الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

واكتفى بأنّ منيراً كان يغنّي في الأسواق ، وللمحاسبة مع الرجلين موقف نؤجِّله إلى يوم الحساب ، فهنالك يستوفي منير حقّه ، و (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١).

وهذه كلّها والنبذ المدوّنة من شعره في هذا الكتاب وفيها عدُّ الأئمّة الاثني عشر ، آيات باهرة لبلوغ العوني الغاية القصوى من الموالاة والتشيّع ، حتى إنّ القاصرين أو الحانقين عليه رموه بالغلوِّ لِما ذكره ابن شهرآشوب في المعالم (٢) من أنّه نظم أكثر المناقب ، والواقف على شعره جِدُّ عليم بأنّه كان يمشي على الوسط بين الإفراط والتفريط ، فلا يُثبِت لأهل البيت عليهم‌السلام إلاّ ما حقَّ لهم من المراتب والمناقب أو ما هو دون مقامهم ، ولا ينظم إلاّ ما ورد في أحاديث أئمّة الدين من مناقبهم ، وأمّا التهمة بالغلوّ فكلمة جاهل أو معاند.

وعلى أيٍّ فتشيّع العوني كان مشهوراً في العصور المتقدِّمة ، على عهده وبعد وفاته ، حتى إنّه لمّا وقعت الفتنة بين الشيعة والسنّة في بغداد سنة (٤٤٣) واحتدم بينهما القتال ، فكانت ممّا جاءت به يد الجور من الفظائع أنّهم نبشوا قبور جماعة من الشيعة وطرحوا النيران في ترابهم ومنهم العوني المترجَم ، والناشئ عليّ بن وصيف الآنف ذكره (٣) ، والشاعر المعروف الجذوعي (٤).

كان العوني يتفنّن في الشعر ، ويأتي بأساليبه وفنونه وبحوره ، مقدرةً منه على تحوير القول وصياغة الجمل كيف ما شاء وأحبَّ.

قال ابن رشيق في العمدة (٥) (١ / ١٥٤) : ومن الشعر نوع غريب يسمّونه

__________________

(١) الفجر : ١٤.

(٢) معالم العلماء : ص ١٤٧.

(٣) أُنظر ترجمة الناشئ الصغير : ص ٣٩ من هذا الجزء.

(٤) ذكرها ابن الأثير في الكامل : ٩ / ١٩٩ [٦ / ١٥٨ حوادث سنة ٤٤٣ ه‍] ، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : ٣ / ٢٧٠ [٥ / ١٩١ حوادث سنة ٤٤٣ ه‍]. (المؤلف)

(٥) العمدة : ١ / ١٧٨ باب ٢٣.

١٨١

القواديسي تشبيهاً بالقواديس السانية ؛ لارتفاع بعض قوافيه في جهةٍ وانخفاضها في الجهة الأخرى ، فأوّل من رأيته جاء به طلحة بن عبيد الله العوني في قوله ـ وهي من قصيدة له مشهورة طويلة :

كم للدمى الأبكار بال

ـجنتينِ من منازلِ

بمهجتي للوجدِ من

تذكارِها منازلُ

معاهدٌ رعيلُها

مثعنجرُ الهواطلِ (١)

لمّا نأى ساكنها

فأدمعي هواطلُ

وللعوني معاني فخمة في شعره استحسنها معاصروه ومن بعده ، فحذوا حذوه في صياغة تلك المعاني ، لكنّ الحقيقة تشهد بأنّ الفضل لمن سبق. قال أبو سعيد محمد ابن أحمد العبيدي في الإبانة عن سرقات المتنبّي (ص ٢٢) : قال العوني :

مضى الربيعُ وجاءَ الصيفُ يقدمُه

جيشٌ من الحرِّ يرمي الأرضَ بالشررِ

كأنّ بالجو ما بي من جوىً وهوىً

ومن شحوبٍ فلا يخلو من الكدرِ

قال المتنبّي المقتول (٣٥٤):

كأنّ الجوّ قاسى ما أقاسي

فصار سوادُهُ فيهِ شحوبا (٢)

وقال في (ص ٦٤) : قال العوني :

يا صاحبيَّ بعُدْتما فتركتُما

قلبي رهينَ صبابةٍ ونصابِ

أبكي وفاءَكما وعهدَكما كما

يبكي المحبُّ معاهدَ الأحبابِ

__________________

(١) إثعنجر الماء : سال.

(٢) من قصيدة (٤٢) بيتاً توجد في ديوانه : ١ / ٩٨ [١ / ٢٦٧] يمدح بها عليّ بن محمد التميمي. (المؤلف)

١٨٢

قال المتنبّي :

وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه (١)

بأن تُسعدا والدمع أشفاه ساجمه (٢)

وقال في (ص ٦٦) : للعوني في قصيدة له في أهل البيت عليهم‌السلام :

ألا سيّدٌ يبكي بشجوي فإنّني

لمستعذبٌ ماءَ البكاءِ ومُستحلي

أحبّ ابنَ بنتِ المصطفى وأزورُه

زيارةَ مهجورٍ يحنُّ إلى الوصلِ

وما قدمي في سعيِهِ نحو قبرِهِ

بأفضلَ منه رتبةً مركبُ العقلِ

قال المتنبّي (٣):

خيرُ أعضائِنا الرؤوسُ ولكن

فضلتها بقصدِها الأقدامُ

قال الأميني : وحذا حذو العوني في المعنى سيّدنا الشهيد السيّد نصرالله الحائري في كافيّةٍ له في تربة كربلاء المشرّفة ، وقال :

أقدام من زارَ مغناكِ الشريفَ غدتْ

تفاخرُ الرأسَ منه طابَ مثواكِ (٤)

وشعره في أهل البيت عليهم‌السلام مدحاً ورثاءً مبثوث في المناقب لابن شهرآشوب ، وروضة الواعظين لشيخنا الفتّال ، والصراط المستقيم لشيخنا البياضي ، وقد جمعنا من شعره ما يربو على ثلاثمائة وخمسين بيتاً ، وجمعه ورتّبه العلاّمة السماوي في ديوان ، وممّا رتّبه قصيدته المعروفة بالمذهّبة توجد في مناقب ابن شهرآشوب ناقصة الأطراف :

__________________

(١) الطاسم : الدارس الذي امّحى أثره.

(٢) توجد القصيدة (٤٢) بيتاً في ديوانه : ٢ / ٢٣٢ [٤ / ٤٣] وهي أوّل ما أنشدت سنة (٣٣٧) يمدح بها سيف الدولة. (المؤلف)

(٣) شرح ديوان المتنبّي : ٤ / ٢٢٣.

(٤) ولهذا البيت قصّة أدبيّة لطيفة تأتي في ترجمة سيّدنا بحر العلوم ، في شعراء القرن الثاني عشر (المؤلف)

١٨٣

وسائلٍ عن العليّ الشانِ

هل نصّ فيه اللهُ بالقرآنِ

بأنّه الوصيُّ دون ثانِ

لأحمدَ المطهّرِ العدناني

فاذكر لنا نصّا به جليّا

أجبتُ يكفي خمُّ في النصوصِ

من آيةِ التبليغِ بالمخصوص

وجملةُ الأخبارِ والنصوصِ

غير الذي انتاشت يدُ اللصوص

وكتّمته ترتضي أميّا

أما سمعتَ يا بعيد الذهنِ

ما قاله أحمدُ كالمهنّي

أنت كهارونَ لموسى منّي

إذ قال موسى لأخيه اخلفني

فاسألهمُ لِمْ خالفوا الوصيّا

أما سمعتَ خبرَ المباهله

أما علمتَ أنّها مفاضله

بين الورى فهل رأى من عادله

في الفضلِ عند ربّه وقابله

ولم يكن قرّبه نجيّا (١)

أما سمعتَ أنّه أوصاهُ

وكان ذا فقرٍ كما تراهُ

فخصّ بالدين الذي يرعاهُ

فإن عداهُ وهو ما عداهُ

غادر ديناً لم يكن مرعيّا

فقال هل من آيةٍ تدلُ

على عليّ الطهرِ لا تُعلُ

بحيثُ فيها الطهرُ يستقلُ

تدنيه للفضلِ فيُقصى كلُ

ويغتدي من دونه مقصيّا

فقلتُ إنّ الله جلّ قالا

إذ شرّف الآباء والأنسالا

وآلُ إبراهيم فازوا آلا

إنّا وهبنا لهمُ إفضالا

لسانَ صدقٍ منهمُ عليّا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٢.

١٨٤

فكان إبراهيم ربّانيّا

ثمّ رسولاً منذراً رضيّا

ثمّ خليلاً صفوةً صفيّا

ثمّ إماماً هادياً مهديّا

وكان عند ربّه مرضيّا

فعندها قال ومن ذريّتي

قال له لا لن ينالَ رحمتي

وعهديَ الظالمَ من بريّتي

أبتْ لملكي ذاك وحدانيّتي

سبحانهُ لا زال وحدانيّا (١)

فالمصطفى الآمرُ فينا الناهي

وعادمُ الأمثالِ والأشباهِ

فالفعلُ منه والمقامُ الزاهي

لم يصدرا إلاّ بأمر اللهِ

لم يتقوّل أبداً فريّا

إن كان غير ناطق عن الهوى

إلاّ بأمرٍ مبرمٍ من ذي القوى

فكيف أقصاهمْ وأدنى المجتوى (٢)

إذن لقد ضلّ ضلالاً وغوى

ولم يكن حاشا له غَويّا (٣)

لكنّما الأقوامُ في السقيفه

قد نصبوا برأيِهم خليفه

وكان في شغلٍ وفي وظيفه

من غُسلِ تلك الدرّةِ النظيفه

وحزنه الذي له تهيّا

حتى إذا قضى الخليفةُ انتخبْ

من عقدَ الأمرَ له بين العربْ

ثمّ قضى واختار منهم من أحبْ

وإن ت كن شورى فللشورى سببْ

إن كان ذا ترتيبهُ مقضيّا

ثمّ قضى ثالثُهم فانثالوا

له الرجال تتبعُ الرجالُ

فلم تسعْ غيرَ القبولِ الحالُ

فقام والرضا به محالُ

إذ كان كلٌّ يتمنّى شيّا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٠٧. (٢) جَوِيَ الشيء : كرهه ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٢.

(٣) جَوِيَ الشيء : كرهه ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٢.

١٨٥

فغاضبتْ أوّلهم ذاتُ الجمَلْ

وقام معْها الرجلان في العملْ

فردّهم سيفُ القضاءِ وفصلْ

ولم يكن قد سبقَ السيفُ العذلْ

فقد تأتّى حربهم مليّا

وغاضب الشاني لأمرٍ سالفِ

فاجتاحه ب ذي الفقارِ القاصفِ

وأصبح الناصرُ كالمخالفِ

إذ شُكّتِ الرماحُ بالمصاحفِ

وأخذ الإنحدار والرقيّا (١)

وكان أن يردَّ للتسليمِ

إذ ردّ للأحبشِ في الهزيمِ

فأعمل الحيلةَ في التحكيمِ

بأمر شيطانِهمُ الرجيمِ

ففي الرعاة حكّم الرعيّا

فلم يجد للكفّ من مناصِ

وأخذَ التحكيمَ بالنواصي

فجاء أهلُ الشامِ بابنِ العاصي

فاحتالَ فيها حيلةَ القنّاصِ

غرّ أبا موسى الاشعريّا

قام أبو موسى فويق المنبرِ

وقال إنّي خالعٌ لحيدرِ

كما خلعتُ خاتمي من خنصري

ثمّ جعلتها لنجلِ عمرِ

يا عمرو قم أنت اخلع الشاميّا

فقال عمرو أيّها الناس اشهدوا

أن خلعَ الذي له يعتمدُ

ثمّ اسمعوا قولي ولا تردّدوا

به فإنّي لابن هندٍ أعقِدُ

فاتّخذوه مذهباً عمريّا (٢)

فما ترى أنت بهذي الحالِ

من المقالِ ومن الأفعالِ

لا تُدخلِ المفتاحَ في الأقفالِ

تفتحْ عن الأضغانِ والأذحالِ

وما يكون في الحشا مطويّا

__________________

(١) كذا في المصدر.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢١٥ ـ ٢١٦.

١٨٦

إنّ عليّا عند أهل العلمِ

أوّل من سُمّي بهذا الإسمِ

قد ناله من ربّه في الحكمِ

على يدَي أخيه وابن العمِ

وحياً قديمَ الفضلِ عُدْمُليّا (١)

وهو الذي سُمّي في التوراةِ

عند الأُلى هادوا من الهداةِ

بالنصّ والتصريحِ في البراةِ

برغمِ من سيءَ من العداةِ

من كلّ عيبٍ في الورى بريّا

وهو الذي يُعرَفُ عند الكهنه

إذ جمعوا التوراةَ في الممتحنه

فأخذوا من كلّ شيء حسنه

وهم لتوراة الكليمِ الخزنه

ليوردوا الحقّ لهم بوريّا

وهو الذي يُعرَفُ في الإنجيلِ

برتبة الإعظامِ والتبجيلِ

وميزة الغرّةِ والتحجيلِ

وفوزةِ الرقيبِ للمجيلِ

وكان يُدعى عندهم أليّا (٢)

وهو الذي يُعرَفُ بالزبورِ

زبورِ داودَ حليفِ النورِ

وذي العلى والعلَمِ المنشورِ

في اسمِ الهزبرِ الأسد الهصورِ

ليث الوغى أعني به آريّا

وهو الذي تدعوه ما بين الورى

أكابرُ الهندِ وأشياخُ القرى

ذوو العلومِ منهمُ بكنكرا

لأنّه كان عظيماً خطرا

وكنكرٌ كان له سميّا

وهو الذي يُعرَفُ عند الرومِ

ببطرسِ القوّةِ والعلومِ

وصاحبِ السترِ لها المكتومِ

ومالكِ المنطوقِ والمفهومِ

ومن يكن ذا يُدعَ بطرسيّا

__________________

(١) العُدمُل : القديم. مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٣٢.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٢٠.

١٨٧

وهو الذي يُعرَفُ عند الفرسِ

لدى التعاليم وعند الدرسِ

بغَرسنا وذاك إسمٌ قُدسي

معناه قابضٌ بكلّ نفسِ

كما دعوه عندهم باريّا

وهو الذي يُعرَف عند التركِ

تيرا وذاك مشبهُ الَمحَكّ

وأنّه يرفع كلَّ شكّ

عن كلّ حاكٍ قولُه ومحكي

إذا عرفت المنطقَ التركيّا

وهو الذي يدعونه في الحبشِ

بتريكَ أي مدبّرٌ لا يختشي

لقدرةٍ به وبطشٍ مدهشِ

وينعتونه بأقوى قرشي

فاسأل به من يعرِفُ الحبشيّا

وهو الذي يُعرَفُ عند الزنجِ

بحنبني أي مُهلكٌ ومُنجِ

وقاطع الطريق في المحجِ

إلاّ بإذنٍ في سلوك النهجِ

فإن أردتَ فاسأل الزنجيّا

وهو فريقٌ بلسانِ الأرمنِ

فاروقَة الحقِّ لكلّ مؤمنِ

تعرفُهُ أعلامهمْ في الزمنِ

فاسأل به إن كنت ممّن يعتني

تحقيقَهُ من كان أرمنيّا (١)

وهو الذي سمّته تلك الجوهره

إذ ولدت في الكعبة المطهّره

وخرجتْ به فقال الجمهره

من ذا فقالتْ هو شبلي حيدره

ولدتُه مُطهّراً قدسيّا

هذا وقد لقّبه ظهيرا

أبوه إذ شاهدَهُ صغيرا

يصرع من إخوانه الكبيرا

مُشمّراً عن ساعدٍ تشميرا

وكان عَبلاً فَتِلاً (٢) قويّا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٢٠ ـ ٣٢١.

(٢) عبل : الضخم الغليظ. فتل : من فتله ، وهي شدّة عصب الذراع. (المؤلف)

١٨٨

ولقّبته ظِئره (١) ميمونا

إذ رأتِ السعدَ به مقرونا

فكان درّا عندها مكنونا

يحمي أخا رضاعه المنونا

ثمّ يدرّ ثديها الأبيّا

واسم أخيه في بني هلالِ

معلّقُ الميمونِ بالحبالِ

يذكرُهُ في سمرِ الليالي

رجالُهم فاسمع من الرجالِ

موهبةً خصّ بها صبيّا

والاسمُ عند اللهِ في العُلى علي

وهو الصحيحُ والصريحُ والجلي

إشتقّه من إسمه في الأزلِ

كمثل ما اشتقّ لخيرِ الرسلِ

ومَنَحَ النبيّ والوصيّا

واتّفقت آراءُ أهلِ العلمِ

على اسمه من دون معنى الإسمِ

فاختلفت في قصدِهِ والفهمِ

له وكلٌّ لم يطشْ بسهمِ

إذ قد أصاب الغرضَ المرقيّا

فقال قومٌ قد عَلا برازا

أقرانَهُ وابتزّها ابتزازا

فما رآه القِرنُ إلاّ انحازا

وكان دوناً سافلاً فامتازا

فهو عليٌّ إذ علا العديّا

وقال قومٌ قد عَلا مكانا

متنَ النبيِّ ورمى الأوثانا

إذ لم يَطِق حملَ نبيٍّ كانا

من ثقلِ الوحيِ حكى ثهلانا (٢)

فنال منه المنزلَ العليّا

وقال فرقةٌ عليُّ الدارِ

في جنّة الخلد مع المختارِ

عَلاّه ذو العرش على الأبرارِ

في روضةٍ تزهو وفي أنهارِ

فنال منه المرتضى العلويّا (٣)

__________________

(١) الظئر : المرضعة. (المؤلف) (٢) ثهلان : جبل لبني نمير بن عامر ، طوله في الأرض مسيرة ليلتين. معجم البلدان ٢ / ٨٨. (٣) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٣٢.

١٨٩

وقال فرقةٌ عَلاهمْ علما

فكان أقضاهم لذاكَ حكما

ومن إلى القضاءِ قد تسمّى

يكون أعلى رفعةً وأسمى

فوالِ ذاك العالمَ السميّا

ودَع تآويلَ الكتابِ والخبرْ

وخُذ بما بانَ لديكَ وظهرْ

قد خاطبَ اللهُ به خيرَ البشرْ

ليفهموا الأحكامَ في بادي النظرْ

ويعرفوا النبيَّ والوصيّا

فاستمسكنْ بالعروة الوثقى التي

لم تنفصمْ عنه ولم تنفلتِ

تمشِ على الصراطِ لم تلتفتِ

في قدمٍ راسٍ وقلبٍ مثبتِ

حتى تجوزَ سالماً سويّا

إلى جنان الخلدِ في أعلى الرتبْ

إذ ينثني كلُّ امرئٍ مع من أحبْ

موهبةً ممّن له الشكرُ وجبْ

فهو أبرُّ خالقٍ وخيرُ ربْ

عزّ وجلَّ مَلِكاً قويّا

يا ربّ عبدك الذي غمرتَهُ

بالفضلِ والإنعامِ مذ صيّرتهُ

وقد عصى جهلاً وقد أمرتهُ

إن تابَ فالذنبُ له غفرتهُ

قد تبتُ فاغفر ذنبيَ العديّا

يا ربّ مالي عملٌ سوى الولا

لأحمدٍ وآلِهِ أهلِ العُلى

صنوِ الرسولِ والوصيِّ المبتلى

وفاطمٍ والحسنينِ في المَلا

غُرّا تزينُ العرشَ والكرسيّا

ثمّ عليٍّ وابنه محمدِ

وجعفرِ الصدقِ وموسى المهتدي

ثمّ عليٍّ والجوادِ الأجودِ

محمدٍ ثمّ عليِّ الأمجدِ

والحسن الذي جلا المهديّا

فأعطني بهم جمالَ الدنيا

وراحةَ القبرِ زمانَ البُقيا

والأمنَ والسترَ بحشر المحيا

والريَّ من كوثرِ أهلِ السقيا

والحشرَ معْهم في العلى سويّا

١٩٠

يا طلحُ إن تختم بهذا في العملْ

لم يدنُ منك فزعٌ ولا وجلْ

وأنت طلحُ الخيرِ إنْ جاء الأجلْ

بالأجر من ربّ الورى عزّ وجلْ

كفى بربّي راحماً كفيّا

وله يمدح أمير المؤمنين عليه‌السلام :

أنا مولىً لمن يقول رسول ال

ـله فيه ما بين جمٍّ غفيرِ

سوف تأتي يومَ القيامةِ ركبٌ

خمسةٌ ما لغيرِنا من ظهورِ

أنا منهم على البراقِ وبعدي

بَضعتي فاطمٌ تسيرُ مسيري

تحتها يوم ذاك ناقتيَ العض

ـباءُ تطوي الفجاجَ طيَّ المُغير

وأبي إبراهيمُ فوق ذلولٍ

عزَّ قدراً بنا على الجمهورِ

وأخي صالحٌ على ناقةِ الله

أمامي في العالمِ المحشورِ

وعليُّ على أغرَّ من الجن

نَة ما خطبُ نعتِه باليسيرِ (١)

في يديه من فوقِ رأسي لواءُ ال

ـحمد للواحد الحميد الشكورِ

وعليهِ تاجٌ بديعٌ من النو

رِ يُزاهي بإكليله المستديرِ

قد أضاءت من نوره عرصة الحش

ـر فيا حُسنَ ذاك من منظورِ

ولتاجِ الوصيِّ سبعون ركناً

كلُّ ركنٍ كالكوكب المستنيرِ (٢)

فلربّي الحمدُ الكثيرُ على ما

قد حباني من حبِّهِ بالكثيرِ

وله يرثي الإمام السبط المفدّى ـ صلوات الله عليه ـ :

يا قمراً غاب حين لاحا

أورثني فقدُكَ المناحا

يا نُوَبَ الدهرِ لم يدعْ لي

صرفُكِ من حادثٍ صلاحا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٦٧.

(٢) : ٣ / ٢٦٥ مناقب آل أبي طالب.

١٩١

أبَعدَ يومِ الحسينِ ويحي

أستعذبُ اللهوَ والمزاحا

كربت كي تهتدي البرايا

به وتلقى به النجاحا

فالدينُ قد لفَّ بردتيهِ

والشركُ ألقى لها جناحا

فصار ذاك الصباحُ ليلاً

وصار ذاك الدجى صباحا

فجاء إذ كاتبوه يسعى

لكي يُريها الهدى الصراحا

حتى إذا جاءهم تنحّوا

لا بل نَحوا قتلَه اجتياحا

وأنبتوا البيدَ بالعوالي

والقُضْبِ واستعجلوا الكفاحا

فدافعتْ عنهُ أولياهُ

وعانقوا البيضَ والرماحا

سبعون في مثلِهم أُلوفاً

فأثخنوا بينهم جِراحا

ثمّ قَضَوا جملةً فلاقوا

هناك سهمَ القضا المتاحا

فشدَّ فيهم أبو عليٍ

وصافحت نفسُهُ الصفاحا

يا غيرةَ اللهِ لا تُغيثي

منهم صياحاً ولا ضباحا (١)

ثمّ انثنى ظامئاً وحيداً

كما غدا فيهمُ وراحا

ولم يزل يرتقي إلى أن

دعاه داعي اللقا فصاحا

دونكمُ مهجتي فإنّي

دُعيت أن أرتقي الضراحا

فكلكلوا فوقَه فهذا

يقطعُ رأساً وذا جناحا

يا بأبي أنفساً ظِماءً

ماتت ولم تشربِ المُباحا

يا بأبي أوجهاً صِباحاً

باكرها حتفُها صَباحا

يا بأبي أجسماً تعرّتْ

ثمّ اكتست بالدماء وشاحا (٢)

يا سادتي يا بني عليٍ

بكى الهدى فقدكم وناحا

أوحشتمُ الحِجرَ والمساعي

آنستمُ القَفْرَ والبِطاحا

__________________

(١) الضباح : الصياح ، وهو في الأصل صوت الثعلب.

(٢) الوشاح : شبه قلادة من نسيج عريض يرصَّع بالجوهر. (المؤلف)

١٩٢

أوحشتمُ الذكرَ والمثاني

والسُّوَر الطوَّلَ الفصاحا (١)

لا سامحَ اللهُ من قَلاكم

وزادَ أشياعَكم سماحا

وله في الإمام الصادق ـ صلوات الله عليه :

عُجْ بالمَطيِّ على بقيع الغرقدِ

واقرَا التحيّة جعفرَ بنَ محمدِ

وقل : ابنَ بنت محمدٍ ووصيَّه

يا نورَ كلِّ هدايةٍ لم تجحدِ

يا صادقاً شهد الإلهُ بصدقِهِ

فكفى شهادةَ ذي الجلالِ الأمجدِ

يا ابن الهدى وأبا الهدى أنت الهدى

يا نورَ حاضرِ سرِّ كلِّ موحِّدِ

يا ابن النبيِّ محمدٍ أنت الذي

أوضحتَ قصد ولاءِ آلِ محمدِ

يا سادسَ الأنوار يا علمَ الهدى

ضلّ امرؤٌ بولائِكمْ لم يهتدِ (٢)

وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ :

تخيّرهُ اللهُ من خلقِهِ

فحمّلَهُ الذكرَ وهو الخبيرُ

وأُنزِلَ بالسُّوَرِ المحكماتِ

عليه كتابٌ مبينٌ منيرُ

وأغشاه نوراً وناداه قمْ

وأنذرْ فأنتَ البشيرُ النذيرُ

فلاحَ الهدى واضمحلّ العمى

وولّى الضلالُ وعِيفَ الغرورُ

فوصّى عليّا فنعمَ الوصيُ

ونعمَ الوليُّ ونعمَ النصيرُ (٣)

وله من قصيدة في الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام قوله :

نصَّ على ستٍّ وستٍّ بعدَهُ

كلٌّ إمامٌ راشدٌ برهانُهُ

صلّى عليه ذو العلى ولم يزل

يغشاه منه أبداً رضوانُهُ

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ١٢٩.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ / ٣٠٠.

(٣) مناقب آل أبي طالب] : ٢ / ٣٥] أشار بهذه الأبيات إلى حديث العشيرة المذكور في الجزء الثاني : ص ٢٧٨ ـ ٢٨٧. (المؤلف)

١٩٣

وله من قصيدة أخرى :

وقلت براثا كان بيتاً لمريمِ

وذاك ضعيفٌ في الأسانيدِ أعوجُ

ولكنّه بيتٌ لعيسى بن مريمِ

وللأنبياءِ الزهرِ مثوىً ومدرجُ

وللأوصياءِ الطاهرين مقامُهم

على غابرِ الأيّام والحقُّ أبلجُ

بسبعينَ موصىً بعد سبعينَ مرسلٍ

جباهُهمُ فيها سجودٌ تَشجّجُ

وآخرُهم فيها صلاةً إمامُنا

عليٌّ بذا جاءَ الحديثُ المنهّجُ

وله من قصيدة كبيرة يمدح بها أهل البيت عليهم‌السلام :

ألستَ ترى جبريلَ وهو مقرَّبٌ

له في العلى من راحةِ القصدِ موقفُ

يقول لهم : أهلَ العبا أنا منكمُ

فمن مثلُ أهلِ البيتِ إن كنتَ تنصفُ

نعم آلُ طه خيرُ من وطأ الحصى

وأكرمُ أبصارٍ على الأرض تطرفُ

هم الكلماتُ الطيّباتُ التي بها

يُتاب على الخاطي فيُحبا ويُزلفُ

هم البركاتُ النازلاتُ على الورى

تعمُّ جميعَ المؤمنين وتكنفُ

هم الباقياتُ الصالحاتُ بذكرِها

لذا كرِها خيرُ الثوابِ المضعّفُ

هم الصلواتُ الزاكياتُ عليهمُ

يدلُّ المنادي بالصلاةِ ويعكفُ

هم الحرمُ المأمونُ آمن أهلُهُ

وأعداؤه من حولِه تتخطّفُ

هم الوجهُ وجهُ اللهِ والجنبُ جنبُهُ

وهم فُلك نوحٍ خابَ عنه المخلّفُ

هم البابُ بابُ اللهِ والحبلُ حبلُه

وعروتُه الوثقى تواري وتكنفُ

وأسماؤه الحسنى التي من دعا بها

أُجيبَ فما للناسِ عنها تحرّفُ (١)

ذكر السمعاني في الأنساب (٢) : أنّ العوني كان شاعر الشيعة ، وذكر الصحابة وثلبهم في قصيدة أوّلها :

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٤٤ ، ٢ / ٣٠٠ ، ٣ / ٣٤٢ ، ٤٥٣.

(٢) الأنساب : ٤ / ٢٦٠.

١٩٤

ليس الوقوف على الأطلال من شاني

سمعت أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا بلغه عنه سبُّ الصحابة ، أمر به فضرب بالعمود بالمدينة فمات فيه.

قال الأميني : خفي على السمعاني اسم العوني وعصره ومدفنه ، وأنّ القصيدة النونية المذكورة إنّما هي لأبي محمد عبد الله بن عمّار البرقي أحد شعراء أهل البيت ، وُشي به إلى المتوكِّل وقُرئت له نونيّته ، فأمر بقطع لسانه وإحراق ديوا نه ، ففُعل به ذلك ومات بعد أيام ، وذلك سنة (٢٤٥). ومن النونيّة قوله :

فهو الذي امتحنَ اللهُ القلوبَ به

عمّا يجمجمنَ من كفرٍ وإيمانِ

وهو الذي قد قضى اللهُ العليُّ له

أن لا يكونَ له في فضلِهِ ثانِ

وإنّ قوماً رجوا إبطال حقِّكمُ

أمسوا من الله في سخطٍ وعصيانِ

لن يدفعوا حقَّكم إلاّ بدفعهمُ

ما أنزلَ اللهُ من آيٍ وقرآنِ

فقلِّدوها لأهل البيتِ إنّهمُ

صنوُ النبيّ وأنتمْ غيرُ صنوانِ

١٩٥
١٩٦

ـ ٣٢ ـ

ابن حمّاد العبدي

ـ ١ ـ

ألا قُل لسلطانِ الهوى كيف أعملُ

لقد جار من أهوى وأنتَ المؤمّلُ

أَأُبدي إليك اليوم ما أنا مضمرٌ

من الوجدِ في الأحشاءِ أم أتحمّلُ

وما أنا إلاّ هالكٌ إن كتمتُهُ

ولا شكّ كتمانُ الهوى سوف يقتلُ

فخذ بعضَ ما عندي وبعضٌ أصونُهُ

فإن رمتُ صونَ الكلّ فالحالُ مشكلُ

لقد كنتُ خلواً من غرامٍ وصبوةٍ

أبِيتُ وما لي في الهوى قطُّ مدخلُ

إلى أن دعاني للصبابةِ شادنٌ

تحيّرُ فيه الواصفون وتذهلُ

بديعُ جمالٍ لو يَرى الحسنُ حسنَه

لقرَّ اختياراً أنّه منه أجملُ

فسبحانَ من أنشاه فرداً بحسنِهِ

فلا تعجبوا فاللهُ ما شاء يفعلُ

دعاني فلم ألبث ولبّيتُ عاجلاً

وما كنت لولا ذلك الحسنُ أعجلُ

بذلتُ له روحي وما أنا مالكٌ

وفي مثله الأرواحُ والمالُ تُبذَلُ

وصرتُ له خِدناً ثلاثينَ حجّةً

أُعانق منه الشمسَ والليلُ أليلُ

بسمعيَ وَقرٌ إن لحا فيهِ كاشحٌ

كذاك به عن عذلِ من راح يعذلُ

إلى أن بدا شيبي ولاحَ بياضُهُ

كما لاح قرنٌ من سنا الشمس مسدلُ

وبدّل وصلي بالجفا متعمِّداً

وما خلتُه للهجرِ والصدّ يفعلُ

فحاولته وصلاً فقال ليَ ابتدئ

وإلاّ يميناً إنّه ليس يقبلُ

وفرَّ كما من حيدرٍ فرَّ قرنُهُ

وقد ثار من نقعِ السنابكِ قسطَلُ

١٩٧

غداةَ رأتهُ المشركون وسيفُهُ

بكفّيه منه الموتُ يجري ويهطلُ

حسامٌ كصلّ الريمِ في جنباتِهِ

دبيبٌ كما دبّت على الصخرِ أنملُ

إذا ما انتضاه واعتزى وسطَ مأزقٍ

تزلزل خوفاً منه رضوى ويذبلُ

به مرحبٌ عضّ الترابَ معفّراً

وعمرو بن ودٍّ راح وهو مجدّلُ

وقام به الإسلامُ بعد اعوجاجه

وجاء به الدين الحنيف يُكمّلُ

إلى أن يقول فيها :

هو الضاربُ الهاماتِ والبطلُ الذي

بضربتِهِ قد ماتَ في الحالِ نوفلُ

وعرّجَ جبريلُ الأمينُ مصرِّحاً

يكبِّرُ في أُفق السما ويهلّلُ

أخو المصطفى يومَ الغديرِ وصنوُهُ

ومُضجِعُهُ في لحدِه والمغسِّلُ

له الشمس رُدّت حين فاتتْ صلاتُهُ

وقد فاته الوقتُ الذي هو أفضلُ

فصلّى فعادتْ وهي تهوي كأنّها

إلى الغربِ نجمٌ للشياطين مُرسَلُ

أما قال فيهِ أحمدٌ وهو قائمٌ

على منبرِ الأكوار والناسُ نُزّلُ (١)

عليٌّ أخي دون الصحابةِ كلِّهم

به جاءني جبريلُ إن كنتَ تسألُ

عليٌّ بأمرِ الله بعدي خليفةٌ

وصيّي عليكم كيف ما شاء يفعلُ

ألا إنّ عاصيهِ كعاصي محمدٍ

وعاصيه عاصي الله والحقُّ أجملُ

ألا إنّه نفسي ونفسيَ نفسُه

به النصُّ أنبا وهو وحيٌ منزّلُ

ألا إنّني للعلمِ فيكمْ مدينةٌ

عليٌّ لها بابٌ لمن رام يدخلُ

ألا إنّه مولاكمُ ووليّكمْ

وأقضاكمُ بالحقِّ يقضي ويعدلُ

فقالوا جميعاً قد رضيناه حاكماً

ويقطعُ فينا ما يشاءُ ويوصلُ

ويكفيكمُ فضلاً غداةَ مسيرِهِ

إلى يثربٍ والقومُ تعلو وتسفلُ

وقد عطشوا إذ لاحَ في الديرِ قائمٌ

لهم راهبٌ جمُّ العلوم مكمّلُ

__________________

(١) في بعض المصادر : والجمع حُفَّلُ. (المؤلف)

١٩٨

فناداه من بُعدٍ وأعلا بصوتِهِ

فكاد على خوفٍ من الرعبِ ينزلُ

فأشرف مذعوراً فقال : فهل ترى

بقربِكَ ماءً أيّها المتبتِّلُ

فقال وأنّي بالمياهِ وأرضُنا

جبالٌ وصخرٌ لا ترامُ وجندلُ

ولكنّ في الإنجيلِ أنّ بِقُربِنا

على فرسخينِ لا محالة منهلُ (١)

ولم يَره إلاّ نبيٌّ مطهّرٌ

وإلاّ وصيٌّ للنبيِّ مفضّلُ

فسار على اسمِ اللهِ للماءِ طالباً

وراهبُ ذاك الدير بالعين يأملُ

فأوقفَ والفرسانُ حول ركابِه

ونارُ الظما في أنفسِ القومِ تشعلُ

فقال لهم يا قومِ هذا مكانكُمْ

فمن رامَ شربَ الماءِ للحفرِ ينزلُ

فما كان إلاّ ساعةً ثمّ أشرفوا

على صخرةٍ صمّاء لا تتقلقلُ

لُجينيّةً مَلْساً كأنّ أديمَها

أُذيب عليها التبر أو ريفَ منخلُ

فقال اقلبوها فاعتزوا عند أمرِهِ

على ذاك كُلاّ وهي لا تتجلجلُ

فقالوا جميعاً يا عليُّ فهذه

صفاتٌ بها تعيا الرجال وتذهلُ

فمدّ إليها ما انحنى فوق سرجِهِ

يميناً لها إلاّ غدت وهي أسفلُ

وزجَّ بها كالعود في كفِّ لاهبٍ

فبان لهم عذبٌ من الماء سلسلُ

فأوردهم حتى اكتفوا ثمّ عادها

على الجبِّ لا يعيا ولا يتململُ

فلمّا رآها الراهبُ انحطَّ مسرعاً

لكفّيهِ ما بين الأنام يُقبِّلُ

وأسلم لمّا أن رأوا هو قائلٌ

أظنّك آليّا وما كنت أجهلُ

القصيدة (١٠٤) أبيات

ـ ٢ ـ

من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ :

لَعمرُكَ يا فتى يومِ الغديرِ

لأنت المرءُ أولى بالأمورِ

وأنت أخٌ لخيرِ الخلقِ طرّا

ونفسٌ في مباهلةِ البشيرِ

__________________

(١) كذا بالرفع ، والصواب نصبها : لأنّها اسم أنّ مؤخّراً.

١٩٩

وأنت الصنوُ والصهرُ المزكّى

ووالدُ شبّرٍ وأبو شبيرِ

وأنت المرءُ لم تحفلْ بدنياً

وليس له بذلك من نظيرِ

لقد نبعتْ له عينٌ فظلّتْ

تفورُ كأنّها عنقُ البعيرِ

فوافاه البشيرُ بها مغذّا

فقال عليُّ أبشر يا بشيري

لقد صيّرتُها وقفاً مُباحاً

لوجهِ اللهِ ذي العزِّ القديرِ

وكان يقولُ يا دنياي غرّي

سواي فلستُ من أهلِ الغرورِ

وصابرَ مع حليلتِهِ الأذايا

فنالا خيرَ عاقبةِ الصبورِ

وقالت أمُ أيمنَ جئتُ يوماً

إلى الزهراءِ في وقتِ الهجيرِ

فلمّا أن دنوتُ سمعتُ صوتاً

وطحناً في الرحاءِ بلا مُديرِ

فجئتُ البابَ أقرعُهُ نغوراً

فما من سامعٍ ليَ في نغوري

فجئت المصطفى وقصصتُ شأني

وما أبصرتُ من أمرٍ زعورِ

فقال المصطفى شكراً لربٍ

بإتمام الحَباء لها جديرِ

رآها اللهُ مُتعَبةً فألقى

عليها النوم ذو المنِّ الكثيرِ

ووكّل بالرحا مَلَكاً مُديراً

فعدتُ وقد ملئتُ من السرورِ

تزوّجَ في السماءِ بأمر ربّي

بفاطمةَ المهذّبةِ الطهورِ

وصيّر مهرها خمسَ الأراضي

بما تحويه من كَرَمٍ وخيرِ

فذا خيرُ الرجال وتلك خيرُ

النساءِ ومهرُها خير المهورِ

وإبناها الأُلى فضلوا البرايا

بتنصيصِ اللطيفِ بها الخبيرِ

وصيّر ودّهم أجراً لطه

بتبليغِ الرسالةِ في الأجورِ

بيان : في هذه القصيدة إيعاز إلى جملة من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، منها :

حديث المؤاخاة الذي أسلفناه في (٣ / ١١٢ ـ ١٢٥) ، وقصّة المباهلة وأنّه فيها

٢٠٠