المدينة المنوّرة بين الأدب والتاريخ

الدكتور عاصم حمدان علي حمدان

المدينة المنوّرة بين الأدب والتاريخ

المؤلف:

الدكتور عاصم حمدان علي حمدان


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: نادي المدينة المنوّرة الأدبي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٤٢

الثاني عشر الهجري.

أما كتابه في تاريخ المدينة فهو «نتيجة الفكر في خبر مدينة سيد البشر» وهو كتاب لا يزال مخطوطا اطلعت على نسخة منه في مكتبة فضيلة الشيخ جعفر فقيه ـ أمد الله في عمره ـ وفي مقدمة هذه النسخة نجد المؤلف يذكر أنه وضع مؤلفه استجابة لرغبة قاضي المدينة وابن قاضي البلد الحرام محمد أمين أفندي ابن المرحوم صالح أفندي ، الذي طلب منه أن يجمع له نبذة عن محاسن المدينة الزاهرة ، وآثارها الفائقة ، فكان هذا الكتاب الذي رتبه على خمسة أبواب وخاتمة :

* الباب الأول :

 في فضل المدينة.

* الثاني :

 في فضل مسجدها الأنور وروضتها الشريفة.

* الثالث :

 في من يزار بها من الصحابة الأخيار.

* الرابع :

 في مشاهدها ومآثرها.

* الخامس :

 في فضل المجاورة بها.

وإذا كان الجانب التاريخي للمدينة قد حظى باهتمام بعض من علمائها وأدبائها. فإن الأدب وفنونه لم يهمل هو الآخر ، حيث نجد الأديب عمر بن عبد السلام الداغستاني (٢٧) يتصدى لهذه المهمة فيؤلف كتابه «تحفة الدهر ونفحة الزهر في أعيان المدينة من أهل العصر». (٢٨)

قسم المؤلف كتابه «تحفة الدهر» إلى أربعة فصول :

* الفصل الأول :

 في السادة والأشراف.

* الفصل الثاني :

 في العلماء الطيبيو الأوصاف.

* الفصل الثالث :

 في العلماء الكرام.

* الفصل الرابع :

 في الأدباء الفخام.

** ويبدو أن القاعدة التي اتبعها المؤلف في تجزئته لكتابه تستند إلى النظام الاجتماعي السائد في تلك الفترة أكثر من استنادها على مقاييس أدبية متعددة ، كما أننا نلاحظ عدم قدرته على توضيح الأسس التي انطلق منها في التمييز بين أدباء الفصلين الثاني والثالث وكان بالإمكان أن يخصهم بفصل واحد ما داموا جميعا ـ حسب عبارته ـ من طائفة العلماء. ولربما كان

٤١

المؤلف في تقسيمه لفصول الكتاب مدفوعا بالرغبة في اتباع من سبقه من المؤلفين ، كابن معصوم (٢٩) في كتابه «السلافة» مع أن الأسس الأدبية التي انطلق منهما ابن معصوم في ترتيبه لأجزاء كتابه تختلف عن تلك التي نجدها عند الداغستاني في كتابه «التحفة».

أشار المؤلف في مقدمة كتابه «التحفة» إلى تدهور حال الأدب في عصره ، ولربما كان الأولى أن نثبت من هذه المقدمة ، ما يكون دليلا عل تنبه الداغستاني لهذه القضية التي لم يشغل المؤلفون ـ حينئذ بمناقشتها.

يقول المؤلف :

مضى الزمن الذي قد كان فيه

لأهل الشّعر عزّ وارتفاع

فإن الشّعر في ذا العصر علم

قليل الحظ ، ملفوظ مضاع

ولئن هجر الأدب مليا ، وأصبح نسيا منسيا ، فإن لزنده وريا يلتمع سقطه ، ولمزنه دقا يستدر نقطه ، والمرتدي بفاخر مطارفه بين الأخوان والإقران ، يشار إلى مجده وبيانه بالسلام والبنان ، خصوصا أن نظم في سلك التحايف زبرجده ، وسلك في قالب الظرايف عسجده. (٣٠)

** ويرى الدكتور عبد الرحمن الشامخ أنه على الرغم مما في إشارة الداغستاني هذه من تنبيه الى طبيعة الذوق الأدبي من صحة وسلامة إلا أن شكاته لم تكن الا استجابة لروح الحنين إلى الماضي ، لما يتضمنه كتابه من نصوص مفتقرة إلى الروح الأدبية والموهبة الفنية. (٣١)

ولئن أظهر المؤلف قدرة أدبية في تدوين الإنتاج الفني لأدباء المدينة في فترة القرن الثاني عشر. فإنه استطاع ـ أيضا ـ أن يدلل على ثقافته بما عقده من مقارنات بين هذا الإنتاج وما يماثله من ناحية المعنى من إنتاج بعض شعراء العصر العباسي كأبي نواس والبحتري ، وبعض شعراء العصر المملوكي مثل مجير الدين بن تميم ، وصفي الدين الحلي وجمال الدين بن نباتة ، وهذه الدراسة التي توصل إليها الداغستاني هي مما يزيد في أهمية

٤٢

الكتاب من حيث اعتباره مصدرا رئيسيا للبحث في النواحي الفنية للشعر في تلك الفترة الزمنية ، والتي يجب أن يحظى باهتمامات النقاد ودراساتهم العلمية.

وإذا كان بعض الشعراء عبر عن بعض المشاكل الاجتماعية التي تعرضت لها المدينة إبان تلك الحقبة كما رأينا في الأبيات السابقة ، فإن البعض الآخر حاول أن يبث همومه الخاصة من خلال الشعر على أن هذه الشكوى الذاتية كانت مرتبطة في النهاية بما يعانيه المجتمع بأكمله من مشاكل وحوادث.

يقول الشاعر يوسف الأنصاري (٣٢) عند ما أجبر على الخروج من المدينة تحت تأثير بعض الحوادث الخاصة :

تصبّر فعمر النّائبات قصير

ومثلي على سير الزمان يسير

يقيني يقيني ما أظن من الردى

ويمنعني كيد العدى ويجير

ونفسي إن جاشت أقول لها اصبري

فلست بنفسي إن عراك ضجور

وكوني على حكم القضا مطمئنة

فليس سوى ما قد قضاه يصير

وما محن الأيام إلا سحابة

بإبان صيف ساعة وتغور

فما تغلبن إلا ضعيفا يقينه

ويغلبها ثبت الفؤاد صبور

وتكشف أبيات الشاعر الأنصاري (٣٣) عن ثقافته التراثية المتمكنة فهو مجيد في اقتباس الأمثال والأبيات الشعرية وتضمينها ، حتى يكسب ذلك قصيدته قدرا كبيرا من الإجادة والقوة ، فمن الأبيات التي ضمنها بعض الأمثال العربية السائرة قوله :

فشنشنة من أخزم قد عرفتها

وطبعا فإني للطباع غيور

٤٣

وقوله أيضا :

ومن جرب الأمر المجرب نادما

كما الكسعي ذي القوس وهو شهير

* ومن اقتباساته الشعرية قوله :

فلو لا فراق السهم للقوس لم يصب

ولو لا انصلات السيف ليس يضير

وهذا البيت السابق هو صياغة أخرى لبيت الإمام محمد بن إدريس الشافعي ـ رحمه‌الله :

والأسد لو لا فراق الأرض ما افترست

والسهم لو لا فراق القوس لم يصب

* أما البيت الذي يقول فيه :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر هناك سمير

فهو يذكرنا ببيت مضاض بن عمرو الجرهمي القائل :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

٤٤

الاحالات

__________________

(١) لمزيد من التفصيل عن مدرسة المدينة انظر : شاكر مصطفى ، التاريخ العربي والمؤرخون ط ٣ ، بيروت ، ١٩٨٣ ، ج ١ ، ص ١٤٩ ـ ١٦٨.

(٢) محمد خليل المرادي : سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر ، مصر ، ١٣٠١ ه‍ ، ج ١ ، ص ٥ ـ ٦.

(٣) المؤلف مجهول : تراجم أعيان المدينة المنورة في القرن الثاني عشر الهجري ـ تحقيق الدكتور محمد التونجي ، جدة ١٤٠٤ ه‍ ـ ص ١٠٦.

(٤) عبد الرحمن الأنصاري : تحفة المحبين والأصحاب فيما للمدنيين من أنساب تحقيق محمد العروسي المطوي ، تونس ١٣٩٠ ه‍ ـ ص ٤٥٩.

(٥) A. H. Jones, art, ـ (Kuranl) Encyclopaedla of lslsam, Leden ٤٥٩١, Vol. VP. ٣٤.

(٦) تراجم أعيان المدينة ص ٥٧ ـ ٥٨.

(٧) توفى بالمدينة في ٢٦ صفر سنة ١١٦٣ ه‍ ـ انظر : تراجم أعيان المدينة ص ٦٨.

(٨) توفى بالمدينة في ٢٢ شوال سنة ١١٣٨ ه‍ ، انظر : المصدر السابق ص ٦٠.

(٩) الدكتور عبد الله العثيمين الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ حياته وفكره ـ دار العلوم،الرياض ص ٣١ ـ ٣٢.

(١٠) الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف بن عبد الله الشمري العالم المشهور في المدينة النبوية ، انتقل أبوه إبراهيم بن سيف بن عبد الله الشمري ، من بلدة المجمعة بعد أن قام على بيته وجعل بعضه مسجدا ، وهو المعروف اليوم بمسجد إبراهيم في بلدة المجمعة وسكن في المدينة المنورة.

انظر : إبراهيم بن صالح بن عيسى ـ تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد منشورات دار اليمامة ، الرياض ، ص ٣٤.

(١١) سلك الدرر. ج ٢ ص ٣٠٣.

(١٢) عمر بن عبد السلام الداغستاني تحفة الدهر ونفحة الزهر في شعراء المدينة من أهل العصر «مخطوط» ص ٦١.

(١٣) تحفة المحبين والأصحاب ، المقدمة «و».

(١٤) المصدر السابق ص ١٤.

(١٥) المصدر السابق ص ٨.

(١٦) المصدر السابق ص ٢٨.

(١٧) F. Rosental Ahistory of Muslim Historiography, Leiden, ٢٥٩١, P. ٢٤١

(١٨) عبد الله محمد بن فرحون اليعمري المالكي ولد سنة ٦٩٣ ه‍ وكانت وفاته سنة ٧٦٩ ه‍ ـ انظر : شهاب الدين أحمد بن محمد بن حجر العسقلاني «الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة» «تحقيق محمد جاد الحق» ط ٢ ، ١٣٨٥ ه‍ ، ج ٢. ص ٤٠.

(١٩) توجد نسخة خطية من هذا الكتاب في مكتبة عارف حكمت بالمدينة.

(٢٠) عفيف الدين عبد الله بن محمد بن أحمد المطرى المتوفى سنة ٧٦٥ ه‍ ديسمبر ١٣٦٣ م انظر : فرانز روزنتال «علم التاريخ عند المسلمين» ـ ترجمة الدكتور أحمد صالح العلي ، بغداد ١٩٦٣ م ، ص ٥٥٦.

٤٥

__________________

(٢١) محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي : ولد في القاهرة سنة ٨٣١ ه‍ ١٤٢٧ م وتوفى بالمدينة المنورة ٩٠٢ ه‍ ـ ١٤٩٧ م ـ انظر المصدر السابق ص ٣٧١ ه‍.

(٢٢) التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة ، نشر في القاهرة سنة ١٣٧٦ ه‍ بتقديم الدكتور طه حسين ، وعناية المرحوم أسعد طرابزوني ثم في طبعة ثانية سنة ١٣٩٩ ه‍ ـ ١٩٧٩ م.

(٢٣) نسبة إلى الخليفة ، وأول من قدم منهم المدينة المنورة سنة ٩٩٠ ه‍ الشيخ عبد الوهاب الخليفتي العباسي ـ انظر : تحفة المحبين ص ٢٠١.

(٢٤) سلك الدرر ، ج ٤ ص ٦٠.

(٢٥) تراجم أعيان المدينة ص ٧٦.

(٢٦) إسماعيل باشا البغدادي ـ ايضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون طبعة استنبول ، ١٣٦٦ ه‍ ـ ١٩٤٧ م ص ٦٢٣.

(٢٧) عمر بن عبد السلام الداغستاني الأنصاري المتوفى بعد عام ١٢٠١ ه‍ ١٧٨٦ م انظر ترجمته في تحفة المحبين للأنصاري ص ٢٩٩ ـ ٢٣١ ، والمنهل عدد أبريل ١٩٦٩ م. ص ٢٥٢ مقالة الشيخ محمد سعيد دفتردار عن آل الداغستاني وحلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر لعبد الرزاق البيطار ط ، مجمع اللغة العربية بدمشق ١٩٦١ م ص ١١١٥ ـ ١١٢٩.

(٢٨) يذكر المرحوم الأستاذ محمد سعيد دفتردار في مقالته بمجلة المنهل أنه كانت توجد من هذا الكتاب نسخة تامة في مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت ولكنها مفقودة الآن وتوجد منه نسخة في مكتبة آل هاشم ، ومكتبة السيد عبيد مدني ـ رحمه‌الله ـ وتوجد في مكتبة ال الداغستاني نسخة مخرومة.

(٢٩) علي بن أحمد بن محمد بن معصوم الحسينى الحسنى المعروف بعلي خان الشهير بابن معصوم «١٠٥٢ / ١١١٩ ه‍» من كتبه «سلافة العصر في محاسن أهل العصر» انظر : الأعلام للزركلي ج ٤ ص ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(٣٠) مخطوطة تحفة الدهر للداغستاني ص ٢.

(٣١) الدكتور محمد عبد الرحمن الشامخ ـ النثر الأدبي في المملكة العربية السعودية. ١٩٠٠ / ١٩٤٥ ، الرياض ١٣٩٥ ه‍ ـ ١٩٧٥ م ٣٦ ـ ٣٧.

(٣٢) يوسف بن عبد الكريم الأنصاري ولد بالمدينة سنة ١١٢١ ه‍ أخذ عن والده والشيخ محمد بن الطيب والشيخ أبي الطاهر الكوراني والشيخ أبي الطيب السندي توفى مقتولا سنة ١١٧٧ ه‍ بعد رحلة طويلة بدأها ببغداد وأنهارها ، وأنهاها بمكة المكرمة ـ انظر تراجم أعيان المدينة ص ٥٢ ـ تحفة المحبين ص ٢٣ ـ ٢٥.

(٣٣) جعفر بن حسين بن يحيى هاشم المدني الأخبار الغريبة في ذكر ما وقع بطيبة الحبيبة ـ مخطوط ، ص ٧٢.

٤٦

أمين الحلواني

ومخطوطات مكتبة بريل

__________________

نشر البحث بمجلة عالم الكتب الفصلية ، المجلد العاشر ، العدد الثالث ، محرم ١٤١٠ ه‍ ـ أغسطس ١٩٨٩ م ـ ص ٣٩٨ ـ ٤٠٧.

٤٧

تنقل مصادر تاريخية وأدبية مختلفة أن مكتبة «بريل» في مدينة «ليدن» بهولندا ، اشترت في عام ١٨٨٣ م أكثر من ٦٠٠ مخطوطة من العالم العربي المسلم «أمين بن حسن المدني (١) فمن هذه الشخصية التي قامت بنقل هذه المخطوطات إلى ذلك البلد الأوروبي؟ وما هي العوامل التي دفعتها للقيام بمثل هذا العمل؟ وما قيمة هذه المخطوطات العلمية التي تم شراؤها من قبل هذه المكتبة التي اشتهرت بقسمها العربي المختص ونشر الكتب والمخطوطات العربية منذ عام ١٨٨٣ م؟.

شخصية أمين بن حسن الحلواني المدني

يشير مؤرخ المدينة المنورة في القرن الثاني عشر «عبد الرحمن الأنصاري» إلى هجرة أسرة تدعى بأسرة «الحلواني» من «الهند» إلى «المدينة» في تلك الحقبة التاريخية ، حيث قدم الشيخ «محمد أمين الهندي الكشميري الحلواني» سنة ١١٤٠ ه‍ ، ويصفه الأنصارى قائلا : «وكان رجلا ، كاملا ، عاقلا ، صاحب ثروة» (٢)

ولا أعلم إذا ما كانت الشخصية التي نحن بصددها تنتمي إلى هذه الأسرة أم لا؟ كما أنه ليس من دليل يؤكد أو ينفي انتماءه إلى الأسرة التي تحمل الاسم نفسه في الوقت الحاضر ، والتي ما زال عدد من أفرادها يعيش في المدينة المنورة.

أما «أمين الحلواني» فلا نجد خيرا من «محب الدين الخطيب» ـ رحمه‌الله ـ ليحدثنا عنه وعن اتجاهه العلمي وإنتاجه الأدبي حديثا مفصلا في تحقيقه للكتاب الذي اختصره «الحلواني» وهو «مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود» (٣) لعثمان بن سند البصري الوائلي (٤) ، يقول «الخطيب» في حديثه عن «الحلواني» : (عالم من أهل المدينة ، كان والده من أعيانها وأفاضلها حتى أن «الشريف عبد الله بن عون» (٥) أمير مكة ، أوفده في سنة ١٢٧٩ ه‍ إلى أمير نجد «فيصل بن تركي» (٦) ، لينصح له بإعادة الخراج

٤٨

المرتب عليه للدولة العثمانية. فنجح الشيخ «حسن الحلواني» في مهمته ، وكان موضع التجلة والإكرام من أمير نجد ، وقد نشأ الشيخ أمين في طلب العلم ، واقتناء المصنفات الجيدة ، ولا سيما المخطوطة ، وقام بالتدريس في الحرم النبوي الشريف (٧) ، ولعل عبارة وردت في الكتاب الذي اختصره «مطالع السعود» تدل على طلبه للعلم في الجامع الأزهر بمصر (٨) ـ رحمه‌الله ـ ودوّن ذلك قائلا :

«وأما الشيخ عبد الرحمن المذكور فقد أدركته في الجامع الأزهر ، يدرس مذهب الحنابلة ، وكان شيخ رواق الحنابلة سنة ١٢٧٣ ه‍ وتوفى سنة ١٢٧٤ ه‍ وكان عالما ، فقيها ، ذا سمت حسن يظهر عليه التقوى والصلاح» (٩) ، ولا يستبعد تأثر الشيخ الحلواني بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية بعد التقائه بابنه الشيخ عبد الرحمن ـ رحمهما‌الله ـ لما يعكسه اسم أحد مؤلفاته الذي ظهر في سنة ١٣١٢ ه‍ تحت عنوان «السيول المغرقة على الصواعق المحرقة».

ويذكر الخطيب أن الكتاب رد على السيد أحمد سعد المدني (١٠) من المنتمين الى طريقة الشيخ أبي الهدى الصيادي (١١) ، لكن الشيخ أمين حلواني لم يصرح في هذا الرد باسمه وانتحل اسما مستعارا هو «عبد الباسط المنوفي» (١٢).

انتاج الحلواني العلمي والأدبي :

لقد اشتهر الحلواني باختصاره لكتاب «مطالع السعود» الذي يشتمل على أخبار بغداد من سنة ١٨١١ ـ ١٢٤٢ ه‍ / ١٧٧٤ ـ ١٨٢٦ م (١٣) وقد نشره الحلواني في بومباي بالهند سنة ١٣٠٤ / ١٨٨٦ (١٤) ، ثم أعاد نشره محب الدين الخطيب في القاهرة سنة ١٣٧١ ه‍ / ١٩٥٣ م (١٥) وقد اشتملت مقدمة الكتاب على ترجمة «لعثمان بن سند البصري» قام بكتابتها «محمد بهجة الأثري» وترجمة «لأمين الحلواني» ملقيا الضوء على مشاركته العلمية في جوانب متعددة من تراثنا الإسلامي والعربي ، ويظهر أن «الحلواني» اهتم بتاريخ «ابن سند» هذا فاستنسخ عدة نسخ منه ، كالنسخة التي توجد في المكتبة العباسية بالبصرة ، التي فرغ منها في «قصبة الزبير» آخر ذي الحجة ١٢٦٦ ه‍ في ٢٧٧ صفحة ، ونسخة ثالثة بمكتبة المرحوم «إبراهيم

٤٩

الدروبي» ، وجميع هذه النسخ بخط الحلواني. (١٦)

وللحلواني كتاب ينقد فيه مؤلفات «جورجي زيدان» (١٧) التاريخية ظهر في الهند سنة ١٣٠٧ ه‍ / ١٨٨٩ م ، تحت عنوان «نشر الهذيان من تاريخ جورجي زيدان» (١٨) ، ولقد رد «زيدان» على كتاب «الحلواني» هذا برسالة سماها «رد رنان على نبش الهذيان» ، وطبعت سنة ١٣٠٩ ه‍ ١٨٩١ م (١٩) ، كما قام الحلواني بطبع ديوان «لزوم ما لا يلزم» «لأحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخى المعرى» في الهند سنة ن ١٣٠٣ ه‍ / ١٨٨٥ م.

ويظهر أن «الحلواني» قام بكتابة ترجمة عن حياة «أبي العلاء وبعض الشروح والتعليقات على عمله الأدبي المعروف «باللزوميات» (٢٠) كما ألف رسالة صغيرة في علم الفلاحة التي دعاها «جني النحلة في كيفية غرس النخلة» ويظن «الخطيب» أن «الحلواني» ألف هذه الرسالة في مصر سنة ١٣٠١ ه‍ / ١٨٨٣ م ، ليرشد المشتغلين فيها بالزراعة إلى تجارب أهل المدينة التي اقتبسوها من أهل القصيم في نجد ، مثل بريدة وعنيزة والرس ، والقائمين على تربيتها ورعايتها (٢١) ، ولعل حياة الحلواني في المدينة اتصلت بشيء من أحوال الزراعة فحمد الجاسر يحدثنا أن الحلواني كان يسكن في المدينة في دار مطلة على الحديقة العينية. (٢٢)

صلة الحلواني بمحمد محمود التركزي الشنقيطي : (٢٣)

يذكر محب الدين الخطيب أن العامل وراء نزوح الحلواني من المدينة هو تأليفه في سنة ١٢٩٢ ه‍ / ١٨٧٥ م ، لرسالة ينكر فيها صحة المخلفات النبوية التي كانت الدولة العثمانية تتقرب إلى العامة بدعوى الحيازة لها والاحتفال بها في مواكب دورية أو غير دورية ، وعلى أثر ذلك قام الحلواني برحلة إلى مصر وبعض بلاد الشرق العربي ، وفي مصر اتصل بالعلامة التركزي الشنقيطي ، فأخذ عنه واستفاد منه (٢٤) إلا أن نصوصا أخرى تثبت أن علاقته العلمية بالشنقيطي تمت قبل هذا الوقت ، ويبدو أن الحلواني لم يغادر المدينة قبل نهاية ١٢٩٩ ه‍ / ١٨٨١ م ، وهي السنة التي استنسخ فيها نسخة من شعر أبي المحجن باسره «رواية أبي يوسف يعقوب السكيت ، ثم أبي سعيد السكري ، وأبي الحسن الطوسي ، حيث كتبها الحلواني في المدينة المنورة في الثالث من ذى القعدة سنة ١٢٩٩ ه‍ ، وعلق الحلواني في نهاية

٥٠

هذه النسخة أنه نقلها من نسخة «بخط أديب زمانه وحيد عصره الشيخ محمد محمود التلاميد الشنقيطي ، وهو نقل من خط ياقوت ولفظه .....» (٢٥)

ويذكر «الجاسر» نصا آخر يؤكد هذه العلاقة التي تمت في المدينة المنورة بين «الحلواني» و «الشنقيطي» في سنة ١٢٩٩ ه‍ ، وقد نقل الجاسر هذا النص من طرة المخطوطة رقم ٢٢ ش «تاريخ» من كتاب «عمود النسب» الموجودة بدار الكتب المصرية ، وهو بخط الحلواني الذي أثبت قراءته للكتاب على الشنقيطي قائلا :

«قرأت هذا الكتاب (عمود النسب) للفهامة أحمد البدوي قراءة ضبط وتحرير ، دراية ورواية ، فأوضحت مشكله وأعربت مغفله ، وبينت مبهمه ، وفصلت مجمعه ، على شيخنا وأستاذنا علامة فن اللغة والأنساب ، وفهامة علم سيرة النبي والأصحاب ، إمام المؤرخين بلا مدافع ، سيدنا النسابة الشيخ محمد محمود الشنقيطي العشمي ـ أمتع الله بحياته ـ في مجالس منها في روضة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومنها في داري المطلة على الحديقة العينية وآخر مجلس وبه تم الكتاب في بيته ـ حرسه الله ـ في حارة الأغوات بقرب منهل العين الزرقاء».

وفي ظني أن هذه النسخة غدت من النسخ التي يعول عليها ، ويرجع في المعضلات إليها. وكتبه الفقير إليه تعالى أمين بن حسن الحلواني المدني خادم العلم بالروضة المطهرة ، في غرة رجب سنة تسع وتسعين بعد المائتين والألف من هجرة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (٢٦)

وقبل أن نتحدث عن رحلة الحلواني إلى البلاد الأوروبية ، فإنه من الضروري أن نتحدث عن رحلة التركزي إلى هذه البلاد ، ما دمنا بصدد الحديث عن العلاقة العلمية التي ربطت بين هاتين الشخصيتين ، التي تركت بصماتها الواضحة على ما أبدعاه من إنتاج وما أدياه من جهد.

رحلة التركزي :

يذكر «التركزي» : ـ نفسه ـ أن ملك السويد والنرويج «أسكار الثاني» أرسل إلى السلطان «عبد الحميد الثاني» (٢٧) عام ١٣٠٦ ه‍ ١٨٨٨ م. مبديا رغبته في أن يقوم الشيخ التركزي الشنقيطي بحضور مؤتمر المستشرقين

٥١

الثامن المنعقد في مدينة استكهولم (٢٨) ، ولقد قام سفير السويد بمصر في ذلك الوقت «الكونت كارلودي لندبرج» (٢٩) ، بالإشراف على متطلبات الرحلة ، حيث اشترط الشنقيطي عدة شروط قبل القيام برحلته منها أن يكون توجهه بصفة ترفع شأن الإسلام وأهله ، بأن ينتخب ثلاثة أو أربعة من أهل العلم بالعربية ، ويستصحب مؤذنا وطهاة مسلمين. كما طلب السفير المذكور أن يقوم الشنقيطي بإنشاء قصيدة على أسلوب شعر العرب السابقين ، لا على أسلوب شعر الشعراء في تلك الحقبة».

ولقد قام الشنقيطي بإنشاء القصيدة المطلوبة ، ولكنه لم يحضر المؤتمر (٣٠) لعدم تنفيذ المسئولين في الدولة العثمانية ـ ـ في ذلك الوقت ـ مقترحاته التي اشترطها عليهم قبل القيام بالرحلة نفسها.

لقد قاربت القصيدة التي أنشأها شاعرنا لإلقائها في ذلك المؤتمر الاستشراقي حوالي مائتي بيت من الشعر الرصين ، وافتتحها كما يفتتح شعراء العرب القدامى قصائدهم قائلا : (٣١)

ألا طرقت مي فتى مطلع النجم

غريبا عن الأوطان في أمم العجم

منافيّة زارت على شحط دارها

خدبّا ، مذبّا ، عن قريش وعن دعمي

فتاة ضياء الشمس ضوء جبينها

حصان ، رزان ، عبلة ، بضّة الجسم

إذا غاب عنها البعل حينا تحدرت

ويرضيه نيل اللثم إن آب والشم

تصافحه عند اللّقى بأنامل

سباط البنان لا غلاظ ولا كزم

ويذكر بعد مأثرة هذا الملك الأوروبي في تبنيه لمثل هذا المؤتمر العلمي :

مآدب كل الناس للطعم وحده

ومأدبتا «أسكار» للعلم والطّعم

٥٢

دعا دعوة للعلم عمت وخصصت

فأضحى بها «أسكار» يعلو على النّجم

دعا الجفلى كل الأنام معمما

وبالنقرى كنت المخصص بالاسم

عن العرب العرباء آتيك نائبا

وعن أمة الإسلام في العلم والفهم

وفي اللغة الفصحى القريشية التي

بها أثبت القرآن في الصحف بالرسم

ولم أعتمد إلا على الله وحده

وأبرأ ممن خاض في الغيب بالرجم

ويشير إلى رحلته الطويلة مع العلم ومذاهبه قائلا :

ولمّا علمت ما علمت بغربنا

ترحلت نحو الشرق بالحزم والعزم

ولم يثن عزمي نهي حسناء غادة

شبيهة جمل ، بل بثينة ، بل نعم

ولم يعم قلبي حبّ عذراء كاعب

وحب العذارى قد يصمّ وقد يعمي

رحلت لجمع العلم والكتب ذاهبا

إلى الله ، أبغي بسطة العلم في جسمي

ويعرج في قصيدته هذه أيضا على ذكر العلاقة العلمية التي تربط بينه وبين «محمد عبده» (٣٢).

تذكرت من يبكي علي فلم أجد

سوى كتب تختان بعدي أو علمي

وغير الفتى المفتي محمد عبده

الصديق الصدوق الصادق الود والكلم

ولعله من المناسب بعد إيرادنا لمقتطفات من قصيدته التي أنشأها لهذا المؤتمر أن نورد شيئا من قصيدته التي أنشأها أثناء رحلته التي قام بها لبلاد الأندلس سنة ١٣٠٤ ه‍ / ١٨٨٦ م ، للاطلاع على الكتب والمخطوطات

٥٣

العربية ، وفيها يجسد الشاعر تأسيه وحزنه على الوضع الذي آلت إليه هذه الجزيرة الإسلامية ، وما تحتويه من آثار ونفائس علمية :

لكتب أندلس ، ويل لأندلس

وعلم أندلس من بعد ما اندرسا

جزيرة العلم والإسلام ، قبل وقد

هدت قواعده بالكفر فارتكسا

وجدت كتبا بها غرا محجلة

منها الحديث ، ومنها الرث قد درسا

لكنها في حصون الروم محصنة

فنفعها عن مراد الواقف احتبسا

أمسى حديثا معادا أهل أندلس

وأعظما رقما كانت هي الرؤسا

علما وحلما وأخلاقا مهذبة

ودين صدق متينا قيما أسسا

ونجدة لم تكن لغيرهم ورثت

من «طارق» مذ أذل الكفر [فانخنسا]

ولم يدع ليث كفر شامخا شمما

في الغيل يزأر إلا اصطاد وافترسا

وألبس العرب العرباء قاطبة

بفتحها ثوب عن قبل ما لبسا

أعدها جنة للمسلمين زهت

وأثمرت من ثمار الدين ما غرسا

ومذ قرون مضت بالذل أربعة

تمكن الكفر فيها وحده ورسا

وافتر للشرك منها الثغر مبتسما

من بعد ما افتر للتوحيد فانعكسا

فأحصنت فرجها بالكفر مكرهة

وألبست حلية من حلية وكسا

وأصبحت من حلي الإسلام قد عطلت

والدين منقرض ، والنور قد طمسا

٥٤

صارت جوامعها بعد الصلاة بها

على الأذى والخنا موقوفة حبسا

رأيت فيه مصلى المسلمين به

للكافرين غدا إذ جده تعسا

رأيت فيه مقام المؤذنين به

معطلا من أذان الله مبتئسا

ولا أذان به يدعو العباد إلى

عبادة الله إلا اللغو والجرسا

ولا صلاة به للناس جامعة

إلا المكاء وإلا نقس من نقسا

فكادت النفس مني غيرة وجوى

تفيظ من جمعه الأنجاس والدنسا

والناصر الله أن ييئس فنصرته

تجيء مستيئسا من بعد ما يئسا (٣٣)

رحلة الحلواني :

يذكر محب الدين الخطيب أن الحلواني ذهب إلى «ليدن» وامستردام في سنة ١٣٠١ ه‍ / ١٨٨٣ م ، بمجموعة من المخطوطات العربية كان اقتناها في السنين السالفة ، فابتاعتها منه مكتبة ليدن الغنية بنفائس مخطوطاتها العربية ، «ولمخطوطات الحلواني هذه فهرس خاص وضعه المستشرقون ووصفوا فيه مفرداتها» (٣٤).

فهرس مخطوطات مكتبة الحلواني :

تحتوي مكتبة جون رايلاندز بجامعة مانشستر بالمملكة المتحدة

(The John Rylands University Library of Manchester

على نسخه (٣٥) من هذا الفهرس الذي وضعه المستشرق السويدي «كارلو لاندبرج (Car lolandberg) ويحمل اسم «فهرس مخطوطات عربية مأخوذة من مكتبة خاصة بالمدينة» ـ ليدن ، بريل ، ١٨٨٣ م.

Uataloggue de Manscripts Arabes Provenant D Une Bigliotheque IE A eevrip ـ ـ Medina Leide ـ J. Brill ٣٨٨١

٥٥

ويقع الفهرس في ١٨٣ صفحة باللغة الفرنسية (٣٦) ، إلا أن أسماء الكتب التي تضمنها الفهرس وعددها (٦٦٤) كتابا ذكرت باللغة العربية وفي نهايته ذكر واضعه أنه انتهى من عمله في ليدن ٢٠ سبتمبر ١٨٨٣ م.

مقدمة الفهرس :

لقد ابتدأ «لاندبرج» هذه المقدمة بالحديث عن علاقته بالحلواني ، وعن الظروف التي دفعته لبيع المخطوطات النادرة التي كانت في حوزته فيقول : «لقد تركت صديقي العالم الجدير جدا بالتقدير الشيخ أمين المدني في القاهرة أثناء شهر فبراير. مغادرا إلى منطقة البدو في غرب دمشق ، ولم يكن حينئذ لديه الرغبة في بيع مكتبته ، ولكنني رأيته بعد ذلك في أمستردام ، عاقدا العزم على بيع كتبه التجارية بعد أن تعرضت استثماراته المالية لمضاربة فاشلة ، كان خلفها شخص غير أمين ، التقى به «الحلواني» في مصر أثناء إقامته بها.

لقد أخذت مؤسسة «بريل» المبادرة واشترت ما عرضه «الحلواني» من كتب ، وطلبت مني إعداد فهرس لها في مدة أقصاها شهران من الزمن ، إلا أنني رفضت في البداية هذا الطلب من المؤسسة بسبب عامل الوقت الذي حددته لإنجاز هذا العمل ، ولكن عرفاني بجميل المؤسسة المتمثل في نشرها لمؤلفاتي. إضافة إلى توسلها الدائم للقيام بالعمل ، دفعاني لأخذ المبادرة في تنفيذه ، لقد استغرق عمل هذا الفهرس أقل من شهر ، وهذا ما يحملني تقديم العذر عن احتمال ما قد يوجد فيه من أخطاء ، فإن السرعة في إنجازه هي العامل الرئيسي وراء ذلك.

ثم ينتقل بعد ذلك «لاندبرج» للحديث عن هذه المخطوطات التي دخلت في حيازة مؤسسة «بريل».

تمثل أهمية هذه المجموعة التي تزيد على ٦٠٠ مخطوطة في احتوائها على مؤلفات فريدة من نوعها وغير معروفة حتى في الشرق نفسه ، فأهمية المجموعة لا تنبثق فقط من ناحية حب الاستطلاع فقط ، ولكن من الناحية العلمية أيضا ، سوف يستغرب أحدنا من وجود سلسلة محترمة من المؤلفات اليمنية في الناحيتين ، التاريخية والأدبية لبلد لا يعرف عنه إلا القليل. فقبل عشر سنوات من الآن «زمن وضع هذا الفهرس ١٨٨٣ م» كان اليمن يعيش

٥٦

حياة تكاد تكون منفصلة عمن سواه ، وهي حياة شبه مجهولة حتى في منطقة قريبة له كالحجاز ، وبالرغم من ذلك ، ففي هذا البلد كانت وما زالت ـ إلى درجة معينة ـ تجرى حياة علمية نشطة ، ويتمتع أهله بذوق فطري وأدبي قلما يتوفر في مكان آخر ، ولقد حفظوا هذا الأدب وشجعوا المؤسسات التعليمية فأثمر هذا التشجيع عن انبثاق مجموعة من العلماء ، والشعراء ، والنساخ الأذكياء ، والدليل على ما أذكره هنا هو وفرة الأعمال اليمنية التي تحتوي عليها هذه المجموعة من المخطوطات.

سوف تملأ الأعمال الأدبية اليمنية تلك الثغرات الموجودة في علمنا عن الشرق. كما ستلقى الوثائق المتخصصة في «القرامطة» ضوءا جديدا على حياة هذه الفرقة الدينية التي جذبت في وقت سابق كثيرا من الأنصار في الجزيرة العربية ، كما سيجد اليمنيون أن الأعمال المتعددة التي أنتجها «أبو مخرقة بن المتوكل» (٣٧) وغيره من مشهوري رجال اليمن ، قد لعبت دورا جديرا في حياة اليمن الأدبية والعلمية ، مما يؤهلها أن تكون خير شاهد ومؤرخ لهذا القطر في البلاد الأوروبية.

سوف يجد المتخصص في الأدب العربي متعته في مطالعة مجموعة من الدواوين الشعرية المتجانسة والتي تفتقر إلى وجودها المكتبات الأوروبية ، فمن بين هذه الدواوين نسخة كاملة من ديوان الأعشى (٣٨) هذه النسخة وإن لم تتوفر لها المقارنة العملية اللازمة .. إلا أنها تعتبر اكتشافا جديدا في عالم الأدب ، كما أن جمهرة أشعار العرب لابن أبي الخطاب (٣٩) سوف تكون معينا مفيدا للراغب في تحقيق الأدب القديم بصورة كلية أو متفرقة.

إن بعض هذه الوثائق الأدبية تعتبر بحق تحفا خطية مضبوطة ، بل ولم تترك شيئا نرغب في وجوده فيها إلا واحتوته.

تمثل هذه المجموعة أيضا الميدان التاريخي بصورة واسعة ، إلا أنها لم تحتو إلا على القليل في تاريخ المدن المقدسة (٤٠) ، ولكننا نجد نسخة خطية من تاريخ «الذهبي» (٤١) التي سوف يرحّب بها المحقق العالم لجزء من تاريخ الطّبري ، إنّ الإنتاج السّيري «التّراجم» أدى خدمة جليلة في إخراج هذا الفهرس لحيز الوجود فليس من الضروري أن تكون الأعمال الصغيرة أقل أهمية ، حيث إن الناس دائما يدرسون الرسائل التاريخية المحدودة في

٥٧

سبيل فهم الأعمال الأكثر شمولا في مادتها.

أما في الجزء المتخصص في مجال الشريعة الإسلامية فإننا نجد نسخة من كتاب «المزي» (٤٢) وهي حسب علمي ربما كانت النسخة الوحيدة في الشرق ، وأغلب المؤلفات في هذا المجال إضافة إلى كتب الأحاديث النبوية هي من ممتلكات علماء من مكة والمدينة ، حسب ما تثبته تصحيحاتهم وتعليقاتهم عليها.

إن سرد وبحث هذه الوثائق النفيسة المتعلقة بحياة العرب الدينية والتاريخية ، واللغوية بصورة تفصيلية ، أمر يتطلب كثيرا من الوقت وهو ما لا تسمح به ظروف هذا الفهرس المحدد الذي حاولت في مقدمته هذه أن أركز الانتباه على الأعمال الرئيسية ، والتي يتسم بعضها بخلل أو نقص ، ولكن هذه العيوب يعوضها دائما الوضوح المتوفر في المخطوطات ـ نفسها ـ والتي أثبت مسمّياتها وأسماء مؤلفيها حسب ورودها فيها ، وإن احتجت أحيانا الرجوع إلى كتاب حاجي خليفة (٤٣) في طبعته القاهرية ، وحيث إن عددا وافرا من المخطوطات قام بكتابته مؤلفون عرفوا بشهرتهم التاريخية .. إضافة إلى الرغبة في تشجيع البحث العلمي ، فإنني رأيته مفيدا أن أثبت في نهاية هذا الفهرس قائمة بهذه الأسماء.

أتمنى ألا يعطى هذا الفهرس ـ أو بالأصح ـ هذه القائمة ، مقدارا زائدا عن الأهمية الحقيقية التي تستحقها ، فإني أنشرها مجردا نفسي من أي إدعاء ، لقد كانت التجربة التي مررت بها خلال معايشتي المخطوطات قراءة وبحثا ، تجربة مثيرة تشبه تلك التجربة التي يمر بها البخيل عند ما يقوم بمعاينة ثروته ، ولكن ما يجعل هاتين التجربتين غير متكافئتين هو ذلك السؤال الذي كنت أطرحه على نفسي عند ما أقوم بوضع الأرقام الخاصة بكل جزء من هذه المجموعة.

إنني لأتجرأ القول متمنيا وأنا في مرحلة انتهائي من العمل في هذه المجموعة من المخطوطات أن ينتهي بها المقام في الأيدي التي تستحقها ، تلك الأيدي التي تنشر من غير تردد أو صعوبة ما تحتويه من علوم نرغب جميعا في معرفتها. (٤٤)

٥٨

وصف محتويات الفهرس :

لقد قسم «لاندبرج» المخطوطات التي يحتوي عليها هذا الفهرس إلى ثلاثة عشر جزءا وملحقا ، معتمدا في تقسيمه هذا على تخصصاتها أو ما تتضمنه من مواد علمية ، وسوف نتعرض هنا لأقسام هذا الفهرس. مع ذكر نماذج من أسماء مخطوطات كل قسم مقرونة بأسماء مؤلفيها كما أوردها واضعه ، مع الإشارة إلى الأرقام التي وضعت لها في الفهرس نفسه.

الجزء الأول ويشمل ٢٢٨ مخطوطا ، وقد دعى هذا الجزء بالمصادر الأولية ، ومن هذه المصادر الأولية :

* ابن كثير : البداية والنهاية في التاريخ ـ ٢.

* الإمام [محمود] العيني : عقد الجمان في أخبار أهل الزمان ـ ٣.

* أبو الحسين أحمد بن فارس : مجمل اللغة ـ ١٣.

* أبو الفتح عثمان بن جني : مختصر التصريف الملوكي ـ ٢٥.

* مسلم بن الحجاج : الصحيح ـ ٣١.

* ابن القيم : (محمد أبو بكر بن زرعة) ـ ٥٣.

* عبد الرحمن الجبرتي : مدة دخول الفرنسيين بمصر ـ ٦١.

* القاضي أبو عبد الله الضبي : أمالي الضّبي ـ ١٢٢.

* محمد بن عبد الوهاب : رسائل في حكم أحوال القبر والحشر .. في حكم الغيبة والنميمة والفتن التي تحدث .. في حكم خلق الله السموات والأرض ..

في حكم الغيظ والحلم ـ ١٢٤.

* للمؤلف نفسه : رسالة في مبحث الاجتهاد والتقليد والاختلاف فيهما ـ ١٢٥.

* للمؤلف نفسه : العقائد الوهابية ـ ١٢٦.

* أحمد بن عبد السلام بن تيمية الحراني : في النجاسات المفقودة ـ ١٢٧.

* أبو القاسم خلف العباسي الزهراوي الأندلسي : الجزء الثاني من كتاب الزهراوي في علم الطب والتشريح وفي الجراحات وغير ذلك ـ ١٦٩.

* الحافظ الذهبي : التلويحات في علم القراءات ـ ١٨٧.

٥٩

* أحمد المقريزي : مناقب أحمد بن حنبل ـ ١٨٨.

* الخطيب التبريزي : شرح بانت سعاد ـ ١٩٨.

* أبو الحسن علي بن الحسين المفسر : الاستدراكات على «أبي علي الفارسي» ـ ٢٠٧.

* ديوان الإمام المنصور بالله أبي عبد الله بن حمزة بن سليمان ـ ٢٧٧.

الجزء الثاني : (تاريخ) ويشمل هذا الجزء ٧٣ مخطوطا منها :

* ابن حجر العسقلاني : الإصابة في تاريخ أسماء الصحابة ـ ٢٨٨.

* أبو حنيفة الدينوري : الأخبار الطوال ـ ٢٣٠.

* السيوطي : لب اللباب في تحرير الأنساب والألقاب ـ ٢٧٧.

* السيد أحمد بن معصوم المدني : سلافة العصر في مناقب أهل العصر.

الجزء الثالث : (أدب) ويشمل هذا الجزء ١٣١ مخطوطا منها :

* ديوان لبيد بن أبي ربيعة ـ ٣٠١.

* ديوان أبي محجن الثقفي ـ ٣٠٣.

* ديوان الحطيئة ـ ٣٠٤.

* ديوان الحادرة ـ ٣٠٥.

* ديوان الشماخ بن ضرار ـ ٣٠٧.

* ديوان عمر بن أبي ربيعة المخزومي ـ ٣٠٨.

* ديوان أبي نواس الحكمي ـ ٣٠٩.

* ديوان البحتري ـ ٣١٢.

* أبو زكريا يحيى الخطيب التبريزي : شرح ديوان أبي تمام ـ ٣١٣.

* ديوان أبي الحسن بن علي بن محمد التهامي ـ ٣١٦.

* ديوان علي بن أبي طالب ـ ٣١٧.

* ديوان أحمد بن حجر العسقلاني ـ ٣١٩.

* أبو القاسم هبة الله بن جعفر بن سناء الملك : دار الطراز في الموشحات ـ ٣٢٤.

* محمد بن موسى كامل الدين الدميري : شرح لامية العجم ـ ٣٩٧.

* خضر الموصلي : الإسعاف (شرح شواهد الكشاف) ـ ٤٠٤.

٦٠