الوصائل الى الرسائل - ج ٩

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل الى الرسائل - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-09-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

فغاية ما يمكن قصده هنا هو التعبّد على طريق الاحتمال ، بخلاف ما نحن فيه ممّا علم فيه ثبوت التعبّد بأحد الأمرين ، فانّه لا بدّ فيه من الجزم بالتعبّد.

______________________________________________________

إذن : (فغاية ما يمكن قصده هنا) في الجنابة المحتملة (هو التعبّد على طريق الاحتمال) وذلك بأن يقصد : انّي امتثل بهذا الغسل أمر الله سبحانه وتعالى على تقدير تحقق الجنابة وفرض وقوعها.

(بخلاف ما نحن فيه ممّا علم فيه ثبوت التعبّد بأحد الأمرين) كصلاتين الى القبلة المشتبهة ، أو في ثوبين مشتبهين (فانّه لا بدّ فيه من الجزم بالتعبّد) ومن المعلوم : ان الجزم بالتعبّد لا يحصل الّا بأن ينوي الاتيان بهما من أول الأمر ، فان لم يقصد ذلك بل قصد الاتيان بواحد لم يصح.

وعلى هذا : فالمصنف مفصّل بين الشبهات البدوية والشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي في كيفية النية ، بتقرير : انّه إذا كان مورد الشبهة من العبادات لا من التوصليات ، فانّه يكفي فيها مجرد قصد احتمال الأمر والمحبوبية ، هذا بالنسبة الى الشبهات البدوية ، وأمّا بالنسبة الى الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي فلا يكفي ذلك فيها ، بل لا بدّ من قصد امتثال الأمر المعلوم بالاجمال على كل تقدير ، وذلك يتوقف على ان يكون المكلّف حال الاتيان بأحد المحتملين قاصدا للاتيان بالمحتمل الآخر.

لكن قد يقال : بعدم الفرق بين الشبهة البدوية والمقرونة بالعلم الاجمالي من هذه الجهة ، فكما يأتي بالغسل في احتمال الجنابة بقصد الامتثال على تقدير تحقق الجنابة ، كذلك يأتي بالغسل في العلم بالجنابة بماء أحد الإناءين المشتبه احدهما بالمضاف بقصد الامتثال على تقدير تحقق الغسل بالماء المطلق ، فاذا

٢٠١

الثالث :

الظاهر أنّ وجوب كلّ من المحتملات عقليّ لا شرعيّ ؛ لانّ الحاكم بوجوبه ليس إلّا العقل ، من باب وجوب دفع العقاب المحتمل على تقدير ترك أحد المحتملين ، حتى أنّه لو قلنا بدلالة أخبار الاحتياط أو الخبر المتقدّم في الفائتة على وجوب ذلك كان وجوبه من باب الارشاد ،

______________________________________________________

صادف الواقع كان مطيعا ، وإذا خالف الواقع كان عاصيا ، فلا وجه للقول ببطلان هذا الغسل إذا كان مطابقا للواقع.

التنبيه (الثالث) : في بيان إنّ وجوب الاحتياط والاتيان بالمحتملات ارشادي عقلي ، وليس بمولوي شرعي كما قال : ـ

(الظاهر : أنّ وجوب كلّ من المحتملات عقليّ لا شرعيّ ، لانّ الحاكم بوجوبه) أي : بوجوب كل من المحتملات (ليس إلّا العقل) وذلك (من باب وجوب دفع العقاب المحتمل على تقدير ترك أحد المحتملين) أو المحتملات بعد ما تقدّم : من وجود المقتضي لتنجّز التكليف بالعلم الاجمالي وهو : الخطاب بتحريم الخمر أو الميتة ، أو وجوب الصلاة أو الصوم ، أو ما اشبه ذلك ، وعدم المانع عنه.

ان قلت : كيف يكون وجوب الاحتياط عقليا لا شرعيا ، مع وجود أخبار الاحتياط؟.

قلت : لا نسلم دلالة أخبار الاحتياط على الوجوب ، ثم (حتى انّه لو قلنا بدلالة أخبار الاحتياط ، أو الخبر المتقدّم في الفائتة) حيث تقدّم : من انّه إذا علم بفوات احدى فرائضه الخمس ، فعليه أن يأتي بثلاث صلوات : ثنائية ، وثلاثية ، ورباعية ، فانّه يدل (على وجوب ذلك) اي : الاحتياط ، قلنا : (كان وجوبه من باب الارشاد) الى حكم العقل ، وليس مولويا.

٢٠٢

وقد تقدّم الكلام في ذلك في فروع الاحتياط في الشك في التكليف.

وأمّا اثبات وجوب التكرار شرعا في ما نحن فيه بالاستصحاب وحرمة نقض اليقين بغير اليقين شرعا ، فقد

______________________________________________________

وإنّما كان ذلك ارشادا الى حكم العقل ، لانّ كل ما حكم به العقل وأمر به الشرع ولم يكن ثواب على الأمر الشرعي ولا عقاب في تركه ، كان ذلك الأمر الشرعي ارشاديا ، فهو مثل أوامر الطاعة حيث لا ثواب عليها ولا عقاب في تركها ، وإنّما الثواب والعقاب على أمر الصلاة والصوم وما أشبه ذلك فعلا أو تركا.

هذا ، وقد عرفت في باب الشبهة المحصورة : انّه لو أتى بالمحتملين ـ مثلا ـ فهو انّما يثاب على التكليف الواقعي ، لا على الاحتمال الآخر الذي يأتي به احتياطا.

نعم ، له ثواب الانقياد ، لكن ثواب الانقياد هذا ليس من باب الثواب على نفس الشيء ، الذي هو المعيار لكون الشيء مولويا لا إرشاديا.

هذا (وقد تقدّم الكلام في ذلك في فروع الاحتياط في الشك في التكليف) حيث مرّ انّه لا فرق في كون أوامر الاحتياط ، أوامر عقلية لا شرعية ، والشرعية منها ارشادية محضة بين ان يكون مورد الاحتياط من الشك في التكليف أو الشك في المكلّف به.

(و) ان قلت : سلّمنا انّ أوامر الاحتياط ارشادية ، لكنّا نقول : انّ وجوب تكرار الصلاة ـ مثلا ـ باستصحاب شغل الذمة بعد الاتيان بالصلاة الاولى ، يجعل الامر بالاحتياط مولويا.

قلت : (أمّا اثبات وجوب التكرار شرعا فيما نحن فيه بالاستصحاب ، وحرمة نقض اليقين بغير اليقين شرعا ، فقد) سبق انّه لا يجعل أمر الاحتياط شرعيا

٢٠٣

تقدّم في المسألة الاولى عدم دلالة الاستصحاب على ذلك ، الّا بناء على أنّ المستصحب يترتّب عليه الامور الاتفاقية المقارنة معه ، وقد تقدّم إجمالا ضعفه ، وسيأتي تفصيلا.

وعلى ما ذكرنا ، فلو ترك المصلّي المتحيّر في القبلة أو الناسي لفائتة جميع المحتملات لم يستحق إلّا عقابا واحدا ، وكذا لو ترك أحد المحتملات واتفق مصادفته للواجب الواقعي ،

______________________________________________________

فكيف به مولويا؟ وذلك لما (تقدّم في المسألة الاولى) : من (عدم دلالة الاستصحاب على ذلك) أي : على وجوب الاحتياط بتكرار الصلاة (الّا بناء على) الاصل المثبت ، وهو : (انّ المستصحب يترتّب عليه الامور الاتفاقية المقارنة) عقلا (معه) أي : مع المستصحب ، فلم يترتب عليه أمر شرعي ، حتى يكون الاستصحاب فيه حجة.

هذا (وقد تقدّم إجمالا ضعفه ، وسيأتي تفصيلا) إن شاء الله تعالى في بحث الاستصحاب : بأن أدلة الاستصحاب لا تدل على حجيّة الاستصحاب المثبت ، وما نحن فيه منه ، لانّ وجوب الاتيان بالآخر ليس حكما شرعيا مترتبا على بقاء الشغل ، بل هو حكم عقلي ثابت بمجرد الاشتغال.

(وعلى ما ذكرنا) : من أن أمر الاحتياط ارشادي محض (فلو ترك المصلي المتحيّر في القبلة ، أو الناسي لفائتة) من الفرائض الخمس (جميع المحتملات) عالما عامدا عصيانا (لم يستحق إلّا عقابا واحدا) على ذلك ، لانّه ترك واجبا واحدا فقط.

(وكذا لو ترك أحد المحتملات واتفق مصادفته للواجب الواقعي) فان الاتيان ببقيّة المحتملات كالثلاث بالنسبة الى القبلة ، والاثنين بالنسبة الى ترك الفوائت ،

٢٠٤

ولو لم يصادف لم يستحق عقابا من جهة مخالفة الأمر به ، نعم ، قد يقال باستحقاقه العقاب من جهة التجرّي ، وتمام الكلام فيه قد تقدّم.

الرابع :

لو انكشف مطابقة ما أتى به للواقع قبل فعل الباقي أجزأ عنها ، لانّه صلّى الصلاة الواقعية قاصدا للتقرّب بها الى الله

______________________________________________________

حيث لم تصادف الواقع ، لم توجب له ثوابا يدفع عقاب ترك المحتمل الاخير الذي صادف تركه ترك الواجب الواقعي (ولو) ترك كل الاحتمالات الّا أحدها ، واتفق ان الذي أتى به قد صادف الواقع ، فانه حيث (لم يصادف) ما تركه من بقية الاحتمالات ترك الواقع (لم يستحق عقابا من جهة مخالفة الأمر به) اي : بالاحتياط ، لفرض انّه اتى بما يجب عليه ولم يخالف الواقع ، فان المتروك كان غير الواقع.

(نعم ، قد يقال باستحقاقه العقاب من جهة التجرّي) لانّ تكليفه العقلي كان الاتيان بكل الأطراف ، وهو لم يأت الّا بأحدها ، فتركه لسائر الاطراف يكون تجريا على المولى.

هذا (وتمام الكلام فيه) اي : في التجري (قد تقدّم) في بحث القطع حيث ذكرنا هناك : ان التجري ليس بمحرّم ، وانّما يكشف عن خبث نية الفاعل ، فله قبح فاعلي وليس له قبح فعلي.

التنبيه (الرابع :) في بيان كفاية ما أتي به من المحتملات لو انكشف مطابقته للواقع ، قال : (لو انكشف مطابقة ما اتى به للواقع قبل فعل الباقي) كما لو صلّى الى جهة وبعد الصلاة انكشف انّ صلاته التي أتى بها كانت باتجاه القبلة (أجزأ عنها) اي : عن الصلوات الأخر (لانّه صلّى الصلاة الواقعية قاصدا للتقرّب بها الى الله)

٢٠٥

وإن لم يعلم حين الفعل أنّ المقرّب هو هذا الفعل ، إذ لا فرق بين أن يكون الجزم بالعمل ناشئا عن تكرار الفعل أو ناشئا عن انكشاف الحال.

______________________________________________________

عزوجل ، ولم يكن تكليفه الواقعي اكثر من ذلك.

وإنّما لم يكن تكليفه اكثر من ذلك لانّ الصلوات الأخر كانت مقدّمة علمية في حال الجهل ، فلما انكشف الواقع سقطت المقدمة العلمية ، سواء كان الانكشاف علما بأن علم وجدانا ، ام علميا بأن قامت الشهود على ان صلاته كانت باتجاه القبلة.

وعليه : فان هذه الصلاة تجزيه عن البقية (وإن لم يعلم حين الفعل انّ المقرّب هو هذا الفعل) لانّ العلم حال الفعل لا مدخلية له في التأثير في الواقع سلبا أو ايجابا.

وإنّما يجزي عنها ، لانه كما قال (اذ لا فرق بين أن يكون الجزم بالعمل ناشئا عن تكرار الفعل ، أو ناشئا عن انكشاف الحال) ولهذا لو انكشف في اثناء الصلاة ـ مثلا ـ انّ غيرها هو الواجب جاز له ابطالها : وفي اثناء الصوم ـ مثلا ـ جاز له ابطاله ولو كان بعد الظهر في محتمل قضاء شهر رمضان.

اما الحج فلا يجوز له ابطاله في الاثناء ، لانّ الحج يجب اتمامه حتى وان كان مستحبا ، فكيف به لو كان واجبا؟ ولذا فلو نذر الحج هذا العام أو العام الآتي ، ثم شك وذهب في العامين الى الحج ، وفي اثناء احدهما علم بأن هذا ليس هو المنذور ، فلا يجوز له أن يبطله.

نعم ، ربّما يقال : بجواز ابطاله ايضا ان كان قد حجّ على وجه التقييد ، اذ بالانكشاف يظهر : ان الحجّ هذا لم ينعقد من الاول رأسا ، فليس دفع اليه عنه في هذه الصورة ابطالا للحج حتى يشمله دليل : (أَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (١).

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٩٦.

٢٠٦

الخامس :

لو فرض محتملات الواجب غير محصورة لم يسقط الامتثال في الواجب المردّد باعتبار شرطه ، كالصلاة الى القبلة المجهولة

______________________________________________________

ومنه يظهر : ما لو انكشف أثناء الاعتكاف انه لم يكن هو المنذور ، وكان الانكشاف في اليوم الثالث ـ مثلا ـ فانه ان كان على وجه التقييد جاز رفع اليد عنه ، والّا لم يكن ذلك جائزا.

التنبيه (الخامس) في الشبهة الموضوعية الوجوبية : قد سبق في الشبهة الموضوعية التحريمية القول بعدم تأثير العلم الاجمالي فيها اذا كانت غير محصورة ، بخلاف الشبهة الموضوعية الوجوبية إذا كانت غير محصورة ، فانّ من اشتبه عليه الستر ـ مثلا ـ وتردّد بين ثياب غير محصورة ، فليس له ان يترك الصلاة مطلقا ، أو يترك الصلاة مع الساتر مطلقا ، بل عليه ان يصلي ببعض هذه الثياب ، أمّا صلاة واحدة على الاحتمال ، أو صلوات متعدّدة ، بأن يبلغ حد العسر والحرج.

نعم ، لا تجب الموافقة القطعيّة بفعل جميع المحتملات الكثيرة الخارجة عن القدرة ، فلا بدّ من التبعيض في الاحتياط والاتيان بالمقدار الممكن من المحتملات.

والى هذا الذي ذكرناه اشار المصنّف حيث قال : (لو فرض محتملات الواجب غير محصورة ، لم يسقط الامتثال في الواجب المردّد باعتبار شرطه ، كالصلاة الى القبلة المجهولة) فيما لو فرض انّ محتملات الصلاة الواجبة عند اشتباه القبلة غير محصورة ـ مثلا ـ لفرض عدم حصر الجهات في الدائرة التي يقف الانسان في نقطة منها ويريد التوجّه الى النقاط الموجودة في محيط الدائرة.

٢٠٧

وشبهها قطعا ، اذ غاية الأمر سقوط الشرط ، فلا وجه لترك المشروط رأسا.

وأمّا في غيره ممّا كان نفس الواجب مردّدا ، فالظاهر أيضا عدم سقوطه ولو قلنا بجواز ارتكاب الكلّ في الشبهة غير المحصورة ؛

______________________________________________________

لا يقال : انّه يكتفي بالاربع.

لانّه يقال : انّما هو للنص الخاص والمفروض انّه لا نص في المقام.

(وشبهها) اي : شبه الصلاة الى القبلة المجهولة ، كالصلاة في الثياب المتعددة بأن كان له ـ مثلا ـ ألف ثوب ، واحد منها فقط طاهر وقد اشتبه بينها ، فانه لا يكون ذلك سببا لسقوط الامتثال فيها (قطعا ، اذ غاية الأمر : سقوط الشرط) من ذلك المشروط ، فتسقط القبلة من الصلاة ، فيصلي بأيّ اتجاه شاء ، والطهارة من الساتر ، فيصلي في واحد من تلك الثياب ، كما قال :

(فلا وجه لترك المشروط رأسا) بأن يقال : انّه لا تكليف له بالصلاة بعد اشتباه القبلة ، أو اشتباه الساتر في غير المحصور.

وكذلك حال ما إذا كان له الف آنية أحدها نجس ، فليس له ان يترك الصلاة رأسا ، بل عليه أن يصلي مع الوضوء ببعض تلك الأواني.

هذا كله اذا كان الجهل بالشرط.

(وامّا في غيره) بأن كان الجهل في غير الشرط (ممّا كان نفس الواجب مردّدا) كما اذا نذر صوم يوم معيّن فنسيه مع احتماله ذلك في كل ايام السنة (فالظاهر أيضا : عدم سقوطه) أي : عدم سقوط هذا الواجب المردّد في غير المحصور ، بل يجب عليه أن يصوم بعض ايام السنة.

وعليه : فان الواجب لا يجوز تركه هنا في الشبهة الوجوبية غير المحصورة ، حتى (ولو قلنا بجواز ارتكاب الكلّ في الشبهة) التحريمية (غير المحصورة)

٢٠٨

لانّ فعل الحرام لا يعلم هناك به إلّا بعد الارتكاب ، بخلاف ترك الكلّ هنا ، فانّه يعلم به مخالفة الواجب الواقعي حين المخالفة.

______________________________________________________

وذلك (لانّ فعل الحرام لا يعلم هناك) في الشبهة التحريمية (به) اي : بارتكاب الكل (إلّا بعد الارتكاب) فلو شرب الاواني الألف كلّها علم بعد ذلك بانّه شرب الحرام.

(بخلاف ترك الكلّ هنا) في الشبهة الوجوبية بان لا يصلي عند اشتباه الثوب الطاهر بين الف ثوب ـ مثلا ـ (فانّه يعلم به) أي : بترك الكل وعدم الصلاة رأسا (مخالفة الواجب الواقعي حين المخالفة).

والحاصل : انّ المخالفة القطعية في الشبهة التحريمية تكون تدريجية ، لانّ ارتكاب الكل يحصل تدريجا ، والمخالفة القطعيّة التدريجية لا يعلم بها الّا بعد مخالفة الكل ، كما مثلنا له بشرب الأواني الألف تدريجيا ، فانّه بعد شرب الجميع يعلم بانّه قد خالف أمر : اجتنب الخمر ـ مثلا ـ.

وامّا المخالفة القطعيّة في الشبهة الوجوبية ، فانّها تكون تفصيلية ، لانّ ترك الكل يحصل في آن واحد ، فاذا وجب عليه ـ مثلا ـ شرب أحد تلك الأواني الألف ، فانّه حيث يترك الشرب في الآن الاوّل يتحقق ترك الكل ، ومن المعلوم : ان ترك الكل مخالفة تفصيلية وهو غير جائز عقلا للعلم بالمخالفة حين المخالفة.

لكن لا يخفى : انّ ما ذكره المصنّف انّما يجري فيما إذا كانت الأفراد في الواجب المشكوك دفعية ، كمثال الأواني التي نذر أن يشرب أحدها فاشتبه بين الألف.

وأما اذا كانت الافراد في الواجب المشكوك تدريجية ، فانه لا يجري ما ذكره المصنّف فيها ، وذلك كمثال من نذر صوم يوم معيّن من أيام السنة ، فاشتبه انه ايّ يوم كان ذلك؟ فانه اذا ترك الصوم كل السنة ، لم يعلم بانّه خالف قطعا

٢٠٩

وهل يجوز الاقتصار على واحد ، إذ به يندفع محذور المخالفة أم يجب الاتيان بما تيسّر من المحتملات؟ وجهان : من أنّ التكليف باتيان الواقع ساقط ، فلا مقتضى لايجاب مقدّماته العلمية ، وانّما وجوب الاتيان بواحد فرارا من المخالفة القطعية ؛ ومن أنّ اللازم بعد الالتزام بحرمة مخالفة الواقع ، مراعاته مهما أمكن ،

______________________________________________________

الّا بعد انتهاء العام كله وذلك في اليوم الأخير من السنة.

(و) كيف كان فلنرجع الى اصل البحث فنقول : (هل يجوز الاقتصار على واحد) من محتملات الوجوب (اذ به) اي : بذلك الواحد (يندفع محذور المخالفة) القطعية؟ (أم يجب الاتيان بما تيسّر من المحتملات)؟.

مثلا : اذا تردّد الثوب الطاهر في الف ثوب واراد الصلاة ، فهل يصلي صلاة واحدة فقط ، أو يصلي الى أن يصل الى حد العسر والحرج؟ (وجهان).

أمّا الوجه الأوّل : وهو كفاية الواحدة فكما ذكره بقوله : (من أنّ التكليف باتيان الواقع ساقط) وذلك لما عرفت : من ان المقتضي لوجوب الاحتياط وان كان موجودا ، الّا ان عدم الحصر يمنع عقلا أو نقلا عن وجوب احراز الواقع بالاحتياط باتيان جميع الاطراف.

وعليه : (فلا مقتضى لايجاب مقدّماته العلمية) أي : مقدمات الواقع (وانّما وجوب الاتيان بواحد) من الأطراف فقط وذلك (فرارا من المخالفة القطعية) فانه إذا أتى بصلاة واحدة لا يقطع بالمخالفة ، فيكفي الاتيان بصلاة واحدة.

وامّا الوجه الثاني : وهو عدم كفاية الفرد الواحد ، بل وجوب الاتيان بما تيسّر من المحتملات الى حد العسر والحرج ، فقد أشار اليه بقوله : (ومن أنّ اللازم بعد الالتزام بحرمة مخالفة الواقع ، مراعاته) أي مراعاة الواقع ، وذلك (مهما أمكن)

٢١٠

وعليه بناء العقلاء في أوامرهم العرفيّة ، والاكتفاء بالواحد التخييري عن الواقع انّما يكون مع نصّ الشارع عليه ، وأمّا مع عدمه وفرض حكم العقل بوجوب مراعاة الواجب فيجب مراعاته حتى يقطع بعدم العقاب ، إمّا لحصول الواجب وإمّا

______________________________________________________

أي : بأن يأتي به ما لم يقع في العسر والحرج.

وإنّما كان اللازم ذلك لانّ العلم بالتكليف يقتضي الاتيان بجميع الاطراف ، وانّما الرافع للتكليف هو العسر ، فاللازم الاتيان بما تيسّر من الأفراد وترك ما تعسّر ، فلا يقتصر على الفرد الواحد بل يأتي بما تيسّر له.

(وعليه) أي : على الوجه الثاني وهو : لزوم الاتيان بالواقع حسب القدرة وترك مقدار العسر ، قام (بناء العقلاء في أوامرهم العرفيّة) فاذا قال المولى ـ مثلا ـ :

جئني بكتاب الرسائل من المكتبة ، وتردّد الكتاب عند العبد بين الف كتاب ولم يمكنه الاستعلام ، كان اللازم ان يأتي بما يقدر عليه من الكتب ـ اذا لم يكن هناك محذور خارجي في الاتيان بكتب كثيرة ـ لا أن يأتي بكتاب واحد فقط.

(و) امّا (الاكتفاء بالواحد التخييري عن الواقع) فهو (انّما يكون مع نصّ الشارع عليه) اي : على كفاية الواحد مخيّرا ، والّا فلا يكتفى به كما قال :

(وامّا مع عدمه) اي مع عدم النص من الشارع على الاكتفاء بالواحد كما هو المفروض في المقام ، اذ لا دليل هنا على الاكتفاء بالواحد ، هذا من جهة (وفرض حكم العقل بوجوب مراعاة الواجب) لوجود المقتضي وعدم المانع من جهة اخرى (فيجب مراعاته) اي : الواجب من باب المقدمة العلمية (حتى يقطع بعدم العقاب).

والقطع بعدم العقاب (إمّا لحصول الواجب) كما اذا امكن الاحتياط التام (وإمّا

٢١١

لسقوطه بعدم تيسّر الفعل ، وهذا لا يحصل الّا بعد الاتيان بما تيسّر ، وهذا هو الأقوى.

______________________________________________________

لسقوطه) اي : سقوط الواجب ، وذلك (بعدم تيسّر الفعل) كما فيما نحن فيه حيث يعسر الاحتياط التام ، والعسر مسقط للتكليف.

إذن : فاللازم على العبد حينئذ تحصيل احد أمرين :

الاول : اما القطع بعدم العقاب من جهة ان الواجب قد حصل بسبب الاحتياط في جميع الاطراف.

الثاني : واما القطع بعدم العقاب من جهة ان الواجب قد سقط بالعسر ، والعسر مسقط للتكليف (وهذا) اي : سقوط التكليف بسبب العسر (لا يحصل الّا بعد الاتيان بما تيسّر ، وهذا هو الأقوى).

لكن ربّما يقال : ان اللازم هنا هو الاتيان بواحد منها فقط ، وذلك لانّ التكليف وضع حسب اليسر العرفي ، كما ورد في روايات وجوب خمس صلوات مع انه قادر على الاكثر ، وصيام شهر واحد مع انه قادر على الاكثر ، وحج عام واحد مع انه قادر على الأكثر وما أشبه ذلك.

إذن : فالتكرار وان لم يكن عسرا شديدا ، الّا انّه خلاف اليسر العرفي ، ولذا قال جمع بكفاية صلاة واحدة فيما اشتبهت القبلة الى جهات اربع وقال الشارع : «يهريقهما ويتيمم» (١) مع انّه قادر على صلاتين بوضوءين ، كما ذكرناه سابقا وأفتى به بعض الفقهاء ، الى غير ذلك ، ومحل التفصيل : الفقه.

وربّما يقال باحتمال ثالث هنا وهو : الاتيان بقدر الظن ، كما ذكر الفقهاء ذلك

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٢٢٩ ب ١٠ ح ٤٥ ، الاستبصار : ج ١ ص ٢١ ب ١٠ ح ٣.

٢١٢

وهذا الحكم مطّرد في كلّ مورد وجد المانع من الاتيان ببعض غير معيّن من المحتملات ، ولو طرأ المانع من بعض معيّن منها ،

______________________________________________________

فيمن عليه فوائت لا يحصي عددها ، وكما دل عليه ايضا بعض الأدلة.

هذا ، ولا يخفى : انّ الزيادة على الواحد لو قلنا بها ، فهي ليست في الماليات ، اذ في الماليات يلزم التقسيم ، كما إذا نذر ان يعطي دينارا لسيد خاص ، فاشتبه بين ألف سيد فعليه ان يقسمه بينهم ، كما ذكره الجواهر في كتاب الخمس ، وذكرناه نحن في مختلف أبواب الفقه بالمناسبة (١).

(و) كيف كان : فان (هذا الحكم) الذي ذكره المصنّف وهو : وجوب الاتيان بما تيسّر (مطّرد في كلّ مورد وجد المانع) علما بأن المانع على قسمين : مانع عن بعض معيّن ، ومانع عن بعض غير معيّن.

اما لو طرأ المانع (من الاتيان ببعض غير معيّن من المحتملات) فانه سواء كان المانع من الاتيان : العسر والحرج ، كما اذا تردّد الثوب الطاهر في الف ثوب وأراد الصلاة ، ام كان المانع شيئا آخر ، كما اذا منع الظالم عن الصلاة الّا عن صلاة واحدة ، تاركا اختيار هذه الصلاة الواحدة الى المصلّي ، فانّه يجب عليه الاتيان بالباقي غير المعيّن ، سواء كان طروّ المانع قبل العلم الاجمالي ام بعده.

وإنّما يجب عليه الاتيان بالباقي ، لأن التكليف قد تنجّز بسبب العلم الاجمالي بوجوب واحد منها ، وترخيص الشارع ترك بعضها ، يدل على اكتفائه باتيان الباقي غير المعيّن بدلا عن الواقع.

(و) اما (لو طرأ المانع من بعض معيّن منها) لا عن بعض غير معيّن كما كان

__________________

(١) ـ للتفصيل راجع موسوعة الفقه للشارح.

٢١٣

ففي الوجوب كما هو المشهور اشكال من عدم العلم بوجود الواجب بين الباقي ، والأصل البراءة.

السادس :

هل يشترط في تحصيل العلم

______________________________________________________

في القسم الأوّل ، وذلك بأن منع الظالم من الاتيان بالحج ، ثم علم العبد بأن عليه اما الحج أو الصيام (ففي الوجوب كما هو المشهور) للباقي غير الممنوع وهو الصوم في المثال (اشكال).

وإنّما في وجوبه اشكال ، لانّه من جهة : كون بناء العقلاء على مراعاة الواجب مهما امكن ، وبناؤهم متبع في باب الطاعة والمعصية ، فيجب إذن الاتيان بالباقي غير الممنوع.

ولانه (من) جهة : (عدم العلم بوجود الواجب بين الباقي) لاحتمال كون الممنوع هو الواجب ، فيكون الباقي من مورد الشك في التكليف (والأصل) عند الشك في التكليف : (البراءة) فلا يجب عليه إذن الاتيان بالباقي غير الممنوع.

هذا اذا كان طروّ المانع في البعض المعيّن قبل حصول العلم الاجمالي ، واما اذا كان العلم الاجمالي حاصلا قبل طروّ المانع ، فاللازم عليه : ان يأتي بالباقي غير الممنوع ، لانّ ترخيص الشارع في ترك الممنوع بعد العلم الاجمالي بوجوب واحد منها ، يدل على اكتفائه بالبدل.

التنبيه (السادس) : في بيان انه هل يكفي الامتثال الاجمالي عند العلم الاجمالي بالتكليف ، أو يشترط الامتثال التفصيلي مع التمكن من الامتثال التفصيلي ، أو القدرة على اختيار الامتثال التفصيلي.

والى هذا المعنى اشار المصنّف بقوله : (هل يشترط في تحصيل العلم

٢١٤

الاجمالي بالبراءة بالجمع بين المشتبهين عدم التمكّن من الامتثال التفصيلي بازالة الشبهة أو اختياره ما يعلم به البراءة تفصيلا ، أم يجوز الاكتفاء به وإن تمكّن من ذلك ، فلا يجوز إن قدر على تحصيل العلم

______________________________________________________

الاجمالي بالبراءة) وذلك عن طريق الامتثال الاجمالي وهو : الاحتياط (بالجمع بين المشتبهين) هل يشترط فيه (عدم التمكّن من الامتثال التفصيلي) وذلك (بازالة الشبهة) غير تحصيل العلم او الظن المعتبر؟.

وعليه : فيحتاط حينئذ لانه لا طريق له الى العلم التفصيلي ، حتى يتمكن من الامتثال التفصيلي؟.

(أو) يشترط فيه عدم التمكن من (اختياره) اي : عدم تمكنه من اختيار الامتثال التفصيلي ، وذلك بتحصيل (ما يعلم به البراءة تفصيلا) بأن يطهّر احد الثوبين المشتبهين ، فيصلّي فيه ، أو يصلّي في ثوب ثالث طاهر.

وعليه : فيحتاط حينئذ لا من أجل انه لا طريق له الى الامتثال التفصيلي ، بل من أجل انه غير متمكن من اختيار الامتثال التفصيلي ، بسبب انه ـ مثلا ـ لا ثوب ثالث له ، أو لا ماء له حتى يطهّر به أحد الثوبين المشتبهين.

(أم) لا يشترط فيه شيء من ذلك ، بل (يجوز الاكتفاء به) اي : بالعلم الاجمالي بالبراءة ، فيحتاط حينئذ (وان تمكّن من ذلك) اي : من العلم التفصيلي أو الظن المعتبر ، حتى يتمكن على آخره من الامتثال التفصيلي؟.

وعليه : فاذا قلنا بأنّ جواز الاحتياط مشروط بعدم التمكن من الامتثال التفصيلي ، وبعدم التمكن من اختيار الامتثال التفصيلي (فلا يجوز) له تحصيل العلم الاجمالي بالبراءة (ان قدر على تحصيل العلم) التفصيلي ، أو الظن المعتبر

٢١٥

بالقبلة أو تعيين الواجب الواقعي من القصر والاتمام أو الظهر والجمعة الامتثال بالجمع بين المشتبهات؟ وجهان ، بل قولان ، ظاهر الأكثر الأوّل ، لوجوب اقتران الفعل المأمور به عندهم بوجه الأمر.

______________________________________________________

(بالقبلة ، أو تعيين الواجب الواقعي من القصر والاتمام ، أو الظهر والجمعة) بالاجتهاد ، أو بالرجوع الى المجتهد أو الى الرسالة العملية ، فيأتي بالامتثال التفصيلي.

إذن : فلا يجوز للمتمكن من الامتثال التفصيلي الاحتياط أي : (الامتثال بالجمع بين المشتبهات).

هذا ولا يخفى : ان المسألة انّما هي بالنسبة الى التعبّديات كالصلاة والصيام ، والوضوء والغسل ، وما اشبه ذلك ، امّا التوصليات فلا يشك احد في كفاية الاحتياط والامتثال الاجمالي وان تمكن من العلم التفصيلي فيها.

وعليه : ففي المسألة ، (وجهان :) كما قال : (بل قولان :) فانّ بعضهم أجاز الاكتفاء بالامتثال الاجمالي ، وبعضهم لم يكتف به الّا في صورة تعذّر الامتثال التفصيلي.

هذا ولكن (ظاهر الاكثر : الاوّل) اي : اشتراط جواز الاحتياط بعدم التمكن من العلم التفصيلي ، فلا يكفي الامتثال الاجمالي الذي هو عبارة اخرى عن الاحتياط مع التمكن من الامتثال التفصيلي ، بل ربّما ادعى الاجمال على عدم كفاية الاحتياط في العبادات فيما يتوقّف على التكرار مع التمكن من العلم التفصيلي أو الظن المعتبر.

وإنّما قال الاكثر بعدم كفاية الامتثال الاجمالي مع التمكّن من التفصيلي (لوجوب اقتران الفعل المأمور به عندهم بوجه الأمر) فحيث يتمكن المكلّف

٢١٦

وسيأتي الكلام في ذلك عند التعرّض لشروط البراءة والاحتياط إن شاء الله.

ويتفرّع على ذلك انّه لو قدر على العلم التفصيلي من بعض الجهات ، وعجز عنه من جهة أخرى ، فالواجب مراعاة العلم التفصيلي من تلك الجهة فلا يجوز لمن قدر على الثوب الطاهر المتيقّن وعجز عن تعيين القبلة تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين الى اربع جهات ، لتمكنه من العلم التفصيلي

______________________________________________________

من قصد الوجه ، لا يجوز له أن يأتي بما لا يتمكن من قصد الوجه فيه (وسيأتي الكلام في ذلك عند التعرّض لشروط البراءة والاحتياط إن شاء الله) تعالى.

(ويتفرّع على ذلك) أي : القول الأوّل : من لزوم الامتثال التفصيلي مع التمكن منه (انّه لو قدر على العلم التفصيلي من بعض الجهات ، وعجز عنه من جهة أخرى ، فالواجب مراعاة العلم التفصيلي من تلك الجهة).

مثلا : اذا اشتبهت القبلة بين اربع جهات ، واشتبه الثوب الطاهر بين ثوبين ، وهو يتمكن من الثوب الطاهر ولا يتمكن من العلم بالقبلة ، وجب عليه على هذا القول ان يصلي بالثوب الطاهر أربع صلوات فقط ، لا أن يحتاط في الثوبين المشتبهين فيصلي اربع صلوات في هذا المشتبه واربع صلوات في المشتبه الآخر.

وعليه : (فلا يجوز لمن قدر على الثوب الطاهر المتيقّن) تفصيلا ، وذلك اما بتطهير احد الثوبين المشتبهين والصلاة فيه ، وامّا بالصلاة في ثوب طاهر ثالث (و) إن (عجز عن تعيين القبلة) المشتبهة عنده في اربع جهات ، فانه لا يجوز له (تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين الى أربع جهات).

وإنّما لا يجوز له تكرار الصلاة في الثوبين (لتمكنه من العلم التفصيلي

٢١٧

بالمأمور به من حيث طهارة الثوب وان لم يحصل مراعاة ذلك العلم التفصيلي على الاطلاق.

السابع :

لو كان الواجب المشتبه أمرين مترتّبين شرعا ، كالظهر والعصر المردّدين بين القصر والاتمام أو بين الجهات الأربع ، فهل يعتبر في صحة الدخول في محتملات

______________________________________________________

بالمأمور به من حيث طهارة الثوب) فيجب عليه مراعاة هذا المقدار (وان لم يحصل مراعاة ذلك العلم التفصيلي على الاطلاق) حتى من جهة القبلة.

هذا مع العلم بأنّ القائل بجواز الاحتياط مطلقا ، والقائل بجوازه مع عدم التمكن من العلم التفصيلي لا يفرّقان بين الشبهة الحكميّة والموضوعيّة ، وذلك لوحدة الملاك عند كل منهما في كلتا المسألتين.

التنبيه (السابع) : لو كان المعلوم بالاجمال امرين يترتب احدهما على الآخر شرعا ، كالظهر والعصر ، فاذا تردّد الأمر فيهما بين القصر والاتمام ، أو تردّد الأمر فيهما بين الجهات الاربع عند اشتباه القبلة ـ مثلا ـ فهل يعتبر في صحة الدخول في محتملات العصر أن يكون بعد استيفاء جميع محتملات الظهر ، أو انّه لا يعتبر ذلك ، فيجوز له الاتيان بظهر ثم عصر الى اليمين ، ثم بظهر وعصر الى اليسار وهكذا؟ وجهان ، بل قولان ، والى هذا المبحث اشار المصنّف بقوله :

(لو كان الواجب المشتبه أمرين مترتّبين شرعا ، كالظهر والعصر المردّدين بين القصر والاتمام ، أو بين الجهات الأربع) أو بين جهتين ـ مثلا ـ كما إذا علم ان القبلة ذات اليمين أو ذات اليسار (فهل يعتبر في صحة الدخول في محتملات

٢١٨

الواجب اللاحق الفراغ اليقيني من الاوّل باتيان جميع محتملاته ، كما صرح به في الموجز ، وشرحه والمسالك والروض والمقاصد العليّة ، أم يكفي فيه فعل بعض محتملات الاوّل ، بحيث يقطع بحصول الترتيب بعد الاتيان بمجموع محتملات المشتبهين ،

______________________________________________________

الواجب اللاحق) كالعصر في المثال (الفراغ اليقيني من الاوّل) ام لا؟.

ومن المعلوم : ان الفراغ اليقيني إنّما يحصل (باتيان جميع محتملاته) أي : محتملات الظهر ، فاللازم عليه ان يصلي أولا الظهر قصرا وتماما ، ثم يأتي بالعصر كذلك في اشتباه القصر والتمام ، وأن يأتي أولا بالظهر في الجهات الأربع ثم بالعصر كذلك في اشتباه القبلة ، وذلك (كما صرح به في الموجز ، وشرحه ، والمسالك والروض والمقاصد العليّة) وغيرها من كتب الاصحاب.

(أم يكفي فيه) أي : في الدخول في محتملات الواجب اللاحق (فعل بعض محتملات الاوّل ، بحيث يقطع بحصول الترتيب بعد الاتيان بمجموع محتملات المشتبهين) كما تقدّم في مثالنا : من انّه يصلي الظهر والعصر معا الى جهة اليمين ، ثم يصلي الظهر والعصر معا الى جهة الشمال ، وهكذا.

أمّا انه يصلي الظهر الى جهة اليمين والعصر الى جهة الشمال ، فانه لم يقل بجوازه أحد لانه حينئذ يعلم بفساد العصر على كل حال ، فانّ القبلة اذا كانت ذات اليمين فسد العصر ، لانّه كان الى خلاف القبلة ، واذا كان ذات الشمال فسد العصر أيضا ، لانّه لم يقع على الترتيب المقرّر في تقديم الظهر عليه ، لفرض فساد الظهر الذي صلاه الى ذات اليمين.

إذن : فالكلام ليس في هذا ، بل الكلام في كفاية ما مثلنا له من الاتيان بالظهرين

٢١٩

كما عن نهاية الاحكام والمدارك ، فيأتي بظهر وعصر قصرا ، ثم بهما تماما قولان ، متفرّعان على القول المتقدّم في الأمر السادس ، من وجوب مراعاة العلم التفصيلي مع الامكان ، مبنيّان على انّه هل يجب مراعاة ذلك من جهة نفس الواجب؟.

______________________________________________________

معا (كما عن نهاية الاحكام والمدارك ، فيأتي بظهر وعصر قصرا ، ثم بهما تماما) وكذا بالنسبة الى الجهات الاربع في اشتباه القبلة.

وعليه : ففي المسألة (قولان) وهذان القولان (متفرّعان على القول المتقدّم في الأمر السادس : من وجوب مراعاة العلم التفصيلي مع الامكان) وعدم جواز الامتثال الاجمالي.

أما اذا قلنا بعدم وجوب مراعاته وكفاية الامتثال الاجمالي مع امكان التفصيلي ، فلا اشكال في انه يجوز الترتيب فيما نحن فيه ، كما يجوز خلاف الترتيب ، بمعنى : الاتيان بظهر وعصر الى جهة ، ثم الاتيان بظهر وعصر الى جهة ثانية ، وهكذا ، وذلك لانّه يحصل الامتثال الاجمالي بكلتا الصورتين : صورة التفريق ، وصورة الترتيب.

إذن : فالقولان مفرّعان على وجوب مراعاة العلم التفصيلي ، كما انهما (مبنيّان على انّه هل يجب مراعاة ذلك) اي : العلم التفصيلي (من جهة نفس الواجب؟) فيجب مراعاة العلم التفصيلي من جهة : ان تقليل محتملات الواجب بقلة التكرار مهما امكن مطلوب.

أو أنه يجب مراعاة ذلك لا من جهة نفس الواجب ، وإنّما من جهة نفس الخصوصية المشكوكة في العبادة ، فيجب مراعاة العلم التفصيلي من جهة : ان العلم بخصوصيات الواجب مهما امكن حتى وان لم يلزم من العلم التفصيلي تقليل محتملات الواجب مطلوب.

٢٢٠