الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء
المحقق: السيد محمد علي القاضي الطباطبائي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-379-379-7
الصفحات: ٣٥٢
ودفع توهّم الحرمة ، او أن الضرورة وشدة الحصر دفعه الى ذلك لدفع الضرر ، كما ورد في بعض الاخبار : « بل ولو على ظهر حمارك » أي اذا حصرك البول. وبالجملة اذا قطعنا بصدور العمل منه يلزمنا التأويل.
أما بمثل هذا الخبر الضعيف السند المضطرب المتن ، السخيف المعنى والمبنى فنضرب به الجدار ، ومن أصرّ عليه فلاذوق له ، وان أبى فهو حمار ، وقد روى البخاري بنفسه ضد هذا الخبر سنده عن ابن طاووس عن ابن عباس : أن رسول الله صلىاللهعليهوآله مرّ على قبرين فسمع منهما أنينا فقال : ان صاحبيهما ليعذّبان وما يعذبان عن كبيرة ، أما أحدهما فكان لايستتر ببوله وأما الاخر فيمشى بالنميمة.
وفي بعض الاخبار التي رواها في بول النبي صلىاللهعليهوآله أن حذيفة كان الى جنب النبي صلىاللهعليهوآله لما بال وهو قائم ، والقصارى ان هذا الخبر يشهد بكذبه العقل والعرف والذوق والاحاديث الكثيرة ، فان قنع صاحبك بهذا كله فالحمدلله على الوفاق ، والاّ فانك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.
٣٢
أسْماءِ اللهِ الحُسْنى
سؤال :
ما المراد من الاسم او الاسماء الواردة في أدعية متفرقة عن أهل الذكر عليهم السلام كما في دعاء السحر « اللهم اني أسألك من أسمائك بأكبرها وكل أسمائك كبيرة » وكما في غيره « وبأسمائك التي ملاءت أركان كل شيء» «و بأسمائك التي تجلّيت بها للكليم في الجبل » وأمثال ذلك وكالاسماء التي اشتقّها تعالى من أسمائه لبعض أوليائه كمحمد ؛ وعلي ؛ وفاطمة ؛ والحسن ، والحسين عليهمالسلام مع أنه جل وعلا لم يجعل من أسمائه التي تسمّى بها محمّداً ، وفاطمة ، وحسين ؛، كما قد جعل عليا وحسنا منها ، وما المراد من الاشتقاق ؟
الجواب :
المراد من الاسماء في تلك الادعية
الشريفة المظاهر الآلهية التي يتجلّى بها جلّ شأنه لخاصّة أصفيائه في أزمنه خاصة ، وأمكنة مقدسة فالاسماء التي تتجلى بها
للكليم هي الظهورات التي ظهر بها الجليل على جبل طور سيناء ، أي الانوار او النار التي ظهرت للكليم فَلَمّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ المُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (١) وتوجد الاشارة الى كثير من هذه الظهورات في دعاء السمات الذي يقرء عصر الجمعة وهو من الادعية الجليلة وهذه هي الاسماء التي ملاءت أركان كل شيء ، فان له تعالى في كل ظهور.
وفي كل شيء له آية |
|
تدل على أنه واحد (٢) |
وأما اشتقاق أسماء بعض أوليائه من أسمائه ، فالمراد اشتقاقها من المصادر ، والمعاني الشريفة التي هي من أوصافه بالحق والاستحقاق ، وعلى لاطلاق كالحمد الذي اشتق منه محمّد صلىاللهعليهوآله وكالعلو الذي اشتق منه على عليهالسلام وكالحسن والاحسان الذي أشتق منه الحسن والحسين ، وهكذا ، والله وأوليائه أعلم بمرادهم.
وللاسم معان أخرى لايتسع الوقت لبيان أعظمها ؛ العقل الاول في لسان الحكماء ورحمته التي وسعت كل شيء في لسان الشرع ، وهكذا والله العالم.
__________________
(١) سورة ٢٨ آية : ٣٠.
(٢) هذا البيت لابي العتاهية الشاعر المشهور المتوفى : (٢١٠)
٣٣
ما معنى : « علماء أمّتي كأنبياء بني اسرائيل ؟ »
ما تقولون في الحديث النبوي : علماء امتي كأنبياء بني اسرائيل ؟ (١)
ما المراد بالعلماء أهم الائمة عليّ أميرالمؤمنين وأولاده عليهمالسلام ؟ أم علماء الشيعة ؟! وما المراد بالانبياء أهم نوح ؛ وابراهيم ، وموسى ، وعيسى عليهمالسلام ؟ أم سائر أنبياء بني اسرائيل ؟
الجواب :
وجوه الشبه والمماثلة بين أنبياء بني اسرائيل وعلماء هذه الأمّة كثيرة.
__________________
(١) هذا الحديث مذكور في كثير من الكتب المتداولة ومشهور في الالسنة ولكن لم يوجد في الجوامع الحديثية للامامية من روايته وسنده عين ولا أثر بل صرح جمع من مهرة المحدثين وأساتذتهم انه من موضوعات العامة.
قال المحدث الاكبر السيد عبدالله الشبر رحمهالله في كتابه مصابيح الانوار روى عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : علماء أمتي أنبياء بني اسرائيل او كانبياء بني اسرائيل أو افضل من انبياء بني اسرائيل ، وهذا الحديث لم تقف عليه في اصولنا واخبارنا بعد الفحص والتتبع ، والظاهر انه من موضوعات العامة وممن صرح بوضعه من علمائنا المحدث الحر العاملي رحمهالله في « الفوائد الطوسية » والمحدث الشريف الجزائري رحمهالله وكيف كان فيمكن توجيهه بوجهين الخ. انظر ج ١ ، ص ٤٣٤ ط بغداد.
الاول : المشابهة عند الله سبحانه في المنزلة والكرامة.
الثاني : أن بني اسرائيل كان اكثر أنبيائهم يختلفون في التكليف بالدعوة. فبعض يدعو طائفة وآخر يدعو بلداً ، وثالث يدعو قرية وهكذا وكذلك علماء هذه الامة.
الثالث : كما أن أكثر أنبياء بني اسرائيل لمم يكونوا أصحاب شرائع جديدة بل كانوا يدعون الى شريعة موسى ، ويبلغون الى الناس أحكام ( التوراة ) فكذلك عماء هذه الامة يدعون الى شريعة خاتم الانبياء ويبلغون أحكام القرآن الكريم.
الرابع : كما أن أنبياء بني اسرائيل كانوا في الغالب تحت اسر البلاء والشدة والبلاء والمحنة من جبابرة زمانهم ، فكذلك العماء الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، الصالحون المصلحون ممتحنون مضطهدون.
الخامس : كما أن أنبياء بني اسرائيل زاهدون في الدنيا راغبون في الاخرة حلماء حكماء فكذلك علماء هذه الامة ، ولعل هناك وجوها آخر يستخرجها الفطن اللبيب ، وعلى أي حال فالمراد من العلماء هم فقهاء الامامية وحملة آثار النبوة والامامة ، لاخصوص الائمة المعصومين سلام الله عليهم وان كانوا أظهر أفراد العلماء.
وباختلاف تلك الوجوه يختلف التعميم والتخصيص من حيث ارادة تمام انبياء بني اسرائيل حتى موسى وعيسى عليهما السلام ، او من عدا اولى العزم منهم ، والله العالم.
٣٤
هاشم وأميّة ليسا من أب واحد
قد يعترض على بيتين من قصيدة السيد حيدر الحلّي (١) وهي قوله كما يأتي أدناه متهجّماً على بني أمية وآل سفيان ماسّاً في عرضهم ، يدّعى المعترض انّ هذا خطأ من السيد الحلّي لأنّ نساء بني أمية وبناتهم عرض النبي حيث بني أمية وبني هاشم من أب واحد واخوان ، ومن يمس بعرض بني امية ويقول فيهم الفحش قد مسّ النبي ، ولم يقنع من أن الاسلام فرّق بين المؤمن والكافر وبين الاخ واخيه والولد وأبيه الخ ...
الأبيات :
ودونكم والعار ضمّوا غشائه |
|
اليكم الى وجه من العار أسود |
يرشح لكن لالشىء سوى الخنا |
|
وبعدكم فيما يروح ويغتدى |
وتترف لكم للبغاء فتاتكم |
|
فيدنس منها في الدجى كل فرقد |
__________________
(١) سيد حيدر بن سليمان الحسيني الحلي امام شعراء العراق شاعر اهل البيت على الاطلاق الجامع بين فصاحة اللسان وبلاغة البيان وشدة التقوى والورع وقوة الايمان ويحق ان يقال هو فخر الطالبيين وناموس العلويين ولد سنة : (١٣٤٦) ه وتوفى سنة : (١٣٠٤) ه.
الجواب :
لاغرو أن يعترض أمثال هؤلاء الاغرار والناشئة الذين لاخبرة لهم بشيء من السير والتاريخ والامور الضرورية من أحوال الجاهلية والاسلام وان الذي ذكره علماء التاريخ من رجال السنة وشعرائهم وكتّابهم من فضائح بني أمية ومخازيهم والقدم في أعراضهم وبيان ( عهرهم ) وفجورهم أكثر مما ذكره علماء الشيعة وشعرائهم بكثير ، وقضايا هند أم معاوية زوجة ابي سفيان وفجورها قد نظّمه الشعراء في زمن النبي صلىاللهعليهوآله وأشهر من شهرها شاعر النبي حسان ثابت بقوله :
لمن الصبي بجانب البطحاء |
|
ملقى عليها غير ذي مهد |
بخلت به هيفاء آنسة |
|
من عبد شمس صلة الخد |
في أشعار كثيره كلّها مخزية ، ومارواها الاّ علماء السنة وشعرائهم ولماذا نذهب بعيداً الى ثلاثة او أربعة عشر قرنا وهذا الشاعر الفحل الذي لم يبعد عن عصرنا بقرن واحد وهو ( عبدالباقي ) وهي سنّي عمري فاروقي يقول في الباقيات الصالحات من جملة ابيات مشهورة :
واحربا يا آل حرب منكم |
|
يا آل حرب منكم واحربا |
فيكم وعنكم وبكم ومنكم (١) |
|
مالو شرحناه فضحنا الكتبا |
فرحمة الله على السيد حيدر فانّه أقصى ما صنع بشعره انه فضحهم ولكن العمري فضح الكتب بفضايحهم ، وعلى أي فقل لذلك الجاهل المعترض ( بأنّ نساء بني امية عرض النبي صلىاللهعليهوآله ) ليتك أيها الغرّ قرأت كتاب ابن ابي الحديد او نهج البلاغة الذي طبع مئات المرّات ، ليتك تقرء وتتدبّر ان أميّة وهاشم ليس ابوهما
__________________
(١) لكم ومنكم وعليكم وربكم ... كذا في ديوانه : « الترياق الفاروقي » ص ٩٦ ط ٣ النجف سنة : ١٣٨٤ ه
واحداً ، فان امية ليس من صلب عبدشمس ولكنه ليقط أي : ابن زنا وولد فاحشة تبنّاه عبد شمس (١) ويشهد لهذا اقوى شهادة قول أميرالمؤمنين سلام الله عليه في كتاب له ذكره السيد الرضى رضوان الله عليه في محاسن كتب النهج جواب الكتاب من معاوية يقول فيه لاميرالمؤمنين عليهالسلام : ألسنا نحن ـ اي بني اميّة ـ وانتم ـ اي بني هاشم ـ من شجرة واحدة او ما هو بهذا المضون فيقول له سلام الله عليه في الجواب : نعم ولكن ليس المهاجر كالطليق ولا الصميم كاللصيق ، يعنى ان هاشما
__________________
(١) من نعم النظر الى التاريخ بالبحث والتنقيب والتحليل الصحيح يجد في صفحات التاريخ الخالي عن الافائك ودسائس السياسة الغاشمة في العهدين = الاموي والعباسي حقائق راهنة ويقطع بالوجدان انى بني امية = تلك الشجرة الملعونة = لم يكونوا من العرب ومن بني عبد شمس بن عبد مناف فان امية كان فتى من الروم تبنّاه عبد شمس على عادة العرب في الجاهلية من تبنّيهم اولاد الاسرى كما في قضية زيد ورسول الله صلىاللهعليهوآله. وقد بين لنا اهل البيت عليهمالسلام في جملة اسرارهم المودعة عند علماء شيعتهم ان بني امية ليسوا من القريش ولذا ورد عنهم عليهمالسلام في تأويل قوله تعالى : « الم غلبت الروم » ان الروم هم بنو امية وعن اميرالمؤمنين عليهالسلام قال قوله تعالى : ( الم غلبت الروم ) فينا وفي بني امية.
قال الباحث النقاد المتضلع على ابن احمد الكوفي المتوفى : سنة (٣٥٢) في كتاب « الاستغاثة » : لقد روينا عن علماء اهل البيت عليهمالسلام في اسرارهم وعلومهم التي خرجت منهم الى علماء شيعتهم ان قوما ينسبون من قريش وليسوا من قريش بحقيقة النسب وهذا مما لايعرفه الا معدن النبوة وورثة علم الرسالة وذلك مثل بني امية ذكروا انهم ليسوا من قريش وان اصلهم من الروم وفيهم تاويل هذه الاية الم غلبت الروم معناه انهم غلبوا على الملك وسيغلبهم على ذلك بنو العباس (ا ه)
ومن هنا يظهر للقارى ، الفطن ان قصة تولد هاشم وعبد شمس توأمين من الاساطير التي وضعتها يد السياسة في العصر الاموي لاثبات اتصال نسبهما ووحدته وهي اكذوبة اختلقتها يد الاثيمة ونقلها بعض المؤرخين من دون تحقيق وتثبت كما هو دينهم في نقل اغلب القصص والقضايا كما يقول المقريزى في كتابه « النزاع والتخاصم » ص ١٨ ط مصر ما هذا لفظه :
( وقد كانت المنافرة لاتزال بين بني هاشم وبني عبد شمس بحيث انه يقال ان هاشما وعبد شمس ولدا توأمين فخرج عبد شمس في الولادة قبل هاشم وقد لصقت اصبع احدهما بجبهة الاخر ، فلما نزعت دمى المكان فقيل سيكون بينهما او بين ولديهما دم ، فكان كذلك ويقال ان عبد شمس وهاشما كانا يوم ولدا في بطن واحد كانت جباههما ملصقة بعضها ببعض فاخذ السيف ففرّق بين جباههما بالسيف = فقال بعض العرب الا فرق ذلك بالدرهم فانه لا يزال السيف بينهم وفى أولادهم الى الابد ). وفي بعض التواريخ كان ظهر كل واحد منهما ملتزقا بظهر الاخر ففرق بينهما بالسيف.
الولد الصميم وامية الولد اللصيق ، قل لذلك الجاهل او كانت نساء اميّة عرض النبي صلىاللهعليهوآله لنهى شاعره حسان عن التعرّض لها ، وما لنا نذهب بعيداً وهذا كتاب الله العظيم يقول لنبيّه نوح حين قال : ان ابني من أهلي ، فنفاه تعالى عنه بقول : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ؛ ولكن اكثر شبّان هذا الزمان يدخلون المدارس ويخرجون بعد ست سنوات او أكثر يحملون الشهادة او شهادة ( الدكتوراه ) ولايحفظون آية واحدة من كتاب الله العظيم حتى ولافاتحة الكتاب ، لان الشيطان والتمدن الغربي بحمدالله قد اسقط عنهم كل تكليف وكل أدب اسلامي.
اما معاوية فلي فيه رأي خاص لعلى قد انفردت به ـ على الظاهر ـ وهو ان هنداً حملت به من ... (١) ولا أدري أكان ذلك في الجاهلية او الاسلام ولكنه ... ولي على ذلك شواهد كثيرة لامجال لذكرها في هذه اللمحة العابرة ولو وجدت متسعاً في الوقت ومهلة من الاشغال وفترة من الاسقام لشرحت لك قدراً وافيا من فضايح بني امية ومخازيهم ما يصدّق قولا الفاروقي : ( ما لو شرحناه فضحنا الكتبا ) ولعرفت القائل في صحيفته السوداء من المتعصبين لهذه الشجرة الملعونة في القرآن والقرود التي رآها رسول الله صلىاللهعليهوآله تنزوه على منبره ، نعم لوفسح لى المجال لعرفته ضلالته بقوله : الاسلام بلغ ذروته في أيام بني امية وأريته بالعيان والوجدان فضلا عن الدليل والبرهان ان الاسلام ما ضربه أحد الضربة القاضية سوى بني أمية وكل الحروب والرايات التي قامت بضد الاسلام مارفعها سوى ابي سفيان وقومه قبل الاسلام وبعد وسواء كان امية من العرب او من غيرهم ، فلقد سوّدوا وجه العرب بشنائعهم ومخازيهم في الجاهلية وأول الاسلام كما سوّد ملك العرب اليوم جبين العروبة الأغرّ بخيانتهم في قضية فلسطين ولله امر هو بالغه ، ولاحول ولاقوة إلاّ به.
__________________
(١) ذكر شيخنا الامام رحمهالله في هذا المقام اسم رجل اقتضت المصلحة العامة للمسلمين اليوم عدم التصريح باسمه.
٣٥
هل حديث : « من رآنا فقد رآنا » صحيح ؟
سمعنا أن أهل البيت عليهمالسلام قالوا : من رآنا فقد رآنا فهل هذا صحيح ؟ وكيف يتّفق مع انكار العلم الحديث صحّة الحديث ؟
الجواب :
اما صحّة الحديث فهو من الشهرة والاستفاضة بمكان وقد اتفق على روايته في الجملة رواة العامة والخاصة ، وهو وان وقع الاختلاف في الفاظه وتراكيبه ولكن القدر المشترك منه وهو : عن النبي صلىاللهعليهوآله من رآني فقد رآنى فانّ الشيطان لايتمثل بصورتي (١) مستفيض ، وقد رواه الصدوق رحمهالله في الامالي والعيون ، وتعرّض ابوالفتح الكراجكي رحمهالله لهذا الحديث في كنزه (٢) ونقل عن شيخه المفيد رضوان الله عليه
__________________
(١) صحيح البخارى ، ص ٥٤ ، ج ٨ عن ابي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآله : قال ... ومن رآنى في المنام فقد رآنى فان الشيطان لا يتمثل صورتي.
(٢) انظر كنز
الفوائد للعلامة الكراجكي رحمهالله
ص ٢١٢ ـ ، و في اسألة مهنّا بن سنان رحمهالله
عن آية الله العلامة
كلاماً عاليا في شرحه ووجوهه.
اما صحّة الاحلام في الجملة واصابة كثير منها للواقع فأمر لايقبل الانكار ويشهد به الوجدان قبل الشريعة والقرآن واتفقت عليه حكماء الهند واليونان ، اما علماء الغرب واهل العلم الحديث فلا احسبهم متفقين على انكاره ، وان وجد فيهم من ينكره فهم المادّيون المنكرون للارواح المجردة والجواهر المفارقة ، اما المثبتون للارواح والذاهبون الى صحة التنويم المغناطيسي واستحضار ارواح الاموات والاحياء فهو محقق عندهم وبالجملة فصحة بعض الاحلام مما لا يرتاب فيها ذو والاحلام.
__________________
الحلّي رحمهالله : انه صح عن سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوآله انه قال : « من رآني في المنام فقد رآني فان الشيطان لايتمثل به ».
ولكن السيد الامام المرتضى علم الهدى رحمهالله قال في الامالي ما هذا لفظه : فان قيل : فما تأويل ما يروى عنه عليهمالسلام من قوله : « من رآني فقد رآني فان الشيطان لايتخيل بي » ... قلنا : هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار ولا معول على مثل ذلك ... وللسيد رحمهالله كلمة في المنامات ينبغى ملاحظتها أنظر الامالي ج ٢ ، ص ٣٩٢ = ٣٩٥ ط مصر سنة : ١٣٧٣ ه.
٣٦
عصيان آدم ابوالبشر
سؤال :
حول عصيان آدم ابوالبشر لربّه في أكل الشجرة التي نهاه عنها ، فكيف يجوز ذلك إلى الانبياء ؟
الجواب :
فهي مسألة جداً بسيطة ،فانها فرع من اصل ؛ وينبغي البحث والنظر في ذلك الأصل فان كان محققاً كان ترتب الفرع عليه ضروريا والا فلا ، اما الاصل فهو قضية عصمة الأنبياء ، فان قامت الادلة العقلية القاطعة على لزوم عصمتهم فلا محيص من تأويل كل ما ورد في النقل مما هو بظاهره معارض لحكم العقل ، اذ الدليل النقلي يقبل التأويل مهما كان قوى الظهور بخلاف الدليل العقلي ، أما حكم العقل بوجوب عصمة الانبياء في الجملة مما لاريب فيه (١) والا لانتقض الغرض من
__________________
(١) غير خفي على
الباحث الحبير ان الادلة العقلية القطعية والنقلية من الكتاب والسنة وضرورة مذهبنا
بعثتهم ولكن شمول الادلة لاثبات العصمة حتى لآدم الذي هو بدء الخليقة واول التكوين ولم تكن هناك أمة أرسل الى هدايتها وارشادها ولا دعوة قام باعباءها. نعم شمول الادلة لوجوب عصمة مثله مشكل ، وشمول العصمة حتى لمثل هذا الذنب اشكل وصدور المعصية منه بمعناها الحقيقى لايمنع منه العقل ويشهد به النقل ، ولكن علمائنا الاساطين ولاسيما السيد المرتضى والمفيد رضوان الله عليهم أبوا الاّ تنزيهه عن المعصية كتنزيه سائر الانبياء حتى الصغار منهم وتأويل كل ما ورد في الكتاب الكريم مما هو كالنص في صدورها منه مثل قوله تعالى : وعصى آدم ربه فغوى (١) ونظائرها كثيرة.
نعم كافة الامامية نزّهوا آدم عن المعصية ولعلّهم ارادوا أن يكونوا لأبيهم ابناء بررة ، ولا يعقّونه كما عقّه سائر المسلمين بل وغيرهم بل أفرط بعض الفلاسفة الأدباء من حكماء الاسلام حتى الى أعباء مسئولية جميع ابنائه عليه ، فهذا الفيلسوف ابن شبل البغدادي (٢) في قصيدته الكونية المشهورة التي يقول في أولها :
بربك أيها الفلك المدار |
|
أقصد ذا المسير أم اضطرار |
__________________
دلت على عصمة الانبياء عليهمالسلام من الكبائر والصغائر من اول عمرهم الى آخره قبل بعثتهم وبعدها فما ورد من الآيات القرآنية او بعض الآحاد من الاحاديث الشريفة وظاهرها نسبة الذنب اليهم لابد من تأويلها ورفع اليد من ظاهرها كما نرفع اليد عن ظاهر بعض الايات الشريفة الظاهرة في التجسيم والتشبيه ورؤية الله تعالى وامثالها المخالفة للادلة العقلية والنقلية المحققة ولذا لاينبغي التأمل في انه لابد من تأويل تلك الايات الشريفة.
وقد تحقق في محله ان ظواهر القرآن الكريم حجة مالم يدل على خلافها من العقل او النقل واذا دل دليل على الخلاف فنرفع اليد من الظواهر والله العاصم.
(١) سورة ٢٠ آية : ١٢١.
(٢) حسين بن عبدالله بن شبل البغدادي المتوفى بها سنة : (٤٧٥) ه من رجال الادب والفلسفة والطب والشعر له قصائد مشهورة عالية انظر ترجمته في معجم الادباء لياقوت الحموي و « لغت نامه » لدهخدا ومعجم ادباء الاطباء للنطاسي الاديب الشاعر الكبير ميرزا محمّد الخليلي النجفي = وغيرها.
فان يك آدم أشقى بنيه |
|
بأمر ماله منه اعتذار |
ولم ينفعه بالاسماء علم |
|
ولانفع السجود ولاالحوار |
فيالك أكلة مازال منها |
|
علينا نقمة وعليه عار |
وزاد فيلسوف المعرّة (١) على ذلك في عدة مقاطيع من لزومياته بمثل قوله مخاطبا بني آدم :
أكان ابوكم آدم بالذي أتى |
|
نجيبا فترجون النجابة للنسل |
ولكن تلطف المتنبي (٢) وابدع في تقريع أبيه أبي البشر ونبزه بالمعصية حيث يقول على لسان حصانه.
ابوكم آدم سن المعاصي |
|
وعلّمكم مفارقة الجنان |
نعم والتأويل في قضية عصمة الانبياء لابد منه في القرآن ولامحيص عنه والآيات الظاهرة في ارتكاب الانبياء للمعصية كثيرة سيّما في حق نبينا سيّد الانبياء صلوات الله عليه وآله مثل :
ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخّر ، وللجميع وجوه من التأويل معقولة ومقبولة.
__________________
(١) ابوالعلاء المعري المتوفى (٤٤٩) ه
(٢) ابوالطيب احمد الكوفي الشاعر المشهور ب ( المتنبي ) ولد سنة : (٣٠٣) ه كان يتحقق بولاء اميرالمؤمنين عليهالسلام تحققا شديدا وله فيه قصائد سماها العلويات توفى سنة : (٣٥٤) ه مقتولا ـ راجع الكنى والالقاب للمحدث القمي رحمهمالله ج ٣ ، ص ١١٧ ط صيدا. نقلاً عن كتاب « نسمة السحر بذكر من تشيع وشعر » ومن شعره كما في الكنى والالقاب :
أبا حسن لو كان حبك مدخلي |
|
جهنم كان الفوز عند جحيمها |
وكيف يخاف النار من بات موقناً |
|
بأن أميرالمؤمنين قسيمها |
وقد نسبهما الشيخ الاعظم الشيخ البهائى قدس سره في الكشكول الى الصاحب بن عباد رحمهالله تعالى مع تغيير يسير في بعض الفاظهما ـ انظر ص ٢٠٠ طبعة سنة ١٢٩٦ ه ق والله العالم.
٣٧
هل للخلاف بين المسلمين ثمرة ؟
هل وجد المسلمون ثمرة للخلاف ؟ وما هي الأسباب التي دعتهم الى ذلك ؟
الجواب :
اعلموا أولا أن الاختلاف ليس ضرورياً في البشر فقط بل هو ضروري في طبيعة هذا الكون ايضا ، أعني عالم الكون والفساد. ليل ونهار وظلم وأنوار ، حرّ وبرد ، وصيف وشتاء ، وغيم وصحو ، وهلمّ جرّاً واختلاف الآراء من أدقّ نواميس الكون وأقوى قاعدة لحفظ نظام العالم ، ولا يزالون مختلفين ، والواحدة التي ندب اليها القرآن الكريم ليست هي الوحدة في الآراء والمذاهب ، فذلك مستحيل بحسب طبيعة البشر ومعطل لأكبر المواهب وأي موهبة أشرف من موهبة حرية الآراء وعدم الحجر على العقول واخماد جذوة الذكاء والفهم والبحث والتنقيب ، انما المراد بالوحدة المندوب اليها في القرآن العزيز والتي هي احدى دعامتي الاسلام ـ الوحدة والتوحيد ـ هي الوحدة الاخلاقية ، الوحدة الايمانية ، وحدة الاخاء المودّة.
وذلك بأن لايكون اختلاف المذاهب والآراء
سببا للتباغض والتقاطع والجفاء
والعداء بل يأخذوا بالمثل الأعلى والقدوة الحسنة من خيار الصحابة في صدر الاسلام ، فقد كانوا على كثرة ما بينهم من الاختلاف في القضايا الفرعية والمسائل العلمية على أقصى ما يرام من الاخاء والصفاء ، ودفاع بعضهم عن بعض وحماية بعضهم لبعض مايرام من الاخاء والصفاء ، ودفاع بعضهم عن بعض وحماية بعضهم لبعض كأن الاسلام جسد وهم أعضاء ذلك الجسد تجمعهم روح واحدة روح المبدء المقدس وتحية كل عزيز في سبيله ، اما من هو المسئول عن ادارة الشئون الاخلاقية في الاوساط الاسلامية ، فالجواب الصحيح عن ذلك. كلكم راع وكلكم مسئول. كلّ على حسب شأنه وبمقدار قابليته وكلّ ذي شعور هو أعرف بنفسه وبقدر ما في وسعه ، والحقيقة ان الجميع مكلف. والكل مقصر يتطلب لنفسه العلل والمعاذير والحقائق لاتخفى والمعاذير لاتنفع ، يوم تبلى السرائر فماله من قوة ولاناصر.
٣٨
سبب ظهور المبطلين على المحقّين
ما تقول في سبب ظهور المبطلين على المحقّين ؟ وما سرّ غلبة روح الشرّيرين على الخيّرين ؟ مع علمك بأن الناموس الطبيعي ينادى بلسان فصيح : ( الا ان حزب الله هم الغالبون ) ، فنرجو من حضرتكم أن تبيّنوه لنا بصورة فنّية فلسفية تحليلية.
الجواب :
لاشك ان مرادكم السؤال عن سبب الظهور في
الدنيا وغلبتهم في هذه العاجلة وحينئذ فلا أجيبكم عن ذلك بما ربما يجيب به الزاهدون المتقشّفون انّ سبب ذلك هو واحتقار الدنيا عند الله جل شأنه ، وانه لو كان لها من القدر عند الله جناح
بعوضة لما سقى الكافر منها قطرة من الماء كلاّ لا أجيب بهذا الجواب الذي لعلّه لايوافق ذوق هذا العصر وروح هذا النشأ الجديد ؛ بل ربما لايوافق ذوقي وذوق امثالي من الروحانيين المشذبين الذين يرون أن الدنيا مهما زادت حقارتها وخسّتها ، وقصرت أو طالت مدّتها فهى مزرعة الآخرة ، وبها تحصل السعادة والشقاوة ، وهي نعم دار المتّقين وان دين الاسلام متكفل بالسعادتين ، وان السعيد حقيقة من فاز بنعيم
الدنيا
والاخرة وأخذ حظّاً من هذه وحظاّ من هذه كما صرّحت به جمهرة من الاخبار وأشارت اليه نبذة من الآيات.
انما الجواب الفلسفي التحليلي في سبب غلبة المبطلين على المحقّين هو أن اهل الحق مقيّدون بقيود العقل والدين فلا يتوصلون الى مقاصدهم الا على ضوء الفضيلة وفى مناهج الشرع والعقل.
( وقد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها حاجز من تقوى الله فيدعها رأى العين وينتهزها من لا حريجة له في الدين ) (١) مثلا ان معاوية لايتأخر ولايتوقف من اعطاء خراج مصر كله لعمرو بن العاص وكان خراجها يومئذ والى اليوم يعدّ بالملايين يعطيه لشخص فاسق (٢) ليعينه على أمر باطل وهو محاربة اميرالمؤمنين عليهالسلام في حين ان اميرالمؤمنين عليهالسلام لا يسمح لأخيه عقيل وهو سيّد شريف (٣) ولاشك ان نعله أشرف من عمرو بن العاص ، لايسمح له بزيادة دريهمات على راتبه الذي هو درهمان في كل يوم مع كثرة عياله وأطفاله.
نعم سمح له بالحديدة المحماة ، والناس كما تعلم وكما قال سيد اهل الاباء وامام الشهداء عليهمالسلام : الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم الخ ، وسئل الخليل بن
__________________
(١) من كلمات الامام على سلام الله عليه ( منه ره ).
(٢) بمعنى انه كافر فان محاربو الميرالمؤمنين عليهالسلام كفرة ومخالفوه فسقة وعمرو بن العاص كافر منافق والمنافق في الدرك الاسفل من النار.
(٣) عقيل ابن ابي طالب عليهالسلام يكنى ابا يزيد كان عالما بانساب العرب فصيحا لطيف الطبع حسن المحاورة. والروايات في سفره الى الشام في انه على عهد اخيه الامام او بعده متضاربة واستظهر ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٣ ص ٨٢ انه بعد شهادة اميرالمؤمنين عليهالسلام وجزم به العلامة السيد علي خان المدني في كتاب : « الدرجات الرفيعة » وهو الحق الذي لامحيص من القول به بعد التحقيق وقد حقق هذا الموضوع سيدنا الحجة السيد عبدالرزاق المقرم النجفي في مصنفاته انظر كتابه « العباس » ص ٣٥ = ٤٥ ط النجف.