علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-610-3
ISBN الدورة:
978-964-319-609-7

الصفحات: ٤٠٠

( إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا )؟ فـ( قَالَ ) له موسى : ( سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) ، فعلم العالم أنّ موسى لا يصبر على علمه.

فـ( قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ) (١) ، قال : فركبا في السفينة فخرقها العالم وكان خرْقها لله عزوجل رضى. وسخط لموسى (٢) ، ولَقي الغلام فقتله ، فكان قتْله لله عزوجل رضى ، وسخط ذلك موسى ، وأقام الجدار فكان إقامته لله عزوجل رضى ، وسخط موسى ذلك ، كذلك كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام لم يقتل إلاّ من كان قتْله لله عزوجل رضى ، ولأهل الجهالة من النّاس سخطاً ، اجلس حتّى أُخبرك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّج زينب بنت جحش ، فأولم وكانت وليمته الحيس (٣) ، وكان يدعو عشرة عشرة ، فكانوا إذا أصابوا طعام (٤) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استأنسوا إلى حديثه واستغنموا النظر إلى وجهه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يشتهي أن يخفّفوا عنه ، فيخلو له المنزل؛ لأنّه حديث عهد بعرس ، وكان يكره أذى المؤمنين له ، فأنزل الله عزوجل فيه قراناً أدباًللمؤمنين ، وذلك قوله عزوجل : ( يَـأَيُّهَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ

__________________

(١) سورة الكهف ١٨ : ٦٦ ـ ٧٠.

(٢) في المطبوع : ذلك موسى ، وما أثبتناه من النسخ.

(٣) الحيس : تمر ينزع نواه ويداق مع أقط ، ويعجنان بالسمن ، ثم يدلك باليد حتّى يبقى كالثريد ، وربّما جعل معه سويق. القاموس المحيط ٢ : ٣٣١ / الحيس.

(٤) في المطبوع : إطعام ، وما في المتن أثبتناه من النسخ.

١٢١

يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ) (١) فلمّا نزلت هذه الآية كان النّاس إذا أصابوا طعام نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يلبثوا أن يخرجوا.

قال : فلبث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعة أيّام ولياليهنّ عند زينب بنت جحش ، ثمّ تحوّل إلى بيت اُمّ سلمة إبنة أبي اُميّة ، وكان ليلتها وصبيحة يومها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فلمّا تعالى النّهار انتهى علي عليه‌السلام إلى الباب فدقّه دقّاً خفيفاً له عرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دقّه وأنكرته اُمّ سلمة ، فقال : يا اُمّ سلمة ، قومي فافتحي له الباب.

فقالت : يا رسول الله ، من هذا الذي يبلغ من خطره أن أقوم له فأفتح له الباب وقد نزل فينا بالأمس ما قد نزل من قول الله عزوجل : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ) (٢) فمن هذا الذي بلغ من خطره أن أستقبله بمحاسني ومعاصمي؟

قال : فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كهيئة المغضب ـ : من يطع الرسول فقد أطاع الله ، قومي فافتحي له الباب ، فإنّ بالباب رجلاً ليس بالخرق (٣) ولا بالنزق (٤) ولا بالعجول في أمره ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، وليس بفاتح الباب حتّى يتوارى عنه الوطء.

فقامت اُمّ سلمة وهي لا تدري من بالباب غير أنّها قد حفظت النَّعت والمدح ، فمشت نحو الباب وهي تقول : بخ بخ لرجل (٥) يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ففتحت له الباب ، قال : فأمسك بعضادتي

__________________

(١ و٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

(٣) خَرِق الرجل خَرَقاً : إذا دهش من حياء أو خوف ، وخَرُق بالشيء : إذا لم يعرف عمله بيده .المصباح المنير : ١٦٧ / خرق.

(٤) النّزق : الخِفّة والطيش. الصحاح ٤ : ٣٢٦ / نزق.

(٥) في «ن ، ل» : برجل.

١٢٢

الباب ولم يزل قائماً حتّى خفي عنه الوطء ، ودخلت اُمّ سلمة خدرها ، ففتح الباب ودخل فسلّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا اُم سلمة ، تعرفينه (١) ؟ قالت : نعم ، وهنيئاً له ، هذا علي بن أبي طالب.

فقال : صدقتِ يا اُمّ سلمة ، هذا علي بن أبي طالب ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نَبيّ بعدي.

يا اُمّ سلمة ، اسمعي واشهدي ، هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين (٢) ، وهو عيبة علمي ، وبابي الذي أُوتي منه ، وهو الوصي بعدي على الأموات من أهل بيتي ، والخليفة على الأحياء من اُمّتي ، وأخي في الدنيا والآخرة ، وهو معي في السنام الأعلى.

اشهدي يا اُمّ سلمة واحفظي ، أنّه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

فقال الشامي : فرّجت عنّي يا عبدالله (٣) ، وأشهد أنّ علي بن أبي طالب مولاي ومولى كلّ مسلم (٤) .

ـ ٥٥ ـ

باب العلّة التي من أجلها قال الله تعالى لموسى

حين كلّمه : ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) (٥)

__________________

(١) في «ل» وحاشية «ح» : أتعرفينه.

(٢) في «س» وحاشية «ج ، ل» : الوصيّين.

(٣) في «ع ، ح ، ل» : يا عبدالله بن العبّاس.

(٤) أورده الكوفي في مناقب الإمام أمير المؤمنين ١ : ٣٦٧ ، والمغربي في شرح الأخبار ١ : ٢٠٥ ، وابن طاووس في اليقين : ٣٣١ ، والتحصين : ٥٦٤ ، وابن أبي حاتم الشامي في الدرّ النظيم : ٣١٧ ، مرسلاً ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٣٢ : ٣٤٥ / ٣٣٠.

(٥) سورة طه ٢٠ : ١٢.

١٢٣

وعلّة قول موسى : ( وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ) (١)

[ ١٠١ / ١ ] حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، قال : حدّثنا يعقوب بن يزيد ، عن محمّد ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «قال الله عزوجل لموسى عليه‌السلام : ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) ؛ لأنّها كانت من جلد (٢) حمار ميّت» (٣) .

[ ١٠٢ / ٢ ] حدّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن نصر البخاري المُقري ، قال : حدّثنا أبو عبدالله الكوفي الفقيه بـ : فرغانة ، بإسناد متّصل إلى الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام أنّه قال في قول الله عزوجل لموسى عليه‌السلام : ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) قال : «يعني ارفع خوفيك ، يعني : خوفه من ضياع أهله ، وقد خلفهاتمخض ، وخوفه من فرعون» (٤) .

[ ١٠٣ / ٣ ] وسمعت أبا جعفر محمّد بن عبدالله بن طيفور الدامغاني الواعظ يقول في قول موسى عليه‌السلام : ( وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي )(٥) قال يقول ـ : إنّي أستحي أن أُكلّم بلساني الذي كلّمتك به غيرك ،

__________________

(١) سورة طه ٢٠ : ٢٧.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : يمكن أن يكون محمولاً على التقيّة ؛ لما ورد في بعض الأخبارعنهم من نفي ذلك وأنّه جلّ نبيّ الله أن يكون معه ذلك ويصلّي فيه وهو لايعلم ، والله يعلم. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٣ : ٦٤ / ١.

(٤) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ٤٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٣ : ٦٤ / ٢ .

(٥) سورة طه ٢٠ : ٢٧ و٢٨.

١٢٤

فيمنعني حيائي منك عن محاورة (١) غيرك فصارت هذه الحال عقدة على لساني ، فأحللها بفضلك ، ( وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ) (٢) معناه : أنّه سأل الله عزوجل أن يأذن له في أن يعبّر عنه هارون ، فلايحتاج أنْ يكلّم فرعون بلسان كلّم الله عزوجل به (٣) .

ـ ٥٦ ـ

باب العلّة التي من أجلها قال الله عزوجل لموسى وهارون :

( اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ) (٤)

[ ١٠٤ / ١ ] حدّثنا الحاكم أبو محمّد (٥) جعفر بن نعيم (٦) بن شاذان النيسابوري رضي‌الله‌عنه ، عن عمّه أبي عبدالله محمّد بن شاذان ، قال : حدّثنا الفضل ابن شاذان ، عن محمّد بن أبي عُمير ، قال : قلت لموسى بن جعفر عليهما‌السلام : أخبرني عن قول الله عزوجل لموسى عليه‌السلام (٧) : ( اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ) ؟

فقال : «أمّا قوله : ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا ) أي : كنّياه وقولا له :

__________________

(١) في «س» : عن مجاورة.

(٢) سورة طه ٢٠ : ٢٩ و٣٠.

(٣) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٣ : ٦٤ / ٣.

(٤) سورة طه ٢٠ : ٤٣ و٤٤.

(٥) في «ح ، س ، ن ، ج» : الحاكم بن محمّد ، والصحيح ما في المتن ؛ حيث إنّه يعدّ من مشايخ الشيخ الصدوق رحمه‌الله .

(٦) في «ش» : جعفر بن محمّد بن جعفر بن نعيم ، وفي «س» : جعفر بن نعيم بن محمّد بن جعفر ، والصحيح ما في المتن ، حيث إنّه يُعدّ من مشايخ الصدوق رحمه‌الله .

(٧) في المطبوع زيادة : وهارون.

١٢٥

يا أبامصعب ، وكان إسم فرعون : أبامصعب الوليد بن مَصْعَب ، وأمّا قوله : ( لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ) (١) فإنّما قال : ليكون أحرص لموسى على الذهاب ، وقدعلم الله عزوجل إنّ فرعون لا يتذكّر ولا يخشى إلاّ عند (٢) رؤية البأس ، ألا تسمع الله عزوجل يقول : ( حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (٣) فلم يقبل الله إيمانه ، وقال : ( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) (٤) » (٥) .

ـ ٥٧ ـ

باب العلّة التي من أجلها سُمّي الجبل الذي كان عليه

موسى لمّا كلّمه الله عزوجل : طور سَيْناء

[ ١٠٥ / ١ ] حدّثنا محمّد بن علي بن بشّار القزويني رضي‌الله‌عنه (٦) ، قال : حدّثنا المظّفر بن أحمد أبو الفرج القزويني ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر الأسدي الكوفي ، قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفَلي ، عن علي بن سالم ، عن سعيد بن جبير ، عن عبدالله بن عبّاس ، قال (٧) : إنّما سُمّي الجبل الذي كان عليه موسى عليه‌السلام طور سيناء (٨) ؛ لأنّه جبل

__________________

(١) سورة طه ٢٠ : ٤٤.

(٢) في «ع» : عن ، وفي حاشيتها عن نسخة : عند.

(٣) سورة يونس ١٠ : ٩٠.

(٤) سورة يونس ١٠ : ٩١.

(٥) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٣ : ١٣٤ / ٤٠.

(٦) في «ح» : رحمه‌الله .

(٧) في «ح» : قال : قال.

(٨) ورد في حاشية «ج» : وطور سيناء جبل بالشّام ، وهو طور أُضيف إلى سيناء ،

١٢٦

كان عليه شجرة الزيتون ، وكلّ جبل يكون عليه ما ينتفع به من النبات والأشجار (١) سُمّي : طور سَيْناء ، وطور سينين ، وما لم يكن عليه ما ينتفع به من النبات والأشجار من الجبال سُمّي طور ، ولا يقال : طور سَيْناء ، ولاطور سينين (٢) (٣) .

ـ ٥٨ ـ

باب العلّة التي من أجلها قال هارون لموسى عليهما‌السلام :

( يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ) (٤) ، ولم يقل : يابن أبي

[ ١٠٦ / ١ ] حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد ، ومحمّد بن أحمد السناني (٥) ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هاشم (٦) رضي‌الله‌عنه ، قالوا : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي الأسدي ، قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن زيد النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : أخبرني عن هارون ، لِمَ قال لموسى عليه‌السلام :

__________________

وهو شجر ، وكذلك طُورِ سينينَ. وقرئ : طور سَيْناء. وسِيناء بالفتح والكسر ، والفتحُ أجْود.الصحاح ٥ : ٢١٤١ / سين.

(١) في المطبوع زيادة : من الجبال ، ولم ترد في النسخ والبحار.

(٢) من قوله : (وما لم يكن) إلى هنا لم يرد في «س».

(٣) ذكره المصنّف مرسلاً في معاني الأخبار : ٤٩ ، وأورده المجلسي عن العلل في بحار الأنوار١٣ : ٦٤ / ٣.

(٤) سورة طه ٢٠ : ٩٤.

(٥) في المطبوع : الشيباني ، وما أثبتناه من النسخ والبحار.

(٦) في المطبوع : هشام ، وما أثبتناه من النسخ ومعجم رجال الحديث ٥ : ٢٦٠ / ٢٦٨٤.

١٢٧

( يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ) ، ولم يقل : يابن أبي؟

فقال : «إنّ العداوات بين الإخوة أكثرها تكون إذا كانوا بني علاّت (١) ، ومتى كانوا بني اُمّ قلّت العداوة بينهم ، إلاّ أن ينزغ (٢) الشيطان بينهم فيطيعوه ، فقال هارون لأخيه موسى : يا أخي ، الذي ولدته اُمّي ولم تلدني غير اُمّه لا تأخذبلحيتي ولا برأسي ، ولم يقل : يابن أبي؛ لأنّ بَنِي الأب إذا كانت اُمّهاتهم شتّى لم تستبعد (٣) العداوة بينهم إلاّ من عصمه الله منهم ، وإنّما تستبعد (٤) العداوة بين بني اُمّ واحدة».

قال : قلت له : فَلِمَ أخذ برأسه يجرّه إليه وبلحيته ، ولم يكن له في اتّخاذهم العِجْل وعبادتهم له ذنب؟

فقال : «إنّما فعل ذلك به؛ لأنّه لم يفارقهم لمّا فعلوا ذلك ولم يلحق بموسى ، وكان إذا فارقهم ينزل بهم العذاب ، ألا ترى أنّه قال له موسى : ( يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * لَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ) (٥) ؟ قال هارون : لو فعلت ذلك لتفرّقوا وإنّي (٦) خشيت أن تقول لي : ( فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى ) (٧) » (٨) .

قال مصنّف هذا الكتاب رحمه‌الله : أخذ موسى برأس أخيه ولحيته : أخذه

__________________

(١) ورد في حاشية «ج» : ومنه الحديث يتوارث بنو الأعيان من الإخوة دون بني العلاّت ، أي يتوارث الاُخوة لأب وأمّ دون الاُخوة لأب إذا اجتمعوا معهم. النهاية في غريب الحديث ٣ : ٢٦٣.

(٢) في المطبوع و«س ، ع ، ح ، ج» : ينزع ، وما أثبتناه من «ش ، ن ، ل» والبحار.

(٣و٤) في المطبوع و«س ، ش ، ل ، ح» : تستبدع ، وما أثبتناه من «ح ، ع» والبحار.

(٥) سورة طه ٢٠ : ٩٢ و٩٣.

(٦) في «ح ، ش ، ن ، ج» : وإنّني.

(٧) سورة طه ٢٠ : ٩٤.

(٨) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٣ : ٢١٩ / ١٤.

١٢٨

برأس نفسه ولحية نفسه على العادة المتعاطاة للناس إذا اغتمّ أحدهم ، أو أصابته مصيبة عظيمة وضع يده على رأسه ، وإذا دهته داهية عظيمة قبض على لحيته ، فكأنّه (١) أراد بما فعل أنّه ليعلم هارون أنّه وجب عليه الاغتمام والجزع بما أتاه قومه ، ووجب أن يكون في مصيبة بما تعاطوه؛ لأنّ الاُمّة من النبيّ والحجّة بمنزلة الأغنام من راعيها ، ومن أحقّ بالاغتمام بتفريق الأغنام وهلاكها من راعيها ، وقد وكّل بحفظها ، واستعبد باصلاحها ، وقد وعدالثواب على ما يأتيه من إرشادها وحسن رعيّتها (٢) ، وأوعد العقاب على ضدّ ذلك من تضييعها ، وهكذا فعل الحسين بن عليّ عليهما‌السلام لمّا ذكّر القوم المحاربين له بحرماته فلم يرعوها ، قبض على لحيته وتكلّم بما تكلّم به ، وفي العادة أيضاً أن يخاطب الأقرب ويعاتب على ما ( يأتيه العيد ليكون ذلك أزجر للبعيد عن إتيان ما ) (٣) يوجب العتاب ، وقد قال الله عزوجل لخير خلقهوأقربهم منه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (٤) ، وقد علم عزوجل أنّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يشرك به أبداً ، وإنّماخاطبه بذلك وأراد به اُمّته ، وهكذا موسى عاتب أخاه هارون وأراد بذلك اُمّته اقتداءً بالله تعالى ذكره واستعمالاً لعادات الصالحين قبله وفي وقته.

ـ ٥٩ ـ

باب العلّة التي من أجلها حرم الصيد

__________________

(١) في النسخ : فلأنّه ، وفي حاشية «ج ، ل ، ش» : فكأنّه.

(٢) في «س ، ج ، ع ، ل ، ح» : رغبتها.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في «ح».

(٤) سورة الزمر ٣٩ : ٦٥.

١٢٩

على اليهود يوم السَّبت

[ ١٠٧ / ١ ] حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبدالله بن محمّد الحجّال ، عن علي بن عقبة ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «إنّ اليهود اُمروا بالإمساك (١) يوم الجمعة ، فتركوا يوم الجمعة وأمسكوا يوم السبت ، فحرم عليهم الصيد يوم السبت» (٢) .

ـ ٦٠ ـ

باب العلّة التي من أجلها سُمّي فرعون : ذا الأوتاد

[ ١٠٨ / ١ ] حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدِّب الرازي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عُمير ، عن أبان الأحمر قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : ( وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ) (٣) لأيّ شيء سُمّي ذا الأوتاد؟

قال : «لأنّه كان إذا عذّب رجلاً بسطه على الأرض على وجهه ومدَّ يديهورجليه فأوتدها بأربعة أوتاد في الأرض ، وربّما بسطه على خشب منبسط فوتد رجليه ويديه بأربعة أوتاد ، ثمّ تركه على حاله حتّى يموت ، فسمّاه الله عزوجل : ( وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ) (٤) لذلك» (٥) .

__________________

(١) في حاشية «ج» : بالإمساك من الصيد.

(٢) أورده العيّاشي في التفسير ٢ : ١٦١ / ١٦٣٧ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار١٤ : ٥٠ / ١.

(٣) سورة الفجر ٨٩ : ١٠.

(٤) سورة ص ٣٨ : ١٢.

(٥) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ٥٠ ، باب معاني أسماء الأنبياء والرسل عليهم‌السلام عن مشايخه ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٣ : ١٣٦ / ٤٤.

١٣٠

ـ ٦١ ـ

باب العلّة التي من أجلها تمنّى موسى عليه‌السلام الموت ،

والعلّة التي من أجلها لا يُعرف قبره

[ ١٠٩ / ١ ] حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «إنّ ملك الموت أتى موسى بن عمران عليه‌السلام فسلّم عليه ، فقال : من أنت؟

فقال : أنا ملك الموت.

فقال : ما حاجتك؟

فقال له : جئت أقبض روحك.

فقال له موسى عليه‌السلام : من أين تقبض روحي؟

قال : من فمك.

فقال له موسى : كيف ، وقد كلّمت ربّي عزوجل ؟

فقال : من يديك.

فقال له موسى عليه‌السلام : كيف ، وقد حملت بهما التوراة؟

فقال : من رجليك.

فقال : وكيف ، وقد وطئت بهما طور سَيْناء؟

قال : وعدَّ أشياء غير هذا.

قال : فقال له ملك الموت : فإنّي اُمرت أن أتركك حتّى تكون أنت الذي تريد ذلك. فمكث موسى عليه‌السلام ما شاء الله ثمّ مرَّ برجل وهو يحفر

١٣١

قبراً ، فقال له موسى (١) : ألا أُعينك على حفر هذا القبر؟

فقال له الرجل : بلى.

قال : فأعانه حتّى حفر القبر ولحَّد اللحد ، فأراد الرجل أن يضطجع في اللحد (٢) ؛ لينظر كيف هو.

فقال له موسى : أنا أضطجع فيه ، فاضطجع موسى ، فرأى مكانه من الجنّة» أو قال : «منزله من الجنّة» ، «فقال : يا ربّ ، اقبضني إليك ، فقبض ملك الموت روحه ودفنه في القبر وسوّى عليه التراب.

قال : وكان الذي يحفر القبر ملك الموت في صورة آدمي ، فلذلك لايُعرف قبر موسى عليه‌السلام » (٣) (٤) .

ـ ٦٢ ـ

باب العلّة التي من أجلها قال سليمان عليه‌السلام : ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي

وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ) (٥)

[ ١١٠ / ١ ] حدّثنا أحمد بن يحيى المكتّب ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد الورّاق أبو الطيب ، حدّثنا علي بن هارون الحميري ، قال : حدّثنا علي (٦) بن

__________________

(١) موسى ، لم ترد في «ن».

(٢) في هامش «ش» : القبر.

(٣) وردت في «ل» هذه الحاشية : وكان ذلك في التيه ، فصاح صائح في المساء مات موسى كليم الله ، وأيّ نفس لاتموت ، كمال الدين.

(٤) ذكره المصنّف من دون نسبة في كمال الدين : ١٥٣ / ٧ والأمالي : ٣٠٣ / ٣٤٣ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٣ : ٣٦٦ / ٩.

(٥) سورة ص ٣٨ : ٣٥.

(٦) في «ح» : أحمد ، والصحيح ما في المتن ، وهو الموافق للمصادر الرجاليّة. انظر معجم رجال الحديث ١٣ : ١٥٥ / ٨٤٤٠.

١٣٢

محمّد بن سليمان النوفلي ، قال : حدّثنا أبي ، عن علي بن يقطين ، قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : أيجوز أن يكون نَبيّ الله عزوجل بخيلاً؟

فقال : «لا».

فقلت له : فقول سليمان عليه‌السلام : ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ) ، ما وجهه ومعناه (١) ؟.

فقال : «المُلك ملكان : مُلك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس ، وملك مأخوذ من قِبَل الله تعالى ذكره كملك آل إبراهيم ، وملك طالوت ، وملك ذي القرنين ، فقال (٢) سليمان عليه‌السلام : هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من

__________________

(١) في المطبوع : وما معناه ، وما أثبتناه كما في النسخ والبحار.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» أي : أنّه عليه‌السلامسأل ربّه ملكاً لا يمكن للملوك الجائرين تحصيله بالجور والغلبة ؛ ليكون معجزاً له على نبوّته ، وآية على خلافته ، ولا يمنع هذا الكلام من أن يعطى أحداً بعده أضعاف ما أعطاه من الأنبياء والأولياء فليس هذا من البخل في شيء.

قال البيضاوي : لا ينبغي لأحد من بعدي [أي] لا يتسهّل له ولا يكون ؛ ليكون معجزة لي مناسبة لحالي ، أو لا ينبغي لأحد أن يسلبه منّي بعد هذه السلبة ، أو لا يصحّ لأحد من بعدي لعظمته ، كقولك : لفلان ما ليس لأحد من الفضل والمال على إرادة وصف الملك بالعظمة لا أن لا يعطى أحد مثله ليكون منافسة ، انتهى. تفسير البيضاوي ٣ : ١٧٤.

وهذا الحمل متين معنىً لكنّه بعيد بحسب اللفظ إلاّ أن يكون مكان «أن» : «أي» بتكلّف في هذا المقام وتكلّفات في آخر الخبر لا تخفى.

بل الظاهر من الخبر أنّ المعنى ربِّ هب ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي أن يقول هذاالقول وينسب إلى ملكي أنّه مأخوذ بالجور والغلبة ، فيكون : أن يقول ، إلى آخره ، مقدّراًفي الكلام.

وقوله : ما كان أبخله بعرضه على هذا ظاهر ؛ إذ المعنى عليه‌السلام أنّه بخل بعرضه في

١٣٣

بعدي أن يقول : إنّه مأخوذ بالغلبة والجور (١) وإجبار النّاس ، فسخّر الله عزوجل له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب وجعل غدوّها شهراً ورواحها شهراً ، وسخّر الله عزوجل له الشياطين كلّ بنّاء وغوّاص ، وعُلّم منطق الطير ، ومُكّن في الأرض ، فعلم النّاس في وقته وبعده أنّ ملكه لايشبه ملك الملوك المختارين من قِبَل النّاس والمالكين بالغَلَبة والجور» قال : فقلت له : فقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «رحم الله أخي سليمان بن داوُد ما كان أبخله» ، فقال : لقوله عليه‌السلام : «وجهان : أحدهما : ما كان أبخله بعرضه وسوء القول فيه» ، والوجه الآخَر يقول : ما كان أبخله إن كان أراد ما يذهب إليه الجهّال».

ثمّ قال عليه‌السلام : «قد والله أُوتينا ما أُوتي سليمان وما لم يؤت سليمان وما لم يؤت أحدٌ من الأنبياء (٢) ، قال الله عزوجل في قصّة سليمان : ( هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (٣) . وقال عزوجل في قصّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٤) » (٥) .

__________________

هذا الدّعاء ودعا أنّه يدفع من ألسن النّاس بأنّ ملكه مأخوذ بالجور ، ولا يجعل عرضه عرضة لملام النّاس والله تعالى يعلم. (م ق ر رحمه‌الله ).

(١) لم ترد في «ح».

(٢) في المطبوع : من العالمين.

(٣) سورة ص ٣٨ : ٣٩.

(٤) سورة الحشر ٥٩ : ٧.

(٥) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ٣٥٣ / ١ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار١٤ : ٨٥ / ١.

١٣٤

ـ ٦٣ ـ

باب العلّة التي من أجلها زيد في حروف

اسم سليمان حرف من حروف اسم أبيه داوُد عليه‌السلام ،

والعلّة التي من أجلها سُمّي داوُد داوُد عليه‌السلام ،

والعلّة التي من أجلها سخّرت الريح لسليمان عليه‌السلام ،

والعلّة التي من أجلها (١) تبسّم من قول النملة ضاحكاً

[ ١١١ / ١ ] حدّثنا عبدالله بن محمّد بن عبدالوهّاب القرشي ، قال : حدّثنا منصور بن عبدالله الأصفهاني الصوفي ، قال : حدّثني علي بن مهرويه القزويني ، قال : حدّثنا سليمان الغازي ، قال : سمعت علي بن موسى الرضا عليه‌السلام يقول عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد عليهما‌السلام في قوله عزوجل : ( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا ) (٢) ، قال : «لمّا قالت النملة : ( أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ) (٣) حملت الريح صوت النملة إلى سليمان وهو مارّ في الهواء والريح قد حملته ، فوقف وقال : عليَّ بالنملة ، فلمّا اُتي بها قال سليمان : يا أيّتها النملة ، أما علمت أنّي نبيّ ، وإنّي لا أظلم أحداً؟ قالت النملة : بلى.

قال سليمان : فلِمَ حذّرتيهم (٤) ظلمي وقلت : ( أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ) ؟

__________________

(١) في «ج ، س» : لأجلها ، بدل : من أجلها.

(٢) سورة النمل ٢٧ : ١٩.

(٣) سورة النمل ٢٧ : ١٨ .

(٤) في المطبوع و«ن ، ش» : حذّرتهم ، وفي «ج» : حذّرتنيهم ، وما أثبتناه من «ع ، س ، ح ، ل»وحاشية «ج» والعيون.

١٣٥

قالت النملة : خشيت أن ينظروا إلى زينتك فيفتتنوا بها فيبعدون عن (١) الله تعالى ذكره ، ثمّ قالت النملة : أنت أكبر أم أبوك؟

قال سليمان : بل أبي ، داوُد.

قالت النملة : فلِمَ زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داوُد عليه‌السلام .

قال سليمان : ما لي بهذا علم ، قالت النملة : لأنّ أباك داوُد داوى جرحه بوِدّ (٢) فسُمّي داوُد ، وأنت يا سليمان أرجو أن تلحق بأبيك ، ثمّ قالت النملة : هل تدري لِمَ سخّرت لك الريح من بين سائر المملكة؟

قال سليمان : ما لي بهذه علم.

قالت النملة يعني عزوجل بذلك ـ : لو سخّرت لك جميع المملكة كماسخّرت لك هذه الريح لكان زوالها من يدك كزوال الريح ، فحينئذ تبسّم ضاحكاً من قولها» (٣) .

__________________

(١) في المطبوع : فيعبدون غير ، وما أثبتناه من «ح ، س ، ن ، ع ، ل» وحاشية «ج» والبحاروالعيون .

(٢) ورد في حاشية «ج» : قيل : المراد أنّه كان أصل اسم داوُد : داوى جَرحه بوِدّ ، فيكون أكثر من اسمك . ويخطر بالبال أنّه يمكن أن يكون المراد أنّه لمّا ارتكب ترك الأولى وصار قلبه مجروحاً بذلك فداواه بمحبّة الله سُمّي داوُد ، وأنت لمّا لم ترتكب بعد وأنت سليم منه سُمّيت سليمان ، ثمّ استدركت بأنّه لا تظنّ أنّ ما صدر منه صار سبباً لنقصه ، بل صارسبباً لكمال محبّته وتمام مودّته ، وأرجو أن تلحق أنت أيضاً بأبيك في ذلك لتكمل محبّتك ، والله عليم. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) ذكره المصنّف في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٧٠ / ٨ ، ونقله المجلسي عن العيون والعلل في بحار الأنوار ١٤ : ٩٢ / ٢.

١٣٦

ـ ٦٤ ـ

باب العلّة التي من أجلها صار عند الأرضة

حيث كانت ماء وطين

[ ١١٢ / ١ ] حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود ، عن أبيه ، قال : حدّثنا محمّد بن نصير ، عن أحمد بن محمّد ، عن العبّاس بن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن أحمد ابن محمّدبن أبي نصر البزنطي وفضالة ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّ الجِنّ شكروا (١) الأرضة ما صنعت بعصا سليمان ، فما تكادتراها في مكان إلاّ وعندها ماء وطين» (٢) .

[ ١١٣ / ٢ ] حدّثنا أحمد (٣) بن زياد بن جعفر الهمداني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد عليه‌السلام ، قال : «إنّ سليمان بن داوُد عليه‌السلام قال ذات يوم لأصحابه : إنّ الله تبارك وتعالى قد وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي ، سخّر (٤) لي الريح ، والإنس والجنّ ، والطير والوحوش ، وعلّمني منطق الطير ، وآتاني من كلّ شيء ، ومع جميع ما اُوتيت من الملك (٥) ،

__________________

(١) في «ش ، ن» : شكوا ، وفي حاشيتهما عن نسخة : شكروا.

(٢) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٤ : ١٣٩ / ٥.

(٣) في النسخ : محمّد ، والصحيح ما في المتن ؛ لأنّه من مشايخ الشيخ الصدوق.

(٤) في «ج ، ل ، ح ، ن ، س» : يسخّر ، وفي «ع» : فسخّر ، وما أثبتناه من نسخة «ش» وحاشية «ج»والبحار والعيون.

(٥) في «ش» زيادة بعد قوله : (من الملك) : والإنس والجنّ والطير والوحوش ، وعلّمني منطق الطّير ، وآتاني من كلّ شيء ومع جميع ما اُوتيت من الملك.

١٣٧

ماتمّ سروري يوم إلى الليل ، وقد أحببت أن أدخل قصري في غد ، فأصعد أعلاه وأنظر إلى ممالكي فلا تأذنوا لأحد عليَّ؛ لئلاّ يرد عليَّ (١) ما ينغّص (٢) عليَّ يومي.

فقالوا : نعم. فلمّا كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره ، ووقف متّكئاً على عصاه ينظر إلى ممالكه مسروراً بما اُوتي فرحاً بما اُعطي ، إذ نظر إلى شابّ حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زواياقصره ، فلمّا بصر به (٣) ، قال له : من أدخلك إلى هذا القصر وقد أردت أن أخلو فيه اليوم ، وبإذن من دخلت؟

قال الشابّ : أدخلني هذا القصر ربّه ، وبإذنه دخلت.

فقال : ربّه أحقّ به منّي ، فمن أنت؟

قال : أنا ملك الموت. قال : وفيما جئت؟

قال : جئت لأقبض روحك. قال : امض لما أمرت به ، فهذا يوم سروري ، وأبى الله عزّوجل أن يكون لي سرور دون لقائه.

فقبض ملك الموت روحه وهو متّكئ على عصاه ، فبقي سليمان متّكئاًعلى عصاه وهو ميّت ما شاء الله والنّاس ينظرون إليه ، وهُم يقدّرون أنّه حيّ ، فافتتنوا فيه واختلفوا ، فمنهم من قال : إنّ سليمان قد بقي متّكئاً على عصاه هذه الأيّام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب ، إنّه

__________________

(١) في حاشية «ج» : يرد عليَّ ليلاً.

(٢) ورد في حاشية «ج» : نغَّص الله عليه عيشته تنغيصاً ، أي كدّره ، وتنغصّت عيشته ، أي تكدّرت ، ونَغِص الرجل بالكسر ينغص : إذا لم يتمّ مرادُه. الصحاح ٣ : ٢٦٧ / نغص.

(٣) في المطبوع : أبصره سليمان ، وفي «ح ، ع» والعيون : أبصر به ، وما أثبتناه من «س ، ح ، ل ، ش ، ن» ، والبحار.

١٣٨

لربّنا الذي يجب علينا أن نعبده.

وقال قوم : إنّ سليمان ساحر وإنّه يُرينا أنّه واقف متّكئ على عصاه يسحر أعيننا وليس كذلك ، وقال المؤمنون : إنّ سليمان هو عبدالله ونبيّه يدبّر الله أمره بما شاء ، فلمّا اختلفوا بعث الله عزوجل الأرضة فدبّت (١) في عصاة سليمان ، فلمّا أكلت جوفها انكسرت العصاة وخرّ سليمان من قصره علىوجهه ، فشكرت الجنّ للأرضة صنيعها ، فلأجل ذلك لا توجد الأرضة في مكان إلاّ وعندها ماء وطين؛ وذلك قول الله عزوجل : ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ) يعني عصاه ـ ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) » ثمّ قال الصادق عليه‌السلام : «والله ما نزلت هذه الآية هكذا ، وإنّمانزلت : ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ) الإنس أنّ ( الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) (٢) » (٣) .

[ ١١٤ / ٣ ] حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قـال : حدّثنا علي بـن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عُمير ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «أمر سليمان بن داوُد الجِنّ فصنعوا له قبّة من قوارير ، فبينما هو متّكئ على عصاه في القبّة ينظر إلى الجنّ كيف يعملون وهُـم ينظرون إليه إذ حانـت منـه التفاتة (٤) فإذا رجل معه في القبّة ، قال :

__________________

(١) ورد في حاشية «ج» : دبّ في الأرض : سار سيراً ليّناً.

(٢) سورة سبأ ٣٤ : ١٤.

(٣) ذكره المصنّف في العيون ١ : ٣٥٧ / ٢٤ ، الباب ٢٦ ، وأورده الثعلبي في التفسير ٦ : ٥٩ ، ونقله المجلسي عن العلل والعيون في بحار الأنوار ١٤ : ١٣٦ / ١ ، و٦٣ : ٧٨ / ٣٤.

(٤) في «ج» : النّفاية ، وفي حاشيتها كما في المتن ، والنّفاية : ما نفيته من الشيء لرداءته.الصحاح ٦ : ٥٤١ / نفا.

١٣٩

من أنت؟

قال : أنا الذي لا أقبل الرشا ، ولا أهاب الملوك ، أنا ملك الموت ، فقبضه وهو قائم متّكئ على عصاه في القبّة والجِنُّ ينظرون إليه ، قال : فمكثوا سنة يدأبون (١) له حتّى بعث الله عزوجل الأرَضة فأكلت منسأته وهي العصا ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) (٢) ».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ الجِنَّ يشكرون الأرَضة ما صنعت بعصا سليمان عليه‌السلام فما تكاد تراها في مكان إلاّ وعندها ماء وطين» (٣) .

[ ١١٥ / ٤ ] حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن اُورمة ، عن الحسن بن علي ، عن علي بن عقبة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «لقد شكرت الشياطين الأرَضة حين أكلت عصاة سليمان عليه‌السلام حتّى سقط ، وقالوا : عليك الخراب وعلينا الماء والطّين فلا تكاد تراها في موضع إلاّ رأيت ماءوطيناً» (٤) .

__________________

(١) في «ح ، س ، ن ، ش ، ع ، ج» : يدانون ، وما أثبتناه من «ل» وهو الموافق لما في المطبوعوالبحار وجامع البيان وتفسير الثعلبي وتفسير البغوي. والدأب في العمل : الحدوالتعب والملازمة عليه. تاج العروس ١ : ٤٧٦.

(٢) سورة سبأ ٣٤ : ١٤.

(٣) أورده باختصار الثعلبي في التفسير ٨ : ٨١ ، والقمّي في التفسير ١ : ٥٥ ، والطبرسي في مجمع البيان ٨ : ٢٠٥ ، والطبري في جامع البيان ٢٢ : ٥٠ ـ ٥١ ، والبغوي في تفسيره ٤ : ٥٠٠ / ١ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٤ : ١٣٧ / ٢.

(٤) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٤ : ١٣٩ / ٦ ، و٦٤ : ٥١ / ٣٠.

١٤٠