الوصائل الى الرسائل - ج ٨

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل الى الرسائل - ج ٨

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-08-2
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

بصحتها عند المتلبس بها ، كالمالك والزوجين ، ما لم يعلم تفصيلا من يريد ترتيب الأثر خلاف ذلك.

______________________________________________________

(بصحتها) أي : بصحة تلك الموضوعات (عند المتلبس بها) أي : بهذه الموضوعات (كالمالك والزّوجين) والعبد الذي استرق ، أو العبد الذي تحرر ، وهكذا.

وعليه : فانّه اذا صحّت الملكية عند المالك والزوجية عند الزوجين ، والرقية عند العبد ، والحرية عند الحر ، وهكذا كل عند نفسه بحسب الاجتهاد أو التقليد ، فللآخر ان يرتّب على هذه الموضوعات الآثار الشرعية ، مثل : جواز الاشتراء وحرمة التزويج وغير ذلك من الأحكام.

وكذلك الحال فيما اذا أفتى أحد المجتهدين بحرمة الشاة المذبوحة بفري ودج واحد ، وأفتى الآخر بحليتها ، فانّه يحل لكل منهما أن يأكل من شاة الآخر ، وكذلك اذا اختلف مجتهداه وكان أحدهما يقول بالحرمة والآخر بالحلية فله الأكل منهما اذا كانت الشاة بعد باقية ، وقد ذكر صاحب الفصول في هذا المجال : انّ الواقعة الواحدة لا تتحمل اجتهادين وهو كلام متين جدا ، وتدل عليه السيرة المستمرة بين المتشرعة مع اختلاف الفقهاء في أمثال هذه الامور اختلافا كثيرا.

ثم إنّ المصنّف قيّد جواز ترتيب الآثار بقوله : (ما لم يعلم تفصيلا من يريد ترتيب الأثر خلاف ذلك) كما ذكرنا في مثال اشتراء شخص ثالث منهما ، وانتقال المال من أحدهما إلى الآخر بسبب بيع أو أرث أو ما أشبه ، حيث يعلم تفصيلا أنّه لا يحل له المالان.

لكنّك قد عرفت : انّ ظاهر الاستثناء الشرعي أنه يصح للثالث ترتيب الآثار أيضا ، وإلّا فأي فرق بين المجتهد المفتي بفتويين وهو يعلم عدم مطابقة احداهما

٢٦١

ولذلك قيل بجواز الاقتداء في الظهرين بواجدي المني في صلاة واحدة ، بناء على أنّ المناط في صحّة الاقتداء الصّحة عند المصلي ، ما لم يعلم تفصيلا فساده.

______________________________________________________

للواقع ، وبين الشخص الثالث المنتقل إليه المالان ، أو الشخص الثاني الذي انتقل إليه مال الأوّل بارث أو نحوه.

(ولذلك) الذي ذكرناه بقولنا : «بناء على ان العبرة في ترتيب آثار الموضوعات ...» (قيل بجواز الاقتداء في الظهرين) مثلا : (بواجدي المني) بأن يصلي الظهر مع أحدهما ، والعصر مع الآخر ، فإنّ المأموم حينئذ يعلم بأن صلاة الظهر باطلة أو صلاة عصره لأنّه ترك الحمد والسورة عمدا ، فانّ الإمام إذا كان جنبا لم تصح إمامته ولم تصح مأمومية المأموم به ، فيكون تركه الحمد والسورة مبطلا لصلاته. بل (في صلاة واحدة) كما إذا صلى مع أحدهما ركعتين ثم مات أو أحدث ، فقام مقامه الآخر ، فإنّ هذه الصلاة مقطوع بأن إمامها واجد للمني في الجملة.

وإنّما قيل بجواز الاقتداء (بناء على أنّ المناط في صحّة الاقتداء : الصّحة عند المصلي) فتصح صلاة الثالث ، ومن المعلوم : انّ صلاة واجد المني صحيح حسب تكليفه ، حيث يستصحب عدم الجنابة بالنسبة إليه (ما لم يعلم تفصيلا فساده) أي : ما لم يعرف الشخص الثالث الجنب منهما تفصيلا ، فإذا عرف جنابة أحدهما تفصيلا بأن علم أنّ زيدا هو الجنب منهما ، فإنّه وإن كان زيد لا يعرف أنّه جنب ، لا يصح للشخص الثالث الاقتداء بزيد.

نعم ، من يرى اشتراط احراز المأموم صحة صلاة الإمام ولو بالأصل ، فلا يجوز الائتمام بهما ولا بأحدهما إذ العلم بجناية أحدهما يمنع عن اجراء أصالة الصحة

٢٦٢

وأما مسألة الصّلح ، فالحكم فيها تعبّدي ، وكأنّه صلح قهريّ بين المالكين ، أو يحمل على حصول الشركة بالاختلاط.

وقد ذكر بعض الأصحاب أنّ مقتضى القاعدة الرّجوع إلى القرعة.

وبالجملة : فلا بدّ من التّوجيه في جميع ما توهّم جواز المخالفة القطعية الرّاجعة الى طرح دليل شرعيّ ،

______________________________________________________

في صلاتهما ، لكن بناء الفقهاء على أنّ الصحيح عند الإمام كاف في جواز الاقتداء به (وأما مسألة الصّلح) في درهمي الودعي التي ورد بها النص وعمل به الفقهاء (فالحكم فيها تعبّدي وكأنّه صلح قهريّ بين المالكين) بمعنى : ان نصف المال أو ما يقسم بالنسبة قد انتقل إلى غير مالكه بنقل الله سبحانه وتعالى فهو صلح من قبل مالك الملوك ، كما قد يكون صلحا من قبل المالك للمال لزيد وعمرو ونحوهما.

(أو يحمل على حصول الشركة بالاختلاط) فكأنه اشترك الودعيان في مجموع الدراهم على سبيل الاشاعة ، حتى ان ما تلف يكون منهما ، وما بقي يكون منهما ، ومرجع هذين الحملين إلى ما ذكرناه : من الخروج بالدليل ، سواء الدليل الشرعي ام ان الدليل العرفي قام على الاشاعة والشارع قررها.

هذا (وقد ذكر بعض الأصحاب أنّ مقتضى القاعدة الرّجوع إلى القرعة) في الودعيين لا التنصيف ، وبقي هنا ممّا لم يذكره المصنّف ـ وإن أشكل عليه في قوله : «ان قلت» ـ مسألة الاختلاف في الثمن أو المثمن ، فيكون ذلك استثناء من الشارع ، كما ذكرناه في غيره ، أو انّه أمر عرفي قرّره الشارع.

(وبالجملة : فلا بدّ من التّوجيه في جميع ما توهّم جواز المخالفة القطعية) فيه (الرّاجعة) تلك المخالفة القطعية (إلى طرح دليل شرعيّ) أوّلي مثل قوله تعالى :

٢٦٣

لأنّها كما عرفت ممّا يمنع عنها العقل والنقل ، خصوصا اذا قصد من ارتكاب المشتبهين التوصّل إلى الحرام ، وهذا ممّا لا تأمّل فيه ومن يظهر منه جواز الارتكاب فالظاهر : أنّه قصد غير هذه الصورة.

ومنه يظهر : ان إلزام ـ القائل بالجواز ـ بأنّ تجويز ذلك يفضي إلى إمكان التوصل إلى فعل جميع المحرّمات على وجه مباح ، بأن يجمع بين الحلال والحرام المعلومين

______________________________________________________

(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) (١) وغيره من أدلة المحرمات ، فان كل هذه الموارد ، استثناء من الأدلة الأوّلية ، أما استثناء شرعي أولا وبالذات ، وأمّا استثناء عرفي قرّر الشارع ذلك الاستثناء (لأنّها كما عرفت ممّا يمنع عنها العقل) فانّ المخالفة القطعية ممنوعة في العقل (و) في (النقل) من الأدلة الأولية الدالة على لزوم الاجتناب عن المحرمات (خصوصا اذا قصد من ارتكاب المشتبهين التوصّل إلى الحرام ، وهذا) قطعي التحريم ، و(ممّا لا تأمل فيه) من أحد.

(و) أما (من يظهر منه جواز الارتكاب) للمشتبهين تدريجا (فالظاهر : أنّه قصد غير هذه الصورة) أي : صورة قصده ارتكاب المشتبهين للتوصل إلى الحرام.

(ومنه) أي : من أنّ حرمة المخالفة مع القصد المذكور اتفاقي بين الأصحاب ، وان من يظهر منه جواز الارتكاب لا يقصد هذه الصورة (يظهر : ان إلزام القائل بالجواز) أي : من يقول بجواز ارتكاب المشتبهين تدريجا (بأنّ تجويز ذلك) الخلاف التدريجي (يفضي) وينتهي (إلى إمكان التوصل إلى فعل جميع المحرّمات على وجه مباح) وذلك (بأن يجمع بين الحلال والحرام المعلومين

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٨٨.

٢٦٤

تفصيلا ، كالخمر والخلّ ، على وجه يوجب الاشتباه فيرتكبهما ـ محلّ نظر ، خصوصا على ما مثل به من الجمع بين الأجنبيّة والزّوجة.

______________________________________________________

تفصيلا كالخمر والخلّ) جمعا (على وجه يوجب الاشتباه) بينهما بأن لم يعرف الخل من الخمر منهما (فيرتكبهما) تدريجا ، فان هذا الالزام (محلّ النظر) بل غير لازم للقائل.

وانّما هو محل نظر لما عرفت : من ان أحدا لم يقل بجواز ارتكاب المشتبه بقصد التوصل إلى الحرام ، (خصوصا على ما مثل به) المستشكل (من الجمع بين الأجنبيّة والزّوجة) فإنّ القائل بجواز ارتكاب المشتبهين تدريجا أشكل عليه :

بأنه على الجواز ، يجوز لشخص أن يجمع بين زوجته وأجنبية فيطؤهما جميعا في ظلام ونحوه حتى لا يعرف عند الوطي أيتهما الزوجة وأيتهما الأجنبية ، كما أنّ له أن يجمع بين الزوجة وغلام ، أو تجمع المرأة بين الزوج والاجنبي ممّا هو بديهي التحريم شرعا.

بل وكذا له أن يجمع بين واجب القتل ومحرّم القتل في مكان لا يميّز بينهما فيقتلهما ، أو بين جائز الذبح في الشاة ومحرّم الذبح كالانسان المحقون الدم فيذبحهما في حال يكون حين الذبح لا يعلم بأن أيهما الانسان ، كما لو كان الذبح بواسطة الماكنة ، إلى غير ذلك من الامور المسلّمة حرمتها شرعا.

وانّما قلنا خصوصا وأنّه لا يرد هذا الاشكال على القائل بجواز الارتكاب التدريجي لما عرفت : من أنّ المخالفة على تقدير جوازها في سائر موارد العلم الاجمالي ، فانّه لا يجوز هاهنا في مثل هذه الأمثلة ، وذلك من جهة الأهمية في الفروج والدّماء حتى وإن لم تقصد من الخلط بينهما التوصل إلى الحرام.

٢٦٥

هذا كلّه فيما إذا كان الحرام المشتبه عنوانا واحدا مرددا بين أمرين.

وأما إذا كان مردّدا بين عنوانين ؛ كما مثّلنا سابقا بالعلم الاجمالي بأنّ أحد المائعين إمّا خمر أو الآخر مغصوب ، فالظّاهر انّ حكمه كذلك.

إذ لا فرق في عدم جواز المخالفة للدليل الشرعي بين كون ذلك الدليل معلوما بالتفصيل وكونه معلوما بالاجمال ،

______________________________________________________

(هذا كلّه فيما إذا كان الحرام المشتبه عنوانا واحدا مرددا بين أمرين) كما إذا لم يعلم أنّ الخمر في الاناء الأحمر أو في الاناء الأبيض (وأما إذا كان مردّدا بين عنوانين كما مثّلنا) له (سابقا) في مبحث القطع (بالعلم الاجمالي بأنّ أحد المائعين إمّا خمر أو الآخر مغصوب) حيث انّه ليس المحرّم عنوانا واحدا ، بل دار الأمر بين الخمرية والمغصوبية ، أو دار أمر المرأة بين كونها زوجة بالحيض أو كونها أجنبية (فالظّاهر انّ حكمه كذلك) أي : تحرم المخالفة عقلا وشرعا ، فلا يجوز له شرب الإناءين حيث يعلم انّه شرب إمّا الخمر وإما المغصوب ، وكذلك لا يجوز له وطي المرأتين حيث يعلم انه إمّا وطي الزوجة في حالة الحيض وإمّا وطي الاجنبية.

وانّما يكون حكمه التحريم أيضا (إذ لا فرق) عقلا وشرعا (في عدم جواز المخالفة للدليل الشرعي بين كون ذلك الدليل معلوما بالتفصيل) مثل : «اجتنب عن الخمر» ، وقوله «للدليل» متعلق «بالمخالفة» (و) بين (كونه معلوما بالاجمال) مثل : اجتنب عن الخمر أو اجتنب عن الغصب ، فانّ العقل والعقلاء والمتشرّعة لا يفرّقون في وجوب الاجتناب عن المشتبه ، سواء كان مشتبها بالخمر وحده ، أم مشتبها إمّا بالخمر وإمّا بالمغصوب ، فيلزم الاجتناب عن كلا الإناءين في كلتا الصورتين.

٢٦٦

فان من ارتكب الإناءين في المثال يعلم بأنه خالف دليل حرمة الخمر أو دليل حرمة المغصوب ، ولذا لو كان إناء واحد مرددا بين الخمر والمغصوب لم يجز ارتكابه ، مع أنه لا يلزم منه الّا مخالفة احد الدليلين لا بعينه ، وليس ذلك إلا من جهة أنّ مخالفة الدليل الشرعي محرّم عقلا وشرعا ، سواء تعيّن للمكلف

______________________________________________________

وانّما يلزم الاجتناب عنهما لانّه كما قال : (فان من ارتكب الإناءين في المثال) أي : في مثال ما إذا علم ان أحدهما إمّا خمر وإمّا غصب (يعلم بأنه خالف دليل حرمة الخمر أو دليل حرمة المغصوب).

ومن الواضح : انه لا فرق عند العقل والعقلاء ولا عند المتشرّعة الذين تلقوا فهمهم من الشرع في وجوب اجتناب الحرام بين الحرمة التفصيلية والحرمة الاجمالية ، وفي الاجمالي بين أن يكون الحرام شيئا واحدا مرددا بين شيئين ، أو الحرام أحد أمرين مرددا بين شيئين.

(ولذا) أي : لأجل عدم الفرق بين الفرضين (لو كان إناء واحد مرددا بين الخمر والمغصوب لم يجز ارتكابه) أيضا لانّه أي فرق بين الاناء الواحد المردّد بين الخمر والمغصوب ، وبين الإناءين الذين يعلم المكلّف بأن أحدهما إمّا خمر وإمّا مغصوب؟ (مع انه لا يلزم منه الّا مخالفة أحد الدليلين لا بعينه) فانه اذا ارتكب المشتبه في المثال الثاني ، وهو ما إذا كان مرددا بين الخمر والمغصوب ، يعلم بأنه خالف إمّا دليل الخمر وإمّا دليل الغصب وهذه المخالفة محرّمة وان كان لا يعلم أنه خالف هذا الدليل أو ذاك الدليل؟.

(وليس ذلك) أي : عدم الجواز بالنسبة إلى محتمل الخمرية والغصبية (إلّا من جهة انّ مخالفة الدليل الشرعي محرّم عقلا وشرعا سواء تعيّن للمكلّف) بأنّه

٢٦٧

أو تردّد بين دليلين.

ويظهر من صاحب الحدائق التفصيل في باب الشبهة المحصورة بين كون المردّد بين المشتبهين فردا من عنوان فيجب الاجتناب عنه وبين كونه مردّدا بين عنوانين فلا يجب.

فان أراد عدم وجوب

______________________________________________________

خمر بين الاناء الأحمر أو الأبيض (أو تردّد بين دليلين) وان كان أحد الإناءين إمّا خمر وإمّا غصب.

هذا حكم ما كان الجامع قريبا كما في مثال المردد بين الخمر والغصب ، وهو : شرب السائل ، فانّه محرّم وكذلك الحال لو كان الجامع بعيدا كما إذا تردد الأمر بين كون ما في الاناء خمرا ، أو ان زوجته في حال الحيض ، فانّه لا يجوز له أن يشرب هذا ويطأ هذه.

وكذا لو كان الجامع ابعد بأن تردد الأمر بين تكليف الزامي لم يعلم انه وجوب الجمعة ، أو حرمة وطي زوجته المحتمل حيضها فانّه إذا قطع بأحد الامرين اجمالا ، وجب عليه الاتيان بالجمعة وترك الزوجة ، فلا يجوز له ان يترك الجمعة وأن يأتي المرأة ، لأنه يعلم حينئذ بأنّه خالف تكليفا إلزاميا موجها اليه ، وذلك ممّا يمنعه العقل والشرع.

هذا (ويظهر من صاحب الحدائق) هنا (التفصيل في باب الشبهة المحصورة بين كون المردّد بين المشتبهين فردا من عنوان) كما عرفت من مثال الخمر المردد بين كونه في الاناء الأبيض أو الاناء الأحمر (فيجب الاجتناب عنه) أي : عن ذلك العنوان الواحد بالاجتناب عن الإناءين (وبين كونه مرددا بين عنوانين) كالخمر أو الغصب ـ مثلا ـ (فلا يجب) الاجتناب عنه (فان أراد) الحدائق (عدم وجوب

٢٦٨

الاجتناب عن شيء منهما في الثاني وجواز ارتكابهما معا ، فظهر ضعفه بما ذكرنا ، وإن أراد عدم وجوب الاحتياط فيه فسيجيء ما فيه.

وأمّا المقام الثاني

فالحق فيه : وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين وفاقا للمشهور ،

______________________________________________________

الاجتناب عن شيء منهما في الثاني) بأن يشرب الإناءين الذين علم بأن أحدهما إمّا خمر وإمّا غصب (وجواز ارتكابهما معا ، فظهر ضعفه بما ذكرنا) من ان العقل والشرع متطابقان في عدم جواز الارتكاب ، سواء كان عنوانا واحدا أم عنوانين؟.

(وإن أراد عدم وجوب الاحتياط فيه) بجواز ارتكاب أحدهما لا بجواز ارتكاب كليهما (فسيجيء ما فيه) وانه كما لا يجوز ارتكاب كلا الإناءين الذين يعلم اجمالا بأن أحدهما خمر أو غصب ، كذلك لا يجوز ارتكاب أحدهما ، فانه ان طابق الواقع عوقب لأنه ارتكاب عمدي بعد وصول البيان.

ألا ترى انه لو علم العبد بأنّ مولاه أمره بأحد شيئين : إمّا بأن يشتري الطعام ، وإمّا بأن لا ينام ، فارتكب العبد كليهما عوقب قطعا ؛ وان ارتكب أحدهما عوقب أيضا ان خالف كلام المولى ، وليس في الشرع ما يدل على خلافه ، بل المتشرعة يرون أنفسهم ملزمين بوجوب الاطاعة كذلك.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل وهو : حرمة المخالفة القطعية للتكليف المعلوم اجمالا وعدمها.

(أما المقام الثاني) : أي : وجوب الموافقة القطعية للمعلوم إجمالا وعدمه (فالحق فيه : وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين وفاقا للمشهور ،

٢٦٩

وفي المدارك : أنه مقطوع به في كلام الاصحاب ، ونسبه المحقق البهبهاني في فوائده إلى الأصحاب ، وعن المحقق المقدّس الكاظمي في شرح الوافية دعوى الاجماع صريحا ، وذهب جماعة إلى عدم وجوبه وحكي عن بعض القرعة.

لنا على ما ذكرنا أنه إذا ثبت كون أدلة تحريم المحرّمات شاملة للمعلوم إجمالا

______________________________________________________

وفي المدارك : انّه مقطوع به في كلام الاصحاب) ومن المعلوم : إنّ هذه العبارات ظاهرة في الاجماع (ونسبه المحقق البهبهاني في فوائده إلى الأصحاب) وهذا أصرح في دعوى الاجماع من كلام المدارك.

(وعن المحقق المقدّس الكاظمي في شرح الوافية : دعوى الاجماع صريحا) عليه ، فاذا شك في أنّ أي الإناءين خمر هذا أو ذاك؟ وجب الاجتناب عنهما.

(و) لكن مع ذلك الاجماع الذي عرفته (ذهب جماعة إلى عدم وجوبه) أي :

عدم وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين ، مما حاصله : أنه لا يجب الموافقة القطعية.

(وحكي عن بعض) قول ثالث وهو : (القرعة) فاذا لم يعلم أنّ هذا خمر أو ذاك ، أقرع بينهما فيجتنب عن أحدهما بالقرعة ويرتكب الآخر بها.

(لنا على ما ذكرنا) من وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين وجوه ثلاثة ، ذكر المصنّف هنا وجها وذكر في آخر المبحث وجهين آخرين.

أمّا الوجه الذي ذكره هنا ، فهو : (انه إذا ثبت كون أدلة تحريم المحرّمات) مثل : اجتنب عن الخمر (شاملة للمعلوم إجمالا) لأن الجهل انّما يكون بالنسبة إلى الذهن ، والألفاظ لم توضع للمعاني المعلومة ، فاذا قال المولى : اجتنب

٢٧٠

ولم يكن هناك مانع عقلي أو شرعي من تنجيز التكليف به ، لزم بحكم العقل التحرّز عن ارتكاب ذلك المحرّم بالاجتناب عن كلا المشتبهين.

وبعبارة اخرى : التكليف بذلك المعلوم إجمالا إن لم يكن ثابتا جازت المخالفة القطعيّة ، والمفروض في هذا المقام التسالم

______________________________________________________

عن الخمر كان معناه : اجتنب عن الخمر الواقعي ، لا الخمر المعلومة الخمرية ، وكذلك اذا قال : صل رحمك ، كان معناه : صل رحمك الواقعي ، لا ان معناه رحمك المعلومة أنّها رحمك.

هذا من جهة وجود المقتضي ، فانّ المقتضي موجود.

(و) أمّا عدم المانع فانّه (لم يكن هناك مانع عقلي أو شرعي من تنجيز التكليف به) أي بالمعلوم اجمالا ، فاذا كان المقتضي موجودا والمانع مفقودا اثرت العلة التامة أثرها وهو تنجز التكليف هنا ، وذلك لأن العقل لا يرى مانعا عن تنجز التكليف المعلوم اجمالا ، وأدلّة البراءة لا تشمل مورد العلم الاجمالي كما سبق في بحث البراءة.

وعليه : فاذا تم هذان الأمران : وجود المقتضي وعدم المانع (لزم بحكم العقل : التحرّز عن ارتكاب ذلك المحرّم) المجهول خصوصيته ، المعلوم أصله بالاجمال ، ويكون التحرز (بالاجتناب عن كلا المشتبهين) : المحرّم الواقعي من باب أنّه حرام ، وغير المحرّم الواقعي ممّا اشتبه به من باب المقدمة العلمية ، إذ لو ارتكب أحدهما وصادف الواقع كان فيه العقاب.

(وبعبارة اخرى : التكليف بذلك المعلوم اجمالا إن لم يكن ثابتا) لقصور الأدلة ـ مثلا ـ (جازت المخالفة القطعيّة) بأن يرتكب كلا الإناءين (و) لكن (المفروض في هذا المقام) الذي نحن فيه من وجوب الموافقة القطعية (: التسالم

٢٧١

على حرمتها ، وإن كان ثابتا وجب الاحتياط فيه بحكم العقل ، إذ يحتمل أن يكون ما يرتكبه من المشتبهين هو الحرام الواقعي ، فيعاقب عليه ، لأنّ المفروض لمّا كان ثبوت التكليف بذلك المحرّم فلم يقبح العقاب عليه إذا اتّفق ارتكابه ولو لم يعلم به حين الارتكاب.

______________________________________________________

على حرمتها) أي : حرمة المخالفة القطعية.

(وإن كان) التكليف بذلك المعلوم اجمالا (ثابتا) لما عرفت : من وجود المقتضي وعدم المانع (وجب الاحتياط فيه بحكم العقل) بالاجتناب عن كلا المشتبهين.

وانّما يلزم الاجتناب عن كليهما (إذ يحتمل أن يكون ما يرتكبه من المشتبهين) فيما لو ارتكب أحدهما فقط أن يكون (هو الحرام الواقعي فيعاقب عليه) فالعقل يستقل بوجوب دفع العقاب المحتمل في مورد العلم الاجمالي.

وانّما يعاقب المولى عليه مع المصادفة (لأنّ المفروض لمّا كان ثبوت التكليف بذلك المحرّم) لما عرفت : من وجود المقتضي وعدم المانع (فلم يقبح العقاب عليه) أي : على ما ارتكبه (إذا اتّفق ارتكابه) للحرام الواقعي بأن شرب أحد الإناءين فكان في الواقع هو الخمر (ولو لم يعلم) المكلّف (به) أي : بأن ما يشربه هو ذلك المحرّم (حين الارتكاب) ومن المعلوم : إنّ دفع العقاب المحتمل الذي لا مؤمّن منه عقلا أو شرعا واجب عقلا.

نعم ، إذا ارتكب أحدهما ولم يصادف الخمر في الواقع ، لم يكن عليه عقاب ، لأنه لم يشرب الخمر ، والمفروض إنّ الخمر حرام لا الماء الذي لم يعلم المكلّف انه خمر أو ماء ، الّا انّه يكون تجريا والشيخ المصنّف قدس‌سره يرى عدم حرمة التجري كما تقدّم في أول الكتاب.

٢٧٢

واختبر ذلك من حال العبد إذا قال له المولى : «اجتنب وتحرّز عن الخمر المردّد بين هذين الإناءين» ، فأنك لا تكاد ترتاب في وجوب الاحتياط.

ولا فرق بين هذا الخطاب وبين أدلّة المحرّمات الثابتة في الشريعة الّا العموم والخصوص.

فان قلت : اصالة الحلّ

______________________________________________________

(واختبر ذلك) أي : وجوب الاحتياط بالاجتناب عن كلا المشتبهين وأنه اذا ارتكب أحدهما وصادف الواقع عوقب عليه (من حال العبد إذا قال له المولى : «اجتنب وتحرّز عن الخمر المردّد بين هذين الإناءين») فيما كان هناك إناءان أحدهما خمر ، فقال له المولى : اجتنب عن الخمر الواقعي المردد بينهما (فانك لا تكاد ترتاب في وجوب الاحتياط) في الاجتناب عن كلا الإناءان.

هذا (ولا فرق بين هذا الخطاب) من المولى لعبده (وبين أدلة المحرّمات الثابتة في الشريعة) حيث قال سبحانه : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) (١) (الّا العموم والخصوص) المطلق فانّ المولى في هذا المثال حرّم خصوص الخمر المردّد بين هذين الإناءين ، والشرع حكم بحرمة كلّي الخمر سواء علم به تفصيلا أو اجمالا ، وكما يجب الاحتياط في مثال العبد وخصوص الخمر المردد بين الإناءين ، كذلك يجب الاحتياط في الثاني وهو تحريم المولى الخمر الكلي ، إذ لا يرى العرف فرقا بين الأمرين.

(فان قلت :) انكم ذكرتم وجود المقتضي للحرمة وعدم المانع من عقل أو شرع عنها ، لكنّا نقول : المانع موجود وهو : وجود أصالة الحل ، فانّ (أصالة الحلّ

__________________

(١) ـ سورة المائدة : الآية ٩٠.

٢٧٣

في كلا المشتبهين جارية في نفسها ومعتبرة لو لا المعارض ، وغاية ما يلزم في المقام تعارض الأصلين ، فيتخيّر في العمل في أحد المشتبهين ، ولا وجه لطرح كليهما.

قلت : أصالة الحلّ غير جارية هنا بعد فرض كون المحرّم الواقعي مكلفا بالاجتناب عنه ، منجّزا على ما هو مقتضى الخطاب بالاجتناب عنه

______________________________________________________

في كلا المشتبهين جارية في نفسها) أي : جارية لو لا المعارض ، فانّ الأصل :

حليّة هذا الاناء ، كما ان الأصل : حليّة ذاك الاناء أيضا ، اذ أصالة الحل جارية (ومعتبرة) في كل من الإناءين (لو لا المعارض) حيث انّ أصل الحل في هذا ، معارض بأصل الحل في ذاك ، لانّا نعلم اجمالا بأنّ أحدهما حرام فلا نتمكن من اجراء أصلين فيهما.

(و) عليه فانّ (غاية ما يلزم في المقام) في مورد اشتباه الحرام بين الإناءين هو : (تعارض الأصلين) لأنّ أصل الحل في هذا الاناء معارض بأصل الحل في الاناء الآخر بعد العلم الاجمالي بحرمة أحدهما (فيتخيّر في العمل في أحد المشتبهين) لأنّه اذا لم يتمكن الانسان من العمل بكلا الأصلين ، فلا اقل من أن يعمل بأحدهما ، لأنّه القدر الممكن (ولا وجه لطرح كليهما) أي : كلا الاصلين ، فانّ العلم الاجمالي مانع عن جريانهما معا ، لا عن جريان أحدهما.

(قلت :) ما ذكرتم : من وجود المانع غير صحيح ، لأن (أصالة الحلّ غير جارية هنا) أي : في مورد العلم الاجمالي (بعد فرض كون المحرّم الواقعي مكلّفا بالاجتناب عنه) تكليفا (منجّزا) عقلا وشرعا كما عرفت (على ما هو مقتضى الخطاب) وقوله : «على» متعلق بقوله : «مكلفا» (بالاجتناب عنه) أي : عن المحرّم ، فيكون معنى ذلك : انّ مقتضى قوله : «اجتنب عن الخمر» وجوب

٢٧٤

لأنّ مقتضى العقل في الاشتغال اليقيني بترك الحرام الواقعي هو الاحتياط والتحرّز عن كلا المشتبهين ، حتى لا يقع في محذور فعل الحرام. وهو معنى المرسل المرويّ في بعض كتب الفتاوى : «اترك ما لا بأس به حذرا عمّا به البأس» ، فلا يبقى مجال للاذن في فعل أحدهما ،

______________________________________________________

الاجتناب عن الخمر الواقعي ، سواء علم به المكلّف أو تردد بين اناءين أو ما أشبه ، وذلك (لأنّ مقتضى العقل في الاشتغال اليقيني بترك الحرام الواقعي) قوله : «بترك» متعلق «بالاشتغال» (هو : الاحتياط والتحرّز عن كلا المشتبهين حتى لا يقع في محذور فعل الحرام) إذا صادف الواقع.

والحاصل : إنّ أدلة الحلّ ليست مانعة عن مقتضى العلم الاجمالي الذي هو الاجتناب عن كليهما ، بل (وهو) أي : الذي ذكرناه : من وجوب الاجتناب عن كليهما (معنى المرسل المرويّ في بعض كتب الفتاوى) كسرائر ابن ادريس رحمه‌الله : (اترك ما لا بأس به) أي : الحلال (حذرا عمّا به البأس) (١) أي : الحرام ، فاذا اختلف الحرام بالحلال وجب ترك الحلال لئلا يقع في محذور الحرام.

وعليه : (فلا يبقى مجال للاذن في فعل أحدهما) كما لا يجوز ارتكاب كليهما ، فإنّ ارتكاب كلا المشتبهين مناف لتنجز التكليف المعلوم اجمالا ـ حسب ما عرفت ـ واجراء البراءة في أحدهما فقط مناف لقاعدة الاشتغال ، فانّ الاشتغال اليقيني بحاجة الى البراءة اليقينية ، والبراءة اليقينية لا تحصل الّا بالاجتناب عن جميع الأطراف.

__________________

(١) ـ اشارة الى الحديث الوارد عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس ، الصراط المستقيم : ج ١ ص ١٣٥ ، وقريب منه في تحف العقول : ص ٦٠ ، الالفين : ص ٣١٢ ، مجموعة ورام : ج ١ ص ٦٠.

٢٧٥

وسيجيء في باب الاستصحاب أيضا أن الحكم في تعارض كل أصلين اذا لم يكن أحدهما حاكما على الآخر هو : التساقط ، لا التخيير.

فان قلت :

______________________________________________________

(وسيجيء) إنشاء الله تعالى (في باب الاستصحاب أيضا) كما ذكرنا هنا : من (ان الحكم في تعارض كلّ أصلين إذا لم يكن أحدهما حاكما على الآخر هو : التساقط ، لا التخيير) فإذا كان هناك استصحابان ليس بينهما سببي أو مسببي يتساقطان ، كما إذا كان هناك إناءان كلاهما طاهر ثم وقع نجس في أحدهما المردّد ، فانّه لا يجري استصحاب الطهارة في هذا الاناء ، كما لا يجري استصحاب الطهارة في ذاك الاناء ، بل يتساقط الاستصحابان.

نعم ، إذا كان أحد الأصلين حاكما على الآخر ، بأن كان الشك في مورد سببا للشك في مورد آخر ، فانّه يجري الأصل في الشك السببي ويطرح الآخر الذي هو شك مسببي ، كما إذا كانت يده نجسه فغسلها في حوض مسبوق بالكريّة ، ثم شك في كرّية الماء ، فإنّ استصحاب الكريّة هنا حاكم على استصحاب نجاسة اليد ، فيجري استصحاب كرّية الماء ويسقط بسببه استصحاب نجاسة اليد ، فيحكم بطهارة اليد.

(فان قلت :) ممّا حاصله على قول الأوثق : «ان ظاهر قوله عليه‌السلام : «كل شيء لك حلال» (١) هو : إلغاء احتمال الحرمة فيما يحتملها والحلية ، والبناء على كونه محللا في الواقع ، وهذا في الشبهات البدوية واضح ، لعدم منافاة البناء على حلية بعضها مع البناء على حلية الباقي ، لاحتمال حلية الجميع في نفس الأمر ، فيحكم

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٣١٣ ح ٤٠ ، تهذيب الاحكام : ج ٧ ص ٢٢٦ ب ٢١ ح ٩ ، وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٨٩ ب ٤ ح ٢٢٠٥٣ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٣ ب ٣٣ ح ١٢.

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

في الجميع بكونها محللا في الواقع بحسب تنزيل الشارع ، فانّ الشبهات البدوية المتكثرة كل واحد يحكم فيها بالحلية ، ويحتمل أنّ الجميع في نفس الأمر حلال ، وأمّا الشبهة المحصورة : فلأن العلم فيها لمّا كان حاصلا بحرمة أحد المشتبهين أو الأكثر ما لم يصل إلى حدّ غير المحصور ، فالبناء على كون أحدهما حلالا في الواقع يستلزم وجوب البناء على كون الآخر حراما لا محالة ، وحيث لا ترجيح للحكم بحلية أحدهما بالخصوص ، يحكم بذلك فيهما على التخيير ، وذلك لأنّ البناء على حلية بعض الأطراف وكونه الموضوع المحلل ، يستلزم عقلا البناء على كون غيره هو الموضوع المحرّم ، فكل من الحرام والحلال يكون على البدل (١).

ولا يخفى : ان الفرق بين «ان قلت» هذا وبين «ان قلت» السابق بعد كون مفاد الاثنين : التخيير في ارتكاب أحد المشتبهين على البدل هو : ان جعل البدل هناك مستفاد من الجمع بين أدلة الحل وتعارض الأصلين ، لا من نفس أدلة الحل وجوابه كما عرفت : حكومة الاشتغال على الحل ، وهنا : جعل البدل مستفاد من نفس أدلة الحل وحكومتها على قاعدة الاشتغال ، إذ مفادها : وجوب البناء على ان هذا هو الخل فيترتّب عليه الحلية ، وهذا يشتمل موارد الشبهة البدوية على سبيل الاستيعاب وشمول جميع أطراف الشبهة ، لما عرفت : من امكان البناء على احتمال أن يكون كل واحد من هذه الأواني المرددة بين الخل والخمر : خلا ، كما يشمل موارد الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي على سبيل التخيير وشمول بعض أفراد الشبهة لأنّ البناء على كون أحدهما خلا ، مستلزم للبناء على كون الثاني خمرا.

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٣٢٩ لزوم الموافقة القطعية في الشبهة الموضوعية.

٢٧٧

قوله «كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام» أو نحوه ، يستفاد منه : حليّة المشتبهات بالشبهة المجرّدة عن العلم الاجمالي جميعا ، وحلية المشتبهات المقرونة بالعلم الاجمالي على البدل ، لأن الرّخصة في كل شبهة مجرّدة لا تنافي الرّخصة في غيرها ، لاحتمال كون الجميع حلالا في الواقع.

فالبناء على كون هذا

______________________________________________________

وعليه : فان (قوله) عليه‌السلام : («كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام» (١) أو نحوه) من سائر أدلة البراءة مثل : «كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» (٢) (يستفاد منه : حليّة المشتبهات بالشبهة المجرّدة عن العلم الاجمالي) حلا يشمل اطرافها (جميعا) أي : جميع أفراد الشبهة البدوية (وحليّة المشتبهات المقرونة بالعلم الاجمالي) انّما يكون (على البدل) فاذا استعملنا أحدهما على انّه حلال ، يحرم استعمال الآخر ، لأنه يكون حينئذ بدلا عن الحرام الواقعي ، وكذلك إذا عكسنا : بأن استعملنا الثاني على انه حلال ، فانه يحرم الأوّل بناء على كونه بدلا عن الحرام الواقعي.

وانّما يستفاد من الأدلة ذلك (لأن الرّخصة في كل شبهة مجرّدة) عن العلم الاجمالي (لا تنافي الرّخصة في غيرها) بالنسبة إلى باقي الشبهات البدوية المتعددة (لاحتمال كون الجميع حلالا في الواقع) وكذا بالنسبة إلى الطهارة والنجاسة فيما كانت شبهات بدوية متعددة هنا وهناك (فالبناء على كون هذا

__________________

(١) ـ فروع الكافي : ج ٥ ص ٣١٣ ح ٤٠ مع تفاوت ، وقريب منه في المحاسن : ص ٤٩٥ ح ٥٩٦ وبحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٤.

(٢) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣١٧ ح ٩٣٧ ، غوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٦٢ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ٦ ص ٢٨٩ ب ١٩ ح ٧٩٩٧ وج ٢٧ ص ١٧٤ ب ١٢ ح ٣٣٥٣٠.

٢٧٨

المشتبه بالخمر خلا ، لا ينافي البناء على كون المشتبه الآخر خلا.

وأمّا الرّخصة في شبهة مقرونة بالعلم الاجمالي والبناء على كونه خلّا لمّا يستلزم وجوب البناء على كون المحرّم هو المشتبه الآخر ، فلا يجوز الرّخصة فيه جميعا.

نعم ، يجوز الرّخصة فيه بمعنى جواز ارتكابه والبناء على ان المحرّم غيره ، مثلا الرخصة في ارتكاب أحد المشتبهين بالخمر مع العلم بكون أحدهما خمرا ،

______________________________________________________

المشتبه بالخمر خلا ، لا ينافي البناء على كون المشتبه الآخر) أيضا (خلا) وكذلك بالنسبة الى المشتبه الثالث والرابع والخامس فيما كانت الشبهات بدوية.

(وأمّا الرّخصة في شبهة مقرونة بالعلم الاجمالي والبناء على كونه خلا) فيما إذا كان هنالك إناءان أحدهما خل والآخر خمر ، فانّه (لمّا) كان (يستلزم وجوب البناء على كون المحرّم هو المشتبه الآخر) حتى يكون المشتبه الآخر إمّا خمرا في الواقع ، وإمّا بدلا عن الخمر الواقعي في تحريم الشارع له ، (فلا يجوز الرّخصة فيه جميعا) بأن يأذن في استعمال هذا الاناء وذاك الاناء مع أنّه يعلم بأن أحدهما خمر.

(نعم ، يجوز الرّخصة فيه) أي : في كل واحد من المشتبهين على سبيل البدل للتخيير (بمعنى : جواز ارتكابه والبناء على ان المحرّم غيره) أي : غير الذي ارتكبه ، ليكون المتروك هو البدل عن الحرام ، فاذا ترك الأوّل (مثلا) كان الثاني بدلا ، وإذا ترك الثاني كان الأوّل بدلا ، كما في (الرخصة في ارتكاب أحد المشتبهين بالخمر مع العلم بكون أحدهما خمرا) والآخر خلا أو ماء.

٢٧٩

فانّه لمّا علم من الأدلّة تحريم الخمر الواقعي ، ولو تردّد بين الأمرين كان معنى الرّخصة في ارتكاب أحدهما الاذن في البناء على عدم كونه هو الخمر المحرّم عليه ، وأنّ المحرّم غيره ، فكل منهما حلال ، بمعنى جواز البناء على كون المحرّم غيره.

والحاصل :

______________________________________________________

وعليه : (فانّه لمّا علم من الأدلّة تحريم الخمر الواقعي) لما تقدّم : من أنّ الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية ، فاذا قال المولى : الخمر حرام كان معناه : الخمر الواقعي حرام (ولو تردّد بين الأمرين) فالخمر المردد بين الإناءين حرام وإن لم نعلم أنّ الاناء الأبيض خمر أو الاناء الأحمر ، فاذا رخّص أحدهما للتخيير (كان معنى الرّخصة في ارتكاب أحدهما : الاذن في البناء على عدم كونه) أي : كون الذي يرتكبه (هو الخمر المحرّم عليه ، وانّ) الخمر (المحرّم) عليه (غيره) أي : غير الذي ارتكبه (فكل منهما حلال بمعنى : جواز البناء على كون المحرّم غيره).

هذا (و) لا يقال : إنّ شمول الرواية للشبهة البدوية والشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي استعمال للفظ في أكثر من معنى ، لأنه على ما ذكرتم : من أنّ أدلة الحل تدل على حلّية الشبهات البدوية تعيينا في كل الشبهات البدوية ، وحلية الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي تخييرا في بعضها دون بعض ، مستلزم لاستعمال اللفظي المعنيين وهو أمّا مستحيل كما يقوله الآخوند ، أو خلاف الظاهر كما يقوله المشهور ، ولا يصار إليه إلّا بالقرينة ولا قرينة في المقام.

لأنّه يقال : (الحاصل) من دفع هذا الاشكال هو : أنّ اللفظ قد استعمل في معنى واحد كلّي ، وهو : ألغ احتمال الحرمة ، ولا زمه في الشبهات البدوية : حل

٢٨٠