مصابيح الظلام - ج ٤

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٤

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-4-3
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٣٣

استند إليه في مقام الحكم الشرعي وأثبته به.

مع أنّ الظاهر من الآية ، سيّما بانضمام الصحيح الوارد في تفسيرها ، هو اشتراط العلوق حيث قال عليه‌السلام : «فامسحوا بوجوهكم وأيديكم من ذلك التيمّم ، لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجر على الوجه ، لأنّه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكفّ ، ولا يعلق ببعضها» (١).

والصحيح هو صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام المتضمّنة لكون الباء للتبعيض (٢) ، وسيجي‌ء تمام الكلام في اشتراط العلوق.

فإذا ظهر اشتراط العلوق ظهر كون المراد في الآية والحديث من الصعيد هو التراب ، لأنّ المتعارف تحقّق العلوق فيه ، لا في غيره من الحجر والحصى والرمل ، وأمثال ذلك ، سيّما وأن يجري على الوجه ، ويصير سببا للاحتجاج بكون التيمّم ببعض الوجه.

هذا ، مع ما ستعرف من المنع من الرمل ، مع أنّه لا قائل بالفصل ، فإنّ غير السيّد وموافقيه يجوّزون التيمّم بكلّ ما هو من الأرض (٣) ، كما ستعرف.

وكون الغبار على مثل الحجر لأجل العلوق لا ينفع ، لأنّ الظاهر من الآية وغيرها كون العلوق ببعض ما ضرب بيده عليه ويتيمّم منه ، لا غيره ، كما هو ظاهر.

مع أنّ الغبار من جملة التراب ، على أنّه لا يعلم كونه من غير جنسه.

مع أنّه إذا لم يكن من جنسه لم يكن من جنس الأرض أيضا على ما هو الظاهر ، فيكون حكمه من غير الآية وأمثالها ، بل من حديث آخر ، فتدبّر!

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٦ الحديث ٢١٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٤ الحديث ٣٨٧٨ مع اختلاف يسير.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٦ الحديث ٢١٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٤ الحديث ٣٨٧٨.

(٣) قواعد الأحكام : ١ / ٢٢ ، مدارك الأحكام : ٢ / ١٩٧ ، كشف اللثام : ٢ / ٤٤٩.

٣٠١

ويدلّ عليه أيضا حسنة رفاعة عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه ، فإنّ ذلك توسيع من الله تعالى ـ إلى أن قال ـ فإن كان لا يقدر إلّا على الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» (١).

ولو كان التيمّم بالأرض جائزا ، لما اشترط فقد التراب ، ولما قال : «فانظر أجف موضع» ، فإنّ ابتلال الحجر لا حجر فيه ، لالتصاق الكف بالحجر نفسه ، مع أنّه لا خفاء في أنّ المراد بالتراب المبلّل ، مع أنّه عليه‌السلام في مقام التوسيع اقتصر على التراب والطين.

ورواية علي بن مطر ، عن بعض أصحابنا ، عن الرضا عليه‌السلام عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب أيتيمّم بالطين؟ قال : «نعم ، صعيد طيب وماء طهور» (٢) ، وفيها دلالة من وجهين ، كما هو ظاهر.

ورواية زرارة عن أحدهما عليه‌السلام كذلك إلّا أنّه عليه‌السلام قال : «إنّه الصعيد» (٣).

وفي صحيحة جميل من أنّ إمام القوم يتيمم ويصلّي بهم : «إنّ الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (٤) ، إنّه عليه‌السلام في مقام التعليل خصص بالتراب وجعله طهورا.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٨٩ الحديث ٥٤٦ ، الاستبصار : ١ / ١٥٦ الحديث ٥٣٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٥٤ الحديث ٣٨٤٩ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٠ الحديث ٥٤٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٥٤ الحديث ٣٨٥١.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٠ الحديث ٥٤٧ ، الاستبصار : ١ / ١٥٦ الحديث ٥٤٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٥٤ الحديث ٣٨٥٠.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٠ الحديث ٢٢٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٤ الحديث ١٢٦٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٦ الحديث ٣٩٤١ مع اختلاف يسير.

٣٠٢

وفي رواية : أنّ التراب طهور المسلم (١).

وفي حسنة معاوية بن ميسرة : الرجل في السفر لا يجد الماء ثمّ صلّى ثمّ أتى الماء. إلى قوله عليه‌السلام : «يمضي على صلاته ، فإنّ ربّ الماء [هو] ربّ التراب» (٢).

ويدلّ عليه أيضا الأخبار المتضمنة لنفض اليدين (٣) ، إذ لا خفاء في ظهوره في التراب.

مع أنّ مضمونها ضرب بيديه الأرض ، فظهر أنّ المراد من الأرض التراب خاصة ، ومرّ بعض تلك الأخبار ، وربّما نذكر بعضا آخر منها.

ويدلّ على ذلك أيضا صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام : «إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصلّ» (٤).

فإنّ الظاهر أنّ «من» هنا للتبعيض ، وأنّ ظاهره العلوق ، والمسح بالعلوق ، موافقا لغيره من الأخبار والآية ، والعلوق ظاهر في التراب ، كما عرفت ، مع أنّ الوارد فيها لفظ «الأرض» (٥).

هذا ، مع أنّ معظم الأرض وأغلب أجزائها ـ في مكان السؤال في بلد الراوي ـ هو التراب ، بل لعلّه لا يوجد فيها من الأرض سوى التراب ، إلّا شاذّا نادرا (٦) ، والمطلق ينصرف إلى الفرد الغالب ، كما هو ظاهر ، سيّما مع اعتضاده

__________________

(١) لاحظ! المعتبر : ١ / ٣٧٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٩ الحديث ٢٢٠ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٥ الحديث ٥٦٤ ، الاستبصار : ١ / ١٦٠ الحديث ٥٥٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٧٠ الحديث ٣٨٩٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٢ الباب ٢٩ من أبواب التيمّم.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٩٣ الحديث ٥٥٦ ، الاستبصار : ١ / ١٥٩ الحديث ٥٤٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٨ الحديث ٣٨٨٧.

(٥) في (ف) و (ز ١) و (ط) زيادة : أيضا.

(٦) في (ف) و (ز ١) و (ط) : إلّا نادرا تأمّل ، بدلا من : إلّا شاذا نادرا.

٣٠٣

بالقرائن ، مثل النفض والعلوق ، وأنّ في كثير من الأخبار ذكر موضع «الأرض» لفظ «التراب» ، وأنّه يظهر الاختصاص بالتراب وغير ذلك ممّا عرفت.

وستعرف أيضا على أنّ الأصل في الأرض هو التراب ، كما سيجي‌ء عن ابن الجنيد (١) ونذكر صحّته ، ولذا يصحّ أن يقال : أرض ذات أحجار وأرض فيها رمل ، وأمثال ذلك ، ولا يصحّ أن يقال : أرض فيها تراب وأمثال ذلك.

فبملاحظة ما ذكر ، ظهر ضعف استدلالهم بلفظ «الأرض» الواردة في أمثال ما ذكر من الأخبار وغيرها ، سيّما من يقول منهم بأنّ الحجر وأمثاله بعد العجز عن التراب ، كما ستعرف.

فمع ذلك كيف يتمسّك بلفظ «الأرض» المذكور ، ويدّعي كونه نصّا ، ويرجّح على جميع ما دلّ على الاختصاص بالتراب ، مع كثرته ودلالته ، وغاية قرب التوجيه في لفظ «الأرض» وبعده فيما يعارضه؟

بل استعمال لفظ العام في الخاص حقيقة ، ومن جملة الشائعات ، بل في غاية الشيوع ، سيّما إذا كان الخاص هو الأصل في العام ، كما عرفت ، وسيجي‌ء أيضا.

وهذا بخلاف استعمال لفظ الخاص في العام ، فإنّه مجاز نادر الاستعمال ، بل لم يعهد استعمال لفظ «التراب» في مطلق الأرض أصلا.

مع أنّ كون لفظ «الصعيد» حقيقة في التراب وجهه ظاهر ، كما ذكره المفيد رحمه‌الله (٢) بخلاف كونه حقيقة في مطلق الأرض ، إذ لم يظهر له وجه أصلا.

مع أنّ التراب صعيد يقيني لا ريب فيه ، بخلاف غيره من الحجر وأمثاله ، فإنّه عين الريبة فالأصل عدمه ، مضافا إلى المرجّحات الكثيرة التي عرفتها.

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٢٠ و ٤٢١.

(٢) المقنعة : ٥٩.

٣٠٤

ولذا اختار محقّقوا أهل اللغة مثل الجوهري وغيره خلافه (١) ، مع نقله عن لغوي ، والسيّد نسب إلى اللغويين القول بخصوص التراب (٢).

مع أنّه يمكن أن يكونا [ـ أي الصعيد والأرض ـ معنا للتراب] ، جمعا بين أقوال اللغويين وأدلّتهم بأنّ الكلّ يريدون التراب ، وأدلّتهم لا يقتضي أزيد منه ، كما عرفت.

هذا ، مع أنّ العبادة توقيفيّة ، والتيمّم بالتراب تيمّم يقينا ، بخلاف التيمّم بالحجر ومثله ، ولا ينقض اليقين بالحدث بالشكّ إلّا بيقين مثله ، والشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط.

وممّا ذكر ظهر الجواب عن استدلال صاحب «المدارك» : بكون الصعيد هو الأرض بقول بعض اللغويين (٣) الذي ليس مثل الجوهري إمام فن اللغة ، ولا مثل صاحب «القاموس» أيضا.

مع أنّه قال : التراب أو الأرض (٤) على سبيل الترديد ، مقدما للتراب على الأرض ، بل لعلّ قول ذلك البعض غير ثابت أو غير معتبر.

ولذا نسب السيّد إلى أهل اللغة ما نسب (٥) ، والمفيد قال ما قال موافقا لابن عبّاس (٦).

__________________

(١) الصحاح : ٢ / ٤٩٨ ، مجمل اللغة : ٣ / ٢٢٦.

(٢) الناصريّات : ١٥٢ و ١٥٣ المسألة ٤٨.

(٣) مدارك الأحكام : ٢ / ١٩٧ ، لاحظ! ترتيب كتاب العين : ٤٤٨ ، المصباح المنير : ٣٤٠ ، مجمع البحرين : ٣ / ٨٥.

(٤) القاموس المحيط : ١ / ٣١٨.

(٥) الناصريّات : ١٥١ و ١٥٢ المسألة ٤٨.

(٦) المقنعة : ٥٩ ، لاحظ! تفسير ابن عبّاس : ٨٩.

٣٠٥

والمحقّق رحمه‌الله مع غاية إصراره في كون الصعيد اسما للأرض لم يستند فيه إلى كلام لغوي أصلا ، واكتفى بما قاله في ردّ كلام أهل اللغة (١) ، فظهر أنّه لم يظهر عليه قول من أهل اللغة ، أو لم يعتمد.

وكذا الحال بالنسبة إلى العلّامة رحمه‌الله ، وجماعة من الفقهاء (٢) على ما ستعرف.

وكذا استدلاله بمسح الأرض على الجبهة ، وغير ذلك من الأخبار.

قوله : (وجوّز الأكثر). إلى آخره.

أقول : أمّا الحجر فقد منع من التيمّم منه ، اختاره الشيخ في «النهاية» (٣) ، وابن إدريس (٤) ، وظاهر ابن الجنيد المنع عنه مطلقا (٥).

واعترض عليهم بأنّه أرض إجماعا ، كما حكاه في «المعتبر» (٦) ، فإن قالوا بكون الصعيد هو الأرض ، يلزمهم القول بجواز التيمّم به مطلقا.

أقول : الإجماع الذي ادّعاه غير معلوم على ابن الجنيد ، لأنّه قال : لا يجوز من السبخ ، ولا ممّا احيل عن معنى الأرض المخلوقة بالطبخ والتحجير (٧) خاصّة.

ولعلّ الشيخ وابن إدريس أيضا منعا ذلك الإجماع ، لكونه في موضوع (٨) الحكم الشرعي لا نفسه ، حتّى يكون كاشفا عن قول المعصوم عليه‌السلام.

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٣٧٣.

(٢) الروضة البهيّة : ١ / ١٥٤.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ٤٩.

(٤) السرائر : ١ / ١٣٧.

(٥) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٢٠.

(٦) المعتبر : ١ / ٣٧٦.

(٧) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٢٠.

(٨) في (ز ٣) و (ك) : موضع.

٣٠٦

سلّمنا ، لكنّهما لعلّهما يقولان بكون الصعيد هو التراب (١) ، كما قال به المفيد (٢) ، ولذا حكم المفيد أيضا بجواز التيمّم بالحجر بعد العجز عن التراب ، وقال بأنّه يصحّ حينئذ لموضع الاضطرار (٣).

والظاهر أنّهما وافقاه ، لكونه شيخ الشيخ ، وهو شيخ ابن إدريس ، ولعلّ السيّد أيضا وافقهم (٤) ، وكذا أبو الصلاح لما ذكر (٥).

وأمّا تجويزهم التيمّم به (٦) بعد العجز عن التراب ، فلأنّ العلّامة في «المختلف» نقل الإجماع على جواز التيمّم بغير التراب (٧).

وغير خفي أنّه ليس مراده صورة الاختيار ، لأنّ الأعاظم منعوا عنه مع كثرتهم وكونهم المؤسسين لمذهب الشيعة ورؤساءهم المشهورين وعمدتهم المعروفين ، وليس طريقة العلّامة دعوى الإجماع في مخالفة هؤلاء وأمثالهم ، كما لا يخفى.

ولعلّ ابن الجنيد أيضا نظره إلى ذلك ، فإنّ أصل الأرض التراب ، وأمّا الحجر والرمل وأمثالهما ، فهي متكوّنة منها بحدوث حرارة وحصول مزاج فيها ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّي عثرت على كلام «المختلف» ، وهو هكذا : كلام الشيخ رحمه‌الله في

__________________

(١) صرح به الشيخ في النهاية : ٤٨.

(٢) المقنعة : ٥٩.

(٣) المقنعة : ٦٠.

(٤) لاحظ! الناصريات : ١٥٢ و ١٥٣.

(٥) الكافي في الفقه : ١٣٦.

(٦) في (ف) و (ز ١) و (ط) : بالحجر.

(٧) مختلف الشيعة : ١ / ٤٢١.

٣٠٧

«النهاية» (١) يقتضي اشتراط عدم التراب في التيمّم بالأحجار ، واختاره ابن إدريس (٢) ، وهو الظاهر من كلام المفيد (٣) ، ثمّ نقل كلامه ، وهو صريح في ذلك.

ثمّ قال : وكذا اختيار سلّار (٤).

ثمّ نقل كلام ابن الجنيد الذي نقلنا عنه (٥) ، واختار هو الجواز مطلقا ، واستدلّ بصدق اسم الأرض عليه.

ثمّ قال : احتجّ المانع بأنّ المأمور به التيمّم بالصعيد للآية ، وهو التراب ، لتصاعده على وجه الأرض ، فلا يجزي ما عداه.

وأجاب بالمنع عن عدم الحقيقة في الحجر ، فإنّه تراب اكتسبت رطوبة لزجة وعملت فيه حرارة الشمس حتّى تحجّر ، ولو لم تكن الحقيقة باقية لم يكن التيمّم به مجزيا عند فقد التراب كالمعدن ، والتالي باطل إجماعا ، فكذا المقدّم (٦) ، انتهى.

وفيه دلالة على كون الشيخ في «النهاية» وجميع من وافقه قائلين بأنّ الصعيد هو التراب ، مثل المفيد ، وكذا ابن الجنيد. وأنّ العلّامة أيضا وافقهم في ذلك ، إلّا أنّه يدّعي كون الحجر ترابا اكتسب رطوبة وحرارة حتّى تحجّر ، ولم يخرج عن الحقيقة ، كما قالوا في الخزف ، وكلامه صريح أيضا في دعوى الإجماع بجواز التيمّم بالحجر عند فقد التراب.

ويظهر منه عدم كون الصعيد هو الأرض عند اللغوي أيضا ، عند العلّامة

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ٤٩.

(٢) السرائر : ١ / ١٣٧.

(٣) المقنعة : ٦٠.

(٤) المراسم : ٥٣.

(٥) راجع! الصفحة : ٣٠٦ من هذا الكتاب.

(٦) مختلف الشيعة : ١ / ٤٢٠ و ٤٢١.

٣٠٨

والشيخ وموافقيه ، على وفق ما قاله المفيد. ويظهر منه أيضا أنّ أصل الأرض هو التراب ، وأنّ وجه الأرض هو التراب.

فظهر أنّ الأكثر يقولون بكون الصعيد هو التراب.

بل وربّما ارتفع النزاع بملاحظة ما ذكرناه بين ظاهر كلام قدماء اللغويين ، بل ومطلقا ، فتأمّل جدّا!

وجميع ما ذكر هنا أيضا يؤيّد ما ذكرناه سابقا من كون التيمّم بالتراب اختيارا ، وأنّه الصعيد.

وظهر منه وجه جواز التيمّم بغير التراب حال فقد التراب ، لأنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة ، لا يجوز ترك العمل به.

ويؤيّده أيضا أنّ المفيد وغيره ـ ممّا عرفت ـ صرّحوا بجواز التيمّم في صورة فقد التراب ، بل ذهب سلّار إلى تقديم التيمّم بالغبار على التيمّم بالحجر ، كما ستعرف.

وهذا أيضا يؤيّد كون الصعيد هو التراب ، وكونه مقدما على الحجر.

ومن العجائب أنّ صاحب «الذخيرة» بعد ما اختار كون الصعيد هو الأرض ، وجوّز التيمّم بالحجر مع وجود التراب ، واشترط العلوق في التيمّم ، قال في التيمّم بالحجر : لا يبعد أن يقال : يشترط أن يكون عليها ـ أي على الأحجار وغيرها من وجه الأرض ـ شي‌ء من الغبار ونحوه ما يعلق باليد ، لما سيجي‌ء من دلالة بعض الأخبار الصحيحة فانتظر (١).

وبعد الاستدلال اختار التعليق بها ، ومع ذلك جعل الغبار بعد الحجر ومع فقده ، ولم يتفطّن أنّ مفاد الصحيحة وجوب تعليق ما يتيمّم به ، بل وجوب تعليق

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٩٨.

٣٠٩

شي‌ء من الصعيد ، فكيف ينفع الغبار ونحوه؟

وأمّا التيمّم بالجصّ والنورة ، فقال الشيخ في «النهاية» بعدم جوازه إلّا بعد فقد التراب (١) ، ولعلّ مستنده الإجماع ، كما مرّ في الحجر.

وأمّا غيره ممّن قال بكون الصعيد هو الأرض (٢) ، فقال بالجواز ، لصدق اسم الأرض عليهما عرفا ، وابن إدريس منع من التيمّم بالنورة مطلقا ، وقال : بكونها من المعادن (٣) ، وهو الظاهر من «اللمعة» وشرحه (٤) ، وربّما كان الظاهر من بعض المصنّفات أيضا.

وابن حمزة جوّز التيمّم بأرضها لا نفسها (٥) ، وهو الظاهر من «الشرائع» وزاد عليها الجص (٦).

ولعلّ نظرهما إلى أنّ أرضهما أرض ، بخلاف ما إذا لم تكونا بالأرض ، إذ لا يصدق (٧) حينئذ عليهما اسم الأرض ، هذا قبل احتراقهما.

وأمّا بعده ، فالمشهور المنع كما في «الذخيرة» (٨) ، لخروجهما حينئذ عن اسم الأرض ، وعن المرتضى في «المصباح» وسلّار جوّزا التيمّم بهما (٩).

قال في «المعتبر» : ما ذكره علم الهدى هو رواية السكوني عن جعفر ، عن

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ٤٩.

(٢) المراسم : ٥٤ ، المعتبر : ١ / ٣٧٥ و ٣٧٦ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ١٧٦.

(٣) السرائر : ١ / ١٣٧.

(٤) اللمعة الدمشقية : ٢٣ ، الروضة البهية : ١ / ١٥٥.

(٥) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧١.

(٦) شرائع الإسلام : ١ / ٤٧.

(٧) في (ف) و (ز ١) و (ط) : يطلقون.

(٨) ذخيرة المعاد : ٩٨.

(٩) نقل عن السيّد في المعتبر : ١ / ٣٧٥ ، المراسم : ٥٤.

٣١٠

أبيه ، عن علي عليهم‌السلام أنّه سئل عن التيمّم بالجص؟ فقال : «نعم» ، فقيل : بالنورة؟ فقال : «نعم» ، فقيل : بالرماد؟ فقال : «لا ، لأنّه لا يخرج من الأرض وإنّما يخرج من الشجر» (١).

ثمّ ضعف السكوني وحسن روايته هذه ، لأنّهما أرض ، فلا يخرج باللون والخاصيّة عن اسمها ، كما لا تخرج الأرض الحمراء والصفراء (٢) ، انتهى.

وفي تعليله ما فيه ، ولذا اختار في «المنتهى» اعتبار الاسم (٣).

ولعلّ مراد المصنّف من النص بجوازه بالجص والنورة هو هذه الرواية ، وفيه تأمّل ، لأنّ المتبادر منها حال الاحتراق ، سيّما بملاحظة قوله : «فقيل بالرماد» بعدهما ، وقوله عليه‌السلام : «لأنّه لا يخرج من الأرض». إلى آخره ، ولذا استدلّ بها لمختار السيّد ، إلّا أن يكون مراد المصنّف : أنّه إذا جاز مع الاحتراق فمع عدمه بطريق أولى ، لكن القائلين بالجواز مع عدم الاحتراق لا يرضون بهذه الرواية البتة.

قوله : (بغبار الثوب ونحوه).

نقل الإجماع على ذلك الفاضلان (٤) ، والظاهر عدم مخالفة أحد في ذلك ، إلّا أنّه نسب إلى بعضهم القول بجواز التيمّم به مع وجود التراب أيضا (٥) ، كما ستعرف.

ويدلّ على صحّة التيمّم بالغبار صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا كنت في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به ، فإنّ الله أولى بالعذر إذا لم يكن

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٨٧ الحديث ٥٣٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٥٢ الحديث ٣٨٤٥ مع اختلاف يسير.

(٢) المعتبر : ١ / ٣٧٦.

(٣) منتهى المطلب : ٣ / ٦٥.

(٤) المعتبر : ١ / ٣٧٦ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ١٨٠.

(٥) لاحظ! مدارك الأحكام : ٢ / ٢٠٧.

٣١١

معك ثوب جاف ولا لبد تقدر على أن تنفضه وتيمّم به» (١).

وصحيحة زرارة أنّه سأل الباقر عليه‌السلام أرأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال : «يتيمّم من لبد سرجه أو معرفة دابته ، فإنّ فيها غبارا ويصلّي» (٢).

وصحيحة رفاعة عن الصادق عليه‌السلام قال : «فإن كان في ثلج فلينظر في لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو شي‌ء مغبر ، وإن كان في موضع لا يجد إلّا الطّين فلا بأس أن يتيمّم به» (٣).

ومقتضى الصحاح التخيير بين غبار الثوب وغيره ، كما هو المشهور.

لكن الشيخ في «النهاية» و «التهذيب» رتّب بين غبار الثوب وغيره ، وقدّمه على الغير (٤).

وظاهر صحيحة أبي بصير وجوب النفض والتيمّم بالمنفوض (٥) ، ونسب ذلك إلى المفيد وسلّار وغيرهما (٦).

ولعلّه أولى ومقدّم على ضرب اليد على المغبر إن أمكن ، لكونه أقرب إلى التيمّم بالتراب لو لم نقل بكونه تيمّما بالتراب ، إذ لعلّ العرف يطلقون على الغبار

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٦٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٨٩ الحديث ٥٤٣ ، الاستبصار : ١ / ١٥٦ الحديث ٥٣٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٥٤ الحديث ٣٨٥٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٨٩ الحديث ٥٤٤ ، الاستبصار : ١ / ١٥٧ الحديث ٥٤١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٥٣ الحديث ٣٨٤٦ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٨٩ الحديث ٥٤٦ ، الاستبصار : ١ / ١٥٦ الحديث ٥٣٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٥٤ الحديث ٣٨٤٩ مع اختلاف يسير.

(٤) النهاية للشيخ الطوسي : ٤٩ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٨٨ و ١٨٩.

(٥) مرّت الاشارة إليها آنفا.

(٦) نسب إليهم في ذخيرة المعاد : ٩٩ ، لاحظ! المقنعة : ٥٩ ، المراسم : ٥٣.

٣١٢

المجتمع بالنفض لفظ «التراب».

والظاهر أنّ التيمّم بالغبار مقدّم على التيمّم بالحجر ، كما ذهب إليه سلّار والمرتضى (١).

ويدلّ على ذلك ظاهر صحيحة رفاعة ، إذ في صدرها : «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم ، فإنّ ذلك توسيع من الله عزوجل ، وإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو شي‌ء مغبر» (٢) ، وجه الدلالة عرفتها في بحث كون الصعيد هو التراب ، لكن ظاهرها تقديم التراب على الغبار ، كما عليه المشهور فلا تناسب المرتضى ، فإنّه قال بجواز التيمّم بالغبار مع وجود التراب أيضا (٣).

لكن الشيخ وابن إدريس على تقديم الحجر على الغبار مع تأخّره عن التراب (٤) ، وسنشير إلى وجهه عندهما ، ونسب إلى الأكثر تقديم الحجر مطلقا (٥) ، ووجهه كونه من الأرض بلا شبهة عرفا.

وفيه ما عرفت سابقا ، ولهذا أخّر المصنّف التيمّم بالجصّ والنورة عن الغبار ، ثمّ أخّر الطين عنهما ، ثمّ أخّر الحجر عنه وشاركه مع الخزف.

لكن في ترتيبه أيضا نظر ، لعدم ثبوته من الأدلّة ، سيّما تقديمه الجص مطلقا والنورة كذلك على الحجر ، بل وعلى الطين أيضا مع تأخّرهما عن الغبار المؤخّر عن التراب.

__________________

(١) المراسم : ٥٣ ، الناصريات : ١٥١ و ١٥٢ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٤ / ٣٠٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٥٤ الحديث ٣٨٤٩.

(٣) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٢٦ ، لاحظ! مدارك الأحكام : ٢ / ٢٠٧.

(٤) الخلاف : ١ / ١٣٤ المسألة ٧٧ ، المبسوط : ١ / ٣٢ ، السرائر : ١ / ١٣٧.

(٥) لاحظ! ذخيرة المعاد : ٩٩ ، الحدائق الناضرة : ٤ / ٣٠٧.

٣١٣

قوله : (أو الخزف). إلى آخره.

اختلف الأصحاب في جواز التيمّم به ، فابن الجنيد والمحقّق وغيرهما لا يجوّزون (١) ، للخروج بالطبخ عن اسم الأرض والتراب.

وقيل بالجواز للشكّ في الاستحالة ، ولأنّ الأرض المحترقة يقع عليها اسم الأرض حقيقة (٢).

وفيهما ما فيهما ، لأنّ أهل العرف لا يطلقون على الخزف اسم التراب ، ولا اسم الأرض.

والأرض المحترقة أيضا محلّ تأمّل إطلاق الاسم عليه حقيقة وخاليا عن القرينة ، ومع ذلك القياس في اللغة باطل عند القائل بالقياس أيضا.

مع أنّ الشك كيف ينفع مع كون المعتبر صدق الاسم وأنّه شرط؟ ونفع الاستصحاب بحيث يثبت به ما اعتبر من الصدق محلّ تأمّل ، ولذا لا يجوز التيمّم بالمعادن ورماد الأرض ونحوهما ، من جهة عدم صدق الاسم.

ولا شكّ في أنّ الخزف لا يسمّى في العرف ترابا ، فلا يكون أرضا أيضا ، لأنّ أرضيته لكونه ترابا.

وفي «المعتبر» ـ بعد أن قطع بخروجه عن اسم الأرض ـ قال : ولا يعارض بجواز السجود ، إذ قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ (٣).

وفيه ، أنّ الأخبار منعت عن السجود على غير الأرض (٤) ، والكاغذ خرج بدليل (٥) مسلّم لا غبار عليه.

__________________

(١) نقل عن ابن الجنيد في تذكرة الفقهاء : ٢ / ١٧٧ ، المعتبر : ١ / ٣٧٥ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٢٠٢.

(٢) جامع المقاصد : ١ / ٤٨٣ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٢٢٢.

(٣) المعتبر : ١ / ٣٧٥.

(٤) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٤٣ الباب ١ من أبواب ما يسجد عليه.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ٣٥٥ الباب ٧ من أبواب ما يسجد عليه.

٣١٤

وأيضا موثّقة سماعة ـ التي مرّت في التيمّم لصلاة الجنازة ـ ربّما يظهر منها عدم جواز التيمّم بالآجر والحجر ونحوهما ، لقوله عليه‌السلام : «يضرب يده على حائط اللبن فيتيمّم» (١).

وقوله : في الأوّل ـ يعني الغبار ـ قد عرفت أنّ المرتضى نسب إليه القول بجواز التيمّم به مطلقا (٢) ، ولم نجد نسبة ذلك إلى ابن الجنيد.

قوله : (وأمّا غير الأرض). إلى آخره.

المعروف من القائلين بكون الصعيد هو الأرض أنّ الغبار غير الأرض ، ولذا يؤخّرونه عن التيمّم بالحجر ونحوه ممّا هو من الأرض في الواقع أو عندهم.

والمجوّز للتيمّم به مطلقا يجعله من التراب على ما هو الظاهر منه. وأيضا الوحل ليس من الأرض عندهم للعلّة المذكورة.

وأيضا نقل عن العلّامة في «النهاية» القول بجواز التيمّم بالرماد المتّخذ من الأرض (٣) عملا برواية السكوني المتقدّمة (٤).

ومرّ أيضا عن المرتضى جواز التيمّم بالنورة والجص بعد احتراقهما وخروجهما عن صدق اسم الأرض عليهما للرواية المذكورة (٥) ، وهي تضمنت الجص والنورة ، إلّا أنّه نسب بعضهم إلى سلّار خصوص النورة فقط (٦).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ١٧٨ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٠٣ الحديث ٤٧٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ١١١ الحديث ٣١٦٢ مع اختلاف يسير.

(٢) راجع! الصفحة : ٣١٣ من هذا الكتاب.

(٣) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٢ / ٢٠٠ ، لاحظ! نهاية الإحكام : ١ / ١٩٩.

(٤) راجع! الصفحة : ٣١٠ و ٣١١ من هذا الكتاب.

(٥) راجع! الصفحة : ٣١٠ من هذا الكتاب.

(٦) نسب إليه في مختلف الشيعة : ١ / ٤١٩.

٣١٥

وفي «الذخيرة» نسب إليه وإلى المرتضى جواز التيمّم بهما جميعا (١) ، كما قلنا.

ويمكن أن يقال : مراد المصنّف من الأرض ما يشمل الامور المذكورة في كلامه السابق من الغبار والطين وغيرهما.

لكن بقي الاعتراض على القائلين بكون الصعيد هو الأرض ، بأنّ الغبار والوحل (٢) إن كانا من الأرض ، فلا وجه لقولهم في الترتيب بينهما وبين الأرض ، وإن لم يكونا منها ، فكيف يقولون بجواز التيمّم بهما؟

مع أنّ العلّامة قال في «المنتهى» : لا يجوز التيمّم بما ليس بأرض مطلقا ، كالمعادن والنبات المنسحق والأشجار وغيرهما ، سواء كان من جنسها أو لم يكن ، وهو مذهب علمائنا أجمع (٣).

ويمكن أن يقال : مراده ومراد جميع المجمعين (٤) من الأرض ما يشمل ما ذكر ، لكنّه والمحقّق قالا بأنّ التيمّم بالغبار والوحل مشروط بعدم التراب خاصة (٥).

ومقتضى دليلهما التأخّر عن الحجر وغيره ممّا هو من الأرض ، كما اختاره في «الدروس» (٦).

وربّما يظهر من عبارة «اللمعة» كونهما داخلين في التراب ، وأنّ الأرض هو التراب والحجر لا غيرهما (٧) وشارحه ألحق بالحجر الخزف ، قائلا بأنّ الحجر

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٩٨.

(٢) في (ز ٣) : والرمل.

(٣) منتهى المطلب : ٣ / ٦٢ و ٦٣.

(٤) في (ف) و (ز ١) و (ط) : المحققين.

(٥) منتهى المطلب : ٣ / ٦٨ ، المعتبر : ١ / ٣٧٧.

(٦) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٣٠.

(٧) اللمعة الدمشقيّة : ٢٣.

٣١٦

تراب اكتسب رطوبة لزجة وحرارة (١) ، على وفق ما مرّ عن «المختلف» (٢) ، ولهذا قال بالخزف ، لأنّه أقرب إلى التراب من الحجر.

هذا ، وإن كان عذر الفاضلين صحيحة رفاعة ، فقد عرفت ظهورها في كون التيمّم بالتراب خاصة مع الاختيار (٣) ، وهذا يضعف ما ذكر في «الدروس» (٤).

وبالجملة ، كلماتهم مضطربة ، وكلّ ذلك يشيّد ما اخترنا من كون الصعيد هو التراب ، وأنّ جواز التيمّم بغيره بعد فقده بمقتضى دليل من إجماع أو خبر.

ومقتضى ما اخترناه أنّ بعد فقد التراب اليابس يتعيّن التراب المبتل ، وبعد فقده أيضا يتعيّن الغبار بنفض المغبر وجمع الغبار فالتيمّم به ، ومع العجز يضرب اليد على المغبر ويتيمّم.

ومع العجز عن الغبار يتيمّم بالوحل ، بأن يضع يده عليه ثمّ يفركها ويتيمّم به ، كما قال به الشيخان (٥) ، وقال الآخرون : يضع يده عليه ويتربّص فاذا يبس تيمّم به (٦). والأوّل أقرب إلى ظاهر الروايات.

وإذا أمكن طلي الوحل بشي‌ء ينشّف رطوبته ويجعله يابسا ، فهو مقدّم على الغبار ، على حسب ما ذكر.

ولا بدّ أن يكون الوحل أصله ممّا يصحّ به التيمّم ، كما صرّح به العلّامة (٧)

__________________

(١) الروضة البهيّة : ١ / ١٥٤.

(٢) راجع! الصفحة : ٣٠٨ من هذا الكتاب.

(٣) راجع! الصفحة : ٣١٢ من هذا الكتاب.

(٤) مرّ آنفا.

(٥) المقنعة : ٥٩ ، المبسوط : ١ / ٣٢ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٤٩.

(٦) الوسيلة : ٧١ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ١٨١ ، كشف الالتباس : ١ / ٣٥٦.

(٧) نهاية الإحكام : ١ / ٢٠٠.

٣١٧

وكذلك الغبار ، كما صرّح به هو وغيره (١).

وأمّا التيمّم بالحجر ، فلعلّه مؤخّر عن الوحل أيضا ، لعدم إجماع يقتضي تقديمه على الوحل ، فكيف على الغبار؟ سيّما وأن يكون خاليا عن العلوق ، لما ستعرف من اشتراطه.

بل ظاهر الأخبار المتقدّمة الترتيب الذي ذكرناه ، فلو كان الحجر ممّا يجوز به التيمّم في الجملة بسبب الإجماع المنقول (٢) المعتضد باتّفاق الكلّ سوى ابن الجنيد (٣) ، لتعيّن كونه بعد الطين ، كما اختاره المصنّف ومن وافقه ، والأحوط جمع التيمّم بالحجر مع التيمّم بالوحل.

وإذا جمع بين التيمّم بالحجر وبين التيمّم بالغبار فلعلّه أحوط أيضا ، فإذا فقد الكلّ فالأحوط التيمّم بالحجر الخالي عن العلوق ، لكن الأحوط قضاء تلك الصلاة وإعادتها.

وأمّا الحجر الذي عليه الغبار ، فهو في مرتبة الغبار ، بل وأولى من الغبار على مثل الثوب والحصر ونحوهما ، وحصل الاحتياط الذي ذكرنا فيه.

وأمّا إذا كان على الحجر منسحق من الحجر أو الجص ونحوهما ، وكان ذلك المنسحق علوقة ، فالأحوط إعادة تلك الصلاة التي وقعت بالتيمّم المذكور وقضاؤها.

قوله : (بنداوة الثلج).

مرّ الكلام فيه (٤).

__________________

(١) السرائر : ١ / ١٣٨ ، نهاية الإحكام : ١ / ٢٠٠ ، روض الجنان : ١٢١.

(٢) الخلاف : ١ / ١٣٤ و ١٣٥ المسألة ٧٧.

(٣) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٢ / ١٩٩.

(٤) راجع! الصفحة : ٢٥٥ و ٢٥٦ من هذا الكتاب.

٣١٨

٦٨ ـ مفتاح

[وجوب وضع الكفّين على الأرض]

يجب وضع الكفّين معا على الأرض باعتماد مرّة واحدة ، كما في الصحاح المستفيضة فعلا في معرض البيان (١) ، وقيل : مرّتين (٢) ، كما في بعضها قولا (٣) ، وحمل على الاستحباب أو التخيير جمعا (٤).

وقيل : للوضوء مرّة وللغسل مرّتين للجمع (٥) ، ويدفعه المعتبرة الدالّة بعضها على المساواة (٦) ، والآخر على إجزاء المرّة الواحدة في الغسل (٧).

ويشترط علوق التراب (٨) وإن استحب النفض ، وفاقا للسيّد وجماعة (٩)

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٥٨ ـ ٣٦١ الباب ١١ من أبواب التيمّم.

(٢) منتقى الجمان : ١ / ٣٥١ ، لاحظ! مدارك الأحكام : ٢ / ٢٢٩ و ٢٣٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦١ الحديث ٣٨٧٠ ـ ٣٨٧٣.

(٤) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٦٢ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٢٣١.

(٥) شرائع الإسلام : ١ / ٤٨ ، منتهى المطلب : ٣ / ١٠١ ، الروضة البهيّة : ١ / ١٥٨.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ٢١٢ الحديث ٦١٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٣ الحديث ٣٨٧٥.

(٧) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٠ الحديث ٣٨٦٨.

(٨) في بعض النسخ : علوق شي‌ء من التراب.

(٩) لم نعثر عليه في مظانّه ، ولكن نسب إلى ظاهر كلام ابن الجنيد فقط ، لاحظ! مختلف الشيعة : ١ / ٤٣٠ ،

٣١٩

وإن خالف الأكثر ، لأنّ «من» في الآية (١) للتبعيض ، كما قاله جماعة من علماء العربيّة (٢) ، وللصحيح في تفسيرها (٣) ولعلّ النفض لتقليل ما يوجب التشويه.

ونمنع جوازه على الحجر ، كما مرّ.

والعلوق الابتدائي كاف وإن لم يبق لليدين ، مع أنّ الظاهر بقاء شي‌ء ، بل لذلك استحبّ تكرار الضرب فسقط حججهم.

ويمكن القول بوجوب التكرار مع عدم بقاء التراب خاصّة ، وهو جمع رابع بين النصوص الفعليّة والقوليّة حسن.

__________________

الحدائق الناضرة : ٤ / ٣٣٢ ، مفتاح الكرامة : ٤ / ٤٤٨.

(١) المائدة (٥) : ٦.

(٢) مغني اللبيب : ١ / ٤٢٠ ، البهجة المرضيّة : ٢١٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٤ الحديث ٣٨٧٨.

٣٢٠