كليات في علم الرجال

الشيخ جعفر السبحاني

كليات في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٣١

أينزع ... الخ » (١).

فزعم المؤلف أن عبد الرحمن بن أبي نجران من مشايخ ابن ابي عمير وهو ثقة أيضاً.

والاستظهار مبنيّ على أن عبد الرحمن عطف على جميل ، وهو غير صحيح. لأن عبد الرحمن ليس في طبقة « جميل بن درّاج » الذي هو من تلامذة الإمام الصادق عليه‌السلام. بل أبوه « أبو نجران » من افراد تلك الطبقة. قال النجاشي : « عبد الرحمن بن ابي نجران : كوفيّ روى عن الرضا ، وروى أبوه ، أبو نجران ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام » وعلى ذلك فعبد الرحمن من رواة طبقة ابن ابي عمير ، لا من مشايخه. ويؤيده رواية « عبدالله بن محمد بن خالد » الذي هو من رواة الطبقة المتأخرة عن ابن ابي عمير ، عن عبد الرحمن بن ابي نجران ، كما في « رجال النجاشي » وعلى ذلك فمفاد السند :

أن الحسين بن سعيد تارة يروي عن فضالة بن أيّوب ، ومحمد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، عن جميل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام.

واُخرى يروي عن عبد الرحمن بن ابي نجران ، عن محمد بن حمران ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام. وبالنتيجة ؛ إن عبد الرحمن عطف على فضالة ابن أيوب ، لا على جميل.

ويوضح ذلك ما رواه الشيخ في « التهذيب » عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن جميل بن درّاج. وابن ابي نجران ، عن محمد بن حمران ، جميعاً ، عن اسماعيل الجعفي (٢).

__________________

١ ـ التهذيب : ٥ / ٣٨٠ ، الحديث ١٣٢٨.

٢ ـ التهذيب : ٥ / ٨٧ ، الحديث ٢٩٠.

٢٢١

فالحسين تارة يروي عن صفوان ، عن جميل بن درّاج ، عن اسماعيل الجعفي ، عن ابي جعفر عليه‌السلام. واخرى عن ابن ابي نجران ، عن محمد بن حمران ، عن اسماعيل الجعفي ، عن الامام الباقر عليه‌السلام. وإنما توسط الجعفي بين محمد بن حمران والإمام ، لأجل كون الرواية السابقة عن الامام الصادق عليه‌السلام ، فيصحّ لمحمد بن حمران الرواية عنه ، بخلاف هذه الرواية. فان المروي عنه هو ابو جعفر الباقر عليه‌السلام ، فيحتاج إلى توسط راو آخر بينه وبين ابي جعفر الباقر عليه‌السلام.

٥ ـ المعلّى بن خنيس : روى الشيخ باسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن محمد بن زياد يعني ابن ابي عمير ، عن معلّى بن خنيس ، قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : « أشتري الزَّرع؟ قال : إذا كان على قدر شبر » (١).

ونقل صاحب « مشايخ الثَّقات » روايته عنه عن رجال الكشّي ( الرقم ٤٦٠ ).

والظّاهر سقوط الواسطة بين ابن ابي عمير والمعلى ، لانه قتل في زمان الامام الصادق عليه‌السلام ، قتله داود بن علي بأمر المنصور. ومن البعيد أن يروي عنه ابن ابي عمير ( المتوفّى عام ٢١٧ هـ ). لأن داود بن علي توفّي عام ١٣٣ هـ ، كما نقله الجزري في الكامل (٢) ، فالمعلّى قتل قبل هذا العام ، وعليه لا يمكن لابن ابي عمير أن ينقل منه الحديث إلا إذا كان من مواليد ١١٧ هـ ، وعند ذلك يكون من المعمّرين الذين عاشوا قرابة مائة سنة ، ولو كان كذلك ، لذكروه في حقه ، لأنّه من الشخصيات البارزة عند الشيعة ، ويؤيد ذلك أن صفوان بن يحيى ( المتوفّى عام ٢١٠ هـ ) يروي كتاب المعلّى ، عنه بواسطة معلّى بن زيد

__________________

١ ـ الوسائل : الجزء ١٣ ، الباب ١١ من ابواب بيع الثمار ، الحديث ٤.

٢ ـ الكامل في التاريخ : ٥ / ٤٤٨.

٢٢٢

الأحول. لاحظ رجال النجاشي ( الرقم : ١١١٤ ).

فالنتيجة ؛ ان المعلي ليس من مشايخ ابن ابي عمير ، سواء كان ثقة كما هو الأصح بل الصحيح ، ام لا.

وهذا قليل من كثير ممن عُدوا من مشايخه ، وليسوا منهم وانما قدمنا ذلك لتكن كالمقدمة لحل بعض النقوض التي اوردت على الضابطة.

الخامس : هل المراد من قوله : « فان كان ممن يعلم انه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به ، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره » هو الانسان الموثوق به ، سواء أكان إمامياً أم غيره أو خصوص العدل الإمامي؟

توضيحه ؛ انّه قد تطلق الثقة ويراد منها الصدوق لساناً وان كان عاصياً بالجوارح ، وهي في مقابل الكذوب الذي يعصي بلسانه ، كما يعصي بسائر اعضائه ، وهذا هو الظاهر عند التوصيف بانه ثقة في الحديث.

وقد تطلق ويراد منها المتحرز عن المعاصي كلها ، ومنها الكذب ، سواء كان إمامياً أم غيره ، والوثاقة بهذا المعنى في الراوي توجب كون خبره موثقاً لا صحيحاً. وقد تطلق ويراد ذاك المعنى باضافة كونه صحيح المذهب ، أي كونه امامياً.

ان بعض الأجلة استظهر ان المراد منها في عبارة الشيخ هو المعنى الثالث ، فقال ما هذا مفاده :

١ ـ ذكر الشيخ عند البحث عن ترجيح احد الخبرين على الآخر بأن رواية المخالف شيعياً كان أم غيره ، إنما يحتج بها إذا لم يكن في مقابلها خبر مخالف مروي من الفرقة المحقّة ، وإلا فلا يحتج بها ، واليك نصه : « فإما إذا كان مخالفاً في الإعتقاد لأصل المذهب ، وروى مع ذلك عن الائمة ( عليهم

٢٢٣

السلام ) ، نظر فيما يرويه ، فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه ، وجب اطراح خبره. وان لم يكن هناك ما يوجب اطراح خبره ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به ، وان لم يكن هناك من الفرقة المحقّة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ، ولا يعرف لهم قول فيه ، وجب ايضاً العمل به » (١).

وذكر نظير ذلك في حق سائر فرق الشيعة مثل الفطحية والواقفة والناووسية.

٢ ـ ان الطائفة سوت بين مراسيل الثلاثة ومسانيد غيرهم ، وبما ان المراد من مسانيد الغير ، هو الاحاديث المروية عن طرق اصحابنا الإمامية ، فيجب ان يكون المراد من الثقة الذي يرسل عنه هؤلاء الثلاثة ، العدل الإمامي ، حتى تصحّ التسوية بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم ، وإلا فلو كان المراد منها هو الثقة بالمعنى الأعم ، بحيث يشمل الامامي وغيره من فرق الشيعة وغيرهم ، لكانت التسوية مخالفاً لما حقَّقه واختاره من التفصيل ، فلا تصحّ التسوية إلا إذا كان الثقة الذي يرسل عنه ابن ابي عمير وأضرابه ، عدلاً إمامياً.

وعلى ذلك فهؤلاء الاقطاب الثلاثة كانوا ملتزمين بأن لا يروون إلا عن الثقة بالمعنى الاخص ، فلو وجدنا مورداً من مسانيد هؤلاء رووا فيه عن ضعيف في الحديث ، او صدوق ولكن مخالف في المذهب ، تكون القاعدة منقوضة ، فليست نقوض القاعدة منحصرة بالنَّقل عن الضّعاف ، بل تعمّ ما كان النقل عن موثق في الحديث مخالف للمذهب الحق.

ولا يخفى أن ما استنبطه من كلام الشيخ مبنيّ على ثبوت احد امرين :

الأول : أن يكون الثقة في مصطلح القدماء من يكون صدوقاً إمامياً ، او عدلاً إمامياً ، بحيث يكون للاعتقاد بالمذهب الحقّ دخالة في مفهومها حتى يحمل عليه قوله « لا يروون ولا يرسلون إلا عمّن يوثق به ».

__________________

١ ـ عدة الاصول : ١ / ٣٧٩ ، الطبعة الحديثة.

٢٢٤

الثاني : أن يكون مذهبه في حجّية خبر الواحد هو نفس مذهب القدماء ، بأن يكون المقتضي في خبر المخالف ناقصاً غير تامّ ، ولاجل ذلك لا يعارض خبر الموافق ، بخلاف الموافق فان الاقتضاء فيه تامّ ، فيقدم على خبر المخالف ، ولكن يعارض خبر الموافق الآخر. وفي ثبوت كلا الامرين نظر.

أما الأول ، فلا ريب في افادتها المدح التامّ وكون المتصف بها معتمداً ضابطاً ، وأما دلالتها على كونه امامياً فغير ظاهر ، إلا إذا اقترنت بالقرائن ، كما إذا كان بناء المؤلف على ترجمة اهل الحق من الرواة وذكر غيره على وجه الاستطراد ، ففي مثل ذلك يستظهر كونها بمعنى الامامي ، كما هو الحال في رجال النجاشي وغيره. وأما دلالتها على كون الراوي إمامياً على وجه الاطلاق فهي غير ثابتة ، إذ ليس للثقة إلا معنى واحد ، وهو من يوثق به في العمل الذي نريده منه ، فالوثاقة المطلوبة من الاطباء غير ما تطلب من نقلة الحديث. فيراد منها الامين في الموضوع الذي تصدى له. وعلى ذلك يصير معنى الثقة في مورد الرواة من يوثق بروايته ، وتطمئن النفس بها لاجل وجود مبادئ فيه تمسكه عن الكذب ، وأوضح المبادئ الممسكة هو الاعتقاد بالله ورسله وأنبيائه ومعاده ، سواء كان مصيباً في سائر ما يدين ، أو لا.

نعم نقل العلاّمة المامقاني في « مقباس الهداية » عن بعض من عاصره بأنه جزم باستفادة كون الراوي اماميا من اطلاق لفظ الثقة عليه ، ما لم يصرّح بالخلاف ، كما نقل عن المحقق البهبهاني دلالته على عدالته (١).

ولكن كلامهما منزّل على وجود قرائن في كلام المستعمل تفيد كلاًّ من هذين القيدين ، وإلا فهو في مظانّ الاطلاق لا يفيد سوى ما يتبادر منه عند أهل اللغة والعرف.

هذا ولم يعلم كون الثقة في كلام القدماء الذين يحكي عنهم الشيخ

__________________

١ ـ مقباس الهداية : ١١٢.

٢٢٥

قوله : « سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمَّن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم » غير معناه المتبادر عند العرف ، فان تفسير « عمَّن يوثق به » بالإمامي الصدوق او الإمامي العادل ، يحتاج إلى قرينة دالّة عليه.

وأما الثاني ، فان ما أفاده الشيخ من التفصيل في أخبار غير الإمامي إنما هو مختار نفسه ، لا خيرة الاصحاب جميعاً ، ولأجل ذلك قال عند الاستدلال على التفصيل : « فأما ما اخترته من المذهب ، فهو أن خبر الواحد إذا كان واردا من طريق اصحابنا القائلين بالامامة ... » (١).

ثم أخذ في الاستدلال على التفصيل المختار على وجه مبسوط ، ويظهر من ثنايا كلامه أن الاصحاب يعملون بأخبار الخاطئين في الاعتقاد مطلقاً ، حيث قال : « إذا علم من اعتقادهم تمسكهم بالدين وتحرّجهم من الكذب ووضع الاحاديث ، وهذه كانت طريقة جماعة عاصروا الائمة عليهم‌السلام ، نحو عبدالله بن بكير ، وسماعة بن مهران ، ونحو بني فضّال من المتأخرين عنهم ، وبني سماعة ومن شاكلهم ، فاذا علمنا أن هؤلاء الذين أشرنا اليهم وان كانوا مخطئين في الاعتقاد من القول بالوقف وغير ذلك ، كانوا ثقاتاً في النقل ، فما يكون طريقه هؤلاء ، جاز العمل به » (٢).

نعم يظهر من بعض عبائره أن ما اختاره من التفصيل هو خيرة الاصحاب أيضاً (٣).

ومع ذلك كلّه فلا تطمئن النفس بأن ما اختاره هو نفس مختار قدماء

__________________

١ ـ عدة الاصول : ١ / ٣٣٦ ، الطبعة الحديثة.

٢ ـ عدة الاصول : ١ / ٣٥٠.

٣ ـ لاحظ ما ذكره في عمل الاصحاب بما رواه حفص بن غياث ونوح بن دراج والسكوني في عدة الأُصول : ١ / ٣٨٠.

٢٢٦

الاصحاب ، وعلى ذلك فلا يكون مختار ، في حجّية خبر الواحد ، قرينة على أن المراد من الثقة في قولهم « لأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة » هو الثقة بالمعنى الاخص ، إلا إذا ثبت أن خيرته وخيرة الاصحاب في حجّية خبر الواحد سواسية.

وعلى ذلك فينحصر النقض بما إذا ثبت رواية هؤلاء عن الضعيف في الرواية ، لا في المذهب والاعتقاد ولا أقل يكون ذلك هو المتيقن في التسوية الواردة في كلام الاصحاب.

وبذلك يسقط النقض بكثير ممَّن روى عنه ابن ابي عمير وقد رموا بالناووسيَّة ، او الوقف ، أو الفطحية والعامية ، واليك أسامي هؤلاء سواء كانوا ثقات من غير ذلك الوجه أم لا.

أما الواقفة فيقرب من ثلاثة عشر شيخاً أعني بهم :

١ ـ إبراهيم بن عبد الحميد الاسدي ٢ ـ الحسين بن مختار ٣ ـ حنان بن سدير ٤ ـ داود بن الحصين ٥ ـ درست بن ابي منصور ٦ ـ زكريا المؤمن ٧ ـ زياد بن مروان القندي ٨ ـ سماعة بن مهران ٩ ـ سيف بن عميرة ١٠ ـ عثمان بن عيسى ١١ ـ محمد بن اسحاق بن عمار ١٢ ـ منصور بن يونس بزرج ١٣ ـ موسى بن بكر.

وأما الفطحية من مشايخه فنذكر منهم :

١٤ ـ اسحاق بن عمار الساباطي ١٥ ـ اسماعيل بن عمار ١٦ ـ يونس بن يعقوب ١٧ ـ عبدالله بن بكير ١٨ ـ خالد بن نجيح جوّان (١).

وقد روى عن جماعة من العامة منهم :

__________________

١ ـ لاحظ في الوقوف على روايته عنهم « مشايخ الثقات » القائمة المخصوصة لمشايخه.

٢٢٧

١٩ ـ مالك بن انس على ما في فهرست الشيخ في ترجمة مالك ٢٠ ـ محمد بن عبدالرحمن بن ابي ليلى القاضي المعروف ، كما في كمال الدين ص ٤١١ ـ ٢١ ـ محمد بن يحيى الخثعمي على ما في فهرست الشيخ في ترجمته. ٢٢ ـ أبو حنيفة على ما في الاختصاص ص ١٠٩.

وقد روى عن بعض الزيدية نظير ٢٣ ـ زياد بن المنذر على ما في فهرست الشيخ.

وقد روى عن بعض الناووسية مثل أبان بن عثمان المرميّ بالناووسية ، وان كان الحقّ براءته منها. وعلى الجملة فروايته عن هؤلاء من أجل كونهم من الواقفة والفطحية ، او العامة ، لا تعدّ نقضاً إذا كانوا ثقات في الرواية ، وانما تعدّ نقضاً إذا كانوا ضعافاً في نقل الحديث.

السادس : ان القدر المتيقن من التزامه بكون المروي عنه ثقة ، إذا كان روى عنه بلا واسطة ، واما النقل بواسطة فلم يظهر من العبارة التزامه به أيضاً ، ولأجل ذلك لو ثبت نقله عن غير ثقة بواسطة الثقة فلا يعدّ نقضاً.

وبذلك يظهر أن حجّية مراسيله مختصة بما إذا أرسل عن واسطة واحدة ، كما إذا قال : عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام. واما إذا علم أن الارسال بواسطتين ، فيشكل الأخذ به إلا ببعض المحاولات التي سنشير اليها في خاتمة البحث.

السابع : قد عرفت الايعاز على ان الشهيد الثاني استشكل على هذه التسوية ـ كما نقله المحدث النوري في مستدركه ـ وتبعه سبطه صاحب المدارك وولده في المعالم ، وقد كان الوالد المغفور له ، ينقل عن شيخه « شيخ الشريعة الاصفهاني » أنه كان معترضا على هذه التسوية وغير مؤمن بصحتها ، وقد صبَّ صاحب معجم الرجال (١) ما ذكره الشهيد ، وما اضاف اليه ، في قوالب

__________________

١ ـ معجم رجال الحديث : ١ / ٦٤ ـ ٦٨.

٢٢٨

خاصة. ونحن نذكر الجميع مع ما يمكن أن يقال في دفعه فقال ـ دام ظله ـ : إن هذه التسوية لا تتمّ بوجوه :

أولا : لو كانت التسوية صحيحة لذكرت في كلام احد من القدماء فمن المطمأنّ به أن منشأ هذه الدعوى هو دعوى الكشي الاجماع على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء ، وقد مرّ أن مفاده ليس توثيق مشايخهم ، ويؤكد ما ذكرناه أن الشيخ لم يخصّ ما ذكره بالثلاثة المذكورين ، بل عمَّمه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون إلا عمن يوثق به ، وفي الظاهر أنه لم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشي الاجماع على التصحيح ، وممّا يكشف عن أن نسبة الشيخ التسوية المذكورة إلى الاصحاب مبتنية على اجتهاده ، أن الشيخ بنفسه ردَّ في مواضع رواية ابن ابي عمير للارسال. وقد عرفت بعض موارد الردّ.

وفيه : أن قوله « لو كانت أمراً متسالماً عليه لذكرت في كلام أحد من القدماء » وان كان صحيحاً ، إلا أن ما رتب عليه من قوله « وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر » غير ثابت ، لانه إنما تصحّ تلك الدعوى لو وصل الينا شيء من كتبهم الرجالية ، فان مظانّ ذكر هذا هو مثل هذه الكتب ، والمفروض أنه لم يصل الينا منها سوى كتاب الكشي الذي هو أيضاً ليس اصل الكتاب ، بل ما اختاره الشيخ منه ، وسوى « رجال البرقي » الذي عبَّر عنه الشيخ في الفهرست بـ « طبقات الرجال » وعندئذ كيف يصحّ لنا أن نقول « وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر »؟

أضف إلى ذلك أنه من الممكن أن الشيخ استنبطها من الكتب الفقهية غير الواصلة الينا ، حيث رأى أنهم يعاملون مراسيلهم عند عدم التعارض معاملة المسانيد ، أو يعاملونها معاملة المعارض إذا كان في مقابلها خبر مخالف.

وما ذكره من « أن الشيخ لم يخصّه بالثلاثة المذكورين بل عمَّمه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون إلا عمَّن يوثق به ومن المعلوم أنه لم

٢٢٩

يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشي الإجماع على التصحيح » غير تامّ أيضاً ، فإن الظاهر أن مراده من « وغيرهم من الثقات » هم المعروفون بأنهم لا يروون إلا عنهم ، وقد ذكرنا اسماء بعضهم ، والمتتبع في معاجم الرجال وفهارسها يقف على عدّة كان ديدنهم عدم النقل إلا عن الثقات ، ولاجل ذلك كانوا يعدّون النقل عن الضعفاء ضعفاً في الراوي ويقولون : « أحمد بن محمد بن خالد البرقي ثقة إلا انه يروي عن الضعفاء » وهذا يكشف عن تجنب عدة من الاعاظم عن هذا ، ومعه كيف يصح أن يدعي « ولم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشي ».

ثم إنه أيُ فرق بين دعوى الكشي في حق اصحاب الاجماع فتقبل ثم يناقش في مدلولها ، ودعوى الشيخ في حق هؤلاء الثلاثة فلا تقبل من رأس وترمى بأنها مستنبطة من كلام الكشي؟!

وأما مخالفة الشيخ نفسه في موارد من التهذيب والاستبصار فقد عرفت وجهه ، وانه ألّف جامعيه في أوائل شبابه ، ولم يكن عند ذاك واقفاً على سيرة الاصحاب في مراسيل هؤلاء ، فلأجل ذلك ردَّ مراسيلهم بحجة الارسال. ولكنه وقف عليها بعد الممارسة الكثيرة بكتب الاصحاب الرجالية والفقهية ، وكتب وألف كتاب « العدَّة » في أيام الشريف المرتضى ( المتوفّى عام ٤٣٦ هـ ) وهو في تلك الايام يتجاوز عمره الخمسين سنة ، وقد خالط الفقه والرجال لحمه ودمه ، ووقف على الاُصول المؤلفة في عصر الأئمة عليهم‌السلام وبعده.

وثانياً : فرضنا أن التسوية ثابتة ، لكن من المظنون قويّاً أن منشأ ذلك هو بناء العامل على حجية خبر كل إمامي لم يظهر منه فسق ، وعدم اعتبار الوثاقة فيه ، كما نسب إلى القدماء ، واختاره جمع من المتأخرين منهم العلاّمة على ما سيجيء في ترجمة أحمد بن اسماعيل بن عبدالله (١) وعليه لا أثر لهذه التسوية

__________________

١ ـ معجم رجال الحديث : ٢ / ٥١.

٢٣٠

بالنسبة إلى من يعتبر الوثاقة (١).

وفيه : أن نسبة العمل بخبر كل إمامي لم يظهر منه فسق إلى قدماء الامامية ، تخالف ما ذكره عنهم الشيخ في « العدة » ، وهو أبصر بآرائهم حيث قال في ضمن استدلاله على حجية الاخبار التي رواها الاصحاب في تصانيفهم : « ان واحداً منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه سألوه من أين قلت هذا؟ فاذا أحالهم على كتاب معروف ، او اصل مشهور ، وكان راويه ثقة لا يُنكر حديثه ، سكتوا وسلَّموا الأمر في ذلك ، وقبلوا قوله ، وهذه عادتهم وسجيّتهم من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعده من الائمة عليهم‌السلام » (٢).

ترى أنه يقيد عملهم وقبولهم الرواية بكون راويه ثقة ، والقول بحجية كل خبر يرويه إمامي لم يظهر فسقه ، اشبه بقول الحشوية ، وقريب من رأيهم في الاخبار ، ولو كان ذلك مذهب القدامى من الامامية لما صح للسيد المرتضى ادّعاء الاتفاق على عدم حجية خبر الواحد ، فإن ذلك الإدعاء مع هذه النسبة في طرفي النقيض.

ولو كان بناء القدماء على اصالة العدالة في كل من لم يعلم حاله ، فلا معنى لتقسيم الرواة إلى الثقة ، والضعيف ، والمجهول ، بل كان عليهم ان يوثقوا كل من لم يثبت ضعفه ، ومن المعلوم ثبوت خلافه.

واما ما نقل عن العلاّمة في حق أحمد بن اسماعيل من قوله « لم ينصّ علماؤنا عليه بتعديل ولم يرو فيه جرح ، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها من المعارض » (٣) فمن الممكن أن يكون اعتماده عليه لأجل ما قاله النجاشي في ترجمته من أن « له عدة كتب لم يصنف مثلها ، وأن أباه كان من غلمان أحمد بن

__________________

١ ـ معجم رجال الحديث : ج ١ ص ٦٥.

٢ ـ عدّة الأُصول : ١ / ٣٣٨ ، الطبعة الحديثة.

٣ ـ الخلاصة : ١٦.

٢٣١

ابي عبد الله البرقي وممن تأدب عليه وممّن كتَّبه » (١) وما قاله الشيخ في الفهرست : « كان من اهل الفضل والادب والعلم وله كتب عدة لم يصنف مثلها فمن كتبه كتاب العباسي ، وهو كتاب عظيم نحو عشرة آلاف ورقة في اخبار الخلفاء والدولة العباسية مستوفى ، لم يصنف مثله » (٢) ، وما قاله في رجاله : « أديب أستاذ ابن العميد » (٣).

وهذه الجمل تعرب عن انه كان من مشاهير علماء الشيعة الإمامية وأكابرهم وفي القمة من الأدب والكتابة.

ومثل ذلك لا يحتاج إلى التوثيق ، بل إذا لم يرد فيه جرح يحكم بوثاقته ، فان موقفه بين العلماء غير موقف مطلق الراوي الذي لا يحكم في حقه بشيء إلا بما ورد فيه ، فيحكم بالجهل او الاهمال ، ولاجل ذلك كله كان ديدن العلماء في حق الأعاظم والأكابر هو الحكم بالوثاقة ، وان لم يرد في حقهم التصريح بها ، فلأجل ذلك نحكم بوثاقة نظراء إبراهيم بن هاشم والصدوق وغيرهما ، وان لم يرد في حقهم تصريح بالوثاقة.

وثالثاً : ان اثبات ان هؤلاء لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، دونه خرط القتاد ، فإن الطريق إليه إمّا تصريح نفس الراوي بأنّه لا يروي ولا يرسل إلا عنه ، أو التتبع في مسانيدهم ومشايخهم وعدم العثور على رواية هؤلاء عن ضعيف.

اما الأول ؛ فلم ينسب إلى احد من هؤلاء اخباره وتصريحه بذلك ، واما الثاني ؛ فغايته عدم الوجدان ، وهو لا يدل على عدم الوجود ، على انه لو تم ، فانما يتم في المسانيد دون المراسيل ، فان ابن أبي عمير قد غاب عنه اسماء من

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ٢٤٠.

٢ ـ فهرست الشيخ : ٢٣.

٣ ـ رجال الشيخ : ٤٥٥ ، الرقم ١٠٣.

٢٣٢

روى عنهم ، فكيف يمكن للغير ان يطلع عليهم ويعرف وثاقتهم.

وفيه : أنا نختار الشق الأول وانهم صرحوا ، بذلك ، ووقف عليه تلاميذهم والرواة عنهم ، ووقف الشيخ والنجاشي عن طريقهم عليه ، وعدم وقوفنا عليه بعد ضياع كثير من كتب القدماء من الاصحاب ، اشبه بالاستدلال بعدم الوجدان على عدم الوجود ، كما ان من الممكن ان يقف عليه الشيخ من خلال الكتب الفتوائية من تعامل الأصحاب مع مراسيلهم معاملة المسانيد ، وعدم التفريق بينهما قيد شعرة.

ولنا ان نختار الشق الثاني ، وهو التتبع في المسانيد ، وما ذكره من ان غايته عدم الوجدان وهو لا يدل على عدم الوجود ، غير تام ، لأنه لو تتبعنا مسانيد هؤلاء ولم نجد لهم شيخاً ضعيفاً في الحديث ، نطمئن بأن ذلك ليس إلا من جهة التزامهم بعدم الرواية إلا عن ثقة ، ولم يكن ذلك من باب الصدفة ، ولو ثبت ذلك لما كان هناك فرق بين المسانيد والمراسيل ، واحتمال وجود الضعاف في الثانية دون الأولى ، احتمال ضعيف لا يعبأ به.

إلى هنا ثبت عدم تمامية الاشكالات الثلاثة ، والمهم هو الاشكال الرابع ، وهو ثبوت رواية هؤلاء عن الضعاف ، وذلك بالتتبع في مسانيدهم ومعه كيف يمكن ادعاء لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

٢٣٣
٢٣٤

نقض القاعدة بالنقل عن الضعاف

ذكر صاحب معجم الرجال من مشايخه الضعاف اربعة شيوخ يعني بهم :

١ ـ علي بن ابي حمزة البطائني.

٢ ـ يونس بن ظبيان.

٣ ـ علي بن حديد.

٤ ـ الحسين بن أحمد المنقري.

ولو صح نقله عنهم مع ثبوت كونهم ضعافاً بطلت القاعدة ، وإليك تفصيل ذلك :

١ ـ علي بن ابي حمزة البطائني : روى الكليني عن ابن أبي عمير ، عن علي بن ابي حمزة ، عن ابي بصير ، قال : شكوت إلى ابي عبد الله عليه‌السلام الوسواس ... (١).

روى الكشي عن ابي مسعود العياشي قال : سمعت علي بن الحسن

__________________

١ ـ الكافي : ٣ / ٣٥٥ كتاب الجنائز ، باب النوادر ، الحديث ٢٠.

٢٣٥

ابن فضال يقول : ابن ابي حمزة كذّاب ملعون ، قد رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت تفسير القرآن من أوله إلى آخره ، إلا أني لا أستحل ان أروي عنه حديثاً واحداً (١).

أقول : ان علي بن ابي حمزة البطائني من الواقفة ، وهو ضعيف المذهب ، وليس ضعيفاً في الحديث على الأقوى (٢). وهو مطعون لأجل وقفه في موسى بن جعفر عليه‌السلام وعدم اعتقاده بإمامة الرضا عليه‌السلام ، وليس مطعوناً من جانب النقل والرواية ، وقد عرفت ان المراد من « عمن يوثق به » في عبارة الكشي هو الموثوق في الحديث ، فيكفي في ذلك ان يكون مسلماً متحرزاً عن الكذب في الرواية ، وأما كونه إمامياً فلا يظهر من عبارة « العدة » وعلى ذلك فالنقض غير تام.

وأما ما نقل من العياشي في حق ابن أبي حمزة من انه كذاب ملعون ، فهو راجع إلى ابنه ، أي الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، لا إلى نفسه ، كما استظهره صاحب المعالم في هامش « التحرير الطاووسي » (٣) ، وابن ابي حمزة مشترك في الاطلاق بين الوالد والولد. والشاهد على ذلك أمران :

الأول : ان الكشي نقله أيضاً في ترجمة الحسن بن ابي حمزة البطائني. قال ( العياشي ) : سألت علي بن الحسن بن فضال ، عن الحسن بن علي بن ابي حمزة البطائني ، فقال : « كذاب ملعون رويت عنه أحاديث كثيرة » فلا يصحّ القول جزماً ، لأنّه راجع إلى الوالد ، والظاهر من النجاشي أنّه راجع إلى الولد ، حيث نقل طعن ابن فضّال في ترجمة الحسن.

__________________

١ ـ رجال الكشي : ٣٤٥.

٢ ـ لاحظ دلائل الطرفين في تنقيح المقال : ٢ / ٢٦٢ ، وقد بسط المحقق الكلباسي الكلام فيه في سماء المقال : ١ / ١٣٤ ـ ١٥٤.

٣ ـ تنقيح المقال : ٢ / ٢٦٢.

٢٣٦

الثاني : ان علي بن ابي حمزة توفي قبل ان يتولد علي بن الحسن بن فضال بأعوام ، فكيف يمكن ان يكتب عنه أحاديث ، وتفسير القرآن من أوله إلى آخره ، وانما حصل الاشتباه من نقله ـ الكشي ـ في ترجمة الوالد تارة ، وترجمة الولد اخرى (١) ، وذلك لأن علي بن ابي حمزة مات في زمن الرضا عليه‌السلام حتى أخبر عليه‌السلام انه اُقعد في قبره فسئل عن الائمة فأخبر بأسمائهم حتى انتهى إليّ فسئل فوقف ، فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره ناراً (٢) ، فإذا توفي الرضا عليه‌السلام عام ٢٠٣ هـ ، فقد توفّي ابن أبي حمزة قبل ذلك العام.

ومن جانب آخر مات ( الحسن بن فضّال ) سنة أربع وعشرين ومائتين كما أرَّخه النجاشي في ترجمته.

وكان ولده ( علي ) يتجنّب الرواية عنه وهو ابن ثمان عشرة سنة كما كان يقول : « كنت اُقابله ( الوالد ) ـ وسنّي ثمان عشرة سنة ـ بكتبه ولا أفهم إذ ذاك الروايات ولا أستحلّ أن أرويها عنه » ولأجل ذلك روى عن أخويه عن أبيهما. فاذا كان سنّه عند موت الوالد ثماني عشرة فعليه يكون من مواليد عام ٢٠٦ هـ ، فمعه كيف يمكن أن يروي عن علي بن أبي حمزة الذي توفي في حياة الامام الرضا عليه‌السلام؟

وعلى كلّ تقدير فقد روى ابن ابي عمير كتاب علي بن أبي حمزة عنه ، كما نصَّ به النجاشي في ترجمته (٣).

أقول : إن من المحتمل في هذا المورد وسائر الموارد ، أن ابن أبي عمير نقل عنه الحديث في حال استقامته ، لأن الاستاذ والتلميذ أدركا عصر الامام أبي

__________________

١ ـ رجال الكشي : ٤٦٢ ، رقم الترجمة ٤٢٥.

٢ ـ رجال الكشي : ٣٤٥.

٣ ـ رجال النجاشي : الرقم ٦٧٦.

٢٣٧

الحسن الكاظم عليه‌السلام ، فقد كان ابن أبي حمزة موضع ثقة منه ، وقد أخذ عنه الحديث عندما كان مستقيم المذهب ، صحيح العقيدة فحدَّثه بعد انحرافه أيضاً ، نعم لو لم يكن ابن ابي عمير مدركاً لعصر الامام الكاظم عليه‌السلام وانحصر نقله في عصر الرضا عليه‌السلام يكون النقل عنه ناقضاً للقاعدة ، ولكن عرفت أنه أدرك كلا العصرين.

أضف إلى ذلك أنه لم يثبت كون عليّ بن أبي حمزة من الواقفة ، وما اُقيم من الادلة فهي معارضة بمثلها او بأحسن منها ، وسيجيء الكلام فيه إجمالاً عند البحث عن رواية صفوان عنه فارتقب.

٢ ـ يونس بن ظبيان : روى الشيخ عن موسى بن القاسم ، عن صفوان ، وابن ابي عمير ، عن بريد او يزيد ويونس بن ظبيان قالا : سألنا أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل يحرم في رجب او في شهر رمضان ، حتى إذا كان أوان الحجّ أتى متمتعاً ، فقال : لا بأس بذلك (١).

ويونس بن ظبيان ضعيف ، قال النجاشي : « ضعيف جدّاً لا يلتفت إلى ما رواه ، كل كتبه تخليط » (٢).

وقال الكاظمي في التكملة : « علماء الرجال بالغوا في ذمّه ونسبوه إلى الكذب ، والضعف ، والتّهمة ، والغلوّ ، ووضع الحديث ، ونقلوا عن الرضا عليه‌السلام لعنه » (٣).

والاجابة بوجوه :

الأول : الظاهر أن محمد بن أبي عمير لا يروي عن غير الثقة إذا انفرد هو

__________________

١ ـ التهذيب : ٥ / ٣٢ ، رقم الحديث ٩٥ ، كتاب الحج باب ضروب الحج ، وكتاب الاستبصار : ج ٢ ، رقم الحديث ٥١٣.

٢ ـ رجال النجاشي : ٤٤٨ ، رقم الترجمة ١٢١٠ ، من طبعة جماعة المدرسين بقم.

٣ ـ التكملة : ٢ / ٦٣٠.

٢٣٨

بالنقل ، ولأجله لم يرو عن يونس بن ظبيان ، إلا هذا الحديث فقط ، كما هو الظاهر من معجم الرجال عند البحث عن تفصيل طبقات الرواة ( ج ٢٢ ص ٣٢٠ ) ؛ واما إذا كم يتفرد ، كما إذا نقله الثقة وغيره فيروي عنهما تأييداً للخبر. وبعبارة اخرى لا يروي عن الضعيف إذا كان في طول الثقة لا في عرضه. وأما المقام فقد روى عن بريد ويونس بن ظبيان معاً. ويونس وإن كان ضعيفاً ، لكنه كما رواه عنه رواه عن بريد أيضاً كما في نسخة التهذيب والوافي والوسائل ، أو عن يزيد كما في نسخة الاستبصار (١). والأول بعيد ، لأن رواية ابن أبي عمير عن بريد بن معاوية المتوفّى في حياة الإمام الصادق عليه‌السلام ، قبل ( ١٤٨ هـ ) بعيده ، فالثاني هو المتعين.

ويحتمل أن يكون المراد من « يزيد » أبا خالد القماط وهو ثقة يروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام ويروي عنه صفوان ، كما في رجال النجاشي ، فيصح نقل ابن أبي عمير عنه ، كما يحتمل أن يكون المراد منه يزيد بن خليفة الذي هو من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، ويروي عنه صفوان أيضاً كما في الاستبصار ( ج ٣ ، الحديث ٣٧٢ ).

الثاني : احتمال وجود الارسال في الرواية بمعنى وجود الواسطة بين ابن أبي عمير ويونس ، وقد سقطت عند النقل وذلك لأن يونس قد توفي في حياة الإمام الصادق عليه‌السلام ، كما يظهر من الدعاء الآتي. وقد توفي الإمام عليه‌السلام عام ١٤٨ هـ ، ومن البعيد أن يروي ابن أبي عمير ( المتوفّى عام ٢١٧ هـ ) عن مثله ، الاّ أن يكون معمراً قابلاً لأخذ الحديث عن تلاميذ الإمام الذين توفوا في حياته ، وهو غير ثابت.

الثالث : إنه لم يثبت ضعف يونس ، لا لما رواه الكشي عن هشام بن سالم ، قال : « سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن يونس بن ظبيان فقال رحمه‌الله وبنى له بيتاً في الجنة ، كان والله مأموناً في الحديث » وذلك لأن في

__________________

١ ـ لا حظ معجم رجال الحديث : ٢٢ / ١١٤.

٢٣٩

سنده ضعفاً ، وهو وجود ابن الهروي المجهول ، وقد نص به الكشي ، بل لرواية البزنطي ذلك الخبر في جامعه بسند صحيح ، وقد نقله ابن إدريس في مستطرفاته. وما في معجم رجال الحديث من أن طريق ابن إدريس إلى جامع البزنطي مجهول ، فالرواية بكلا طريقيها ضعيفة ، غير تام ، لأن جامعه كسائر الجوامع كان من الكتب المشهورة التي كان انتسابها إلى مؤلفيها أمراً قطعياً ، ولم يكن من الكتب المجهولة ، كيف وقد كان مرجع الشيعة قبل تأليف الجوامع الثانوية كالكافي وغيره.

ولأجل هذه الوجوه الثلاثة لا تصلح الرواية لنقض القاعدة.

٣ ـ علي بن حديد : روى الشيخ عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابه ، عن احدهما عليهما‌السلام في رجل كانت له جارية فوطئها ثمّ اشترى اُمّها أو ابنتها ، قال : لا تحل له (١).

ذكر الشيخ علي بن حديد في رجاله (٢) في أصحاب الرضا عليه‌السلام ، وفي الإمام الجواد عليه‌السلام (٣) ، وفي فهرسته قائلاً بأن له كتاباً. وقال الكشي في رجاله : « فطحي من أهل الكوفة ، وكان أدرك الّرضا عليه‌السلام » (٤) ، وقال العلاّمة في القسم الثاني من الخلاصة : « علي بن حديد بن الحكيم ، ضعّفه شيخنا في كتاب الاستبصار والتهذيب ، لا يعول

__________________

١ ـ التهذيب : ٧ / ٢٧٦ ، الحديث ١١٧١ من كتاب النكاح الباب ٢٥ ، والاستبصار : ج ٣ الحديث ٥٧٥ ، وليس لابن ابي عمير رواية عن علي بن حديد ، ـ حسب الظاهر ـ إلا هذه الرواية ، وهذه قرينة على ان علي بن حديد معاصره ، لا المروي عنه فقد روى الحسين عنهما جميعاً. لاحظ تفصيل طبقات الرواة لمعجم رجال الحديث : ٢٢ / ٢٩٣ ، كما سيوافيك بيانه.

٢ ـ رجال الشيخ : ٢٨٢.

٣ ـ رجال الشيخ : ٤٠٢.

٤ ـ الفهرس : ١١٥.

٢٤٠