غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

٢ ـ وقال العلامة الحلي : حمزة بن علي بن زهرة الحسيني بضم الزاي الحلبي ، قال السيد السعيد صفي الدين معد رحمه‌الله : ان له كتاب قبس الأنوار في نصرة العترة الأطهار وكتاب غنية النزوع. (١)

٣ ـ قال الزبيدي : فمن ولد علي ، الشريف أبو المكارم حمزة بن علي المعروف بالشريف الطاهر ، قال ابن العديم في تاريخ حلب : كان فقيها أصوليا نظارا على مذهب الإمامية ، وقال ابن أسعد الجواني : الشريف الطاهر عز الدين أبو المكارم حمزة ولد في رمضان سنة ٥١١ وتوفي بحلب سنة ٥٨٥. (٢)

٤ ـ وقال في إعلام النبلاء : الشريف حمزة بن زهرة الإسحاقي الحسني (كذا) أبو المكارم السيد الجليل ، الكبير القدر ، العظيم الشأن ، العالم ، الكامل ، الفاضل ، المصنف ، المجتهد ، عين أعيان السادات والنقباء بحلب ، صاحب التصانيف الحسنة والأقوال المشهورة ، له عدة كتب ، وقبره بسفح جبل جوشن ، عند مشهد الحسين ، له تربة معروفة مكتوب عليها اسمه ونسبه إلى الإمام الصادق عليه‌السلام وتاريخ موته أيضا. (٣)

٥ ـ وقال نظام الدين القرشي في كتاب نظام الأقوال : حمزة بن علي بن زهرة الحسيني ، أبو المكارم المعروف بابن زهرة ، عالم فاضل ، متكلم من أصحابنا ، له كتب : منها غنية النزوع في الأصول والفروع ، وكتاب قبس الأنوار في نصرة العترة الأطهار ، ولد في شهر رمضان في سنة إحدى عشرة وخمس مائة ، وتوفي سنة خمس وثمانين وخمس مائة ، وروى عنه ابن أخيه محمد بن عبد الله بن علي بن زهرة ومحمد بن إدريس. (٤)

٦ ـ وقال الشيخ الحر العاملي : هو فاضل عالم ثقة جليل القدر له مصنفات كثيرة ، ثم ذكر تأليفه التي ستوافيك. (٥)

__________________

(١) العلامة الحلي ، إيضاح الاشتباه : ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٢) الزبيدي ، تاج العروس : ج ٣ ، ص ٢٤٩ (مادة زهرة).

(٣) السيد الأمين ، أعيان الشيعة : ج ٦ ، ص ٢٤٩ نقله عن أعلام النبلاء.

(٤) الأفندي التبريزي ، الرياض : ج ٢ ، ص ٢٠٦ نقله عن نظام الدين القرشي.

(٥) الحر العاملي ، أمل الآمل : ٢ ـ ١٠٥ رقم ٢٩٣.

٢١

٧ ـ وقال القاضي نور الله ما هذا خلاصته : ان السيد أبا المكارم حمزة بن زهرة كان من مجتهدي علماء الإمامية ، وصاحب التصانيف الكثيرة وكان رئيسا كبيرا بحلب ـ ثم قال : ـ وكان من أفاضل المتأخرين ، المناظرين ومن هذه السلسلة السيد علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي إبراهيم محمد بن أبي علي الحسن بن أبي المحاسن زهرة بن أبي علي الحسن ـ ثم ساق نسب علاء الدين إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام. (١)

٨ ـ وقال العلامة المجلسي : وكتاب «غنية النزوع في علم الأصول والفروع» للسيد العالم الكامل أبي المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني. (٢)

وقال في الفصل الثاني من فهرس البحار : وكتاب الغنية مؤلفه غنى عن الاطراء وهو من الفقهاء الأجلاء ، وكتبه معتبرة مشهورة لا سيما هذا الكتاب. (٣)

٩ ـ وقال السيد الخوانساري : السيد أبو المكارم من كبار فقهائنا الأصفياء النبلاء ، وكلما أطلق السيد ابن زهرة ينصرف الإطلاق إليه وله كتاب «غنية النزوع إلى علم الأصول والفروع» تعرض بتبيين مسائل الأصولين ثم الفقه في نحو من أربعة آلاف بيت ، وهو غير «غنية» أخيه ، والنزوع بضم النون بمعنى الاشتياق. (٤)

١٠ ـ وقال المحدث النوري : السيد عز الدين أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي الفقيه الجليل المعروف صاحب الغنية وغيرها المتولد في الشهر المبارك سنة إحدى عشر وخمس مائة ، المتوفى سنة خمس وثمانين وخمس مائة ، هو وأبوه وجده وأخوه وابن أخيه من أكابر فقهائنا ، وبيتهم بيت جليل بحلب. (٥)

١١ ـ وقال المحدث القمي : أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي العالم الفاضل الجليل الفقيه الوجيه صاحب المصنفات الكثيرة في الإمامة والفقه و

__________________

(١) القاضي نور الله المرعشي ، مجالس المؤمنين : ١ ـ ٥٠٨.

(٢ و ٣) المجلسي : بحار الأنوار : ج ١ ـ ٢١ و ٤٠.

(٤) السيد الخوانساري ، روضات الجنات : ج ٢ ، ص ٣٧٤ ـ ٣٧٥ رقم الترجمة ٢٢٥.

(٥) النوري ، المستدرك ، الخاتمة ، ٣ ـ الفائدة الثالثة ، ص ٤٧٥.

٢٢

النحو وغير ذلك. ثم ذكر تأليفه. (١)

١٢ ـ وقال شيخنا المدرس في موسوعته : ابن زهرة حمزة بن علي بن أبي المحاسن زهرة ، عالم فاضل جليل القدر من أكابر علماء الإمامية ومتكلميهم وفقهائهم ، ويروى بواسطة واحدة عن أبي علي ولد الشيخ الطوسي المتوفى سنة ٥١٥. (٢)

إلى غير ذلك من الكلمات المماثلة التي تعرب عن مكانة المؤلف العليا ، ولعل في ما ذكرناه من الكلمات غنى وكفاية.

آثاره وتأليفه :

ان أحسن ما يستدل به على مكانة الإنسان وسعة باله وكثرة اطلاعه ورصانة تفكيره ، هو الآثار التي يتركها الإنسان بعد رحيله فإنها مرآة لما كان ينطوي عليه من المواهب والطاقات وقد ترك مؤلفنا الجليل آثارا قيمة ، خالدة على جبين الدهر مشرقة عبر القرون والأجيال لا تندرس بمر الحقب والأيام ، وها هو أثره القيم الذي يزفه الطبع إلى القراء لم يزل مصدرا للعلم ومرجعا للفقهاء منذ تأليفه إلى يومنا هذا وقد كانت محور الدراسة في عصره وبعد رحيله حتى ان المحقق الطوسي قرأه على معين الدين المازني المصري ، وكتب أستاذه إجازة له في خاتمة الكتاب وسيوافيك نصها.

وها نذكر صورة موجزة من تصانيفه :

١ ـ الاعتراض على الكلام الوارد من حمص (٣).

٢ ـ الجواب عما ذكره مطران. (٤) نصيبين.

__________________

(١) القمي ، الكنى والألقاب ، ج ١ ، ص ٢٩٤.

(٢) المدرس التبريزي ، ريحانة الأدب ، ج ٧ ، ص ٥٥٠.

(٣) حمص بالكسر ثم السكون بلد مشهور قديم وهي بين دمشق وحلب ، بناه رجل يقال له حمص بن المهر ، معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ٣٠٢. وفي الذريعة ٥ ـ ١٨٥ جواب الكتاب الوارد من حمص.

(٤) مطران : بفتح الميم وسكون الطاء رئيس الكهنة ، وهو فوق الأسقف ودون البطريرك والكلمة أصلها يونانية. المنجد مادة «مطر». وفي الذريعة ٥ ـ ١٩٣ جواب المسألة الواردة من نصيبين.

٢٣

٣ ـ الجواب عن الكلام الوارد من ناحية الجبل.

٤ ـ جواب الكتاب الوارد من حمص ، رواها عنه ابن أخيه السيد محيي الدين محمد وغيره ويحتمل اتحاده مع الأول.

٥ ـ جواب المسائل الواردة من بغداد. (١)

٦ ـ قبس الأنوار في نصرة العترة الأخيار. وقد رد عليه بعض المخالفين من معاصري العلامة الحلي أسماه «المقتبس» ثم رد عليه الشيخ علي بن هلال بن فضل (ت ٨٧٤) وأسماه الأنوار الجالبة لظلام الغلس من تلبيس صاحب المقتبس (الذريعة ١٧ ـ ٣١).

٧ ـ مسائل في الرد على المنجمين تبلغ ٢١ مسألة ، وللشريف المرتضى أيضا كتاب بهذا الاسم (الذريعة (٢ ـ ٣٨٧).

٨ ـ مسألة في ان النظر الكامل على انفراده كاف في تحصيل المعارف العقلية.

٩ ـ مسألة في نفي الرؤية واعتقاد الإمامية ومخالفيهم ممن ينسب إلى السنة والجماعة.

وعبر عنها في الروضات (٢ ـ ٣٧٥) بـ «الشافية» ، تلك المسألة التي تفترق فيها العدلية عن الأشاعرة فالطائفة الأولى ينزهون الرب عنها في الدنيا والآخرة والأشاعرة ينفونها في الدنيا ويثبتونها في الآخرة.

١٠ ـ مسألة في كونه تعالى جبارا حيا.

١١ ـ المسألة الشافية في رد من زعم ان النظر على انفراده غير كاف في تحصيل المعرفة به تعالى. (٢)

١٢ ـ مسألة في ان نية الوضوء عند المضمضمة والاستنشاق.

١٣ ـ مسألة في تحريم الفقاع.

__________________

(١) وفي الذريعة (٥ ـ ٢١٦ جواب المسائل البغدادية).

(٢) قد كتب غير واحد من علمائنا رسالة في هذا الموضوع لاحظ الذريعة ج ٥ ـ ١٩٢ برقم ٨٨٢.

٢٤

١٤ ـ مسألة في الرد على من ذهب إلى ان الحسن والقبح لا يعلمان إلا سمعا.

وهذه المسألة تعبر عنها ، بأن الحسن والقبح عقليان ـ كما عليه العدلية ـ أو شرعيان كما عليه الأشاعرة.

١٥ ـ مسألة في الرد على من قال في الدين بالقياس.

١٦ ـ مسألة في إباحة نكاح المتعة.

١٧ ـ نقض شبه الفلاسفة.

١٨ ـ النكت في النحو.

١٩ ـ غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع. (١)

وذكر في الذريعة ما يلي :

٢٠ ـ جوابات مسائل البلدان للسيد أبي المكارم عز الدين حمزة بن زهرة (الذريعة ٥ ـ ٢١٦).

٢١ مسائل البلدان أو عز إليه في ج ٥ ـ ٢١٦ قائلا بأنه يأتي في الميم. ولم يذكرها في محلها ويحتمل اتحادهما.

والظاهر ان الزمان قد لعب بتصانيفه ، إذ لم نجد في المعاجم شيئا يدل على وجود نسخة من كتبه في المكتبات والمتاحف ، غير كتاب «الغنية» الذي نحن بصدد التقديم له ، فما ظنك بكتب عالم أو طائفة أغير عليها بخيل وركاب ، وقتلوا في عقر دارهم ، أو أجبروا على ترك ديارهم ، والنزول في الجبال والقرى البعيدة.

مشايخه وأساتذته

ان وليد بيت العلم والفضل كابن زهرة ـ يتخذ ـ بطبع الحال ـ مشايخ بيته ،

__________________

(١) الحر العاملي : أمل الآمل : ٢ ـ ١٠٥ رقم ٢٩٣ ، ذكر فهرس تصانيفه برمته ، بالنحو الذي ذكرنا ، وذكرنا موارد اختلافه مع الذريعة في الهامش المتن. والعجب ان بعض ما ذكر في أمل الآمل ، لم نعثر عليه في الذريعة ولعله ذكره بعنوان آخر.

٢٥

سنادا وعمادا لرقيه. وأساتذة لعلومه ولذلك قرء سيدنا المترجم على لفيف منهم وإليك أسماء من وقفنا عليهم من أساتذته.

١ ـ والده : علي بن زهرة الحلبي. (١)

٢ ـ جده : السيد أبو المحاسن زهرة الحلبي. (٢)

٣ ـ أبو منصور محمد بن الحسن بن منصور النقاش الموصلي تلميذ أبي علي ولد شيخ الطائفة. (٣)

٤ ـ أبو عبد الله الحسين بن طاهر بن الحسين ، وهو يروي عن الشيخ أبي الفتوح. (٤)

تلامذته ومن يروي عنه

يروي عنه لفيف من الأكابر.

١ ـ الشيخ معين الدين المصري. (٥)

٢ ـ الشيخ شاذان بن جبرئيل القمي الذي كان حيا سنه ٥٨٤. (٦)

٣ ـ الشيخ محمد بن جعفر المشهدي صاحب «المزار» المشهور. (٧)

٤ ـ ابن أخيه السيد محيي الدين محمد. (٨)

٥ ـ محمد بن إدريس الحلي مؤلف السرائر (ت ٥٩٨) ولو صح فهو من مشايخ روايته لا انه تتلمذ عليه كما يظهر من تعبيره عنه في السرائر (٩).

__________________

(١) السيد الخوانساري : الروضات : ٢ ـ ٣٧٤.

(٢) السيد الخوانساري : الروضات : ٢ ـ ٣٧٤.

(٣) السيد الأمين : أعيان الشيعة : ٦ ـ ٢٥٠ وهو يصر بأن كنيته «أبو الحسن».

(٤) الأفندي التبريزي ، الرياض : ٢ ـ ٢٠٥ وفي المصدر المعري مكان المصري والصحيح ما أثبتناه.

(٥) السيد الخوانساري : الروضات : ٢ ـ ٣٧٥ وأمل الآمل : ٢ ـ ١٠٦.

(٦) السيد الخوانساري : الروضات : ٢ ـ ٣٧٥ وأمل الآمل : ٢ ـ ١٠٦.

(٧) الحر العاملي : أمل الآمل : ٢ ـ ١٠٦ ولاحظ ريحانة الأدب : ٧ ـ ٥٥١.

(٨) طبقات أعلام الشيعة ، قسم القرن السابع : ١٦٠.

(٩) ذكره في أمل الآمل والروضات وغيرهما لاحظ السرائر : ٢ ، ص ٤٤٣.

٢٦

وقال السيد حسين البروجردي في نخبة المقال :

وابن علي بن زهرة الأجل

ذو غنية عنه ابن إدريس نقل

ولعله في غضون الكتب والمعاجم يوجد اسم أو أسماء من يروي عن المؤلف أو يروي عنه ولم نقف عليه ويقف عليه من سبرها.

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

هذا هو الكتاب الذي نقدم له ، ويزفه الطبع إلى عشاق الأصولين والفروع والكتاب مشتمل على العلوم الثلاثة :

أ. الفقه الأكبر : وهذا القسم مشتمل على مهمات المسائل الكلامية من التوحيد إلى المعاد.

ب. أصول الفقه : وهو حاو لبيان القواعد الأصولية التي يستنبط منها الأحكام الشرعية ، ألفه على غرار أصول القدماء ، ومن فصوله النافعة ، بحثه عن القياس ، وآثاره السلبية في الفقه. وقد خلت كتب المتأخرين من أصحابنا من طرح هذه المسألة ودراسة أدلة المثبتين والنافين ، وما هذا إلا لأن عدم حجيته هو الأصل المسلم في فقه أهل البيت.

ج. الفروع والأحكام الشرعية : وهو دورة فقهية كاملة ، استدلالية ، يستدل بالكتاب والسنة النبوية وأحاديث العترة الطاهرة والإجماع ، وهذا القسم من محاسن الكتب وجلائلها وإليك مواصفاته :

١ ـ يستمد من الكتاب العزيز في مسائل كثيرة على وجه ليس له مثيل فيما بأيدينا من كتب القدماء فقد استدل ، بقرابة مائتين وخمسين آية ، في موارد مختلفة فهو بحق جدير بالتقدير.

٢ ـ يعتمد على أحاديث نبوية وافرة إما استدلالا على المطلوب ، أو احتجاجا على المخالف وهو الغالب على أسلوب الكتاب فهي عنده أشبه بأصول موضوعية تلقاها

٢٧

المخالف بالقبول ولأجل هذا الامتياز صار الكتاب فقها مقارنا ، سد به الفراغ الموجود في المكتبة الفقهية في عصره.

٣ ـ يعتمد على الإجماع في مسائل كثيرة تبلغ قرابة ستمائة وخمسين مسألة ومراده من الإجماع ليس الإجماع المصطلح ، وهو اتفاق الأمة أو الإمامية على الحكم بشرائطه الخاصة ، بل المصطلح الخاص له في هذا الكتاب وقبله للشيخ الطوسي في كتاب الخلاف ، وقد صرح بهذا الاصطلاح في القسم الثاني من الكتاب في مبحث الإجماع وحاصله «ان المراد منه في مقام الاحتجاج هو قول المعصوم. لأن ملاك حجية الإجماع عند الإمامية هو اشتماله على قوله ، وليس الإجماع إلا طريقا إلى كشفه ، فإذا اكتشفناه عن غير ذاك الطريق ، يطلق عليه الإجماع ، توسعا ومجازا».

ولا شك انه استعمال على خلاف الاصطلاح الدارج ، لكنه التجأ إليه لأجل المجاراة مع المخالف في مقام الاحتجاج على المدعى ، وسيوافيك تعبيره في مبحث الإجماع في القسم الثاني من الكتاب.

وبذلك يعلم ، أن ما يساق إليه من الاعتراض من عصر صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري إلى يومنا ، من انه كيف يدعي الإجماع في مسائل غير معنونة ، أو مختلفة فهو ، ناشى‌ء عن عدم الرجوع إلى مصطلحه في الكتاب.

وقد كان سيد مشايخنا المحقق البروجردي ـ قدس‌سره ـ يبرر بذلك الإجماعات الواردة في كتاب الخلاف لشيخ الطائفة ، في درسه الشريف الذي كنا نحضره عام ١٣٦٩ عند البحث عن حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد.

٤ ـ ان المؤلف يسير على ضوء كتاب الانتصار والناصريات للسيد المرتضى ، وكتاب الخلاف والمبسوط للشيخ الطوسي ، وقد استفاد المحقق بالرجوع إليها في تحقيق نص الكتاب وتصحيحه.

٥ ـ أن المؤلف كان فقيها متضلعا عارفا بفقه أهل السنة كعرفانه بفقه الإمامية ، ولم يكن اطلاعه على الأول أقل من الثاني وبذلك أضفى على كتابه صبغة السعة والشمول.

٢٨

عمل المحقق وتقييم جهوده

قد بذل المحقق جهوده في سبيل الأمور التالية :

١ ـ تقويم النص وتصحيحه وذلك بالدقة والمقابلة مع النسخ الثلاث والمراجعة إلى الكتب التي رجع إليها المؤلف فصارت النسخة محققة مصححة خالية عن التحريف والسقط.

٢ ـ إيضاح المفردات اللغوية المشكلة في المتن والأحاديث بالرجوع إلى معاجم اللغة.

٣ ـ استخراج مصادر الأحاديث خصوصا ما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحاح القوم ومسانيدهم.

وربما نقل المؤلف حديثا لم يعثر عليه في الصحاح والمسانيد بعد الفحص الأكيد حتى بعد الاستعانة بالجهاز الجديد (الكومبيوتر) فبذل سعيه بالفحص في سائر الكتب حتى وقف عليه.

٤ ـ تنظيم فهارس مختلفة تسهل للقارئ العثور على ضالته ، فقد وضع فهارس للآيات والأحاديث والأعلام والكتب والأماكن والجماعات والقبائل والفرق والمذاهب.

٥ ـ ترجمة الأعلام الواردة أسمائهم في الكتاب.

وأما كيفية التصحيح فقد اعتمد على نسخ ثلاث :

الف. نسخة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي وقد نسخت عام ٦١٤ ه‍ ـ قريبا من عصر المؤلف حيث إنه توفي عام ٥٨٥ ه‍ والكتاب يقع في ١٦ سنتيمتر طولا و ١١ سنتيمتر عرضا المسجل برقم ٨٦٣٢١ ضمن مجموعة كبيرة ، وقد اتخذه أصلا في العمل وفي آخر النسخة اجازة للشيخ العلامة سالم بن بدران بن علي المازني (١) المصري

__________________

(١) مازن قوم من بني بكر بن وائل ، وهناك مازن آخر قوم من بني غيم وأظن أن المصري مصحف «البصري» وان أطبقت المعاجم والكتب الفقهية عند نقل آراءه في الفرائض على الأول ، بشهادة كونه ما زنيا.

٢٩

كتبه بخطه للمحقق نصير الدين طوسي حيث قرأ قسم الفقه وأصوله من الكتاب على المجيز ، وإليك نص الإجازة :

بسم الله الرحمن الرحيم

قرأ علي ـ جميع الجزء الثالث من كتاب غنية النزوع إلى علم الأصول والفروع ، من أوله إلى آخره قراءة تفهم وتبين وتأمل مستبحث عن غوامضه ، عالم بفنون جوامعه ، وأكثر الجزء الثاني من هذا الكتاب وهو الكلام في أصول الفقه ـ الإمام الأجل ، العالم ، الأفضل ، الأكمل البارع ، المتقن المحقق نصير الملة والدين وجيه الإسلام والمسلمين ، سند الأئمة والأفاضل ، مفخر العلماء والأكابر حسيب وأفضل خراسان محمد بن محمد الحسن الطوسي زاد الله في علائه وأحسن الدفاع عن حوبائه. (١) وأذنت له في رواية جميعه عني عن السيد الأجل ، العالم الأوحد ، الطاهر الزاهد ، البارع ، عز الدين أبي المكارم ، حمزة بن علي بن زهرة الحسيني ـ قدس الله روحه ونور ضريحه ـ وجميع تصانيفه وجميع تصانيفي ومسموعاتي وقراءتي وإجازاتي عن مشايخي ما أذكر أسانيده ، وما لم أذكر إذا ثبت ذلك عنده ، وما لعلي أن اصنفه ، وهذا خط أضعف خلق الله وأفقرهم إلى عفوه ، سالم بن بدران بن علي المازني المصري. (٢)

كتبه ثامن عشرة جمادى الآخرة سنة تسع عشر (٣) وستمائة حامدا لله ومصليا

__________________

(١) النفس والقلب ، قال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام يخاطب الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وأفديك حوبائي وما قدر مهجتي

لمن انتمي عنه إلى الفرع والأصل.

مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب : ٢ ـ ١٨٧ ، ط دار الاضواء.

(٢) وهو الشيخ الجليل المعروف بـ «معين الدين المصري» صاحب التحرير وغيره وينقل فتاواه في الكتب الفقهية خصوصا في مبحث الفرائض وله رسالة فيها ، اقرء ترجمته في الرياض : ٢ ـ ٤٠٨ ـ ٤١١ وأعيان الشيعة : ٧ ـ ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٣) والخط قابل لأن يقرء «عشرين» أيضا ولعله الأنسب مع توصيف المستجيز بالإمام الأجل لأن المحقق الطوسي وليد عام ٥٩٧ فيكون عمره على الأول اثنين وعشرين وعلى الثاني ثلاثة وثلاثين وقد ذكر تاريخ الإجازة في أعيان الشيعة عام : ٦٢٩ فلاحظ.

٣٠

على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.

٢ ـ النسخة المطبوعة في ضمن الجوامع الفقهية عام ١٢٧٦ ورمز إليه ب ج.

٣ ـ النسخة المطبوعة ضمن «سلسلة الينابيع الفقهية» الموزعة على أجزائها الكثيرة ورمز إليه ب س.

والنسختان من حيث الإتقان والصحة ، دون النسخة الأولى بكثير خصوصا ما طبع في ضمن الجوامع الفقهية إذ فيها سقطات كثيرة.

وبما أن المؤلف سار في كتابه هذا على ضوء كتاب الانتصار والناصريات للسيد المرتضى ، والخلاف والمبسوط للشيخ الطوسي ، فقد راجع المحقق إليها ، في حل معضلات الكتاب فيصح أن يعتبر الجميع نسخة رابعة.

فهاك نسخة مصححة محققة خالية عن التحريف والغلط والسقط ، مزدانة بالتعاليق والفهارس المذكورة وقد قدم تصحيح قسم الفقه ونشره على تصحيح الأصولين ونشرهما ، لكثرة الحاجة إليه وهو بعد جاد في طريق العمل غير متوان وسوف ينشر قسم الأصولين بإذنه سبحانه تبارك وتعالى.

وها نحن نتقدم بالشكر والثناء العاطر إلى المحقق العلامة الشيخ إبراهيم البهادري المراغي ـ دامت إفاضاته ـ حيث أسدى إلى المكتبة الفقهية خدمة كبيرة ونرجو منه سبحانه أن يوفقه لإخراج ما لعلمائنا من التراث الثمين.

ويؤكد المحقق بان جميع الحقوق مختصة به ، لا يطبع الكتاب ولا يصور إلا بإذنه.

قم ـ مؤسسة الإمام الصادق عليه‌السلام

حرر في ١١ ذي القعدة الحرام ، سنة ١٤١٦

يوم ميلاد الإمام الطاهر علي بن موسى الرضا عليه‌السلام جعفر السبحاني

٣١
٣٢

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الطّهارة

الكلام في التكليف السمعي

اعلم أن الأركان من عبادات الشرع خمسة : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد.

الصلاة الشرعية يحتاج فيها إلى العلم بخمسة أشياء :

أقسامها وشروطها وكيفية فعلها وما يقطعها وما يتعلق بذلك من الأحكام. ونحن نقدم الكلام في الشروط ، ونتبعه بالكلام في باقي الفصول إن شاء الله تعالى فنقول :

شرائط الصلاة على ضربين : أحدهما يشترك فيه الوجوب وصحة الأداء ، والثاني يختص صحة الأداء.

فالأول على ضربين : ضرب يشترك فيه الرجال والنساء ، وهو ثلاثة أشياء : البلوغ وكمال العقل ودخول الوقت ، وضرب يختص النساء وهو : انقطاع دم الحيض والنفاس.

٣٣

وما يختص صحة الأداء ثمانية أشياء : الإسلام والطهارة وستر العورة مع الإمكان وأن يكون مكان الصلاة وموضع السجود ـ الجبهة (١) ـ على صفة مخصوصة ، والنية واستقبال القبلة والقيام مع الإمكان ، وينضاف إلى ذلك شروط أخر تختص الجمعة والعيدين ، نذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

الفصل الأول (٢)

أما الطهارة فيحتاج فيها إلى العلم بخمسة أشياء : أقسامها وما يوجبها وما به يفعل ، وكيفية فعلها وما يتعلق بذلك من الأحكام.

والطهارة على ضربين : طهارة عن حدث وطهارة عن نجس. فالطهارة عن الحدث على ضربين : وضوء وغسل ، وقد أقام الشارع مقامهما في استباحة ما يستباح بهما ـ بشرط عدم التمكن منهما ـ التيمم وإن لم يرفع الحدث.

والأحداث التي توجب كل واحد منها (٣) ـ إذا انفرد من حدث الغسل ـ الوضوء أو ما يقوم مقامه من التيمم على من ثبت كونه مكلفا بفعل الصلاة أو ما جرى مجراها مما لا يستباح إلا بالطهارة ، خمسة أشياء : البول والغائط والريح ودم الاستحاضة المخصوصة وما يتفقد (٤) معه التحصيل من نوم أو مرض.

والأحداث التي توجب كل واحد منها ، الغسل أو ما يقوم مقامه من التيمم ، أيضا خمسة أشياء : الجنابة ودم الحيض ودم الاستحاضة المخصوصة ودم النفاس ومس بشرة الميت من الناس بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل.

__________________

(١) في «ج» : بالجبهة.

(٢) تعريف الفصول وترقيمها فيما إذا تجاوزت فصلا واحدا منا.

(٣) في «س» : منهما.

(٤) كذا في النسخ التي بأيدينا والأصح «يفقد»

٣٤

ولا يوجب هذه الطهارة شي‌ء سوى ما ذكرناه ، سواء كان خارجا من أحد السبيلين ، كالمذي والوذي (١) والحصاة والدود الخاليين من نجاسة ، أو مما عداهما من البدن ، كالقي‌ء ودم الفصد والرعاف ، أو لم يكن خارجا من البدن ، كلمس المرأة ، أو الفرج ، أو القهقهة في الصلاة ، أو الأكل من لحم الجزور ، أو ما مسته النار ، بدليل إجماع الإمامية ، وفيه الحجة على ما بيناه في ما مضى من الأصول في هذا الكتاب ، ولأن الأصل براءة الذمة ، وشغلها بما يوجب الطهارة بغير ما ذكرناه يحتاج إلى دليل ، وليس في الشرع ما يدل على ذلك ، لأن اعتماد المخالف على أخبار آحاد أو قياس ، ولم يرد التعبد بالعمل بهما في الشريعة على ما بيناه فيما مضى من أصول الفقه في هذا الكتاب.

ويجب على المكلف أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها في حال بول ولا غائط مع الإمكان ، ولا فرق في ذلك بين الصحاري والبنيان ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، ونحتج على المخالف بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا غائط» (٢) ، ولم يفصل.

ويستحب أن لا يستقبل الشمس ولا القمر ، ولا يحدث في الماء الجاري ولا الكثير الراكد ، فأما القليل ومياه الآبار فلا يجوز أن يحدث فيها. ويستحب أن يتقي بالبول الأرض الصلبة وجحرة الحيوان واستقبال الريح.

__________________

(١) قال الطريحي في مجمع البحرين : المذي : هو الماء الرقيق الخارج عند الملاعبة والتقبيل والنظر بلا دفق وفتور ، وفيه لغات : سكون الذال وكسرها مع التثقيل ، والكسر مع التخفيف ، وأشهر لغاته : فتح فسكون ثم كسر ذال وشدة ياء. والوذي : بالذال المعجمة الساكنة والياء المخففة : ماء يخرج عقيب إنزال المني.

(٢) سنن البيهقي : ١ ـ ٩١ ، باب النهي عن استقبال القبلة. والتاج الجامع للأصول : ١ ـ ٩٢ باختلاف يسير.

٣٥

ويستحب أن لا يحدث في كل موضع يتأذى بحصول النجاسة فيه ، كشطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، وأفنية الدور ، وجواد (١) الطرق.

ويستحب تقديم الرجل اليسرى عند دخول الموضع الذي يتخلى فيه ، واليمنى عند الخروج ، والدعاء عندهما وعند الاستنجاء وعند الفراغ منه. كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

ويجب الاستنجاء من الأحداث المقدم ذكرها إلا الريح ومس الميت وما يفقد معه التحصيل ، أما البول فيجب الاستبراء منه أولا بنتر (٢) القضيب والمسح من مخرج النجو إلى رأسه ثلاث مرات ، ليخرج ما لعله باق في المجرى منه ، ولا يجزئ في إزالته إلا الماء وحده مع وجوده ، وكذلك باقي هذه الأحداث ، أعني التي يجب منها الاستنجاء إلا الغائط ، فإنه يجزئ فيه الأحجار مع وجود الماء ، أو ما يقوم مقامها من الجامد الطاهر المزيل للعين ، سوى المطعوم والعظم والروث.

ومن السنة أن تكون ثلاثة إلا أن الماء أفضل ، والجمع بينهما أفضل من الاقتصار على الماء وحده ، هذا ما لم يتعد النجو مخرجه ، فإن تعداه لم يجز في إزالته إلا الماء. ويدل على جميع ذلك الإجماع المشار إليه ، وطريقة الاحتياط ، فإن من استنجى على الوجه الذي ذكرناه ، وصلى برئت ذمته بيقين ، وليس كذلك إذا لم يستنج ، أو استنجى بخلاف ما ذكرناه.

وأما النوم فبمجرده (٣) حدث ، من غير اعتبار بأحوال النائم بدليل الإجماع المشار إليه ، وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ). الآية (٤) ، والمراد : إذا قمتم من النوم ، على ما قاله المفسرون ، لأنها خرجت على سبب

__________________

(١) الجادة : وسط الطريق ، والجمع : جواد ، كدابة ودواب.

(٢) النتر : جذب الشي‌ء بجفوة ، ومنه نتر الذكر في الاستبراء.

(٣) في «ج» : فإنه بمجرده.

(٤) المائدة : ٦.

٣٦

يقتضي ذلك ، وهذا يوجب الوضوء من النوم بالإطلاق ، ونحتج على المخالف بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ (١) ، ولم يفصل.

وأما الجنابة فتكون بشيئين : أحدهما خروج المني في النوم واليقظة بشهوة وغير شهوة وعلى كل حال ، والثاني بالجماع في الفرج ، وحده أن تغيب الحشفة فيه ، وإن لم يكن هناك إنزال ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ، وطريقة الاحتياط.

ويحرم على الجنب دخول المساجد إلا عابر سبيل ، ووضع شي‌ء فيها ، سوى المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه لا يجوز له دخولهما على حال ، وإن احتلم في أحدهما تيمم من موضعه وخرج ، ويحرم عليه قراءة العزائم الأربع : سجدة لقمان ، وحم ، والنجم ، واقرأ باسم ربك ، وما عداها داخل تحت قوله تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (٢) ويحرم عليه مس كتابة المصحف ، أو اسم من أسماء الله تعالى ، أو أسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام. ويكره له الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق والنوم إلا بعد الوضوء والخضاب ، كل ذلك بدليل الإجماع

__________________

(١) جامع الأصول : ٨ ـ ١١٩ ، سنن البيهقي : ١ ـ ١١٨ ، كنز العمال : ٩ ـ ٣٤٢ ، التاج الجامع للأصول : ١ ـ ٩٧ ، المحلى : ١ ـ ٢١٧. في لسان العرب : العين وكاء السه بحذف عين الفعل ويروى : وكاء الست بحذف لام الفعل. وقال الطريحي في مجمع البحرين : في حديث علي عليه‌السلام : العين وكاء السه ، قال الشارح : وهذه من الاستعارات العجيبة كأنه يشبه السه بالوعاء والعين بالوكاء فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء. وروى : العين وكاء الست بالتاء على حذف لام الفعل ، والستة : الاست ، وقد يراد به حلقة الدبر وأصله «ستة» على فعل بالتحريك. والوكاء ـ بالكسر والمد ـ : خيط يشد به السرة والكيس والقربة ونحوها.

أقول : ومراده من الشارح السيد الرضي لاحظ نهج البلاغة ـ باب المختار من حكم أمير المؤمنين برقم ٤٦٦ وقد تكلم السيد الرضي حول الحديث في كتابه «المجازات النبوية» ص ٢٧٣ برقم ٢١٣.

(٢) المزمل : ٢٠.

٣٧

المشار إليه.

وأما دم الحيض فهو الحادث في الزمان المعهود له أو المشروع في زمان الالتباس على أي صفة كان ، وكذا دم الاستحاضة ، إلا أن الغالب على دم الحيض الغلظ والحرارة والتدفق والحمرة المائلة إلى الاسوداد ، وعلى دم الاستحاضة الرقة والبرودة والاصفرار.

وأقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ولأنه لا خلاف في أن من الثلاثة إلى العشرة من الحيض ، وليس في الشرع ما يدل على أن ما نقص من الثلاثة وزاد على العشرة منه. وأقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام لمثل ما قلناه في المسألة الأولى ، ولا حد لأكثره بلا خلاف.

وإذا ثبت أن أقل الطهر وأكثر الحيض ما ذكرناه ، كان ذلك أصلا تعمل عليه المبتدئة من النساء ومن اختلفت عادتها منهن ، فإذا رأت المبتدئة الدم وانقطع لأقل من ثلاثة أيام فليس بحيض ، وإن استمر ثلاثة كان حيضا ، وكذا إلى تمام العشرة ، فإن رأت بعد ذلك دما كان استحاضة إلى تمام العشرة الثاني (١) لأن ذلك هو أقل أيام الطهر.

فإن رأت في اليوم الحادي والعشرين دما ، واستمر بها ثلاثة أيام ، فهو حيض لمضي أقل أيام الطهر ، وكذا لو انقطع الدم أول ما رأته بعد ثلاثة أيام ، ثم رأته اليوم الحادي عشر من وقت ما رأت الدم الأول ، فإنه دم الاستحاضة ، لأنها رأته في أيام الطهر ، وكذا إلى تمام الثالث عشر.

فإن رأت في اليوم الرابع عشر دما ، كان من الحيضة المستقبلة ، لأنها قد استوفت أقل أيام الطهر وهي عشرة ، وعلى هذا تعتبر بين الحيضتين أقل أيام الطهر ، وتحكم بأن الدم الذي تراه فيها دم استحاضة ، إلى أن تستقر لها عادة تعمل

__________________

(١) في الأصل و «ج» : العشرة الباقي.

٣٨

عليها وترجع إليها ، وطريقة الاحتياط تقتضي ما ذكرناه ، والعمل عليه عمل على أصل معلوم.

ويحرم على الحائض كل ما يحرم على الجنب ، ولا يجب عليها الصلاة ويجب عليها الصوم تقضيه إذا طهرت ، ويجب أن تمنع زوجها وطأها ويحرم عليه ذلك ، ويجب عليه متى وطأها في الثلث الأول من زمان الحيض أن يكفر بدينار ـ قيمته عشرة دراهم جياد ـ وفي الثلث الأوسط بنصف دينار ، وفي الأخير بربع دينار ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

ونحتج على المخالف بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أتى أهله وهي حائض فليتصدق (١) ، فإن انقطع الدم عنها جاز لزوجها وطؤها إذا غسلت فرجها ، سواء كان ذلك في أقل الحيض أو أكثره وإن لم تغتسل ، بدليل الإجماع المشار إليه وقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ) (٢) فجعل سبحانه انقطاع الدم غاية لزمان حظر الوطء ، فيجب جوازه بعدها على كل حال إلا ما أخرجه الدليل من حظر ذلك قبل غسل الفرج.

وقوله تعالى : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) (٣) محمول على غسل الفرج ، ويحتمل أن يكون كلاما مستأنفا ، وليس بشرط ولا غاية لزمان الحظر ، ويحتمل أن يكون بمعنى «طهرن» لأن «تفعل» يجي‌ء بمعنى «فعل» يقال : تطعمت الطعام وطعمته.

والمستحاضة يلزمها إذا لوث الدم أحد جانبي الكرسف ولم يثقبه أن تغيره تتوضأ لكل صلاة ، فإن ثقبه ولم يسل فعليها مع تغييره أن تغتسل لصلاة الفجر

__________________

(١) جامع الأصول : ٨ ـ ٢١٥. ولفظ الحديث : إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض فليتصدق.

(٢) البقرة : ٢٢٢.

(٣) البقرة : ٢٢٢.

٣٩

وتتوضأ لباقي الصلوات ، وإن ثقبه وسال فعليها ثلاثة أغسال : غسل للفجر وغسل للظهر والعصر وغسل للمغرب والعشاء الآخرة. ولا يحرم على المستحاضة [ولا منها] (١) شي‌ء مما يحرم على الحائض [ومنها] (٢) بل حكمها حكم الطاهر إذا فعلت ما ذكرناه ، بدليل الإجماع المشار إليه.

وأما دم النفاس فهو الحادث عقيب الولادة ، وأكثره عشرة أيام ، وكل دم تراه بعدها فهو استحاضة. وهي والحائض سواء في جميع الأحكام إلا في حكم واحد ، وهو أن النفاس ليس لأقله حد ، وذلك بدليل الإجماع السالف.

وأما مس الميت فقد قلنا إنه إنما يكون حدثا يوجب الغسل إذا كان بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل ، والدليل على ذلك أنه لا خلاف بين أصحابنا في ورود الأمر بالغسل من مسه ، وظاهره في الشرع يقتضي الوجوب ، ونحتج على المخالف بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من غسل ميتا فليغتسل». (٣)

الفصل الثاني

وأما الطهارة عن النجس التي هي شرط في صحة أداء الصلاة ، فعبارة عن إزالة النجاسة عن البدن والثياب بما نبين أنها تزول في الشرع به.

والنجاسات هي :

بول وخرء ما لا يؤكل لحمه بلا خلاف ، وما يؤكل لحمه إذا كان جلالا ، بدليل الإجماع ، فأما إذا لم يكن جلالا فلا بأس ببوله وروثه ، بدليل الإجماع ، ونحتج على المخالف بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما أكل لحمه فلا بأس

__________________

(١) ما بين المعقوفات موجود في النسخ التي بأيدينا والظاهر انه زائد.

(٢) ما بين المعقوفات موجود في النسخ التي بأيدينا والظاهر انه زائد.

(٣) سنن ابن ماجة : ١ ـ ٤٧٠ وسنن أبي داود : ٣ ـ ٢٠١ ، ومسند أحمد : ٢ ـ ٢٨٠.

٤٠