وقال ابو الصلت الهروي : « ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا ولا رآه عالم إلّا شهد له بمثل شهادتي ، ولقد جمع المأمون في مجلس له عدداً من علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم ، حتى ما بقي منهم أحد أقرّ له بالفضل وأقرّ على نفسه بالقصور » .
١ ـ علمه بالقرآن الكريم :
١ ـ قوله تعالى ( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) (٢) . استدلّ الامام الرضا عليهالسلام بهذه الآية الكريمة حينما سأله المأمون هل فضّل الله العترة على سائر الأُمة ؟ فقال عليهالسلام إنّ الله عزّ وجل أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه ، فقال المأمون ، وأين ذلك من كتاب الله ؟ فقال عليهالسلام في قول الله ( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) إنّ العترة داخلون في آل ابراهيم لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله من ولد ابراهيم وهو دعوة إبراهيم وعترته منه (٣) .
٢ ـ ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ) (٤) ، سأل علي بن محمد ابن الجهم الامام الرضا عليهالسلام في مجتمع حاشد فقال له : يابن رسول الله أتقول بمهمة
______________________
(١) كشف الغمة .
(٢) سورة آل عمران : الآية ٣٣ ـ ٣٤ .
(٣) مواهب الرحمن ٥ / ٣٢٨ .
(٤) سورة يوسف : الآية ٢٤ .
الأنبياء ؟ فقال نعم ما تقول في قوله تعالى في يوسف ولقد همّت به ، وهمّ بها ؟ فأجابه عليهالسلام بتفسير الآية وانه ليس كما توهم من الآخذ بظاهره قائلاً : « إنها ـ أي زليخا ـ همّت بالمعصية ، وهمّ يوسف بقتلها ان أجبرته لعظيم ما تداخله ، فصرف الله عنه قتلها وهو قوله عزّ وجل ( كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ) » (١) .
٣ ـ ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) (٢) سأل محمد بن عبيدة الامام الرضا عليهالسلام عن تفسير قوله تعالى « لما خلقت بيدي » قال عليهالسلام : « يعني بقدرتي وقوتي » (٣) .
٢ ـ علم الفقه :
أ ـ قضاء النوافل : روى محمد بن يحيى قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليهالسلام تكون علي الصلوات النافلة حتى أقضيها ؟ فكتب عليهالسلام في أي ساعة شئت من ليل أو نهار . وأفتى فقهاء الامامية على ضوء هذه الرواية وغيرها مما أثر عن أئمة الهدى عليهمالسلام استحباب قضاء الرواتب ، وإذا عجز عن القضاء استحب له الصدقة عن كل ركعتين مد .
ب ـ الصلاة إلى جانب قبر النبي : فقد روى الحسن بن علي بن فضال قال : رأيت أبا الحسن الرضا عليهالسلام وهو يريد أن يودع للخروج إلى العمرة فأتى القبر من موضع رأس النبي صلىاللهعليهوآله ولزق بالقبر ثم انصرف حتى أتى القبر فقام إلى جانبه يصلّي فألزق منكبه الأيسر بالقبر من الاسطوانة المخلقة التي عند رأس النبي صلىاللهعليهوآله فصلّى ست ركعات أو ثمان ركعات .
______________________
(١) الميزان ١١ / ١٦٦ .
(٢) سورة ص : الآية ٧٥ .
(٣) الميزان ١٧ / ٢٢٩ .
ج ـ العمل للسلطان الجائر : روى الحسن بن الحسين الأنباري عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال كتبت إليه أربع عشرة سنة استأذنه في عمل السلطان ، فلما كان في آخر كتاب كتبته إليه اذكر أني أخاف على خيط عنقي ، وان السلطان يقول لي انك رافضي ، ولسنا نشك في أنك تركت العمل للسلطان للرفض ، فكتب إلى أبو الحسن عليهالسلام فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك ، فان كنت تعلم أنك إذا وليت عملت في عملك بما أمر به رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم تصير أعوانك وكتابك أهل ملتك ، وإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين حتى تكون واحداً منهم كان ذا بذا وإلّا فلا (١) .
٣ ـ علم الحديث :
أ ـ سئل الرضا عليهالسلام عن قول النبي صلىاللهعليهوآله : « أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » وعن قوله : « دعوا لي أصحابي » فقال عليهالسلام : هذا صحيح يريد من لم يغيّر بعده ، ولم يبدل ، قيل : وكيف يعلم أنهم قد غيّروا أو بدلوا ؟ قال : لما يرونه من أنه صلىاللهعليهوآله قال ليذادن برجال من أصحابي يوم القيامة عن حوضي ، كما تذاد غرايب الابل عن الماء ، فأقول : يا رب أصحابي ، أصحابي ! فيقال لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : بعداً لهم وسحقاً أفترى هذا لمن لم يغير ولم يبدّل .
أقول : ليست الصحبة عاصمة عن الخطأ ، ففي الصحابة سمرة بن جندب ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة وغيرهم من رؤوس النفاق والضلال .
______________________
(١) الوسائل ١٢ / ١٤٥ عن فروع الكافي ١ / ٣٥٩ .
٤ ـ علم الطب :
لم تقتصر علوم الامام الرضا عليهالسلام على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء ، وإنما شملت جميع أنواع العلوم والتي منها علم الطب ، فقد كان علماً من أعلامه ومتمرساً بجميع فروعه ، ويدلل على ذلك بصورة واضحة الرسالة الذهبية التي كتبها للمأمون العباسي بعد طلب منه علماً إنّ الامام الرضا عليهالسلام أدلى بهذه الرسالة لمّا حضر مجموعة من الأطباء منهم :
١ ـ يوحنا بن ماسويه .
٢ ـ جبريل بن بختيشوع .
٣ ـ صالح بن بهلة الهندي ، إضافة إلى المأمون العباسي .
ونظراً لأهمية هذه الرسالة فقد عكف على شرحها وترجمتها مجموعة من العلماء منهم :
أولاً : السيد الامام ضياء الدين أبي الرضا فضل الله بن علي الراوندي المتوفى سنة ( ٥٤٨ هـ ) .
ثانياً : محمد باقر المجلسي المتوفى ( ١١١١ هـ ) ترجمها إلى اللغة الفارسية .
ثالثاً : السيد عبد الله شبر المتوفى سنة ( ٢٤٢ هـ ) له شرح عليها ، وغيرهم من الأعلام إلى عشرين عالماً .
ونظراً لأهميتها البالغة فقد كتبت بخطوط
أثرية جميلة . وبعث الامام الرضا عليهالسلام
برسالته الذهبية إلى المأمون فأعجب بها اعجاباً بالغاً وأمر أن تكتب بالذهب ، ومن جملة ما كتبه الامام عليهالسلام
: « واعلم يا أمير المؤمنين أن الجسد بمنزلة الأرض الطيبة متى تعوهدت بالعمارة والسقي من حيث لا يزداد في الماء فتغرق ولا ينقص منه فتعطش دامت عمارتها وكثر ريعها وزكى زرعها ، وان تغوفل
فسدت ، ولم ينبت فيها العشب فالجسد بهذه المنزلة ، وبالتدبير في الأغذية والأشربة يصلح ويصلح وتزكو العافية ... » ومنها :
« فإذا اردت الحجامة فليكن في اثنتي عشر ليلة من الهلال إلى خمس عشرة فانه أصلح لبدنك ، فإذا نقص الشهر فلا تحتجم إلّا أن تكون مضطراً لذلك وهو لأن الدم ينقص في نقصان الهلال ... » ومنها كذلك « واحذر يا أمير المؤمنين أن تجمع بين البيض والسمك في المعدة في وقت واحد فانهما متى اجتمعا في جوف الانسان ولد عليه النقرس والقولنج والبواسير ووجع الأضراس ... » .
٥ ـ علمه بالمغيّبات بتعليم من الله عزّ وجل :
وهناك مجموعة شواهد نذكر قسماً منها ، بعد شهادة الامام الكاظم عليهالسلام سافر الإمام الرضا عليهالسلام إلى البصرة للتدليل على إمامته ، وإبطال شبه المنحرفين عن الحق ، وقد نزل ضيفاً في دار الحسن بن محمد العلوي ، وقد عقد في داره مؤتمراً عاماً ضمّ جمعاً من المسلمين كان من بينهم عمرو بن هداب ، وهو من المنحرفين عن آل البيت عليهمالسلام والمعادين لهم كما دعا فيه جاثليق النصارى ، ورأس الجالوت ، والتفت إليهم الامام فقال لهم : « إني انما جمعتكم لتسألوني عما شئتم من آثار النبوة وعلامات الامامة التي لا تجدونها إلّا عندنا أهل البيت ، فهلموا اسألكم ... » .
وبادر عمرو بن هداب فقال له : إنّ محمد بن الفضل الهاشمي أخبرنا عنك أنك تعرف كل ما أنزله الله وإنك تعرف كل لسان ولغة ... .
وانبرى الامام عليهالسلام فصدق مقالة محمد بن
الفضل في حقه قائلاً : صدق محمد بن الفضل أنا أُخبرته بذلك ... وسارع عمرو قائلاً : إنا نختبرك قبل كل شيء بالألسن ، واللغات ، هذا رومي ، وهذا هندي ، وهذا فارسي ، وهذا تركي ، قد احضرناهم ، فقال عليهالسلام
: فليتكلموا بما أحبوا ، أجب كل واحد منهم بلسانه إنشاء الله وتقدّم كل
واحد منهم أمام الامام فسأله عن مسألة فأجاب عليهالسلام عنها بلغته ، وبهر القوم وعجبوا ، والتفت الامام إلى عمرو فقال له : إن أنا أخبرتك أنّك ستبتلى في هذه الأيام بدم ذي رحم لك هل كنت مصدّقاً لي ؟ فقال : لا ، فإنّ الغيب لا يعلمه إلّا الله تعالى . وردّ الامام على مقالته أو ليس الله تعالى يقول ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ) ، فرسول الله صلىاللهعليهوآله عند الله مرتضى ، ونحن ورثةُ ذلك الرسول الذي اطلعه الله على ما يشاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وإنّ الذي أخبرتك به يابن هداب لكائن إلى خمسة أيام وإن لم يصح في المدة فاني ... وإن صحّ فتعلم أنّك راد على الله ورسوله ، ثم أضاف الامام عليهالسلام قائلاً : « اما إنّك ستصاب ببصرك ، وتصير مكفوفاً ، فلا تبصر سهلاً ، ولا جبلاً وهذا كائن بعد أيام ، ولك عندي دلالة أُخرى ، انك ستحلف يميناً كاذبة فتضرب بالبرص ... » . وأقسم محمد بن الفضل بالله بأن ما أخبر به الامام قد تحقق .
ومن جملة ما أخبر به الامام الرضا عليهالسلام من المغيّبات ، روى محول السجستاني قال لما ورد البريد باشخاص الامام الرضا عليهالسلام إلى خراسان كنت أنا بالمدينة فدخل المسجد ليودّع قبر جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآله فودعه مراراً وكان صوته يعلو بالبكاء والنحيب ، فتقدمت إليه ، وسلّمت عليه ، فردّ السلام وهنأته بما يصير إليه فقال عليهالسلام : « ذرني فاني أخرج من جوار جدي صلىاللهعليهوآله فأموت في غربة وادفن في جنب هارون » . قال محول فخرجت متبعاً طريق الامام حتى مات ودفن بـ ( طوس ) بجنب هارون .
وكان الامام الرضا عليهالسلام على علم لا يخامره أذى شك ان لا عودة له إلى أهله ووطنه ، فودّعهم الوداع الأخير ، وجميع عياله وأمرهم بالبكاء والنحيب عليه وهو يسمع ذلك ، ووزع عليهم اثني عشر ألف دينار وعرفهم أنه لا يرجع إليهم أبداً (١) .
______________________
(١) حياة الامام علي بن موسى الرضا عليهالسلام للعلامة باقر شريف القرشي .
وكذلك أخبر إمامنا الرضا دعبل الخزاعي لمّا انشده تائيّته المعروفة ، فلما وصل دعبل إلى هذا البيت :
وقبرٌ ببغداد لنفس زكية |
|
تضمّنها الرحمن بالغرفات |
* * *
فقال له الإمام عليهالسلام أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين ، فقال بلى يابن رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال عليهالسلام :
وقبر بطوس يا لها من مصيبة |
|
ألحّت على الأحشاء بالزفرات |
إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً |
|
يضرج عنّا الغم والكربات |
* * *
فقال دعبل سيدي قبر من هذا ؟ فقال هذا قبري يا دعبل ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري ، ألا ومن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له .
اويلي اعلى الرضا المچتول بالسم |
|
غريب او لا أخو يمه ولا عم |
* * *
من هيس ابسمه او سگم حاله |
|
او شاف الموت ابو محمد دناله |
بعث لخته المعصومه رساله |
|
حتى ابحالته او بالمرض تعلم |
* * *
تعنت ليه او منها الگلب ملهوف |
|
او ماخذها اعلى اخوها الوجل والخوف |
گبل ما ليه توصل گامت اتشوف |
|
الناس اتنوح وعلى الروس تلطم |
* * *
صاحت ليش هذا البلد مرجون |
|
او عليمن بيه هالوادم ينوحون |
صاحوا سم ابو محمد المأمون |
|
او گضه نحبه غريب الدار بالسم |
* * *
هوت عالگاع من سمعت بخوها |
|
مات ابطوس والوادم لفوها |
غدوا يبچون يمها او حركوها |
|
لگوها امحوّم اعليها المحتم |
* * *
وقبر طوس وسامرا وقد ضمنت |
|
بغداد بدرين حلّا وسط قبرين |
* * *
معاجز وكرامات الامام الحسن العسكري عليهالسلام
قبورهم شتى فمنهم بيثرب |
|
بدور سعود والغريّ حوى قبرا |
وغابت بأرض الطف منهم كواكب |
|
هم بهجة الهادي وهم مهج الزهرا |
وقبران في بغداد والطاهر الرضا |
|
بطوس ونجما العلم في أرض سامرا |
ولم يبق إلّا مدرك ثار من قضوا |
|
بسم وبيض الهند واعتنقوا السمرا |
فعجل الينا يا ابن بنت محمد |
|
فأنت ولي الثأر فلتدرك الوترا |
أتغضي ويوم الطف آل أُمية |
|
بقتل سليل الطهر أدركت الوترا |
أتغضي وقد سارت بربّات خدره |
|
سبايا على عجف المطا وأعينها عبرا |
( وأعظم ما يشجي الغيور دخولها |
|
إلى مجلس ما بارح اللهو والخمرا ) |
* * *
عگب الخدر يحسين تقبل |
|
من كربلا نركب الهزل |
سبايا او لعند ايزيد نوصل |
|
وحنه بنات النبي المرسل |
من طبة الديوان نخجل |
|
لو من صخر گلبي تزلزل |
* * *
تستغيث بأبيها أمير المؤمنين عليهالسلام :
يا علي يا ياب ما تدري اشسدي اعليه او جرى |
|
|
|
بالمجالس وقفوني او قبل كنت امخدره |
|
سافروا بينا من الكوفة او دونا اليزيد |
|
|
|
سيرونا مثل سبي الروم او قبل كنت امخدره |
|
والذي نحل اعظامي شوفتي راس الشهيد |
|
|
|
ناصبينه اقبال وجهي ويهل دمعي امن انظره |
|
* * *
اشعمل بيه الوجد يبويه من شاف |
|
ودم گلبي نزفته دموع منشاف |
آنه الشخصي قبل هاليوم منشاف |
|
عموم الناس تتفرج عليّه |
* * *
ولم ترَ حتى عينها ظلّ شخصها |
|
إلى أن بدت بالغاضريّة حسّرا |
* * *
معاجز وكرامات الإمام الحسن العسكري عليهالسلام :
المقدمة :
لقد أعطى الله سبحانه لأولياءه المخلصين
كرامات وذلك بسبب تقواهم لله عزّ وجل وعملهم بطاعته واجتنابهم معصيته ، فهم يقومون بأشياء لا يستطيع غيرهم القيام بها ، ولعلّ التدبر في آيات القرآن الكريم يثبت الكرامات للأولياء ، فمثلاً القرآن الكريم يحدثنا عن السيّدة مريم عليهاالسلام
: ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا
الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (١) .
وهذا الأمر وهو حضور الرزق بلا سعي طبيعي ولكونه لم يكن مقترناً بدعوى النبوة أو المقام الرسالي يعد كرامة ولا يسمى معجزة لأنّه لم يرتبط بادّعاء منصب أو مقام .
وإذا كان التأريخ يحدّثنا عن بعض المرتاضين وبسبب الرياضة الروحية يقومون بخوارق الأفعال وعجائبها فيرفعون الاجسام الثقيلة التي لا يتيسر رفعها إلّا بالرافعات الآلية بمجرد الإرادة كما هو ظاهر من بعض المرتاضين في الهند وغيرها من البلدان الأُخرى ، وهذا يدلّ على أنّ في باطن الإنسان قوى عجيبة لا تظهر إلّا تحت شرائط خاصة .
يقول صدر المتألهين الشيرازي : لا عجب أن يكون لبعض النفوس قوة إلهية فيطيعها العنصر في العلم المادي كإطاعة بدنه إيّاها ، فكلّما ازدادت النفس تجرّداً وتشبّهاً بالمبادئ القصوى ، إزدادت قوة وتأثيراً فيما دونها . وهناك من الآيات تشير إلى هذه القضية ، كما ورد في أحوال سليمان بن داود عليهالسلام عندما طلب من الملأ احضار عرش ملكة سبأ من اليمن إلى فلسطين قبل أن يأتوه مسلمين ، فقال عفريت من الجن إنّه قادر على حمله والإتيان به قبل انفضاض مجلس سليمان ، ولكن من كان عنده علم من الكتاب قال إنه قادر على الاتيان به قبل أن يرتد طرف سليمان إليه وبالفعل بأسرع من لمح البصر ، كان العرش ماثلاً أمامه . يقول سبحانه ( قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ
______________________
(١) سورة آل عمران : الآية ٣٧ .
عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي ... ) (١) .
فهذه الآية وغيرها من الآيات المماثلة لها تدلّ بظهورها على كون الفاعل للكرامات نفوس الأولياء وأرواحهم بإذن الله ، وإنّ أئمة أهل البيت عليهمالسلام لهم هذه الكرامات الكثيرة ، وها نحن نذكر بعض كرامات ومعاجز الامام الحسن العسكري عليهالسلام :
أولاً : خدمة الملائكة له عليهالسلام : عن كتاب عيون المعجزات عن أبي هاشم قال دخلت على أبي محمد عليهالسلام وكان يكتب كتاباً فحان وقت الصلاة الأُولى فوضع الكتاب من يده وقام عليهالسلام إلى الصلاة ( أقول : وهذا يدلّ على اهتمام الإمام بأوقات الصلاة والمحافظة عليها فعلى محبّي الإمام أن يقتدوا به في هذه الخصلة ) ، قال فرأيت القلم يمرّ على باقي القرطاس من الكتاب ويكتب حتى انتهى إلى آخره فخررت ساجداً فلما انصرف أخذ القلم بيده وأذن للناس . قال بعض الفضلاء تعقيباً على هذه الكرامة ، يحتمل ان ملكاً من الملائكة كان يأخذ القلم ويكتب كما ورد في بعض الأخبار أنّ لله ملائكة وهم موكلون بآل محمد صلىاللهعليهوآله يخدمونهم في بيوتهم .
ثانياً : شفاء المريض : حدّث النضر بن جابر قال قلت للإمام الحسن العسكري عليهالسلام يا ابن رسول الله انّ ابني جابراً أُصيب ببصره منذ شهر فادع الله له ان يردّ عليه بصره وعينيه قال عليهالسلام فهاته فمسح بيده على عينيه فعاد بصيراً . « نعم أعطاهم الله ميراث الأنبياء وكراماتهم ، فكما أنّ عيسى ابن مريم كان يشفي
______________________
(١) سورة النمل : الآية ٣٨ ـ ٤٠ .
المرضى ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله . هم صلوات الله عليهم كذلك يبرؤن الأكمه والأبرص بإذن الله عزّ وجل وقد ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة ( آتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ ) » وفي زيارة الحجة من آل محمد في شهر رجب « اَنَا سٰائِلُكُمْ وَآمِلُكُمْ فيمٰا اِلَيْكُمُ ، التَّفْويضُ ، وَعَلَيْكُمُ التَّعْويضُ فَبِكُمْ يُجْبَرُ الْمَهيضُ ، وَيُشْفَى الْمَريضُ ... » .
ثالثاً : علم وموعظة : روى في البحار عن محمد بن الحسن بن ميمون قال كتبت إليه أشكو الفقر ثم قلت في نفسي أليس قد قال أبو عبد الله عليهالسلام الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا والقتل معنا خير من الحياة مع عدونا فرجع الجواب من الامام عليهالسلام إنّ الله عزّ وجل يخصّ اولياءنا إذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر وقد يعفو عن كثير منهم كما حدثتك نفسك الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا ونحن كهف لمن التجأ إلينا ونور لمن استبصر بنا وعصمة لمن اعتصم بنا من أحبنا كان معنا في السنام الأعلى ومن انحرف عنا فإلى النار . نعم من يلتجأ إليهم عند الشدائد لا يخذلوه . وقد استغاث الناس به في أُمور كثيرة وأجابهم .
رابعاً : الخروج للإستسقاء : قحط الناس في زمانه فخرجوا للإستسقاء ثلاثة أيام فلم يمطروا ، فخرج في اليوم الرابع ( الجاثليق ) مع النصارى فسقوا فخرج المسلمون يوم الخامس فلم يمطروا فشك الناس في دينهم وكان العسكري عليهالسلام في حبس الخليفة فبعث إليه الخليفة وقال له أدرك دين جدّك يا أبا محمد فأُخرج من الحبس وأمر النصارى بالخروج للاستسقاء فلما رفع ( الجاثليق ) يده إلى السماء قال أبو محمد لبعض غلمانه خذ من يده اليمنى ما فيها فلما أخذه كان عظماً ثم قال استسق الآن فاستسقى فلم يمطر فسأل الخليفة عن العظم ، قال عظم نبي من الأنبياء ولا يكشف إلّا ويمطر .