كنز الولد

ابراهيم بن الحسين الحامدي

كنز الولد

المؤلف:

ابراهيم بن الحسين الحامدي


المحقق: مصطفى غالب
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٢

٨١
٨٢

فهكذا (١) كانت الإجابة وترتبت العقول ، وعلوها على عالم الطبيعة وخروجها عن المكان والزمان.

ثم ترتب أيضا الهيولى والصورة وانقسامها إلى أبعاض عشرة من المحيط إلى عالم الكون والفساد والعقول ممدّة للعاشر بسريان أنوارها على الفعل في عالم الهيولى ، وقد صار لها كالمبدع الأول في عالم الأمر في الشرف والفعل والمباينة في الصورة ، إذ هو مجرد عن الجسم من عدة العقول الانبعاثية (٢) ، لأنّه لما تأخر عن مرتبة الاثنينية ، ووقعت الدعوة بالمنبعث الأول وسبقه إلى ما سها عنه وغفل منه سبع مراتب ، وصارت تفعل فيه وتؤيده وتمده وتلهمه إلى فعل ما نقص بسببه ، لأنّه قد التزم بالمبدع الأول ، فلم يكن في العدل أن يسقط أو يهبط لأنّه قد عظم الحد الجليل الفاضل ، فوجب أن تعرض عليه ولاية السابق عليه في الوجود الذي هو المنبعث الأول ، إذ تخطاه وذلك بغير قصد ، ولا عمد ، إلّا استام (٣) به في تسبيحه وتقديسه للمبدع الأول ، وظن أن ذلك يجوز له ، فنقصت بذلك رتبته ، وأيضا أيدته العقول ، إلى أن يشهد لمن شهد له المبدع الأول بالإلهية ، ويسلبها عن جميع ما أبدعه واخترعه.

فلمّا فطن لذلك ورجع إلى فعل ما هنالك ، وتاب وأناب ، وتوسل بالحدود العالية عليه انتظمه قول أصدق القائلين (٤) : (يا أَيَّتُهَا

__________________

(١) فلك النار من عالم الكون والفساد والمحيط بفلك الهواء ، والهواء في باطن فلكها ، وفلك الهواء محيط بالماء والأرض والنار والهواء ألطف من الماء والأرض وهما كالذكر. والماء والأرض كالأنثى. فهكذا : فهذا هكذا. في ج وط.

(٢) لكونهم أرواحا نورانية لا كثافة فيها ولا تجسيم ، ولا يحويها مكان ولا احتاج مبدعها إلى زمان.

(٣) هكذا وردت في جميع النسخ.

(٤) هذه النظرية أي نظرية الهبوط عالجها أغلب فلاسفة الإسماعيلية وخرجوا منها بأن الهبوط كان لسهو المنبعث الثاني وعدم اعترافه بفضل السبق للمنبعث الأول ، وتوهم أنه يساويه في المرتبة ،

٨٣

النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً. فَادْخُلِي فِي عِبادِي. وَادْخُلِي جَنَّتِي) (١). فربه هو الذي سبقه ، فأمر بالرجوع إليه لما اطمأن بالالتزام به ، فهو نفس الكل للعالمين جميعا ، للعالم الأعلى نفس ، وهم له عقل. والتأييد إليه واقع ، وهو يتنفس إلى من دونه بما اتصل به من روح القدس ، وسرى إليه من العناية الإلهية ، وهو نفس كلّ لعالم الهيولى ، لكونه في حد اللطافة ، وما دونه منهم في حد الكثافة. فالحياة إليهم منه ، متصلة غير منفصلة ، وفعله فيهم جائز (٢) جار غير منقطع ولا ممتنع ، وهو مخترع الزمان والمكان ، كما بين ذلك سيدنا المؤيد في بعض خطبه.

وقال أيضا في مرافدة حميد الدين في ذكر العقول العشرة (٣) : أسألك بأول من توجته بتاج الإبداع ، وخصصته بشرف البداية والاختراع (٤) ، السارية قواه في الفلك الأعظم المحيط أصل الحركات ، وباب عالم القدس ، البسيط ، وبثانيه (٥) الذي أرقيته أعلى مراتب الانبعاث ، وجعلته المخصوص برتبة

__________________

ـ فكان ذلك التوهم خطأ أكسبه تأخرا عن مرتبته وانحطاطا عن منزلته. ويذهبون إلى أن العقل الأول دعا جميع عالم الابداع إلى توحيد مبدعهم ، بحجابه المنبعث الأول ، فأجابه من تلك الصور المبدعة سبعة عقول كل واحد منهم بعد الثاني ، وفي ضمن كل عقل منهم من تلك الصور المبدعة عالم لا يحصيها العدد ، وبذلك صارت مراتب عالم الابداع تسعة : العقل الأول والمنبعث الأول والسبعة عقول المجيبة للدعوة. وسقط المنبعث الثاني عن مرتبته بما كان من توهمه فلاذ بآخر تلك العقول.

(١) سورة ٨٩ / ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٠

(٢) وهو أي فعله عمود من نور سار متصل لا تدركه الأبصار ولا يحيط بعظمته وجلالته الأفكار.

(٣) المجلس السابع عشر بعد الستمائة من المجالس المؤيدية نسخة خطية في مكتبة مصطفى غالب.

(٤) باعتباره المبدأ الأول والموجود الأول.

(٥) يريد بذلك المنبعث الأول أو التالي الذي هو الأساس في عالم الدين صاحب رتبة التأويل. وهو الموجود الثاني.

٨٤

التكوين والاستحداث ، وأحللته من الأول محل القابل من الاناث ، فاستدار الفلك المكوكب بسريان أشعته ، وجرت أحداثه بتقديره ومشيئته ، وبثالثه المختص بتأثيره فلك كيوان ، وبرابعه الذي هو المشتري تحت تدبيره ممر الزمان ، وبخامسه محل البقاء والدوام المختص بنفاذ قوته فلك بهرام. وبسادسه حافظ عالم الحس ، المنفذ بقوى تصاريفه فلك الشمس. وبسابعه منتهى محل الشرف والقدرة ، السارية قوى أحداثه في فلك الزهرة. وبثامنه الذي نصب عطارد للفلك كاتبا ، ولمقاديره مقدرا وحاسبا. وبتاسعه مقدر القمر منازلا ، وجاعله لجميع الكواكب مؤديا وناقلا. وبعاشره مدبر عالم الطبيعة ، المظهر في أكوانه الصور البديعة. وهذا ما رافد به سيدنا المؤيد سيدنا حميد الدين نضر الله وجهيهما (١). فقد أوضح أن العاشر من جملة عالم الانبعاث مجرد عن الجسم يتصف بما يتصفون ، وانّه المدبر لعالم الطبيعة كما ذكر أن العقول الروحانية كل مرتبة منها تنظر إلى فلك من الأفلاك الجرمانية ، كما أوضح ذلك.

وكذلك كل مرتبة من تلك المراتب تنظر إلى مرتبة من مراتب الدين العشر بوساطة العاشر (٢). كما أن القمر الواسطة بين عالم الأجرام ، وبين عالم الكون والفساد. إذ عالم الأجرام مؤثر كالذكر ، وعالم الكون والفساد مؤثر فيه

__________________

(١) نلاحظ بأن العرفان الإسماعيلي يعتبر الموجود الأول المبدع الأول السابق في الوجود في عالم الابداع مثل الذكر في الدين ، والمنبعث الأول أو الموجود الثاني في عالم الابداع التالي معه مثل الأنثى القابلة منه. والنبي الذي هو السابق مثل السماء ، والإمام الذي هو التالي معه مثل الأرض. ولما انتقل النبي (ص) صار الإمام بعده قائما في عالم الدين مقام العقل الأول والموجود الأول والمبدع الأول ، وحجته مقام المنبعث الأول والموجود الثاني.

(٢) أي الحدود الدينية السفلية المعروفة بنظام الدعوة الإسماعيلية وهي : الناطق ، الأساس ، الإمام ، الباب ، الحجة ، داعي البلاغ ، الداعي المطلق ، الداعي المحدود ، المأذون المطلق ، المأذون المحدود الذي هو المكاسر. وكذلك كل مرتبة : وكذلك مرتبة ج وط.

٨٥

كالأنثى. وكذلك العالم الروحاني للعالم الجسماني الطبيعي على هذه الصفة. فالعالم مرتبط بعضه ببعض بسريان العناية الإلهية في الجميع ، من العلو إلى السفل بخلاص ما خلص.

فأما عالم الهيولى فإنهم لما لم يجيبوا (١) دعوة المنبعث الأول ، لما وقعت الدعوة به ، ومالوا إلى نهج العاشر. ولما استرجع وعاد (٢) ، أقيم فيهم مقام الواحدية لما رجع وعطبوا فدعوا به ، فزهدوا فيه ، وتكبروا عليه ، وتمادوا بالتخلف عن الإجابة عنه ، وعمن علا عليه ؛ فوقعوا في الخطيئة ، ولزمهم الهبوط من اللطافة إلى الكثافة ، فاجتمع هذا القسم الثاني وهو المنبعث الثالث الذي رمز به سيدنا حميد الدين في الرسالة الحاوية (٣) بقوله :

لما ضرب المثل لدعوة مولانا أمير المؤمنين ، وقيام الاضداد عليه ، وتغطيتها حتى صارت بالقوة ، وستعود إلى العام (٤) ، يعني بظهور القائم. ثم قال بعد أمثال كثيرة : وكما أن المنبعث الثالث غابت صورته فستعود تلك الصورة آخر الأدوار والأكوار ، وتلك الصورة بحالة أعظم ، وجلالة أبهى. ومن الرموز على ذلك من حروف المعجم (نون فا ور ز ند ك) في حلة لينقدح لك حل العلوم به ، وتأمل العلامة الدالة على الستة التي هي الواو وكيف كونها بين النون الأول والنون الآخر ، وكيف تكون

__________________

(١) أي لم يجيبوا التالي الذي اتخذه العقل الأول السابق بابا وحجابا يخاطب منه دونه ، وأمده من المادة التي طرقته من مبدعه ، بما شرف به على المنبعث الثاني وعلى كافة أبناء جنسه وعلم بذلك ما كان وما يكون ، وهو المسمى بالنفس الكلية والانبعاث الأول واللوح.

(٢) أي عند ما هبط إلى رتبة العاشر آخر مراتب العقول تاب وأناب وطلب ممن هو فوقه أن يشفع له ، فشفع له من فوقه إلى فوقه حتى انتهت الشفاعة إلى العقل الثاني الذي هو المنبعث الأول فتاب عليه من زلته وغفر له خطيئته ، وأمده من فيض المادة الأزلية التي اتصلت به من سابقه.

(٣) الرسالة الحاوية في الليل والنهار ، وهي في التأويل ، وقيل إنها ألفت سنة ٣٩٩ ه‍. وأرسلت إلى الداعي بمدينة جيرفت بإقليم كرمان.

(٤) أي قائم القيامة الكبرى وآخر إمام من أئمة دور الناطق السادس محمد (ص).

٨٦

بعد الستة النون الآخر كالأول ، هذا من الرموز الكبار. فدل أن المنبعث الثالث الذي ذكره في هذه الرسالة ، الذي غابت صورته هو الذي هبط من عالم الانبعاث ، لأنّه قد صار ثالثا ، وتكثف وصار شيئين : هيولى وصورة.

فالصورة هي الحياة المشار إليها بنفس الحس ، والهيولى هي نفس النماء (١) ، فقوله : فستعود آخر الأدوار والأكوار بحالة أعظم وجلالة أبهى ، وهو ظهور القائم صلوات الله عليه. والنّون الأول هو العاشر. قال الله تعالى (ن وَالْقَلَمِ) (٢) الذي تولد منه الواو والنون الآخر ، فالواو والذي له ستة ، رمز على النطقاء الستة. والنون الآخر هو القائم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأن دوره خمسون ألف سنة كما للنون خمسون في حساب الجمل.

فالقائم هو الصورة المشار إليه بالظهور ، هو ومن ظهر في الأدوار والأكوار على ذلك السبيل ، فالهيولى والصورة هما المنبعث الثالث المتوقف عن الإجابة (٣) ، وذلك أن القسم الثاني الذي أصر واستكبر ، أظلم وامتزج الكل بالكل ، وصارا شيئين مزدوجين ممتزجين أول المكان والزمان ، ولو توجهت العناية الإلهية في فعله لما أظلم وتكثف ، ولزمه الأبعاد الثلاثة ، وحوته الجهات الستة ، وتهيأ لإدراك الحواس الخمس ، وتكونت أبعاضا عشرة ، كما صورناه وعلى ما نريد أن (٤) نبين انفعاله وانقسامه فيما بعد. والفاعل لجميع ذلك هو

__________________

(١) نفس النماء : النفس النامية في ج.

(٢) سورة ٦٨ / ١.

(٣) يذهب الإسماعيلية إلى أن الهيولى هي أثر من الثاني الذي هو جوهر هذا العالم ، أظهرها بالفعل عنه ، وبالقوة المستفادة من الأول ، ثم أظهر منها الصورة وهي الطبيعة بالفعل. ويعني بالأبعاد الأقدار الثلاثة : الطول ، والعرض ، والعمق. والهيولى والصورة وجدا معا لا يفارق أحدهما الآخر ، على أن أحدهما فاعل ، وهي الصورة ، والأخرى مفعول بها وهي الهيولى. والهيولى وصورتها فعل الأمر الذي هو الإبداع ، والهيولى وهمية وكذلك الابداع هو وهمي لا تظهر ذاته إلا في المبدع الأول. والهيولى والصورة معا هو الجسم بكونه هيولى وصورة.

(٤) أن : سقطت في جميع النسخ.

٨٧

العاشر ، كما قال سيدنا المؤيد أعلى الله قدسه :

وبعاشره مدبر عالم الطبيعة ، المظهر في أكوانها الصور البديعة.

وقال في موضع ثان (١) : المتجلي للجبل ، وجاعله دكا خلق من خلقه ، والسموات والأرض مطويات بيمين عبد يقوم بحقه ، لأن العناية الإلهية لما كملت المراتب التسع في عالم الأمر التي هي المبدع الأول ، والمنبعث الأول ، والسبعة العقول ، وكانت صورة الآحاد إلى التاسع ، وجب بعدها ظهور (٢) صورة أعشار ، فقام هذا العاشر في الأعشار بالوحدانية والصورة ، مقام المبدع في أول صورة الآحاد. وهو أعني العاشر روحاني متجرد عن المواد ، باب عالم القدس ، الفاعل في عالم الطبيعة بمرافدة العقول وإمدادهم وتأييدهم له ، وملاحظتهم وإقبالهم عليه (٣) ، ونحن نبين ما الغرض في ذلك إذ هو بقصد لما وقع الهبوط.

قال سيدنا حميد الدين (٤) في فصل راحة العقل يبين تجرد العاشر ولطافته وفعله : فقد ثبت بانتهاء التحليل إلى واحد به يتعلق وجود ما سواه ، أن هذا الواحد هو العلة الثابتة ، وهو فعل في ذاته ، ومفعول في ذاته ، وفاعل في ذاته ؛ ثم نقول :

لما كان خروجه (٥) إلى الفعل الذي هو درجة الكمال ، لا يكون إلّا

__________________

(١) انظر المجلس العاشر بعد المائة السابعة من المجالس المؤيدية. نسخة خطية في مكتبة مصطفى غالب.

(٢) بعدها ظهور : بعد ما ظهرت في ج وط.

(٣) لأن العقول نالت كمالات من أول وجودها ابداعا وانبعاثا وانعطفت على الهيولى فسرت أشعتها فيها ، فكان منها عالم الجسم بسماواته وكواكبه وطبائعه ليكون سببا لوجود المواليد الجسمانية وجامعا لفيض العقول.

(٤) المشرع الخامس من السور الرابع من راحة العقل. ويذكر الكرماني بأن العقل العاشر يقوم مقام الأول في تدبير أمر دار الجسم.

(٥) لما كان خروجه إلى الفعل : لما كان كل قائم بالقوة ناقصا ، وكان خروجه إلى الفعل في ج وط.

٨٨

بالذي يستند إليه في ذلك ، ممّا هو قائم بالفعل ، تام في ذاته وفعله ، فقد بين أن خروج هذا العاشر بمن فعل فيه ، وهم المؤيدون له ، وفاعلون في ذاته فهو فاعل فيما دونه كما فعل فيه العالي عليه ، القائم بالفعل الذي يستند إليه.

وقال أيضا في فصل آخر : فالمنبعث الثاني لا يشبه الأول ولا ما يجمعه وإياه حكم الانبعاث الأول ووجوده عن المبدع الأول لا بقصد أول بأن الإبداع الذي هو المبدع الأول ما قصد في إحاطته بذاته أن يكون عنه الهيولى هذا المنبعث الثاني الأول وغيرهما ، إذ ذلك قصد دنيء لا يليق به ، ويصير به رذلا لا شريفا ، لكون قصده لو كان لذلك لا للأمر الأشرف قصدا دنيئا (١) ، وكان بكون قصده لمثل ذلك رذلا لا شريفا ، ومحال ذلك ، فكان وجوده عنه بالانبعاث لكماله وجلاله أمرا ضروريا ، إذ لم يكن بد من أن يوجد عنه عند ملاحظته ذاته تقديسا للمتعالي عنها الذي هو القصد الأول ما هو ثمرة كماله من الشهادة بالالهيّة لمبدعه. فلمّا لم يكن للمنبعث الثاني درجة المتعالي عليه في الشرف والرتبة ، عمدت العناية الإلهية الشائعة في العقول البرية من الأجسام بقصد ثان لما قد فات هذا المنبعث الذي هو العقل القائم بالقوة المعرب عنه بالهيولى عند الحكماء ، وفي السنة الإلهية باللوح ، شرف هذه العقول القائمة بالفعل ، إلى أن جعلته أفضل شيء ، أمكن أن يكون منه دون تلك الرتبة ، متشبها بما فوقه في الشرف وبلغته كماله الذي يليق به ، بسريان أنوارها فيه ، حتى انتقل

__________________

(١) النص الذي نقله المؤلف من السور الرابع من المشرع الثالث من راحة العقل فيه بعض الاضطراب لذلك رأينا أن نورده كما جاء في الأصل «... فهو أعني المنبعث الثاني الأول الذي هو الهيولى لا يشبه الأول ، ولا ما يجمعه وإياه لحكم الانبعاث الأول. ووجوده عن المبدع الأول لا بقصد أول لأن الإبداع الذي هو المبدع الأول ما قصد من إحاطته بذاته أن يكون عنه الهيولى هذا المنبعث الثاني الأول وغيرها ، إذ ذاك قصد دنيء لا يليق به ويصير به رذلا لا شريفا ، لكون قصده لو كان لذلك لا للأمر الأشرف قصدا دنيئا رذلا ..».

٨٩

عن رتبة الإمكان الذي هو الكمال الأول ، في أن يقبل زيادة عليه ، ولا انتقالا عن حاله ، ولا تكون وراءه نهاية يمكن بلوغها في القبول ، وهو حد الكمال الأول والثاني.

فهذا فصل بين فيه عودته متجردا إلى قيامه على وقوف الانبعاث عن وجود المثل عند انتهائه إلى العاشر من العقول ، وقيام العاشر مقام الأول في تدبير عالم الجسم على تلك الصيغة. فقد بين أن العاشر كما ذكرنا آخر مراتب الآحاد ، وأول العدد لعالم الجسم ، يقوم فيه مقام المبدع.

وقوله أيضا (١) : ولمّا كان الطرف الأول من الاثنين أجل من الطرف الآخر ، لقربه ممّا عنه وجوده ، وبعد الطرف الآخر ، وإن كانا في الوجود معا ، كان ذلك موجبا أن يكون أحد الموجودين عن المبدع بقيامه بالفعل إحاطته بذاته ، واغتباطا بها ، الذي هو العقل الثاني أجل وأشرف من الآخر الذي هو الهيولى القائم بالقوة المفعول به.

ولما كان محصول ضرب الاثنين في الاثنين أربعة ، كانت مع الحاصل في الوجود ستة من واحد واثنين وثلاثة وعشرة ، وكانت العشرة مكانها من العشرات كالواحد من الآحاد ، كان ذلك موجبا أن يكون ما وجد عن الإبداع والانبعاث من العقول الفاعلة في ذواتها بذواتها عشرة ، تم بها عالم الإبداع والانبعاث ، الذي هو المبادي الشريفة ، وقام العاشر منها لعالم الجسم ، مقام المبدع الأول في عالم الإبداع الأول والانبعاث الأول ، كما أن الموجود في (الدور الشرعي) (٢) عشرة : أولها الناطق والوصي ، وسبعة من الأتماء الذين يتمون الأدوار الصغار (٣) ، والعاشر هو الذي يقوم مقام

__________________

(١) انظر المشرع الخامس من السور الرابع من راحة العقل.

(٢) في الأصل المنقول عن راحة العقل المشرع الخامس السور الرابع (الدور من الحدود العشرة).

(٣) الدور دوران : دور كبير ، ودور صغير. فالدور الكبير للنطقاء الذين يحفظ مكانهم الأئمة بعدهم. والدور الصغير للأئمة المتمين الذين يختمون الأسابيع.

٩٠

الناطق في دوره ، ثم يظهر بأمر جديد ، في دور جديد.

ولما كان وجود ما بعد العشرة على صيغة الآحاد إلى المئين ، كان ذلك موجبا على ذلك (١). وهذا الفصل قد بين فيه مرتبة العاشر ، انّه يقوم في العدد بعد الأول الذي هو المبدع الأول في الآحاد ، مثله في الأعشار ، كهيئته. كما أن الناطق أول في دوره ، والوصي ، وسبعة أتماء (٢) وتم بهم دوره ، وقام الناطق الثاني بأمر جديد ، ودور جديد.

وهذا برهان واضح بيّن مفصح ، بقيام العاشر بالفعل ، وتجرده وقيامه في عالم الطبيعة ، بأمر جديد في دور جديد ، مثل قيام الناطق الثاني بعد تمام دور الأول بوصيه ، ووفاء أتماء دوره ، ما لا يحتاج معه إلى برهان ثان.

ثم قال : فالعقل الأول مركز لعالم العقول إلى العقل الفعال ، والعقل الفعال عاقل للكل. وهو مركز لعالم الجسم من الأجسام العالية الثابتة إلى الأجسام المستحيلة ، المسماة عالم الكون والفساد ، وعالم الجسم جامع لفيض العقول. وهو مركز لوجود النفس للأنفس الطاهرة (٣) التي هي أنفس النطقاء ، إلى القائم ، والقائم سلام الله عليه جامع للكل ، الذي انتهى إليه ما سرى من بركة عالم الإبداع على مثل ذلك.

ثم قال : ولما بلغ الأمر في الوجود والترتيب إلى التاسع الذي هو العاشر في الوجود ، من المبدع الأول ، وكانت العلة قد وفت بحق كونها علة لوجود

__________________

(١) رأينا أن نتم النص لأن المؤلف نقله مبتورا ناقصا «موجبا أن يكون الموجود في عالم الجسم من المؤثرات بعدد الأعداد الموجودة في عالم الإبداع من العقول ..».

(٢) أصحاب الأدوار الصغار السبعة الذين هم الأئمة المتمون في كل دور ، ويتم دورهم بسابعهم.

(٣) لإقامة الحكمة في إخراج ما هو في القوة إلى الفعل ، وأن تجعل ما هو خسيس فاضلا ، وما تأخر وجوده بما سبق لاحقا. ومن عرف منازل الأنبياء ، والأوصياء ، والأئمة ، فهو منتهئ للخلاص. والحكمة بمفهومها الإسماعيلي تعني العبادة العلمية والعملية ، لأن الأنفس لا تنال كمالها وسعادتها إلا بهما معا. وأصل الحكمة عند الحكماء هي عمل مع علم.

٩١

المراتب بصدور معلولاتها إلى الوجود وترتبها في مراتبها واحد دون آخر ، ولم يبق هناك من الأمور ما لم يترتب دونه في الوجود خارجا عنه ، معلول ، وقف الوجود العقلي عن الانبعاث باستيعاب الموجودات مراتبها في الوجود التي أوجبتها عللها ، وانتهاء الأمر فيه إلى الغاية ، ولم يكن للعاشر مرتبة دونه من جنسه ، إلّا الذي بعد عن مركز الكمال من عالم الطبيعة. فقام بأن يستجذب منها ما كان في أفقه إلى ذاته ، بسطوع نوره فيه ، وأن يسوقه إلى كماله.

وعلى هذا كان وجود العالم الكبير (١) على ما تقدم عليه الكلام. «وهذا الفصل أيضا بيّن فيه تجرد العاشر عن الجسم بقوله : ولما لم يكن للعاشر مرتبة دونه من جنسه ، أي من عالم اللطافة ، لم يبق دونه مرتبة من العقول الروحانية. قال : إلّا الذي بعد عن مركز الكمال من عالم الطبيعة ، فقام بأن يستجذب منها ما كان في أفقه إلى ذاته بسطوع نوره فيه (٢) ، وأن يسوقه إلى كماله» (٣) ، أي تحرك الطبيعة لظهور المواليد. ثم لظهور الحدود الذين هم النطقاء ، والأسس ، والأئمة وتابعوهم الذين هم في أفقه. ويستجذبهم إلى ذاته بسطوع نوره إلى كمالهم. أي ليقيم قائمهم مقام نفسه في رتبته ومقامه ، ويسكن هو عن الحركة بقيام الخليفة في خلافته فيما كان هو فيه. ونحن نبين كيفية ذلك إن شاء الله تعالى في موضعه في باب المعاد.

__________________

(١) بما فيه من أفلاك وكواكب وأجرام وهذا العالم الكبير لا تثبت أجزاؤه ولا تظهر منافعه إلا باكتساب من النفس الكلية المحيطة بالعالم الطبيعي ، ولم تصلح أمور أجزائه التي هي العالم الصغير إلا بالاكتساب من أجزاء النفس الكلية.

(٢) باعتباره الحد الكامل الذي به خروج النفس من القوة إلى الفعل لتقبل على الفوائد العقلية والعلوم الربانية. نقلت هذه العبارات من المشرع الخامس من السور الرابع.

(٣) كرر هذا القول المحصور داخل قوسين مرتين في النسخة م فحذفناه المكرر.

٩٢

وهذا الفصل من قوله بيّن فيه المراد ، وحقق ما ذكرناه في الأعداد ، بأن العاشر يقوم فيما دونه مقام الأول في الآحاد.

ثم قال أيضا : وإن العقول البرية (١) من المواد لما كانت على ما ذكرنا ، أنوارها ساطعة في الموجودات ، دونها في الرتبة عموما ، ونور العاشر منها بإقباله على عالم النفس في عالم الطبيعة لاستخلاصها نافذا خصوصا على ما تقدم الكلام عليه ؛ وهذا قول أيضا يوضح تجرد العاشر ، وأن نوره ساطع على عالم النفس في عالم الطبيعة ، وعالم النفس ، هم عالم الدين ، الذين هم في عالم الطبيعة إلى قوله : وإنّه المتولي للعالم الهيولاني ، لإظهار النهاية الثانية التي هي النطقاء ، والأسس ، والأئمة وتابعوهم.

فبتأييد العقول الإبداعية بإظهار رتب العقول من دار الطبيعة ، رتبة رتبة ، وقسما قسما. فهو ذو فعل في أعلى الأنفس رتبة في تهذيبها ، فألف وأسس العبادة الظاهرة التي بها تتقوم الأنفس. فهو الناطق الذي سمته السنّة الإلهية رسولا.

وإذا قنن العبادة الباطنة التي بها تتصور الأنفس ، فهو الأساس (٢) الذي سمته السنة الإلهية شاهدا. وإذا أمر وساس السياسة التي بها تنقاد النفس

__________________

(١) يريد العقول الفاعلة في ذواتها بذواتها ، والعقل الأول مركز لعالم العقول إلى العقل الفعال الذي عقل الكل وذواتهم برية من الأجسام والأجسام العالية بكونها قائمة بالفعل. والعاشر من هذه العقول صار تماما لعالم الانبعاث وهو مثل المكاسر في تأثيره في الأنفس واختصاص فعله ، يجذبها إلى طريق الحق بما يفيدها كمالها الذي فيه تمامها وانتقالها إلى درجة العقول خروجا إلى الفعل ، وحصولا في حيز البقاء والأزل. وليس بعد الحدود العشرة القائمة بالتعليم إلا المتعلم القابل بركة فيضها.

(٢) الأساس أصل من الأصول الأربعة الإسماعيلية الذين هم : السابق والتالي والناطق والأساس. والأساس هو الإمام الذي يلي الناطق مباشرة ويكون منطلقا للأئمة القائمين بالفعل ، ويذهب الإسماعيلية إلى أن لكل ناطق دور أساس يرافقه في كافة مراحل حياته ومنه تتسلسل الأئمة المستقرون في الأدوار الصغيرة.

٩٣

للاستفادة ، فهو إمام.

وعلى ذلك ذكر الحدود الدينية إلى المأذون المحصور (١) الذي هو العاشر ، المستخلص لمن استجاب له من عالم الهيولى ، فمن قرب من أهل الكمال الأول. وأنّه يقوم في البشرية للهداية ، وجذبهم إلى دار الدعوة ، وقيامه فيهم كقيام العاشر في عالم الطبيعة أجمع.

__________________

(١) المأذون المحصور أو المحدود الذي هو المكاسر ليس بعده أي حد من الحدود العشرة المعروفة في نظام الدعوة الإسماعيلية وعلى عاتقه تقع مهمة مجادلة العلماء والفقهاء أمام جماهير الناس ، وكان يختار اختيارا خاصا ، ولا يسمح له بالمكاسرة إلا بعد امتحان عسير وتجارب كثيرة ، ونلاحظ في بعض الكتب الإسماعيلية الشروط الواجب توفرها عند اختيار الداعي المكاسر والخصال التي يجب أن يتحلى بها. ومرتبته هي أقل مراتب النظام الإسماعيلي لإقناع المستجيبين.

٩٤

٩٥
٩٦

الباب السادس

«في القول على الهيولى والصورة وما هما بذاتهما ،

وما سبب تكثفهما وامتزاجهما؟» (١)

فنقول : إنّا قد بينا فيما تقدم الأصول التي أوجبت لأهل الشرف في عالم القدس ، الشرف ، والجلالة ، واللطافة ، وبما وقع استحقاقهم لذلك ، وبما استحق أهل الكثافة بالكثافة (٢) ، وأشبعنا الكلام في جميع ذلك. غير أنّنا أردنا أن نفرد لذلك بابا يزيد في البراهين تبيانا بعون الله ومشيئته ، ولحظات من نحن متعلقون بطاعته ، وملتزمون بولايته عليه‌السلام (٣).

وذكرنا عالم الأمر المجيب ، وبينا ذلك في الشكل الأول والثاني ، وبينا علو ذلك العالم على عالم الخلق ، الذين هم أصحاب الشمال ، وقصد أصحاب اليمين الذين هم عالم الأمر لمرافدة العاشر وتأييده في فعله الذي صرف إليه القيام به. وكان تكثف ما كثف ، لسبب التخلف ، وذلك التخلف هو الصموت عن النطق بالإجابة ، وقلة الالتزام برتبة من رتب العقول كما قدمنا ذكره لما دعوا (٤) بلسان العاشر الذي هو النطق الروحاني بعد إقراره بما غفل

__________________

(١) السادس : الخامس في ج وط.

(٢) بالكثافة : سقطت في ج وط.

(٣) وصلواته ورحمته وبركاته وعلى آبائه وأبنائه في ج وط.

(٤) أي عند ما دعاهم العاشر الذي كان المنبعث الثاني ففارقته هذه المرتبة عن طريق السهو فهبط إلى آخر العقول وترتب في المرتبة العاشرة ، فصار بعد أن كان ثانيا في الانبعاث ثالثا في ـ

٩٧

عنه ، وسها ، وتلك الفترة منه بغير قصد منه ولا عمد.

والذين هبطوا (١) ، قصدوا التخلف وتعمدوه ، وفطنوا لذلك منه ، فجعلوا ذلك لهم صورة. وإنّما هو التزام بالحد الجليل السابق اسم الله الأعظم ، وحجابه الأقدم. فلم يجب في العدل سقوطه ، بل عرضت عليه ولاية حده ، وسلب الإلهية للمبدع تعالى ، فلم يصر ، ولم يستكبر ، ورجع إلى ما ألهم إليه.

وهم لم يلتزموا بأي العقول ، بل وقع الإصرار ، الشاهد بذلك ، ما جاء عن النطقاء بغير قصد ولا عمد ، ورجوعهم وتوبتهم عمّا نهوا عنه. وإصرار التابعين لهم عن طاعة أسسهم ، بالمبدع الأول مثل الناطق ، والمنبعث الأول مثل الأساس ، الذي تخلف عنه الصحابة الذين أمروا بطاعته (٢). وكذلك عالم الهيولى ، منهم من أسر في خاطره بحقيقة المبدع ولم ينطق به ؛ وبعضهم جحده مثل من لم يسلم إلّا نفاقا. وهم الذين عصوه في أمره ، الحذو بالحذو.

فالمسرون من ذلك العالم بالإقرار بالمبدع الأول سرّا ما بين العزة واليقين (٣) ، فبقي عليهم بذلك بقية كانوا بها في أعلى مراتب الطبيعة التي هي

__________________

ـ العدد ، عاشرا في الرتبة ، وحصل له بتلك المادة ولجميع العقول السابقة عليه الكمال الثاني والوجود الثاني الذي به تأزلوا وعصموا وأمنوا من الاستحالة والفناء. فلما تاب العاشر واتصلت به المادة بشفاعة من سبقه من تلك العقول وهي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ، لأنه آدم الروحاني الذي قال الله فيه «فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم» فقيل له حينئذ أقبل على المقتدين بك في التخلف ، فادعهم وخلصهم مما وقعوا فيه.

(١) وهم المكني عنهم بالهيولى الأولى.

(٢) يعني بذلك الذين تخلفوا من صحابة رسول الله (ص) ولم يقروا بوصية الأساس الذي هو أمير المؤمنين وسيد الأوصياء علي بن أبي طالب ع. م.

(٣) يريد أولئك الذين لم يعترفوا بفضل السابق في الوجود عليهم فقالوا : لا فضل له علينا لأننا كلنا ابداع المبدع تعالى أبدعنا سواء. لذلك أظلمت ذواتهم بعد إنارتها. فلما شعروا بما أصابهم ـ

٩٨

الأفلاك الذين هم نفس الحس المشار إليها بالصورة. وسفل من بعد ، ولم يصدقوا بحد من عالم القدس ، ولا محدود ، فكانوا عالم الكون والفساد ، نفس النماء المشار إليها بالهيولى ، وعلا من علا من عالم الطبيعة ، وترتب على ما خطر في باله. وسفل من سفل ، وتكثف واستحجر ، على قدر إصراره (١) ، على سبيل صحابة الرسول ، فمنهم من أقر بنبوة النبي وأصر على مخالفة علي وصيه ، فلم ينفعهم إقرارهم بالرسول ، وتخلفهم عن الوصي ؛ ومنهم من لم يصدق بأي الحدين فذلك كذلك. بان من ذلك العالم من أقر في خاطره بفضل المبدع الأول على سبيل ما فعل العاشر ، ولم يلتزم بالمنبعث الأول بسبقه ، فصار بذلك بابه وحجابه ، فهبطوا كهبوط أصحاب الرسول وزلوا. والعاشر أقرّ بالسابق عليه ، فتاب وأناب ، وشهد لمبدع الجميع بالإلهية ، وأقر له بالوحدانية ، فخلص وخلص ، وكلف استخلاص ما هبط بسلب اقتدائهم به على أنّه لم يفدهم ذلك ، ولا يدعوهم إليه (٢) ، وإنّما فطنوا لنطقه بتعظيم المبدع الأول على حدته ، فجعلوا ذلك لهم صورة.

فلمّا رجع ودعا إلى ذاته ، وإلى حده الذي هو المنبعث الأول ، فتكبروا عليه ، وقالوا : ما فعلنا إلّا ما فعل ، ولا قلنا إلّا ما قال ، وقد صار

__________________

ـ من الظلمة ، أنكروها واستوحشوا فيها ، والتأم بعضهم إلى بعض ، فتحركوا حركة يريدون بها الخلاص مما وقعوا به ، فحدث من حركتهم تلك في ذواتهم الطول الأول ، فأنكروه وتحركوا حركة حدث منها العرض الأول فصاروا جسما واحدا ممتزجا بعضه ببعض. وكانت تلك الحركات من حكمة العاشر المتولي لتدبيرهم.

(١) أي أنهم كانوا في عصيانهم للعاشر متفاوتين في الضمائر. فمنهم النادم المستغفر ، ومنهم الشاك المتحير ، ومنهم المصر المستكبر.

(٢) لأنهم لم يعملوا بموجب الأصول التي تقضي بوجوب الاعتراف والإقرار للأصلين معا للسابق والتالي في عالم الإبداع ، وللناطق والأساس في عالم الوضع والدين لأن الثاني متولد من الأول ونظير له وإن كان الأول أعلى مرتبة وأشرف منزلة ، مثل الذكر والأنثى في جميع الأجناس والجواهر ، فإن الذكر وإن كان أعلى وأشرف من الأنثى فكل واحد منهما نظير لصاحبه وشبهه.

٩٩

يتعالى علينا ، ويأمرنا من ذاته ، بما ليس له ، فوقع بهم الزلة ، ولزمه الفعل فيهم ، حتى يقوم في رتبته من يقوم مقامه ، وينوب منابه (١) ، ويخلفه في استخراج أيضا من يقوم ذلك المقام ، وذلك الأدوار في سائر الأدوار والأكوار ، بما نبيّنه على ما ذكرناه في باب المعاد إن شاء الله تعالى ، فكان التخلف بسبب التكثف ، وتبدلهم بالنور والبهاء ظلمة ، وبالروحانية كثافة. لحدوث الشر من ذواتهم بذواتهم. إذ لا أصل للشرّ في الإبداع ، كما قال الحكيم : وإذا كان الله عادلا في قضائه ، فما مصاب العالم الّا لعلة.

وقال سيدنا المؤيد قس : الحمد لله الذي بنى على العسر واليسر الأمور ، وأجرى على الحلو والمر الدهور ، لعلة منها الأفهام اعتلت وفيها الأوهام ضلت ، وطال فيها الكلام ، واستمر في الفحص عنها الخصام ، فما خلصت من وثاق الحيرة منها النفوس ، ولا انفكت من قناع العجز باستقصائها الرءوس ، أحمده حمد ذي عسر طال أمد عسره ، فانتظر يسرا (٢) ، واعلم أن الله بالغ أمره ، قد جعل الله لكل شيء قدرا.

وقال في بعض أشعاره :

وإنّي لجان ثمار الذي

غرست وحق عقاب لجان

وقال في ذلك السيد المالك الخطاب بن حسين (٣) نضر الله وجهه في الباب

__________________

(١) من الأئمة المنصوص عليهم في كافة العصور والأزمان.

(٢) فانتظر يسره. العسر بالمفهوم الإسماعيلي وجود النفس الجزئية في عالم الكون والفساد ، لذلك فإنها تظل بغاية الشوق والحنين إلى العودة لكليتها ، وسيدنا المؤيد يعني وجوده في هذا العالم قد طال أي بلغ من الكبر عتيا لذلك فهو ينتظر ساعة خلاص نفسه من جسده بعد أن أصبحت في درجة التهيؤ لنيل الكمال المطلق أو بالأحرى نالت الكمال المطلق عن طريق العبادة العملية والعبادة العلمية وهذا ما تنهد إليه في وجودها الجسماني وكمالها العرفاني الذي ينقلها من حد القوة إلى حد الفعل.

(٣) هو السلطان الخطاب بن الحسين الحجوري من أكبر وأرفع دعاة اليمن في عهد الملكة الحرة أروى الصليحية. ذكره الداعي إدريس عماد الدين في كتابه عيون الأخبار فقال : «وكان الخطاب ـ

١٠٠