قالَه أبو عُبيد.
وقال تعالى : (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار : ٦] ، أي : ما خَدعك عن ربّك الكريم والإيمان به.
وكذلك قوله : (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) [الحديد : ١٤] أي : خدعكم عن الله والإيمان به والطاعة له الشيطانُ.
وأخبرني المُنذري ، عن ثعلب ، عن سَلمة ، عن الفراء ، قال : سمعتُ رجلاً من العرب يَقُول : أرجو بذاك. فسأَلته ؛ فقال : أرجو ذاك.
وهو كما تقول : يُعجبني بأَنك قائم ، وأريد لأذهبَ ، معناه : أريد أَذْهب.
حرف الميم
[باب اللفيف من حرف الميم]
ميم ـ موم ـ موا ـ ميا ـ مأَى ـ ماء ـ وأم ـ أمْ ـ ما ـ أمّا ، إمّا ـ أمّ ـ يم ـ أما ـ مأ ـ آم ـ يوم ـ ويم ـ ماء.
قال الليث : قال أبو عبد الرحمن : قد فنيت العربّية فلم يَبق للميم إلا الَّلفيف.
ميم : قال الليث : الميم : حرف هجاء ، لو قصرت في اضطرار شِعْر جاز.
زعم الخليل أنه رأى يمانياً سُئل عن هجائه ، فقال : بابا ، مِمْ مِمْ.
قال : وأصاب الحكاية على اللَّفظ ، ولكن الذين مدّوا أَحْسنوا الحكاية بالمَدّة.
قال : والميمان ، هما بمنزلة النُّونين من «الجَلَمين».
قال : وكان الخليل يُسمِّي الميم مُطْبقة ، لأنّك إذا تَكلّمت بها أَطْبقت.
قال : والميم من الحروف الصِّحاح السّتة المُذْلَقة التي هي في حَيْزين : حَيز الفاء ، والآخر حيّز اللام.
وجعلها في التأليف الحرف الثالث للفاء والباء ، وهي آخر الحروف من الحيز الأول ، وهذا الحيّز شفويّ.
موم : الليث وغيره : المُوم : البِرْسَام.
يُقال : رجلٌ مَمُوم.
وقد مِيم يُمام مُوماً ومَوْماً.
ولا يكون «يموم» لأنه مفعول به ، مثل بُرْسِم ؛ قال ذو الرمة يصف صائداً :
إذا تَوجَّس رِكزاً من سَنابكها |
أو كان صاحبَ أرض أو به المُومُ |
ومعناه : أن الصّياد يُذهب نفسه إلى السماء ويفغر إليها أبداً لئلا يجد الوحشُ نَفْسَه فينفر ، وشَبّهه بالمُبَرْسَم ، والمَزكوم ، لأن البِرْسام مُفْغِرٌ والزَّكام مُفْغر.
الحراني ، عن ابن السكيت : مِيم ، فهو مَمُوم ، من «المُوم».
قال شمر ، قال ابن شُميل : المَوْماة : الفلاة التي لا مَاء بها ولا أنيس بها.
قال : وهي جماع أسماءَ الفلوات.
والمَوامِي : الجماعة.
ويُقال : علونا مَوْمَاةً.
وأرض مَوْمَاة.
وقال أبو عُبيد : المَوامِي ، مثل السَّباسِب.
وقال أبو خَيْرة : هي المَوْماء ، والمَوْماة.
وبعضهم يقول : الهَوْمة ، والهَوْماة.
وهو اسم يَقع على جميع الفلوات.
وأخبرني المُنذريّ ، عن المبرّد ، أنه قال : يُقال لها : الموماة والبَوْباة ، بالميم والباء.
ومامَة : اسم أُمّ عَمرو بن مامة.
موا : الأصمعي : الماويّة : المِرآة ، كأَنها نُسِبت إلى الماء.
وقال اللّيث : الماوِيّة : البِلَّور.
ويُقال : ثلاث ماويّات.
ولو تُكلِّف منه فِعْل ، لقيل : مُمْوَاة.
قلت : ماويّة ، كانت في الأصل «مائية» ، فقُلبت المدّة واواً فقِيل : ماويّة.
ورأيت في البادية على جادّة البَصْرة مَنْهلة بين حَفَر أبي موسى ويَنْسوعةَ ، يقال لها : ماويّة.
وماويّة : من أسماء النِّساء ؛ وأنْشد ابن الأعرابي :
ماويَ يا ربّتما غارةٍ |
شَعْواءَ كاللَّذْعة بالمِيسَمِ |
أراد : ماويّة ، فرَخَّم.
ميا : الليث : ميّة : اسم امرأة.
وزعموا أنّ القِردة الأُنثى تسمى : مَيَّة.
ويقال : مَنَّة.
ويُقال في الاسم : مَيّ.
مأى : أبو زيد ، يقال : مأَوْت السِّقاء مَأْواً ، ومأَيته مأْياً : إذا وسَّعته فجعلتَه واسعاً.
وكذلك : الوعاء. ويُقال تمأَّى السِّقاء.
فهو يَتمأَّى تمئِّياً وتَمَوُّءًا ، إذا ما مددتَه فاتّسَع.
وقال الليث : المَأَى : النّميمة بين القَوم.
أبو عُبيد ، عن الأصمعي : مأَيت بين القوم : أَفْسدت.
الليث : مأَوت بينهم ، إذا ضربت بعضَهم ببعض.
ومأَيت ، إذا دَببت بينهم بالنَّميمة ؛ وأنْشد :
ومأَى بينهم أخُو نكراتٍ |
لم يَزَلْ ذا نَمِيمةٍ مأَءَا |
وامرأة مَأَّاءَة : نمّامة ، مثل : منَّاعة.
ومُستقبله : يَمْأَى.
الليث : المائة ، حُذفت من آخرها «واو».
وقيل : حرف لين لا يُدْرى : أ«واوٌ» هو أو «ياء»؟ والجميع : المِئُون.
ابن السِّكيت : أمأَت الدراهمُ ، إذا صارت مائةً.
وأمأَيْتها أنا.
قال : وتقول : ثَلثمائة.
ولو قلت : ثلاث مئين ، مثال «معين» كان جائزاً ، أَو ثلاث مِىءٍ ، مثال «مع» ؛ قال مُزَرّد :
وما زَوَّدُوني غَيْر سَحقِ عمامة |
وخَمْسمىءٍ منها قَسِيّ وزائِفُ |
قال : ولو قلت : مئات ، بوزن «معاة» ، لجاز.
شَمر ، عن ابن الأعرابي : إذا تَمّمت القوم بنفسك مئة ، فقد مَأَيْتَهم. وهم مَمْئيّون.
وأَمْئَاهم ، فهم مُمْؤُون. فإن أَتممَتهم بغيرك ، فقد أَمْأَيتهم. فهم مُمْأَوْن.
أبو عُبيد ، عن الكسائي : كان القوم تِسْعةً وتِسْعين فأمأيتُهم ، بالألف ، مثل : أفْعلتهم.
وكذلك في «الأَلْف» : آلفتهم.
وكذلك إذا صاروا هم كذلك ، قلتُ : قد أَمْأَوْا ، وألْفُوا ، إذا صارُوا مائةً وأَلْفاً.
ماء : اللحياني : ماءت الهِرّة تَمُوء ، مثل : ماعت تَمُوع. وهو الضُّغاء ، إذا صاحَت.
وقال : هِرّةٌ مَؤُوء ، بوزن «مَعُوع».
وصوتها : المُواء ، على «فُعال».
عمرو ، عن أبيه : أَمْوأَ : إذا صاح صِيَاح السِّنّور.
وقال ابن الأعرابي : هي المائِيّة ، بوزن «الماعيّة». يقال ذلك للسِّنَّوْر.
وأم : أبو العبّاس ، عن ابن الأعرابي : الوَأْمة : المُوافَقَةَ. والويمة : التهمة. أبو عبيد ، عن أبي زيد : واءَمْتُه وئاماً ، ومُواءَمة ، وهي المُوافقة ، أنْ تَفعل كما يَفعل.
قال أبو عبيد : من أمثالهم في المُياسرة : لو لا الوِئام لهلك اللِّئام.
قال : والوئام : المُباهاة.
يقول : إن اللِّئام ليسوا يأتون الجميل من الأُمور على أنها أخلاقُهم ، وإنما يفعلونها مباهاة وتَشَبُّهاً بأهل الكرم ، ولو لا ذلك لهلكوا.
هذا قول أبي عُبيدة.
وأما غيره من عُلمائنا فيُفَسّرون «الوئام» : المُوافقة ، يقولون : لو لا مُوافقة الناس بعضهم بعضاً في الصُّحْبة والعِشرة لكانت الهَلَكة.
قال أبو عُبيد : ولا أحسب الأصل كان إلّا هذا.
ابن السّكيت (١) : يُقال لهما : تَوْأمان ؛ وهذا تَوأم. وهذه توأمة. والجميع : تَوائم ، وتُؤام.
وقد أتأمت المرأة ، إذا ولدت اثنين في بَطْن واحد. فهي مُتْئِم.
الليث : التَّوأم : ولدان معاً.
ولا يُقال : هما توأمان ، ولكن يُقال : هذا تَوأم هذه ، وهذه توأمتُه.
فإذا جُمعا ، فهما تَوْأم.
قلتُ : أخطأ اللَّيث فيما قال ، والقولُ ما قال ابن السِّكيت.
__________________
(١) أورد هذا ابن منظور في (تأم) وإلى هذا أشار الأزهري بعد قليل ، (إبياري).
وهذا قول الفَرّاء والنَّحويين الذين يُوثق بعِلْمهم.
قالوا : يُقال للواحد : توأم.
وهما توأمان ، إذا ولدا في بَطن واحد ؛ قال عَنْترة :
بَطَلٌ كأنّ ثِيابَه في سَرْحةٍ |
يُحْذَى نِعال السِّبْت ليس بتَوْأم |
قلتُ : وقد ذكرتُ هذا الحرف في كتاب التاء ، فأعدت ذِكْره لأعرِّفك أنّ التاء مُبْدلة من الواو.
ف «التوأم» وَوْأم ، في الأصل ، وكذلك : «التَّوْلج» ، في الأصل : وَوْلَج ، وهو الكِنَاس.
وأصل ذلك من «الوِئَام» ، وهو الوِفاق.
ويُقال : فلانٌ يُغَنِّي غِنَاءً مُتوائِماً ، إذا وافق بعضُه بعضاً ولم تَخْتلف ألحْانُه ؛ قال ابنُ أَحْمر :
أَرَى ناقتي حنَّت بلَيْلٍ وساقها |
غِناءٌ كمَوْج الأعْجَم المُتَوائِمِ |
وقال أبو عَمرو (١) : لَيَالٍ أُوَّمٌ ، أي : مُنكرة : وأَنْشد :
لمّا رأيت آخر اللَّيل غنَمْ |
وأنّها إحْدى لَيالِيك الأُوَمْ |
أبو عُبيد : المُؤَوَّم ، مثل «المعوَّم» : العظيم الرَّأس.
وأخبرني (٢) المُنذريّ ، عن الطُّوسي ، عن الخَرّاز ، عن ابن الأعرابيّ : و «يَوْأم» : قبيلة من الحَبش ؛ وأَنْشد :
وأنتم قبيلةٌ من يَوْأَمْ |
جاءت بكُم سَفِينةٌ من اليمْ |
قال المُوأَّم : المشوّه الخَلق.
وَأَمّه الله ، أي : شَوّه خَلْقه.
وقوله «من يَوْأم» ، أي : إنكم سُودان فَخَلْقكم مُشَوَّه.
آم : أبو عبيد : الأَيْم والأَيْن ، جميعاً : الحيّة.
قال شَمر : قال أبو خَيْرة : الأيْم والأيْن والثُّعْبان : الذكران من الحيات ، وهي التي لا تَضُرّ أحداً.
قال : وقال ابن شُميل : كل حيَّة أَيم ، ذكراً كانت أو أُنثى.
وربما شدد فقيل : أيِّم ، كما يُقال : هَيِّن وهَيْن.
وقال الله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) [النور : ٣٢].
قيل في تفسيره : الحرائر.
والأيامى : القَرابات : الآبنة والخالة والأخت.
__________________
(١) أورد هذا ابن منظور في (أوم) ، (إبياري).
(٢) هذا مما أورده ابن منظور في (وأم) ، (إبياري).
وأخبرني المُنذريّ ، عن أبي العبّاس ، عن ابن الأعرابي ، يُقال للرجل الذي لم يتزوج : أَيّم ، وللمرأة أيّمة ، إذا لم تتزوَّج.
قال : والأيّم : البِكْر والثَّيِّب.
قال : ويقال : آم الرَّجُلُ يَئِيم أيْمةً ، إذا لم تكن له زَوْجة.
وكذلك المرأة ، إذا لم يكن لها زَوْج.
وفي الحديث إنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يَتَعوَّذ من الأيْمة والعَيْمة ، وهي طول العُزْبة.
ابن السِّكيت : فلانة أَيِّم ، إذا لم يكن لها زوج ؛ ورجل أيِّم ، لا امرأة له ؛ والجمع : الأيَامى. والأصل : أيَايم ، فقُلبت الياء وجُعلت بعد الميم.
وقد آمت المرأة تَئِيم أَيْمةً وأَيْماً ؛ وتأيَّم الرّجُلُ زماناً ، وتأيَّمت المرأة ، إذا مَكَثا أيّاماً وزماناً لا يتزَوَّجان.
والحَرْبُ مَأْيَمة ، أي : تقتل الرِّجال وتدع النِّساء بلا أزواج.
ابن الأنباريّ : رجل أيِّم ، ورجلان أيِّمان ، ورجال أيِّمون ، ونساء أيِّمات.
وأُيَّمٌ : بَيِّن الأيُوم والأَيْمَة.
وقال ابن الأعرابي : الإيَام : الدُّخان ؛ وأَنْشد لأبي ذُؤيب :
فلما جَلَاها بالإيَام تَحيَّزت |
ثُباتٍ عليها ذلُّها واكتئابُها |
يقال : آم الدُّخانُ يَئيم إياماً.
قال : وأما الأُوام ، فهو شِدّة العَطَش ؛ وقد آم الرَّجُلُ يَؤُوم أوْماً.
أبو عُبيد ، عن أبي زيد : الأوام : العطش ، ولم يَذكر له فِعْلاً.
والأيامى ، كان في الأصل : أيايم ، جمع «الأيّم» فقُلبت الياء جُعلت بعد الميم.
قاله ابن السِّكيت.
قال : ويُقال : ما له آمٌ وعامٌ ، أي : هَلكت امرأته.
وكان القياس أن يُقال : أيم ، فجعلت الياء ألفاً.
وقد آم يَئيم أَيْمة.
ومعنى «عامٌ» : هلكت ماشيته حتى يَعِيم إلى اللّبن.
وقال أبو زيد : يُقال رَجُلٌ أَيْمان ، وعَيْمان أَيْمان : هَلكت امرأته.
ابن السِّكيت : تأيّمت المرأة ، وتأيّم الرجلُ زماناً ، إذا مكَثا لا يَتزوَّجان.
قال : أَأَمْتُ المرأة ، مثل : أَعَمْتها ، فأنا أُئِيمها ، مثل أُعِيمها.
والحرب مَأْيَمة ، أي : تقتل الرِّجال وتَدع النِّساء بلا أزواج.
الليث : يُقال امرأة أيِّم ، وقد تأيّمت ، إذا كانت بغير زَوْج.
وقيل ذلك إذا كان لها زوج فمات عنها ،
وهي تصلح للأزواج ، لأن فيها سُؤْرةٌ من شباب ؛ قال رُؤبة :
* مغايراً أو يَرْهب التّأْيِيما*
وقوله :
وكأنّما ينأى بجانب دفِّها الْ |
وَحْشِي مِن هَزِج العَشِيّ مُؤَوَّمِ |
أراد : من حادٍ هَزِج العَشيّ بحُدائه.
الليث : المُواءمة : المُباراة.
قال : ويُقال : فلانة تُوَائِم صَواحباتها ، إذا تكلّفت ما يتكلَّفن من الزِّينة ؛ قال المَرّار :
يَتواءَمْن بنَوْمات الضُّحى |
حَسَنات الدَّلّ والأُنْس الخَفِرْ |
أم : قال الفَرّاء : أَمْ ، في المعنى تكون ردّاً على الاستفهام على جِهَتَيْن :
إحداهما : أن تُفارق معنى «أم».
والأخرى : أن تَستفهم بها على جِهة النَّسق الذي يُنْوى بها الابتداءُ ، إلا أنه ابتداءٌ مُتَّصل بكلام.
فلو ابتدأت كلاماً ليس قبله كلام ، ثم استفهمت لم يكن إلا ب «الألف» أو ب «هل» ، من ذلك قوله جلّ وعزّ : (الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) [السجدة : ١ ، ٣] فجاءت «أم» وليس فيها استفهام ، فهذا دليل على أنه استفهام مبتدأ على كلام قد سبقه.
قال : وأما قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) [البقرة : ١٠٨].
فإن شئت جعلته استفهاماً مبتدأ قد سبقه كلام ، وإن شئت قلت : قبله استفهام فَرُد عليه ، وهو قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : ١٠٦].
وكذلك قوله تعالى : (ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) [ص : ٦٢ ، ٦٣].
فإن شئت جعلته استفهاماً مُبتدأ على كلام قد سَبقه كلام.
وإن شئت جعلته مَرْدُوداً على قوله : (ما لَنا لا نَرى) [ص : ٦٢].
ومثله قوله تعالى : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) [الزخرف : ٥١]. ثم قال : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ) [الزخرف : ٥٢].
فالتفسير فيهما واحد.
قال الفراء : وربما جعلت العرب «أم» إذا سَبقها استفهام ، ولا يصلح فيه «أم» على جهة «بل». فيقولون : هل لك قِبلنا حق أم أنت رجل معروف بالظلم؟
يُريدون : بل أنت رجُلٌ مَعْروف بالظُّلم ؛ وأَنشد :
فو الله ما أَدْرِي أَسَلْمَى تَغَوَّلَت |
أم النَّوم أم كُلٌّ إليّ حَبِيبُ |
يريد : بَلْ كُلٌّ.
قال : ويَفعلون مثل ذلك ب «أو» ، وسنذكره في موضعه.
وقال الزجّاج : أم ، إذا كانت مَعْطوفة على لفظ الاستفهام ، فهي معروفة لا إشكال فيها ؛ كقولك : أزَيْدٌ أحسن أم عمرو؟ و: أكذا خير أم كذا؟
وإذا كانت لا تقع عطفاً على ألف الاستفهام ، إلا أنها تكون غير مبتدأة ، فإنها تؤذن بمعنى «بل» ، ومعنى «ألف الاستفهام».
ثم ذكر قول الله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) [البقرة : ١٠٨].
قال المعنى : بل أَتُريدون أن تسألوا.
وكذلك قوله تعالى : (الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) [السجدة : ١ ، ٣].
المعنى : بل يقولون افتراه.
وقال الليث : أم ، حرف أحسن ما يكون في الاستفهام على أوله ، فيصير المعنى كأنه اسْتفهام بعد اسْتفهام.
قال : ويكون «أم» بمعنى «بل».
ويكون «أم» بمعنى «ألف الاستفهام» ، كقولك : أم عِندك غداء حاضرٌ؟ وهي لغة حسنة من لُغات العرب.
قلت : وهذا يجوز إذا سَبقه كلام.
قال الليث : وتكون «أم» مبتدأة للكلام في الخبر ، وهي (١) لغة يمانية ، يقول قائلهم : أم نحن خرجنا خيارَ الناس ، أم نُطعم الطعام ، أم نضرب السهام ؛ وهو يُخْبِر.
وروى ابن اليزيدي ، عن أبي حاتم ، قال : قال أبو زيد : «أم» تكون زائدةً ، لغة لأهل اليمن ؛ وأَنْشد :
يا دَهْن أم ما كان مَشْيِي رَقَصَا |
بل قد تكون مِشْيَتي ترقُّصَا |
أراد يا دَهناء ، فرَخَّم ، و «أم» زائدة ؛ أراد : ما كان مَشيي رَقَصاً ، أي : كنت أترقَّص وأنا في شَبِيبتي واليومَ قد أَسْنَنْت حتّى صار مَشيي رَقَصا.
وقال غيره : تكون «أم» بلغة أهل اليمن بمعنى : الألف واللام.
وفي الحديث : «ليس من امْبِرّ امْصِيامٌ في امْسَفَر».
أي : ليس من البرّ الصيام في السَّفر.
قلت : والألف فيها ألف وصل ، تُكتب ولا تُظهر إذا وُصلت ، ولا تُقطع كما تُقطع ألف «أم» التي قدّمنا ذكرها ؛ وأَنْشد أبو عُبيد :
ذاك خَلِيلي وذو يُعاتِبُني |
يَرْمي وَرائي بامْسَيْفِ وامْسَلِمَهْ |
__________________
(١) في المطبوع : «هم» والمثبت في «العين» (٨ / ٤٣٥).
ألا تَراه كيف وَصل الميم باللَّام ، فافهمه.
قلت : والوجه ألّا تثبت الألف في الكتابة ، لأنّها ميم جُعلت بدل الألف واللام ، للتَّعْريف.
ما : قال أهل العربيّة : «ما» إذا جُعِلت اسماً هي لغير المُميِّزين من الجِنّ والإنس ؛ و «من» تكون للمميِّزين.
ومن العرب من يَستعمل «ما» في موضع «من» ، من ذلك قولُه تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [النساء : ٢٢] التقدير : لا تَنكحوا مَن نكح آباؤكم.
وكذلك قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) [النساء : ٣] ، معناه : من طاب لكم.
وروى سَلمة ، عن الفَراء ، قال الكسائي : تكون «ما» اسماً ، وتكون جَحْداً ، وتكون استفهاماً ، وتكون شَرْطاً ، وتكون تعجُّباً ، وتكون صِلَةً ، وتكون مَصْدراً.
قال محمد بن يزيد : وقد تأتي «ما» تمنع العاملَ عمله ، وهو كقولك : كأنما وَجهك القمر ، وإنما زَيْد صديقنا.
قلت : ومنه قولْه تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحجر : ٢] ربّ : وضعت للأسماء ، فلما أُدخلت فيها «ما» جُعلت للفِعْل.
وقد توصل «ما» ب «رب» و «ربت» فتكون صلةً ؛ كقوله :
ماوِيّ يا رُّبَّتما غارةٍ |
شَعْواء كاللَّذْعةِ بالمِيَسمِ |
يُريد : يا ربّت غارة.
وتجيء «ما» صلة يُراد بها التأكيد ، كقوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [النساء : ١٥٥]. المعنى : بِنَقْضهم ميثاقهم.
وتكون مصدراً ؛ كقوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) [الحجر : ٩٤] أي : فاصدع بالأَمر.
وكقوله تعالى : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ ، وَما كَسَبَ (٢)) [المسد : ٢] أي : وكَسْبه.
و «ما» التَّعجب ؛ كقوله تعالى : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) [البقرة : ١٧٥].
والاستفهام ب «ما» كقولك : ما قَولك في كذلك؟
والاستفهام ب «ما» مِن الله لعباده على وَجهين : هو للمُؤمن تَقْرير ؛ وللكافر تَقْريع وتَوْبيخ.
فالتَّقرير ، كقوله تعالى لمُوسى عليهالسلام : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ) [طه : ١٧ و١٨] قَرَّره الله أنها عَصىً كراهية أن يَخافها إذا حَوَّلها حَيَّة.
والشَّرط ؛ كقوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ) [فاطر : ٢].
والجحد ؛ كقوله تعالى : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء : ٦٦].
وتجيء «ما» بمعنى «أي» ؛ كقوله تعالى : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها) [البقرة : ٦٩] المعنى : يبين لنا أيّ شيء لونها؟ و «ما» في هذا الموضع رَفع ، لأنه ابتداء ، ومُرافعها قوله «لونها».
الفراء : و (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح : ٢٥] تَجعل «ما» صلة فيما تَنْوي به مذهب الجزاء ، كأنه : من خطيئاتهم ما أُغرقوا.
وكذلك رأيتها في مُصحف عبد الله ، وتأخرها دليل على مذهب الجزاء.
ومثلها في مصحفه : «أي الأجلين ما قَضيتَ».
ألا ترى أنك تقول : حيثما تكن أكن ، ومهما تقل أقُل.
وقوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠] وُصل الجزاء ب «ما» ، فإِذا كان استفهاماً لم يوصل ب «ما» ، وإنما يُوصل إذا كان جزاء ؛ أَنْشد ابن الأعرابيّ قولَ حسّان :
إن يكُن غَثّ مِنْ رَقَاشِ حَدِيثٌ |
فبما يأكل الحديثُ السَّمينَا |
قال : فبما ، أي : ربما.
قلت : وهو مَعروف في كلامهم قد جاءَ في شعر الأعشى وغيره.
أما : وقال الليث «أمَا» استفهام جحود ؛ كقولك : أما تستحي من الله؟
قال : وتكون «أما» تأكيد للكلام ولليمين ، كقولك : أما إنه لرجل كَرِيم.
وفي اليمين كقولك : أمَا والله لئن سَهرت كُل ليلة لأدَعنّك نادماً ؛ أما لو علمتُ بمكانك لأزعجنّك منه.
إما وأما : وافتراقهما
أبو العباس ، عن سَلمة ، عن الفراءِ ، قال : قال الكسائي في باب «إمّا» و «أمّا» :
إذا كنت آمراً ، أو ناهياً ، أو مُخبراً ، فهي «أمّا» مفتوحة.
وإذا كنت مُشترطاً أو شاكاً أو مخيِّراً أو مختاراً ، فهي «إمّا» بكسر الألف.
قال : وتقول من ذلك في الأول : أما الله فاعْبد ، وأما الخَمر فلا تَشْربها ، وأمّا زيد فقد خَرج.
قال : وتقول في النوع الثاني ؛ إذا كنت مُشترطاً : إمّا تَشْتمنّ زيداً فإنه يَحْلُم عنك.
وتقول في الشكّ : لا أَدْري من قام إمَّا زيدٌ وإمّا عمرو.
وتقول في التَّخيير : تعلّم إمّا الفِقه : وإمّا النَّحو.
وتقول في المختار : لي بالكوفة دارٌ وأنا خارج إليها فإمّا أن أَسْكنها وإمّا أن أبِيعها.
قال : ومن العرب من يَجعل «إمّا» بمعنى : إمّا الشرطية. قال : وأنشد الكسائي
لصاحب هذه اللغة ، إلا أنه أبدل إحدى الميمين ياءً :
يا ليت ما أُمّنا شالت نعامتها |
إيما إلى جَنّة إيما إلى نارِ |
وقال المبرّد : إذا أتيت ب «إمّا» و «أما» فافتحها مع الأسماء واكسرها مع الأفعال ؛ وأَنْشد :
إمّا أقمت وأمّا أنت ذا سَفر |
فالله يَحْفظ ما تأتي وما تَذَرُ |
كسرت «إما أقمت» مع الفعل ، وفتحت «وأما أنت» لأنها وليها الاسم. وقال :
* أبا خُراشة أمّا أنْت ذا نَفر*
المعنى : إذا كنت ذا نفر. قاله ابن كَيسان.
وقال الزجّاج : «إما» التي للتَّخيير شُبهت ب «إن» التي ضمّت إليها «ما» ، مثل قوله تعالى : (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) [الكهف : ٨٦].
كتبت بالألف لما وصفنا ، وكذلك «إلا» كتبت بالألف ، لأنها لو كُتبت بالياء لأَشْبهت «إلى».
قال البَصريون : «أمّا» هي «أن» المفتوحة ضُمت إليها «ما» عوضاً من الفعل ، وهي بمنزلة «إذ» ، المعنى : إذ كنت قائماً فإِني قائم معك ؛ ويُنْشدون :
* أبا خُراشة أمّا أنت ذا نفر*
قالوا : فإن ولي هذه الفعل كُسرت ، فقيل : إمّا انطلقت انْطلقت معك ؛ وأَنْشدوا :
* إمّا أقمت وأمّا أَنْت مُرتحلا*
فكَسر الأُولى وفتَح الثانية.
فإن ولي هذه المكسورة فعل مُستقبل أحدثت فيه النون ، فقلت : إمّا تذهبنّ فإنّي معك.
فإن حَذفت النون جَزمت ، فقلت : إمّا يَأْكُلك الذئب فلا أَبكيك.
وقال الفراء في قول الله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣)) [الإنسان : ٣].
قال «إمّا» ها هنا تكون جزاء ، أي : إن شكر وإن كَفر.
قال : ويكون على «إمّا» التي في قوله تعالى : (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ١٠٦] فكأنه قال : خَلَقناه شقيّاً أو سعيداً.
أم : أبو العبّاس ، عن ابن الأعرابي : الأُم : امرأة الرَّجل المُسِنّة.
والأم ، الوالدة من كل الحَيوان.
ويُقال : ما أَمِّي وأَمُّه؟ وما شَكلي وشَكله؟
أي : ما أَمْري وأَمْره لبُعده منّي ، فلمَ يتعرّض لي؟ ومنه قول الشاعر :
فما أَمضي وأَمّ الوَحْش لمّا |
تَفَرَّع في ذُؤابَتِي المَشِيبُ |
وقال ابن بُزُرْج : قالوا ما أَمّك وأمّ ذات عِرْق؟ أي : أَيْهات منك ذات عِرْق؟
قال الليث : الأُم ، هي الوالدة ؛ والجمع الأُمَّهات.
وقال غيره : تُجمع «الأُم» من الآدميّات : أمّهات ؛ وتجمع من البهائم : أُمّات ؛ قال :
لقد آليْت أُعْذَر في خِداع |
وإن مَنَّيت أمّاتِ الرِّبَاعِ |
الليث : يقال : تأمّم فلان أُمّاً ، أي : اتخذها لنفسه أُمّاً.
وتفسير «الأم» في كل معانيها : أمّة ، لأن تأسيسه من حَرْفين صحيحين ، والهاء فيه أصلية ، ولكن العرب حذَفت تلك الهاء إذا أمنوا اللَّبْس.
قال : ويقول بعضُهم في تَصغير «أُمّ» : أمَيْمة.
والصواب : أُمَيْهة ، تُرد إلى أصل تأسيسها.
ومن قال «أُميمة» صغّرها على لفظها ، وهم الذين يقولون «أمّات» ؛ وأَنشد :
إذا الأمّهات قَبَحْن الوُجُوهَ |
فَرَجْتَ الظَّلامَ بأُمّاتِكَا |
قال ابن كيسان : يُقال : أُمّ ، وهي الأصْل ؛ ومنهم من يقول : أُمّة ؛ ومنهم من يقول : أُمّهة ؛ وأَنْشد :
تَقَبَّلْتها عن أُمَّةٍ لك طالما |
تُنوزع في الأَسواق عنها خِمارُها |
يُريد : عن أُم لك ، فألحقها هاء التأنيث.
وقال آخر :
* أُمَّهتي خندفُ والياس أَبِي*
فأمّا الجمع فأكثر العرب على «أمّهات» ومنهم من يقُول : أُمّات.
وقال المبرّد : الهاء من حروف الزّيادة ، وهي مزيدة في «الأُمهات» والأصل «الأُم» وهو : القَصْد.
قلت : وهذا هو الصواب ، أن «الهاء» مزيدة في «الأمهات».
وقال الليث : من العرب مَن يَحذف ألف «أم» كقول عديّ بن زيد :
* أيّها العائب عندي مّ زَيْد*
واعلم أن كل شيء يُضم إليه سائر ما يليه فإن العرب تسمِّي ذلك الشيء : أُمًّا ، من ذلك : أُم الرأس ، وهو الدِّماغ ؛ ورَجُلٌ مَأْمُوم ؛ والشجّة الآمّة : التي تبلغ أُمَ الدِّماغ.
والأَميم : المَأْموم.
قال والأُمَيْمة : الحجارة التي تُشْدخ بها الرُّؤوس ؛ قال :
ويومَ جَلَّينا عن الأهاتم |
بالمَنْجنيقات وبالأمَائمِ |
المكنىّ بالأم
قال : وأُم التّنائف : المفازة البعيدة.
وأم القُرَى : مَكَّة.
وكُل مدينة ، هي أُم ما حولها من القُرى.
وأُم الكِتَاب : كُل آية محكمة من آيات الشرائع والأحكام والفرائض.
وجاء في الحديث : «إن أُم الكتاب هي فاتحة الكتاب» ، لأنها هي المتقدّمة أمام كل سُورة في جميع الصلوات ، وابتدى بها في المُصحف فقدّمت ، وهي القرآن العظيم.
وأما قوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي أُمِ الْكِتابِ لَدَيْنا) [الزخرف : ٤]. فقال : هي اللوح المحفوظ.
قال قتادة : أُم الكتاب : أَصل الكتاب.
وعن ابن عبّاس : أُمّ الكتاب ، القرآن من أوله إلى آخره.
وقوله تعالى : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩)) [القارعة : ٩] أي : أُمه التي يأوي إليها ، كما يأوي الرجل إلى أُمه ، هاوية ، وهي النار يهوي فيها من يدخلها ، أي : يَهلك.
وقيل : فأم رأسه هاوية فيها ، أي : ساقطة.
وأُم الرُّمْح : لواؤُه وما لُفّ عليه من خِرقة ؛ ومنه قول الشاعر :
وسَلَبْنا الرُّمْح فيه أُمّه |
مِن يَدِ العاصِي وما طالَ الطِّوَلْ |
وأخبرنا عبد الملك ، عن الربيع ، عن الشافعي ، قال : العربُ تقول للرجل يلي طعام القوم وخدمتهم : هو أُمتهم ؛ وأَنْشد للشَّنْفرى :
وأُمّ عيال قد شهدت تَقُوتهم |
إذا حَتَرتْهم أَتْفَهت وأَقَلَّت |
قال : ويُقال للمرأة التي يأوي إليها الرَّجُلُ : هي أُم مَثْواه.
وفي الحديث : «اتقوا الخمر فإنها أُم الخبائث».
وقال شمر : أم الخبائث : التي تجمع كُل خبيث.
قال : وقال : الفصيح في أعراب قَيس : إذا قيل : أُمّ الشر ، فهي تَجمع كل شَرّ على وَجه الأرض.
وإذا قيل أُمّ الخير ، فهي تَجمع كُلّ خَير.
قال : وقال ابن شميل : الأم لكُل شيء ، هي المجَمع له والمَضَمّ.
وأُم الرأس ، هي الخريطة التي فيها الدِّماغ.
وأمُ النُّجوم : المَجَرّة.
وأمُ الطَّريق : مُعظمها ، إذا كان طريقاً عظيماً وحوله طُرق صِغار فالأعظم أُمّ الطريق.
وأمّ اللُّهَيْم : هي المَنِيّة.
وأمّ خَنُّور : الخِصْب.
وأمّ جابر : الخُبز (١).
وأمّ صَبَّار : الحَرَّة.
ورُوي عن عَمرو ، عن أبيه ، أنه قال : أمّ عُبَيد : هي الصَّحراء.
وأمّ عَطِيّة : الرَّحَى.
وأمّ شَمْلة : الشَّمْس.
وأمّ الخُلْفُف : الدَّاهية.
وأمّ رُبَيْق : الحرب.
وأمّ ليْلى : الخَمْرُ. وليلى : النَّشوة.
وأمّ دَرْز : الدُّنيا.
وأمّ بَحنة : النَّخلة.
وأمّ سِرياح : الجرادة.
وأمّ عامر : المَقْبُرة.
وأمّ جابر : السُّنْبلة.
وأمّ طِلْبة : العُقاب.
وكذلك : أمّ شَعْواء.
وأمّ حباب : هي الدُّنيا ؛ وهي أمّ وافرة.
وأمّ زافرة : البَيْن.
وأمّ سَمْحة : العَنْز.
ويُقال لِلْقِدْر : أمّ غِياث ، وأمّ عُقْبة ، وأمّ بيضاء ، وأمّ دسمة ، وأمّ العِيَال.
وأمّ جِرْذَان : النَّخلة ، وإذا سَمَّيت رجلاً بأُم جِرذان لم تَصْرفه.
وأمّ خَبِيص ، وأمّ سُويد ، وأمّ عَقاق ، وأمّ عَزمة ، وأمّ طبيخة ، وهي أمّ تسعين.
وأمّ حِلْس : الأثان.
وأمّ عمرو ، وأمّ عامر : الضَّبُع.
ابن هانىء ، عن أبي زيد ، يقال : إنه لحسن أمّة الوَجْه ، يعنون : سُنَّته وصُورته.
وإنه لقبيح أمّة الوَجه.
وأخبرني المنُذري ، عن ثعلب ، عن ابن الأعرابي ، قال : يُقال للرجل العالم : أُمّة.
قال : والأُمّة : الجماعة.
والأُمّة : الرجل الجامع للخَيْر.
والأُمة : الطاعة.
وأُمّة الرَّجُل : وَجهه وقامَتُه.
وأُمّة الرَّجل : قَوْمُه.
والإمّة ، بالكسر : العيش الرَّخِيّ.
وقال أبو الهيثم : فيما أخبرني عنه المنذري ، قال : الأُمَّة : الحِين.
وقال الفراء في قوله تعالى : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : ٤٥].
قال : بعد حينٍ من الدَّهْر.
قال أبو الهيثم : والأُمّة : الدِّين.
__________________
(١) ستأتي هذه الكنية بمعنى : «السُّنبلة».
والأُمّة : المُعلِّم.
وقال الفراء في قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً) [النحل : ١٢٠].
قال : أُمّة معلِّما للخير.
وروى سَلمة ، عن الفراء : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف : ٢٢] ، وهي مثل : السُّنّة والمِلّة.
وقرىء «على إمّة» ، وهي الطريقة ، من : أَمَمْت.
يقال : ما أحسن إمّته!
قال : والإمّة أيضاً : الملك والنَّعيم ؛ وأَنْشد لعديّ بن زَيد :
ثم بعد الفَلاح والمُلك والإمّ |
ة وارتْهمُ هناك القُبور |
قال : أراد : إمامة المُلك ونعيمه.
وقال أَبو إسحاق في قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) [البقرة : ٢١٣] ، أي : كانو على دين واحد.
قال : والأُمّة : في اللغة أشياء ، فمنها ؛ أن الأُمُّة : الدين ، وهو هذا.
والأُمّة : القامة ؛ وأنشد :
وإن مُعاوية الأَكْرمي |
ن حِسان الوُجوه طِوال الأُمَمْ |
أي : طوال القَامات.
قال : والأُمّة ، من الناس ، يُقال : قد مَضَت أُمم ، أي : قرون.
والأُمّة : الرجل الذي لا نَظير له ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً) [النحل : ١٢٠].
وقال أَبو عُبيدة : معنى قوله «كانَ أُمَّةً» أي : كان إمَاماً. والأُمّة : النِّعمة.
أبو عُبيد ، عن أبي زيد : هو في إمّة من العَيش ؛ وآمة ، أي : خِصْب.
قال شمر. وآمة ، بتخفيف الميم : عَيْب ؛ وأُنْشد :
مَهلاً أَبيت اللّعْن مَهْ |
لاً إنّ فيما قُلت آمَهْ |
وذكر أبو عمرو الشَّيباني أن العرب تقول للشيخ إذا كان باقي القُوة : فلان بإِمّةٍ ، راجع إلى الخير والنّعمة ، لأن بقاء قُوته من أعظم النِّعمة.
قال : وأَصل هذا الباب كله من «القَصْد».
يقال : أممت إليه ، إذا قَصدته.
فمعنى «الأمّة» في الدّين ، أن مَقصدهم مقصدٌ واحد.
ومعنى «الإمّة» في النِّعمة ؛ إنما هو الشيء الذي يَقْصده الخلق ويَطْلُبونه.
ومعنى «الأمة» في الرجُل المُنفرد الذي لا نَظير له : أنّ قَصْده مُنفرد من قصد سائر الناس ؛ قال النابغة :
* وهل يَأْثمن ذو أُمّة وهو طائع*
ويُروى : ذو إمّة.
فمن قال : ذو أمّة ، فمعناه : ذو دِين.
ومن قال : ذو إمّة ، فمعناه : ذو نعمة أُسديت إليه.
قال : ومعنى «الأُمّة» : القامة ، سائر مَقْصَد الجسد.
فليس يخرج شيء من هذا الباب عن معنى «أممت» ، أَي : قصدت.
ويقال : إمامنا هذا حَسن الإمّة ، أي : حسن القيام بإمامته إذا صلّى بنا.
وقال أبو إسحاق : قالوا في معنى الآية غيْرَ قولٍ.
قال بعضهم : كان الناس فيما بين آدم ونوح كُفَّاراً (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) يُبشِّرون مَن أَطاع بالجنّة ويُنذرون مَن عَصى بالنار.
وقال آخرون : كان جميع مَن مع نوح في السَّفِينة مُؤمناً ثم تَفرّقوا من بعده عن كُفْر ، (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ).
قال : وقال آخرون : الناس كانوا كفّاراً (فَبَعَثَ اللهُ) إبراهيم و (النَّبِيِّينَ) من بعده.
قلت : و «الأمّة» فيما فسروا ، يَقع على الكفّار وعلى المُؤمنين.
وقال الله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) [البقرة : ٧٨].
قال أبو إسحاق : معنى «الأمي» في اللغة : المنسوب إلى ما عليه جَبَلَتْه أُمّه ، أَي : لا يكتب ، فهو في أنه لا يكتب على ما ولد عليه. وارتفع «أميون» بالابتداء ، و «منهم» الخبر.
وقال غيره : قيل للذي لا يكتب : أُمي ، لأن الكتابة مكتسبة ، فكأنه نُسب إلى ما وُلد عليه ، أي : هو على ما ولدته أُمه عليه.
وكانت الكتابة في العرب في أهل الطائف تعلّموها من رجل من أهل الحيرة ، عن أَهل الأنبار.
قال أبو زيد : الأمّي من الرجال : العَيِيّ القليل الكلام الجافي الجلْف ؛ وأَنشد :
ولا أَعُود بعدها كَرِيّا |
أمارس الكَهْلة والصَّبِيَّا |
|
* والعَرَب المنفَّه الأمِّيّا* |
قيل له : أمّي ، لأنه على ما وَلدته أُمه عليه من قلة الكلام وعُجْمة اللّسان.
وقيل للنبي محمد صلىاللهعليهوسلم : الأُمي ، لأن أُمة العرب لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب ، بعثه الله رسولاً وهو لا يكتب ولا يقرأ من كتاب ، وكانت هذه الخلة إحدى آياته المُعجزة ، لأنه صلىاللهعليهوسلم تلا عليهم كتاب الله منظوماً مع أميته بآيات مفصلات ، وقصص مؤتلفات ، ومواعظ حكيمات ، تارة بعد أخرى ، بالنَّظم الذي أُنزل عليه ، فلم يغيّره ولم يبدِّل ألفاظه.
وكان الخطيب من العرب إذا ارتجل خطبة ثم أعادها زاد فيها ونَقص ، فَحفِظه الله
جلّ وعزّ على نبيّه كما أَنزله ، وأَبانه من سائر مَن بعثه إليهم بهذه الآية التي بايَن بينه وبينهم بها ، وفي ذلك أَنزل الله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)) [العنكبوت : ٤٨].
يقول جلّ وعزّ : لو كنت تتلو من الكتاب ، أو تخط لارتاب المُبطلون الذين كفروا ، ولقالوا إنه وَجد هذه الأقاصيص مكتوبة فحفظها من الكتب.
الليث : كُل قوم نُسبوا إلى نبي فأُضيفوا إليه ، فهم : أُمّته.
وقيل : أُمة محمد : كُل من أَرسل إليه ممَّن آمن به أَو كفر.
قال : وكل جيل من الناس ، فهم : أُمة على حِدة.
وقال غيره : كل جنس من الحيوان غير بني آدم أُمّة على حدة ؛ قال الله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الأنعام : ٣٨] الآية.
ومعنى قوله : «إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ» في معنى دون معنى.
يريد : والله أَعلم : أَن الله خلقهم وتعبّدهم بما شاء أن يتعبَّدهم به من تَسبيح وعبادة عَلِمها منهم ولم يُفقِّهنا ذلك.
وجاء في الحديث : «لو لا أَن الكلاب أُمّة تُسبِّح لأَمرتُ بقَتْلها ، ولكن اقْتُلوا منها كُلَّ أَسْود بَهيم».
الليث : الإمّة : الائتمام بالإمام.
يُقال : فلان أَحقّ بإِمّة هذا المسجد من فلان ، أَي : بالإمامة.
قلت : الإمّة : الهيئة في الإمَامة والحالة.
يُقال : فلان حَسن الإمّة ، أي : حسن الهيئة إذا أمّ الناس في الصلاة.
والإمام : كل من ائتم به قومٌ كانوا على الصّراط المستقيم أو كانوا ضالّين.
والنبيّ صلىاللهعليهوسلم إمَام أُمته ، وعليهم جميعاً الائتمام بسُنَّته التي مَضى عليها.
والخليفة : إمَام رَعيّته.
والقرآن : إمَام المُسلمين.
وإمَام الغُلام في المَكتب ، ما يتعلّمه كُلَّ يوم.
وقال ابن الأعرابيّ في قول الله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) [الإسراء : ٧١] قالت طائفة ، بإِمامهم. وقالت طائفة : دينهم وشَرعهم.
وقيل : بكتابهم الذي أحصى فيه عملهم.
وقول الله تعالى : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) [التوبة : ١٢] أي : قاتلوا رُؤساء الكفّار وقادَتهم الذين ضُعَفاؤُهم تَبع لهم.
وقرىء قوله تعالى : (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) على حَرْفين.
فأكثر القُراء قرؤوا : أيِمة ؛ بهمزة واحدة.
وقرأ بعضهم : أَئِمَّةَ ، بهمزتين.
وكل ذلك جائز.
وقال أبو إسحاق : إذا فَضلنا رجلاً في الإمامة قلنا : هذا أَوَمُّ من هذا.
وبعضهم يقول : هذا أَيَمّ من هذا.
قال : والأصل في «أئمة» : أأْمِمَة ، لأنه جمع «إمام» مثله : مثال وأَمثلة.
ولكن الميمين لمّا اجتمعتا أُدْغمت الأولى في الثانية ، وأُلقيت حركتها على الهمزة ، فقيل : أَئمّة ، فأبدلت العرب من الهمزة المكسورة الياء.
قال : ومن قال : هذا أَيَمّ من هذا ، جعل هذه الهمزة كلّما تحركت أَبدل منها ياءً.
والذي قال : فلان أَوَمُ من هذا ، كان عنده أَصلها «أَأَمّ» ، فلم يمكنه أن يبدل منه ألفاً لاجتماع الساكنين ، فجعلها واواً مفتوحة ؛ كما في جمع «آدم» : أوادم.
وهذا هو القياس.
قال : والذي جعلها ياء قال : قد صارت الياء في «أَيمّة» بدلاً لازماً.
وهذا مذهب الأخفش.
والأول مذهب المازنيّ ، وأظنه أَقيس المذهبين.
فأما «أئمة» باجتماع الهمزتين ، فإنما يُحكى عن أبي إسحاق : فإِنه كان يجيز اجتماعهما ، ولا أَقول إنها غير جائزة.
والذي بدأنا به هو الاختيار.
وقال الفَرّاء في قوله تعالى : (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) [الحجر : ٧٩] يقول : في طريق لهم يَمُرون عليها في أَسْفارهم. فجعل الطَّريقَ إمَاماً ، لأنه يُؤَمّ ويُتّبع.
الليث : الأمام ، بمعنى : القُدّام.
وفلان يَؤُم القوم ، أي : يَقْدُمهم.
ويقال : صَدرك أمامُك ، بالرفع ، إذا جعلته اسْماً.
وتقول : أخوك أمامَك ، بالنصب ، لأنه صِفة.
وقال لَبيد ، فجعله اسْماً :
فعدتْ كلا الفرْجين تَحسب أنّه |
مولَى المخَافة خَلْفُها وأَمامُها |
يصف بقرةً وحشيّة غرّها القنّاص فعَدت ، وكِلا فَرْجَيها ، وهما أمامها وخلفها ، تحسب أنه ألهاه عِمادٌ مولى مخافتها ، أي : وليّ مَخافتها.
قال أبو بكر : معنى قولهم : فلانٌ يؤُمّ أي : يتقدّمهم.
أُخذ من «الأمام» ، يقال : فلان إمام القوم ، إذا تَقدَّمهم.
وكذلك قولهم : فلان إمام القوم ، معناه : هو المتقدِّم لهم.
ويكون الإمام رئيساً ، كقولك : إمام
المُسلمين.
ويكون : الكتاب ؛ قال الله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) [الإسراء : ٧١].
ويكون «الإمام» : الطريق الواضح ، قال الله تعالى : (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) [الحجر : ٧٩]. ويكون «الإمام» : المثال ، وأنشد :
أبوه قبله وأبو أبيه |
بنَوا مجد الحياة على إِمامِ |
معناه : على مثال ؛ وقال لَبيد :
* ولكُلّ قَومٍ سُنَّة وإمامُها*
الحرّاني ، عن ابن السِّكيت ، قال : الأَمُ ، هو القَصْد.
يقال : أممته أؤُمه أمّاً ، إذا قَصَدْت له.
وأَمَمته أَمًّا : إذا شَجَجْته.
وشَجَّة آمَّةٌ.
قال : والأَمَم ، بين القريب والبَعيد.
ويقال : ظَلَمت ظلماً أَمَماً ؛ قال زُهير :
كأن عَيْني وقد سال السَّلِيلُ بهم |
وَجِيرة ما هُمُ لو أنهم أَمَمُ |
ويقال : هذا أمر مُؤَامٌ ، أي : قَصْدُ مُقَارِب.
وأَنشد : الليث :
تسألُني برامَتَين سَلْجَمَا |
لو أنها تَطْلب شَيئاً أَمَمَا |
أراد : لو طلبت شيئاً يقرب مُتناوله لأطْلَبْتُها ، فأما أن تطلُب بالبلد القَفر السَّلْجم ، فإنه غير مُتَيَسِّر ولا أَمَم.
ويقال : أَمَمْتُه أمًّا ، وتَيَمَّمته تَيَمُّمًّا ، وتَيَمَّمْتُه يَمامةً.
قال : ولا يَعرف الأصمعيّ «أَمَّمْته» بالتّشديد.
ويُقال : أَمَمْتُه ، وأَمَّمْته ، وتأَمَّمْته ، وتَيَمَّمته ، بمعنى واحد ، أي : توخيته وقَصَدْتُه.
والتَيمُّم بالصَّعيد ، مأخوذ من هذا.
وصار «التيمّم» عند عوام الناس المَسْح بالتراب ، والأصل فيه ، القَصْد والتوخِّي ؛ قال الأعشى :
تَيَمَّمت قيساً وكم دُونه |
من الأرض من مَهْمَهٍ ذي شَزَنْ |
اللّحياني ، يقال : أَمّوا ، ويَمُّوا ، بمعنى واحد ، ثم ذكر سائر الُّلغات.
الليث : إذا قالت العرب للرجل : لا أُم لك ، فإِنه مَدْحٌ عِنْدهم.
وقال أبو عُبيد : زَعم بعضُ العلماء أن قولهم : لا أبا لك ، ولا أب لك : مدح ؛ وأن قولهم : لا أُمَ لك : ذمّ.
قال أبو عُبيد : وقد وجدنا قولهم : لا أُمّ لك ، قد وُضع موضع المَدح ؛ قال كَعْب الغَنويّ :
هَوت أُمّه ما يَبْعث الصُّبح غادياً |
وماذا يُؤَدّي الليلُ حين يُؤوبُ |
قال أبو الهيثم : وأين هذا ممّا ذهب إليه أبو عُبيد ، وإنما معنى هذا كقولهم : ويح أُمه ، ويل أمّه ، وهَوت أُمه ، والوَيل لها ، وليس في هذا من المدح ما ذَهب إليه ، وليس يُشبه هذا قولهم : لا أُم لك ، لأن قوله : لا أم لك ، في مذهب : ليس لك أُمٌ حرة ، وهذا السبّ الصريح ، وذلك أن بني الإماء عند العرب مَذْمُومون لا يَلحقون ببني الحرائر ، ولا يقول الرَّجلُ لصاحبه : لا أُم لك ، إلا في غضبه عليه مُقصِّراً به شاتماً له.
قال : وأما إذا قال : لا أَبا لك ، فلم يَتْرك من الشَّتيمة شَيئاً.
يم : الليث : اليَمُ : البَحر الذي لا يُدْرك قَعْره ولا شَطّاه.
ويقال : اليَمُ : لُجّته.
ويُمَ الرَّجُل ، فهو مَيْمُوم ، إذا وقع في البَحر وغَرِق فيه.
ويُقال : يُمَ الساحلُ ، إذا طَما عليه البحرُ فغَلَب عليه.
قلت : اليَمّ : البَحر ، وهو معروف ، وأصله بالسُّريانية ، فعرّبته العرب ، وأصله : «يَماً».
ويقع اسم «اليم» على ما كان ماؤه مِلْحاً زُعافاً ، وعلى النَّهر الكبير العَذْب الماء.
وأُمرت أُم مُوسى حين وَلدتْه وخافت عليه فِرعون أن تجعله في تابوت ثم تَقذفه في اليَمّ ، وهو نَهر النّيل بمصر ، وماؤه عَذب ؛ قال الله تعالى : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُ بِالسَّاحِلِ) [طه : ٣٩] فجعل له ساحلاً ؛ وهذا كله دليلٌ على بُطلان قول الليث في «اليم» : إنه البحر الذي لا يُدرك قَعْره ولا شَطَّاه.
وأما «اليمام» من الطَّير ، فإن أبا عُبيد قال : سمعتُ الكسائي يقول : اليمَام : من الحَمام التي تكون في البُيوت ، والحمام : البرّي.
قال : وقال الأصمعي : اليمام : ضَرْب من الحمام ؛ بَرِّي.
وأما «الحمام» فكُل ما كان ذا طَوق ، مثل القُمْريّ والفاختة.
وقال غيره في «اليمامة» وهي القرية التي قَصبتها : حَجْر ، يقال : إن اسمها فيما خَلا كات «جَوًّا» فسُمِّيت : يمامة باسم امرأة كانت تَسكنها ، واسمها «يمامة» ، والله أعلم.
أما : قال الليث : الأمَة : المرأة ذاتُ العُبوديّة.
وقد أَقرّت بالأُمُوَّة.
وقال غيره : يُقال لجمع «الأمة» : إماء ، وإمْوان ، وثلاث آمٍ ، وأَنْشد :
تَمْشي بها رُبدُ النَّعا |
مِ تَماشِيَ الآم الزَّوافِر |