الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨
واكتفى بأنّ منيراً كان يغنّي في الأسواق ، وللمحاسبة مع الرجلين موقف نؤجِّله إلى يوم الحساب ، فهنالك يستوفي منير حقّه ، و (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١).
وهذه كلّها والنبذ المدوّنة من شعره في هذا الكتاب وفيها عدُّ الأئمّة الاثني عشر ، آيات باهرة لبلوغ العوني الغاية القصوى من الموالاة والتشيّع ، حتى إنّ القاصرين أو الحانقين عليه رموه بالغلوِّ لِما ذكره ابن شهرآشوب في المعالم (٢) من أنّه نظم أكثر المناقب ، والواقف على شعره جِدُّ عليم بأنّه كان يمشي على الوسط بين الإفراط والتفريط ، فلا يُثبِت لأهل البيت عليهمالسلام إلاّ ما حقَّ لهم من المراتب والمناقب أو ما هو دون مقامهم ، ولا ينظم إلاّ ما ورد في أحاديث أئمّة الدين من مناقبهم ، وأمّا التهمة بالغلوّ فكلمة جاهل أو معاند.
وعلى أيٍّ فتشيّع العوني كان مشهوراً في العصور المتقدِّمة ، على عهده وبعد وفاته ، حتى إنّه لمّا وقعت الفتنة بين الشيعة والسنّة في بغداد سنة (٤٤٣) واحتدم بينهما القتال ، فكانت ممّا جاءت به يد الجور من الفظائع أنّهم نبشوا قبور جماعة من الشيعة وطرحوا النيران في ترابهم ومنهم العوني المترجَم ، والناشئ عليّ بن وصيف الآنف ذكره (٣) ، والشاعر المعروف الجذوعي (٤).
كان العوني يتفنّن في الشعر ، ويأتي بأساليبه وفنونه وبحوره ، مقدرةً منه على تحوير القول وصياغة الجمل كيف ما شاء وأحبَّ.
قال ابن رشيق في العمدة (٥) (١ / ١٥٤) : ومن الشعر نوع غريب يسمّونه
__________________
(١) الفجر : ١٤.
(٢) معالم العلماء : ص ١٤٧.
(٣) أُنظر ترجمة الناشئ الصغير : ص ٣٩ من هذا الجزء.
(٤) ذكرها ابن الأثير في الكامل : ٩ / ١٩٩ [٦ / ١٥٨ حوادث سنة ٤٤٣ ه] ، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : ٣ / ٢٧٠ [٥ / ١٩١ حوادث سنة ٤٤٣ ه]. (المؤلف)
(٥) العمدة : ١ / ١٧٨ باب ٢٣.
القواديسي تشبيهاً بالقواديس السانية ؛ لارتفاع بعض قوافيه في جهةٍ وانخفاضها في الجهة الأخرى ، فأوّل من رأيته جاء به طلحة بن عبيد الله العوني في قوله ـ وهي من قصيدة له مشهورة طويلة :
كم للدمى الأبكار بال |
|
ـجنتينِ من منازلِ |
بمهجتي للوجدِ من |
|
تذكارِها منازلُ |
معاهدٌ رعيلُها |
|
مثعنجرُ الهواطلِ (١) |
لمّا نأى ساكنها |
|
فأدمعي هواطلُ |
وللعوني معاني فخمة في شعره استحسنها معاصروه ومن بعده ، فحذوا حذوه في صياغة تلك المعاني ، لكنّ الحقيقة تشهد بأنّ الفضل لمن سبق. قال أبو سعيد محمد ابن أحمد العبيدي في الإبانة عن سرقات المتنبّي (ص ٢٢) : قال العوني :
مضى الربيعُ وجاءَ الصيفُ يقدمُه |
|
جيشٌ من الحرِّ يرمي الأرضَ بالشررِ |
كأنّ بالجو ما بي من جوىً وهوىً |
|
ومن شحوبٍ فلا يخلو من الكدرِ |
قال المتنبّي المقتول (٣٥٤):
كأنّ الجوّ قاسى ما أقاسي
فصار سوادُهُ فيهِ شحوبا (٢)
وقال في (ص ٦٤) : قال العوني :
يا صاحبيَّ بعُدْتما فتركتُما |
|
قلبي رهينَ صبابةٍ ونصابِ |
أبكي وفاءَكما وعهدَكما كما |
|
يبكي المحبُّ معاهدَ الأحبابِ |
__________________
(١) إثعنجر الماء : سال.
(٢) من قصيدة (٤٢) بيتاً توجد في ديوانه : ١ / ٩٨ [١ / ٢٦٧] يمدح بها عليّ بن محمد التميمي. (المؤلف)
قال المتنبّي :
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه (١) |
|
بأن تُسعدا والدمع أشفاه ساجمه (٢) |
وقال في (ص ٦٦) : للعوني في قصيدة له في أهل البيت عليهمالسلام :
ألا سيّدٌ يبكي بشجوي فإنّني |
|
لمستعذبٌ ماءَ البكاءِ ومُستحلي |
أحبّ ابنَ بنتِ المصطفى وأزورُه |
|
زيارةَ مهجورٍ يحنُّ إلى الوصلِ |
وما قدمي في سعيِهِ نحو قبرِهِ |
|
بأفضلَ منه رتبةً مركبُ العقلِ |
قال المتنبّي (٣):
خيرُ أعضائِنا الرؤوسُ ولكن |
|
فضلتها بقصدِها الأقدامُ |
قال الأميني : وحذا حذو العوني في المعنى سيّدنا الشهيد السيّد نصرالله الحائري في كافيّةٍ له في تربة كربلاء المشرّفة ، وقال :
أقدام من زارَ مغناكِ الشريفَ غدتْ |
|
تفاخرُ الرأسَ منه طابَ مثواكِ (٤) |
وشعره في أهل البيت عليهمالسلام مدحاً ورثاءً مبثوث في المناقب لابن شهرآشوب ، وروضة الواعظين لشيخنا الفتّال ، والصراط المستقيم لشيخنا البياضي ، وقد جمعنا من شعره ما يربو على ثلاثمائة وخمسين بيتاً ، وجمعه ورتّبه العلاّمة السماوي في ديوان ، وممّا رتّبه قصيدته المعروفة بالمذهّبة توجد في مناقب ابن شهرآشوب ناقصة الأطراف :
__________________
(١) الطاسم : الدارس الذي امّحى أثره.
(٢) توجد القصيدة (٤٢) بيتاً في ديوانه : ٢ / ٢٣٢ [٤ / ٤٣] وهي أوّل ما أنشدت سنة (٣٣٧) يمدح بها سيف الدولة. (المؤلف)
(٣) شرح ديوان المتنبّي : ٤ / ٢٢٣.
(٤) ولهذا البيت قصّة أدبيّة لطيفة تأتي في ترجمة سيّدنا بحر العلوم ، في شعراء القرن الثاني عشر (المؤلف)
وسائلٍ عن العليّ الشانِ |
|
هل نصّ فيه اللهُ بالقرآنِ |
بأنّه الوصيُّ دون ثانِ |
|
لأحمدَ المطهّرِ العدناني |
فاذكر لنا نصّا به جليّا
أجبتُ يكفي خمُّ في النصوصِ |
|
من آيةِ التبليغِ بالمخصوص |
وجملةُ الأخبارِ والنصوصِ |
|
غير الذي انتاشت يدُ اللصوص |
وكتّمته ترتضي أميّا
أما سمعتَ يا بعيد الذهنِ |
|
ما قاله أحمدُ كالمهنّي |
أنت كهارونَ لموسى منّي |
|
إذ قال موسى لأخيه اخلفني |
فاسألهمُ لِمْ خالفوا الوصيّا
أما سمعتَ خبرَ المباهله |
|
أما علمتَ أنّها مفاضله |
بين الورى فهل رأى من عادله |
|
في الفضلِ عند ربّه وقابله |
ولم يكن قرّبه نجيّا (١)
أما سمعتَ أنّه أوصاهُ |
|
وكان ذا فقرٍ كما تراهُ |
فخصّ بالدين الذي يرعاهُ |
|
فإن عداهُ وهو ما عداهُ |
غادر ديناً لم يكن مرعيّا
فقال هل من آيةٍ تدلُ |
|
على عليّ الطهرِ لا تُعلُ |
بحيثُ فيها الطهرُ يستقلُ |
|
تدنيه للفضلِ فيُقصى كلُ |
ويغتدي من دونه مقصيّا
فقلتُ إنّ الله جلّ قالا |
|
إذ شرّف الآباء والأنسالا |
وآلُ إبراهيم فازوا آلا |
|
إنّا وهبنا لهمُ إفضالا |
لسانَ صدقٍ منهمُ عليّا
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٢.
فكان إبراهيم ربّانيّا |
|
ثمّ رسولاً منذراً رضيّا |
ثمّ خليلاً صفوةً صفيّا |
|
ثمّ إماماً هادياً مهديّا |
وكان عند ربّه مرضيّا
فعندها قال ومن ذريّتي |
|
قال له لا لن ينالَ رحمتي |
وعهديَ الظالمَ من بريّتي |
|
أبتْ لملكي ذاك وحدانيّتي |
سبحانهُ لا زال وحدانيّا (١)
فالمصطفى الآمرُ فينا الناهي |
|
وعادمُ الأمثالِ والأشباهِ |
فالفعلُ منه والمقامُ الزاهي |
|
لم يصدرا إلاّ بأمر اللهِ |
لم يتقوّل أبداً فريّا
إن كان غير ناطق عن الهوى |
|
إلاّ بأمرٍ مبرمٍ من ذي القوى |
فكيف أقصاهمْ وأدنى المجتوى (٢) |
|
إذن لقد ضلّ ضلالاً وغوى |
ولم يكن حاشا له غَويّا (٣)
لكنّما الأقوامُ في السقيفه |
|
قد نصبوا برأيِهم خليفه |
وكان في شغلٍ وفي وظيفه |
|
من غُسلِ تلك الدرّةِ النظيفه |
وحزنه الذي له تهيّا
حتى إذا قضى الخليفةُ انتخبْ |
|
من عقدَ الأمرَ له بين العربْ |
ثمّ قضى واختار منهم من أحبْ |
|
وإن ت كن شورى فللشورى سببْ |
إن كان ذا ترتيبهُ مقضيّا
ثمّ قضى ثالثُهم فانثالوا |
|
له الرجال تتبعُ الرجالُ |
فلم تسعْ غيرَ القبولِ الحالُ |
|
فقام والرضا به محالُ |
إذ كان كلٌّ يتمنّى شيّا
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٠٧. (٢) جَوِيَ الشيء : كرهه ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٢.
(٣) جَوِيَ الشيء : كرهه ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٢.
فغاضبتْ أوّلهم ذاتُ الجمَلْ |
|
وقام معْها الرجلان في العملْ |
فردّهم سيفُ القضاءِ وفصلْ |
|
ولم يكن قد سبقَ السيفُ العذلْ |
فقد تأتّى حربهم مليّا
وغاضب الشاني لأمرٍ سالفِ |
|
فاجتاحه ب ذي الفقارِ القاصفِ |
وأصبح الناصرُ كالمخالفِ |
|
إذ شُكّتِ الرماحُ بالمصاحفِ |
وأخذ الإنحدار والرقيّا (١)
وكان أن يردَّ للتسليمِ |
|
إذ ردّ للأحبشِ في الهزيمِ |
فأعمل الحيلةَ في التحكيمِ |
|
بأمر شيطانِهمُ الرجيمِ |
ففي الرعاة حكّم الرعيّا
فلم يجد للكفّ من مناصِ |
|
وأخذَ التحكيمَ بالنواصي |
فجاء أهلُ الشامِ بابنِ العاصي |
|
فاحتالَ فيها حيلةَ القنّاصِ |
غرّ أبا موسى الاشعريّا
قام أبو موسى فويق المنبرِ |
|
وقال إنّي خالعٌ لحيدرِ |
كما خلعتُ خاتمي من خنصري |
|
ثمّ جعلتها لنجلِ عمرِ |
يا عمرو قم أنت اخلع الشاميّا
فقال عمرو أيّها الناس اشهدوا |
|
أن خلعَ الذي له يعتمدُ |
ثمّ اسمعوا قولي ولا تردّدوا |
|
به فإنّي لابن هندٍ أعقِدُ |
فاتّخذوه مذهباً عمريّا (٢)
فما ترى أنت بهذي الحالِ |
|
من المقالِ ومن الأفعالِ |
لا تُدخلِ المفتاحَ في الأقفالِ |
|
تفتحْ عن الأضغانِ والأذحالِ |
وما يكون في الحشا مطويّا
__________________
(١) كذا في المصدر.
(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢١٥ ـ ٢١٦.
إنّ عليّا عند أهل العلمِ |
|
أوّل من سُمّي بهذا الإسمِ |
قد ناله من ربّه في الحكمِ |
|
على يدَي أخيه وابن العمِ |
وحياً قديمَ الفضلِ عُدْمُليّا (١)
وهو الذي سُمّي في التوراةِ |
|
عند الأُلى هادوا من الهداةِ |
بالنصّ والتصريحِ في البراةِ |
|
برغمِ من سيءَ من العداةِ |
من كلّ عيبٍ في الورى بريّا
وهو الذي يُعرَفُ عند الكهنه |
|
إذ جمعوا التوراةَ في الممتحنه |
فأخذوا من كلّ شيء حسنه |
|
وهم لتوراة الكليمِ الخزنه |
ليوردوا الحقّ لهم بوريّا
وهو الذي يُعرَفُ في الإنجيلِ |
|
برتبة الإعظامِ والتبجيلِ |
وميزة الغرّةِ والتحجيلِ |
|
وفوزةِ الرقيبِ للمجيلِ |
وكان يُدعى عندهم أليّا (٢)
وهو الذي يُعرَفُ بالزبورِ |
|
زبورِ داودَ حليفِ النورِ |
وذي العلى والعلَمِ المنشورِ |
|
في اسمِ الهزبرِ الأسد الهصورِ |
ليث الوغى أعني به آريّا
وهو الذي تدعوه ما بين الورى |
|
أكابرُ الهندِ وأشياخُ القرى |
ذوو العلومِ منهمُ بكنكرا |
|
لأنّه كان عظيماً خطرا |
وكنكرٌ كان له سميّا
وهو الذي يُعرَفُ عند الرومِ |
|
ببطرسِ القوّةِ والعلومِ |
وصاحبِ السترِ لها المكتومِ |
|
ومالكِ المنطوقِ والمفهومِ |
ومن يكن ذا يُدعَ بطرسيّا
__________________
(١) العُدمُل : القديم. مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٣٢.
(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٢٠.
وهو الذي يُعرَفُ عند الفرسِ |
|
لدى التعاليم وعند الدرسِ |
بغَرسنا وذاك إسمٌ قُدسي |
|
معناه قابضٌ بكلّ نفسِ |
كما دعوه عندهم باريّا
وهو الذي يُعرَف عند التركِ |
|
تيرا وذاك مشبهُ الَمحَكّ |
وأنّه يرفع كلَّ شكّ |
|
عن كلّ حاكٍ قولُه ومحكي |
إذا عرفت المنطقَ التركيّا
وهو الذي يدعونه في الحبشِ |
|
بتريكَ أي مدبّرٌ لا يختشي |
لقدرةٍ به وبطشٍ مدهشِ |
|
وينعتونه بأقوى قرشي |
فاسأل به من يعرِفُ الحبشيّا
وهو الذي يُعرَفُ عند الزنجِ |
|
بحنبني أي مُهلكٌ ومُنجِ |
وقاطع الطريق في المحجِ |
|
إلاّ بإذنٍ في سلوك النهجِ |
فإن أردتَ فاسأل الزنجيّا
وهو فريقٌ بلسانِ الأرمنِ |
|
فاروقَة الحقِّ لكلّ مؤمنِ |
تعرفُهُ أعلامهمْ في الزمنِ |
|
فاسأل به إن كنت ممّن يعتني |
تحقيقَهُ من كان أرمنيّا (١)
وهو الذي سمّته تلك الجوهره |
|
إذ ولدت في الكعبة المطهّره |
وخرجتْ به فقال الجمهره |
|
من ذا فقالتْ هو شبلي حيدره |
ولدتُه مُطهّراً قدسيّا
هذا وقد لقّبه ظهيرا |
|
أبوه إذ شاهدَهُ صغيرا |
يصرع من إخوانه الكبيرا |
|
مُشمّراً عن ساعدٍ تشميرا |
وكان عَبلاً فَتِلاً (٢) قويّا
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٢٠ ـ ٣٢١.
(٢) عبل : الضخم الغليظ. فتل : من فتله ، وهي شدّة عصب الذراع. (المؤلف)
ولقّبته ظِئره (١) ميمونا |
|
إذ رأتِ السعدَ به مقرونا |
فكان درّا عندها مكنونا |
|
يحمي أخا رضاعه المنونا |
ثمّ يدرّ ثديها الأبيّا
واسم أخيه في بني هلالِ |
|
معلّقُ الميمونِ بالحبالِ |
يذكرُهُ في سمرِ الليالي |
|
رجالُهم فاسمع من الرجالِ |
موهبةً خصّ بها صبيّا
والاسمُ عند اللهِ في العُلى علي |
|
وهو الصحيحُ والصريحُ والجلي |
إشتقّه من إسمه في الأزلِ |
|
كمثل ما اشتقّ لخيرِ الرسلِ |
ومَنَحَ النبيّ والوصيّا
واتّفقت آراءُ أهلِ العلمِ |
|
على اسمه من دون معنى الإسمِ |
فاختلفت في قصدِهِ والفهمِ |
|
له وكلٌّ لم يطشْ بسهمِ |
إذ قد أصاب الغرضَ المرقيّا
فقال قومٌ قد عَلا برازا |
|
أقرانَهُ وابتزّها ابتزازا |
فما رآه القِرنُ إلاّ انحازا |
|
وكان دوناً سافلاً فامتازا |
فهو عليٌّ إذ علا العديّا
وقال قومٌ قد عَلا مكانا |
|
متنَ النبيِّ ورمى الأوثانا |
إذ لم يَطِق حملَ نبيٍّ كانا |
|
من ثقلِ الوحيِ حكى ثهلانا (٢) |
فنال منه المنزلَ العليّا
وقال فرقةٌ عليُّ الدارِ |
|
في جنّة الخلد مع المختارِ |
عَلاّه ذو العرش على الأبرارِ |
|
في روضةٍ تزهو وفي أنهارِ |
فنال منه المرتضى العلويّا (٣)
__________________
(١) الظئر : المرضعة. (المؤلف) (٢) ثهلان : جبل لبني نمير بن عامر ، طوله في الأرض مسيرة ليلتين. معجم البلدان ٢ / ٨٨. (٣) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٣٢.
وقال فرقةٌ عَلاهمْ علما |
|
فكان أقضاهم لذاكَ حكما |
ومن إلى القضاءِ قد تسمّى |
|
يكون أعلى رفعةً وأسمى |
فوالِ ذاك العالمَ السميّا
ودَع تآويلَ الكتابِ والخبرْ |
|
وخُذ بما بانَ لديكَ وظهرْ |
قد خاطبَ اللهُ به خيرَ البشرْ |
|
ليفهموا الأحكامَ في بادي النظرْ |
ويعرفوا النبيَّ والوصيّا
فاستمسكنْ بالعروة الوثقى التي |
|
لم تنفصمْ عنه ولم تنفلتِ |
تمشِ على الصراطِ لم تلتفتِ |
|
في قدمٍ راسٍ وقلبٍ مثبتِ |
حتى تجوزَ سالماً سويّا
إلى جنان الخلدِ في أعلى الرتبْ |
|
إذ ينثني كلُّ امرئٍ مع من أحبْ |
موهبةً ممّن له الشكرُ وجبْ |
|
فهو أبرُّ خالقٍ وخيرُ ربْ |
عزّ وجلَّ مَلِكاً قويّا
يا ربّ عبدك الذي غمرتَهُ |
|
بالفضلِ والإنعامِ مذ صيّرتهُ |
وقد عصى جهلاً وقد أمرتهُ |
|
إن تابَ فالذنبُ له غفرتهُ |
قد تبتُ فاغفر ذنبيَ العديّا
يا ربّ مالي عملٌ سوى الولا |
|
لأحمدٍ وآلِهِ أهلِ العُلى |
صنوِ الرسولِ والوصيِّ المبتلى |
|
وفاطمٍ والحسنينِ في المَلا |
غُرّا تزينُ العرشَ والكرسيّا
ثمّ عليٍّ وابنه محمدِ |
|
وجعفرِ الصدقِ وموسى المهتدي |
ثمّ عليٍّ والجوادِ الأجودِ |
|
محمدٍ ثمّ عليِّ الأمجدِ |
والحسن الذي جلا المهديّا
فأعطني بهم جمالَ الدنيا |
|
وراحةَ القبرِ زمانَ البُقيا |
والأمنَ والسترَ بحشر المحيا |
|
والريَّ من كوثرِ أهلِ السقيا |
والحشرَ معْهم في العلى سويّا
يا طلحُ إن تختم بهذا في العملْ |
|
لم يدنُ منك فزعٌ ولا وجلْ |
وأنت طلحُ الخيرِ إنْ جاء الأجلْ |
|
بالأجر من ربّ الورى عزّ وجلْ |
كفى بربّي راحماً كفيّا
وله يمدح أمير المؤمنين عليهالسلام :
أنا مولىً لمن يقول رسول ال |
|
ـله فيه ما بين جمٍّ غفيرِ |
سوف تأتي يومَ القيامةِ ركبٌ |
|
خمسةٌ ما لغيرِنا من ظهورِ |
أنا منهم على البراقِ وبعدي |
|
بَضعتي فاطمٌ تسيرُ مسيري |
تحتها يوم ذاك ناقتيَ العض |
|
ـباءُ تطوي الفجاجَ طيَّ المُغير |
وأبي إبراهيمُ فوق ذلولٍ |
|
عزَّ قدراً بنا على الجمهورِ |
وأخي صالحٌ على ناقةِ الله |
|
أمامي في العالمِ المحشورِ |
وعليُّ على أغرَّ من الجن |
|
نَة ما خطبُ نعتِه باليسيرِ (١) |
في يديه من فوقِ رأسي لواءُ ال |
|
ـحمد للواحد الحميد الشكورِ |
وعليهِ تاجٌ بديعٌ من النو |
|
رِ يُزاهي بإكليله المستديرِ |
قد أضاءت من نوره عرصة الحش |
|
ـر فيا حُسنَ ذاك من منظورِ |
ولتاجِ الوصيِّ سبعون ركناً |
|
كلُّ ركنٍ كالكوكب المستنيرِ (٢) |
فلربّي الحمدُ الكثيرُ على ما |
|
قد حباني من حبِّهِ بالكثيرِ |
وله يرثي الإمام السبط المفدّى ـ صلوات الله عليه ـ :
يا قمراً غاب حين لاحا |
|
أورثني فقدُكَ المناحا |
يا نُوَبَ الدهرِ لم يدعْ لي |
|
صرفُكِ من حادثٍ صلاحا |
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٦٧.
(٢) : ٣ / ٢٦٥ مناقب آل أبي طالب.
أبَعدَ يومِ الحسينِ ويحي |
|
أستعذبُ اللهوَ والمزاحا |
كربت كي تهتدي البرايا |
|
به وتلقى به النجاحا |
فالدينُ قد لفَّ بردتيهِ |
|
والشركُ ألقى لها جناحا |
فصار ذاك الصباحُ ليلاً |
|
وصار ذاك الدجى صباحا |
فجاء إذ كاتبوه يسعى |
|
لكي يُريها الهدى الصراحا |
حتى إذا جاءهم تنحّوا |
|
لا بل نَحوا قتلَه اجتياحا |
وأنبتوا البيدَ بالعوالي |
|
والقُضْبِ واستعجلوا الكفاحا |
فدافعتْ عنهُ أولياهُ |
|
وعانقوا البيضَ والرماحا |
سبعون في مثلِهم أُلوفاً |
|
فأثخنوا بينهم جِراحا |
ثمّ قَضَوا جملةً فلاقوا |
|
هناك سهمَ القضا المتاحا |
فشدَّ فيهم أبو عليٍ |
|
وصافحت نفسُهُ الصفاحا |
يا غيرةَ اللهِ لا تُغيثي |
|
منهم صياحاً ولا ضباحا (١) |
ثمّ انثنى ظامئاً وحيداً |
|
كما غدا فيهمُ وراحا |
ولم يزل يرتقي إلى أن |
|
دعاه داعي اللقا فصاحا |
دونكمُ مهجتي فإنّي |
|
دُعيت أن أرتقي الضراحا |
فكلكلوا فوقَه فهذا |
|
يقطعُ رأساً وذا جناحا |
يا بأبي أنفساً ظِماءً |
|
ماتت ولم تشربِ المُباحا |
يا بأبي أوجهاً صِباحاً |
|
باكرها حتفُها صَباحا |
يا بأبي أجسماً تعرّتْ |
|
ثمّ اكتست بالدماء وشاحا (٢) |
يا سادتي يا بني عليٍ |
|
بكى الهدى فقدكم وناحا |
أوحشتمُ الحِجرَ والمساعي |
|
آنستمُ القَفْرَ والبِطاحا |
__________________
(١) الضباح : الصياح ، وهو في الأصل صوت الثعلب.
(٢) الوشاح : شبه قلادة من نسيج عريض يرصَّع بالجوهر. (المؤلف)
أوحشتمُ الذكرَ والمثاني |
|
والسُّوَر الطوَّلَ الفصاحا (١) |
لا سامحَ اللهُ من قَلاكم |
|
وزادَ أشياعَكم سماحا |
وله في الإمام الصادق ـ صلوات الله عليه :
عُجْ بالمَطيِّ على بقيع الغرقدِ |
|
واقرَا التحيّة جعفرَ بنَ محمدِ |
وقل : ابنَ بنت محمدٍ ووصيَّه |
|
يا نورَ كلِّ هدايةٍ لم تجحدِ |
يا صادقاً شهد الإلهُ بصدقِهِ |
|
فكفى شهادةَ ذي الجلالِ الأمجدِ |
يا ابن الهدى وأبا الهدى أنت الهدى |
|
يا نورَ حاضرِ سرِّ كلِّ موحِّدِ |
يا ابن النبيِّ محمدٍ أنت الذي |
|
أوضحتَ قصد ولاءِ آلِ محمدِ |
يا سادسَ الأنوار يا علمَ الهدى |
|
ضلّ امرؤٌ بولائِكمْ لم يهتدِ (٢) |
وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ :
تخيّرهُ اللهُ من خلقِهِ |
|
فحمّلَهُ الذكرَ وهو الخبيرُ |
وأُنزِلَ بالسُّوَرِ المحكماتِ |
|
عليه كتابٌ مبينٌ منيرُ |
وأغشاه نوراً وناداه قمْ |
|
وأنذرْ فأنتَ البشيرُ النذيرُ |
فلاحَ الهدى واضمحلّ العمى |
|
وولّى الضلالُ وعِيفَ الغرورُ |
فوصّى عليّا فنعمَ الوصيُ |
|
ونعمَ الوليُّ ونعمَ النصيرُ (٣) |
وله من قصيدة في الأئمّة الطاهرين عليهمالسلام قوله :
نصَّ على ستٍّ وستٍّ بعدَهُ |
|
كلٌّ إمامٌ راشدٌ برهانُهُ |
صلّى عليه ذو العلى ولم يزل |
|
يغشاه منه أبداً رضوانُهُ |
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ١٢٩.
(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ / ٣٠٠.
(٣) مناقب آل أبي طالب] : ٢ / ٣٥] أشار بهذه الأبيات إلى حديث العشيرة المذكور في الجزء الثاني : ص ٢٧٨ ـ ٢٨٧. (المؤلف)
وله من قصيدة أخرى :
وقلت براثا كان بيتاً لمريمِ |
|
وذاك ضعيفٌ في الأسانيدِ أعوجُ |
ولكنّه بيتٌ لعيسى بن مريمِ |
|
وللأنبياءِ الزهرِ مثوىً ومدرجُ |
وللأوصياءِ الطاهرين مقامُهم |
|
على غابرِ الأيّام والحقُّ أبلجُ |
بسبعينَ موصىً بعد سبعينَ مرسلٍ |
|
جباهُهمُ فيها سجودٌ تَشجّجُ |
وآخرُهم فيها صلاةً إمامُنا |
|
عليٌّ بذا جاءَ الحديثُ المنهّجُ |
وله من قصيدة كبيرة يمدح بها أهل البيت عليهمالسلام :
ألستَ ترى جبريلَ وهو مقرَّبٌ |
|
له في العلى من راحةِ القصدِ موقفُ |
يقول لهم : أهلَ العبا أنا منكمُ |
|
فمن مثلُ أهلِ البيتِ إن كنتَ تنصفُ |
نعم آلُ طه خيرُ من وطأ الحصى |
|
وأكرمُ أبصارٍ على الأرض تطرفُ |
هم الكلماتُ الطيّباتُ التي بها |
|
يُتاب على الخاطي فيُحبا ويُزلفُ |
هم البركاتُ النازلاتُ على الورى |
|
تعمُّ جميعَ المؤمنين وتكنفُ |
هم الباقياتُ الصالحاتُ بذكرِها |
|
لذا كرِها خيرُ الثوابِ المضعّفُ |
هم الصلواتُ الزاكياتُ عليهمُ |
|
يدلُّ المنادي بالصلاةِ ويعكفُ |
هم الحرمُ المأمونُ آمن أهلُهُ |
|
وأعداؤه من حولِه تتخطّفُ |
هم الوجهُ وجهُ اللهِ والجنبُ جنبُهُ |
|
وهم فُلك نوحٍ خابَ عنه المخلّفُ |
هم البابُ بابُ اللهِ والحبلُ حبلُه |
|
وعروتُه الوثقى تواري وتكنفُ |
وأسماؤه الحسنى التي من دعا بها |
|
أُجيبَ فما للناسِ عنها تحرّفُ (١) |
ذكر السمعاني في الأنساب (٢) : أنّ العوني كان شاعر الشيعة ، وذكر الصحابة وثلبهم في قصيدة أوّلها :
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٤٤ ، ٢ / ٣٠٠ ، ٣ / ٣٤٢ ، ٤٥٣.
(٢) الأنساب : ٤ / ٢٦٠.
ليس الوقوف على الأطلال من شاني
سمعت أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا بلغه عنه سبُّ الصحابة ، أمر به فضرب بالعمود بالمدينة فمات فيه.
قال الأميني : خفي على السمعاني اسم العوني وعصره ومدفنه ، وأنّ القصيدة النونية المذكورة إنّما هي لأبي محمد عبد الله بن عمّار البرقي أحد شعراء أهل البيت ، وُشي به إلى المتوكِّل وقُرئت له نونيّته ، فأمر بقطع لسانه وإحراق ديوا نه ، ففُعل به ذلك ومات بعد أيام ، وذلك سنة (٢٤٥). ومن النونيّة قوله :
فهو الذي امتحنَ اللهُ القلوبَ به |
|
عمّا يجمجمنَ من كفرٍ وإيمانِ |
وهو الذي قد قضى اللهُ العليُّ له |
|
أن لا يكونَ له في فضلِهِ ثانِ |
وإنّ قوماً رجوا إبطال حقِّكمُ |
|
أمسوا من الله في سخطٍ وعصيانِ |
لن يدفعوا حقَّكم إلاّ بدفعهمُ |
|
ما أنزلَ اللهُ من آيٍ وقرآنِ |
فقلِّدوها لأهل البيتِ إنّهمُ |
|
صنوُ النبيّ وأنتمْ غيرُ صنوانِ |
ـ ٣٢ ـ
ابن حمّاد العبدي
ـ ١ ـ
ألا قُل لسلطانِ الهوى كيف أعملُ |
|
لقد جار من أهوى وأنتَ المؤمّلُ |
أَأُبدي إليك اليوم ما أنا مضمرٌ |
|
من الوجدِ في الأحشاءِ أم أتحمّلُ |
وما أنا إلاّ هالكٌ إن كتمتُهُ |
|
ولا شكّ كتمانُ الهوى سوف يقتلُ |
فخذ بعضَ ما عندي وبعضٌ أصونُهُ |
|
فإن رمتُ صونَ الكلّ فالحالُ مشكلُ |
لقد كنتُ خلواً من غرامٍ وصبوةٍ |
|
أبِيتُ وما لي في الهوى قطُّ مدخلُ |
إلى أن دعاني للصبابةِ شادنٌ |
|
تحيّرُ فيه الواصفون وتذهلُ |
بديعُ جمالٍ لو يَرى الحسنُ حسنَه |
|
لقرَّ اختياراً أنّه منه أجملُ |
فسبحانَ من أنشاه فرداً بحسنِهِ |
|
فلا تعجبوا فاللهُ ما شاء يفعلُ |
دعاني فلم ألبث ولبّيتُ عاجلاً |
|
وما كنت لولا ذلك الحسنُ أعجلُ |
بذلتُ له روحي وما أنا مالكٌ |
|
وفي مثله الأرواحُ والمالُ تُبذَلُ |
وصرتُ له خِدناً ثلاثينَ حجّةً |
|
أُعانق منه الشمسَ والليلُ أليلُ |
بسمعيَ وَقرٌ إن لحا فيهِ كاشحٌ |
|
كذاك به عن عذلِ من راح يعذلُ |
إلى أن بدا شيبي ولاحَ بياضُهُ |
|
كما لاح قرنٌ من سنا الشمس مسدلُ |
وبدّل وصلي بالجفا متعمِّداً |
|
وما خلتُه للهجرِ والصدّ يفعلُ |
فحاولته وصلاً فقال ليَ ابتدئ |
|
وإلاّ يميناً إنّه ليس يقبلُ |
وفرَّ كما من حيدرٍ فرَّ قرنُهُ |
|
وقد ثار من نقعِ السنابكِ قسطَلُ |
غداةَ رأتهُ المشركون وسيفُهُ |
|
بكفّيه منه الموتُ يجري ويهطلُ |
حسامٌ كصلّ الريمِ في جنباتِهِ |
|
دبيبٌ كما دبّت على الصخرِ أنملُ |
إذا ما انتضاه واعتزى وسطَ مأزقٍ |
|
تزلزل خوفاً منه رضوى ويذبلُ |
به مرحبٌ عضّ الترابَ معفّراً |
|
وعمرو بن ودٍّ راح وهو مجدّلُ |
وقام به الإسلامُ بعد اعوجاجه |
|
وجاء به الدين الحنيف يُكمّلُ |
إلى أن يقول فيها :
هو الضاربُ الهاماتِ والبطلُ الذي |
|
بضربتِهِ قد ماتَ في الحالِ نوفلُ |
وعرّجَ جبريلُ الأمينُ مصرِّحاً |
|
يكبِّرُ في أُفق السما ويهلّلُ |
أخو المصطفى يومَ الغديرِ وصنوُهُ |
|
ومُضجِعُهُ في لحدِه والمغسِّلُ |
له الشمس رُدّت حين فاتتْ صلاتُهُ |
|
وقد فاته الوقتُ الذي هو أفضلُ |
فصلّى فعادتْ وهي تهوي كأنّها |
|
إلى الغربِ نجمٌ للشياطين مُرسَلُ |
أما قال فيهِ أحمدٌ وهو قائمٌ |
|
على منبرِ الأكوار والناسُ نُزّلُ (١) |
عليٌّ أخي دون الصحابةِ كلِّهم |
|
به جاءني جبريلُ إن كنتَ تسألُ |
عليٌّ بأمرِ الله بعدي خليفةٌ |
|
وصيّي عليكم كيف ما شاء يفعلُ |
ألا إنّ عاصيهِ كعاصي محمدٍ |
|
وعاصيه عاصي الله والحقُّ أجملُ |
ألا إنّه نفسي ونفسيَ نفسُه |
|
به النصُّ أنبا وهو وحيٌ منزّلُ |
ألا إنّني للعلمِ فيكمْ مدينةٌ |
|
عليٌّ لها بابٌ لمن رام يدخلُ |
ألا إنّه مولاكمُ ووليّكمْ |
|
وأقضاكمُ بالحقِّ يقضي ويعدلُ |
فقالوا جميعاً قد رضيناه حاكماً |
|
ويقطعُ فينا ما يشاءُ ويوصلُ |
ويكفيكمُ فضلاً غداةَ مسيرِهِ |
|
إلى يثربٍ والقومُ تعلو وتسفلُ |
وقد عطشوا إذ لاحَ في الديرِ قائمٌ |
|
لهم راهبٌ جمُّ العلوم مكمّلُ |
__________________
(١) في بعض المصادر : والجمع حُفَّلُ. (المؤلف)
فناداه من بُعدٍ وأعلا بصوتِهِ |
|
فكاد على خوفٍ من الرعبِ ينزلُ |
فأشرف مذعوراً فقال : فهل ترى |
|
بقربِكَ ماءً أيّها المتبتِّلُ |
فقال وأنّي بالمياهِ وأرضُنا |
|
جبالٌ وصخرٌ لا ترامُ وجندلُ |
ولكنّ في الإنجيلِ أنّ بِقُربِنا |
|
على فرسخينِ لا محالة منهلُ (١) |
ولم يَره إلاّ نبيٌّ مطهّرٌ |
|
وإلاّ وصيٌّ للنبيِّ مفضّلُ |
فسار على اسمِ اللهِ للماءِ طالباً |
|
وراهبُ ذاك الدير بالعين يأملُ |
فأوقفَ والفرسانُ حول ركابِه |
|
ونارُ الظما في أنفسِ القومِ تشعلُ |
فقال لهم يا قومِ هذا مكانكُمْ |
|
فمن رامَ شربَ الماءِ للحفرِ ينزلُ |
فما كان إلاّ ساعةً ثمّ أشرفوا |
|
على صخرةٍ صمّاء لا تتقلقلُ |
لُجينيّةً مَلْساً كأنّ أديمَها |
|
أُذيب عليها التبر أو ريفَ منخلُ |
فقال اقلبوها فاعتزوا عند أمرِهِ |
|
على ذاك كُلاّ وهي لا تتجلجلُ |
فقالوا جميعاً يا عليُّ فهذه |
|
صفاتٌ بها تعيا الرجال وتذهلُ |
فمدّ إليها ما انحنى فوق سرجِهِ |
|
يميناً لها إلاّ غدت وهي أسفلُ |
وزجَّ بها كالعود في كفِّ لاهبٍ |
|
فبان لهم عذبٌ من الماء سلسلُ |
فأوردهم حتى اكتفوا ثمّ عادها |
|
على الجبِّ لا يعيا ولا يتململُ |
فلمّا رآها الراهبُ انحطَّ مسرعاً |
|
لكفّيهِ ما بين الأنام يُقبِّلُ |
وأسلم لمّا أن رأوا هو قائلٌ |
|
أظنّك آليّا وما كنت أجهلُ |
القصيدة (١٠٤) أبيات
ـ ٢ ـ
من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ :
لَعمرُكَ يا فتى يومِ الغديرِ |
|
لأنت المرءُ أولى بالأمورِ |
وأنت أخٌ لخيرِ الخلقِ طرّا |
|
ونفسٌ في مباهلةِ البشيرِ |
__________________
(١) كذا بالرفع ، والصواب نصبها : لأنّها اسم أنّ مؤخّراً.
وأنت الصنوُ والصهرُ المزكّى |
|
ووالدُ شبّرٍ وأبو شبيرِ |
وأنت المرءُ لم تحفلْ بدنياً |
|
وليس له بذلك من نظيرِ |
لقد نبعتْ له عينٌ فظلّتْ |
|
تفورُ كأنّها عنقُ البعيرِ |
فوافاه البشيرُ بها مغذّا |
|
فقال عليُّ أبشر يا بشيري |
لقد صيّرتُها وقفاً مُباحاً |
|
لوجهِ اللهِ ذي العزِّ القديرِ |
وكان يقولُ يا دنياي غرّي |
|
سواي فلستُ من أهلِ الغرورِ |
وصابرَ مع حليلتِهِ الأذايا |
|
فنالا خيرَ عاقبةِ الصبورِ |
وقالت أمُ أيمنَ جئتُ يوماً |
|
إلى الزهراءِ في وقتِ الهجيرِ |
فلمّا أن دنوتُ سمعتُ صوتاً |
|
وطحناً في الرحاءِ بلا مُديرِ |
فجئتُ البابَ أقرعُهُ نغوراً |
|
فما من سامعٍ ليَ في نغوري |
فجئت المصطفى وقصصتُ شأني |
|
وما أبصرتُ من أمرٍ زعورِ |
فقال المصطفى شكراً لربٍ |
|
بإتمام الحَباء لها جديرِ |
رآها اللهُ مُتعَبةً فألقى |
|
عليها النوم ذو المنِّ الكثيرِ |
ووكّل بالرحا مَلَكاً مُديراً |
|
فعدتُ وقد ملئتُ من السرورِ |
تزوّجَ في السماءِ بأمر ربّي |
|
بفاطمةَ المهذّبةِ الطهورِ |
وصيّر مهرها خمسَ الأراضي |
|
بما تحويه من كَرَمٍ وخيرِ |
فذا خيرُ الرجال وتلك خيرُ |
|
النساءِ ومهرُها خير المهورِ |
وإبناها الأُلى فضلوا البرايا |
|
بتنصيصِ اللطيفِ بها الخبيرِ |
وصيّر ودّهم أجراً لطه |
|
بتبليغِ الرسالةِ في الأجورِ |
بيان : في هذه القصيدة إيعاز إلى جملة من فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام ، منها :
حديث المؤاخاة الذي أسلفناه في (٣ / ١١٢ ـ ١٢٥) ، وقصّة المباهلة وأنّه فيها