السيد علي الحسيني الصدر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-978-002-7
الصفحات: ٤٧٢
في الأرضِ ...) الآية» (١).
وفي المنهاج : «الاتفاق على صدور هذه الجملة منه عليهالسلام ، ودلالتها على اعتقاد الامامية قطعية لأن التعبير بلفظ علينا صريح في أهل البيت ، خصوصاً بقرينة الآية التي تلاها عليهالسلام» (٢).
ولمزيد التوضيح للآية الشريفة نقول :
المستضعفون في الأرض هم آل محمّد سلام اللّه عليهم أجمعين لصريح قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «انتم المستضعفون بعدي» ، كما في حديث المفضل المتقدم ، وقد استضعفهم الناس من يوم فارق رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم الحياة ، فانفتحت عليهم أبواب الظلم والهضم والمصائب والنوائب.
غصبوا حقهم وشرّدوهم واسروهم وسجنوهم ومنعوهم ، حتى عن شرب الماء ، وقتلوهم ثم أهدوا رؤوسهم الى الأشقياء.
فهل المحن الا التي اصابتهم والمصائب ال التي عمّتهم؟
وهل استُضعف أحدٌ أكثر منهم ، بالرغم من قوتهم الألهية وجلالتهم المعنوية وقدرتهم الربانية؟
في حديث المنهال بن عمرو أنه لقى الامام السجاد عليهالسلام فقال له : كيف اصبحت يابن رسول اللّه؟
قال :
«ويحك ، أما آنَ لك أن تعلم كيف أصبحت؟ أصبحنا في قومنا مثل بني اسرائيل في آل فرعون؛ يذبّحون أبناءنا ويستحيون نساءنا.
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٧ ص ٢٣٩.
(٢) منهاج البراعة : ج ٢١ ص ٢٨٠.
واصبح خير البريّة بعد محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم يُلعن على المنابر ، وأصبح عدوّنا يُعطى المال والشرف.
واصبح من يحبّنا محقوداً منقوصاً حقّه ، وكذلك لم يزل المؤمنون.
وأصبحت العجم تعرف للعرب حقّها بأن محمّداً كان منها ، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقّها بأنّ محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم كان منها ، واصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم كان منها ، وأصبحنا أهلَ البيت لا يُعرف لنا حقّ؛ فهكذا أصبحنا يا منهال» (١).
وعلى صعيد هذه المظلومية بشّرهم اللّه تعالى بانّه سيتفضل عليهم ويجعلهم ورثه الأرض ، ويمكّن لهم حكومة الكرة الأرضية ومَن عليها وما عليها ، فقال عزّ من قائل :
(ونُريدُ أن نمنَّ على الذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ ...) الخ.
لذلك جاء في تفسير علي بن ابراهيم القمي عند هذه الآية المباركة قوله :
«أخبر اللّه نبيّه بما لقي موسى وأصحابه من فرعون من القتل والظلم ، ليكون تعزيه له فيما يصيبه في أهل بيته من امّته.
ثم بشّره بعد تعزيته انه يتفضّل عليهم بعد ذلك ويجعلهم خلفاء في الأرض وائمة على امته ، ويردّهم الى الدنيا مع اعدائهم ، حتى ينتصفوا منهم فقال : (ونُريدُ أن نمنَّ على الذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ ونجعلَهم أئمّة ونجعلَهُم الوارثين * ونمكّن لهم في الأرض ونُرِيَ فرعَونَ وهامانَ وجنودَهما) ، وهم الذين غصبوا آل محمد حقّهم وقوله «منهم» أي من آل محمّد. «ما كانوا يحذرون» اي من القتل والعذاب.
__________________
(١) كنز الدقائق : ج ١٠ ص ٣١.
ولو كانت هذه الآية نزلت في موسى وفرعون لقال : ونري فرعون وهامان وجنودهما منه ما كانوا يحذرون؛ اي من موسى ، ولم يقل منهم.
فلمّا تقدم قوله : (ونُريدُ أن نمنَّ على الذينَ استُضعِفُوا في الأرضِ ونجعلَهم أئمّة ونجعلَهُم الوارثين) ، علمنا ان المخاطبة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وما وعد اللّه به رسوله فانما يكون بعده والأئمة يكونون من ولده.
وإنما ضرب اللّه هذا المثل لهم في موسى وبني اسرائيل ، وفي أعدائهم بفرعون وهامان وجنودهما فقال : إن فرعون قتل بني اسرائيل وظلمهم فأظفر اللّه موسى بفرعون واصحابه حتى اهلكهم اللّه ، وكذلك اهل بيت رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم اصابهم من اعدائهم القتل والغصب. ثم يردّهم اللّه ويردّ اعدائهم الى الدنيا حتى يقتلوهم» (١).
وقد تلا هذه الآية المباركة أمير المؤمنين عليهالسلام بعد كلمته الحكيمة في حكومة الامام المهدي عليهالسلام «لتعطفن ...» إشارةً الى تفسيرها بها.
توضيح كلمته الحكيمة :
«لتعطفنّ» من العطف بمعنى الحنان ، يقال : عَطَفَت الناقة على ولدها اي حنّت عليه ودَرَّ لبنُها له.
و «الشَماس» بمعنى الاستعصاء ، مصدر شَمس. الفرس اذا استعصى على راكبه ومنع ظهره من الركوب.
و «الضَّروس» الناقة سيئة الخُلق تعضّ طالبها ، وذلك ليبقى لبنها لولدها لفرط شفقتها عليه.
ويبيّن الامام عليهالسلام بهذه الجملة أن الدنيا ستقبل بالتأكيد على أهل البيت عليهمالسلام
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ص ١٣٣.
بعد الجفاء الطويل والمكروه الكثير ، إقبالاً شفيقاً فتخضع لهم بعد تمرّدها ، وتنقاد لهم بعد عصيانها؛ إشارةً الى دولتهم المظفرة وحكومتهم المنتصرة.
وما أحلاه من كلام سيد الأوصياء ، المدعَم بقول رب الأرض والسماء ، وكفى به دليلاً صدقاً في صدق.
وقد ورد في حديث آخر قَسَمَ الامام على إقبال الدنيا على أهل البيت عليهمالسلام ففي حديث الكنز بسنده عن أمير المؤمنين عليهالسلام انه قال :
«والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لتعطفنّ علينا هذه الدنيا كما تعطف الضروس على ولدها» (١).
٢ ـ قوله تعالى : (وَعَدَ اللّهُ الذينَ آمنُوا منكُم وعَمِلوا الصالحاتِ لَيَستخلِفَنَّهُم في الأرضِ كما استخلَفَ الذين من قَبلِهم وليُمكِنَنَّ لهُم دينَهُم الذي ارتَضى لهُم وليُبدّلنَّهُم من بعدِ خوفِهم أمناً يعبدونني لا يُشركونَ بي شيئاً ومَن كَفَرَ بعدَ ذلكَ فأولئكَ هُم الفاسقون) (٢).
وهذه الآية الشريفة أيضاً مأوّلة بالامام المهدي وعصره الذهبي ، فانها وعدٌ للمؤمنين الصالحين باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم الاسلامي المرضيّ وتبديل حالة خوفهم الى حالة الأمن والأمان؛ يعبدون اللّه تعالى بلا خوف ويتجاهرون بالحق الصريح بلا تقية.
وهذا وعدٌ إلهي ، فهو صادق لا خُلف فيه ، ومؤكد بلام القسم ونون التأكيد ، فهو واقع لا تردد فيه.
فانك تلاحظ الكلمات الثلاثة : «ليستخلفنّهم» و «ليمكننّ لهم»
__________________
(١) البحار : ج ٢٤ ص ١٧٠ ب ٤٩ ح ٦.
(٢) سورة النور : الآية ٥٥.
و «ليبدلنّهم» ، مُصدّرة في اولها باللام ، وملحوقة في آخر كل فعل بنون التأكيد المثقّلة ، وهو تأكيد في تأكيد ممن لا يخلف الوعد بالتأكيد.
قال في مجمع البيان :
«ليستخلفنّهم ، جواب قسم يدل عليه قوله : «وَعدَ اللّه ...» ، لأن وعده سبحانه كالقسم» (١).
وقال في اعراب القرآن الكريم : «(وعد اللّه الذين آمنوا ...) ... الخ ، كلام مستأنف مسوق لتقرير المصير للمؤمنين الذين يعملون الصالحات والتمكين لهم في الأرض ، و «وعد اللّه الذين» فعل وفاعل ومفعول به ، وجملة «آمنوا» صلة ، و «منكم» حال ، و «عملوا الصالحات» عطف على آمنوا ومفعول وعد الثاني محذوف تقديره الاستخلاف ، لدلالة قوله «ليستخلفنّهم» عليه ، واللام جواب قسم مضمر ، أي أقسم ليستخلفنّهم ، و «في الأرض» متعلقان بيستخلفنهم ، ولك أن تنزل وَعَدَ منزلة أقسم ، فتلقى بما يتلقى به القسم» (٢).
ومن المعلوم أن مقتضى التعبير بالوعد في الآية الشريفة أن الموعود به يكون في المستقبل ولم يكن محققا حين نزول الآية والا لم يكن وَعداً.
وبديهي أنه لم يتحقق هذا الوعد الالهي الميمون منذ فجر الإسلام الى يومنا هذا ، كما يتضح ذلك بمراجعة تاريخ الماضي من الأزمان ، وملاحظة المجتمعات المعاصرة في هذا الزمان ، فما هو الموعود؟
تصرّح أحاديثنا المتضافرة أن هذه الآية الشريفة تشير الى عصر الامام
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٧ ص ١٥١.
(٢) اعراب القرآن الكريم : ج ٦ ص ٦٤٢.
المهدي عليهالسلام فيما تلاحظة في كتب التفاسير.
ففي البرهان مسنداً الى جابر ، عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال :
«تلا رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَعَد اللّهُ الذينَ آمنوا منكم وعملوا الصالحاتِ ليستخلفنَّهم في الأرضِ كما استَخلفَ الذينَ مِن قبلِهم وليُمكننَّ لهم دينَهُم الذي ارتضى لهم وليبدّلنَّهُم من بعدِ خوفِهم أمناً).
فقال جندل (بن جنادة بن جبير) : ما خوفهم؟
قال : يا جندل ، في زمن كل واحد منهم سلطان يعيّره ويؤذيه. فاذا عجّل اللّه خروج قائمنا ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
ثم قال : طوبى للصابرين في غيبته ، طوبى للمقيمين على محبّتهم ، اولئك من وصفهم اللّه في كتابه فقال : (الذين يؤمنونَ بالغيب).
ثم قال : اولئك حزبُ اللّهِ ألا إن حزبَ اللّه هم الغالبون ...» (١).
وجاء في كنز الدقائق :
١ ـ بسند الشيخ الصدوق الى الامام الصادق عليهالسلام أنه قال :
«وكذلك القائم ، فإنّه تمتدّ أيّام غيبته ليصرح الحقّ عن محضه ، ويصفو الإيمان من الكدر ، بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الذين يخشى عليهم النفاق ، إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم صلوات اللّه عليه.
قال المفضّل : فقلت : يابن رسول اللّه ، فإنّ هذه النواصب تزعم أنّ هذه الآية ـ اي قوله تعالى : ـ «وعد اللّه ...» ـ نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ عليهالسلام.
فقال : لا يهدي اللّه قلوب الناصبة! متى كان الدين الذي ارتضاه اللّه
__________________
(١) البرهان ج ٢ ص ٧٤١.
ورسوله ، متمكّناً بانتشار الأمن في الامّة ، وذهاب الخوف من قلوبها ، وارتفاع الشك من صدورها؟ في عهد واحد من هؤلاء ، وفي عهد عليّ؟! مع ارتداد المسلمين والفتن التي تثور في أيّامهم والحروب التي كانت تنشب بين الكفّار وبينهم».
٢ ـ وفي حديث الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليهالسلام :
«ويقترب الوعد الحق الذي بيّنه اللّه في كتابه بقوله : (وعدَ اللّهُ الذينَ آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرضِ كما استَخلفَ الذين من قبلِهم).
وذلك إذا لم يبق من الإسلام إلاّ اسمه ، ومن القرآن الا رسمه ، وغاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك ، لاشتمال الفتنة على القلوب ، حتى يكون أقرب الناس إليه أشدّهم عداوة له ، وعند ذلك يؤيّده اللّه بجنود لم تروها ، ويظهر دين نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم على يديه على الدين كلّه ولو كره المشركون».
٣ ـ وفي حديث الآيات الباهرة ، بسنده عن عبداللّه بن سنان.
قال : سألتُ أبا عبداللّه عليهالسلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَعَدَ اللّهُ الذينَ آمنوا منكُم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرضِ كما استَخلفَ الذين من قبلهم).
قال : «نزلت في عليّ بن أبي طالب والأئمّة من ولده عليهمالسلام.
(وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون).
قال : عني به ظهور القائم عليهالسلام» (١).
__________________
(١) كنز الدقائق : ج ٩ ص ٣٣٧.
وفي جوامع الجامع ، في حديث المقداد [عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم] :
«لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله اللّه كلمة الاسلام بعزّ عزيز أو ذلّ ذليل. إما أن يعزّهم اللّه فيجعلهم من أهلها ، وإمّا أن يذلّهم فيدينون لها» (١).
وفي مجمع البيان :
«والمروي عن أهل البيت عليهمالسلام أنها في المهدي من آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ... وعلى هذا اجماع العترة الطاهرة ، واجماعهم حجة لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اني تارك فيكم الثقلين ، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».
وأيضاً فان التمكين في الأرض على الاطلاق لم يتفق فيما مضى فهو منتظر لأن اللّه عزّ وجلّ لا يخلف وعده» (٢).
ورواها في أهل البيت عليهمالسلام أيضاً الحاكم الحسكاني من العامة (٣).
فالآية المباركة بشارة من اللّه العلي بدولة الإمام المهدي عليهالسلام.
٣ ـ قوله تعالى : (ولقد كتبنا في الزبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أنَّ الأرضَ يَرثُها عبادِيَ الصالحُون) (٤).
هذه الآية الشريفة أيضاً بشارة بالامام المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه.
فانها وعدٌ من اللّه أصدق الصادقين ، مكتوبٌ في الزبور ، مستعمل بكلمة «لقد» التحقيقية ، و «أنّ» التأكيدية ، بأن الكرة الأرضيّة يرثها عبادُ اللّه الصالحون؛ عباده المنسوبون اليه.
__________________
(١) جوامع الجامع ص ٣١٢.
(٢) مجمع البيان : ج ٧ ص ١٥٢.
(٣) شواهد التنزيل : ج ص ٤١٢.
(٤) سورة الأنبياء : الآية ١٠٥.
روى في التبيان ، «عن أبي جعفر عليهالسلام :
«إن ذلك وعدٌ للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض» (١).
كما فسّر العباد الصالحون بأصحاب الامام المهدي عليهالسلام ، حيث تنتقل اليهم الأرض.
قال في مجمع البيان : قال أبو جعفر عليهالسلام :
«هم أصحاب المهدي عليهالسلام في آخر الزمان» (٢).
وروى في كنز الدقائق :
١. حديث الآيات الباهرة ، بسنده عن الإمام الباقر عليهالسلام ، أنه قال :
«قوله عزّ وجلّ : (انّ الأرضَ يرثها عبادي الصالحون) ، هم آل محمد صلوات اللّه عليهم».
٢. بسنده الى أبي صادق قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قوله اللّه عزّ وجلّ : (ولقد كتبنا في الزبور) الآية.
قال : «نحن هم.
قال : قلت : (إنّ في هذا لبلاغاً لقوم عابدين).
قال : هم شيعتنا».
٣. بسنده عن الإمام الباقر عليهالسلام قال :
«قوله عزّ وجلّ : (انّ الأرض يرثها عبادي الصالحون) هم أصحاب المهديّ عليهالسلام آخر الزمان» (٣).
__________________
(١) التبيان : ج ٧ ص ٢٨٤.
(٢) مجمع البيان : ج ٧ ص ٦٦.
(٣) كنز الدقائق : ج ٨ ص ٤٨٣.
فالآية الشريفة إذن مفسرة بالامام المهدي عليهالسلام.
٤. قوله تعالى : (هُو الذي أرسَلَ رسُولَهُ بالهُدى ودينِ الحقِّ ليُظهِرَهُ على الدينِ كُلِّه ولو كَرِهَ المشركُون) (١).
من البشارات بالإمام الحجّة المهدي عليهالسلام هذه الآية الشريفة التي تكرّرت في القرآن الكريم ثلاث مرّات ، مما يدل على أهميّة الموضوع والاهتمام به.
فقد جاءت في سورة التوبة ، الآية ٣٣ ، وفي سورة الفتح ، الآية ٢٨ ، وفي سورة الصف ، الآية ٩.
وتبيّن هذه الآية المباركة أن الارادة الالهيّة ـ التي لا تتخلف ـ قد تعلقت باظهار دين الاسلام على الدين كله ، أي يعلو ويغلب الاسلام على جميع الأديان ، حتى لا يبقى على وجه الأرض دين الا مغلوباً مقهوراً.
ومن المعلوم أنّه لم يتحقق بَعدُ هذه الغلبة على وجه البسيطة مع وجود هذه المذاهب الباطلة ، والا لم يبق في الأرض يهودي ولا مسيحي ولا كافرٌ آخر.
وانما تتحقق هذه الغلبة في عصر ظهور الإمام المهدي عليهالسلام ، كما أخبرت به الأحاديث المعتبرة من طريق الخاصة والعامّة.
ففي كنز الدقائق باسانيد عديدة :
١. عن أبي بصير قال : قال أبو عبداللّه عليهالسلام في هذه الآية :
«واللّه ما نزل تأويلها بعد ، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليهالسلام ، فإذا خرج القائم ، لم يبق كافر باللّه العظيم ولا مشرك بالإمام إلاّ كره خروجه ، حتّى لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة ، لقالت : يا مؤمن ، في بطني كافر فاكسرني
__________________
(١) سورة التوبة : الآية ٣٣.
واقتله» (١).
٢. عن عبدالرحمن بن سليط قال : قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام :
«منّا اثنا عشرة مهديّاً؛ أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وآخرهم التاسع من ولدي وهو القائم بالحقّ؛ يحيي اللّه به الأرض بعد موتها ، ويظهر به الدين الحقّ [على الدين كلّه] ولو كره المشركون».
٣. عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن علي عليهماالسلام يقول :
«القائم منّا منصور بالرعب ، مؤيّد بالنصر ، تطوى له الأرض ، وتظهر له الكنوز ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر اللّه عزّ وجلّ به دينه على الدين كلّه «ولو كره المشركون». فلا يبقى في الأرض خراب إلاّ عُمّر ، وينزل روح اللّه عيسى بن مريم عليهالسلام فيصلّي خلفه» (٢).
٤. عن محمد بن الفضيل عن الامام الكاظم عليهالسلام؛ قال : قلت : (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق).
قال : «هو الذي أرسله [أمر رسوله] بالولاية لوصيّه ، والولاية هي دين الحق.
قلت : «ليظهره على الدين كلّه».
قال : يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم. قال : يقول اللّه : «واللّه متمّ [نوره]» ولاية القائم ، «ولو كره الكافرون» بولاية عليّ (٣).
__________________
(١) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٤٤٥.
(٢) كمال الدين : ص ٣٣١ ب ٣٢ ح ١٦
(٣) البحار : ج ٥١ ص ٦٠ ب ٥ ح ٥٩.
٥. عن سماعة ، عن الإمام الصادق عليهالسلام في هذه الآية قال :
«اذا خرج القائم لم يبق مشرك باللّه العظيم ولا كافر الاكره خروجه» (١).
٦. عن مجاهد ، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال : «لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملّة الاّ صار الى الاسلام ...؛ وذلك يكون عند قيام القائم عليهالسلام».
حكاه في تفسير البرهان (٢).
٧. وفي مجمع البيان ، قال أبو جعفر عليهالسلام :
«ان ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا يبقى أحد الا أقر بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم» وهو قول السدى.
وقال الكلبي : «لا يبقى دين الاظهر عليه الاسلام وسيكون ذلك» (٣).
٨. عن النبي الاكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال :
«تُملأ الأرض من الاسلام ، ويُسلب الكفار ملكُهم ، ولا يكون ملك إلا الاسلام ، وتكون الأرض كفاثور الفضة» (٤) أي كالصفحة البيضاء النقيّة الفضيّة.
٩. وفي حديث آخر :
«ليدخلنَّ هذا الدين على ما دخل عليه الليل» (٥).
١٠. وفي ينابيع المودّة للقندوزي ، قال عليهالسلام :
«واللّه ما يجيء تأويلها حتى يخرج القائم المهدي عليهالسلام. فاذا خرج لم يبق
__________________
(١) تفسير البرهان : ج ١ ص ٤٢٠.
(٢) تفسير برهان : ج ٢ ص ١١١٣.
(٣) مجمع البيان : ج ٥ ص ٢٥.
(٤) الملاحم والفتن : ص ١٧٣
(٥) المجازات النبوية : ص ٤١٩.
مشرك الاكره خروجه ...» (١).
٥ ـ قوله تعالى : (وقُل جاءَ الحقُّ وزَهقَ الباطلُ إنَّ الباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (٢).
وهذه الآية الشريفة أيضاً ورد تأويلها ببقيّة اللّه المهدي عليهالسلام.
وهي تبين وتبشر بظهور الحق ، وزهوق الباطل اي اضمحلاله وهلاكه ... ، والزهوق هو الهلاك والبطلان. يقال : زهقت نفسه ، اذا خرجت فكأنه قد خرجت الى الهلاك (٣).
ومن الواضح أنّ المصداق الأتم لظهور الحق والاسلام ، وهلاك الباطل والكفر ، هو في عصر الإمام المهدي عليهالسلام.
وقد أشارت الأحاديث الشريفة الى هذا التأويل.
ففي كنز الدقائق :
١. حديث عاصم بن حميد ، عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله : (وقل جاء الحقّ وزهقَ الباطل).
قال : «اذا قام القائم ذهبت دولة الباطل».
٢. حديث السيدة حكيمة ـ اخت الامام الهادي عليهالسلام ـ جاء فيه :
«ولما وُلد القائم كان نظيفاً مفروغاً منه ، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب : (جاء الحقُّ وزهقَ الباطلُ إن الباطلَ كان زهوقاً)» (٤).
فالقرآن الكريم مبشرٌ بوليّ اللّه الأعظم الامام الحجّة بن الحسن عليهالسلام ، ولا
__________________
(١) المهدي في القرآن : ص ٦٢. ينابيع المودة : ص ٤٢٣.
(٢) سورة الإسراء : الآية ٨١.
(٣) مجمع البيان : ج ٦ ص ٤٩١
(٤) كنز الدقائق : ج ٧ ص ٤٩١.
يمكن التخلّف في بشارة القرآن الكريم أبداً ، فلابد من وجوده قطعاً.
وفي الكتب السماوية الاُخرى سُجلت أيضاً البشارة بالامام المهدي عليهالسلام ، كما نوّهت عنه آية الزبور المتقدمة.
وقد اُحصيت البشارات الالهية الاُخرى في كتاب الزام الناصب ٣٦ بشارة (١) من ذلك :
١ ـ ما في التوراة ، سِفر التكوين ، الفصل السابع عشر ، الآية العشرين ، ما ترجمته بالعربية لخطاب اللّه تعالى :
«يا إبراهيم ، انا قد سمعنا دعاءك وتضرّعك في اسماعيل (٢) ، فباركتُ لك فيه ، وسأرفع له مكاناً رفيعاً ، ومقاماً عليّاً ، وساُظهر منه اثنَي عشر نقيباً ... ، وستكون له أمة عظيمة».
٢ ـ ما في الزبور ، السِفر الواحد والسبعين ، بعد الدعاء للإمام المنتظر عليهالسلام ما ترجمته بالعربية :
«وسيظهر في دولته حجة ، ويزيد العدل والقسط ، الى أن يزول القمر (اي يوم القيامة) ، ويحكم من البحر الى البحر ومن الوادي الى جميع ما على وجه البسيطة ، وتنعطف (٣) له العالم ...» (٤).
__________________
(١) الزام الناصب : ج ١ ص ١١٥.
(٢) راجع أحاديث تفسير قوله تعالى : (رب هب لي من الصالحين فبشّرناه بغلام حليم) ، وقد عمّر اسماعيل ١٣٧ سنة وبارك الله تعالى فيه وفي أولاده.
(٣) «العطوفة» هي الاشفاق على الشيء والميل اليه والحنان عليه ، وتكون عند غاية المحبّة.
(٤) لاحظ بشائرالكتب السماوية في : العبقري الحسان : ج ١ ص ١٦.
وأمّا السنّة المباركة
ففي الأحاديث المتواترة العلمية ، جاء التنصيص الصريح على الإمام المهدي عليهالسلام والبشارة به ، على لسان نبيّه وعترته عليهمالسلام.
وقد ذكرت في مئات الأحاديث بمضامين عديدة أحصيت ٦٥ مضموناً في فهرست احقاق الحق (١).
وهي مروية من طريق الفريقين باسانيد كثيرة عن ثلة من الأصحاب.
أما من طرق الخاصة ، فهي أخبار متواترة قطعية مذكورة في مجامع حديثهم وكتبهم المعتبرة؛ حتى التي كُتبت قبل ولادة الامام المهدي عليهالسلام مثل :
كتاب سليم بن قيس الهلالي ، والحسن بن محبوب. وكتاب المهدي لعيسى بن مهران ، والغيبة لعبداللّه بن جعفر الحميري ، والغيبة لمحمد بن قاسم البغدادي ، وأخبار القائم لعلان الرازي ، وأخبار المهدي للجلودي المتوفى سنة ٣٣٢ هجرية ، والغيبة للنعماني ، والغيبة للحسن بن حمزة المرعشي ، ودلائل خروج القائم لعلي بن الحسن الصفاري البصري ، وأخبار القائم عليهالسلام لأحمد بن محمد الجرجاني ، والشفاء والجلاء لأحمد بن علي الرازي ، وترتيب الدولة لأحمد بن الحسين المهراني ، وذكر القائم لأحمد بن رميح المروزي ، وكمال الدين للشيخ الصدوق ، والغيبة لابن الجنيد ، والغيبة للشيخ المفيد ، والغيبة للسيد المرتضى ، والغيبة للشيخ الطوسي ، والتاج الشَرَفي للسعد آبادي معاصر السيد المرتضى ، كتاب ما نزل في القرآن في صاحب الزمان عليهالسلام لعبداللّه بن عياش ، والفَرَج الكبير لمحمد بن هبة اللّه الطرابلسي تلميذ الشيخ الطوسي ، وغيرها (٢).
__________________
(١) فهرست احقاق الحق : ص ٦٠٥.
(٢) امامت ومهدويت : ج ٣ قسم ١ ص ٣٩.
وأما من طرق العامة ، فهي متواترة قطعية أيضاً ومذكورة في صحاحهم ومسانيدهم.
وقد صرّح بتواترها جماعة من أعلامهم ، مثل :
الشبلنجي في نور الأبصار ، وابن حجر في الصواعق ، والكنجي الشافعي في البيان ، والصبّان في اسعاف الراغبين ، والحافظ في فتح الباري ، وزيني دحلان في الفتوحات الاسلامية ، والشوكاني في التوضيح ، والناصف في غاية المأمول ، وابي الطيّب في الإذاعة ، والكتّاني في نظم المتناثر ، والكوثري في النظرة العابرة ، والأسنوي في المناقب وغيرهم (١).
وقد وردت تلك الأحاديث في كتب مشاهير علماءهم الذين تلاحظ ذكرهم في الكتب الجامعة لهم ، مثل :
صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، ومسند احمد بن حنبل ، وسنن ابي داود ، وسنن النسائي ، وفرائد السمطين للحمودي ، وكنز العمال للمتقي الهندي ، وينابيع المودّة للقندوزي ، وسنن البيهقي ، وتفسير الفخر الرازي ، وتفسير الثعلبي ، والدر المنثور للسيوطي ، ومصابيح السنة للبغوي ، وتيسير الوصل لابن دبيع ، ومستدرك الحاكم ، وحلية الاولياء لأبي نعيم ، واسد الغابة لابن الأثير ، والاستيعاب لابن عبد البرّ ، وتهذيب الآثار للطبري ، والاتحاف للشبراوي ، والفصول المهمة لابن الصباغ ، والمناقب لابن المغازلي ، وغير ذلك (٢).
بل في كتبهم المؤلفة في خصوص شأن الامام المهدي عليهالسلام ، نظير :
__________________
(١) امامت ومهدويت : ج ٣ قسم ١ ص ٧٤.
(٢) امامت ومهدويت : ج ٣ قسم ١ ص ٧٦.
كتاب البرهان في علامات مهدي آخر الزمان للمتقي ، والبيان في اخبار صاحب الزمان للگنجي الشافعي ، وعقد الدرر في اخبار الامام المنتظر للدمشقي ، ومناقب المهدي عليهالسلام للحافظ ابي نعيم ، والقول المختصر في علامات المهدي المنتظر لابن حجر ، والعرف الوردي في اخبار المهدي للسيوطي ، ومهدي آل الرسول للهروي الحنفي ، والعطر الوردي بشرح قطر الشَهدي للبليسي ، وتلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان لابن كمال باشا الحنفي ، وإرشاد المستهدي للبكري المدني ، واحاديث المهدي لابن بكر بن حيثمة ، والأحاديث القاضية بخروج المهدي لمحمد بن اسماعيل اليماني ، والهديّة النديّه فيما جاء في فضل الذات المهديّة لأبي المعارف الدمشقي ، والجواب المقنع للشنقيطي ، وأحوال صاحب الزمان للحمويني ، وتحديق النظر في اخبار المنتظر لابن مانع ، والرد على من حكم وقضى أن المهدي جاء ومضى للقاري ، وعلامات المهدي للسيوطي ، والمهدي لابن القيم الجوزيّة ، والهدية المهدية لابي الرجاء ، وغير ذلك (١).
فأخبار الامام المهدي أرواحنا فداه من الأدلة القطعية والدلائل اليقينية ، وهي في الوضوح والاشتهار كالشمس في رائعة النهار.
لذلك قال في تقريب المعارف :
«ومن تأمّل في حال ناقلي هذه الأخبار ، عَلِمَهُم متواترين بها على الوجه الذي تواتروا به من نقل النص الجليّ» (٢).
وتيمّناً برواياتهم الجميلة وبشاراتهم الجليلة نذكر نموذجاً منها مما بشّر به
__________________
(١) امامت ومهدويت : ج ٣ قسم ١ ص ٧٨.
(٢) تقريب المعارف : ص ٤٣٨.
الرسول الاعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم بذاته السنيّة او بالأحاديث القدسيّة ، وما جاءت من البشارات في الاحاديث المعصومية :
(١)
بشارة النبي الأكرم ببقية اللّه الأعظم
١ ـ حديث الشيخ الصدوق بسنده الى ابن عباس ، قال : قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«لمّا عُرج بي الى ربي جلّ جلاله اتاني النداء : يا محمد!
قلت : لبيك رب العظمة لبيك.
فقال : يا محمّد ، هلاّ اتّخذت من الآدمين وزيراً وأخاً ووصيّاً من بعدك؟
فقلت : إلهي ، ومن أتّخذ؟ تخيّر لي أنت يا إلهي.
فأوحى اللّه إليَّ : يا محمّد ، قد اخترت لك من الآدميّين عليَّ بن أبي طالب.
فقلت : إلهي ، ابن عمّي؟
فأوحى اللّه إليَّ : يا محمّد ، إنَّ عليّاً وارثك ووارث العلم من بعدك وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة وصاحب حوضك ، يسقي من ورد عليه من مؤمني اُمّتك.
ثمَّ أوحى اللّه عزَّ وجلَّ إليَّ : يا محمّد ، إنّي قد أقسمت على نفسي قسماً حقّاً ، لا يشرب من ذلك الحوض مبغضٌ لك ولأهل بيتك وذرّيّتك الطيّبين الطاهرين.
حقّاً أقول يا محمّد : لأدخلنّ جميع امّتك الجنّة إلاّ من أبى من خلقي.
فقلت : إلهي ، هل واحد يأبي من دخول الجنّة؟
فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليَّ : بلى.
فقلت : وكيف يأبى؟
فأوحى اللّه إليَّ : يا محمّد ، اخترتك من خلقي ، واخترت لك وصيّاً من بعدك ، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدك ، وألقيت محبّته في قلبك وجعلته أباً لولدك. فحقّه بعدك على أمّتك كحقّك عليهم في حياتك؛ فمن جحد حقّه فقد جحد حقّك ، ومن أبي أن يواليه فقد أبي أن يواليك ، ومن أبي ان يواليك فقد أبي أن يدخل الجنّة.
فخررت للّه عزّ وجلَّ ساجداً ، شكراً لما أنعم عليَّ. فإذا منادياً ينادي : ارفع يا محمّد رأسك وسلني أعطك.
فقلت : إلهي ، إجمع امّتي من بعدي على ولاية عليّ بن أبي طالب ليردوا جميعاً عليَّ حوضي يوم القيامة.
فأوحى اللّه تعالى إليَّ : يا محمّد ، إنّي قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم ، وقضائي ماض فيهم. لأهلك به من اشاء وأهدي به من أشاء ، وقد آتيته علمك من بعدك ، وجعلته وزيرك وخليفتك من بعدك على أهلك وامّتك.
عزيمةً منّي [لاُدخل الجنّه من أحبّه و] لا اُدخل الجنّه من أبغضه وعاداه وأنكر ولايته بعدك.
فمن ابغضه أبغضك ، ومن ابغضك أبغضني؛ ومن عاداه فقد عاداك ، ومن عاداك فقد عاداني؛ ومن أحبّه فقد أحبّك ، ومن أحبّك فقد أحبّني. وقد جعلت له هذه الفضيلة ، وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديّاً ، كلّهم من ذرّيّتك من البكر البتول؛ وآخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى بن مريم ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت منهم ظلماً وجوراً. اُنجي به من الهلكة ، وأهدي به من الضلالة ،
واُبرئ به من العمى ، واشفى به المريض ...» (١).
٢ ـ وفي حديث المعراج الآخر ، بسنده الى المفضل ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهمالسلام ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال :
«قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : لمّا اُسري بي إلى السماء ، أوحى إليَّ ربّي جلَّ جلاله فقال :
يا محمّد ، إنّي أطلعت على الأرض إطاعة فاخترتك منها ، فجعلتك نبيّاً وشققت لك من اسمي إسماً ، فأنا المحمود وأنت محمّد.
ثمَّ أطلعت الثانية فاخترت منها عليّاً وجعلته وصيّك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذرّيّتك ، وشققت له اسماً من أسمائي ، فأنا العليُّ الأعلى وهو عليُّ. وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما.
ثمَّ عرضت ولايتهم على الملائكة ، فمن قبلها كان عندي من المقرَّبين.
يا محمّد ، لو أنَّ عبداً عبدني حتّى ينقطع ويصير كالشنِّ البالي ، ثمَّ أتاني جاحداً لولايتهم فما أسكنته جنّتي ولا أظللته تحت عرشي.
يا محمّد ، تحبُّ أن تراهم؟
قلت : نعم يا ربّ.
فقال عزّ وجلّ : ارفع رأسك.
فرفعت راسي وإذا أنا بأنوار عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسين بن علي ، وم ح م د بن الحسن ، القائم في وسطهم كأنّه كوكب دريٌّ.
__________________
(١) كمال الدين : ص ٢٥٠ ب ٢٣ ح ١.