عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار

شمس الدين يحيى بن الحسن الأسدي الربعي الحلّي [ الحافظ ابن البطريق ]

عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار

المؤلف:

شمس الدين يحيى بن الحسن الأسدي الربعي الحلّي [ الحافظ ابن البطريق ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

واقِعٍ) (١).

وبالاسناد المقدم ، قال : وسئل سفيان بن عيينة ، عن قول عزوجل : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) في من نزلت؟ فقال : لقد سئلتنى عن مسألة ، ما سئلني عنها احد قبلك ، حدثنى جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عليهم السلام ، قال : لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم نادى الناس ، فاجتمعوا ، فاخذ بيد على عليه السلام ، فقال : من كنت مولاه فعلى مولاه ، فشاع ذلك ، وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحارث (٢) بن نعمان الفهرى ، فاتى رسول الله صلى الله عليه وآله على ناقة له ، حتى اتى الابطح ، فنزل عن ناقته ، فاناخها ، وعقلها ، ثم اتى النبي صلى الله عليه وآله وهو في ملاء من اصحابه ، فقال : يا محمد ، امرتنا عن الله ، ان نشهد ان لا اله الا الله ، وانك رسول الله ، فقبلاته منك ، وامرتنا ان نصلى خمسا ، فقبلناه منك ، وامرتنا ان نصوم شهرا ، فقبلناه منك ، وامرتنا ان نحج البيت فقبلناه ، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعى ابن عمك ، ففضلته علينا ، فقلت : من كنت مولاه فعلى مولاه ، وهذا شيء منك ام من الله تعالى؟ فقال : والذى لا اله الا هو ، انه من امر الله ، فولى الحارث بن نعمان ، يريد راحلته وهو يقول : اللهم ان كان ما يقوله محمد حقا ، (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ).

فما وصل إليها ، حتى رماه الله بحجر ، فسقط على هامته ، وخرج من دبره ، فقتله ، وانزل الله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) (٣) (٤).

__________________

(١) المعارج : ١.

(٢) وفى نسخة : الحرث.

(٣) المعارج : ١.

(٤) لاحظ غاية المرام ص ٣٩٧.

١٠١

١٣٦ ـ ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي ، الحديث الخامس ، من افراد مسلم ، من مسند ابن ابى اوفى ، وبالاسناد المقدم ، عن يزيد بن حيان ، قال : انطلقت انا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم الى زيد بن ارقم ، فلما جلسنا إليه ، قال له حصين : لقد لقيت يا يزيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال :

يابن اخى ، والله لقد كبرت سنى ، وقد عهدي ، ونسيت بعض الذي كنت اعى من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فما حدثتكم به فاقبلوه ، ومالا ، فلا تكلفونيه ، ثم قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله يوما فينا خطيبا بماء يدعى «خما» بين مكة والمدينة ، فحمد الله واثنى عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال :

اما بعد ، الا ايها الناس ، فانما انا بشر يوشك ان يأتيني رسول ربى ، فاجيب ، وانا تارك فيكم الثقلين : اولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : واهل بيتى ، اذكر كم الله في اهل بيتى ، اذكركم الله في اهل بيتى ، اذكركم الله في اهل بيتى.

فقال له حصين : ومن اهل بيته يا زيد؟ اليس نساؤه من اهل بيته؟ قال : نساؤه من اهل بيته ، ولكن اهل بيته من حرم الصدقة بعده (١).

قال الحميدى : زاد في حديث جرير : كتاب الله فيه الهدى والنور ، من استمسك به واخذ به ، كان على الهدى ومن اخطأه ضل (٢).

١٣٧ ـ وفى حديث سعيد بن مسروق ، عن يزيد بن حيان نحوه ، غير انه قال : الا وانى تارك فيكم الثقلين : احدهما كتاب الله وهو حبل الله ، من اتبعه كان على الهدى ، ومن تركه كان على الضلالة ، وفيه : فقلنا : من اهل بيته نساؤه؟ قال لا. وايم الله

__________________

(١) صحيح مسلم الجزء السابع ص ١٢٢.

(٢) صحيح مسلم الجزء السابع ص ١٢٣.

١٠٢

ان المرأة تكون مع الرجل العصر ، ثم الدهر ، ثم يطلقها فترجع الى ابيها وقومها ، اهل بيته ، اصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده (١).

١٣٨ ـ ومن «الجمع بين الصحاح الستة» لرزين ، من الجزء الثالث من جمع ابى الحسن رزين العبدرى ، امام الحرمين ، في باب مناقب امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك على حد ثلث الكتاب.

وبالاسناد المقدم ، ذكره من صحيح ابى داود السجستاني وهو كتاب السنن.

ومن صحيح الترمذي قال : عن ابى سريحة أو زيد بن ارقم : ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : من كنت مولاه فعلى مولاه (٢).

١٣٩ ـ وبالاسناد المقدم ، يليه ايضا من الكتاب المذكور من الباب المذكور ، من صحيح ابى داود وهو كتاب السنن ، وصحيح الترمذي عن حصين بن سبرة انه قال لزيد بن ارقم : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال : يابن اخى ، والله لقد كبرت سنى ، وقدم عهدي ، ونسيت بعض الذي كنت اعى من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فما حدثتكم فاقبلوه ، ومالا ، فلا تكلفونيه ، ثم قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله يوما خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة عند الجحفة ، فحمد الله واثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال :

اما بعد : ايها الناس ، انما انا بشر ، يوشك ان يأتيني رسول ربى عزوجل فاجيب ، وانا تارك فيكم الثقلين : اولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال :

واهل بيتى ، اذكركم الله في اهل بيتى ، اذكركم الله في اهل بيتى ، وكتاب

__________________

(١) صحيح مسلم الجزء السابع ص ١٢٣.

(٢) صحيح الترمذي الجزء الخامس ص ٦٣٣ ـ ح ٣٧١٣.

١٠٣

الله ، فانهما لن يفترقا ، حتى يردا على الحوض.

فقال له حصين : ومن اهل بيته؟ اليس نساؤه من اهل بيته؟ قال : نساؤه من اهل بيته ولكن قد تكون المرأة ، ثم تطلق ، ثم ترجع الى اهلها ، ولكن اهل بيته من حرم الصدقة بعده.

وفى رواية جرير عنه قال : كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، ومن استمسك به ، كان على الهدى ، ومن اخطأه ضل (١).

١٤٠ ـ ومن مناقب الفقيه ، ابى الحسن ، على بن المغازلى ، الواسطي ، الشافعي وبالاسناد المقدم ، قال : اخبرنا أبو يعلى : علي بن أبي عبيدالله بن العلاف البزاز ، اذنا ، قال : اخبرني عبد السلام بن عبد الملك بن حبيب البزاز ، قال : اخبرني عبد الله بن محمد بن عثمان ، قال : حدثنى محمد بن بكر بن عبد الرزاق ، حدثنى أبو حاتم : مغيرة بن محمد المهلبى ، قال : حدثنى مسلم بن ابراهيم ، قال : حدثنى نوح بن قيس الحدانى ، حدثنى الوليد بن صالح ، عن ابن امرأة زيد بن ارقم قال : اقبل نبى الله صلى الله عليه وآله من مكة في حجة الوداع ، حتى نزل بغدير الجحفة ، بين مكة والمدينة ، فامر بالدوحات (٢) ، فقم (٣) ما تحتهن من شوك ، ثم نادى الصلاة جامعة ، فخرجنا الى رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم شديد الحر ، وان منا لمن يضع ردائه على رأسه ، وبعضه تحت قدميه من شدة الحر ، حتى انتهينا الى رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى بنا الظهر ثم انصرف الينا فقال : الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ، ومن سيئات اعمالنا ، الذي لا هادى لمن اضل ، ولا مضل لمن هدى ، واشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله ، اما بعد : ايها الناس ، فانه لم يكن لنبى من

__________________

(١) صحيح الترمذي الجزء الخامس ص ٦٦٣ مع اختلاف في المطبوع.

(٢) الدوحة : الشجرة العظيمة المتسعة ـ لسان العرب.

(٣) قم الشيء قما : كنسه ـ لسان العرب.

١٠٤

العمر الا نصف ما عمر من قبله ، وان عيسى بن مريم عليهما السلام لبث في قومه اربعين سنة وانى قد اسرعت في العشرين.

الا وانى يوشك ان افارقكم ألا وانى مسئول وانتم مسئولون ، فهل بلغتكم.

فماذا انتم قائلون؟ فقام من كل ناحية من القوم محبيب يقولون : نشهد انك عبد الله ورسوله ، فقد بلغت رسالته ، وجاهدت في سبيل الله ، وصدعت بامره ، وعبدته حتى اتاك اليقين فجزاك الله عنا خير ما جزى نبيا.

فقال : الستم تشهدون ان لا اله الا الله وحده لا شريك له؟ وان محمد عبده ورسوله؟ وان الجنة حق؟ والنار حق؟ وتؤمنون بالكتاب كله؟

قالوا : بلى. قال : فانى اشهد ان قد صدقتكم ، وصدقتموني ، الا وانى فرطكم وانكم تبعى ، توشكون ان تردوا على الحوض ، فاسئلكم حين تلقوننى عن ثقلى ، كيف خلفتموني فيهما؟ قال : فاعيل (١) علينا ، ما ندرى ما الثقلان؟ حتى قام رجل من المهاجرين فقال :

بابى انت وامى يا رسول الله ، ما الثقلان؟ قال : الاكبر منهما كتاب الله ، سبب طرف (٢) بيد الله وطرف بايديكم ، فتمسكوا به ولا تولوا ، ولا تضلوا ، والاصغر منهما عترتي ، من استقبل قبلتى واجاب دعوتي ، فلا تقتلوهم ولا تعمدوهم ، ولا تقصروا عنهم ولا تقهروهم فانى قد سئلت لهما اللطيف الخبير ، فاعطاني.

ناصرهما لى ناصر ، وخاذلهما لى خاذل ، ووليهما لى ولى ، وعدوهما لى

__________________

(١) وفى النسخ الموجودة بايدينا : قال فاعتل علينا. وفى صحاح اللغة للجوهري : علت الضالة اعيل عيلا وعيلانا فانا عائل إذا لم تدر أي وجهة تبغيها ، وقال الاحمر : عالنى الشئ يعيلنى عيلا ومعيلا إذا اعجزك.

(٢) هكذا في النسخ الموجودة بايدينا ، ولكن في البحار نقلا عن العمدة : سبب طرفه بيد الله وطرفه بايديكم.

ج ٣٧ ص ١٨٤.

١٠٥

عدو ، الا فانها لم تهلك امة قبلكم حتى تتدين باهواءها وتظاهر على نبوتها ، وتقتل من قام بالقسط منها.

ثم اخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام فرفعها ، وقال : من كنت وليه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، قالها ثلاثا. هذا آخر الخطبة (١).

١٤١ ـ وبالاسناد المقدم ، قال : اخبرنا أبو بكر : احمد بن محمد بن طاوان قال : اخبرنا أبو الحسين : احمد بن الحسين بن السماك ، قال : حدثنى أبو محمد : جعفر بن محمد بن نصير الخلدى ، حدثنى على بن سعيد بن قتيبة الرملي ، قال : حدثنى ضمرة بن ربيعة القرشى ، عن ابن شوذب ، عن مطر الوراق ، عن شهر بن حوشب عن ابى هريرة ، قال :

من صام يوم ثمانية عشرة من ذى الحجة ، كتب الله له صيام ستين شهرا ، وهو يوم غدير خم ، لما اخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : الست اولى بالمؤمنين من انفسهم؟ قالوا : بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال : من كنت مولاه ، فعلى مولاه.

فقال عمر بن الخطاب : بخ بخ لك يابن ابى طالب ، اصبحت مولاى ومولا كل مؤمن ومؤمنة ، فانزل الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٢) و (٣).

١٤٢ ـ وبالاسناد المقدم قال : اخبرنا أبو الحسن : على بن عمر بن عبد الله بن شوذب ، قال : حدثنى ابى ، قال : حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني ، قال : حدثنى احمد بن يحيى بن عبد الحميد ، حدثنى أبو اسرائيل الملائى ، عن الحكم عن ابى سليمان المؤذن ، عن زيد بن ارقم ، قال : نشد على عليه السلام الناس في المسجد قال : انشد الله رجلا سمع من النبي صلى الله عليه وآله يقول :

من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، فكنت

__________________

(١) مناقب ابن المغازلى ص ١٦ ـ ١٨ وفيه : ثم قال : من كنت مولاه فهذا مولاه.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) مناقب ابن المغازلى ص ١٨ ـ ١٩.

١٠٦

انا ممن كتم فذهب بصري (١).

١٤٣ ـ وبالاسناد المقدم قال : اخبرنا احمد بن محمد بن طاوان ، قال : حدثنى الحسين بن محمد العلوى العدل ، قال : حدثنى على بن عبد الله مبشر ، قال : حدثنى احمد بن منصور الرمادي ، قال : حدثنى عبد الله بن صالح ، عن ابن لهيعة عن ابى هبيرة وبكر بن سوادة ، عن قبيصة بن ذويب وابى سلمة بن عبدالرحان ، عن جابر بن عبد الله :

ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل بخم ، فتنحى الناس عنه ، [ونزل معه علي بن أبي طالب (ع) ، فشق على النبي صلى الله عليه وآله تأخر الناس] ، (٢) فامر عليا ، فجمعهم ، فلما اجتمعوا ، قام فيهم وهو متوسد يد علي بن أبي طالب عليه السلام فحمد الله واثنى عليه ، ثم قال : ايها الناس ، انى قد كرهت تخلفكم عنى ، حتى خيل الى انه ليس شجرة ابغض اليكم من شجرة تليني ، ثم قال : لكن علي بن أبي طالب انزله الله منى بمنزلتي منه ، فرضى الله عنه كما انا عنه راض ، فانه لا يختار على قربى ومحبتى شيئا ، ثم رفع يديه فقال : من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

قال : فابتدر الناس الى رسول الله صلى الله عليه وآله يبكون ويتضرعون ، ويقولون : يا رسول الله ما تنحينا عنك الا كراهية ان نثقل عليك ، فنعوذ بالله من شرور انفسنا وسخط رسول الله صلى الله عليه وآله ، فرضى رسول الله صلى الله عليه وآله عنهم عند ذلك (٣).

١٤٤ ـ وبالاسناد المقدم قال : حدثنى أبو القاسم : الفضل بن محمد بن عبد الله الاصفهانى قدم علينا واسطا ، املاء من كتابه لعشر بقين من شهر رمضان سنة اربع وثلاثين واربع مائة ، قال : حدثنى محمد بن على بن عمر بن المهدى ، قال : حدثنى

__________________

(١) مناقب ابن المغازلى ص ٢٣.

(٢) ما بين المعقوفتين كان في مناقب المغازلى.

(٣) مناقب ابن المغازلى ص ٢٥ ـ ٢٦.

١٠٧

سليمان بن احمد بن ايوب الطبراني ، قال : حدثنى احمد بن ابراهيم بن كيسان الثقفى الاصفهانى ، قال : حدثنى اسماعيل بن عمر البجلى ، قال : حدثنى مسعر بن كدام ، عن طلحة بن مصرف ، عن عميرة بن سعد ، قال :

شهدت عليا (ع) على المنبر ، ناشدا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله : من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم يقول : ما قال ، فليشهد ، فقام اثنا عشر رجلا ، منهم : أبو سعيد الخدرى وابو هريرة وانس بن مالك ، فشهدوا : انهم سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من كنت مولاه ، فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (١).

قال أبو الحسن ابن المغازلى الراوى لذلك : قال أبو القاسم الفضل بن محمد : هذا حديث صحيح من رسول الله صلى الله عليه وآله.

وسلم ، وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلى الله عليه وآله نحو مأة نفس منهم العشرة ، وهو حديث ثابت ، لا اعرف له علة تفرد على عليه السلام بهذه الفضيلة لم يشركه فيها احد (٢).

وقد ذكر ابن المغازلى من احاديث يوم الغدير ما قدمنا ذكره من طرق احمد بن حنبل نشير الى اول الراوى والى من يرفع الخبر إليه ، كراهة التطويل ، من غير اثارة نفع زائد ، فمن ذلك :

١٤٥ ـ انه روى احد ذلك عن ابى طالب : محمد بن احمد بن عثمان ، يرفعه الى ابى الضحى ، الى زيد بن ارقم (٣).

١٤٦ ـ والثاني يرويه عن ابي طاهر : محمد بن على البيع ، عن احمد بن الصلت الاهوازي ، يرفعه الى عطية العوفى ، عن ابى سعيد الخدرى (٤).

__________________

(١) مناقب ابن المغازلى ص ٢٦.

(٢) مناقب ابن المغازلى ص ٢٧.

(٣) مناقب ابن المغازلى ص ١٩ ـ ٢٠.

(٤) مناقب ابن المغازلى ص ٢٠.

١٠٨

١٤٧ ـ الثالث ـ عن ابى طالب محمد بن احمد بن عثمان ، عن محمد بن مظفر بن موسى بن عيسى الحافظ البغدادي ، يرفعه إلى حبة العرنى ، وعبد خير وذى مرة ، وعمر ، قالوا : سمعنا علي بن أبي طالب ، ينشد الناس في الرحبة ، [يذكر يوم الغدير] (١) ، فقام اثنا عشر رجلا من اهل بدر ، منهم زيد بن ارقم ، فقالوا : نشهد انا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه (٢).

١٤٨ ـ الرابع ـ عن احمد بن عبد الوهاب ، عن الحسين بن محمد ، العدل ، العلوى ، الواسطي ، يرفعه الى بريدة ، يذكر خروجه مع على عليه السلام إلى اليمن ، وشكايته عليا ، وقول النبي صلى الله عليه وآله له عند ذلك : من كنت مولاه فعلى مولاه ، ومن كنت وليه (٣) فعلى وليه وقد تقدمت سياقة الخبر (٤).

١٤٩ ـ الخامس ـ يرويه عن ابى الفضل : محمد بن الحسين بن عبد الله البرجى الاصفهانى ، يرفعه الى ابى جعفر : محمد بن على بن الحسين ، عن ابيه على عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه ، فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (٥).

١٥٠ ـ السادس ـ يرويه عن احمد بن محمد البزاز قال : حدثنى الحسين بن محمد ، العدل ، يرفعه الى رياح بن الحارث ، قال : كنا مع على عليه السلام في الرحبة ، إذ جاء ركب من الانصار فقالوا : السلام عليك يا مولانا ، فقال : كيف اكون مولاكم ،

__________________

(١) وفى المصدر : باسقاط ما بين المعقوفتين مع اضافة : من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من كنت مولاه فعلى مولاه ، فقام اثنا عشر رجلا.

(٢) مناقب ابن المغازلى ص ٢٠.

(٣) وفى نسخة : من كنت نبيه.

(٤) مناقب ابن المغازلى ص ٢١ و ٢٤.

(٥) مناقب ابن المغازلى ص ٢١ ـ ٢٢ وفيه محمد بن الحسين بن عبيدالله البرجى.

١٠٩

وانتم قوم من العرب؟ قالوا : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم يقول :

من كنت مولاه فعلى مولاه ، ثم انصرفوا. فقلت : من القوم؟ فقالوا : قوم من الانصار ، وفينا أبو ايوب الانصاري (١).

١٥١ ـ السابع ـ قال : اخبرنا احمد بن محمد ، قال : حدثنى الحسين بن محمد ، العدل ، قال : حدثنى اسماعيل بن ابى الحكم الجواربى ، قال : حدثنى يحيى الصوفى ، قال : حدثنى اسماعيل بن ابى الحكم الثقفى ، قال : حدثنى شاذان ، عن عمران بن مسلم ، عن سويد بن ابى صالح ، عن ابيه ، عن ابى هريرة ، عن عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام : من كنت مولاه فعلى مولاه (٢).

١٥٢ ـ الثامن ـ قال : اخبرنا أبو طالب : محمد بن احمد بن عثمان ، يرفعه الى الاعمش عن ابراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود : ان النبي صلى الله عليه وآله قال : من كنت مولاه فعلى مولاه (٣).

١٥٣ ـ التاسع ـ قال اخبرنا أبو الحسين : على بن عمر بن عبد الله بن شوذب ، قال : حدثنى ابى ، قال : حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني ، قال : حدثنى احمد بن يحيى ، بن عبد الحميد ، حدثنى اسرائيل الملائى ، عن الحكم ، عن ابى سليمان المؤذن ، عن زيد بن ارقم ، قال : نشد على عليه السلام الناس في المسجد : انشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول : من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، فكنت انا فيمن كتم الشهادة ، فذهب بصرى (٤).

١٥٤ ـ العاشر ـ قال : اخبرنا احمد بن محمد بن طاوان ، قال : اخبرنا

__________________

(١) مناقب ابن المغازلى ص ٢٢.

(٢) مناقب ابن المغازلى ص ٢٢.

(٣) مناقب ابن المغازلى ص ٢٣.

(٤) مناقب ابن المغازلى ص ٢٤.

١١٠

الحسين بن محمد ، العلوى العدل ، الواسطي. يرفعه الى عطية العوفى ، قال : رأيت ابن ابى اوفى ، وهو في دهليزله ، بعد ما ذهب بصره ، فسألته عن حديث ، فقال : انكم يا اهل الكوفة فيكم ما فيكم.

قال : قلت : اصلحك الله ، انى لست منهم ، ليس عليك منى عار ، قال : أي حديث؟ قلت : حديث على يوم غدير خم ، فقال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله في حجته يوم غدير خم ، وهو آخذ بعضد على عليه السلام فقال : يا ايها الناس ، الستم تعلمون انى اولى بالمؤمنين من انفسهم؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال فمن كنت مولاه فعلى مولاه (١).

١٥٥ ـ الحادى عشر ـ قال : اخبرنا احمد بن محمد بن طاوان ، قال : حدثنى أبو عبد الله : الحسين بن محمد العلوى ، العدل الواسطي ، يرفعه الى الاعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن ابن بريدة ، عن ابيه قال : رسول الله الله صلى الله عليه وآله : من كنت وليه فعلى وليه (٢).

١٥٦ ـ الثاني عشر ـ قال : اخبرنا احمد بن محمد ، قال : حدثنى الحسين بن محمد العلوى ، العدل الواسطي ، يرفعه الى ابن عباس رضى الله عنه ، عن بريدة قال : غزوت مع على عليه السلام اليمن ، فرأيت منه جفوة ، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فذكرت عليا عليه السلام ، فتنقصته ، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله يتغير.

فقال : يا بريدة اولست اولى بالمؤمنين من انفسهم؟ قلت : بلى يا رسول الله قال : من كنت مولاه فعلى مولاه (٣).

قال يحيى بن الحسن : وقد ذكر محمد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ خبر يوم الغدير وطرقه من خمسة وسبعين طريقا ، وافرد له كتابا سماه «كتاب

__________________

(١) مناقب ابن المغازلى ص ٢٣ ـ ٢٤ وفيه فهذا مولاه.

(٢) مناقب ابن المغازلى ص ٢٤.

(٣) مناقب ابن المغازلى ص ٢٤ ـ ٢٥.

١١١

الولاية» وذكر أبو العباس : احمد بن محمد بن سعيد بن عقدة : خبر يوم الغدير ، وافرد له كتابا ، وطرقه من مائة وخمسة. وهذا قد تجاوز حد التواتر ، فلا يوجد خبر قط نقل من طرق بقدر هذه الطرق فيجب ان يكون اصلا متبعا ، وطريقا مهيعا.

قال يحيى بن الحسن في بيان معنى لفظة المولى في اللغة : اعلم ، ان لفظة مولى في اللغة تنقسم على عشرة اوجه : اولها ـ «الاولى» وهو الاصل والعماد ، التي ترجع إليه المعاني في باقى الاقسام ، ثم اعلم ، ان اهل اللغة ومصنفى العربية ، قد نصوا على ان لفظة «مولى» تفيد الاولى ، وفسروا ذلك في كتبهم من كتاب الله تعالى ومن اشعار العرب ، فاما من كتاب الله العزيز ، فان ابا عبيدة معمر بن المثنى وهو مقدم في علم العربية غير مطعون عليه في معرفتها ، قد ذكر في كتابه المتضمن تفسير غريب القرآن المعروف بالمجاز ، في سورة الحديد في تفسير قوله تعالى :

(فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١) يريد جل اسمه هي أولاكم (٢) على ما جاء في التفسير واستشهد بقول اللبيد.

فغدت كلا الفرخين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وأمامها

ومعناه أولى بالمخافة يريد أن هذه الضبية تحيرت فلم تدر أخلفها أولى بالمخافة أم أمامها (٣) ويقول الأخطل في عبد الملك بن مروان :

فما وجدت فيها قريش لأمرها

وأعف وأوفى من أبيك وأمجدا

وأورى بزنديه ولو كان غيره

غداة اختلاف الناس أكدى وأصلدا

فأصبحت مولاها من الناس كلهم

وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا

__________________

(١) الحديد : ١٥ والغدير ج ١ ص ٣٤٥ نقلا عن الرازي في تفسيره ج ٨ ـ ص ٩٣.

(٢) وفى نسخة : هي اولى بكم.

(٣) وهذا البيت من المعلقات السبع راجع لمعرفته والوقوف على معناه كتاب شرح المعلقات السبع للحسين بن احمد بن الحسين الزوزنى ص ١٢٦.

١١٢

فخاطبه بلفظ مولى ، وهو خليفة مطاع الامر ، من حيث اختص بالمعنى الذي احتمله ، وليس أبو عبيدة متهما بالتقصير في علم اللغة ، ولا مظنونا به الميل الى امير المؤمنين عليه السلام ، بل هو معدود من جملة الخوارج.

وقد شاركه في مثل ذلك التفسير ابن قتيبة (١) وهو ايضا لا ميل له الى امير المؤمنين عليه السلام ، الا انه لو علم ان الحق في غير هذا المعنى لقاله.

وقال الفراء في كتابه : «كتاب معاني القرآن» في تفسير هذه الاية : ان الولى والمولى في لغة العرب واحد.

(٢) وقال أبو بكر محمد بن القاسم الانباري في كتابه المعروف بتفسير المشكل في القرآن ، في ذكر اقسام «المولى» : (٣) ان المولى : الولى.

والمولى : الاولى بالشيء ، واستشهد على ذلك بالاية المقدم ذكرها ، وببيت لبيد ايضا وانشد غير بيت لبيد ايضا :

كانوا موالي حق يطلبون به

فأدركوه وما ملوا ولا لغبوا

وقد روى ان في قرائة عبد الله بن مسعود : انما مولاكم الله ورسوله ، مكان (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) (٤).

وفى الحديث : ايما امرأة تزوجت وقيل : نكحت بغير اذن مولاها ، فنكاحها باطل.

والمعلوم من ذلك ان المراد بمولاها ، وليها ، والذى هو اولى الناس بها.

(٥) والاخطل وهو احد شعراء العرب ، وممن لا يطعن عليه في معرفة ، ولا ميل له الى مذهب الاسلام ، بل هو من المبرزين في علم اللغة ، وقد حكى عن ابى العباس المبرد ، انه قال : الولى : الذي هو الاحق والاولى ، ومثله ، المولى ، فيجعل الثلاث

__________________

(١) الغدير ج ١ ص ٣٤٥ نقلا عن كتابه القرطين ج ٢ ص ١٦٤.

(٢) الغدير ج ١ ص ٣٤٥ نقلا عن الفخر الرازي في تفسيره ج ٨ ص ٩٣.

(٣) الغدير ج ١ ص ٣٤٦ وفى ص ٣٥٥ مفصلا.

(٤) المائدة : ٥٥.

(٥) الغدير ج ١ ص ٣٥٤.

١١٣

عبارات لمعنى واحد. ومن له ادنى انس بالعربية ، وكلام اهلها ، لا يخفى عليه ذلك والثانى ـ من اقسام المولى : هو مالك الرق ، قال الله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) (١).

يريد مالكه ، والامر في ذلك اشهر من ان يحتاج الى استشهاد.

والثالث : المعتق.

والرابع : المعتق.

والخامس : ابن العم ، قال الله تعالى : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) (٢) يعني بني العم ومنه قول الشاعر ـ

مهلا بني عمنا مهلا موالينا

لا تنبثوا بيننا ما كان مدفونا

والسادس الناصر قال الله تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) (٣) يريد ناصره وقال تعالى (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) (٤) يريد لا ناصر لهم.

والسابع : المتولي لتضمن الجريرة وتجويز الميراث.

والثامن : الحليف ، قال الشاعر : موالى حلف لا موالى قرابة.

والتاسع : الجار ، قال الشاعر : مولى اليمين ومولى الجار والنسب.

والعاشر : الامام ، السيد المطاع ، وهذه الاقسام التسعة بعد الاولى ، إذا تأمل المعنى فيها ، وجد راجعا الى معنى الاولى ، ومأخوذا منه ، لان مالك الرق لما كان اولى بتدبير عبده من غيره ، كان مولاه دون غيره.

والمعتق لما كان اولى بميراث المعتق من غيره ، كان مولاه ، والمعتق لما

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) مريم : ٥.

(٣) التحريم : ٤.

(٤) محمد : ١١.

١١٤

كان اولى بمعتقه في تحمل جريرته ، والصق به ممن اعتقه غيره ، كان مولاه ايضا كذلك.

وابن العم ، لما كان اولى بالميراث ممن بعده عن نسبه ، واولى بنصرة ابن عمه من الأجنبي ، كان مولاه لاجل ذلك.

والناصر ، لما اختص بالنصرة ، فصار بها اولى ، كان من اجل ذلك مولى والمتولي لتضمن الجريرة ، لما الزم نفسه ما يلزم المعتق ، كان بذلك اولى ممن لا يقبل الولاء ، فصار به اولى بميراثه ، فكان بذلك مولى.

والحليف لاحق في معناه بالمتولى ، فلهذا السبب كان مولى.

والجار ، لما كان اولى بنصرة جاره ممن بعد عن داره واولى بالشفعة في عقاره ، فلذلك صار مولى. (١)

والامام المطاع ، لما كان له من طاعة الرعية وتدبيرهم ، ما يماثل الواجب بملك الرق ، كان لذلك مولى ، فصارت جميع تلك المعاني فيما حددناه ترجع الى معنى الوجه الاول الذي هو الاولى.

وتكشف عن صحة معناه فيما ذكرناه في حقيقته ووصفناه ، فليتأمل ذلك ، ففيه بيان لمن تأمله.

فان قيل : فإذا ثبت ان لفظة «مولى» ، قد تستعمل مكان الاولى ، وانها احد محتملاتها ، فما الدليل على ان النبي صلى الله عليه وآله اراد بها يوم الغدير ، الاولى دون ان يكون اراد بها غيره من الاقسام التي يعبر بها عنها؟ قيل له : مقدمة الكلام التي بدأ بذكرها واخذ اقرار الامة بها من قوله صلى الله عليه وآله : الست اولى منكم بانفسكم؟ ثم عطف عليها بلفظ يحتملها ويحتمل غيرها ، دليل على انه لم يرد بها غير المعنى الذي قررهم عليه ، من دون احدى محتملاتها ، وانه قصد بالمعطوف ، ما هو معطوف عليه ، فلا يجوز ان يرد من الحكيم

__________________

(١) الغدير ج ١ ص ٣٥٠ نقلا عن ابى حيان في تفسيره ج ٥ ص ٥٢ وعن السجستاني العزيزي في غريب القرآن ص ١٥٤.

١١٥

تقرير بلفظ مقصور على معنى مخصوص ، ثم يعطف عليه بلفظ يحتمله ، الا ومراده المخصوص الذي ذكره وقرره ، دون ان يكون اراد بها غيره ما عداه.

يوضح ذلك ويزيده بيانا : انه لو قال : الستم تعرفون دارى التي في موضع كذا؟ ثم وصفها وذكر حدودها. فإذا قالوا : بلى ، قال لهم : فاشهدوا ان دارى وقف على المساكين ، وكانت له دور كثيرة ، لم يجزان يحمل قوله في الدار التي وقفها الا على انها الدار التي قررهم على معرفتها ووصفها.

وكذلك لو قال لهم : الستم تعرفون عبدى فلانا «النوبى»؟ فإذا قالوا : بلى ، قال لهم : فاشهدوا ان عبدى حر لوجه الله تعالى ، وكان له مع ذلك عبيد سواه ، لم يجز ان يقال : انه اراد الا عتق من قررهم على معرفته دون غيره من عبيده ، وان اشترك جميعهم في اسم العبودية.

وإذا كان الامر على ما ذكرناه ، ثبت ان مراد النبي صلى الله عليه وآله بقوله : من كنت مولاه فعلى مولاه ، معنى الاولى ، الذي قدم ذكره وقرره ، ولم يجزان يصرف الى غيره من سائر اقسام لفظة «مولى» ، وما يحتمله ، وذلك يوجب ان عليا عليه السلام اولى بالناس من انفسهم بما ثبت انه مولاهم كما اثبت النبي صلى الله عليه وآله لنفسه انه مولاهم واثبت له القديم تعالى انه اولى بهم من انفسهم فثبت انه اولى بهم من انفسهم ، فثبت انه اولى بلفظ الكتاب العزيز ، وثبت انه مولى بلفظ نفسه ، فلو لم يكن المعنى واحدا ، لما تجاوز ما حد له في لفظ الكتاب العزيز الى لفظ غيره ، فثبت لعلى عليه السلام ما ثبت له في هذا المعنى من غير عدول الى معنى سواه.

ويزيده بيانا ايضا ، انا نتصفح جميع ما تحتمله لفظة مولى من الاقسام التي يعبر بها عنها ، وننظر ما يصح ان يكون مختصا بالنبي صلى الله عليه وآله ، منها ، وما لا يصح اختصاصه به ، وما يجوز ان يوجبه لغيره في تلك الحال مما يخصه ، وما لا يجوز ان يوجبه ، ومع اعتبارها ، لا يوجد فيها ما يوجبه لامير المؤمنين عليه السلام ، غير الاولى والامام والسيد المطاع ، ونحن نذكرها مفصلة على البيان ، فنقول :

١١٦

اما المالك والمعتق ـ فلا يصح ان يكونا مراده صلى الله عليه وآله ، لان عليا عليه السلام لم يكن مالكا لرق كل من ملك النبي صلى الله عليه وآله رقه ، ولا معتقا لمن اعتقه.

واما ـ المعتق فيستحيل ان ينسب إليه صلى الله عليه وآله.

واما الحليف والجار ـ فلا يجوز ان يكونا مراده صلى الله عليه وآله ، لان الحليف هو المنضوي (١) الى غيره ، يمنع منه وينصره ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله حليفا لاحد على هذا الوجه ، فيكون امير المؤمنين عليه السلام حليفه ، ولا كان ايضا في كل حال جار من هو جاره.

فاما منزلهما في المدينة فمعلوم انه واحد ، فهو فيه جار من هو جاره ، وهذا مالا فائدة في ذكره.

واما ضامن الجريرة ـ فلا يجوز ان يكون مراده ، لانه لم يكن ضامن جريرة كل من ضمن جريرته ، ولا يصح ان يكون قد اوجب ذلك ، لانه قد خاطب به الكافة ، ولم يكن ضامن جرائرهم ، ومستحق مواريثهم.

واما الناصر وابن العم ـ فلا يصح ايضا ان يكونا مراده صلى الله عليه وآله للعلم المشترك من الكافة بانه ناصر من هو ناصره ، وابن عم من هو ابن عمه ، فلا يجوز من الرسول صلى الله عليه وآله ان يجمع الناس في مثل ذلك المقام العظيم الكبير ، ويقفهم على ئالرمضاء (٢) في الحر الشديد ، ثم يعلمهم ما هم عالموه ، ويخبرهم بما هم متيقنوه ، وإذا لم يصح ان يكون مراده صلى الله عليه وآله وسلم شيئا من هذه الاقسام ، علمنا ان مراده منها ما بقى منها ، مما هو واجب له على العباد ، ويصح (٣) ان يوجبه لمن اراد ، ولم يبق غير قسمين وهما : الاولى ، والسيد المطاع. فهما على كل حال ، المراد.

__________________

(١) ضوى إليه ضيا وضويا : انضم ولجا. وضويت إليه ، بالفتح ، اضوى ضويا إذا آويت إليه وانضممت ـ لسان العرب.

(٢) الرمض : حر الحجارة من شدة حر الشمس ـ لسان العرب.

(٣) وفى نسخة : ويصلح بدل يصح.

١١٧

ولو لم يكونا ، ولا واحد منهما مراده ، خرج كلامه عن ان يتضمن معنى يستفاد.

وهذا دليل معتمد عليه فليتأمل فيه ، ففيه كفاية في هذا الباب ، غير مفتقر الى ذكر المقدمة المقررة في اول الكتاب ، وهو شاهد بان امير المؤمنين عليه السلام ، الاولى والسيد المطاع.

ويزيده بيانا وايضاحا ايضا وان كان بغير لفظة «مولى» ما قدمنا ذكره من صحيح مسلم ، ومن كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي ، ومن كتاب الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدرى ، ما ذكره من صحيح ابى داود السجستاني ، وصحيح الترمذي ، وهو ما رووه عن زيد بن ارقم ، انه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله يوما فينا خطيبا ، بماء يدعى خما ، بين مكة والمدينة ، فحمد الله واثنى عليه ، ووعظ وذكر ثم قال : اما بعد : الا ايها الناس ، فانما انا بشر ، يوشك ان يأتيني رسول ربى ، فاجيب ، وانا تارك فيكم الثقلين : اولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : واهل بيتى ، اذكركم الله في اهل بيتى ، اذكركم الله في اهل بيتى ، اذكركم الله في اهل بيتى ، فأوصى بكتاب الله دفعة ، وباهل بيته عليهم السلام ثلاث دفعات ، ولم يزد في التأكيد بالوصية بهم الا انهم حفظة الكتاب ، والمترجمون عنه بما لا يعلمه غيرهم ، فثبت الوصا الوصية بهم وبالكتاب العزيز.

ثم قال صلى الله عليه وآله : حبلان ممدودان ، لن يفترقا حتى يردا على الحوض.

ويدل على ان ذلك كان منه صلى الله عليه وآله وصية ، انه نعى إليهم نفسه ، ثم وعظ وذكر وقال الله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) (١).

وان كان الراوى لهذا الخبر الغدير ، قد قصد الاعراض عن ذكر لفظة «مولى» في الخبر ، فقد اتى باوضح منه واجلي في البيان ، واوجب للطاعة والسيادة ، والزم للوصية.

__________________

(١) البقرة : ١٨٠.

١١٨

ومما يؤيد ما قلناه ، من انه مما اراد بلفظة «مولى» استحقاق الامامة وولاء الامة ، دون ما عداه من سائر الاقسام ، ما ذكرناه من قول عمر بن الخطاب : هنيئا لك يابن ابى طالب ، اصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

فدل بالتهنئة له على استحقاق الولاية ، فمن كان مؤمنا ، فعلى مولاه ، ومن ليس بمؤمن ، فلا حاجة لذكره ، لخروجه عن دائرة الاسلام ، فان عليا (ع) لم يكن مولاه ، لموضع شرط النبي صلى الله عليه وآله ، وشهادة عمر بذلك ، وهذا من ادل دليل على صحة ما ذكرناه (١).

وأقادهم رق الأنام بوقعة (٢)

في الروح إذ أضحى عليهم واليا

ما استدرك الإنكار منهم ساخط

إلا وكان بها هنالك راضيا

الفصل الخامس عشر

في تفسير قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٣)

١٥٧ ـ من تفسير الثعلبي ، بالاسناد المقدم ، قال الثعلبي : وقال السدى وعتبة بن ابى حكيم وغالب بن عبد الله : انما عنى بقوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ، علي بن أبي طالب (ع) ، لانه مر ، به سائل وهو راكع في المسجد ، فاعطاه خاتمه (٤).

١٥٨ ـ وبالاسناد المقدم قال : اخبرنا أبو الحسن : محمد بن القاسم الفقيه ، قال : حدثنا أبو عبد الله بن احمد الشعرانى (٥) ، قال : اخبرنا أبو على : احمد بن

__________________

(١) في بعض النسخ : «ما اردناه» بدل ما ذكرناه.

(٢) وفى بعض النسخ : «بوقفة» بدل بوقعة. وكما ان في بعض النسخ : وافادهم رق الانام ، بدل «واقادهم».

(٣) المائدة : ٥٥.

(٤) تفسير الثعلبي المخطوط ص ٧٤ : وغاية المرام ص ١٠٤.

(٥) في غاية المرام : حدثنا عبد الله بن احمد الشعرائى ص ١٠٤.

١١٩

على بن رزين ، قال : حدثنا المظفر بن الحسن الانصاري ، قال : حدثنا السرى بن على الوراق ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الجمانى (١) ، عن قيس بن الربيع ، عن الاعمش ، عن عبادة بن الربعي (٢) ، قال : بينا عبد الله بن عباس «رضى الله عنه» جالس على شفير زمزم ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله.

إذ اقبل رجل معمم بعمامة ، فجعل ابن عباس لا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله الا وقال الرجل : قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له ابن عباس : سألتك بالله من أنت؟ قال : فكشف العمامة عن وجهه ، وقال : ايها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فانا جندب بن جنادة البدرى : أبو ذر الغفاري ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ـ بهاتين ، والا فصمتا ، ورأيته بهاتين ، والا فعميتا ـ يقول :

على قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، اما انى صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوما من الايام صلاة الظهر ، فسأل سائل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يعطه احد شيئا ، فرفع السائل يده الى السماء ، فقال : اللهم اشهد انى سألت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم يعطنى احد شيئا ، وكان على (ع) راكعا ، فاومى إليه بخنصره اليمنى ، وكان يتختم فيها ، فاقبل السائل ، حتى اخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين النبي صلى الله عليه وآله.

فلما فرغ من صلاته رفع رأسه الى السماء وقال :

اللهم ان موسى سألك ، فقال : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (٣). فانزلت عليه قرآنا ناطقا : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا) (٤)

__________________

(١) في غاية المرام : الحمانى بدل الجمانى.

(٢) وفيه ايضا : عباية بن الربعي.

(٣) طه : ٣٢.

(٤) القصص : ٣٥.

١٢٠