الوصائل الى الرسائل - ج ٨

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل الى الرسائل - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-08-2
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وكذا الحكم باستحباب غسل المسترسل من اللحية في الوضوء من باب مجرّد الاحتياط لا يسوّغ جواز المسح ببلله ، بل يحتمل قويّا أن يمنع من المسح ـ مثلا ـ وإن قلنا بصيرورته مستحبّا شرعيّا ،

______________________________________________________

ثمّ انّ بعضهم ذكر ظهور ثمرة اخرى بين القول باثبات التسامح للاستحباب الشرعي الذي يقول به المشهور ، وبين عدمه الذي يقول به المصنّف رحمه والله وهو انّه : لو أثبت التسامح الاستحباب الشرعي ، تمكن المكلّف من قصد القربة والّا لم يتمكن ، بل يلزم الاتيان بقصد الرجاء ، اذ ليس يصح أن يقصد في العمل التسامحي القربة بأن يقول أني أعمل هذا العمل يا مولاي قربة اليك ، إذ القربة انّما تكون فيما إذا أمر المولى وعلم به العبد وهنا لا دليل على الأمر.

(وكذا الحكم باستحباب غسل المسترسل من اللحية) أي : الخارج منها عن حد الوجه ، بأن كان الرجل ذا لحية طويلة فانّه يستحب (في الوضوء) غسله (من باب مجرّد الاحتياط) لقيام دليل ضعيف عليه ، فيغسل المسترسل من باب التسامح ، وغسل المسترسل من باب التسامح (لا يسوّغ جواز المسح ببلله) إذا جف ماء يده وأراد المسح ، فانّ له عند الجفاف أن يأخذ للمسح من ببل بعض أعضاء وضوئه ، لكن ليس له حينئذ الأخذ من بلل مسترسل لحيته ، هذا على ما نختاره نحن الشيخ.

أما لو أمكن اثبات استحبابه الشرعي بملاحظة أخبار «من بلغ» ـ كما يقول به المشهور ـ فيجوز المسح ببلل هذا المسترسل.

(بل يحتمل قويا انّ يمنع من المسح ـ مثلا ـ) ببل المسترسل (وان قلنا بصيرورته مستحبا شرعيا) وذلك لأن استحباب غسله في الوضوء لا يجعله من أجزاء الوضوء ، بل يمكن أن يكون حال بلل المسترسل من اللحية حال ماء الفم

٦١

فافهم.

______________________________________________________

الباقي من المضمضة للوضوء ، أو ماء الأنف الباقي من الاستنشاق للوضوء فإنّه لا يصح أخذ البلل منه للمسح بل يلزم في صحة المسح به شرطان :

أولا : إثبات استحباب غسل المسترسل من اللحية.

ثانيا : إثبات انّه جزء من أجزاء الوضوء.

(فافهم) لعله اشارة الى انّ ظاهر اعتبار شيء في المركب : كونه جزءا منه ، سواء كان جزءا وجوبيا أم جزءا استحبابيا ، فالأمر بغسل مسترسل اللحية دليل على انّه جزء من الوضوء.

هذا ، وقد قال في الأوثق : «يمكن انّ يستدل على كون مفاد أخبار التسامح هو الاستحباب الشرعي دون تأكيد حكم العقل لوجوه :

أحدها : انّ حملها مع كثرتها على ذلك بعيد جدا.

الثاني : انّ أكثر هذه الأخبار مطلقات لا دلالة فيها على اعتبار كون إتيان الفعل بداعي ادراك الثواب البالغ ، وما وقع فيه التقييد بذلك مجمل لاحتمال كون المراد به : بيان كون الداعي الى العمل والمحرك للمكلف اليه ، لا اعتبار ذلك في كيفية الامتثال بأن يكون غاية مقصودة من الفعل ، والفرق بينهما واضح.

الثالث : انّ ظاهرها : استحقاق الثواب بالعمل ، فلو حملت على بيان حكم العقل وتأكيده لا يكون ترتب الثواب على وجه الاستحقاق ، بل على وجه التفضل من الله سبحانه ، لكون العبد معه في حكم المطيع والمنقاد.

الرابع : فهم الفقهاء وحكمهم بالاستحباب الشرعي لأجلها وهم من أهل اللسان.

الخامس : انّ ظاهر بعضها ـ كما اعترف به المصنّف ـ هو : استحقاق خصوص

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الثواب البالغ لا مطلقه والعقل لا يستقل به ، وحمله على التفضل أيضا خلاف الظاهر» (١).

انتهى وهو كلام متين ، ولذا نحن رأينا في الفقه أيضا الاستحباب في الأوامر الايجابية ، والكراهة في النواهي السلبية ، والله المستعان.

* * *

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٢٩٩ التسامح في أدلة السنن.

٦٣
٦٤

الوصائل

الى

الرسائل

ملحق الشارح :

التسامح في أدلّة السنن

٦٥
٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ انّه لا بأس بأن نذكر هنا رسالتنا المستقلة في التسامح.

فنقول وعلى الله التكلان :

بسم الله الرّحمن الرّحيم

والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين. وبعد : فقد وردت روايات متعددة تدل على التسامح ، ونحن ننقل هذه الأخبار عن كتاب جامع أحاديث الشيعة ، ونقول :

عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه ، كان له أجره وان لم يكن على ما بلغه» (١).

وعن محمد بن مروان قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «من بلغه ثواب من الله عزوجل على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب ، أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه» (٢).

وعن محمد بن يعقوب بطرقه الى الأئمة عليهم‌السلام : «انّ من بلغه شيء من الخير فعمل به ، كان له من الثّواب ما بلغه وان لم يكن الأمر كما نقل اليه» (٣).

وعن صفوان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «انّ من بلغه شيء من الخير فعمل به ، كان له أجر ذلك وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله» (٤).

وعن هشام بن صفوان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من بلغه شيء من الثّواب على خير فعمله ، كان له أجر ذلك وان كان رسول الله لم يقله» (٥).

__________________

(١) ـ جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٣٤٠.

(٢) ـ جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٣٤٠.

(٣) ـ جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٣٤٠.

(٤) ـ جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٣٤١.

(٥) ـ جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٣٤١.

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي رواية اخرى عن صفوان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، انّه قال : من بلغه شيء من الخير فعمل به ، كان له أجر ذلك وان كان رسول الله لم يقله» (١).

وعن محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من بلغه عن النبي شيء فيه الثواب ففعل ذلك طلبا لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان له ذلك الثواب وان كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله» (٢).

وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من بلغه عن النبيّ شيء من الثواب فعمله ، كان أجر ذلك له ، وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله» (٣).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من بلغه من الله فضيلة فأخذ بها وعمل بما فيها ايمانا بالله ورجاء ثوابه ، أعطاه الله تعالى ذلك وان لم يكن كذلك» (٤) ، لكن هذه الرواية مروية في عدّة الداعي من طرق العامة.

وكيف كان : فالظاهر : صحة ثلاثة من هذه الأخبار ، وحسن خبر واحد منها وبقية الأخبار لم يثبت صحتها وعدم صحتها.

ثم انّ في مسألة التسامح فوائد كثيرة ، وقد ذكر جملة منها الفقهاء والاصوليون ، ونحن نشير اليها بايجاز :

الأوّل : إنّ كلا من احتمال الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة ممّا ليس له سند معتبر يكون حجة على الحكم وداخلا في التسامح باطلاق أدلته ، وان منع الاطلاق كفى الملاك ، وهل الاباحة كذلك لا يبعد ، لما ورد : «من انّ الله يحب أن

__________________

(١) ـ جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٣٤١.

(٢) ـ جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٣٤١.

(٣) ـ جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٣٤١.

(٤) ـ جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٣٤٢.

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

يؤخذ برخصه ، كما يحب أن يؤخذ بعزائمه» (١) ، فاذا أباح خبر ضعيف شيئا وكان الأصل على اباحته وعمله المكلّف رجاء محبوبيته عند الله من باب الأخذ برخصه أثيب ، لأنّ ما هو محبوب عند الله سبحانه وتعالى مثاب عليه.

الثاني : لا يشترط في الرواية الضعيفة أو ما أشبهها إفادتها الظن بل حتى ما افادت الشك والوهم فكذلك أيضا ، فاذا دلّ الخبر على استحباب أخذ الأظفار يوم كذا ؛ واحتمل المكلّف ذلك احتمالا مشكوكا أو موهوما لظنه خلافه ، وعمله التماس ثوابه كان داخلا في التسامح.

الثالث : إذا كانت الرواية في كتب العامة أو غير المسلمين ، فهل يشمله التسامح؟ يحتمل العدم ، لعدم جريان السيرة على الأخذ بما أخذوه ، وأمّا رواية المشايخ بعض ما نقله أمثال أبي هريرة ومن أشبهه ، فلا يدل على أنهم أخذوه من هذه الجهة ، وإلّا لأخذوا كلّ ما في كتبهم ، بل لعله كانت هناك قرينة تدل على الصحة ونحوها ، ويؤيد ما ذكرناه نهيهم عليهم‌السلام ، عن الأخذ منهم.

الرابع : فتوى الفقيه ، والشهرة ، والاجماع المنقول ، والسيرة ، ونحوها كلها داخلة في التسامح.

الخامس : المركوز من الشرع في أذهان المتشرعة المسمى بالارتكاز لا يبعد شمول التسامح له أيضا لانّه انعكاس عن أقوالهم وأعمالهم وتقريراتهم عليهم‌السلام ، علما بأن نسبة الارتكاز الى السيرة نسبة العلة الى المعلول.

السادس : لو علم المقلّد اشتباه الفقيه في مستنده لم يشمله دليل التسامح ، وكذا

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ١ ص ١٠٨ ب ١٠٥ ح ٢٦٣ وج ١٦ ص ٢٣٢ ب ٢٩ ح ٢١٤٤١ ، بحار الأنوار : ج ٩٣ ص ٥ ب ١٢٨.

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا كان فتوى المجتهد بالاستحباب والكراهة من جهة قوله بصحة التسامح في الدلالة ، وكان المقلّد من الأفاضل يرى عدم التسامح في ذلك ، فانّه حينئذ لا يجري دليل التسامح بالنسبة إليه.

السابع : لو قال فقيه بشيء ولم نجده في الفقه أصلا ، أو ذكر رواية لم نجدها في كتب الحديث إطلاقا ، لا يبعد شمول دليل التسامح له ، وذلك مثل ما ذكره العلامة «بن الأعسم» من آداب شرب الماء في قصيدته ، المبنية على تضمين الروايات فيها بقوله :

لا تعرضن بشربة على أحد

وإن يكن يعرض عليك لا يرد

فانّ عدم عرض الماء حين شربه على أحد لم نعثر على رواية فيه مع انّا فحصنا عنه فحصا بليغا وسألنا أهل الاطلاع والفن عنه.

الثامن : يجوز للمقلّد إذا كان فاضلا في العلم الأخذ بقاعدة التسامح فيما لم يفت فيه مجتهده بشيء أو أفتى مجتهده بعدم الحرمة ممّا تيقن عدم الحرمة ورأى بعض الأخبار الضعاف في موردها بالاستحباب.

التاسع : الرواية الضعيفة ـ القائلة بالوجوب أو الحرمة : يجوز للمجتهد ، الفتوى طبقهما بالاستحباب في مورد رواية الوجوب ، والكراهة في مورد رواية الحرمة ؛ وذلك للتسامح بعد عدم ثبوت الوجوب والحرمة لضعف الرواية ـ فرضا ـ.

العاشر : لو ورد دليل على الكراهة ، لكن كان تقريرهم عليهم‌السلام على الخلاف ، لم يستبعد عدم شمول التسامح للكراهة مثل : الرواية الضعيفة القائلة : «بأن مسجد المرأة بيتها» ، مع انهن كن يحضرن في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة صلاته في مكة والمدينة المنورة.

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الحادي عشر : لو كان خبران ضعيفان أحدهما يدل على الاستحباب والثاني على عدمه ، فهل يشمل التسامح الأوّل؟ احتمالان وان كان لا يبعد الشمول على انّه من التسامح في التسامح ، أو نقول بشمول الملاك له على أقل تقدير.

الثاني عشر : هل يشمل التسامح ما ورد عن المعصومين عليهم‌السلام : من انّ الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه إذا ظهر يعمل كذا أو يأمر بكذا من الأحكام التي ليست موجودة في أيدينا الآن؟ لا يبعد ذلك للإطلاق ، الّا إذا علمنا انّه من خصوصياته صلوات الله وسلامه عليه.

الثالث عشر : إذا اختلف في انّ الشيء الفلاني وارد عن المعصوم أو لا؟ كبعض الأشعار المنسوبة الى الامام عليّ عليه أفضل الصلاة والسلام فهل يشمله التسامح؟ لا يبعد ولو من التسامح في التسامح أو من باب الملاك.

الرابع عشر : لا يبعد شمول التسامح لسائر ما ورد عن الأنبياء والأوصياء وللأحاديث القدسية أيضا ؛ أما ما ينقل عن مثل سلمان الفارسي ، وأبي الفضل العباس ، والعقيلة زينب ، عليهم‌السلام فلا يبعد انصراف الاطلاقات عنها ، الّا اذا كان كاشفا عن سنة واردة.

نعم ، يمكن الأخذ بأقوالهم وأفعالهم من باب التسامح في التسامح أو الملاك.

الخامس عشر : هل يتسامح في القضايا الشخصية المرتبطة بالمعصومين عليهم‌السلام من باب الأسوة ، مثل ما ورد : من انّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بعد خيبر أرسل مالا الى كفار مكة لاستمالتهم وجلبهم نحو الاسلام ، أو سمح بالماء لمشركي بدر (١) ،

__________________

(١) ـ راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٤ ص ١٢٢.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

أو ما أشبه ذلك ؛ بمعنى : انّ نعمل بعمل مناسب في مثل تلك الواقعة؟ لا يبعد ذلك وان لم يكن عموم أو اطلاق.

السادس عشر : لو وردت روايتان متعارضتان ، إحداهما تقول بالاستحباب والاخرى بالكراهة ، لم يبعد صحة العمل بأي منهما من باب التسامح والرجاء.

السابع عشر : العام والخاص ، والمطلق والمقيد غير الالزامي ، يستحب العام والمطلق فيه أيضا لأن غير الالزامي لا يوجب التقييد والتخصيص ، كما إذا ورد :

«زر الحسين عليه‌السلام» (١) ، و«زر الحسين يوم عرفة» ، حيث يتسامح باتيان فرد المطلق غير المقيد كزيارة الحسين عليه‌السلام في غير يوم عرفة ، إتيانا بعنوان التسامح.

الثامن عشر : لو ورد حديثان ضعيفان أحدهما يقول بالاستحباب والآخر بالحرمة أو أحدهما يقول بالكراهة والآخر بالوجوب ، لم يستبعد جريان التسامح في كلا الطرفين.

التاسع عشر : لو وردت فتوى ورواية على طرفي المسألة ، لم يستبعد جريان التسامح فيهما أيضا ، وكذلك بالنسبة الى الاجماعين المنقولين ، والشهرتين المتخالفتين ، والى غير ذلك.

العشرون : لا يجري التسامح في مثل المنام وفعل أحد الصلحاء بكذا ، كما في العروة الوثقى : من وضع الخاتم تحت لسان الميت لأن الصالح الفلاني فعله.

الواحد والعشرون : لو قال احد الصلحاء : بانّه رأى الحجّة عجل الله تعالى

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ١٤ ص ٤٤١ ب ٤٤١ ح ١٩٥٥٦.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فرجه الشريف وهو يقول له كذا ، الظاهر : عدم جريان التسامح فيه ، لانصراف الأدلة عن مثله ، ولروايات التكذيب التي ظاهرها : التكذيب في نقل الفتاوى عن الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه لا التكذيب لمجرّد ادعاء الرؤية ، والّا فمن الواضح انّ جماعة من علمائنا الكرام تشرفوا بلقائه عليه‌السلام.

الثاني والعشرون : لو تردد المستحب الوارد في الرواية بين متباينين كما إذا وردت رواية ضعيفة باستحباب قص الأظفار مرددا بين يوم الخميس أو يوم الجمعة ممّا لم يعلم منه استحباب أي اليومين ، فاذا اتى به في اليومين فلا اشكال في حصول الثواب ، أما إذا أتى به في أحد اليومين فهل يكون مشمولا للتسامح؟ الظاهر : لا.

بمعنى : انّه لا يكون آتيا بالمستحب التسامحي في الوفاء بنذره إذا نذر الاتيان بمستحب ؛ لأنّ قوله عليه‌السلام : «فعمله» (١) ، لا يصدق عليه.

الثالث والعشرون : إذا استفيد الملاك من الرواية الضعيفة ، كان بمنزلة ما فيه الرواية من باب التسامح كما إذا ورد استحباب الوضوء للنوم فانّ لم يكن قد توضأ يتيمم على لحافه ، فاستفيد وجود ملاكه في التيمم على وسادته.

الرابع والعشرون : إذا كانت رواية مجملة لها قدر متيقن ، كان الاتيان بذلك القدر المتيقن مشمولا لأدلة التسامح ، أما الاتيان بالزائد عن ذلك إذا كان الزائد مشكوكا فيه ، فليس مشمولا لأدلة التسامح.

الخامس والعشرون : احتمال وجود الدليل أو احتمال المطلوبية ، لا يدخل

__________________

(١) ـ جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٣٤١.

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المسألة في التسامح الّا إذا قيل بالتسامح في التسامح.

السادس والعشرون : لا يجري التسامح في الدلالة ، وفي جهة الصدور بل في السند أيضا ، اللهم الّا إذا قيل بالتسامح في التسامح.

السابع والعشرون : قد تقدّم الكلام حول أنّه هل بهذه الأخبار يكون الشيء مستحبا كسائر المستحبات الشرعية أم لا؟ اختلفوا فيه ، فجماعة على الأوّل ، وصاحب الذخيرة وتبعه آخرون على الثاني ، فقد قال بعد أن ذكر امكان التسامح في أدلة السنن بسبب الأخبار ما لفظه : «لا يخفى انّ هذا الوجه انّما يفيد مجرّد تردد الثواب على ذلك الفعل ، لا أنّه أمر شرعي يترتّب عليه الأحكام الوضعية المترتبة على الأحكام الواقعية».

أقول : وكذا يأتي الاختلاف والكلام نفسه في باب الكراهة أيضا.

الثامن والعشرون : لو دلّت رواية ضعيفة على أفضلية شيء على شيء ، كان الفضل أيضا مشمولا لأدلة التسامح.

التاسع والعشرون : من المعلوم أنّ الآثار الوضعية كالصحة والمرض ـ مثلا ـ لا تترتب على الروايات الضعيفة ، فاذا ورد : انّ في أكل الجبن ـ مثلا ـ صحة البدن أو ضرر له ، لا تكون الرواية سببا لذلك ، لأنّه إرشاد محض ، بل الأمر كذلك في الرواية الصحيحة ، لمكان الارشاد كما عرفت ، والتكوين لا يثبت بالتشريع كما لا يثبت التشريع بالتكوين.

الثلاثون : إذا علمنا انّ فلانا كذّاب وضّاع فهل يثبت الثواب بروايته شيئا من ذلك للتسامح ، كما يقال بالنسبة الى من كان يضع الأحاديث في فضل سور القرآن؟ لا يبعد ذلك فيما لم نعلم بكذبه في هذا الحديث الخاص ـ مثلا ـ فهو

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

كأصل الصحة جار حتى فيمن نعلم بفسقه وعدم مبالاته.

الواحد والثلاثون : التسامح كما يجري في الأحكام يجري في الموضوعات ايضا ، قال الشيخ المرتضى قدس‌سره في رسالته التي دوّنها في التسامح في أدلة السنن ما لفظه : «هل يجوز التسامح في الرواية غير المعتبرة الدالة على تشخيص مصداق المستحب أو فتوى الفقيه بذلك ، فاذا ذكر بعض الأصحاب انّ هودا وصالحا على نبينا وآله وعليهما‌السلام مدفونان في هذا المقام المتعارف الآن في وادي السلام في النجف الأشرف فهل يحكم باستحباب اتيان ذلك المقام لزيارتهما والحضور عندهما أم لا؟ وكذا إذا وردت رواية بأنّ مدفن الرأس الشريف عند مرقد أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه فهل يستحب زيارته هناك بالخصوص أم لا؟.

وكذا لو قال عدل واحد بكون هذا المكان مسجدا ، أو مدفنا لنبيّ أو ولي» (١)؟.

التحقيق : أن يقال بعد عدم الاشكال في الاستحباب العقلي من باب الاحتياط وجلب المنفعة المحتملة : انّ الأخبار وان كانت ظاهرة في الشبهة الحكمية ، أعني : ما إذا كانت الرواية مثبتة لنفس الاستحباب لا لموضوعه ، الّا أن الظاهر : جريان الحكم في محل الكلام بتنقيح المناط ، اذ من المعلوم : انّه لا فرق بين أن يعتمد على خبر الشخص في استحباب العمل الفلاني في هذا المكان من مسجد الكوفة ـ مثلا ـ وبين أن يعتمد عليه في أن هذا المكان هو المكان الفلاني الذي علم انّه يستحب فيه العمل الفلاني ، مضافا الى إمكان أن يقال : انّ الاخبار بالموضوع

__________________

(١) ـ رسالة التسامح في أدلة السنن للانصاري.

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مستلزم للإخبار بالحكم ، بل قد يكون الغرض منه هو الاخبار بثبوت الحكم في هذا الموضوع الخاص.

نعم ، لو ترتب على الخبر المذكور حكم آخر غير الاستحباب ، فلا يترتب ذلك عليه لما عرفت ، فلو ثبت ـ مثلا ـ استحباب الصلاة في المكان الذي يقال له مسجد فخبر الاستحباب لا يترتّب عليه ، فلا يجب إزالة النجاسة عنه ، ولا يجري الاعتكاف فيه ، الى غير ذلك ممّا هو واضح من المطالب المتقدّمة.

الثاني والثلاثون : التسامح لا يجري فيما إذا لم يأت المكلّف بشرط أو جزء عمدا ، أو أتى بالشيء لكن مع مانع أو قاطع ، كما إذا أتى بالصلاة المستحبة بدون الركوع أو مع الضحك في اثنائه ، وذلك لوضوح : انّه ليس مصداق بلوغ الثواب على العمل.

نعم ، إذا كان هذا المقدار من الشيء مقدورا له دون سائر الخصوصيات ممّا يدخله في دليل الميسور ، شمله التسامح فيما كانت الرواية ضعيفة.

الثالث والثلاثون : لا فرق في شمول أدلة التسامح للتعبدي والتوصلي ، سواء المستقل ، كصلاة ركعتين وغير المستقل كالقنوت في الصلاة.

الرابع والثلاثون : هل يشمل أدلة التسامح الكفار ، كما إذا أتى الكافر بشيء مستحب شرعا لرواية ضعيفة من باب التسامح؟ لا يبعد ذلك لأن الأدلة تشمل كل مكلّف ، والكافر يخفف عنه كما ورد في باب عمل الخيرات عن الكافر الميت.

الخامس والثلاثون : الظاهر عدم شمول التسامح لكلمات من لا يعرف هل أنهم أنبياء أو أوصياء ، أو لا؟ كما في كنفوسيوس وبوذا حيث يحتمل انهما من الأنبياء

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الذين حرّف دينهما ، وكذلك بالنسبة الى الكتب المحرّفة كالتوراة والانجيل الرائجين (١) ، فلا تسامح بالنسبة الى الكلمات الموجودة فيهما ، أما بالنسبة الى من عظّمهم الله تعالى كلقمان ، فالظاهر : جريان التسامح بالنسبة اليه.

السادس والثلاثون : الصديقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام كسائر المعصومين في جريان التسامح بالنسبة الى الروايات الواردة في فعلها ، أو قولها ، أو تقريرها ، حتى ولو كانت الروايات في غاية الضعف (٢) ، وكذا ما ورد عن السيدة مريم أم المسيح عليهما‌السلام.

السابع والثلاثون : لو قال فقيه بالاستحباب التسامحي برهة من الزمن ثمّ عدل عنه ، فهل يشمله دليل التسامح بعد العدول؟ احتمالان : من أن عدوله لا يبطل اجتهاده السابق إذ الاحتمال قائم على تغيّر اجتهاده ، ومن انّه بعد تغير الاجتهاد لا مستند لهذا المستحب اطلاقا ، لكن لا يبعد الاول ، ولو من باب التسامح في التسامح.

الثامن والثلاثون : لا فرق في كون فتوى الفقيه منشئا للتسامح بين حياته وموته ، لإطلاق الأدلة.

التاسع والثلاثون : لو عارض الاستحباب ضرر ونحوه ، كالغسل التسامحي الموجب للضرر ، لا يشمله أدلة التسامح ، بل من الواضح : انّ أدلة الضرر تسقط

__________________

(١) ـ وقد ذكر الشارح بعض الملاحظات على الانجيل في كتابه الموسوم : ما ذا في كتب النصارى.

(٢) ـ وقد ذكر الشارح بعض الأحكام المستنبطة من كلمات الزهراء وخطبها في كتابه القيّم «من فقه الزهراء» ويتألّف الكتاب من ستّة أجزاء طبع منه الأوّل والثاني.

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستحباب المقطوع به.

الأربعون : لا يختص التسامح بفعل الانسان لنفسه ، بل يشمل فعله للمولى عليه مجنونا أو صغيرا ، وكذا بالنسبة الى ميّته ، كما إذا ورد بخبر ضعيف استحباب غسل المولود ، أو تلقين الميت الى غير ذلك.

هذا آخر ما أردنا إيراده في هذه الرسالة التسامحية ، والله سبحانه أعلم بحقائق الامور.

(سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

* * *

٧٨

الثالث :

______________________________________________________

التنبيه (الثالث) من تنبيهات مسألة الشبهة الوجوبية لفقدان النصّ ، وفيها على ما ذكره المصنّف صورتان ، في الصورة الاولى منهما قسمان :

القسم الأوّل : ما اذا شك في انّه هل يجب عليه شيء تعيينا أم لا؟ كما اذا شك في انّ الاستهلال واجب أو ليس بواجب؟ فالبراءة تقول بعدم الوجوب.

القسم الثاني : ما إذا شك في انّه هل يجب عليه شيء تعيينا أم لا؟ لكن هذا التعيين على فرض الوجوب ليس من الأوّل ، بل من الأوّل كان عليه واجب مردّد بين شقين تخييرا ثم تعذّر أحد شقّيه ، فيشك هل انّه الآن واجب عليه تعيينا بالعرض أم لا؟.

مثلا : إذا لم يتمكن الآن من العتق فيشك في انّه هل يجب عليه الاطعام من جهة شكه في انّه كان يجب عليه العتق أو الاطعام تخييرا؟ فالاطعام حينئذ ممّا احتمل كونه واجبا تعيينيا عرضيا ، لا تعيينيا أوليا كالاستهلال الذي ذكرناه في القسم الاول.

الصورة الثانية : ما إذا شك ـ بعد العلم بواجب معيّن عليه ـ في انّه هل يجب عليه الشيء الفلاني ايضا أو هو مباح؟ وعلى تقدير وجوبه هل يكون واجبا تخييريا بينه وبين ذلك الشيء المعلوم الوجوب أم لا؟ فهنا شيئان : شيء معلوم الوجوب ، وشيء آخر مشكوك في انّه عدل لذلك الواجب حتى يكون واجبا تخييريا ، أو ليس عدلا له حتى يكون مباحا؟.

مثلا : إذا تعمّد الافطار في شهر رمضان ، فالكفارة هنا : الصيام واجب قطعا ، لكن يحتمل ان يكون مخيرا بين الصيام وبين الاطعام ، فيكون الشك في الاطعام هل هو واجب عدلا ، أو مباح؟.

٧٩

انّ الظاهر اختصاص أدلّة البراءة بصورة الشكّ في الوجوب التعيينيّ ، سواء كان أصليّا او عرضيّا ، كالواجب المخيّر المتعيّن لأجل الانحصار. أمّا لو شكّ في الوجوب التخييري والاباحة فلا تجري فيه أدلة البراءة ،

______________________________________________________

أشار المصنّف الى القسم الأوّل من الصورة الاولى قائلا :

(ان الظاهر : اختصاص أدلة البراءة بصورة الشّك في الوجوب التعييني) بأن يشك الانسان في انّ الشيء الفلاني واجب تعيينا أم لا؟ فالأصل هو : البراءة من الوجوب (سواء كان) التعيين (أصليّا) كما تقدّم في مثال الاستهلال حيث يشك الانسان في ان الاستهلال واجب أو ليس بواجب؟.

وأشار إلى القسم الثاني من الصورة الاولى بقوله : (أو عرضيّا) أي : كان التعيين بالعرض بعد أن كان في الأصل واجبا تخييريا ، لكن تعذّر شق منه ، فتعيّن الشق الثاني ، فهو على قوله : (كالواجب المخيّر المتعيّن لأجل الانحصار) يعني : كان عليه في الأصل واجب تخييري فتعذر شق منه ، فبقي الشق الآخر واجبا متعينا.

وعلى أي حال : فالشك في هذين القسمين هو مجرى البراءة.

و(أما) الصورة الثانية وهي ما (لو شك في الوجوب التخييري والاباحة) فشيء واجب قطعا ، لكن شيء آخر يشك في انّه هل يجب حتى يكون عدل الشيء الأوّل ، أو ليس بواجب حتى يكون مباحا؟ (فلا تجري فيه أدلة البراءة) فلا يقال الأصل البراءة عن الوجوب التخييري حتى تكون النتيجة : الوجوب التعييني للشيء الأوّل وعليه : ففي مثال الصيام والاطعام لا يقال : الأصل البراءة عن التخيير بينهما حتى يكون الصيام واجبا تعيينيا ، فإنّ أصل البراءة لا يشمل مثل ذلك.

٨٠