السراج الوهّاج

الشيخ إبراهيم بن سليمان البحراني [ الفاضل القطيفي ]

السراج الوهّاج

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن سليمان البحراني [ الفاضل القطيفي ]


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٢

وأما الثانية : فيدل عليها عموم الكتاب والسنة الدالين على تحريم التصرف في الأموال بغير حق ، والعقل مؤيد له فإنه حاكم بقبح ذلك فإن ما جعله الله تعالى في وجه المصادف يقبح تغييره لمنافاته الحكمة.

ويؤيده ما رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : ما تقول في أعمال هؤلاء؟ قال : إن كنت لا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة : قال : فأخبرني أنه كان يجيئها من الشيعة علانية ويردها عليهم في السر. (١) دل بفحواه على الترك مع الإمكان وعن النهي صريحا عن أموال الشيعة ولو كان أخذ الخراج من الحقوق التي ليست ظلما لم يجز ذلك.

ومن العجب أن المؤلف نقل هذا الخبر وخبر آخر في آخر رسالته وهو ما رواه الشيخ عن الحسن بن الحسن (٢) الأنباري عن الرضا عليه‌السلام ـ الى أن قال ـ فكتب أبو الحسن عليه‌السلام : فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك ، فإن كنت تعلم أنك إذا وليت عملت في عملك بما أمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم يصير أعوانك وكتابك أهل ملتك ، فاذا صار إليك شي‌ء وواسيت به فقراء المؤمنين كان جائزا وإلا فلا. (٣) (٤)

ثم قال ما ختم به رسالته : وما زلنا نسمع كثيرا ممن عاصرناهم لا سيما شيخنا الأعظم الشيخ علي بن هلال قدس الله روحه وغالب ظني أنه بغير واسطة بل بالمشافهة أنه لا يجوز لمن عليه الخراج والمقاسمة سرقته ولا جحوده ولا منعه ولا شي‌ء من ذلك لأن ذلك حق عليهم. (٥)

فليت شعري كيف ختم بهذه رسالته مع أن كلام الامام صريح في عدم جواز

__________________

(١) تهذيب الأحكام ـ ج ٦ ـ ص ٣٣٥ ـ حديث : ٤٨ ـ ٩٢٧ ـ باب ٩٣ في المكاسب « أخبار الولاية » ـ مع اختلاف يسير.

(٢) الظاهر الحسن بن الحسين هو الصحيح.

(٣) تهذيب الأحكام ـ ج ٦ ـ ص ٢٣٥ ـ حديث : ٤٩ ـ ٩٢٨ ـ باب ٩٣ في المكاسب « اخبار الولاية » مع اختلاف يسير

(٤) راجع خراجيته (ره) ، ص ٩٠ ـ ٩١.

(٥) راجع خراجيته (ره) ، ص ٩٠ ـ ٩١.

١٢١

أخذ الظالم له ، وهو قد سلم فيما مضى أن أخذه محرم عليه؟ وإذا كان محرما عليه كيف لا يجوز كتمانه عليه مع المكنة ولا سرقته ولا جحوده؟ وهل هذا إلا عدول عن قول معصوم وفتوى قام الدليل عقلا ونقلا عليها الاستشهاد بقول فقيه جائز الخطأ أن يثبت صحة النقل عنه؟

ولو شئت أن أقول أن اختيار الدفع الى الظالم مع التمكن من الكتمان والسرقة والجحود مما علم عدم جوازه من الدين بالضرورة لقلت ، لأن ذلك حق للمسلمين يجب إيصاله إلى وإليهم ، فإذا كان غائبا وجب أن يوصل الى نائبه وهو حاكم الشرع ، فإن لم يكن فإلى مستحقه حسبه كالمال الذي في يده لغيره فإنه يدفعه الى من يستحق قبضه شرعا.

ومما يؤيد بطلان ما ذكره ونقله في غالب ظنه ما رواه الشيخ عن أحمد بن زكريا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهل بست (١) وسجستان (٢) قال : رافقت أبا جعفر عليه‌السلام في السنة التي حج فيها في أول خلافة المعتصم فقلت له وأنا معه على المائدة وهناك جماعة من أولياء السلطان : إن والينا جعلت فداك رجل يتولاكم أهل البيت ويحبكم وعلي في ديوانه خراج ، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليه بالإحسان إلي ، فقال : لا أعرفه ، فقلت : جعلت فداك إنه على ما قلت من محبيكم أهل البيت فكتابك ينفعني عنده ، فأخذ القرطاس وكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد فإن موصل كتابي ذكر عنك مذهبا جميلا وإن ما لك من أعمالك ما أحسنت فيه ، فأحسن إلى إخوانك ، واعلم أن الله عزوجل لسائلك مثاقيل الذر والخردل. فلما وردت سجستان سبق الخبر الى الحسين بن عبد الله النيشابوري ـ وهو الوالي ـ فاستقبلني من المدينة على

__________________

(١) بست : مدينة قديمة في أفغانستان على ملتقى الطرق بين بلوچستان والهند « نقلا عن هامش تهذيب الأحكام ـ ج ٦ ـ ص ٣٣٤ ».

(٢) سجستان : أو سيستان بلاد واقعة بين إيران وافغانستان « نفس المصدر ».

١٢٢

فرسخين فدفعت اليه الكتاب فقبله ووضعه على عينيه ثم قال لي : حاجتك؟ فقلت : خراج علي في ديوانك ، قال : فأمر بطرحه عني وقال : لا تؤد خراجا ما دام لي عملي ثم سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم فأمر لي ولهم بما يقوتنا وفضلا ، فما أديت في عمله خراجا ما دام حيا ولا قطعني صلته حتى مات (١). ووجه الدلالة ظاهرة فإنه إنما شكى الامام الخراج فلو كان حقا يجب أداؤه ويحرم كتمانه لأخبره بذلك ولم يجبه إلى الوصية فيه لأجله.

ومما يدل على ما ذكرناه ما رواه الشيخ عن علي بن أبي حمزة قال : كان لي صديق من كبار بني أمية فقال : استأذن لي على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فاستأذنت له فأذن له ، فلما أن دخل فسلم وجلس ، ثم قال كلمته : جعلت فداك إني كنت في ديوان هذا القوم فأصبت في دينارهم مالا كثيرا وأغمضت في مطالبه ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لولا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفي‌ء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ، ولو تركهم الناس وما في أيديهم لما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم ، قال : فقال الفتي : جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟ قال : فقال : إن قلت لك تفعل؟ قال : أفعل. قال : فاخرج من جميع ما كسبت من ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت إليه ماله ومن لم تعرف تصدقت به وأنا أضمن لك على الله عزوجل الجنة .. إلخ (٢). وجه الدلالة أنه أطلق الأمر برد ما أخذ بسبب الظالمين وهو يتناول الخراج وغيره ، وهو موافق للنظر لأن أخذ الجائر ظلم يجب رده الى من أخذه منه ليصرف في محله.

إن قلت : هذا الخبر استدل به بعض الأصحاب كالعلامة في المنتهي على وجوب رد جوائز الظالم إذا علمته حراما (٣) قلت : لا مانع من الاستدلال به على

__________________

(١) تهذيب الأحكام ـ ج ٦ ـ ص ٣٣٤ ـ حديث : ٤٧ ـ ٩٢٦ ـ باب ٩٣ في المكاسب « أخبار الولاية » ـ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام ـ ج ٦ ـ ص ٣٣١ ـ حديث : ٤١ ـ ٩٢٠ ـ باب ٩٣ في المكاسب ـ « أخبار الولاية » ـ مع اختلاف يسير.

(٣) منتهى المطلب ـ ج ٢ ـ ص ١٠٢٥ ـ كتاب التجارة ـ الطبعة الحجرية.

١٢٣

ذلك لأنه عام ، ويصح الاستدلال به على ما يتناوله ، ومنه الجائزة المحرمة فلا منافاة إذ لا يلزم من الاستدلال به على فرد مما دل عليه عدم الاستدلال به على الآخر ، إذ الاعتبار بعموم الدليل ، لا يقال صرح جماعة من الأصحاب بعدم وجوب رد الخراج وإن علم أربابه.

فنقول : أو لا كلام من قال بذلك ليس حجة بمجرده ما لم يكن رواية أو إجماع سلمنا لكن الجواب يعلم من الجمع بين كلام الأصحاب.

وأما البحث الثاني وهو الجمع بين كون الأخذ غير مستحق وجواز الابتياع ، فهو أن يقول حيث لا يمكن حمل الكلامين على إطلاقهما ضرورة أن كون المال مغصوبا. وظلما يقتضي المنع من جواز التصرف فيه وهو متحقق ولو في الزكاة على القول بوجوب إعادتها ، وقد حكينا من أجلاء فقهائنا وذكرنا روايته عن أهل البيت عليهم‌السلام ، فإنه إذا ثبت وجوبهما ثانيا ثبت جزما أن ما أخذ فيه حق للمالك باق على استحقاقه فهو في يد آخذه غصب بلا شبهة ، فلا يمكن القول بجواز ابتياعه منه مع أن القائل بذلك أطلق جواز الابتياع فيما أخذه الظالم باسم الزكاة ، وإن من مذهبه عدم براءة ذمة المأخوذ منه ووجوب الإعادة (١) فلا بد من الجمع دفعا للتنافي العقلي والشرعي.

فنقول وبالله التوفيق : جهة الجمع هو أن المراد بالجائر في كلام الأصحاب مخصوص بمن له شبهة الإمامة ، وقد أجيز لنا أن نعاملهم بمقتضي مذهبهم كما جاز ابتياع عوض الخمر من اليهود ، وحينئذ إذا أخذ إمامهم منهم شيئا فهو مباح بالنسبة إليه والى رعيته المعتقدين إمامته ، فيجوز ابتياعه وإن لم يكن مستحقا عندنا ، وفي وجوب التخصيص بما أخذ من معتقدي الإمامة نظر ينشأ من أن جواز معاملتهم بمذهبهم هل يقتضي العموم فلا يشترط الإباحة أو لا يقتضيه ، فيشترط

__________________

(١) البيان ـ ص ١٨٤ ـ كتاب الزكاة ـ الطبعة الحجرية.

١٢٤

فعل عدم الاشتراط يجوز وإن أخذ من الشيعي ، وعلى الاشتراط لا يجوز. وظاهر الأصحاب عدم الاشتراط لإطلاقهم الجواز من غير تفصيل ولعل الأقرب الاشتراط ، وربما كان في الخبر الذي ذكرناه سابقا عن علي بن يقطين دلالة عليه حيث قال عليه‌السلام « فاتق أموال الشيعة » (١) ولا يشكل هذا بضمان المعتقد الزكاة وإن دفع الى من يعتقد أنه إمام لأنه إذا استبصر يضمن ، فان ( وان ظ ) كان دفع الى فريقه مع جواز تصرف من دفع إليه والابتياع منه قطعا ، ولو اخترنا العموم بحيث يشمل الحكم للشيعة فالوجه سقوط الزكاة مثلا عن الشيعي بأخذه ، ويكون ذلك رخصة بسبب شبهة مذهب المخالف ودفعا للضرورة عن الشيعي بالإعادة ، وكأني بعديم نظر وقليل فكر لا ينعم المطالعة والتدبر يتلقى هذا الجمع لالتزامه التقليد وعدم معرفته بدقائق الشريعة بالإنكار ويظن أنه تخصيص من غير مخصص فيقول الكلام عام فلا وجه للتخصيص. وقد تقرر أن العقل قد يخصص ، فإذا تحقق ما لا يتمشى على قواعد العقل والشرع إلا بالمخصص وجب ، ومن حمله على العموم فهو لأخذه ما طفح على الماء من غير أن يريب الى ما في وسطه فضلا عن قعره مع أن ما ذكرناه قد ينبه له من بعض العبارات للفضلاء المحققين كقول العلامة في المنتهي : يجوز للإنسان أن يبتاع ما يأخذه بسلطان الجور بشبهة الزكاة من الإبل والبقر والغنم وما يأخذه من حق الأرض باسم الخراج وما يأخذه بشبهة المقاسمة. فذكره الشبهة (٢) فيه إشارة الى ما ذكرناه ، وفي الكلام الذي ذكرناه عن الشيخ في الخلاف وكلام الشافعي (٣) فيه دلالة أيضا ، بل أقول : أن في كل عبارات الأصحاب دلالة من حيث أن الأخذ من الأنعام والغلات ولو من الأراضي التي أسلم أهلها كما يقتضيه إطلاق العبارة ، والاتفاق

__________________

(١) تهذيب الأحكام ـ ج ٦ ـ ٣٣٥ ـ حديث : ٤٨ ـ ٩٢٧ ـ باب ٩٣ في المكاسب ـ « أخبار الولاية ».

(٢) منتهى المطلب ـ ج ٢ ـ ص ١٠٢٧ ـ كتاب التجارة ـ مع اختلاف يسير ـ الطبعة الحجرية.

(٣) الخلاف ـ ج ١ ـ ص ٢٨١ ـ مسألة ٣١ ـ كتاب الزكاة ـ « ط : إسماعيليان ».

١٢٥

لا يكون إلا عمن يتصدى لذلك من حيث إمامه في زعمه لأن بعث المصدقين وأخذ ذلك من خواص من يعتقد الإمامية أو نائبه ، فيكون ذلك من خواصه قرينة على أن المراد من له شبهة الإمامية ، والله الموفق للصواب.

واما الثالث : أعنى رد الخطأ في هذه المسألة فنقول : من علل جواز الابتياع بأن هذا مال لا يملكه الزارع وصاحب الأنعام فقد أخطأ لأنه لا يلزم من عدم ملكه له بتقدير تسليمه بعينه بأخذ الجائر ولهذا حكم العلماء بضمان الزكاة على المأخوذ منه ، وبينهما تناف ظاهر ، خصوصا أنه قال : لأن هذا مال لا يملكه الزارع وأصحاب الأنعام والأرض فإنه حق الله أخذه غير مستحقه فبرئت ذمته وجاز شراؤه.

وليت شعري ما يجمع بين براءة ذمته وضمانه ، وإنما قلنا بتقدير تسليمه لأن المنع متوجه بأن يقال الزرع ملكه والأجرة عليه في ماله فتدبر. ومن قال بعدم جواز منع الزارع ونحوه فقد أخطأ لأنه إذا تمكن وجب عليه المنع لأن المدفوع إليه غير مستحق فيجب منعه لأنه من الأمر بالمعروف ودفعه من المنكر ، ومن أطلق جوز الهبة بحيث يشتمل الزكاة فقد أخطأ لأن الزكاة متعينة للصرف في أصنافها فلا يجوز هبتها ولا قبول هبتها ، وقد يتوجه المنع في غير الزكاة أيضا لولا أن الجائر له من نصيب وافر فيجوز نظرا الى شبهة إمامته التصرف فيما يهب منه ولا يرد ذلك في الابتياع ، فإن بيع الامام للزكاة جائز لأن صرف العين غير متعين ولأنه قد يبيع للمصارف المتوقفة على البيع كسبيل الله. وقد يعلم بالتنبيه المذكور أكثر الخطأ الوارد في الباب والله ولي الصواب وإليه المرجع والمناب.

وحيث انتهينا الى هذا ولم يبق في رسالته المعدة للنقص إلا ما هو حقيق بالاعراض والرفض من التعريض بأهل الايمان وإظهار الشنيعة لأهل البحث والتبيان ، مع كون ما ذكر سابقا ولا حقا لا يكاد يخرج من بين لحيي المحصل فلنقطع الكلام إلا عن ثلاث فوائد :

١٢٦

الأولى : قد ذكر في كلامه مرة بعد اخرى الشريف المرتضى قدس‌سره والمحقق الطوسي والعلامة رضوان الله عليهم أجمعين توطئة عند نفوس بعض العامة ومن ذكرهم يعيدون عما عمله فلا يستحلون ما استحله ونحن لا نمنع كون المرتضى ذا حشمة وارتفاع ولا يكثر ( يكسره خ ) ( يشر في خ ل ) ذلك إذا كان غير مشتمل على ما يخالف الشرع على أن عادة السلف أن من تقدم من فقهائهم وعلمائهم لا يذكرونهم إلا بأحسن ما عملوا امتثالا للخبر النبوي على ما فاه [ به عليه ] الصلاة والسلام ، ولا نقول ( ولا يقولون خ ل ) بعد موته إلا خيرا ، هذا وإن علم أنه كان يفعل غير ذلك فكيف إذا لم يعلم ، بل علم من شواهد الحال والآثار أنه كان من أهل التقوى والصلاح ، ومع التحقيق لو فعل من ذكره فعله لم يكن حجة إذا قام الدليل على مرجوحيته ، وإن شئت أن تطلع على بعض هذه الأمور فانظر في كتاب السيد النقيب العالم العامل التقي النقي ابن طاوس الحسيني الذي صنفه لابنه المعبر عنه بثمرة المهجة فإنه أشار الى المرتضى وأخيه في أمر سهل هو توليهما النقابة ورد عليهما ولم يحتشمهما من الرد ، ورد قول من يحتج بهما في ذلك من شدة صلاحه وتقواه وورعه الذي لا يوصف ، وأما ما في العقائد ( الفضائل خ ل ) للمحقق الطوسي لا استشهاد به فإنه كان داخلا في سلك الأمراء والملوك ، وفي الإشارة كفاية. وبالجملة فمثل هذا لا يقوم عذرا فضلا عن الحجة.

الثانية : المعذرة إلى أرباب العلم والنظر والتقوى والورع فيما زل فيه الذهن أو غفل عنه القلب فإن ذلك شأن غير المنزل من كتاب أو سنة ، فإن صحة جميع المطالب ليس من علامات الفضائل ذو والفضل يعرفون أهله يكفيه الأنظار والإيراد والإصدار ، لكن المطلوب منهم إمعان النظر وإتعاب الفكر قبل المبادرة برد أو إيراد ، فإن الاستعجال مظنة الخطأ ، وفيما فعلته من النقض فاني انما فعلته لاعتقاد وجوبه على أن هذا المؤلف ـ فيما علمته والله على ما أقول شهيد ـ في مرتبة يقصر عما يدعيه لنفسه فأحببت أن أعرفه واعرف أهل الفضل مرتبته ، وأيضا

١٢٧

فرسالته هذه مع كونه (١) واهية المباني ركيكة المعاني قد اشتهرت بين أهل الراحة وحب الاشتهار بشعائر الأبرار فأحببت إظهار ما غفلوا عنه قربة الى الله تعالى لئلا يضيع الحق فتدخل في سلك من رضي بإضاعته وسكت عن إنكار تضييعه ، لولا ذلك لكنت من المعرضين عنها كما أعرضت عن جواب استغابته وإعرابه من لا يؤمن على سفك الدماء المحرمة عن الأعوام والله الحكم يوم القيامة ، والعذر فيها أيضا من التشنيع ، فإن مثل ذلك جوابا عما سبق من تشنيعه جائز بل هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا وقع في تصنيف سبب خطائه فيه ، فإن بدأ استحق الجواب وهذه عادة السلف ، فان شككت في ذلك فلا حظ تصنيف العلامة خصوصا المختلف ، وانظر ما شنع فيه على ابن إدريس مع أن مصنفه إمام المذهب في العلم والعمل ، وأنما فعلوا ذلك ليكون علمائهم منزهين عن التعرض بمثل ذلك ، قال الشاعر :

بسفك الدماء يا جارتي تحقن الدماء

وبالقتل تنجو كل نفس من القتل

وقال تعالى ( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ). (٢) وقلت [ مع ] قريحتي الفاترة :

ولو أن زيدا سالم الناس سالموا

وكانوا له إخوان صدق مدى الدهر

ولكنه أوذي فجوزي بعض ما

جناه نكالا والتقاضي الى الحشر

الثالثة : روى الشيخ في التهذيب عن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن ابن جمهور عن أبيه رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام كثيرا ما يقول : اعلموا علما يقينا إن الله تعالى لم يجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت مكائده أن يسبق ما سمى به في الذكر الحكيم ولم يخل بين العبد في ضعفه وقلة حيلته أن يبلغ ما سمى له في الذكر الحكيم ، أيها الناس إنه لن يزاد امرء نقيرا بحذقه ولن ينقص امرء نقيرا بحمقه ، فالعالم بهذا

__________________

(١) الظاهر « كونها » هو الصواب.

(٢) البقرة : ١٧٩.

١٢٨

العامل به أعظم الناس راحة في منفعة والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرة ، ورب منعم عليه مستدرج بالإحسان إليه ، ورب مقدور في الناس مصنوع له ، فأقف أيها الساعي من سعيك واقصر من عجلتك وانتبه من سنة غفلتك وتفكر فيما جاء عن الله عزوجل على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واحتفظوا بهذه الحروف السبعة فإنها من قول أهل الحجى ومن عزائم الله في الذكر الحكيم إنه ليس لأحد أن يلقى الله عزوجل بخلة من هذه الخلال الشرك بالله فيما افترض عليه ، أو شفى غيظ بهلاك نفسه ، أو أمر بأمر يعمل بغيره ، أو أستنجح إلى مخلوق بإظهار بدعة في دينه ، أو سره أن يحمده الناس بما لم يفعل ، والمتجبر المختال وصاحب الأبهة. (١) وعن الحسن بن محبوب عن حريز قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : اتقوا الله وصونوا أنفسكم بالورع وقووه بالثقة والاستغناء بالله عن طلب الحوائج الى صاحب سلطان ، واعلم أن من خضع لصاحب سلطان أو لمن يخالفه على دينه طلبا لما في يديه من دنياه أخمده الله ومقته عليه ووكله إليه ، فإن هو غلب على شي‌ء من دنياه فصار منه إليه شي‌ء نزع الله البركة منه ولم يأجره على شي‌ء ينفقه في حج ولا عتق ولا بر. (٢)

ولنقطع الكلام على هذا حامدين لله حيث جعلنا من أتباع العترة الطاهرة ، ونسأله أن يمن علينا بصيانة دينهم وما ينسب إليه عن المشبهة الباطنة والظاهرة ، وأن يجعلهم شفعاءنا في الدنيا والآخرة والحمد لله.

تمت في سنة ١١٠٩ ه‍ ـ ق

__________________

(١) تهذيب الأحكام ـ ج ٦ ـ ص ٣٢٢ حديث : ٤ ـ ٨٨٣ ـ باب ٩٣ في المكاسب ـ مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ.

(٢) تهذيب الأحكام ـ ج ٦ ـ ص ٣٣٠ ـ حديث : ٣٥ ـ ٩١٤ ـ باب ٩٣ في المكاسب « أخبار الولاية » ـ مع اختلاف يسير.

١٢٩
١٣٠

فهرس رسالة الفاظل القطيفي

نبذة من حياة الفاضل القطيفي (ره)................................................... ٣

فائدة في حرمة كتمان الفقه والعلم.................................................. ٢١

ذكر الاخبار المتضمنة لفضل الفقهاء................................................ ٢٢

ذكر الحيل الشرعية وبيان الضابطة فيها............................................. ٢٥

الرد على قول المحقق الثاني بأن الأئمة (ع) قد أذنوا في تناول ذلك من سلاطين الجور حال الغيبة   ٣٠

الاستشكال على المحقق الثاني في تقسيمه للأراضي.................................... ٣٣

نقل عبارة المحقق الكركي في الأنفال والاستشكال عليها............................... ٣٦

الرد على استدلال المحقق الثاني برواية أبي بردة........................................ ٤٦

بيان حكم الأرض المفتوحة عنوة وذكر نكت عليها................................... ٥٧

نقل أقوال الأصحاب في ما إذا غزا قوم أهل الحرب من دون إذن الامام فغنموا كانت غنيمتهم للامام والتعليق عليها ٦٩

بيان أقسام الأرض المعدودة من الأنفال.............................................. ٧٢

دلالة الاخبار على الأرض الموت.................................................... ٧٤

في تعيين ما فتح عنوة من الأرضين.................................................. ٧٧

المناقشة في أن أرض العراق هل هي مفتوحة عنوة

١٣١

أو من الأنفال؟ نهاية تحقيق المصنف في أن أرض العراق من الأنفال...................... ٧٨

تحقيق الكلام في أرض الشام....................................................... ٩٣

في بيان معنى الخراج............................................................. ١٠١

الاستدلال على حل الخراج بالاخبار............................................... ١٠٤

مناقشة المصنف برواية قبول الحسنين جوائز معاوية.................................. ١٠٩

الكلام في جوائز الظالم........................................................... ١١٢

مسألة في الرخصة بكفاية ما يأخذه الظالم عن زكاة................................. ١١٨

فيما يدل على أن ذلك حرام وظلم في الزكاة....................................... ١١٩

في الجمع بين كون الاخذ غير مستحق وجواز الابتياع من الظالم...................... ١٢٤

١٣٢