الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨
وتغاير الهَرَمان والحَرَمان في |
|
تابوتِه وعلى الكريمِ يُغارُ |
آثرتَ مصراً منه بالشرفِ الذي |
|
حسدتْ قرافتَها له الأمصارُ |
غضبَ الإلهُ على رجالٍ أقدموا |
|
جهلاً عليه وآخرين أشاروا |
لا تعجبنْ لقُدارِ ناقةِ صالحٍ |
|
فلكلِّ عصرٍ صالحٌ وقُدارُ (١) |
أُحلِلْتَ دارَ كرامةٍ لا تنقضي |
|
أبداً وحلَّ بقاتليكَ بوارُ |
وقع القصاصُ بهمْ وليسوا مقنعاً |
|
يرضى وأين من السماءِ غبارُ |
ضاقت بهم سعةُ الفجاجِ وربّما |
|
نام الوليُّ ولا ينامُ الثارُ |
فتهنَّ بالأجر الجزيلِ وميتةٍ |
|
درجتْ عليها قبلَكَ الأخيارُ |
مات الوصيُّ بها وحمزةُ عمُّهُ |
|
وابنُ البتولِ وجعفرُ الطيّارُ |
وقال في يوم الخميس وقد نُقل الصالح إلى تربته بالقرافة :
يا مُطلقَ العبراتِ وهي غزارُ |
|
ومقيّدَ الزفراتِ وهي حرارُ |
ما بالُ دمعِكَ وهو ماءٌ سافحٌ |
|
يُذكى به من حدِّ وجدِكَ نارُ |
لا تتّخذني قدوةً لك في الأسى |
|
فلديَّ منهُ مشاعرٌ وشعارُ |
خفِّضْ عليك فإنَّ زندَ بليّتي |
|
وارٍ وفي صدري صدىً وأُوارُ |
إن كان في يدِك الخيارُ فإنّني |
|
وَلهانُ لم أُتْرَكْ وما أختارُ |
في كلِّ يومٍ لي حنينُ مضلّةٍ |
|
يودى لها بعد الحوارِ حوارُ |
عاهدتُ دمعي أن يقرَّ فخانني |
|
قلبٌ لسائلِهِ الهمومُ قرارُ |
هل عند محتقرٍ يسيرَ بليّةٍ |
|
إنّ الصغارَ من الهمومِ كبارُ |
ومنها :
حتى إذا شيّدْتها ونصبْتها |
|
علماً يُحَجُّ فناؤه ويُزارُ |
__________________
(١) قُدار : اسم عاقر ناقة صالح عليهالسلام.
ومنها :
أكفيلَ آلِ محمدٍ ووليَّهمْ |
|
في حيث عُرفُ وليِّهمْ إنكارُ |
ومنها :
ولقد وفى لك من صنائعكِ امرؤٌ |
|
بثنائِهِ تستسمعُ السمّارُ |
أوفى أبو حسنٍ بعهدِكَ عندما |
|
خذلتْ يمينٌ أُختَها ويسارُ |
غابت حُماتُكَ واثقين ولم تغبْ |
|
فكأنّهم بحضورِه حضّارُ |
ومنها :
ملكٌ جنايةُ سيفِهِ وسنانِهِ |
|
في كلّ جبّارٍ عصاه جُبارُ |
جمعت له فرقُ القلوبِ على الرضا |
|
والسيفُ جامعهنَّ والدينارُ |
وهما اللذان إذا أقاما دولةً |
|
دانتْ وكان لأمرِها استمرارُ |
وإذا هما افترقا ولم يتناصرا |
|
عزَّ العدوُّ وَذلّتِ الأنصارُ |
يا خيرَ من نُقِضتْ له عُقَدُ الحبى |
|
وغدا إليه النقضُ والإمرارُ |
ومضت أوامرُه المطاعةُ حسبما |
|
يقضى به الإيرادُ والإصدارُ |
إنّ الكفالةَ والوزارةَ لم يزلْ |
|
يومى إليك بفضلِها ويُشارُ |
كانت مسافرةً إليك وتبعد ال |
|
أخطارُ ما لم تُركَبِ الأخطارُ |
حتى إذا نزلتْ عليك وشاهدتْ |
|
ملِكاً لزند الملْكِ منه أُوارُ |
ألقت عصاها في ذُراك وعُرِّيتْ |
|
عنها السروجُ وحُطَّتِ الأوكارُ |
لله سيرتُكَ التي أطلقتَها |
|
وقيودُها التأريخ والأشعارُ |
جلّت فصلّى خاطري في مدحِها |
|
وكبتْ ورائي قُرّحٌ ومهارُ |
والخيلُ لا يرضيك منها مخبرٌ |
|
إلاّ إذا ما لزّها المضمارُ |
ومدائحي ما قد علمتَ وطالما |
|
سبقت ولم يبلل لهنّ عذارُ |
إن أخّرتْني عن جنابكِ محنةٌ |
|
بأقلَّ منها تُبسَطُ الأعذارُ |
فلديَّ من حسنِ الولاء عقيدةٌ |
|
يرضيك منها الجهرُ والإسرارُ |
وقال يرثيه ويمدح ولده الملك الناصر العادل بن الصالح ، وأنشدها في مشهده بالقرافة في شعبان سنة سبع وخمسين وخمسمائة :
أرى كلَّ جمع بالردى يتفرّقُ |
|
وكلَّ جديدٍ بالبلى يتمزّقُ |
وما هذه الأعمارُ إلاّ صحائفٌ |
|
تؤرَّخُ وقتاً ثمّ تُمحى وتُمحَقُ |
ومنها :
ولمّا تقضّى الحولُ إلاّ ليالياً |
|
تضافُ إلى الماضي قريباً وتلحقُ |
وعجنا بصحراءِ القرافةِ والأسى |
|
يغرِّبُ في أكبادِنا ويُشرِّقُ |
عقدنا على ربِّ القوافي عقائلاً |
|
تغرُّ إذا هانت جيادٌ وأينُقُ |
وقلنا له خذْ بعضَ ما كنتَ منعِماً |
|
به وقضاءُ الحقِّ بالحرِّ أليقُ |
عقودُ قوافٍ من قوافيك تُنتقى |
|
ودرُّ معانٍ من معانيك يُسرَقُ |
نثرنا على حصباءِ قبرِكَ درَّها |
|
صحيحاً ودرُّ الدمع في الخدّ يفلقُ |
ويقول فيها :
وجدناكمُ يا آلَ رُزّيكَ خيرَ من |
|
تنصُّ إليه اليعملات وتعنقُ |
وفدنا إليكم نطلبُ الجاهَ والغنى |
|
فأُكرِمَ ذو مثوى وأُغني مملقُ |
وعلّمتمونا عزّةَ النفسِ بالندى |
|
وملقى وجوهٍ لم يَشنْها التملّقُ |
وصيّرتمُ الفسطاطَ بالجود كعبةً |
|
يطوف بركنيها العراق وجِلّقُ (١) |
فلا سِترُكم عن مرتَجٍ قطُّ مرتجٌ |
|
ولا بابُكمْ عن معلقِ الحظِّ مغلقُ |
وليس لقلبٍ في سواكمْ علاقةٌ |
|
ولا ليَدٍ إلاّ بكم متعلّقُ |
__________________
(١) جِلِّق بكسرتين وتشديد اللام ـ : اسم لكورةِ الغوطة كلّها ، وقيل : بل هي دمشق نفسها [معجم البلدان : ٢ / ١٥٤]. (المؤلف)
نماذج من شعر الملك الصالح
ذكر ابن شهرآشوب كثيراً من شعره في كتابه مناقب آل أبي طالب ، منه قوله (١):
محمدٌ خاتمُ الرسلِ الذي سبقت |
|
به بشارة قُسٍّ وابنِ ذي يزنِ |
وأنذَرَ النطقاءُ الصادقون بما |
|
يكونُ من أمرِهِ والطهرُ لم يكنِ |
الكاملُ الوصفِ في حلمٍ وفي كرمٍ |
|
والطاهرُ الأصلِ من ذمٍّ ومن درَنِ |
ظِلُّ الإلهِ ومفتاحُ النجاة وين |
|
ـبوعُ الحياةِ وغيثُ العارضِ الهتِنِ |
فاجعله ذخرك في الدارين معتصماً |
|
به وبالمرتضى الهادي أبي الحسنِ |
وله (٢):
ولايتي لأمير المؤمنين علي |
|
بها بلغتُ الذي أرجوه من أملي |
إن كان قد أنكرَ الحسّادُ رتبتَهُ |
|
في جودِهِ فتمسّكْ يا أخي بهلِ (٣) |
وله (٤):
كأنّي إذا جعلتُ إليك قصدي |
|
قصدتُ الركنَ بالبيتِ الحرامِ |
وخُيِّلَ لي بأنّي في مقامي |
|
لديه بين زمزم والمقامِ |
أيا مولاي ذكرُكَ في قعودي |
|
ويا مولايَ ذكرُكَ في قيامي |
وأنت إذا انتبهتُ سميرُ فكري |
|
كذلك أنتَ أُنسي في مقامي (٥) |
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٤٤.
(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٧.
(٣) أشار إلى سورة هل أتى ونزولها في العترة الطاهرة :. (المؤلف)
(٤) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٦٤.
(٥) في المصدر وديوانه المطبوع في النجف : ص ١٣٢ : في منامي.
وحبُّكَ إن يكن قد حلَّ قلبي |
|
ففي لحمي استكنَّ وفي عظامي |
فلو لا أنتَ لم تُقبَلْ صلاتي |
|
ولولا أنت لم يُقبَلْ صيامي |
عسى أُسقى بكأسِكَ يوم حشري |
|
ويبرُد حين أشربها أُوامي |
وله (١):
يا عروةَ الدينِ المتينِ |
|
وبحرَ علمِ العارفينا |
يا قبلةً للأوليا |
|
ءِ وكعبةً للطائفينا |
من أهل بيتٍ لم يزالوا |
|
في البريّةِ مُحسنينا |
التائبين العابدين ال |
|
ـصائمين القائمينا |
العالمين الحافظين ال |
|
ـراكعين الساجدينا |
يا من إذا نام الورى |
|
باتوا قياماً ساهرينا |
وله (٢):
قومٌ علومُهمْ عن جدِّهم أُخذت |
|
عن جبرئيلَ وجبريلٌ عن اللهِ |
هم السفينةُ ما كنّا لنطمعَ أن |
|
ننجو من الهولِ يومَ الحشرِ لو لا هي |
الخاشعون إذا جنَّ الظلامُ فما |
|
تغشاهمُ سِنةٌ تنفي بإنباهِ |
ولا بدت ليلةٌ إلاّ وقابلَها |
|
من التهجّدِ منهم كلُّ أوّاهِ |
وليس يشغلُهمْ عن ذكرِ ربّهمُ |
|
تغريدُ شادٍ ولا ساقٍ ولا طاهِ |
سحائبٌ لم تزل بالعلمِ هاميةً |
|
أجلّ من سُحُبٍ تهمي بأمواهِ |
وله (٣):
إنّ النبيَّ محمداً ووصيَّهُ |
|
وابنيه وابنتَهُ البتولَ الطاهره |
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٢٣١.
(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤١٨.
(٣) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٥٣. ونسبها إلى ابن دريد.
أهلُ العباءِ فإنّني بولائهمْ |
|
أرجو السلامةَ والنجا في الآخره |
وأرى محبّةَ من يقولُ بفضلِهمْ |
|
سبباً يُجير من السبيلِ الحائره |
أرجو بذاك رضا المهيمنِ وحدَهُ |
|
يومَ الوقوفِ على ظهورِ الساهره (١) |
وله يمدح أمير المؤمنين عليهالسلام (٢):
هو النور نور الله والنورُ مشرقٌ |
|
علينا ونورُ اللهِ ليس يزولُ |
سما بين أملاكِ السماواتِ ذكرُهُ |
|
نبيهٌ فما إن يعتريه خمولُ |
وله (٣):
لا تعذلنِّي إنّني لا أقتفي |
|
سُبُلَ الضلال لقولِ كلِّ عذولِ |
عند التباهلِ ما علمنا سادساً |
|
تحت الكسا منهمْ سوى جبريلِ |
وله في أمير المؤمنين وأولاده الأئمّة الطاهرين عليهمالسلام (٤):
بحبِّ عليٍّ أرتقي منكبَ العلى |
|
وأسحبُ ذيلي فوقَ هامِ السحائبِ |
إمامي الذي لمّا تلفّظتُ باسمِهِ |
|
غلبتُ به من كان بالكُثْرِ غالبي |
أئمّة حقٍّ لو يسيرون في الدجى |
|
بلا قمرٍ لاستصحبوا بالمَناسبِ |
بهم تبلغُ الآمالُ من كلّ آملٍ |
|
بهم تُقبَلُ التوباتُ من كلِّ تائبِ |
وله في زهد أمير المؤمنين عليهالسلام (٥):
ذاك الذي طلّقَ الدنيا لعمريَ عن |
|
زهدٍ وقد سفرت عن وجهها الحسنِ |
وأوضح المشكلاتِ الخافياتِ وقد |
|
دقّتْ عن الفكرِ واعتاصتْ على الفطنِ |
__________________
(١) الساهره : الأرض التي يحشر الناس عليها.
(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٩٩.
(٣) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٣.
(٤) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٣٨ ، ٤ / ١٧٦.
(٥) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ١١٨.
وله في العترة الطاهرة صلوات الله عليهم (١):
آلُ رسولِ الإلهِ قومٌ |
|
مقدارُهمْ في العُلى خطيرُ |
إذ جاءهمْ سائلٌ يتيمٌ |
|
وجاءَ من بعدِهِ أسيرُ |
أخافَهمْ في المعادِ يومٌ |
|
معظَّمُ الهولِ قمطريرُ |
فقد وُقُوا شرَّ ما اتّقوه |
|
وصارَ عقباهمُ السرورُ |
في جنّةٍ لا يرونَ فيها |
|
شمساً ولا ثَمَّ زمهريرُ |
يطوفُ ولدانُهمْ عليهمْ |
|
كأنّهمْ لؤلؤٌ نثيرُ |
لباسُهم في جنانِ عدنٍ |
|
سندسُها الأخضر الحريرُ |
جزاهمُ ربُّهم بهذا |
|
وهو لِما قد سعوا شكورُ |
وله (٢) في المعنى (٣):
إنّ الأبرارَ يشربون بكأسٍ |
|
كان حقّا مزاجُها كافورا |
ولهم أنشأ المهيمنُ عيناً |
|
فجّروها عبادُهُ تفجيرا |
وهداهمْ وقال يوفون بالنذ |
|
ر فمن مثلهم يوفّي النذورا |
ويخافون بعد ذلك يوماً |
|
هائلاً كان شرُّه مُستطيرا |
يُطعمون الطعامَ ذا اليُتم والمس |
|
ـكينَ في حبِّ ربِّهم والأسيرا |
إنّما نطعمُ الطعام لوجه الله |
|
لا نبتغي لديكمْ شُكورا |
غير أنّا نخافُ من ربِّنا يو |
|
ماً عبوساً عصبصباً قمطريرا |
فوقاهمْ إلههم ذلك اليو |
|
م يُلقّونَ نضرةً وسرورا |
وجزاهم بأنّهم صبروا |
|
في السرِّ والجهر جَنّةً وحريرا |
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٧.
(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٧.
(٣) مرّ حديث هذا المعنى في الجزء الثالث من كتابنا : ص ١٠٦ ـ ١١١ ، ١٦٩ ، ٢٤٣. (المؤلف)
متّكئين لا يرون لدى الجنّةِ |
|
شمساً كلاّ ولا زمهريرا |
وعليهمْ ظلالُها دانياتٌ |
|
ذُلِّلتْ في قطوفِها تيسيرا |
وبأكوابِ فضّةٍ وقواري |
|
ـرَ قواريرَ قُدِّرت تقديرا |
ويطوفُ الولدانُ فيها عليهمْ |
|
فَيُخالون لؤلؤاً منثورا |
بكؤوسٍ قد مزجتْ زنجبيلا |
|
لذّة الشاربين تشفي الصدورا |
ويُحلَّونَ بالأساورِ فيها |
|
وسقاهمْ ربّي شراباً طهورا |
وعليهمْ فيها ثيابٌ من السن |
|
ـدس خضرٌ في الخلدِ تلمعُ نورا |
إنّ هذا لكم جزاءٌ من الله |
|
وقد كان سعيُكمْ مشكورا |
وله في المعنى أيضاً (١):
واللهُ أثنى عليهمْ |
|
لمّا وفوا بالنذورِ |
وخصّهم وحباهم |
|
بجنّةٍ وحريرِ |
لا يعرفونَ بشمسٍ |
|
فيها ولا زمهريرِ |
يُسقَونَ كأساً رحيقاً |
|
مزيجةَ الكافورِ |
وله في المعنى أيضاً (٢)
في هل أتى إن كنت تقرأُ هل أتى |
|
ستصيبُ سعيَهمُ بها مشكورا |
إذ أطعموا المسكينَ ثمّةَ أطعموا |
|
الطفلَ اليتيمَ وأطعموا المأسورا |
قالوا لوجه اللهِ نطعمُكمْ فلا |
|
منكم جزاءً نبتغي وشكورا |
إنّا نخافُ ونتّقي من ربِّنا |
|
يوماً عبوساً لم يزَلْ مجذورا |
فَوُقُوا بذلك شرَّ يومٍ باسلٍ |
|
ولَقَوا بذلك نضرةً وسرورا |
وجزاهُمُ ربُّ العبادِ بصبرهمْ |
|
يومَ القيامةِ جنّةً وحريرا |
وسقاهمُ من سلسبيلٍ كأسُها |
|
بمزاجِها قد فجِّرتْ تفجيرا |
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٨.
(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٨.
يُسقَون فيها من رحيقٍ تختم |
|
بالمسكِ كان مزاجُها كافورا |
فيها قواريرٌ وأكوابٌ لها |
|
من فضّةٍ قد قدِّرت تقديرا |
يسعى بها ولدانُها فتخالُهمْ |
|
للحسنِ منهم لؤلؤاً منثورا |
وله في المعنى المذكور (١):
هل أتى فيهمُ تنزّل فيها |
|
فضلُهمْ محكماً وفي السوراتِ |
يُطعمونَ الطعام خوفاً فقيراً |
|
ويتيماً وعانياً في العناتِ |
إنّما نُطعمُ الطعامَ لوجهِ الله |
|
لا للجزاءِ في العاجلاتِ |
فجزاهمْ بصبرِهمْ جنّة الخل |
|
ـد بها من كواعبٍ خيّراتِ |
ومن شعر الملك الصالح قصيدته التي جارى بها قصيدة دعبل الخزاعي الشهيرة التي أوّلها :
مدارسُ آياتٍ خلتْ من تلاوةٍ |
|
ومنزلُ وحيٍ مُقفرُ العرصاتِ (٢) |
وأوّل قصيدة الملك قوله :
ألائمُ دع لومي على صبواتي |
|
فما فاتَ يمحوه الذي هو آتِ |
وما جزعي من سيّئاتٍ تقدّمت |
|
ذهاباً إذا أتبعتُها حسناتِ |
ألا إنّني أقلعت عن كلِّ شبهةٍ |
|
وجانبت غرقى أبْحرِ الشبهاتِ |
شُغِلتُ عن الدنيا بحبّي معشراً |
|
بهم يصفحُ الرحمنُ عن هفواتي |
وقال في آخرها :
أُعارض من قول الخزاعيِّ دعبلاً |
|
وإن كنت قد أقللتُ في مدحاتي |
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٩.
(٢) هذا البيت من قصيدته المشهورة التي أولها :
تجاوبن بالإرنانِ والزفراتِ |
|
نوائحُ عجمُ اللفظِ والنَّطقاتِ |
(مدارسُ آياتٍ خلت من تلاوةٍ |
|
ومنزلُ وحيٍ مقفرُ العرصاتِ) (١) |
وفي أنوار الربيع (٢) (ص ٣١٢) : ومن الاستثناء الذي ما خرج حجاب السمع ألطف منه ، قول الصالح طلائع وقد ألزم الأمير ابن سنان بمال رفع عليه لكونه كان يتولّى أموالاً له واعتقله ، فأرسل إليه يمتُّ بقديم الخدمة والتشيّع الموافق لمذهبه ، فقال الصالح :
أتى ابنُ سنانٍ ببهتانه |
|
يحصِّنُ بالدين ما في يديهِ |
برئتُ من الرفض إلاّ له |
|
وتبت من النصب إلاّ عليهِ |
وكان قدر المال ستّين ألف دينار فأخذ منه اثني عشر ألفاً وترك له الباقي.
كتب الملك الصالح إلى صاحب الروم قلج أرسلان بن مسعود ، في تنافس وقع بينه وبين نور الدين محمود بن زنكي :
نقولُ ولكن أين من يتفهّمُ |
|
ويعلمُ وجهَ الرأيِ والرأيُ مبهمُ |
وما كلُّ مَن قاس الأمورَ وساسَها |
|
يوفَّقُ للأمرِ الذي هو أحزمُ |
وما أحدٌ في الملكِ يبقى مخلّداً |
|
وما أحدٌ ممّا قضى اللهُ يسلمُ |
أمن بعد ما ذاق العدى طعمَ حربِكمْ |
|
بفيهم (٣) وكانت وهي صابٌ وعلقمُ |
رجعتمْ إلى حكمِ التنافسِ بينكمْ |
|
وفيكم من الشحناء نارٌ تضرّمُ |
أما عندكم مَن يتّقي اللهَ وحدَهُ |
|
أما في رعاياكمْ من الناسِ مسلمُ |
تعالوا لعلّ اللهَ ينصرُ دينَكمْ (٤) |
|
إذا ما نصرنا الدينَ نحن وأنتمُ |
وننهضُ نحو الكافرين بعزمةٍ |
|
بأمثالِها تُحوى البلادُ وتُقسمُ |
__________________
(١) أنوار الربيع : ص ٣١٢ [٣ / ١١٢] ، الرائق : ذكر من القصيدة (٤٠) بيتاً. (المؤلف)
(٢) أنوار الربيع : ٣ / ١١٣.
(٣) في الديوان : ص ١٣٣ : بغيّهم.
(٤) في الكامل لابن الأثير : ٧ / ١٨٤ والديوان : دينَهُ.
ويأتي من شعر المترجم في ترجمة الفقيه عمارة اليمني ، ووقفت من شعر الملك الصالح على شطر مهمّ في أهل البيت عليهمالسلام مدحاً ورثاءً يربو على ألف وأربعمائة بيتٍ ، وقد جمعها سيّدنا العلاّمة السيّد أحمد العطّار في كتابه الرائق ، ولعلّ ما فاته من شعره في أهل البيت عليهمالسلام نزر يسير.
توجد ترجمة طلائع الملك الصالح في كثير من الكتب والمعاجم منها (١):
وفيات الأعيان (١ / ٢٥٩) ، الكامل لابن الأثير (١١ / ١٠٣) ، الخطط للمقريزي (٤ / ٨١) ، تاريخ ابن كثير (١٢ / ٢٤٣) ، روض المناظر لابن شحنة ، تاريخ أبي الفداء (٣ / ٤٠) ، مرآة الجنان (٣ / ٣١٠) ، أنوار الربيع (ص ٣١٢) ، تحفة الأحباب للسخاوي (ص ١٧٦) ، شذرات الذهب (٤ / ١٧٧) ، نسمة السحر الجزء الثاني ، خواصّ العصر الفاطمي (ص ٢٣٤) ، دائرة المعارف لفريد وجدي (٥ / ٧٧١) ، الأعلام للزركلي (٢ / ٤٤٩) ، تاريخ مصر الحديث لجرجي زيدان (١ / ٢٩٨) ، شهداء الفضيلة (ص ٥٧).
الملك العادل
خلّف الملك الصالح ولده رزّيك بن طلائع الملقّب بالملك الناصر والعادل ، ولي الوزارة بعد والده الصالح ستة عشر شهراً وعدّة أيّام ، وكان والده قد أوصاه بأن لا يتعرّض شاور ولا يغيّر عليه حاله ، فإنّه لا يأمن عصيانه والخ روج عليه ، وكان كما أشار ، فإنّ العادل حسّن له أهله عزل شاور واستعمال بعضهم مكانه ، وخوّفوه منه إن أقرّه على عمله ، فأرسل إليه بالعزل ، فجمع جموعاً كثيرة وسار بهم إلى القاهرة
__________________
(١) وفيات الأعيان : ٢ / ٥٢٦ رقم ٣١١ ، الكامل في التاريخ : ٧ / ١٥٧ حوادث سنة ٥٥٦ ه ، الخطط والآثار : ٢ / ٢٩٣ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٣٠٣ حوادث سنة ٥٥٦ ه ، روض المناظر : ٢ / ١٢٨ ، أنوار الربيع : ٣ / ١١٢ ، شذرات الذهب : ٦ / ٢٩٦ ، نسمة السحر : مج ٨ / ج ٢ / ٣٠٩ ، الأعلام : ٣ / ٢٢٨ ، مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ مصر ـ : مج ٩ / ٣٠٧.
ودخلها يوم الأحد الثاني والعشرين من المحرّم سنة (٥٥٨) ، وهرب العادل بن الصالح وأهله من القاهرة ليلة العشرين من المحرّم ، فأُخذ وقُتل وأُخِذ موضعه من الوزارة واستولى شاور على ديار مصر ، ودُفن العادل في تربة الملك الصالح وبها جماعة أخرى.
ترجمه الفقيه عمارة في كتابه النكت العصريّة (ص ٥٣) وقال في (ص ٦٦):
دخلت قاعة السرِّ من دار الوزارة فيها طيّ بن شاور وضرغام وجماعة من الأمراء مثل عزّ الزمان ، ومرتفع الظهير ، ورأس رزّيك بن الصالح بين أيديهم في طست ، فما هو إلاّ أن لمحته عيني ورددت كمّي على وجهي ورجعت على عقبي ، وما ملأت عيني من صورة الرأس ، وما من هؤلاء الجماعة الذين كان الرأس بين أيديهم إلاّ مَن مات قتيلاً وقطعت رأسه عن جسده ، فأمر طيّ من ردّني فقلت : والله ما أدخل حتى تغيِّب الرأس عن عيني ، فرفع الطست وقال لي ضرغام : لِمَ رجعت؟ قلت : بالأمس هو سلطان الوقت الذي نتقلّب في نعمته. قال : لو ظفر رزّيك بأمير الجيوش أو بنا ما أبقى علينا.
قلت : لا خير في شيءٍ يؤول الأمر بصاحبه من الدست إلى الطست ، ثمّ خرجت وقلت :
أَعزِزْ عليَّ أبا شجاعٍ أن أرى |
|
ذاك الجبينَ مضرّجاً بدمائهِ |
ما قلّبته سوى رجالٍ قلّبوا |
|
أيديهمُ من قبلُ في نعمائهِ |
وللفقيه عمارة اليمني شعر كثير يمدح به الملك العادل رزّيك بن طلائع ، ذكره في كتابه النكت العصريّة وفي ديوانه ، منه قصيدة أوّلها :
جاورْ بمجدِكَ أنجمَ الجوزاءِ |
|
وازددْ علوّا فوقَ كلِّ علاءِ |
وقصيدةٌ أخرى مُستهلّها :
تبسّمَ في ليلِ الشبابِ مشيبُ |
|
فأصبحَ برد الهمِّ وهو قشيبُ |
وثالثة مطلعها :
دانت لأمرِكَ طاعةُ الأقدارِ |
|
وتواضعتْ لك عزّةُ الأقدارِ |
ورابعة أوّلها :
في مثلِ مدحِكَ شرحُ القولِ مختصرُ |
|
وفي طوالِ القوافي عنده قِصَرُ |
وخامسة مبدؤها :
لمّا أرادَ مدامةَ الأحداقِ |
|
دبّت حُميّا نشوةِ الأخلاقِ |
وسادسة مطلعها :
لكلِّ مقامٍ في عُلاكَ مقالُ |
|
يُصدِّقُه بالجودِ منك فِعالُ |
وسابعة أوّلها :
فُقتَ الملوك مهابةً وجلالا |
|
وطرائقاً وخلائقاً وخلالا |
وثامنة مطلعها :
لك أن تقولَ إذا أردتَ وتفعلا |
|
ولمن سعى في ذا المدى أن يخجلا |
وتاسعة أولها :
لله مِن يومٍ أغرَّ محجّلِ |
|
في ظلِّ محترمِ الفناءِ مبجّلِ |
وعاشرة مستهلّها :
لو لا جفونٌ ومُقلْ |
|
مكحولةٌ من الكحلْ |
ولحظاتٌ لم تزلْ |
|
أرمى نبالاً من ثُعَلْ (١) |
__________________
(١) ثُعَلْ : اسم قبيلة مشهورة بالرمي.
وبرَدٌ (١) رضابُهُ |
|
ألذُّ من طعمِ العسلْ |
يظما إلى برودِهِ |
|
من علَّ منه ونهلْ |
لمّا وصلتُ قاطعاً |
|
إذا رأى جِدّي هزلْ |
مخالفٌ لو أنّه |
|
أضمر هجري لوصلْ |
وأغيَدٌ منعّمٌ |
|
يميل كلّما اعتدلْ |
يهتزُّ غصنُ قدِّه |
|
ليناً إذا ارتجَّ الكفلْ |
غرٌّ إذا جمّشته |
|
أطرقَ من فرطِ الخجلْ (٢) |
أُريْعِنٌ مدلّلٌ |
|
غُزيّلٌ يأبى الغزلْ |
سألتُهُ في قُبلةٍ |
|
من ثغرِهِ فما فعلْ |
راضته لي مشمولة |
|
ترمي النشاط بالكسلْ |
حتى أتاني صاغراً |
|
يحدوه سكرٌ وثملْ |
أمسى بغير شكرِهِ |
|
ذاك المصونُ يبتذلْ |
وبات بين عقدِهِ |
|
وبين قرطيه جدلْ |
وكدتُ أمحو لَعَسَاً |
|
في شفتيهِ بالقبلْ (٣) |
فديتُهُ من مبسمٍ |
|
ألثمُهُ فلا أملْ |
كأنّه أناملٌ |
|
لمجد الاسلام الأجلْ |
معروفهنّ أبداً |
|
يضحكُ في وجهِ الأملْ |
وقال يمدحه من قصيدةٍ أوّلها :
أيا أُذن الأيّامِ إن قلتُ فاسمعي |
|
لنفثةِ مصدورٍ وأنّةِ موجعِ |
وعي كلَّ صوتٍ تسمعين نداءَهُ |
|
فلا خيرَ في أُذن تنادى فلا تعي |
__________________
(١) البَرَد : مطر جامد شُبِّهت به الأسنان لبياضها.
(٢) جَمَشَ جَمْشاً النبات : إذا حصده ، وجَمَش المرأة إذا غازلها ولاعبها.
(٣) اللعس : سواد مستملح في الشفتين.
ويقول فيها :
ملوكٌ رَعَوا لي حرمةً صارَ نبتُها |
|
هشيماً رعتْهُ النائباتُ وما رُعي |
ورُدّتْ بهم شمسُ العطايا لوفدِهمْ |
|
كما قال قومٌ في عُلىً وتوسّعِ |
قال الأميني : كذا يوجد البيت الأخير في مختار ديوانه المطبوع في ألمانيا (ص ٢٨٨) ، وهو تصحيف غريب مع التشكيل لحروفه ، والصحيح :
كما قال قومٌ في عليٍّ ويوشعِ
وهذا ينمُّ عن ضئولة أمر المتطفّلين على موائد العربيّة وذهولهم عن معنى البيت الذي لا يستقيم إلاّ على ما ذكرناه ، وقد أوعز الشاعر إلى حديث ردِّ الشمس لمولانا عليّ أمير المؤمنين ويوشع عليهماالسلام من قبله. هذا أحسن الاحتم الين دعانا إليه حسن ظنِّنا بالقوم وإن كان بعيداً جدّا ، والأقرب ما لا يفوتك عرفانه ، والله أعلم.
ـ ٤٨ ـ
ابن العودي النيلي
المولود (٤٧٨)
المتوفّى (حدود ٥٥٨)
متى يشتفي من لاعجِ القلبِ مغرمُ |
|
وقد لجَّ في الهجرانِ مَن ليس يرحمُ |
إذا همَّ أن يسلو أبى عن سُلوِّه |
|
فؤادٌ بنيرانِ الأسى يتضرّمُ |
ويثنيه عن سلوانِهِ لفضيلةٍ |
|
عهودُ التصابي والهوى المتقدّمُ |
رمته بلحظٍ لا يكاد سليمُهُ |
|
من الخبلِ والوجدِ المبرِّحِ يسلمُ |
إذا ما تلظّتْ في الحشا منه لوعةٌ |
|
طفتْها دموعٌ من أماقيه تسجمُ |
مقيمٌ على أسر الهوى وفؤادُهُ |
|
تغورُ به أيدي الهمومِ وقتهمُ (١) |
يجنّ الهوى عن عاذليه تجلّداً |
|
فيبدي جواه ما يجنُّ ويكتمُ |
يعلّل نفساً بالأماني سقيمةً |
|
وحسبُكَ من داءٍ يصحُّ ويسقمُ |
وقد غفلت عنّا الليالي وأصبحت |
|
عيون العدى عن وصلِنا وهي نُوّمُ |
فكم من غصونٍ قد ضممتُ ثديها |
|
إليَّ وأفواهٍ بها كنت ألثمُ |
أُجيل ذراعي لاهياً فوق منكبٍ |
|
وخصرٍ غدا من ثقلِهِ يتظلّمُ |
وأمتاحُ راحاً من شنيب كأنّه |
|
من الدرِّ والياقوت في السلك يُنظمُ |
__________________
(١) () كذا ، ولعل الصحيح : تُتْهِمُ ، والمراد به تِهامة كما أن المراد ب (تغور) الغور ، ومنه قول الشاعر :
أراني ساكناً من بعد نجدٍ |
|
بلاد الغور والبلد التهاما |
فلمّا علاني الشيبُ وابيضَّ عارضي |
|
وبان الصبا واعوجَّ منّي المقوّمُ |
وأضحى مشيبي للعَذارِ ملثِّماً |
|
به ولرأسي بالبياضِ يُعمِّمُ |
وأمسيتُ من وصلِ الغواني ممنّعاً |
|
كأنّيَ من شيبي لديهنّ مجرمُ |
بكيتُ على ما فات منّي ندامةً |
|
كأنّي خنسٌ في البكا أو متمِّمُ (١) |
وأصفيتُ مدحي للنبيّ وصنوِهِ |
|
وللنفرِ البيضِ الذين همُ همُ |
هم التينُ والزيتونُ آلُ محمدٍ |
|
همُ شجرُ الطوبى لمن يتفهّمُ |
همُ جنّةُ المأوى هم الحوضُ في غدٍ |
|
هم اللوحُ والسقفُ الرفيعُ المعظّمُ |
همُ آلُ عمرانٍ همُ الحجُّ والنسا |
|
هم سبأٌ والذارياتُ ومريمُ |
همُ آلُ ياسينٍ وطه وهل أتى |
|
هم النحلُ والأنفالُ إن كنتَ تعلمُ |
همُ الآيةُ الكبرى هم الركنُ والصفا |
|
هم الحجُّ والبيتُ العتيق المكرّمُ |
همُ في غدٍ سُفنُ النجاةِ لمن وعى |
|
هم العروةُ الوثقى التي ليس تفصمُ |
همُ الجنبُ جنبُ اللهِ في البيتِ والورى |
|
هم العينُ عينُ اللهِ في الناسِ تعلمُ |
همُ الآلُ فينا والمعالي همُ العُلى |
|
يُيَمَّمُ في منهاجِهم حيث يمّموا |
همُ الغايةُ القصوى همُ منتهى المنى |
|
سلِ النصَّ في القرآن يُنبئك عنهمُ |
همُ في غدٍ للقادمين سقاتُهم |
|
إذا وردوا والحوضُ بالماءِ مفعمُ |
فلولاهمُ لم يخلقِ اللهُ خلقَهُ |
|
ولا هبطا للنسلِ حوّا وآدمُ |
همُ باهلوا نجرانَ من داخلِ العبا |
|
فعادَ المُناوي فيهمُ وهو مفحمُ |
وأقبل جبريلٌ يقول مفاخراً |
|
لميكال مَن مثلي وقد صرتُ منهمُ |
فمن مثلُهمْ في العالمينَ وقد غدا |
|
لهم سيّدُ الأملاكِ جبريلُ يخدمُ |
ومَن ذا يُساويهم بفضلٍ ونعمةٍ |
|
من الناس والقرآنُ يُؤخذُ عنهمُ |
أبوهمْ أميرُ المؤمنينَ وجدُّهمْ |
|
أبو القاسمِ الهادي النبيُّ المكرّمُ |
__________________
(١) خنس : الشاعرة الخنساء تُماضر بنت عمرو الرياحية السُّلَمية التي عرفت بالبكاء على أخويها صخر ومعاوية ، ومتمم هو : مُتَمِّم بن نُوَيْرَة الذي رثى أخاه مالكاً رثاءً حارّا.
همُ شرعوا الدينَ الحنيفيَّ والتقى |
|
وقاموا بحكمِ اللهِ من حيث يحكمُ |
وخالُهمُ إبراهيمُ والأُمّ فاطمٌ |
|
وعمُّهمُ الطيّار في الخُلد يَنعمُ |
إلى اللهِ أبرا من رجالٍ تتابعوا |
|
على قتلِهمْ يا للورى كيف أقدموا |
حَمَوْهم لذيذَ الماءِ والوردُ مفعمٌ |
|
وأسقوهمُ كأسَ الردى وهو علقمُ |
وعاثوا بآلِ المصطفى بعد موتِه |
|
بما قتلَ الكرّارُ بالأمسِ منهمُ |
وثاروا عليهِ ثورةً جاهليّةً |
|
على أنّه ما كان في القومِ مسلمُ |
وألقوهمُ في الغاضريّات صُرّعاً |
|
كأنّهمُ قفٌّ على الأرض جُثّمُ (١) |
تحاماهمُ وحش الفلا وتنوشهمْ |
|
بأرياشِها طيرُ الفلا وهي حُوّمُ (٢) |
بأسيافِهمْ أردوهمُ ولدينهمْ |
|
أُريق بأطرافِ القنا منهمُ الدمُ |
وما قدّمت يوم الطفوف أُميّةٌ |
|
على السبطِ إلاّ بالذين تقدّموا |
وأنّى لهم أن يبرءوا من دمائِهمْ |
|
وقد أسرجوها للخصامِ وألجموا |
وقد علموا أنَّ الولاءَ لحيدرٍ |
|
ولكنّه ما زال يُؤذى ويُظلَمُ |
تعدّوا عليه واستبدّوا بظلمِهِ |
|
وأُخِّر وهو السيّدُ المتقدِّمُ |
وقد زعموها فلتةً كان بدؤها |
|
وقال اقتلوا من كان في ذاك يخصمُ |
وأفضوا إلى الشورى بها بين ستّةٍ |
|
وكان ابن عوفٍ منهمُ المتوسِّمُ |
وما قصدوا إلاّ ليُقتلَ بينهم |
|
عليٌّ وكان الله للطهرِ يعصمُ |
وإلاّ فليثٌ لا يُقاسُ بأضبُعٍ |
|
وأين من الشمسِ المنيرةِ أنجُمُ |
فوا عجباً من أين كانوا نظائراً |
|
وهل غيرُهُ طبٌّ من الغيِّ فيهمُ |
ولكن أمورٌ قُدِّرت لضلالِهمْ |
|
وللهِ صنعٌ في الإرادةِ محكَمُ |
عصوا ربّهم فيه ضلالاً فأُهلِكوا |
|
كما هلكتْ من قبل عادٌ وجُرهمُ |
__________________
(١) القفّ : ما يبس من أحرار البقول وذكورها. جثم ـ جمع جاثم من جثم جثماً ـ : تلبّد بالأرض ، ولزم مكانه فلم يبرح. (المؤلف)
(٢) حوّم ـ جمع حائم من حام على الشيء وحوله ـ : دار به ، وحام الرجل : عطش. (المؤلف)
فما عذرهمْ للمصطفى في معادهم |
|
إذا قال لِمْ خنتمْ عليّا وجرتمُ |
وما عذرهم إن قال ما ذا صنعتمُ |
|
بصنويَ من بعدي وما ذا فعلتمُ |
عهدتُ إليكمْ بالقبولِ لأمرِهِ |
|
فلِم حلتمُ عن عهدهِ وغدرتمُ |
نبذتمْ كتابَ اللهِ خلفَ ظهورِكمْ |
|
وخالفتموه بئس ما قد صنعتمُ |
وخلّفتُ فيكم عترتي لهداكمُ |
|
فكم قمتمُ في ظلِّهمْ وقعدتمُ |
قلبتم لهمْ ظهرَ المجنِّ وجرتمُ |
|
عليهم وإحساني إليكم كفرتمُ |
وما زلتمُ بالقتل تطغون فيهمُ |
|
إلى أن بلغتم فيهمُ ما أردتمُ |
كأنّهمُ كانوا من الرومِ فالتقتْ |
|
سراياكمُ صُلبانَهمْ وظفرتمُ |
ولكن أخذتم من بنيَّ بثارِكمْ |
|
فحسبُكمُ خزياً على ما اجترأتمُ |
منعتمْ تراثي ابنتي لا أبا لكم |
|
فلِم أنتمُ آباءَكم قد ورثتمُ |
وقلتم نبيٌّ لا تُراثَ لولدِهِ |
|
أللأجنبيِّ الإرثُ فيما زعمتمُ |
فهذا سليمانٌ لداودَ وارثٌ |
|
ويحيى لزكريّا فلِم ذا منعتمُ |
فإن كان منه للنبوّة وارثاً |
|
كما قد حكمتمْ في الفتاوى وقلتمُ |
فقد ينبغي نسلُ النبيّين كلُّهم |
|
ومن جاء منهم بالنبوّة يوسمُ |
وقلتم حرامٌ متعةُ الحجِّ والنسا |
|
أعن ربِّكم أم عنكمُ ما شرعتمُ |
زناتكمُ تعفونَ عنهم ومن أتى |
|
إليكم من المستمتعين قتلتمُ |
ألم يأتِ ما استمتعتمُ من حليلةٍ |
|
فآتوا لها من أجرها ما فرضتمُ |
فهل نسخَ القرآنُ ما كان قد أتى |
|
بتحليلِهِ أم أنتمُ قد نسختمُ |
وكلُّ نبيٍّ جاءَ قبل وصيِّهِ |
|
مطاعٌ وأنتم للوصيّ عصيتمُ |
ففعلكمُ في الدين أضحى منافياً |
|
لفعلي وأمري غير ما قد أمرتمُ |
وقلتم مضى عنّا بغيرِ وصيّةٍ |
|
ألم يوصِ لو طاوعتمُ وامتثلتمُ |
وقد قال من لم يوصِ من قبل موتِهِ |
|
يمُتْ جاهلاً بل أنتمُ قد جهلتمُ |
نصبتُ لكم بعدي إماماً يدلُّكمْ |
|
على اللهِ فاستكبرتمُ وظلمتمُ |