أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]
المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
و (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) [آل عمران : ١٠٣] ، و :
٣٣ ـ أمست خلاء ... |
|
... |
و «صار السعر رخيصا» ، و (لَيْسَ مَصْرُوفاً) [هود : ٨].
وقسم يعمل بشرط تقدّم نفي أو شبهه ، وهو النّهي ، وذلك «زال ، وانفكّ» وما بينهما ، وإلى ذلك أشار بقوله :
... وهذي (٢) الأربعه |
|
لشبه نفي أو لنفي متبعه |
نحو (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [هود : ١١٨] ، (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) [طه : ٩١] ، (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) [يوسف : ٨٥].
__________________
(كما في القطر) :
أضحى يمزّق أثوابي ويضربني |
|
أبعد شيبي يبغي عندي الأدبا |
والشاهد فيه إعمال «أضحى» عمل كان في رفعها الاسم ونصبها الخبر بلا شرط. وروي في شرح ابن عصفور :
أضحى يمزق أثوابي ويشتمني |
|
أبعد سنين عندي تبتغي الأدبا |
وروي في شرح الحماسة للمرزوقي :
أنشا يمزق أثوابي يؤدبني |
|
أبعد شيبي عندي تبتغي الأدبا |
وروي في شرح الأعلم برواية المرزوقي ولكن «ويضربني» بدل «يؤدبني» وعلى الروايتين الأخيرتين فلا شاهد فيه هنا.
انظر شرح القطر : ١٨٨ ، شرح الحماسة للمرزوقي : ٧٥٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤١٥ ، شرح الحماسة للأعلم : ٢ / ٤٦١ (رسالة دكتوراه) ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٨.
٣٣ ـ قطعة بيت من البسيط للنابغة الذبياني من قصيدة له في ديوانه (١٧) مدح بها النعمان بن المنذر ، واعتذر إليه مما بلغه عنه ، وهي من الاعتذاريات ، وقد ألحقوها لجودتها بالمعلقات السبع ، وتمامه :
أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا |
|
أخنى عليها الذي أخنى على لبد |
ويروى صدره :
أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا
الخلاء : المكان الذي لا شيء فيه. احتملوا : ارتحلوا. وأخنى عليه الدهر : أتى عليه وأهلكه. ولبد : اسم آخر نسور لقمان بن عاد ، سماه بذلك لأنه لبد فبقي لا يذهب ولا يموت ، وهو مصروف ، لأنه ليس بمعدول ، وفي المثل : «طال الأبد على لبد». والشاهد فيه على أن «أمسى» تعمل الرفع في الاسم والنصب في الخبر دون شرط.
انظر الأشموني مع الصبان : ١ / ٢٣٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٥ ، الخزانة : ٤ / ٥ ، الهمع (رقم) : ٣٧٢ ، الدرر اللوامع : ١ / ٨٤ ، اللسان (لبد) ، تذكرة النحاة : ٢٦٧ ، إصلاح الخلل للبطليوسي : ١٤٦ ، شرح قصيدة بانت سعاد لابن هشام : ١٦٨ ، فتح رب البرية : ١ / ٣٣٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٨.
(١) في الأصل : وهذه. انظر الألفية : ٣٨.
٣٤ ـ ليس ينفكّ ذا غني واعتزاز |
|
... |
وهذه أمثلتها بعد النّفي ، ومن أمثلتها بعد النّهي (٢) :
٣٥ ـ ... ولا تزل (٤) ذاكر المو |
|
ت ... |
وقسم يعمل بشرط تقدّم «ما» المصدرية الظرفية وإلى هذا أشار بقوله :
ومثل كان دام مسبوقا بما
وفهم أنّ «ما» مصدرية ظرفية من المثال ، وهو :
كأعط ما دمت مصيبا درهما
إذ التقدير : أعط درهما مدّة دوامك مصيبا ، فلو كانت «ما» مصدريّة غير ظرفية لم تعمل «دام» بعدها العمل المذكور ، فإن ولي مرفوعها منصوب ، فهو حال نحو «يعجبني ما دمت صحيحا» أي : يعجبني دوامك صحيحا ، ولو لم تذكر «ما» أصلا ، فأحرى بعدم العمل نحو «دام زيد صحيحا» ، فـ «دام» فعل ماض تامّ بمعنى : بقي ، و «زيد» فاعله ، و «صحيحا» حال من زيد.
وفهم من اشتراطه تقدّم النّفي أو شبهه في «زال» وأخواتها ، وتقدّم «ما»
__________________
٣٤ ـ من الخفيف ، لم أعثر على قائله ، وعجزه :
كلّ ذي عفّة مقلّ قنوع
ويروى : «اغترار» بدل «اعتزاز». والمعنى : لم يزل كل ذي عفاف وإقلال وقناعة غنيا وعزيزا.
والاستشهاد فيه على إعمال «ينفك» عمل «كان» لتقدم النفي عليها ، وإن كان بالفعل «ليس».
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٧٣ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٢٧ ، الهمع (رقم) : ٣٥٠ ، الدرر اللوامع : ١ / ٨٠ ، شرح ابن الناظم : ١٣٠ ، المطالع السعيدة : ١٩٩.
(١) في الأصل : النفي. انظر التصريح : ١ / ١٨٥.
٣٥ ـ قطعة بيت من الخفيف ، لم أعثر على قائله ، وتمامه :
صاح شمر ولا تزل ذاكر المو |
|
ت ، فنسيانه ضلال مبين |
صاح : مرخم صاحب على غير قياس ، وقيل : هو لغة في «صاحب». شمر : اجتهد. والشاهد في قوله : «ولا تزل» فإنه أجرى فيه «زال» مجرى «كان» لتقدم شبه النفي ـ وهو النهي ـ عليها ، إذ شرط عملها كأخواتها أن لا تفارق النفي أو شبهه.
انظر التصريح على التوضيح : ١٨٥ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ١٤ ، الهمع (رقم) : ٣٥٢ ، الدرر اللوامع : ١ / ٨١ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٢٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١١ ، شواهد الجرجاوي : ٤٤ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٨٩ ، شواهد العدوي : ٤٤ ، شرح ابن الناظم : ١٣١.
(٢) في الأصل : ولا تزال. انظر التصريح : ١ / ١٨٥.
المصدريّة الظّرفية في (١) «دام» ـ أنّ ما بقي من الأفعال لا يشترط (٢) فيه شيء.
ثمّ قال رحمهالله تعالى / :
وغير ماض مثله قد عملا |
|
إن كان غير الماض منه استعملا |
أشار إلى أنّ هذه الأفعال المتقدّمة ـ وهي ثلاثة عشر ـ في التّصرف وعدمه على ثلاثة أقسام :
ما (لا) (٣) يتصرّف بحال ، وهو «ليس» باتّفاق (٤) ، و «دام» عند الفرّاء وكثير من المتأخرين (٥) ، وأما «يدوم ، ودم ، ودائم ، ودوام» فمن تصرّفات التّامة.
وما يتصرّف تصرّفا ناقصا ، وهو «زال ، وبرح ، وفتئ ، وانفكّ» ، فإنّها (٦) لا يستعمل منها أمر.
وما يتصرّف تصرفا تاما ، وهو الباقي.
وللتّصاريف في (٧) هذين القسمين ما للماضي من العمل ، فالمضارع نحو (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) [مريم : ٢٠] ، والأمر نحو (كُونُوا حِجارَةً) [الإسراء : ٥٠] ، والمصدر ، كقوله :
٣٦ ـ ... |
|
وكونك إيّاه عليك يسير (٩) |
__________________
(١) في الأصل : وفي. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٠.
(٢) في الأصل : لا يشترط. مكرر.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٨٦.
(٤) انظر : التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٦ ، الهمع : ٢ / ٧٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٢ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٨٣.
(٥) وذلك لأنها صلة لـ «ما» الظرفية ، وكل فعل وقع صلة لـ «ما» التزم مضيه. وبه جزم ابن مالك في شرح الكافية ، وصححه المرادي. وذهب الأقدمون وقليل من المتأخرين إلى أن لها مضارعا وهو «يدوم» ، فهي متصرفة عندهم تصرفا ناقصا ، قال الصبان : بل الصحيح عندي أن لها مصدرا أيضا.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٦ ، الهمع : ٢ / ٧٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٨٦ ، التسهيل : ٥٣ ، شرح المرادي : ١ / ٢٩٧ ، حاشية الصبان مع الأشموني : ١ / ٢٣٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٨٤ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٢.
(٦) في الأصل : فلأنها. انظر التصريح : ١ / ١٨٦.
(٧) في الأصل : في. مكرر
٣٦ ـ من الطويل ، لم أعثر على قائله : وصدره :
ببذل وحلم ساد في قومه الفتى
ساد : أي اتصف بالسيادة والشرف. والضمير في «إياه» يعود إلى الفتى ، وكذا الضمير في
واسم الفاعل ، كقوله :
(١) ـ وما كلّ من يبدي البشاشة كائنا |
|
أخاك ... |
واسم المفعول ، كقول سيبويه في الظرف : «مكون فيه» (٢) ، قاله أبو حيّان (٣).
ثم قال رحمهالله تعالى :
وفي جميعها توسّط الخبر |
|
أجز وكلّ سبقه دام حظر |
كذاك سبق خبر ما النّافيه |
|
فجئ بها متلوّة لا تاليه |
__________________
قوله «في قومه» لأنه وإن كان متأخرا لفظا فهو متقدم رتبة ، ونظيره قوله تعالى : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) والشاهد في قولك «وكونك إياه» حيث أعمل فيه مصدر «كان» كعمل «كان».
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٧ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ١٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٢ ، الهمع (رقم) : ٣٧٠ ، الدرر اللوامع : ١ / ٨٣ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣١ ، شرح المكودي : ١ / ٩١ ، شواهد الجرجاوي : ٤٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٥ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٢١ ، شواهد العدوي : ٤٦ ، البهجة المرضية : ٤٨ ، شرح ابن الناظم : ١٣٢ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٢٨٧ ، شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٥٥ ـ مخطوط) ، أوضح المسالك : ٤٥.
(٨) في الأصل : عسير. انظر التصريح : ١ / ١٨٧.
٣٧ ـ من الطويل ، لم أعثر له على قائل ، وتمامه :
وما كلّ من يبدي البشاشة كائنا |
|
أخاك إذا لم تلفه لك منجدا |
يبدي : يظهر. البشاشة : طلاقة الوجه. ألفى : وجد. منجدا : من أنجده : إذا أعانه. والشاهد في قوله : «كائنا أخاك» ، فإنّ «كائنا» اسم فاعل من «كان» وعمل عمل فعله ، وفيه أيضا : إعمال «ما» النافية عمل «ليس».
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٧ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ١٧ ، المطالع السعيدة : ٢٠١ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٢٠ ، الهمع (رقم) : ٣٧٤ ، الدرر اللوامع : ١ / ٨٤ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣١ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٢ ، شواهد الجرجاوي : ٤٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٨٧ ، شواهد العدوي : ٤٥ ، شرح ابن الناظم : ١٣٢ ، البهجة المرضية : ٤٨ ، أوضح المسالك : ٤٥.
(١) انظر الكتاب : ١ / ٢١ ، ٢٠١. قال ابن هشام في شرح اللمحة (٢ / ٢١) : فأما قول سيبويه رحمهالله : «فهو مكون فيه» فسأل أبو الفتح أبا علي عنه ، فقال : «ما كل داء يعالجه الطبيب». وانظر حاشية الخضري مع ابن عقيل : ١ / ١١٢.
(٢) قال أبو حيان في النكت الحسان (٦٩) : «وكثيرا ما يقول سيبويه عن الأحوال والظروف : «فهي مكون فيها». وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٧.
ومنع سبق خبر ليس اصطفي |
|
... |
اعلم أنّ خبر هذه الأفعال أصله التّأخير عن الاسم ، ويجوز تقديمه.
فأمّا تقديمه على اسمها / فجائز في جميعها ، وإلى ذلك أشار بقوله :
وفي جميعها توسّط الخبر |
|
أجز ... |
ومنه قوله عزوجل : (وَ)(١) كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم : ٤٧].
وأما تقديمه عليها ، فهي في ذلك على ثلاثة أقسام :
ـ قسم يمتنع تقديمه عليه باتّفاق ، وهو «ما دام» وما اقترن منها بـ «ما» النّافية ، وإلى ذلك أشار بقوله :
... |
|
وكلّ سبقه دام حظر |
كذاك سبق (خبر) (٢) ما النافيه |
|
... |
يعني : أنّ كلّ النحويين منعوا أن يسبق الخبر «دام» ، ولذلك صورتان :
الأولى : أن يسبق «ما» المقترنة بـ «دام» نحو «قائما ما دام زيد» ، فهذا ممتنع اتّفاقا ، لأنّ معمول صلة الحرف المصدريّ لا يتقدّم عليه (٣).
الثّانية : أن يسبق «دام» ويتأخّر عن «ما» (نحو «ما) (٤) قائما دام زيد» ، وفي هذا خلاف ، والصواب المنع (٥) ، وظاهر كلام الناظم : أنّ منع هذا مجمع عليه (٦) ، فإنّه أتى بـ «دام» مجرّدة من «ما» فشمل الصّورتين.
__________________
(١) في الأصل : الواو. ساقط. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٠.
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر الألفية : ٣٩.
(٣) انظر الهمع : ٢ / ٨٨ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٨ ، شرح المكودي : ١ / ٩٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٨٨ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٧ ، الإنصاف : ١ / ١٥٥.
(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٠.
(٥) وذلك لأن الموصول الحرفي لا يفصل بينه وبين صلته بمعمولها ، وبه قال الرضي ، وابن هشام الخضراوي. وقال ابن عقيل : والذي يظهر أنّه لا يمتنع تقديم خبر «دام» على «دام» وحدها فتقول : «لا أصحبك ما قائما دام زيد» ، كما تقول : «لا أصحبك ما زيدا كلمت». وصححه الخضري. وقال أبو حيان : والقياس يقتضي الجواز قياسا على ما أجازوه من قولك : «عجبت مما زيد تضرب» إلا إن ثبت أنّ «دام» لا يتصرف فيتجه المنع.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٨ ، الهمع : ٢ / ٨٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٣ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٨٧ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٣ ـ ١١٤.
(٦) قال الناظم في التسهيل : «ولا يتقدّم خبر «دام» اتفاقا». وقال المرادي : «وفيه نظر ، لأنّ المنع
وكذلك أيضا يمتنع أن يسبق الخبر «ما» النافية الداخلة على هذه الأفعال ، فلا يجوز «قائما ما كان زيد» ، ونحوه ، لأنّ «ما» لها صدر الكلام ، وهذا عند البصريين والفرّاء (١) ، وأجازه (٢) بقيّة الكوفيين بناء على أنّها لا تستحقّ التّصدير (٣).
قوله :
فجئ بها (٤) متلوّة لا تاليه
تصريح بما (٥) فهم من وجوب تأخير الخبر عن «ما» المقترنة بالفعل ، وفهم من تخصيص الحكم / بها : أنّه لا يمتنع التقديم إذا كان النّفي بغيرها (٦).
وفهم منه أيضا : أنّه يجوز أن يتوسّط الخبر بين «ما» والفعل نحو «ما قائما كان زيد».
__________________
معلل بعلتين : إحداهما ـ عدم تصرفها ، وهذا بعد تسليمه لا ينهض مانعا باتفاق ، بدليل اختلافهم في «ليس» ، مع الإجماع على عدم تصرفها. والأخرى : أنّ «ما» موصول حرفي ، ولا يفصل بينه وبين صلته ، وهذا أيضا مختلف فيه ، وقد أجاز كثير من النحويين الفصل بين الموصول الحرفي وبين صلته إذا كان غير عامل كـ «ما» المصدرية. انتهى.
انظر التسهيل : ٥٤ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٧ ، شرح المكودي : ١ / ٩٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٨ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٣.
(١) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٩ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٧ ، الهمع : ٢ / ٨٨ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٤ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٣ ،
(٢) في الأصل : وأجاز. انظر التصريح : ١ / ١٨٩.
(٣) قياسا على سائر أخواتها. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٨ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٠ ، الهمع : ٢ / ٨٨ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٣ ، شرح ابن عقيل مع الخضري : ١ / ١١٤ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٧.
(٤) بها. كذا في الألفية وأكثر نسخ شروحها ، ولعل الصواب هنا أن تكون روايتها «بما» ، حتى يستقيم نص الكلام مع ما ذكر بعد من قول المؤلف : «وفي بعض النسخ «بها» وهي عائدة على «ما». وقد روي النظم برواية «بما» في شرح الألفية للهواري (٤٦ / بـ ـ ٤٧ / أ).
(٥) في الأصل : بها. انظر شرح المكودي : ١ / ٩١.
(٦) نحو «قائما لم يكن زيد» ، و «مقيما لن يزال عمرو» ، ونص الرضي على أنّ «إن» النافية مثل «ما» في المنع. وأما «لا» فالذي تقتضيه عبارة ابن مالك أنّها لا صدارة لها ، وهو الذي درج عليه في التسهيل والكافية ، وقيل : لها الصدارة ، وهو الذي مرّ عليه في قوله (في باب ظن وأخواتها) :
... |
|
والتزم التّعليق قبل نفي ما |
وإن ولا ... |
|
... |
فسواها بـ «ما» ، و «إن» في التعليق ، قالوا : وهذا القول الثاني هو الذي يقتضيه القياس.
وفهم من إطلاقه : أنّ ذلك في جميع الأفعال سواء كان النّفي غير مشروط (١) في العمل أم مشروطا (٢) ، نحو «ما كان زيد قائما ، وما زال عمرو مقيما». وفي هذا الأخير (٣) خلاف :
فذهب الفرّاء إلى عموم المنع (٤) ، وهو المشهور.
وخصّ ابن كيسان (٥) من الكوفيين المنع بغير «زال» وأخواتها ، لأنّ نفيها إيجاب (٦).
و «متلوّة» حال من «ما» (٧) ، وفي بعض النّسخ «بها» ، وهي عائدة على «ما» و «متلوّة» حال منها.
__________________
انظر شرح الرضي : ٢ / ٢٩٧ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ٩١ ، التسهيل : ٥٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٨ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٣ ، الألفية : ٥٣.
(١) في الأصل : المشروط.
(٢) في الأصل : مشروط.
(٣) وهو قوله : «ما زال عمرو مقيما». أي : في تقديم خبر هذه الأفعال التي النفي فيها شرط في عملها ـ وهي «زال» وأخواتها ـ على النافي خلاف.
(٤) فمنع تقدم الخبر على «زال» وأخواتها سواء نفيت بـ «ما» أو بغيرها. وذهب سائر الكوفيين إلى الجواز مطلقا ، لأنّ «ما» عندهم ليس لها الصدر كغيرها. وذهب البصريون ـ قال السيوطي : وهو الأصح ـ إلى المنع إن نفيت بـ «ما» ، لأن لها الصدر ، والجواز إن نفيت بغيرها ، كـ «لا ، ولم ، ولن ، ولمّا ، وإن» ، والحق درود «لم ولن» بـ «ما» ، فمنع التقديم إن نفي بهما.
انظر الهمع : ٢ / ٨٩ ، التسهيل : ٥٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٨٧ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠١ ، المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل : ١ / ٢٦١ ـ ٢٦٢.
(٥) هو محمد بن أحمد بن إبراهيم (وقيل : محمد بن إبراهيم) بن كيسان ، أبو الحسن ، المعروف بابن كيسان ، عالم بالعربيّة نحوا ولغة ، من أهل بغداد ، أخذ عن المبرد وثعلب وتوفي سنة ٢٩٩ ه ، من مؤلفاته : المهذب في النحو ، المختار في علل النحو ، معاني القرآن ، غريب الحديث ، وغيرها.
انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٨ ، نزهة الألباء : ٣٠١ ، شذرات الذهب : ٢ / ٢٣٢ ، معجم المطبوعات : ٢٢٩ ، طبقات النحويين واللغويين : ١٧٠ ، الأعلام : ٥ / ٣٠٨ ، معجم المؤلفين : ٨ / ٢١٣ ، ٣١١.
(٦) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٩ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٨ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٠ ، التسهيل : ٥٤ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٤ ، الإنصاف : ١ / ١٥٥ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٤ ، شرح اللمع لابن برهان : ١ / ٥٤ ، التوطئة للشلوبين : ٢٢٨. قال أبو حيان في نكته (٧١) : «وأما «زال» وأخواتها فمنهم من أجاز تقديم خبرها عليها مطلقا ، ومنهم من منع مطلقا ، ومنهم من فصل ، فإن نفيت بـ «ما» منع ، أو بغير «ما» جاز ، وهو الصحيح.
(٧) في الأصل : «وما». انظر شرح المكودي : ١ / ٩١.
ـ القسم الثّاني : ما في تقديمه خلاف ، وهو «ليس» ، وإلى ذلك أشار بقوله :
ومنع سبق خبر ليس اصطفي
يعني : أنّ في تقديم خبر «ليس» عليها خلافا ، والمختار عند جمهور البصريين (١) والنّاظم : المنع (٢) ، قاسوه على «عسى» ، وخبر «عسى» لا يتقدّم عليها اتّفاقا ، والجامع بينهما الجمود.
ـ القسم الثّالث : ما يجوز تقديم الخبر عليه من غير خلاف ، وهو ما بقي.
وفهم هذا القسم من سكوته عنه ، فإنّه لمّا ذكر ما يمتنع تقديمه ، وما في تقديمه خلاف علم أنّ (ما) (٣) بقي يجوز تقديمه.
ثم قال رحمهالله تعالى :
... / |
|
وذو تمام ما برفع يكتفي |
وما سواه ناقص والنّقص في |
|
فتئ ليس زال دائما قفي |
يعني : أنّ ما اكتفى من هذه الأفعال بالمرفوع عن (٤) المنصوب يسمّى
__________________
(١) من متأخريهم. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٨.
(٢) وإليه ذهب المبرد ، والسيرافي ، والزجاج ، وابن السراج ، والجرجاني وجمهور الكوفيين ، وذلك لضعفها بعدم تصرفها ، وشبهها بـ «ما» النافية. وذهب قدماء البصريين (ونسبه ابن جني للجمهور) ، والفراء ، وابن برهان ، والفارسي ، والزمخشري والشلوبين وابن عصفور من المتأخرين إلى جواز التقديم واحتجوا بنحو قوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ.) وذلك أنّ (يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) معمول لـ «مصروفا» ، وقد تقدم على «ليس» ، واسمها ضمير مستتر فيها يعود على «العذاب» و «مصروفا» خبرها ، وتقديم المعمول لا يصح إلّا حيث يصح تقديم عامله ، فلو لا أنّ الخبر ـ وهو «مصروفا» ـ يجوز تقديمه على «ليس» ، لما جاز تقديم معموله عليها.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، الإنصاف (مسألة : ١٨) : ١ / ١٦٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٩٧ ، التسهيل : ٥٤ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٤ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٨٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٤ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠١ ـ ٣٠٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٨٧ ، شرح الرضي : ١ / ٢٩٧ ، الهمع : ٢ / ٨٨ ـ ٨٩ ، الإيضاح بشرح الجرجاني (المقتصد) : ١ / ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، شرح اللمع لابن برهان : ١ / ٥٨ ، التوطئة للشلوبين : ٢٢٨.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٩١.
(٤) في الأصل : من. انظر شرح المكودي : ١ / ٩١.
تامّا ، وما لم يكتف (١) بالمرفوع يسمّى ناقصا ، هذا هو الصّحيح عند النّاظم (٢) ، وإليه أشار بقوله :
... |
|
وذو تمام ما برفع يكتفي |
وما سواه ناقص ... |
|
... |
وهو مخالف لمذهب سيبويه وأكثر البصريين من أنّ معنى تمامها دلالتها على الحدث والزّمان (٣).
وكذا الخلاف في تسمية ما ينصب الخبر : ناقصا ، لم سمّي (٤) ناقصا؟.
فعلى الأوّل : لكونه لم يكتف بالمرفوع.
وعلى قول الأكثرين : لكونه سلب الدّلالة على الحدث ، وتجرّد للدّلالة على الزّمان (٥).
واستدلّ ابن مالك على بطلان مذهب الأكثرين بعشرة أوجه مذكورة في شرحه (على) (٦) التّسهيل (٧).
__________________
(١) في الأصل : يكتفي. انظر شرح المكودي : ١ / ٩١.
(٢) وإليه ذهب أبو حيان. انظر شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٠٨ ، شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٥٥ ـ أ ـ مخطوط) ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٠.
(٣) وهو مذهب المبرد وابن السراج والفارسي وابن جني والجرجاني وابن برهان.
انظر الكتاب : ١ / ٢١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٥ ، شرح اللمع لابن برهان : ١ / ٤٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٠ ، شرح ابن الناظم : ١٣٧ ، حاشية الصبان : ١ / ٢٣٥ ، شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٥٥ ـ مخطوط).
(٤) في الأصل : يسمى. انظر التصريح : ١ / ١٩٠.
(٥) قال ابن الناظم (١٣٧) : «وهو باطل». وقال الرضي (٢ / ٢٩٠) : «ليس بشيء».
(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٩٠.
(٧) الأول : أنّ مدعي ذلك معترف بفعلية هذه العوامل والفعلية تستلزم الدلالة على الحدث والزمان معا ، إذ الدال على الحدث مصدر ، والدال على الزمان وحده اسم زمان ، والعوامل المذكورة ليست بمصادر ولا أسماء زمان ، فبطل كونها دالة على أحد المعنيين دون الآخر.
الثاني : أنّ مدعي ذلك معترف بأنّ الأصل في كل فعل الدلالة على المعنيين ، فكون العوامل المذكورة تدل على أحدهما ـ إخراج لها عن الأصل فلا يقبل إلا بدليل. الثالث : أنّ العوامل المذكورة لو كانت دلالتها مخصوصة بالزمان لجاز أن تنعقد جملة تامة من بعضها ومن اسم معنى ، كما تنعقد منه ومن اسم زمان ، وفي عدم جواز ذلك دليل على بطلان دعواه. الرابع : أنّ الأفعال كلها إذا كانت على صيغة مختصة بزمان معين فلا يمتاز بعضها من بعض إلا بالحدث ، كقولنا : «أهان وأكرم» فإنهما متساويان بالنسبة إلى الزمان مفترقان بالنسبة إلى
وإذا استعملت تامّة كانت بمعنى فعل لازم ، فـ «كان» بمعنى : حصل ، نحو (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) [البقرة : ٢٨٠] أي : حصل ، و «أمسى» بمعنى : دخل في المساء ، و «أصبح» بمعنى : دخل (١) في الصّباح ، نحو (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ ، وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم : ١٧] أي : حين تدخلون في المساء ، وحين تدخلون (٢) في الصّباح ، و «دام» بمعنى : بقي ، نحو (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ
__________________
الحدث ، فإذا فرض زوال ما به الافتراق وبقاء ما به التساوي لزم ألّا يكون بين الأفعال المذكورة فرق ما دامت على صيغة واحدة ، ولو كان الأمر كذلك لم يكن فرق بين «كان زيد غنيا» ، و «صار غنيا» ، والفرق حاصل فبطل ما يوجب خلافه. الخامس : أنّ من جملة العوامل المذكورة : «ما انفك» ، ولا بد معها من ناف ، فلو كانت لا تدل على الحدث الذي هو الانفكاك بل على زمن الخبر ـ لزم أن يكون معنى «ما انفك زيد غنيا» : ما زيد غنيا في وقت من الأوقات الماضية ، وفي ذلك نقيض المراد فوجب بطلان ما أفضى إليه. السادس : أنّ من جملة العوامل المذكورة «دام» ومن شرط إعمالها عمل «كان» كونها صلة لـ «ما» المصدرية ، ومن لوازم ذلك صحة تقدير المصدر في موضعها ، كقولك : «جد ما دامت واجدا» أي : جد مدة دوامك واجدا ، فلو كانت «دام» مجردة عن الحدث لم يقم مقامها اسم الحدث. السابع : أنّ هذه الأفعال لو لم يكن لها مصادر لم تدخل عليها «أن» ، كقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) ، لأن «أن» هذه وما وصلت به في تأويل المصدر ، وقد جاء مصدرها صريحا في قول الشاعر :
ببذل وحلم ساد في قومه الفتى |
|
وكونك إيّاه عليك يسير |
وقد حكى أبو زيد مصدر «فتئ» مستعملا ، وحكى غيره «ظللت أفعل كذا ظلولا» ، وجاؤوا بمصدر «كاد» في قولهم : «ذلك ولا كيدا» أي : ولا أكاد كيدا ، وكاد فعل ناقص من باب «كان» إلا أنّها أضعف من «كان» ، إذ لا يستعمل لها اسم فاعل ، واسم فاعل «كان» مستعمل ، ولا يستعمل منها أمر ، والأمر من «كان» مستعمل ، وإذا لم يمتنع استعمال مصدر «كاد» وهي أضعف من «كان» فلئن لا يمتنع استعمال مصدر «كان» أحق وأولى. الثامن : أنّ هذه الأفعال لو كانت لمجرد الزمان لم يغن عنها اسم الفاعل ، كما جاء في الحديث : «إنّ هذا القرآن كائن لكم أجرا ، وكائن عليكم وزرا» ، لأنّ اسم الفاعل لا دلالة فيه على الزمان ، بل هو دال على الحدث ، وما هو به قائم ، أو ما هو عنه صادر. التاسع : أنّ دلالة الفعل على الحدث أقوى من دلالته على الزمان ، لأنّ دلالته على الحدث لا تتغير بقرائن ، ودلالته على الزمان تتغير بالقرائن ، فدلالته على الحدث أولى بالبقاء من دلالته على الزمان. العاشر : أنّ هذه الأفعال لو كانت مجردة عن الحدث مخلصة للزمان ، لم يبن منها أمر ، كقوله تعالى : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) ، لأنّ الأمر لا يبنى مما لا دلالة فيه على الحدث. فإذا قد ثبت بالدلائل المذكورة أنّ هذه الأفعال ـ غير ليس ـ دالة على الحدث والزمان كغيرها من الأفعال فليعلم أنّ سبب تسميتها نواقص إنّما هو لعدم اكتفائها بمرفوع.
انظر ذلك في شرح التسهيل لابن مالك : الجزء الأول (ورقة : ٥٥).
(١ ـ ٢) في الأصل : تدخلون. انظر التصريح : ١ / ١٩٠.
السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [هود : ١٠٧] أي : ما بقيت ، و «بات» بمعنى : عرّس ، وهو النّزول ليلا ، نحو قول عمر رضياللهعنه : «أمّا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقد / بات بمنى (١)» (٢) ، أي : عرّس بها ، و «ظلّ» بمعنى : استمرّ (٣) ، نحو «ظلّ اليوم» ـ بالرّفع ـ أي : استمرّ ظلّه ، و «أضحى» بمعنى : دخل في الضحي ، نحو «أضحينا» أيّ : دخلنا في الضحى ، و «صار» بمعنى : انتقل ، نحو «صار الأمر إليك» أي : انتقل ، و «برح» بمعنى : ذهب ، نحو (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ) [الكهف : ٦٠] أي : لا أذهب ، و «انفكّ» بمعنى : انفصل نحو «فككت الخاتم فانفكّ» أي : انفصل.
وتكون هذه الأفعال التّامة لمعان أخر غير ما ذكر (٤).
وجميع أفعال هذا الباب استعملت تامة وناقصة ، إلا ثلاثة أفعال ، فإنّها ألزمت النّقص ، ولم تستعمل تامّة ، وهي «فتئ ، وزال ، وليس» ، وإلى ذلك أشار بقوله :
... والنّقص في |
|
فتئ ليس زال دائما (٥) قفي |
__________________
(١) في الأصل : بمعنى. انظر التصريح : ١ / ١٩١.
(٢) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩١ ، وفي سنن أبي داود حديث رقم : (١٩٥٨) عن ابن عمر رضياللهعنه أنّه قال : «أما رسول الله صلىاللهعليهوسلم فبات بمنى وظلّ». وقالوا : «بات القوم» أي : نزل بهم ليلا. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٧ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٦ ، البهجة المرضية : ٤٩.
(٣) هذا رأي ابن مالك وغيره ، وذهب المهابذي وأبو محمد بن عبد العزيز بن زيدان وابن الحكم ابن رختاط إلى أنّها لا تكون إلا ناقصة بمعنى : طال ، وبمعنى : أقام نهارا. انظر شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٠٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٧٧ ، النكت الحسان : ٧٠ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٥.
(٤) فتأتي «صار» بمعنى : رجع ، نحو (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ،) وبمعنى : ضم وقطع ، نحو (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ،) ونحو «صار فلان الشيء يصير ويصوره» أي : ضمه وقطعه. وتأتي ـ «انفك» بمعنى : خلص ، نحو «انفك الأسير». وتأتي «برح» بمعنى : ظهر ، نحو «برح الخفاء». وتأتي «كان» بمعنى : حضر ، يحكى من كلامهم «أكان لبن»؟ بمعنى : حضر شيء من هذا الجنس ، وحكي أنّها تكون بمعنى : غزل ، وأنّه يقال : كان زيد الصوف ، بمعنى : غزل زيد الصوف. وتأتي «أصبح» بمعنى صار ، كقوله :
أصبحت لا أحمل السّلاح ولا |
|
أملك رأس البعير إن نفرا |
انظر الهمع : ٢ / ٨٣ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤١٣ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٨١٧ ، حاشية الصبان مع الأشموني : ١ / ٢٣٦ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٥.
(٥) في الأصل : ديما. انظر الألفية : ٤٠.
وذهب أبو حيّان في (١) نكته : إلى أنّ «فتئ» تكون تامة بمعنى : سكن (٢) ، وأبو عليّ : إلى أنّ «زال» تكون تامّة نحو «(ما) (٣) زال زيد عن مكانه» أي :
(لم) (٤) ينتقل عنه (٥) ، والكوفيون : إلى أنّ (ليس) (٦) تكون عاطفة ، لا اسم (لها) (٧) ولا خبر (٨) ، نحو :
٣٨ ـ ... |
|
إنّما يجزي الفتى ليس الجمل |
__________________
(١) في الأصل : وفي. انظر التصريح : ١ / ١٩١.
(٢) قال أبو حيان في النكت الحسان (٧٠) : «وذكر بعض أصحابنا أنّ «فتئ» لا تكون أيضا إلا ناقصة ، وليست بشيء ، إذ حكى بعض النحويين واللغويين : فتئ ، بمعنى : سكن وبمعنى : أطفأ». وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩١ ، الهمع : ٢ / ٨٣.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٩١.
(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٩١.
(٥) قال أبو علي في المسائل الحلبيات (٢٧٣) : «فأصل «زال» البراح الذي ذكره (أي : سيبويه) ، ولا يمنع عندي أن يجوز الاقتصار على الفاعل فيه كما يجوز في «كان» إذا أريد به «وقع». انتهى.
وانظر الهمع : ٢ / ٨٢ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩١ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٤ ، النكت الحسان : ٧٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤١٠.
(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٩١.
(٧) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ١٩١.
(٨) وممن نقل ذلك عن الكوفيين ابن بابشاذ والنحاس وابن مالك ، وحكاه ابن عصفور عن البغداديين. ولم يثبت كونها عاطفة عند البصريين.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩١ ، الجنى الداني : ٤٩٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٢٥ ، مغني اللبيب : ٣٩٠ ، الخزانة : ١١ / ١٩١ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ١٧٧ ـ ١٧٨ ، الهمع : ٥ / ٢٦٣.
٣٨ ـ من الرمل ، للبيد بن ربيعة العامري من قصيدة طويلة له في ديوانه (١٩٧) ، وصدره :
وإذا أقرضت قرضا فاجزه
ويروى : «وإذا قورضت» بدل «وإذا أقرضت» وكلاهما بمعنى واحد ، ويروى : «وإذا جوزيت» ، ويروى : «إذا أوليت» ، ويروى : «غير الجمل» بدل «ليس الجمل» ، وعليها فلا شاهد فيه. القرض : ما تعطيه من المال لتقضاه ، وهو هنا : ما أسلف من إحسان وإساءة. والشاهد فيه قوله : «ليس الجمل» حيث ذهب الكوفيون إلى أنّ «ليس» فيه عاطفة ، وهي محمولة في ذلك على «لا». وأجيب عن ذلك بأمرين : الأول : أنّ «الجمل» اسمها ، والخبر محذوف ، أي : ليس الجمل جازيا ، أو ليس الجمل يجزي ، والعرب قد تحذف خبر «ليس» في الشعر. الثاني : أن يكون الجمل خبر «ليس» ، وسكن للقافية ، واسمها ضمير اسم الفاعل المفهوم من «يجزي» ، أي : ليس الجازي الجمل. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩١ ،
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
ولا يلي العامل معمول الخبر |
|
إلّا إذا ظرفا أتى أو حرف جرّ |
مراده بالعامل هنا «كان» وأخواتها ، يعني : أنّ معمول الخبر لا يلي «كان» وأخواتها عند جمهور البصريين ، فلا تقول / : «كان طعامك زيد آكلا» ، فإن كان المعمول ظرفا أو مجرورا جاز أن يليها عندهم ، نحو «كان عندك زيد مقيما» ، و «كان في الدّار عمرو جالسا».
والكوفيّون يجيزون مطلقا (١).
وفصّل ابن السّراج ، والفارسيّ ، وابن عصفور فأجازوه إن تقدّم الخبر معه ، نحو «كان طعامك آكلا زيد» ، لأنّ المعمول من كمال الخبر ، وكالجزء (٢) منه ، ومنعوه إن تقدّم وحده ، نحو «كان طعامك زيد آكلا» ، إذ لا يفصل بين الفعل ومرفوعه بأجنبيّ (٣).
واحتجّ الكوفيّون بنحو قول الفرزدق :
٣٩ ـ ... |
|
بما كان إيّاهم عطيّة عوّدا |
__________________
٢ / ١٣٥ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ١٧٦ ، الخزانة : ٩ / ٢٩٦ ، ١١ / ١٩٠ ، مجالس ثعلب : ٢ / ٤٤٧ ، الكتاب : ١ / ٣٧٠ ، المقتضب : ٤ / ٤١٠ ، شواهد الأعلم : ١ / ٣٧٠ ، الأصول : ١ / ٢٨٦ ، ٣٠١ ، شرح الفريد : ٤٧٦ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٠٠ ، ٣٧٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٢٥ ، مجمع الأمثال للميداني : ١ / ٣٩ ، النكت الحسان : ٦٩ ، أوضح المسالك : ١٨٦.
(١) لأن معمول معمولها في معنى معمولها.
انظر في ذلك التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٩ ، الهمع : ٢ / ٩٢ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٠٢ ، ٤٠٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٤ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٥.
(٢) في الأصل : والجزء. انظر التصريح : ١ / ١٨٩.
(٣) انظر الأصول لابن السراج : ١ / ٨٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٩٢ ، ٣٩٣ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٩٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٨٩ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٧ ، الهمع : ٢ / ٩٢ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٥. وكلام الفارسي في الإيضاح (١ / ١٠٧) موافق لمذهب البصريين ، ولم يذكر في هذه المسألة التفصيل المذكور. وانظر المقتصد للجرجاني : ١ / ٤٢٥.
٣٩ ـ من الطويل للفرزدق من قصيدة له في ديوانه (٢١٤) يهجو بها جريرا وقومه ، وصدره :
قنافذ هدّاجون حول بيوتهم
القنافذ : جمع «قنفذ» وهو حيوان معروف ينام نهارا ويصحو ليلا ليبحث عما يقتاته ،
وجه الحجّة منه : أنّ «إيّاهم» معمول «عوّد» ، و «عوّد» خبر «كان» ، فقد ولي «كان» معمول خبرها ، وليس ظرفا ولا جارّا.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
ومضمر الشّان اسما انو إن وقع |
|
موهم ما استبان أنّه امتنع |
هذا يشير إلى الجواب عمّا احتجّ به الكوفيّون من تقديم معمول الخبر مطلقا ، ونحوه ـ ممّا إذا ورد في كلام العرب ما يوهم تقديم معمول خبر «كان» على اسمها ، وهو غير ظرف أو مجرور (١) ـ ، وهو أن يؤوّل على أن ينوى في «كان» ضمير الشّأن ، وهو اسمها ، والجملة بعدها في موضع خبرها ، ففي «كان» من قول الفرزدق المتقدّم :
... |
|
بما كان إيّاهم عطيّة عوّدا |
ضمير الشّأن ، وهو اسمها ، و «عطيّة» / مبتدأ ، و «عوّد» في موضع خبره ، و «إيّاهم» مفعول بـ «عوّد» مقدّما (٢) على المبتدأ ، وجملة المبتدأ والخبر في موضع نصب خبر «كان» ، وعلى هذا الجواب اقتصر النّاظم (٣).
وقد يجاب : بأنّ «كان» زائدة ، أو التّقديم للضّرورة.
__________________
ويضرب به المثل في سرى الليل يقال : «أسرى من قنفذ». هدّاجون : من الهدجان وهو مشية الشيخ الضعيف. ويروى : «دراجون» من درج الصبي والشيخ. وعطية : أبو جرير. والشاهد في قوله : «كان إياهم عطية عودا» حيث ولي «كان» معمول خبرها ، وهو ليس بظرف ولا جار ومجرور على رأي الكوفيين ، لأنهم يجيزون «كان طعامك زيد آكلا» حيث أن معمول المعمول عندهم معمول للعامل ، فليس بأجنبي منه حتى يلزم عليه الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٠ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٢٤ ، الخزانة : ٩ / ٢٦٨ ، مغني اللبيب (رقم) : ١٠٣٠ ، المقتضب : ٤ / ١٠١ ، أبيات المغني : ٥ / ١٧٠ ، الهمع (رقم) : ٣٩١ ، الدرر اللوامع : ١ / ٨٧ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٣٧ ، شواهد الجرجاوي : ٤٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٥ ، شواهد العدوي : ٤٨ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٩٢ ، البهجة المرضية : ٥٠ ، التبصرة والتذكرة : ١٩٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٠٣ ، أوضح المسالك : ٤٦ ، إصلاح الخلل : ١٥٢ ، الجامع الصغير : ٥٤.
(١) في الأصل : ومجرور. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٢.
(٢) في الأصل : مقدم. انظر المكودي بحاشية الملوي : ٣٩.
(٣) وقال في شرح الكافية (١ / ٤٠٣) بعد أن أورد البيت المتقدم : «ووجه البصريون هذا وأمثاله على أن يجعل اسم «كان» ضمير الشأن. ويجوز جعل «كان» في هذا البيت زائدة.
ويجوز أيضا جعل «ما» بمعنى «الذي» واسم «كان» ضميرها ، و «عطية» مبتدأ ، خبره «عودا» والتقدير : بالذي كان إياهم عطية عودا ، فحذف الهاء ونواها.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وقد تزاد كان في حشو كما |
|
كان أصحّ علم من تقدّما |
فهم من قوله : «قد تزاد» قلّة زيادتها بالنسبة إلى عدم الزّيادة.
وفهم من قوله : «كان» أنّها إنّما تزاد بلفظ الماضي ، وأنّه لا يزاد غيرها من أخواتها.
وفهم من قوله : «في حشو» أنّها لا تزاد أوّلا ولا آخرا.
ثمّ مثّل لزيادتها بقوله :
... كما |
|
كان أصحّ علم من تقدّما |
ف «ما» تعجّبيّة ، وهي تامّة في موضع رفع بالابتداء ، و «كان» زائدة ، و «أصحّ» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر عائد على «ما» ، و «علم» مفعول بـ «أصحّ» ، والجملة في موضع رفع خبر «ما» فـ «كان» على هذا زائدة بين «ما» و «أصحّ» (١).
ثمّ قال :
ويحذفونها ويبقون الخبر |
|
وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر |
وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب |
|
كمثل أمّا أنت برّا فاقترب |
يعني : أنّ العرب يحذفون («كان») (٢) ، وفهم من قوله : «ويبقون الخبر» أنّها تحذف مع اسمها ، ويطّرد حذفها في ثلاثة مواضع :
الأوّل : بعد «إن» الشّرطيّة.
الثاني : بعد «لو».
والثّالث : بعد «أن» / المصدريّة.
وقد أشار إلى الأوّل والثّاني بقوله :
وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر
فمثال حذفها بعد «إن» قولهم : «المرء مقتول بما قتل به ، إن سيفا فسيف ، وإن خنجرا (٣) فخنجر» (٤) أي : إن كان المقتول به سيفا ، وإن كان المقتول به خنجرا.
__________________
(١) انظر شرح المكودي : ١ / ٩٣ ، شرح الهواري : (٤٨ / أ) ، إعراب الألفية : ٣١.
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٣.
(٣) في الأصل : خنجر. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٣.
(٤) انظر هذا القول في الكتاب : ١ / ١٣٠ ، الهمع : ٢ / ١٠٣ ، شرح المكودي : ١ / ٩٣ ، شرح ابن الناظم : ١٤٢ ، المفصل : ٧٢ ، وفي الكتاب : «إنّ خنجرا فخنجر وإن سيفا فسيف» على التقديم والتأخير.
ومنه قولهم : «النّاس مجزيّون بأعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ» (١) أي : إن كان عملهم خيرا فجزاؤهم خير ، وإن كان عملهم شرّا فجزاؤهم شرّ.
ويجوز : «إن خير فخيرا» ، برفع الأوّل على أنّه اسم لـ «كان» المحذوفة مع خبرها ، ونصب الثّاني على أنّه مفعول ثان لفعل محذوف ، أي : إن كان في عملهم خير فيجزون خيرا.
ويجوز نصبهما معا بتقدير : إن كان عملهم خيرا فيجزون خيرا ، ورفعهما معا بتقدير : إن كان في عملهم خير فجزاؤهم خير.
والوجه الأوّل أرجحها ، والثّاني أضعفها ، والأخيران متوسّطان (٢)(٣).
ومثال حذفها بعد «لو» قوله صلىاللهعليهوسلم : «احفظوا عنّي ولو آية» (٤) أي : ولو كان المحفوظ آية.
__________________
(١) وذكر ابن مالك هذا القول في شرح الكافية وشواهد التوضيح بلفظ «المرء مجزيّ بعمله إن خيرا ...» وعدّه حديثا ، ولم أجده فيما اطلعت عليه من كتب الحديث المعتمدة. وقال الصبان : قال شيخنا السيد : «المرء مجزيّ بعمله» ليس حديثا وإن صح معناه ـ قاله القليوبي ، ولذلك حكاه الحافظ في الهمع بلفظ «قيل» وكذا غيره ، وهذا يفيد أنّه لم يرد مطلقا ، ويؤيده تعبير صاحب التوضيح بقوله : «وقولهم : الناس مجزيون ... الخ وكذا في همع السيوطي». انتهى. وروي في المسائل العضديات : «المرء مجزيّ بفعله إن ... الخ».
انظر الكتاب : ١ / ١٣٠ ، الهمع : ٢ / ١٠٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٣ ، الأشموني مع الصبان : ١ / ٢٤٢ ، شرح الهواري : (٤٨ / أ) ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤١٨ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٧ ، شواهد التوضيح لابن مالك : ٧١ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ٣٨٠ ، الخزانة : ٤ / ١٠ ، البهجة المرضية : ٥٠ ، شرح ابن الناظم : ١٤٢ ، المسائل العضديات : ١٨١ ، المفصل : ٧٢.
(٢) في الأصل : متوسطا. انظر التصريح : ١ / ١٩٣.
(٣) أما الأول : فلأن فيه إضمار «كان» واسمها بعد «إن» وإضمار المبتدأ بعد فاء الجزاء ، وكلاهما كثير مطرد. وأما الثاني : فلأن فيه حذف «كان» وخبرها بعد «إن» ، وحذف فعل ناصب بعد الفاء ، وكلاهما قليل غير مطرد. وأما الأخيران : فلأن في كل منهما الأقوى والأضعف ، ففي نصبهما قوة نصب الأول ، وضعف نصب الثاني ، وفي رفعهما قوة رفع الثاني وضعف رفع الأول ، فتساويا قاله ابن الضائع.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٣ ، الهمع : ٢ / ١٠٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٧ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤١٩ ، شرح الهواري (٤٨ / أ).
(٤) الحديث برواية : «بلّغوا عنّي ولو آية» في صحيح البخاري : ٤ / ٢٠٧ (كتاب الأنبياء / باب ما ذكر عن بني إسرائيل) ، مسند أحمد : ٢ / ١٥٩ ، سنن الترمذي حديث رقم : ٢٦٦٩ ، الدر المنثور : ٣ / ٧ ، كنز العمال رقم : ٢٩١٧٥ ، فتح الباري : ٦ / ٤٩٦. وهو برواية المؤلف في شرح المكودي : ١ / ٩٣.
وفهم من قوله : «اشتهر» أنّ حذفها مع اسمها في غير ما ذكر قليل ، ومنه ما أنشده (١) سيبويه من قول الرّبيع :
٤٠ ـ من لد شولا فإلى إتلائها
أي : من لدن أن كانت شولا.
ثمّ أشار إلى الثّالث بقوله / :
وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب
يعني : أنّ «كان» تحذف (بعد) (٣) «أن» المصدريّة ، ويعوّض عنها «ما».
وفهم من قوله : «تعويض ما عنها» أنّها لا يحذف اسمها معها.
ثمّ مثّل ذلك بقوله : «أمّا أنت برّا فاقترب» ، والتّقدير : اقترب لأن كنت برّأ ، فحذفت «كان» وعوّض عنها «ما» فانفصل الضّمير الذي كان متّصلا بها ، وحذفت لام الجرّ ، لأنّ حذفها مع «أن» مطّرد ، فـ «أنت» في قوله : «أمّا (٤) أنت» اسم «كان» المحذوفة ، و «برّا» خبرها (٥).
__________________
(١) في الأصل : ما أنشد. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٣.
٤٠ ـ من الرجز ، انفرد المؤلف من المصادر التي رجعت إليها بنسبته للربيع ، ولم أعرف أي ربيع يقصد ، وفي الخزانة : «وهو من الشواهد الخمسين التي لا يعرف قائلها ولا تتمتها. والله أعلم». وهذا تقوله العرب فيما بينهم مثل المثل. لد : لغة في «لدن». الشول : جمع شائلة على غير قياس ، والقياس : شوائل ، وهي الناقة التي جف لبنها وارتفع ضرعها وأتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية. إتلائها : مصدر أتلت الناقة إذا تبعها ولدها. والشاهد في قوله : «من لد شولا» حيث حذف «كان» مع اسمها بعد «لد» ، وهو قليل ، لأن «كان» تحذف كثيرا بعد «أن ولو» وحذفها بعد غيرهما قليل.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٤ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٥١ ، الكتاب : ١ / ١٣٤ ، شواهد ابن النحاس : ١٢٤ ، شواهد الأعلم : ١ / ٣٤ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٢٢٢ ، شرح ابن يعيش : ٤ / ١٠١ ، ٨ / ٣٥ ، الخزانة : ٤ / ٢٤ ، مغني اللبيب (رقم) : ٧٨١ ، الهمع (رقم) : ٤١١ ، الدرر اللوامع : ١ / ٩١ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٤٣ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٧ ، شواهد العدوي : ٥٤ ، شرح ابن الناظم : ١٤٢ ، شواهد الجرجاوي : ٥٤ ، شرح المرادي : ١ / ٣٠٩ ، شواهد المغني : ٢ / ٨٣٦ ، سر الصناعة : ٢ / ٥٤٦ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ٩٣ ، الجامع الصغير : ٥٦ ، شواهد التوضيح لابن مالك : ١٣٠ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٩٩ ، ٢٦٦.
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٣.
(٣) في الأصل : ما. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٤.
(٤) انظر شرح المكودي : ١ / ٩٣ ، شرح الهواري : (٤٨ / ب) ، إعراب الألفية : ٣١.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
ومن مضارع لكان منجزم |
|
تحذف نون وهو حذف ما التزم |
إذا دخل الجازم على مضارع (١) «كان» ـ وهو «يكون» ـ سكنت نونه ، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين ، فتقول : «لم يكن».
ويجوز بعد ذلك أن تحذف نونه تخفيفا وصلا (٢) لا وقفا ، نصّ على ذلك ابن خروف (٣) وذلك بشرط كونه مجزوما بالسكون غير متّصل بضمير نصب ولا بساكن ، نحو (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)(٤) [مريم : ٢٠].
بخلاف (مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) [الأنعام : ١٣٥] ، (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) [يونس : ٧٨] لانتفاء الجزم فيهما ، لأنّ الأوّل مرفوع ، والثّاني منصوب.
وبخلاف (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) [يوسف : ٩] ، لأنّ جزمه بحذف النّون.
وبخلاف نحو «إن يكنه فلن تسلّط (٥) عليه» (٦) ، لاتّصاله بالضّمير المنصوب.
__________________
(١) في الأصل : المضارع. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٤.
(٢) في الأصل : تحقيقا أوصلا. انظر التصريح : ١ / ١٩٦.
(٣) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٦ ، إرشاد الطالب النبيل : (١١٧ / ب). وابن خروف هو علي بن محمد بن علي بن محمد الحضرمي الرندي الإشبيلي الأندلسي المعروف بابن خروف النحوي ، أبو الحسن ، عالم بالعربية ، ولد سنة ٥٢١ ه ، وتوفي بإشبيلية سنة ٦٠٦ ه (وقيل : ٦٠٥ ، وقيل : ٦٠٣ ، وقيل غير ذلك) من مؤلفاته : شرح كتاب سيبويه ، شرح جمل الزجاجي ، تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب ، وغيرها.
انظر ترجمته في بغية الوعاة : ٣٥٤ ، معجم الأدباء : ١ / ٧٥ ، فوات الوفيات : ٢ / ٧٩ ، مرآة الجنان : ٤ / ٢١ ، الأعلام : ٤ / ٣٣٠ ، هدية العارفين : ١ / ٧١٤ ، معجم المؤلفين : ٧ / ٢٢١.
(٤) (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ ، وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ.)
(٥) في الأصل : يسلط. انظر التصريح : ١ / ١٩٦.
(٦) روى البخاريّ في صحيحه (٢ / ١١٧ ، ٤ / ٨٦) أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال لعمر رضياللهعنه في ابن صيّاد : «إن يكنه فلن تسلّط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله». وانظر فتح الباري : ٣ / ٢١٨ ، صحيح مسلم رقم : ٢٩٣٠. وروي في فتح الباري (٦ / ١٧٣) : «إن يكنه فلن تسلّط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله» ، وروي في سنن الترمذي (٤ / ٥١٩) : «إن يك حقّا فلن تسلّط عليه وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله» ، وفي مسند أحمد (٢ / ١٤٨) : «إن يكن هو فلن تسلّط عليه وإلّا يكن هو فلا خير لك في قتله». والحديث برواية المؤلف في شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٢٣١ ، الهمع : ٢ / ١٠٧ ، البهجة المرضية : ٢٤ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٤٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١١٨ ، شواهد التوضيح لابن مالك : ٢٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٦.
وبخلاف (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) [النساء : ١٣٧] ، لاتّصاله / بالسّاكن ، وهو لام التّعريف.
وخالف في هذا الأخير يونس بن حبيب ، فأجاز الحذف ، ولم يعتدّ بالحركة العارضة لالتقاء السّاكنين (١).
وفهم من إطلاق النّاظم أنّه موافق (لمذهب يونس) (٢).
وقوله : «وهو حذف ما التزم» أي : لا يلزم حذفها ، بل هو جائز.
__________________
(١) وأنشد عليه :
فإن لم تك المرآة أبدت وسامة |
|
فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم |
فحذف النون مع ملاقاة الساكن. ومذهب سيبويه أنه لا يجوز حذفها قبل الساكن ، وشرط أن يكون بعدها متحرك.
انظر الكتاب : ١ / ١٣ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٦ ، شرح المرادي : ١ / ٣١١ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٤٥ ، شرح الهواري : (٤٩ / أ) ، شرح المكودي : ١ / ٩٤ ، الهمع : ٢ / ١٠٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٢٣ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٠٠.
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ٩٤. قال ابن مالك في التسهيل : «ويجوز حذف لامها الساكن جزما ، ولا يمنع ذلك ملاقاة ساكن ، وفاقا ليونس». انظر التسهيل : ٥٦ ، الهمع : ٢ / ١٠٨ ، شرح المرادي : ١ / ٣١٢ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٤٥.
ثمّ قال :
فصل في «ما (١) ، ولا ، ولات ، وإن» المشبّهات بـ «ليس»
إعمال ليس أعملت ما دون إن |
|
مع بقا (٢) النّفي وترتيب زكن |
وسبق حرف جرّ أو ظرف كما |
|
بي أنت معنيّا أجاز العلما |
إنّما فصل هذه الأحرف من باب «كان» وإن كان عملها كلّها واحدا ، لأنّ هذه أحرف ، وتلك أفعال.
وبدأ بـ «ما» النّافية ، وهي من الحروف المشتركة بين الأسماء والأفعال ، فأصلها أن لا تعمل ، ولذلك أهملها بنو تميم ، قال سيبويه : «وهو القياس» (٣) ، كما أهملوا «ليس» حملا عليها ، فقالوا : «ليس الطّيب إلّا المسك» (٤) بالرّفع ، قاله في المغني (٥).
وأمّا أهل الحجاز فاعملوها عمل «ليس» لشبهها بها في نفي الحال ، ثمّ اختلف النّحاة :
فقال البصريّون : عملت في الجزأين.
__________________
(١) في الأصل : وما. و : «فصل في» ساقط من الأصل. انظر الألفية : ٤٢.
(٢) في الأصل : بقاء. انظر الألفية : ٤٢.
(٣) قال سيبويه في الكتاب (١ / ٢٨) : «وأما بنو تميم فيجرونها مجرى «أما» و «هل» ، أي : لا يعملونها في شيء ، وهو القياس ، لأنه ليس بفعل ، وليس «ما» كـ «ليس» ولا يكون فيها إضمار». وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤٣٥.
(٤) انظر هذا القول في مغني اللبيب : ٣٨٧ ، المسائل المشكلة (البغداديات) للفارسي : ٣٨٣ ، شواهد التوضيح لابن مالك : ١٤١ ، الأشباه والنظائر للسيوطي : ٣ / ٧٢ ، تذكرة النحاة لأبي حيان : ١٦٦ ، الأمالي النحوية لابن الحاجب : ٤ / ١٣٨.
(٥) فإن «إلّا» عندهم تبطل عمل «ليس» ، كما تبطل عمل «ما» الحجازية ، حكى ذلك عنهم أبو عمرو بن العلاء. انظر مغني اللبيب : ٣٨٧ ـ ٣٨٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٦ ، وانظر الجنى الداني : ٤٩٥ ، حاشية الخضري : ١ / ١١٩ ، التسهيل : ٥٧.