ثورة الحسين ظروفها الإجتماعيّة وآثارها الإنسانيّة

الشيخ محمّد مهدي شمس الدّين

ثورة الحسين ظروفها الإجتماعيّة وآثارها الإنسانيّة

المؤلف:

الشيخ محمّد مهدي شمس الدّين


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: المؤسسة الدوليّة للدراسات والنشر
الطبعة: ٧
الصفحات: ٢٢٩

وبقيت مستترة تعبّر عن نفسها دائماً في انفجارات ثورية عاصفة ضدّ الحاكمين مرّة هنا ومرّة هناك. وكانت الثورات تفشل دائماً ولكنّها لم تخمد أبداً ؛ لأنّ الرّوح النضالية كانت باقية تدفع الشعب المسلم إلى الثورة دائماً ، إلى التمرّد ، وإلى التعبير عن نفسه قائلاً للطغاة : إنّي هنا.

حتى جاء العصر الحديث وتعدّدت وسائل إخضاع الشعوب ، وحُكم الشعب المسلم بطغمة لا تستوحي مصالحه ، وإنّما تخدم مصالح آخرين ، ومع ذلك لم يهدأ الشعب ولم يستكن ، ولم تفلح في إخضاعه وسائل القمع الحديثة ، وإنّما بقي ثائراً معبّراً عن إنسانيته دائماً بالثورة ، بالدم المسفوح. وهكذا أثبتت الاُمّة الإسلاميّة وجودها ولم يجرفها التاريخ ، وإنّما بقيت لتصنع التاريخ.

هذا صنيع ثورة الحسين عليه‌السلام. لقد كانت هذه الثورة رأس الحرية في التطوّر. إنّ الأفكار والمشاعر والرّوح التي خلقتها هذه الثورة ، والتي نمّتها وأثرتها الثورات التي جاءت بعدها ، والتي هي امتداد لها ، هي التي صنعت تاريخ الكفاح الدامي من أجل التحرر لهذه البقعة من العالم.

ولا ندري تماماً ماذا كان سيحدث لو لم يقم الحسين عليه‌السلام بثورته هذه.

غير إنّنا نستطيع أن نحدس ذلك الآن ؛ لقد كان يحدث أن يستمر الحكم الاُموي دائماً نفسه بالدجل الديني ، وبفلسفة التواكل والخنوع والتسليم. وكان يحدث أن تستحكم هذه الفلسفة وهذا الجدل الديني في الشعب فيطأطئ دائماً لحاكميه ، ويستكين الحاكمون لموقف الشعب منه فيلهون ، ويضعفون عن القيام بأعباء الحكم وصيانة الدولة ، ويغرقون في اللهو والترف. وعاقبة ذلك هي الانحلال ، انحلال الحاكمين والمحكومين ، وكان يحدث أن يكتسح البلاد الفاتحون ، فلا يجدون مقاومة ولا نضالاً بل يجدون انحلالاً من الحاكمين والمحكومين ، ثم يجرف التاريخ اُولئك وهؤلاء.

٢٢١

ولكن ما حدث غير ذلك ؛ لقد انحلّ الحاكمون حقّاً ، ولقد اكتسحت الدولة حقّاً ، ولكنّ المحكومين لم ينحلّوا بل ظلّوا صامدين.

وكان ذلك بفضل الرّوح التي بثّتها ثورة الثائرين في كربلاء.

٢٢٢

خاتمة

ما نريده ونلح على أنّه ضروري لنا في مرحلتنا الثورية الراهنة هو ألسنة التاريخ ، هو جعله ذا صلة بحياة الإنسان ومطامحه ، هو إعداده ليندمج مع الكائن الإنساني في تركيب عضوي مُتفاعل مُتكامل وليس مجرّد انعكاس خاوٍ لحياة إنسانيّة سابقة.

لقد دأب مدوّنو التأريخ العرب على الاهتمام بالتأريخ الشخصي للملوك والقادة ؛ فسجّلوا بإسهاب عظيم حروبهم وانتصاراتهم ، ومجالس مجونهم ولهوهم ، ولم يولوا الجانب الاجتماعي من الحياة الإسلاميّة ـ وهو ما يتّصل بحياة الأمّة ـ اهتماماً وإن كان ضئيلاً.

ومن هنا أضحى التأريخ عندنا ـ بالنسبة إلى الجماهير ـ مجرّد انعكاس لحيوات سابقة لا يُسهم في تكوين الشخصيّة الإنسانيّة. إنّه قد يُسهم في إثارة الحماس الخلاّق تارة والغرور المدمر اُخرى ، ولكنّه لا يُسهم أبداً في تكوين شخصيّة إنسانيّة سوية مُتكاملة ترتكز على أصول إنسانيّة عريقة ، فلا تفقد محور الارتكاز حين تتعرّض لامتحان قاسٍ لا يجتازه إلاّ الإنسان ... الإنسان.

وإن حُقبتنا الحياتية الراهنة لتُحتم علينا أن نتناول التاريخ تناولاً إنسانياً ،

٢٢٣

تناولاً يُتيح له أن يكون عاملاً مطوّراً فيما يتعلّق بموقفنا من الحياة والكون.

إنّ اُمّتنا الإسلاميّة تجتاز في هذه الحقبة أدق وأخطر مرحلة من مراحل كفاحها الطويل عبر العصور.

لقد حقّقت انتصارات باهرة يجب أن تُحافظ عليها ، وتعمل في الوقت نفسه لتحقيق انتصارات جديدة. وهنا تكمن الخطورة في هذه المرحلة ؛ إنّها الآن حين تقنع بالانتصارات التي حقّقتها وتقعد عن محاولة تحقيق غيرها تتعرّض لخطر فقد هذه الانتصارات نفسها ، ولذلك فيجب أن تحمي هذه الأمّة نفسها من تطرق الوهن والاستسلام إليها. يجب ألا ترضى عن نفسها.

هذه واحدة.

واُخرى وهي أنّها إذا صمّمت على السير ولم تهن ولم تنكل يخشى عليها أن تزيغ وتنحرف في تطوّرها إذا لم يكن عندها ... في أعماقها محور ترتكز عليه وترجع إليه ، محور نابع من شخصيّتها التأريخيّة وذاتيتها العقائديّة.

وما يُؤمنها من أنفسها ، وما يُؤمنها من الزيغ والانحراف في تطوّرها هو أن تعي تأريخها بعد تطهيره ، وتأريخها هي ـ تأريخ الاُمم ـ ليس تأريخ حروب حكّامها ، وانتصاراتهم ومجالس لهوهم ، وإنّما هو تأريخ ثوراتها على هؤلاء الحكّام. إنّ ثورات الاُمم هي التي تمثّل روحها ونضالها وإيمانها ، أمّا الحكّام الذين ثارت عليهم فليسوا منها ؛ لو كانوا منها لما ثارت عليهم ، لو كانوا منها لأحسوا بعذابها ، ولما خلقوا بتصرّفاتهم مبرّرات ثوراتها.

إنّ تأريخ الثورات هو تأريخ الشعوب.

ولكي تبقى هذه الشعوب في يقظة دائمة لئلاّ تخدع عن انتصاراتها ، ولكي

٢٢٤

تبقى في وعي دائم لعملها التطويري الذي تمارسه يجب أن تكون في ثورة دائمة على أعدائها في الخارج والداخل لتحتفظ بانتصاراتها ، وثورة دائمة على نفسها تتناول نفسها بالنقد ، وتفحص موقفها دائماً ؛ لئلاّ تنحرف وتزيغ. ولكي تبقى في ثورة دائمة تُصحح بها أوضاعها من الداخل والخارج يجب أن تُلقن تاريخ نفسها تاريخ ثوراتها.

ففي هذا التأريخ تجد الأساس التأريخي لشخصيتها العقائديّة والنضاليّة فتعصمها شخصيتها العقائديّة من الزيغ والانحراف ، وتعصمها شخصيتها النضاليّة من الوهن والنكول.

ولقد أهمل المؤرّخون الأقدمون تأريخ الثورات أو زيّفوه ؛ لأنّهم ـ بوحي من أنفسهم أو حكّامهم ـ كانوا يعتبرون هذه الثورات حركات تمرّد وعصيان ضدّ السلطة الشرعية.

أمّا الآن ، فيجب أن يُصحح الوضع ، يجب أن يُكتب التأريخ النضالي لأمّتنا كتابة صحيحة ، يجب أن يكشف عن العذاب والاضطهاد والجوع الذي كان يدفع الناس إلى الثورة ، إلى الموت احتجاجاً على واقعهم. يجب أن يكشف عن الشخصيّة التأريخيّة لهذه الأمّة ، ومحور ارتكازها العقائدي والنضالي غير التاريخ. يجب أن يكشف عن مناقبيّة الثائرين التي كانت تعصمهم دائماً من أن ينقلبوا إلى لصوص ، أو سفّاحي دماء لا هدف لهم ولا يشعرون بمسؤوليتهم.

وتأريخ أمّتنا النضالي تأريخ مضيء ؛ فالثورات التي قامت بها أمّتنا عبر العصور كانت دائماً تعبّر تعبيراً تلقائياً حرّاً عن هذه الأمّة وعن إنسانيتها ، وعن رغبتها الحارّة في أن تعيش متمتّعة بكافة حقوقها الإنسانيّة.

وتأتي ثورة الحسين عليه‌السلام في كربلاء على رأس هذا التأريخ.

فهي رأس الحربة في التأريخ الثوري ، هي الثورة الأولى التي عبّأت الناس ودفعت بهم في الطريق الدامي الطويل ، طريق النضال ، بعد أن

٢٢٥

كادوا أن يفقدوا روحهم النضاليّة بفعل سياسة الاُمويِّين.

وهي أغنى ثورة بالعزم والتصميم على المضي في النضال الدامي إلى نهايته أو النصر ؛ فقد عُرضت على الثائرين أمتع حياة ، ولكنّهم أبوا هذه الحياة التي ٥ / ١٩ سيسكتون معها عن الظلم والعسف وإرهاب الأمّة.

وهي ثورة امتحن أبطالها بأقسى ما امتحن به الثائرون على مدى التاريخ. فلم يهنوا ولم ينكلوا بل ثبتوا ـ رغم كلّ شيء ـ ثائرين إلى اللحظة التي توّجوا فيها عملهم العظيم بسقوطهم صرعى في سبيل مبدئهم الحقّ.

وهي أنبل ثورة قام بها جماعة من الناس ؛ فإنّ الثائرين لم يستهدفوا من ثورتهم مغنماً شخصياً لأنفسهم ، وإنّما استهدفوا من ثورتهم تحرير مجتمعهم من الطغاة الذين كانوا يسومونه العذاب ويجرّعونه الصّاب.

ومن هنا تأتي أهيمتها التأريخيّة والتطويرية.

من أنّها النموذج المحتذى ، النموذج الذي جاء كاملاً والذي يجب أن يُستوحى.

وحيث كانت بهذه المثابة وجب أن تنال عناية خاصّة من القيّمين على شأن الكلمة عندنا ، فعلى هؤلاء ـ وهم القوّة المطوّرة والقائدة في الأمّة ـ أن يهتمّوا اهتماماً جدّياً بهذه الثورة بشرح الدور الذي أسهمت به تغذية روح النضال وإلهابها ، وبالكشف عن أخلاقيتها التي بشّرت بها ، وبإحلالها في محلّها اللائق بها تأريخنا الثوري.

وإنّ أدوات الأداء الحديثة لتتيح إمكانيات لا حدّ لها لاستخدام تأريخنا الثوري في تطوير مجتمعنا ، وفي إبراز شخصيته التأريخيّة لعينيه ؛ ليعمل على تركيز نضاله الحديث على الأسس التأريخيّة العقائديّة لحركته النضاليّة الكبرى عبر العصور.

٢٢٦

الفهرس

مقدمة الناشر................................................................. ٥

مقدمة الطبعة الرابعة........................................................... ٧

المقدمة..................................................................... ١٣

ملامح من ثورة الحسين (ع).................................................. ١٧

الفصل الأول الظروف السياسة والاجتماعية ٢٥ ـ ١٠٦

تمهيد....................................................................... ٢٩

أ ـ منطق السقيفة........................................................ ٣١

ب ـ مبدأ عمر في العطاء................................................. ٣٣

ج ـ الشوري........................................................... ٣٥

سياسة عثمان المالية والادارية................................................. ٣٩

موقف عثمان من معارضيه................................................... ٤٤

نتائج سياسة عثمان.......................................................... ٤٧

٢٢٧

موقف الامام (ع) من الحكم بعد عثمان....................................... ٥٠

إصلاحات الامام وموقف المستغلين منها........................................ ٥٢

سياسة معاوية : الارهاب والتجويع............................................ ٦٠

سياسة معاوية : إحياء النزعة القبلية والعنصرية.................................. ٧٢

سياسة معاوية : التخدير الديني................................................ ٨٧

آثار سياسة معاوية في المجتمع الاسلامي......................................... ٩٩

موقف الحسن والحسين (ع) من السياسة الأموية.............................. ١٠٣

الفصل الثاني دوافع الثورة وأسبابها ١٠٧ ـ ١٥٠

لماذا لم يثر الحسين في عهد معاوية؟........................................... ١٠٩

أ ـ الوضع النفسي والاجتماعي للمجتمع في عهد معاوية ، ويشتمل هذا البحث علي تحليل لموقف الحسن (ع) من معاوية ١١٢

ب ـ شخصية معاوية...................................................... ١٢٢

ج ـ العهد والميثاق بين الحسن (ع) ومعاوية.................................. ١٢٧

شخصية يزيد............................................................. ١٣١

موقف الحسين (ع) من يزيد في حياة معاوية.................................. ١٣٣

موقف الحسين من البيعة ليزيد............................................... ١٣٤

بواعث الثورة عند الحسين.................................................. ١٣٩

بواعث الثورة لدي الرأي العام.............................................. ١٤٥

بواعث الثورة الدي الثائرين................................................. ١٤٨

٢٢٨

الفصل الثالث آثار الثورة في الحياة الإسلامية ١٥١ ـ ٢٢٢

تمهيد : ميزان النجاح والفشل في ثورة الحسين

١ ـ آثار الثورة : تحطيم الاطار الديني....................................... ١٥٣

٢ ـ آثار الثورة : الشعور بالاثم............................................ ١٦١

٣ ـ آثار الثورة : الاخلاق الجديدة......................................... ١٧٤

٤ ـ آثار الثورة : انبعاث الروح النضالية.................................... ١٩٥

أ ـ ثورة التوابين.......................................................... ١٩٩

ب ـ ثورة المدينة.......................................................... ٢٠٤

ج ـ ثورة المختار الثقفي................................................... ٢٠٧

د ـ ثورة مطرف بن المغيرة................................................. ٢١٠

هـ ـ ثورة ابن الأشعث................................................... ٢١٢

و ـ ثورة زيد بن علي بن الحسين........................................... ٢١٥

ز ـ ثورة أبي السرايا...................................................... ٢١٧

ماذا أفادت الأمة من انبعاث الروح النضالية................................... ٢٢٠

خاتمة..................................................................... ٢٢٣

٢٢٩