الوصائل الى الرسائل - ج ٩

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل الى الرسائل - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-09-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

فعن الشهيد والمحقق الثانيين والميسيّ وصاحب المدارك أنّ المرجع فيه الى العرف ، فما كان غير محصور في العادة بمعنى أنّه يعسر عدّه ، لاما امتنع عدّه ، لأنّ كلّ ما يوجد من الأعداد قابل للعدّ والحصر.

______________________________________________________

الثاني : انّ غير المحصور : ما بلغ كثرة الاطراف فيه الى حدّ يوجب عدم اعتناء العقلاء بالعلم الاجمالي فيها.

الثالث : انّ غير المحصور : ما يعسر موافقتها القطعية.

الرابع : انّ غير المحصور : هو كون الشبهة ممّا يصدق عليه عرفا انّه غير محصور.

الخامس : كون كثرة الأطراف الى حدّ لا يتمكن المكلّف عادة من ارتكاب جميعها بأكل أو شرب أو لبس أو نحو ذلك.

(فعن الشهيد والمحقق الثانيين ، والميسيّ وصاحب المدارك : انّ المرجع فيه) اي : في غير المحصور (الى العرف) فكل ما يراه العرف غير محصور لم يجب الاجتناب عن اطرافها ، وكل ما لم يروه كذلك وجب الاجتناب عن جميع أطرافها ، وذلك لانّ غير المحصور ليس من الحقيقة الشرعية أو المتشرعية القديمة مثل الفاظ : الصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، ونحوها ، ولا يراد منه معناه اللغوي أعني : ما لا يمكن عدّه ، لان الموجودات كلها قابلة للحصر والعدّ.

إذن : علينا حينئذ مراجعة العرف لتحديد معناه بعد ما لم يكن له معنى لغوي ولا شرعي.

وعليه : (فما كان) بنظر العرف (غير محصور في العادة بمعنى : انّه يعسر عدّه) كان ضابطا لغير المحصور الذي هو محل كلام الفقهاء (لا ما امتنع عدّه).

وانّما قلنا : لا ما كان عدّه ممتنعا (لانّ كلّ ما يوجد من الأعداد قابل للعدّ والحصر) اذ الموجودات كلها قابلة لذلك ، الّا العدد فانّه بنفسه ليس قابلا للحصر

٨١

وفيه : مضافا الى انّه إنّما يتجه اذا كان الاعتماد في عدم وجوب الاجتناب على الاجماع المنقول على جواز الارتكاب في غير المحصور ، أو على تحصيل الاجماع من اتفاق من عبّر بهذه العبارة الكاشف عن إناطة الحكم في كلام المعصوم بها ،

______________________________________________________

لانّه كلما تصور الانسان عددا امكن اضافة عدد في الوهم اليه.

(وفيه) أولا : ان جعل العرف مرجعا لمعرفة موضوع غير المحصور انّما يصح اذا ورد لفظ غير المحصور في آية أو رواية فنرجع فيه الى العرف لمعرفة موضوعه ، كما نرجع الى العرف لمعرفة موضوع الماء والتراب والشاة والكلب وما اشبه ذلك ممّا وقعت في الآيات والروايات موضوعا للاحكام ، ومن المعلوم انّه لا آية ولا رواية بهذا اللفظ ، نعم ، الاجماع ورد بهذا اللفظ ، لكنّه ليس من القوة بحيث يكون كالآية والرواية.

وفيه ثانيا : انه قد مثّل لغير المحصور بالألف وهو لا ينطبق على الضابط الذي ذكروه ، لوضوح : عدم العسر في عدّ الألف.

والى الاشكال الأوّل أشار المصنّف بقوله : (مضافا الى انّه) اي : جعل العرف هو المرجع (انّما يتجه اذا كان الاعتماد في عدم وجوب الاجتناب) في غير المحصور (على الاجماع المنقول على جواز الارتكاب في غير المحصور) بأن كان الاجماع يقول : ان غير المحصور يجوز ارتكاب اطرافه فجاء لفظ : غير المحصور في مقعده (أو على تحصيل الاجماع من اتفاق من عبّر بهذه العبارة) اي : انّه وان لم يكن لفظ غير المحصور وجواز ارتكابه معقد الاجماع فلا اقل من ان يكون محصّل فتاوى جميع العلماء عليه (الكاشف) ذلك الاجماع (عن إناطة الحكم) اي : عدم الاجتناب (في كلام المعصوم بها) اي : بالشبهة غير المحصورة.

٨٢

أنّ تعسّر العدّ غير متحقق فيما مثّلوا به لغير المحصور كالألف ـ مثلا ـ فانّ عدّ الألف لا يعدّ عسرا.

وربّما قيّد المحقق الثاني عسر العدّ بزمان قصير ، قال في فوائد الشرائع ، كما عن حاشية الارشاد ، بعد أن ذكر أنّ غير المحصور من الحقائق العرفيّة : «إنّ طريق ضبطه أن يقال : لا ريب أنّه اذا اخذ مرتبة عليا من مراتب العدد كألف ـ مثلا ـ قطع بانّه ممّا لا يحصر ولا يعدّ عادة ، لعسر ذلك في الزمان القصير ،

______________________________________________________

والى الاشكال الثاني أشار المصنّف بقوله : (انّ تعسّر العدّ غير متحقق فيما مثّلوا به لغير المحصور كالألف ـ مثلا ـ فانّ عدّ الألف لا يعدّ عسرا) لدى العرف.

هذا (وربّما قيّد المحقق الثاني عسر العدّ بزمان قصير) فغير المحصور حسب تعريفه : ما يعسر عدّه في زمان قصير ، وبهذا القيد يندفع الاشكال الثاني ، وذلك لعسر عدّ الألف في زمان قصير ـ كما هو واضح ـ.

وعليه : فان المحقق الثاني (قال في فوائد الشرائع كما عن حاشية الارشاد ، بعد ان ذكر انّ غير المحصور) الذي يصطلح عليه الفقهاء انّما هو (من الحقائق العرفيّة) لانّها ليست حقيقة شرعية ، ولا حقيقة لغوية ، ولا حقيقة متشرعية ، بل ولا حقيقة فقهائية ، لانّ الفقهاء المتقدمين لم يصطلحوا على هذا اللفظ وانّما هو مختص بالفقهاء المتأخرين ، قال ما يلي :

(«إنّ طريق ضبطه أن يقال : لا ريب انّه اذا اخذ مرتبة عليا من مراتب العدد كألف ـ مثلا ـ قطع بانّه ممّا لا يحصر ولا يعدّ عادة ، لعسر ذلك في الزمان القصير) لانّ الانسان لا يتمكن من عدّ الألف واحدا واحدا حتى يصل الى تمامه في زمان قصير جدا.

٨٣

فيجعل طرفا ، ويؤخذ مرتبة أخرى دنيا جدّا ، كالثلاثة يقطع بأنّها محصورة ، لسهولة عدّها في الزّمان اليسير.

وما بينهما من الوسائط كلّما جرى مجرى الطرف الأوّل الحق به ، وكذا ما جرى الطرف الثاني الحق به ، وما يفرض فيه الشك يعرض على القوانين والنظائر ،

______________________________________________________

وعليه : (فيجعل) مثل الألف (طرفا) أعلى يقطع بانه غير محصور لعسر عدّه في الزمان القصير (ويؤخذ مرتبة أخرى دنيا جدّا) اي : مرتبة دانية من العدد (كالثلاثة ، يقطع بانّها محصورة لسهولة عدّها في الزّمان اليسير) القصير.

هذا بالنسبة الى المرتبتين العليا والدنيا ، وأما بالنسبة الى ما بينهما فكما قال (وما بينهما من الوسائط كلّما جرى مجرى الطرف الأوّل) اي : تشبّه بالألف في عسر العدّ كتسعمائة وثمانمائة وما أشبه ذلك (الحق به) اي بالطرف الأعلى.

(وكذا ما جرى) مجرى (الطرف الثاني) اي تشبّه بالثلاثة في يسر العدّ كالخمسة ، والتسعة وما أشبه ذلك (الحق به) اي : بالطرف الأدنى.

(وما يفرض فيه الشك) بانّه هل هو من المرتبة العليا أو من المرتبة الدّنيا كالأربعمائة والثلاثمائة وما أشبه ذلك؟ فانّه (يعرض) ذلك المشكوك (على القوانين) الأولية والأمارات المجعولة شرعا (والنظائر) لذلك المشكوك من الامور الواضحة في العسر واليسر ، فيحكم في ذلك المشكوك بحكم نظيره عسرا ويسرا.

مثلا : اذا علم بغصبية شاة واحدة من قطيع فيه مائتا رأس فشك في انّ هذا شبهة محصورة أو غير محصورة ، فانه يلاحظ نظائرها واشباهها ممّا يكون يقدر مائتين ، كاشتباه غصب واحد في مائتي ثوب ، أو مائتي اناء ، أو مائتي درهم

٨٤

ويرجع فيه الى الغالب ، فان غلب على الظنّ إلحاقه بأحد الطرفين فذاك ، والّا عمل فيه بالاستصحاب الى ان يعلم الناقل ، وبهذا ينضبط كلّ ما ليس بمحصور شرعا في أبواب الطّهارة ، والنكاح ، وغيرهما».

______________________________________________________

أو ما اشبه ذلك ، فيرى بحسب ما يغلب على ظنه : بانه هل يعدّ ذلك في نظر العرف عسرا أو يسرا فيعمل عليه ، كما قال : (ويرجع فيه الى الغالب) اي : الغالب على الظنّ في انّه ملحق بالعسر أو باليسر.

وانّما فسّرنا الغالب : بما يغلب على الظن ، لقرينة قوله بعد ذلك : (فان غلب على الظنّ إلحاقه بأحد الطرفين) من الألف أو الثلاثة (فذاك) الذي يجب أن يعمل به في كونه محصورا أو غير محصور.

(والّا عمل فيه بالاستصحاب) فان كان كلها حراما ثم حلّ جملة كبيرة منها ، كما اذا كانت أواني نجسة ثم طهرت اكثرها ، أو كان خبازون يبيعون الحرام لانّ الدولة تعطيهم المغصوب من الحنطة ، ثم رفض أغلبهم حنطة الحكومة واشتروا الحنطة من التجار ، فالاستصحاب يقتضي الحرمة بالنسبة الى الفرد المشكوك.

وان كان العكس : بأن كانت الأواني محللة ثم صار بعضها حراما ، والخبازون كانوا يبيعون الحلال ثم صار بعضهم يبيع الحرام ، فالاستصحاب يقتضي الحلّية (الى ان يعلم الناقل) من الاستصحاب الى مضادّه.

(وبهذا) الترتيب الذي ذكرناه (ينضبط كلّ ما ليس بمحصور شرعا في أبواب الطّهارة ، والنكاح ، وغيرهما) كما اذا علم اجمالا نجاسة آنية بين أواني كثيرة ، أو علم حرمة امرأة بين نساء كثيرات ، أو طهارة آنية بين أواني كثيرة ، أو حلية امرأة بين نساء كثيرات ، أو ما أشبه ذلك : من المغصوب والمباح ، والمحقون الدم ومهدور الدم ، ونحو هذه الأمور.

٨٥

أقول : وللنّظر فيما ذكره قدس‌سره مجال.

أما أوّلا : فلأنّ جعل الألف من غير المحصور مناف لما علّلوا عدم وجوب الاجتناب به من لزوم العسر في الاجتناب ، فانّا اذا فرضنا بيتا عشرين ذراعا في عشرين ذراع ، وعلم بنجاسة جزء يسير منه يصحّ السجود عليه ، نسبته الى البيت نسبة الواحد الى الألف ، فأيّ عسر في الاجتناب عن هذا البيت والصّلاة في بيت آخر؟ وأيّ فرق بين هذا الفرض

______________________________________________________

هذا هو تمام الكلام من المحقق الثاني في ضابط المحصور وغير المحصور.

(أقول : وللنّظر فيما ذكره قدس‌سره مجال) واسع :

(أما أوّلا : فلأنّ جعل الألف من غير المحصور مناف لما عللوا عدم وجوب الاجتناب به : من لزوم العسر في الاجتناب ، فانّا) لو اخذنا مثالهم بالالف : وتعليلهم بلزوم الحرج الغالبي ، لوجدناهما متنافيين ، إذ كثيرا ما لا حرج في الاجتناب عن اطراف الألف.

مثلا : (اذا فرضنا بيتا عشرين ذراعا في عشرين ذراع) ممّا حاصله اربعمائة ذراع (وعلم بنجاسة جزء يسير منه) بقدر ما (يصحّ السجود عليه) أو يمكن التيمم به ، ممّا يكون (نسبته) اي : نسبة ذلك الجزء (الى البيت نسبة الواحد الى الألف) وأحيانا نسبة الواحد الى ألفين ، أو ثلاثة آلاف ومع ذلك لا عسر في الاجتناب عنه كما قال :

(فاي عسر في الاجتناب عن هذا البيت والصّلاة في بيت آخر؟) لمن لم يسجن في هذا البيت ، فانه اذا سجن فيه ، كان التكليف ساقطا عنه من جهة الحصر والحبس.

(وايّ فرق بين هذا الفرض) الذي يدخل بحسب كلام المحقق الثاني في غير

٨٦

وبين أن يعلم بنجاسة ذراع منه أو ذراعين ممّا يوجب حصر الشّبهة؟ فانّ سهولة الاجتناب وعسره لا يتفاوت بكون المعلوم إجمالا ، قليلا أو كثيرا ، وكذا لو فرضنا أوقية من الطعام يبلغ ألف حبّة ، بل أزيد ، يعلم بنجاسة أو غصبيّة حبّة منها ، فانّ جعل هذا من غير المحصور ينافي تعليل الرخصة فيه بتعسّر الاجتناب.

______________________________________________________

المحصور (وبين أن يعلم بنجاسة ذراع منه) اي : من هذا البيت (أو ذراعين ممّا يوجب حصر الشّبهة؟) في عشرة أو عشرين أو ما اشبه ذلك ممّا يدخل في المحصور.

وعليه : (فانّ سهولة الاجتناب وعسره لا يتفاوت بكون المعلوم إجمالا ، قليلا) نسبته كجزء من ألف جزء من البيت (أو كثيرا) نسبته كذراع أو ذراعين منه ، فانّ كليهما لا عسر في الاجتناب عنهما ، فلما ذا صار الاوّل غير محصور والثاني محصورا؟.

(وكذا لو فرضنا أوقية من الطعام يبلغ ألف حبّة بل أزيد ، يعلم بنجاسة أو غصبيّة حبّة منها ، فانّ جعل هذا من غير المحصور) لانّه واحد من الف أو اكثر وهو ممّا يعسر عدّه في زمان قصير (ينافي تعليل الرخصة فيه بتعسّر الاجتناب) لما عرفت : من انّه لا يتعسر الاجتناب عنه وان تعسر عدّه في زمان قصير ، فلا عسر في ترك هذا الطعام كله وأكل طعام غيره فيما اذا لم يكن مضطرا الى أكل هذا الطعام ، وامّا اذا كان مضطرا اليه فالحكم مرفوع بالاضطرار لا بعدم كونه محصورا.

لكن لا يخفى : انهم لما جعلوا المعيار هو العسر ، ارادوا من مثالهم بالألف كل مورد يكون الاجتناب فيه عن الألف مستلزما للعسر ، مثل : ما إذا كان في البلد الف خباز أو الف بقال وكان واحد من بين كل منهما يبيع الحرام ـ مثلا ـ أو كانت

٨٧

وأما ثانيا : فلأنّ ظنّ الفقيه بكون العدد المعيّن جاريا مجرى المحصور في سهولة الحصر ، أو مجرى غيره لا دليل عليه.

وأمّا ثالثا : فلعدم استقامة الرّجوع في مورد الشك الى

______________________________________________________

النساء الف امراة وكان من بينهن واحدة هي رضيعته أو زوجة أبيه ـ مثلا ـ أو ما اشبه ذلك ممّا يعسر الاجتناب فيه عن الجميع ، لا ما اذا لم يكن كذلك.

(وأما ثانيا : فلأنّ ظنّ الفقيه بكون العدد المعيّن جاريا مجرى المحصور في سهولة الحصر ، أو مجرى غيره) اي : غير المحصور في عدم سهولة عدّة (لا دليل عليه) اي : انّ ما جعله المحقق من المرتبة العليا لغير المحصور ، والمرتبة الدنيا للمحصور ثم جعل ظنّ الفقيه هو المحكّم في الأعداد المتوسطة بين المرتبتين ، كما جعل الظن عند عرض المشكوك منهما على النظائر هو المحكّم فيها ، غير تام لانّه يرد عليه : انّه لا دليل على حجيّة هذا الظن.

ولكن يمكن الجواب عن هذا الاشكال : بانّه لا اشكال في حجية الظنّ الذي يعمل عليه العقلاء في باب الموضوعات.

مثلا : نراهم يركبون السيارة والطائرة والباخرة مع انّهم لا يعلمون بأنها توصلهم الى مقصدهم بسلام ، ويراجعون الطبيب مع عدم علمهم بانّه يصيب في معالجتهم ، ويجرون العملية الجراحية كذلك ، ويرسلون أولادهم الى المدارس مع عدم علمهم برجوعهم الى البيت سالمين ، والى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة العرفية ، فاشتراط اكثر من الظنّ في الموضوعات لا دليل عليه.

(وأمّا ثالثا : فلعدم استقامة) ما ذكره قدس‌سره آخر كلامه : من (الرّجوع في مورد الشك) العارض للشبهة في انها تلحق بالمحصور أو بغير المحصور (الى

٨٨

الاستصحاب حتى يعلم الناقل ، لانّه إن اريد به استصحاب الحلّ والجواز ، كما هو الظاهر من كلامه ، ففيه : إنّ الوجه المقتضي لوجوب الاجتناب في المحصور ـ وهو وجوب المقدّمة العلميّة بعد العلم بحرمة الأمر الواقعي المردّد بين المشتبهات ـ قائم بعينه في غير المحصور ، والمانع غير معلوم ، فلا وجه للرجوع إلى الاستصحاب ،

______________________________________________________

الاستصحاب حتى يعلم الناقل) من الاستصحاب ، وذلك (لانّه إن اريد به : استصحاب الحلّ والجواز كما هو الظاهر من كلامه) مما قد تقدّم بيانه (ففيه) كما قال : (أنّ) الحالة السابقة من الحلّ والجواز التي يراد استصحابها في المورد المشكوك قد انتقضت بالعلم الاجمالي بوجود الحرام بينهما ، ودليل وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي في المورد المشكوك سواء ألحقناه بالمحصور أم بغير بالمحصور منجّز ، وذلك لانّ (الوجه المقتضي لوجوب الاجتناب في المحصور وهو : وجوب المقدّمة العلميّة بعد العلم بحرمة الأمر الواقعي المردّد بين المشتبهات) كالإناءين ، والثلاثة والاربعة ، وما أشبه ذلك (قائم بعينه في غير المحصور) ايضا.

وعليه : فالمقتضي للاجتناب عن اطراف الشبهة في غير المحصور ـ كالمحصور ـ موجود (والمانع) عن اقتضائه حتى يصل الامر فيه الى الاستصحاب (غير معلوم ، فلا وجه) إذن (للرجوع إلى الاستصحاب) في المورد المشكوك.

والحاصل : انّ العلم الاجمالي بوجود الحرام ، منجّز للتكليف بوجوب الاجتناب عن الاطراف ومانع عن جريان الاستصحاب فيها ، سواء كان العلم الاجمالي في اطراف غير المحصور ، أو في اطراف المحصور ، والمورد

٨٩

الّا أن يكون نظره الى ما ذكرنا في الدليل الخامس من أدلّة عدم وجوب الاجتناب ، من أنّ المقتضي لوجوب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة ، وهو حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل غير موجود.

وحينئذ : فمرجع الشك في كون الشبهة محصورة أو غيرها الى الشك في وجود المقتضي للاجتناب ،

______________________________________________________

المشكوك لا يخلو من لحوقه إما بالمحصور أو بغير المحصور ، فيكون العلم الاجمالي فيه مانعا عن جريان الاستصحاب فيه ايضا.

لكن لا يخفى : ان هذا الاشكال ايضا غير تام لما ذكره المصنّف بقوله : (الّا ان يكون نظره) اي : المحقق الثاني قدّس الله سرّه (الى ما ذكرنا في الدليل الخامس من أدلّة عدم وجوب الاجتناب) في اطراف الشبهة غير المحصورة (: من انّ المقتضي لوجوب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة ، وهو : حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل غير موجود).

وإنّما لم يكن المقتضي موجودا لان العلم الاجمالي انّما يوجب الاجتناب عن محتملات الحرام من باب المقدّمة العلمية التي لا تجب الّا لاجل وجوب دفع الضرر وهو العقاب المحتمل في فعل كل واحد من المحتملات ، وهذا لا يجرى في المحتملات غير المحصورة ، ضرورة ان كثرة الاحتمال يوجب عدم الاعتناء بالضرر المعلوم وجوده بين المحتملات عند العقل والعقلاء.

(وحينئذ) اي : حين كان نظر المحقق هنا ذلك (فمرجع الشك في كون الشبهة محصورة أو غيرها الى الشك في وجود المقتضي للاجتناب) والمقتضي للاجتناب هو كما ـ عرفت ـ : احتمال الضرر في ارتكاب بعض الاطراف.

لكنّ احتمال الضرر هنا موهون في غير المحصور لاجل كثرة الاطراف ،

٩٠

ومعه يرجع الى أصالة الجواز.

لكنّك عرفت التأمّل في ذلك الدليل ، فالأقوى وجوب الرجوع مع الشك الى أصالة الاحتياط لوجود المقتضي وعدم المانع.

______________________________________________________

فلا يعتني به العقلاء ، فيكون مرجع الشك في المورد المشكوك الى الشك في وجود المقتضي (ومعه) أي : مع الشك في وجود المقتضي لوجوب الاحتياط (يرجع الى أصالة الجواز) لانّه لا يعلم وجود المقتضي ، وكل ما لم يعلم وجود المقتضي فيه لا يترتب الأثر عليه.

(لكنّك عرفت التأمّل في ذلك الدليل) اي : الدليل الخامس حيث قد تقدّم : انّ احتمال العقاب يقتضي الاحتياط مطلقا ، سواء في المحصور أو في غير المحصور ، فيلزم عند الشك في المورد المشكوك بانه من الشبهة المحصورة أو غير المحصورة أن يعمل بالمقتضي ، كما قال : (فالأقوى وجوب الرجوع مع الشك الى أصالة الاحتياط) وذلك بالاجتناب عن جميع الاطراف ، لا الى استصحاب الحل والجواز.

وانّما كان الاقوى الاحتياط (لوجود المقتضي) للاحتياط في المورد المشكوك (وعدم) العلم بوجود (المانع) عن هذا المقتضي ، واذا كان المقتضي للاحتياط وهو : احتمال العقاب موجودا ، ولم نعلم بوجود المانع عن الاحتياط وهو : كثرة الاطراف الموهن لاحتمال العقاب كان اللازم تأثير المقتضي أثره.

إلّا ان يقال : أن مرجع الشك في المورد المشكوك انه من المحصور أو من غير المحصور ، الى الشك في التكليف لا الشك في المكلّف به ، وذلك لما تقدّم : من إنّ العقلاء لا يعتنون بالعقاب المحتمل إلّا اذا كان الاحتمال عقلائيا ، ومع الشك في كونه من المحصور أو من غير المحصور لا يكون الاحتمال عقلائيا.

٩١

وكيف كان : فما ذكروه من إحالة غير المحصور وتمييزه عن غيره الى العرف ، لا يوجب الّا زيادة التحيّر في موارد الشك.

وقال كاشف اللثام في مسألة المكان المشتبه بالنّجس : «لعلّ الضابط أنّ ما يؤدّي اجتنابه الى ترك الصّلاة غالبا ، فهو غير محصور ،

______________________________________________________

(وكيف كان :) فانه سواء قلنا بانّ المرجع عند الشك هو الاستصحاب كما قاله المحقق ، أم الاحتياط كما نراه نحن (فما ذكروه : من إحالة) تشخيص (غير المحصور وتمييزه عن غيره الى العرف ، لا يوجب الّا زيادة التحيّر في موارد الشك).

لكن قد عرفت : ان هذا الاشكال غير تام ، اذ شأن مفهوم غير المحصور شأن جميع المفاهيم العرفية للموضوعات الخارجية ، فانه يرجع فيها الى العرف وان كان يشك مع ذلك في بعض افرادها ، فان الماء وهو اظهر المفاهيم العرفية يشك في بعض أفراده.

ثم هل يوجد هناك موضوع خارجي لا يشك في شيء من أفراده؟ نعم ، في الامور الرياضية لا يشك في شيء من أفرادها كالعدد والاشكال الهندسية ، وكذا في الامور الاصطلاحية التي جعلوا فيها ما يكون حدّا خاصا للاصطلاح ، فانه لا يشك فيها.

هذا ، وقد كان على المصنّف أن يستشكل اشكالا رابعا على المحقق ويقول : بانّه ما هو المعيار في قصر الزمان وطوله مع انّهما نسبيّان ، فساعة ـ مثلا ـ من الزمان المحدّد بستين دقيقة قصير بالنسبة الى اليوم ، وطويل بالنسبة الى الدقيقة ، وهكذا.

(وقال كاشف اللثام في مسألة المكان المشتبه بالنّجس) وانّه هل يمكن الصلاة عليه أو التيمم به؟ أو هل يطهّر باطن القدم أو ما أشبه ذلك؟ قال («لعلّ الضابط : انّ ما يؤدّي اجتنابه الى ترك الصّلاة غالبا ، فهو غير محصور) فاذا

٩٢

كما أنّ اجتناب شاة أو امرأة مشتبهة في صقع من الأرض يؤدّي الى الترك غالبا» ، انتهى واستصوبه في مفتاح الكرامة ، وفيه ما لا يخفى من عدم الضبط.

______________________________________________________

كان ـ مثلا ـ في صحراء وسيعة يعلم بغصبية بعض نواحيها ، فانه اذا أراد الخروج منها للصلاة في أرض متيقّنة الحلية تطلع الشمس في صلاة الصبح ، أو تغرب الشمس في صلاة الظهرين ، فهذا غير محصور (كما انّ اجتناب شاة أو امرأة مشتبهة في صقع من الارض يؤدّي الى الترك) أي : الى ترك أكل اللحم بالنسبة الى الشاة المشتبهة ، أو ترك الزواج بالنسبة الى المرأة المشتبهة (غالبا» ، انتهى) كلام كاشف اللثام (واستصوبه في مفتاح الكرامة).

لكن ، حيث انّ هذا الكلام لا يكون شاملا لجميع موارد الشبهة غير المحصورة قال بعض ما يلي : لعلّ مراده هو : انّ الضابط : بلوغ أطراف الشبهة الى حدّ يلزم غالبا من الاحتياط في اطرافها فوت المنفعة المقصودة من تلك الطبيعة شرعا مما فيه ضررا ، أو حرج ، أو هلاك ، أو فوت واجب ، أو ارتكاب محرّم مثلا : فوات أكل اللحم اذا اراد الاجتناب عن اللحوم المشتبهة ، وفوات الزواج إذا اراد الاحتياط بترك النساء المحتملات ، أو فوات الصلاة إذا اراد التخلص من تلك الأرض المغصوبة أو فوات شرب الماء اذا اراد الاجتناب عن المياه المحتمل غصبية بعضها ، الى غير ذلك ، فيكون ما ذكره من مثال الشاة أو الامرأة هنا من باب المثال.

(وفيه ما لا يخفى : من عدم الضبط) فانّه وان كان هذا قد يتم فيما ذكرناه من الأمثلة المذكورة ، لكن اكثر الشبهات غير المحصورة تكون خارجة عن هذا الضابط ، وذلك لامكان الاستفادة غالبا من المماثل والمشابه لها الموجود

٩٣

ويمكن ان يقال بملاحظة ما ذكرنا في الوجه الخامس : إنّ غير المحصور ما بلغ كثرة الوقائع المحتملة للتحريم الى حيث لا يعتني العقلاء بالعلم الاجمالي الحاصل فيها ، ألا ترى أنّه لو نهى المولى عبده عن المعاملة مع زيد ، فعامل العبد مع واحد من أهل قرية كثيرة يعلم بوجود زيد فيها

______________________________________________________

في مناطق اخرى ، أو الاستفادة من فرد آخر في نفس المنطقة لكن خارجا عن اطراف تلك الشبهة غير المحصورة.

وعليه : فلا يلزم في كثير من موارد الشبهة غير المحصورة فوات المنافع أو جلب المضار بسبب الاحتياط في اطرافها فلا يكون الضابط جامعا حينئذ.

والحاصل : إنّ التحديد المذكور أخصّ من الشيء الذي يراد تحديده وهو : غير المحصور ، فهو من قبيل تعريف الحيوان بانّه انسان ، مع انّه يلزم التطابق بين الحدّ والمحدود (ويمكن ان يقال) في تحديد ضابط غير المحصور (بملاحظة ما ذكرنا في الوجه الخامس : انّ غير المحصور) وقوله «ان» ، نائب فاعل عن «ان يقال» (ما بلغ كثرة الوقائع المحتملة للتحريم الى حيث لا يعتني العقلاء بالعلم الاجمالي الحاصل فيها) ومعلوم : ان عدم اعتنائهم يسقط العلم الاجمالي عن اقتضائه التكليف في اطراف الشبهة.

وعليه : فيكون الشك في اطراف غير المحصور من الشك في التكليف لا الشك في المكلّف به ، وذلك لأنّ العرف : المعيار في تطبيق المحرّمات مثل : اجتنب عن الخمر ، واجتنب عن الغصب ، واجتنب عن النجس ، وما أشبه ذلك ، فاذا لم ير العرف شمول تلك الأدلة لاطراف غير المحصور لم يجب الاجتناب عنها.

(ألا ترى انّه لو نهى المولى عبده عن المعاملة مع زيد ، فعامل العبد مع واحد من أهل قرية كثيرة) الأهل وهو (يعلم) اجمالا (بوجود زيد فيها) اي : في تلك

٩٤

لم يكن ملوما وان صادف زيدا.

وقد ذكرنا أنّ المعلوم بالاجمال قد يؤثّر مع قلّة الاحتمال ما لا يؤثّره مع الانتشار وكثرة الاحتمال ، كما قلناه في سبّ واحد مردّد بين اثنين أو ثلاثة ومردّد بين أهل بلدة.

ونحوه ما إذا علم إجمالا بوجود بعض القرائن الصارفة المختفية لبعض ظواهر الكتاب والسنّة ، أو حصول النقل في بعض الألفاظ ،

______________________________________________________

القرية ، فانه (لم يكن ملوما) من قبل العقلاء (وان صادف) طرف معاملته (زيدا) وذلك لما عرفت : من عدم اعتناء العقلاء بمثل هذا العلم الاجمالي.

وكذا لو نهاه عن الزواج بمن تزوجها والده ، فتزوّج امرأة من بلدة كثيرة الأهل واتفق انّ المرأة التي تزوجها كانت زوجة والده سابقا ، لم ير العقلاء انّه خالف نهي المولى.

هذا (وقد ذكرنا : انّ المعلوم بالاجمال قد يؤثر مع قلّة الاحتمال ما) اي : تاثيرا (لا يؤثره مع الانتشار وكثرة الاحتمال).

وإنّما لا يؤثر العلم الاجمالي مع كثرة الاحتمال لانّه يسقط عن الاقتضاء ، فلا يكون المرتكب مخالفا للنهي (كما قلناه في سبّ واحد مردّد بين اثنين أو ثلاثة) حيث انّ كل واحد منهم يتأثر به (ومردّد بين أهل بلدة) حيث انه لا يتأثر أحد منهم به ، وذلك لكثرة الاحتمال في الثاني دون الأول.

(ونحوه) اي : في عدم التأثير وان لم يكن نهي (ما اذا علم إجمالا بوجود بعض القرائن الصّارفة المختفية لبعض ظواهر الكتاب ، والسنّة ، أو حصول النقل في بعض الألفاظ) أو اذا علمنا بأن المولى يريد خلاف الظاهر من بعض كلامه المنتشر في كلام كثير ، أو أشبه ذلك ، فانه لا تأثيرا لهذا العلم الاجمالي لسقوطه عن الاقتضاء.

٩٥

الى غير ذلك من الموارد الّتي لا يعتنى فيها بالعلوم الاجمالية المترتّب عليها الآثار المتعلّقة بالمعاش والمعاد في كل مقام.

وليعلم أنّ العبرة في المحتملات كثرة وقلّة بالوقائع التي يقع موردا للحكم بوجوب الاجتناب مع العلم التفصيلي بالحرام ، فاذا علم نجاسة أرزّ محرّمة أو نجسة في ألف حبّة ، والمفروض أنّ تناول ألف حبّة من الأرز في العادة بعشر لقمات ، فالحرام مردّد بين عشرة محتملات ، لا ألف محتمل ،

______________________________________________________

وعليه : فان العلم الاجمالي بأنّ بعض ظواهر الكتاب ، أو السنة ، أو بعض كلام المولى أريد منه خلاف ظاهره واختفت القرينة ، أو حصل نقل عن معناه اللغوي الى معنى آخر ، وأمثال ذلك ، فانّ العلم الاجمالي هذا لا يكون عند العقلاء مانعا عن العمل بتلك الظواهر ، بل لو لم يعمل العبد بتلك الظواهر كان ملوما عندهم.

وكذلك الحال فيما تقدّم من مثال السفر بوسائل النقل ، مراجعة الطبيب ، ونحوهما.

(الى غير ذلك من الموارد) الكثيرة (الّتي لا يعتنى فيها بالعلوم الاجمالية المترتّب عليها) أي : هذه العلوم الاجمالية (الآثار المتعلّقة بالمعاش) كما مثّلنا له بجملة من الأمثلة المتقدمة (والمعاد) كما مثّلنا له بظواهر الكتاب والسنة (في كل مقام) ممّا يدل على ان العلم الاجمالي لا يقتضي العمل على طبقه مع كثرة الأطراف.

(وليعلم : انّ العبرة في المحتملات كثرة وقلّة) في باب الشبهة غير المحصورة انّما هو (بالوقائع التي يقع موردا للحكم بوجوب الاجتناب مع العلم التفصيلي بالحرام) فليس المعيار بالوحدات المحرمة بسبب العلم الاجمالي وانّما المعيار بالوقائع.

وعليه : (فاذا علم نجاسة أرز محرّمة ، أو نجسة في ألف حبّة ، والمفروض : أنّ تناول ألف حبّة من الأرزّ في العادة بعشر لقمات) أو عشرين لقمة ـ مثلا ـ (فالحرام مردّد بين عشرة محتملات) أو عشرين محتمل (لا ألف محتمل) لما

٩٦

لأنّ كلّ لقمة يكون فيها الحبّة يحرم أخذها لاشتمالها على مال الغير ، أو مضغها لكونه مضغا للنجس ، فكأنّه علم إجمالا بحرمة واحد من عشر لقمات.

نعم ، لو اتفق تناول الحبوب في مقام يكون تناول كلّ حبة واقعة مستقلّة كان له حكم غير المحصور ، وهذا غاية ما ذكروا ، أو يمكن أن يذكر في ضابط المحصور وغيره ، ومع ذلك فلم يحصل للنفس وثوق بشيء منها.

______________________________________________________

عرفت : من ان الميزان : الوقائع لا الأعداد التي فيها الحرام.

وانّما يكون العبرة بالوقائع (لأنّ كلّ لقمة يكون فيها الحبّة) تكون تلك اللقمة هي التي (يحرم أخذها لاشتمالها على مال الغير) فالحرام مردّد بين عشرة أو عشرين محتمل (أو) تكون هي التي يحرم (مضغها) وأكلها (لكونه مضغا) وأكلا (للنجس) أو الغصب (فكأنه علم اجمالا بحرمة واحد من عشر لقمات) فتكون من المحصورة.

وعليه : فاذا انعكس الأمر بأن كانت الأعداد قليلة والوقائع كثيرة كما اذا كان له ـ مثلا ـ عشر قطع من الارض مساحة كل قطعة منها ألف متر وكانت كلها محل ابتلائه فتنجس مقدار متر منها ، فان النجس يكون مردّدا بين عشرة آلاف لا بين عشرة ، فتكون الشبهة هنا من الشبهة غير المحصورة.

(نعم ، لو اتفق تناول الحبوب) واحدا واحدا لا لقمة لقمة (في مقام) كما في تناول التين ونحوه (يكون تناول كلّ حبة واقعة مستقلّة) و (كان له حكم غير المحصور ، وهذا) كما لا يخفى واضح.

هذا (غاية ما ذكروا ، أو يمكن ان يذكر في ضابط المحصور وغيره) اي : غير المحصور (ومع ذلك فلم يحصل للنفس وثوق بشيء منها) اي : بشيء من هذه

٩٧

فالأولى : الرجوع في موارد الشك الى حكم العقلاء بوجوب مراعاة العلم الاجمالي الموجود في ذلك المورد ، فانّ قوله : «اجتنب عن الخمر» لا فرق في دلالته على تنجّز التكليف بالاجتناب

______________________________________________________

الضوابط حتى الضابطة الاخيرة التي جعلنا العبرة فيها بالوقائع ، واشرنا اليها بقولنا : «ويمكن ان يقال بملاحظة ما ذكرنا في الوجه الخامس».

وانّما لم يثق المصنّف بهذا الوجه ايضا بما تقدّم : من انّ الخامس محل تأمّل عنده رحمه‌الله ، بالاضافة الى بقاء الشك في مقدار ما يعتني به العقلاء ومقدار ما لا يعتنون به مع وجود هذا الضابط ، فيكون الاشكال عليه كبرويا بمعنى : عدم كلية هذا الضابط ، لأن هناك موارد نشك في انّها من المحصور أو من غير بالمحصور.

لكنّا قد أجبنا عن هذا الاشكال فيما سبق : بانّه لا بد منه ، للشك حتى في بعض افراد الماء مع انّه من اظهر المفاهيم العرفية فيكون الوجه الاخير حينئذ هو المتعيّن ضابطا للمحصور وغير المحصور.

لكن حيث يرى المصنّف ورود هذا الاشكال قال : (فالأولى) بعد ورود الاشكال في الضابط الأخير هو : الاكتفاء في ترك الاحتياط وجواز ارتكاب الاطراف بموارد نقطع فيها بكون الشبهة غير محصورة ، وأمّا التي نشك فيها ، فيجب (الرجوع في موارد الشك الى حكم) العقل و (العقلاء بوجوب مراعاة العلم الاجمالي الموجود في ذلك المورد) لا باستصحاب الحل والجواز الذي ذكره المحقق الثاني.

وعليه : (فانّ قوله : «اجتنب عن الخمر») أو اجتنب عن الغصب ، أو اجتنب عن النجس ، أو ما أشبه ذلك (لا فرق في دلالته على تنجّز التكليف بالاجتناب

٩٨

عن الخمر بين الخمر المعلوم المردّد بين أمور محصورة ، وبين الموجود المردّد بين أمور غير محصورة.

غاية الأمر قيام الدليل في غير المحصور على اكتفاء الشارع عن الحرام الواقعي ببعض محتملاته ، كما تقدّم سابقا ، فاذا شك فى كون الشبهة محصورة أو غير محصورة شكّ في قيام الدليل على قيام بعض المحتملات مقام الحرام الواقعي في الاكتفاء عن امتثاله بترك ذلك البعض ، فيجب ترك جميع المحتملات لعدم الأمن من الوقوع في العقاب بارتكاب البعض.

______________________________________________________

عن الخمر) والنجس والغصب وغير ذلك (بين الخمر المعلوم المردّد بين أمور محصورة ، وبين الموجود المردّد بين أمور غير محصورة) لفرض انّ الخمر موجود في الموردين ويجب الاجتناب عنه شرعا في كلا الموردين.

(غاية الأمر قيام الدّليل في غير المحصور على اكتفاء الشارع عن الحرام الواقعي ببعض محتملاته ، كما تقدّم سابقا) حيث ذكرنا : انّه لا يجوز ارتكاب الكل وانّما يلزم الابقاء على قدر الحرام.

وعليه : (فاذا شك في كون الشبهة محصورة أو غير محصورة : شك في قيام الدليل على قيام بعض المحتملات مقام الحرام الواقعي) قياما بدليّا (في الاكتفاء عن امتثاله بترك ذلك البعض) وحيث يشك في انّ الشارع جعل له البدل ام لا (فيجب ترك جميع المحتملات ، لعدم الأمن من الوقوع في العقاب بارتكاب البعض) وذلك لما تقدّم : من انّ العقل والعقلاء يرون وجوب الاجتناب عن الاطراف التي فيها بعض المحرمات.

٩٩

الثالث :

اذا كان المردّد بين الامور غير المحصورة أفرادا كثيرة ، نسبة مجموعها الى المشتبهات كنسبة الشيء الى الامور المحصورة ، كما إذا علم بوجود خمسمائة شاة محرّمة في الف وخمسمائة شاة ، فانّ نسبة مجموع المحرّمات الى المشتبهات كنسبة الواحد الى الثلاثة ، فالظاهر أنّه ملحق بالشبهة المحصورة ؛

______________________________________________________

هذا ولا يخفى : انّ الأمر في الواجب أيضا كذلك ، فانه اذا قال المولى : صلّ وتردّدت الصلاة بين الظهر والجمعة وجب التيان بهما ، أمّا اذا قال : أضف زيدا ، وتردّد زيد بين أهل قرية فيها ألف انسان ولم يتمكن من تحصيل زيد بشخصه أو تحصيل دائرة ضيقة كالاثنين والثلاثة فيها زيد ، فانه يسقط التكليف ، فلا يكون المقتضي بحيث يؤثر أثره كما ذكرناه في باب التحريم.

(الثالث) مما يخص الشبهة غير المحصورة هو : انّه (اذا كان) الحرام (المردّد بين الأمور غير المحصورة افرادا كثيرة ، نسبة مجموعها الى المشتبهات كنسبة الشيء) الواحد (الى الامور المحصورة) ويسمّى في الاصطلاح : شبهة الكثير في الكثير.

(كما إذا علم بوجود خمسمائة شاة محرّمة في ألف وخمسمائة شاة ، فانّ نسبة مجموع المحرّمات) وهي : الخمسمائة (الى المشتبهات) وهي الألف وخمسمائة (كنسبة الواحد الى الثلاثة) لا نسبة الواحد الى الألف وخمسمائة ، وذلك لأنّه لا يلاحظ نسبة كل حرام الى المجموع ، بل يلاحظ نسبة مجموع المحرّمات الى نسبة مجموع الأفراد.

وعليه : (فالظاهر : انّه) أي المشتبه الكثير في الكثير (ملحق بالشبهة المحصورة) من جهة : إنّ العقلاء يجتنبون عن كل الأفراد في مثل هذه النسبة

١٠٠