حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

بسم الله الرحمن الرحيم

تقسيم المكاسب بحسب الأحكام الخمسة

قوله : (قد جرت عادة غير واحد على تقسيم المكاسب) (١) .. إلى آخره.

يعني : أنّهم قسّموا الاكتساب باعتبار خصوص المكتسب به إلى الأقسام الثلاثة ، وإن ذكروا انقسامه بانقسام الأحكام الخمسة باعتباره في نفسه ، مع قطع النظر عن ملاحظة خصوص المكتسب به.

وبهذا اللحاظ مثّلوا الواجب والمستحب بالاكتساب للنفقة الواجبة والمستحبّة ، وظاهرهم أنّه باعتبار خصوص المكتسب به ، لا وجود للواجب والمستحب ، لأنّه ليس لنا من الأعيان ، أو المنافع ما يجب أو يستحب الاكتساب به.

ثمّ المراد من اعتبار خصوصيّته في المكتسب به أعمّ من اعتبار خصوصيّة لتلك العين المكتسب بها مطلقا من غير ملاحظة لخصوصيّة المشتري كما في بيع الخمر ـ أو مع ملاحظة في المشتري ـ كما في بيع السلاح لأعداء الدين ، وبيع

__________________

(١) المكاسب : ١ / ١٣.

١

العنب ليعمل خمرا ـ فإنّ الخصوصيّة هنا قد لوحظت في خصوص العين والمشتري معا ، فلا يرد عليهم خروج المثالين عمّا قالوه من تعلّق التحريم بالاكتساب باعتبار خصوصية في العين.

وأنّ التحريم فيهما باعتبار الإعانة على الإثم لا باعتبار الخصوصيّة في العين ، لظهور جواز بيع العينين في غير خصوص الموردين ، وذلك لما عرفت من اعتبار الخصوصيّة في العين في المثالين ، ولو لخصوص المشتري الخاصّ.

قوله : (فتأمّل) (١).

وجه التأمّل أنّ الزراعة والرعي لم يثبت من الأخبار استحباب التكسّب بهما ، بل المستحب نفس مباشرة الزراعة وخصوص هذا العمل ، من غير فرق بين التكسّب بها والتبرّع بها لغيره ، أو العمل بها لنفسه ، وكذا المستحب اتّخاذ الشاة أو الشاتين في البيت لا للتكسّب بالرعي.

ففي «الوسائل» : عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا اتّخذ أهل بيت شاة أتاهم الله برزقها ، وزاد في أرزاقهم ، وارتحل عنهم الفقر مرحلة ، فإن اتّخذوا شاتين أتاهم الله بأرزاقهما ، [وزاد في أرزاقهم] وارتحل الفقر عنهم مرحلتين ، وإن اتّخذوا ثلاثة أتاهم الله بأرزاقها ، وارتحل عنهم الفقر رأسا» (٢).

ونحوها غيرها ممّا دلّ على أنّ اتّخاذها في البيت بركة لأهلها (٣).

__________________

(١) المكاسب : ١ / ١٣.

(٢) وسائل الشيعة : ١١ / ٥٠٩ ٢ لحديث ١٥٣٩٢.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ١١ / ٥٠٩ الباب ٣٠ من أبواب أحكام الدواب.

٢

وشي‌ء منها لا دلالة فيه على استحباب التكسّب بالغنم أو بشي‌ء من أجزائه ، بل المستفاد منها استحباب الاتّخاذ في البيت ، لكونه موجبا لإقسام الرزق.

وكذا الصناعة الواجبة كفاية إنّما يجب إيجادها في الخارج لرفع حاجة الغير ، لا خصوص المعاوضة بها ، ومجرّد جواز أخذ العوض لا يوجب وجوبه ، فالصناعة حينئذ ليست ممّا يجب التكسّب بها ، بل ممّا يجب إيجادها كفاية ، ولو مع أخذ العوض.

قوله : (ومعنى حرمة الاكتساب : حرمة النقل والانتقال بقصد ترتّب الأثر) (١).

قد ذكروا لتوجيه موضوع الحرمة هنا ـ أي التحريم المستفاد من هذه الأخبار ـ امورا :

أحدها : ما اختاره المصنّف من كون موضوعه هو إنشاء النقل والانتقال مشروطا بقصد ترتّب الأثر ، فلا تحريم بدون هذا القصد.

ثانيها : مجرّد العقد وإيقاع الصيغة ، ولو من دون قصد ترتّب الأثر.

ثالثها : كلّ من الإنشاء وترتيب الآثار.

أقول : لا وجه للالتزام بشي‌ء منها بعد ظهور كون المراد من الحرمة في المقام حرمة التصرّفات من جهة الفساد ، فلا حرمة في المقام غير تحريم أكل مال الغير على وجه العدوان ، فإنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النبوي المشهور : «إنّ الله إذا حرّم

__________________

(١) المكاسب : ١ / ١٣.

٣

شيئا حرّم ثمنه» (١) ظاهر ـ بل صريح ـ في إرادة بيان الفساد ، وعدم تملّك الثمن ثمن جهة عدم ماليّة المثمن ، لفرض تحريم الشارع لجميع المنافع ، وإيجاب ذلك لسقوطه عن الماليّة.

وكذلك قول الصادق عليه‌السلام في المروي عن «دعائم الإسلام» : «لم يجز بيعه ولا شراؤه» (٢) ، لا يراد به إلّا الفساد ، وليس استعمال النهي في مقام بيان الفساد إلّا كاستعمال الأمر في مقام بيان الجزئيّة والشرطيّة والحجيّة.

فكما لا يستفاد من الأمر في تلك المقامات إلّا الحكم الوضعي ؛ فكذلك النهي في أمثال هذا المقام لا يستفاد منه إلّا الحكم الوضعي وهو الفساد ، فالمراد من النهي والتحريم هنا بيان الفساد وحرمة ترتّب الآثار المتفرّعة على الفساد.

الاكتساب بالأعيان النجسة

قوله : (الأوّل : الاكتساب بالأعيان النجسة) (٣) .. إلى آخره.

لا ريب أنّ النجاسة ليست من الموانع للصحّة ، وإن أوهمت ذلك بعض العبائر ، كعبارة «التذكرة» حيث قال : «يشترط في المعقود عليه الطهارة الأصليّة ، فلا تضرّ النجاسة [العارضة] مع قبول التطهير ، ولو باع نجس العين كالخمر والميتة والخنزير لم يصحّ إجماعا» (٤) ، انتهى.

__________________

(١) دعائم الإسلام : ٢ / ١١٠ الحديث ٣٠١ ، سنن الدار قطني : ٣ / ٧ الحديث ٢٠.

(٢) دعائم الإسلام : ٢ / ١٨ الحديث ٢٣.

(٣) المكاسب : ١ / ١٥.

(٤) تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٦٤.

٤

بل الشرط إنّما هو ثبوت الماليّة المحقّقة بثبوت المنفعة المحللة ، إلّا أنّ النجاسة قد يوجب ارتفاعها ، وقد لا توجب ، فإن أوجبت منعت عن الصحّة لذلك ، وهذا كما في المائعات النجسة أو المتنجّسة وإلّا فالكافر وبعض أقسام الكلب سيجي‌ء ، بل سيجي‌ء جواز بيع العذرة للزرع ، كما عن بعضهم (١).

وفي «القواعد» بعد عدّه ممّا يحرم الاكتساب به كلّ نجس لا يقبل التطهير قال : (ويجوز بيع الماء النجس لقبوله الطهارة) (٢).

وكيف كان ؛ فلا ريب في أنّه ليس المناط في الصحّة إلّا الماليّة ، فكلّ عين حرم الانتفاع بها مطلقا أو الانتفاع المعتدّ به منها من جهة النجاسة أو غيرها بحيث لم يبق لها منفعة محلّلة يبذل بإزائها المال عرفا ؛ لم يصحّ بيعها.

وهذا ظاهر ، لكن هل الأصل في الأعيان النجسة حرمة الانتفاع بها إلّا ما خرج ، أو الأصل جواز الانتفاع بها إلّا ما خرج؟ وجهان.

حكى أوّلهما عن الفخر و «التنقيح» (والفاضل المقداد خ ل) مستدلّين عليه بدلالة الأخبار (٣) ، كقوله عليه‌السلام في رواية «تحف العقول» : «أو شي‌ء من وجوه النجس ، فهذا كلّه حرام محرّم ، لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه ، فجميع تقلّبه في ذلك حرام» (٤).

والمراد من وجوه النجس ؛ الأعيان النجسة ، وقوله : «لأنّ ذلك كلّه منهي عن أكله» .. إلى آخره ، وقوله : «جميع التقلّب» يشمل جميع الانتفاعات ،

__________________

(١) انظر! جواهر الكلام : ٢٢ / ١٩ ، نسب القول إلى الأردبيلي والمحقّق الخراساني والفاضل القاساني.

(٢) قواعد الأحكام : ١ / ١٢٠.

(٣) لاحظ! التنقيح الرائع : ٢ / ٥ ، إيضاح الفوائد : ١ / ٤٠١ و ٤٠٢.

(٤) تحف العقول : ٣٣١.

٥

وحينئذ يشمل الانتفاع بالميتة ولو بسدّ ساقية بها ، ويشمل الخنزير ، ولو بأخذ حبل منه ، لاستقاء الزرع ، وبالخمر ولو بأخذ الطين منه للسطح ، وبالدم ولو للصبغ به ، وأمثال ذلك من الانتفاعات بالأعيان النجسة ، والالتزام بالحرمة في جميع ذلك لعلّه مخالف للضرورة.

والأوفق بالقواعد هو الوجه الثاني وهو مختار شيخ مشايخنا الشيخ جعفر الغروي ، قال : (وذلك لعمومات الحلّ والإباحة وجواز الانتفاع بكلّ شي‌ء ، وعدم نهوض ما ذكر في الرواية للخروج عنه ، خصوصا مع شمولها لغير وجوه النجس من سائر ما يحرم الانتفاع به ، وشمولها لمثل النقل والتحويل الّذي لا يقول به أحد) (١).

بيع أبوال ما يؤكل لحمه

قوله : (بجواز شربها اختيارا ، كما عليه جماعة من القدماء (٢) والمتأخّرين (٣) ، بل عن المرتضى رحمه‌الله دعوى الإجماع عليه (٤) ، فالظاهر جواز بيعها) (٥) .. إلى آخره.

لا ريب أنّ جواز البيع مترتّب على ثبوت الماليّة ، لا على جواز الشرب ، ومجرّد جواز الشرب ما لم يوجب فيها ثبوت الماليّة لا يجوّز البيع.

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) نقل عن ابن الجنيد الشهيد في الدروس الشرعيّة : ٣ / ١٧ ، الانتصار : ٢٠١.

(٣) السرائر : ٣ / ١٢٥ ، كفاية الأحكام : ٢٥٢ ، المختصر النافع : ٢٥٤.

(٤) الانتصار : ٢٠١.

(٥) المكاسب : ١ / ١٧ و ١٨.

٦

فتفريع جواز البيع على جواز الشرب غير وجيه ، كما أنّه على القول بعدم الجواز للاستحباب بمجرّده لا يوجب عدم جواز البيع ، بل المناط ثبوت الماليّة وهو ثبوت المنفعة المعتدّ بها من غير فرق بين كونها في حال الاختيار والاضطرار.

وقوله عليه‌السلام : «إنّ الله إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه» (١) محمول على المنافع المقصودة من ذلك الشي‌ء ، ومعلوم أنّ حرمة تلك المنافع موجب لإسقاط ماليّته ، فيحرم عنه لذلك.

ولا ينتقض بالطين المحرّم أكله ، لأنّ منافعه الاخر غير الأكل هي المقصود منه ، لا الأكل ، فهذا غير داخل في العموم.

بيع بول الإبل

قوله : (بل لأنّ المنفعة المحلّلة للاضطرار) (٢) .. إلى آخره.

وفيه ما عرفت من أنّ العبرة في جواز البيع بثبوت الماليّة ، لا بالمنفعة المحلّلة في حال الاختيار ، بل المنفعة لو كانت معتدّة بها سواء كانت حليّتها مطلقا أو في حال مخصوص يوجب ثبوت الماليّة ، إذ هو موجب لجواز البيع ، كما في الأدوية.

فلو قيل بعدم جواز البيع في الأبوال وإن انتفع بها للدواء لم يكن له وجه إلّا كون هذه المنفعة جزئيّة نادرة غير معتدّ بها ، كما علّل به في «النهاية» (٣) لا ما علّل به شيخنا قدس‌سره.

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٢ / ١١٠ الحديث ٣٠١ ، مستدرك الوسائل : ١٣ / ٧٣ الحديث ١٤٧٨٧.

(٢) المكاسب : ١ / ٢٢.

(٣) نهاية الإحكام : ٢ / ٤٦٣.

٧

بيع العذرة

قوله : (وأبعد منه ما عن المجلسي رحمه‌الله من احتمال حمل خبر المنع (١)) (٢) .. إلى آخره.

أقول : هذا حمل الأخبار على ما تقتضيه القواعد ، وذلك لما عرفت من أنّ جواز البيع متفرّع على ثبوت الماليّة ، وهو متفرّع على ثبوت المنفعة المحلّلة.

وعرفت أنّ الأصل في الأعيان النجسة جواز الانتفاع بها إلّا ما خرج ، وحينئذ فمقتضى القواعد جواز بيع العذرة في البلاد الّتي ينتفع بها للزرع الّتي لظهور ثبوت الماليّة لها لذلك ، مع ثبوت الإجماع على جواز الانتفاع بها لذلك ، فيعدّ القول بعدم جواز البيع مع ثبوت الماليّة عرفا ، بل وشرعا أيضا مع فرض جواز الانتفاع لمجرّد التعبّد الشرعي ، للخبر (٣).

فهذا الحمل من جهة موافقة الخبرين (٤) حينئذ معا على القواعد قريب ، وإن كان من جهة جمعهما في كلام واحد لمخاطب واحد بعيدا ، لكنّ البعد إنّما هو في تلك الرواية فقط ، لا في باقي الروايات.

وحمل خبر المنع على التقيّة أيضا غير بعيد ، كما ذكره بعضهم (٥).

__________________

(١) ملاذ الأخيار : ١٠ / ٣٧٩ ذيل الحديث ٢٠٢.

(٢) المكاسب : ١ / ٢٤.

(٣) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٧٥ الحديث ٢٢٢٨٦.

(٤) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٧٥ الحديث ٢٢٢٨٥ و ٢٢٢٨٦.

(٥) ملاذ الأخيار : ١ / ٣٧٩ حكى القول فيه عن والده.

٨

قوله : (وإلّا فرواية الجواز لا يجوز الأخذ بها من وجوه لا تخفى) .. إلى آخره (١).

قد عرفت أنّ الأوفق للقواعد هو الأخذ برواية «الجواز» ، ومراده رحمه‌الله من الوجوه هو موافقة معاصري الإمام عليه‌السلام من قضاة العامّة ، ومخالفة الشهرة والإجماع المنقول ، وعموم تحريم بيع الأعيان النجسة المستفاد من قوله عليه‌السلام : «أو شي‌ء من وجوه النجس» المذكور في رواية «تحف العقول» (٢).

ويضعف الجميع كون الجواز موافقا للأصل والقواعد ، وبعد التعبّد في أمثال ذلك ، مع الحكم بجواز الانتفاع ، إلّا أن يمنع التملّك رأسا ولو بالحيازة ، كما حكي دعواه عن «المنتهى» (٣) وهو أيضا بعيد ، كما لا يخفى.

ومن هنا قال الأردبيلي رحمه‌الله في «شرح الإرشاد» ـ بعد نقل عدم الجواز عن بعضهم (٤) ـ : (وفيه تأمّل ، وينبغي عدم الإشكال في جواز البيع والشراء والقنية فيما له نفع مقصود محلّل ، لعدم المنع منه عقلا وشرعا ، ولهذا ترى أنّ عذرة الإنسان تحفظ ، بل تباع وينتفع بها في الزراعات في بلاد المسلمين من غير نكير.

.. إلى أن قال : فلو لم يكن إجماع يمنع من قنية النجاسة وبيعها ينبغي

__________________

(١) المكاسب : ١ / ٢٥.

(٢) تحف العقول : ٣٣١.

(٣) لاحظ! منتهى المطلب : ٢ / ١٠١٠.

(٤) تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٦٤.

٩

تجويزهما للأصل وحصول النفع المقصود للعقلاء ، مع عدم دليل صالح لذلك) (١) ، انتهى.

وعن المحقّق الخراساني موافقته (٢).

وعن المحدّث الكاشاني : (أنّ المعتمد جواز بيع العذرة ونحوها تمسّكا بالأصل وعموم (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٣) ، وعدم دليل معتدّ به على المنع ، فإنّ النجاسة والاستخباث لا يصلحان له ، ولحديث : «كلّ شي‌ء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (٤) ، ولظاهر الإذن في المستثنيات من المحرّمات ، ككلب الحائط ، والعبد الكافر ونحوهما حيث إنّ استثناءها لوجود النفع فيها ، فيصحّ بيع كلّ ما فيه نفع ، ومنها العذرة حيث ينتفع بها في الزرع والغرس) (٥) ، انتهى.

بيع المني

قوله : (ولو وقع فيه فكذلك) (٦) .. إلى آخره.

ولا يخفى أنّ التعليل بالنجاسة في المني إنّما يصحّ مع وقوعه في الخارج ، وإلّا فالمني مع كونه في الباطن لا نجاسة فيه ، وكذا مع انتقاله من باطن إلى باطن ، فلا يصحّ التعليل بها مع وقوعه في الرحم.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٣٩ و ٤٠.

(٢) كفاية الأحكام : ٨٤.

(٣) البقرة (٢) : ٢٧٥.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٨ الحديث ٩٣٧.

(٥) مفاتيح الشرائع : ٣ / ٥١.

(٦) المكاسب : ١ / ٢٩.

١٠

اللهمّ إلّا أن يكون المراد من قوله : (فكذلك) أي في عدم الإشكال في حرمة البيع ، لا في التعليل بالنجاسة ، ويكون الوجه في الحرمة حينئذ عدم الانتفاع به خاصّة.

لكن ينافيه قوله بعد ذلك : (فالمتعيّن التعليل بالنجاسة).

ووجه عدم انتفاع المشتري بهذا المنع ، وإن كان هو مالك الامّ ، تملّكه قهرا بدخوله في رحم الامّ ، بدليل كون الولد نماء الامّ خاصّة في الحيوان ، لا للأب خاصّة ، ولا لهما معا ، فلا يمكن أن يكون الانتقال بالشراء.

قوله : (لأنّ الولد نماء الامّ في الحيوانات عرفا) (١).

بل وشرعا أيضا ، لأنّ الولد ملك لمالك الامّ بحسب الشرع أيضا ، لا بحسب العرف فقط ، فالتقييد بالعرف لعلّه في مقابل العقل ، لأنّ تكوّن الولد من الماءين يقتضي كون الولد للأبوين ، بحسب اقتضاء التكوّن ، لا للامّ فقط.

قوله : (وللأب في الإنسان شرعا) (٢).

ليس المراد من كونه نماء الأب كونه ملكا لمالك الأب دون مالك الامّ ، لو كان الأبوان مملوكين ، بل هو حينئذ نماء لهما ، فيملكهما المالكان بالاشتراك بالسويّة ، بل المراد من ذلك اللحوق الشرعي باعتبار ثبوت الولاية عليه للأب شرعا دون الامّ ، فهو الأولى بالتصرّف في نفسه وماله ولا ولاية للامّ عليه بوجه.

فهذا يكشف عن كونه نماء له خاصّة شرعا ، لا لهما ، وإن كان بحسب

__________________

(١) المكاسب : ١ / ٢٩.

(٢) المكاسب : ١ / ٢٩.

١١

العقل والعرف نماء لهما معا يرجّح نمائيّته للأب هنا بحسب العرف أيضا على خلاف حكمه في الحيوان.

قوله : (وقد ذكر العلّامة رحمه‌الله هنا من المحرّمات بيع عسيب الفحل (١)) .. إلى آخره (٢).

اعلم! أنّ ماء الفحل يختلف أسماؤه بحسب اختلاف أحواله ، فهو بعد خروجه من رأس الذكر منيّ ، وقبله ليس بشي‌ء ، كما يظهر من «المصباح» حيث قال : (وسمّي منيّا لما يمنى به ، أي : يراق ـ إلى أن قال ـ : وأمنى الرجل إمناء : أراق منيّه ، والمني : فعيل بمعنى مفعول) (٣) ، انتهى.

ومن بعد حركته إلى أن يخرج ؛ عسيب ، ومن بعد استقراره إلى رحم الانثى ؛ لقاح.

وفي «المجمع» : اللقاح ـ بالفتح ـ اسم ماء الفحل (٤).

وعن «الفائق» : أنّ المراد بالملاقيح النطفة بعد استقرارها في الرحم ، والعسب الماء قبلها (٥) ، انتهى.

وفي حال كونه في الأصلاب ؛ مضامين ، قال في «المجمع» : وفي الخبر :

__________________

(١) تحرير الأحكام : ١ / ١٦٠.

(٢) المكاسب : ١ / ٢٩.

(٣) المصباح المنير : ٢ / ٥٨٢.

(٤) مجمع البحرين : ٢ / ٤٠٩.

(٥) لم يرد هذا القول في الفائق ، ولكن قاله المحقق الثاني في جامع المقاصد : (٤ / ٥٣) بعد ما نقل معنى العسب عن الفائق ، والظاهر أنّ المؤلّف رحمه‌الله التبس عليه الكلام ونسبه إلى الفائق.

١٢

«نهي عن بيع المضامين» (١) أي ما في أصلاب الفحول (٢) ، انتهى.

ثمّ إنّ المصنّف لما بيّن حكم هذا الماء في حال كونه منيّا أراد أن يبيّن حكمه باعتبار أحواله الاخر أيضا ، فنقل عن العلّامة الحكم بتحريم بيع العسيب والملاقيح (٣).

وعن «جامع المقاصد» : (وفي الحديث : «نهى عن عسيب الفحل» (٤) ـ أي لا يؤخذ لضرابه كراء) (٥).

وعن «نهاية ابن الأثير» : أنّه نهى عن عسيب الفحل ـ إلى أن قال ـ : وإنّما أراد النهي عن الكراء (٦).

وعن «الفائق» للزمخشري : (النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن عسب الفحل أي عن كراء [قرعه]) (٧).

وعن «المصباح» : ونهي عن عسب الفحل ، وهو على حذف مضاف ، والأصل عن كراء عسب الفحل (٨).

وعن «مفتاح الكرامة» : في وجه عدول العلّامة عمّا فهموه إلى البيع قال :

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٥٢ الحديث ٢٢٧٣١ ، وفيه : ونهى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الملاقيح والمضامين.

(٢) مجمع البحرين : ٢ / ٤٠٩.

(٣) تحرير الأحكام : ١ / ١٦٠.

(٤) وسائل الشيعة : ١٧ / ١١١ الحديث ٢٢١١٤.

(٥) جامع المقاصد : ٤ / ٥٣.

(٦) النهاية لابن الأثير : ٣ / ٢٣٤ مادّة : «عسب».

(٧) الفائق للزمخشري : ٢ / ٤٢٨.

(٨) المصباح المنير : ٤٠٩.

١٣

(لأنّ استيجاره الفحل للضراب ليس محرّما عند علمائنا) (١).

ثمّ نقل عن «التذكرة» و «نهاية الإحكام» و «السرائر» و «الشرائع» : أنّ اجرة ضراب الفحل ليست محرّمة عندنا (٢) ، بل نقل عن العلّامة أنّه مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وأنّ ما قاله في «المبسوط» من أنّه لا اجرة له ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن كسب الفحل ، فهو حكاية مذهب المخالفين ، فلا يتوهّم متوهّم أنّه اعتقاده (٣).

قوله : (وعلّل في «الغنية» (٤) بطلان بيع ما في أصلاب الفحول بالجهالة ، وعدم القدرة على التسليم) (٥).

قيل : وبهما علّل أيضا في «التذكرة» حيث قال بعد حكمه بعدم الجواز : (ولا نعرف خلافا بين العلماء في فساد هذين البيعين للجهالة ، وعدم القدرة على التسليم ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الملاقيح والمضامين) (٦).

ثمّ المراد بالجهالة قيل : جهالة عينهما بحسب المقدار ، والأظهر إرادة ما ذكره في «المصباح» من أنّ ثمرته المقصودة منه غير معلوم ، فإنّه قد يلقح وقد لا يلقح (٧) ، فهو عزيز ، لكن هذا التعليل ذكره للكراء لا للبيع وهو أنسب من البيع ، والمناسب للبيع هو الجهالة بالمعنى الأوّل.

والتحقيق أن يقال : إن اريد إيقاع العقد في جميع هذه المقامات بالبيع لم

__________________

(١) مفتاح الكرامة : ٤ / ١٤٣.

(٢) مفتاح الكرامة : ٤ / ١٤٣.

(٣) مفتاح الكرامة : ٤ / ١٤٣.

(٤) غنية النزوع : ١ / ٢١٢.

(٥) المكاسب : ١ / ٣٠.

(٦) تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٦٨.

(٧) المصباح المنير : ٤٠٩.

١٤

يصحّ ، لا للنجاسة ولا للجهالة ، ولا لعدم القدرة على التسليم ، بل لأنّ ما دلّ على أنّ الولد نماء للامّ في الحيوانات كاشف إمّا عن عدم تملّك البائع لهذا الماء ، لعدم ماليّته ، أو تملّك المشتري له قهرا بدخوله في رحم الانثى.

وعلى التقديرين لا يصحّ المعاوضة ، لظهور أنّ الماليّة وبقاء العين الملكيّة للبائع عند البيع ، وعدم تحقّق سبب آخر لتملّك المشتري قهرا شرطان ، لصحّة البيع قطعا ، وهذا هو المراد ما ذكره المصنّف رحمه‌الله بقوله : (لا ينتفع به المشتري) (١) فلا يصح البيع لذلك.

قوله : (وإن أوقع) (٢).

العقد على نحو الإجارة صحّ ، لأنّ الاجرة حينئذ بإزاء العمل ، وهو ممّا ينتفع به المستأجر ، وإن كان الانتفاع حقيقة بسبب هذا الماء المدخول في الرحم سواء قلنا بعدم ماليّته.

وقد ذكروا في محلّه أنّ عقد الإجارة قد يفيد تملّك العين إذا كان صرف المال في العمل ممّا يتوقّف عليه الانتفاع بذلك العمل ، ولا يعتبر فيه حينئذ ما يعتبر في المعاوضة البيعيّة من المعلوميّة بالمقدار من الوزن أو الكيل ، فالإجارة وإن كانت تمليكا للمنفعة إلّا أنّها قد تفيد تمليك العين في بعض الموارد بالتبع ، ومنه استيجار البئر للاستقاء ، والحمام للاستحمام ، مع استلزامه لإتلاف الماء ، والفحل للضراب ، والكحال لذر الكحل في العين ، والصبّاغ للصبغ ، والكاتب

__________________

(١) المكاسب : ١ / ٢٩.

(٢) المكاسب : ١ / ٢٩ ، وفيه : إذا وقع.

١٥

للكتابة ، والخيّاط للخياطة ، والمنحة للحلب ، والمرضعة للإرضاع ، وأمثال ذلك من الموارد المسلّمة فيها صحّة العقد بعنوان الإجارة.

وإن تضمن تلك العين أيضا فالعقد على هذا في المقام إنّما يقع على إيصال النطفة إلى الرحم ، ولا يفرق في الصحّة بين كونها مالا مملوكا للموجر وعدمه.

وقد صرّح بصحّة العقد على الإجارة في «جامع المقاصد» (١) ، وصرّح جملة منهم بكراهة اجرة فحل الضراب ، ككراهة استيجار اليهوديّة للإرضاع (٢).

المعاوضة على الميتة

قوله : (تحرم المعاوضة على الميتة وأجزائها) .. إلى آخره (٣).

أقول : لا ريب أنّ مقتضى القواعد جواز المعاوضة وصحّة البيع في كلّ ما ثبت فيه الماليّة ، ولا ريب في ثبوت الماليّة في كلّ ما له منفعة محلّلة يرغب لأجلها بذل العوض بإزائه.

ولم يثبت من الشرع تحريم مطلق الانتفاع عن الميتة وأجزائها ، بل دلّ رواية الصيقل (٤) على جواز الانتفاع بجلودها ، فإذا لا مانع من جواز البيع بعد فرض ثبوت الماليّة التابعة لجواز الانتفاع.

وإطلاق المنع عن الانتفاع محمول على الانتفاعات المحرّمة ، لغلبتها وندرة المنفعة المحلّلة.

__________________

(١) جامع المقاصد : ٧ / ١٣٠ و ١٣١.

(٢) منهم العلّامة في قواعد الأحكام : ١ / ٢٢٧.

(٣) المكاسب : ١ / ٣١.

(٤) وسائل الشيعة : ١٧ / ١٧٣ الحديث ٢٢٢٨١.

١٦

وقد عرفت أنّ النجاسة بنفسها غير مانعة ، وإن أوهمتها عبارة العلّامة في «التذكرة» (١) ، لظهور جواز بيع العبد الكافر والكلب.

ودعوى الإجماع موهومة بتعليل المدّعي عدم الجواز بعدم حلّ الانتفاع.

بيع الميتة منضمّة إلى المذكّى

قوله : (لكن في صحيحة الحلبي وحسنته (٢)) (٣).

أقول : لا ريب أنّ المشتبه بالميتة بالشبهة المحصورة حكمها حكم الميتة إن جاز بيع المشتبه منها ممّن يستحلّ الميتة جاز بيع مقطوعها ، لأنّ المانع هو حرمة الانتفاع المشتركة بينهما بالفرض ، فالرواية مخالفة للقواعد ، لا بدّ من توجيهها على وجه ينطبق على القواعد ، وليس القصد لخصوص بيع المذكّى مصحّحا بعد فرض عدم جواز الانتفاع بهما معا ، خصوصا بعد فرض كون الأولى أيضا في تلك الشبهة الحرمة ، كما في المقام.

والعبرة في الصحّة والفساد بوجود الماليّة المفروض فقدها لا بالقصد الّذي لا مدخليّة له في الصحّة أصلا.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٦٤.

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / ٩٩ الحديث ٢٢٠٨٠ و ٢٢٠٨١.

(٣) المكاسب : ١ / ٣٦.

١٧

التكسّب بالخمر

قوله : (والمراد به إمّا أخذ الخمر مجّانا) .. إلى آخره (١).

لا وجه للأخذ بقصد المجانيّة بعد أن لم يكن الدافع قاصدا لها ، والخمر وإن أسقط عنه الشارع الماليّة إلّا أنّه لم يسقط عنه الملكيّة بمعنى السلطنة والأحقيّة ، وحينما صار خلًّا صار ملكا لمالكه الأوّل ، فيملكه الدائن المدفوع إليه الخمر وفاء عن الدين ، كما قصده المديون الدافع بعنوان الوفاء.

غايته حصول الوفاء بعد الخليّة ، لعدم الماليّة قبلها ، ولا إشكال في ذلك ، كما هو الظاهر.

المعاوضة على الأعيان المتنجّسة

قوله : (يحرم المعاوضة على الأعيان المتنجسة) (٢).

قد عرفت أنّ الوجه فيه عدم الماليّة إذا توقّف منافعها المحلّلة المعتدّ بها على الطهارة ، ولو فرض هناك منفعة معتدّ بها مع النجاسة تثبت فيها الماليّة وجاز بيعها لذلك ، وذلك كالدهن النجس للانتفاع به للسفينة ، ولا وجه للمنع مع ثبوت هذه المنفعة.

__________________

(١) المكاسب : ١ / ٤٢.

(٢) المكاسب : ١ / ٤٣.

١٨

الاكتساب بالدهن المتنجّس

قوله : (ويمكن أن يقال باعتبار قصد الاستصباح إذا كانت المنفعة المحلّلة منحصرة فيه) .. إلى آخره (١).

لا وجه لاعتبار قصد المنفعة في المبايعة ، ولا لدعوى انصراف الإطلاق إلى كون الثمن بإزاء المنافع المقصودة ، لأنّ البيع إنّما هو المبادلة بين المالين ، لا بين المال والمنفعة ، والمنفعة المحلّلة موجبة لثبوت الماليّة ، والبيع يتبع في الصحّة وجود الماليّة ، لا قصد المتتابعين للمنفعة المحلّلة.

نعم ؛ مع العلم باستعمال المشتري ذلك المبيع في المنفعة المحرّمة لا يصحّ البيع بالنسبة إليه ، كما سيجي‌ء تحقيقه في شرح النوع الثاني بما يحرم التكسّب به من بيع هياكل العبادة وآلات القمار وأواني الذهب والفضّة ، وبيع العنب لمن يعلم أنّه يعمله خمرا ، وأمثالهما بما كانت الماليّة ، فيها موجودة قطعا (٢).

ومن ذلك بيع المائع النجس المتوقّف حليّة منافعه على الطهارة ، ولو مع جهل المشتري ، وذلك لتحريم الإلقاء في الحرام الواقعي ، كما دلّ عليه رواية الأعرج (٣) على ما سيجي‌ء بيانه.

__________________

(١) المكاسب : ١ / ٦٩.

(٢) انظر! الصفحات : ٢١ ـ ٢٣ ، و ٢٥ ـ ٢٧ من هذا الكتاب.

(٣) وسائل الشيعة : ١٧ / ٩٨ الحديث ٢٢٠٧٨.

١٩

هل وجوب الإعلام نفسي أو شرطيّ؟

قوله : (فالظاهر وجوب الإعلام وجوبا نفسيّا قبل العقد أو بعده) .. إلى آخره (١).

أقول : بل الظاهر من الخبر كون الوجوب شرطيّا. لقوله عليه‌السلام : «وأمّا الزيت ؛ فلا تبعه إلّا أن تبيّن له» (٢) ، وظاهر النهي في أمثال المقام الفساد ، وتطبيقه على القواعد ـ كما في النظائر ـ أنّ تحريم الإقباض موجب للفساد ، ولإيجابه سلب القدرة على التسليم شرعا ، وإن لم يوجب سلبها عقلا ، وهي من الشرائط المسلّمة.

ثمّ التحريم هنا [ل] ظاهر الخبر ولو للتسبيب في الإلقاء إلى الحرام الواقعي ، ولو مع عذر الفاعل.

قوله : (فوجوب رفع مثل هذا الحرام مشكل) .. إلى آخره (٣).

أقول : وجوب الرفع بمقتضى القواعد العامّة وأدلّة النهي عن المنكر مشكل غاية الإشكال ، خصوصا بعد عدم كون الفعل منكرا من الفاعل ، لفرض عذره بالجهل ، إلّا أنّه لا مانع من القول بالتحريم في خصوص المقام ، للخبر (٤).

مع إمكان دعوى كون المقام من قبيل إحداث المقتضي ، لا من مجرّد عدم

__________________

(١) المكاسب : ١ / ٧٣.

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / ٩٨ الحديث ٢٢٠٧٨.

(٣) المكاسب : ١ / ٧٧.

(٤) تقدّمت الإشارة إليه في الصفحة : ١٧ الرقم ٣ من هذا الكتاب.

٢٠