أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]
المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٠٤
الباب الثالث عشر
«ظن» وأخواتها
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
ظنّ وأخواتها
انصب بفعل القلب جزأي ابتدا |
|
أعني رأى خال علمت وجدا |
ظنّ حسبت وزعمت مع عد |
|
حجا درى وجعل اللذ كاعتقد |
وهب تعلّم والّتي كصيّرا |
|
أيضا بها انصب مبتدأ وخبرا |
من نواسخ الابتداء : «ظنّ» وأخواتها ، فتدخل على المبتدأ والخبر ، فتنصبهما ـ بعد أخذها (١) الفاعل ـ على قول الجمهور (٢) مفعولين على التّشبيه بـ «أعطيت» ، وهي على قسمين : قلبيّة ، وتصييريّة.
وقد أشار إلى الأوّل بقوله :
انصب بفعل القلب جزأي ابتدا
«وجزأي الابتداء» هما المبتدأ والخبر ، وإنّما قيل لها : أفعال القلب ، لأنّ معانيها قائمة به ، وليس كلّ قلبيّ ينصب مفعولين ، بل القلبيّ ثلاثة أقسام :
ـ ما لا يتعدّى بنفسه ، نحو «فكّر في كذا ، وتفكّر فيه».
ـ وما يتعدّى لواحد بنفسه ، نحو «عرف زيد الحقّ» ، و «فهم المسألة».
ـ وما يتعدّى لاثنين بنفسه ، وإليه أشار النّاظم بقوله :
... |
|
أعني رأى خال علمت وجدا |
__________________
(١) في الأصل : أخذهما. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٥.
(٢) وذهب الفراء إلى أنّ الثاني منصوب على التشبيه بالحال ، مستدلا بوقوعه جملة وظرفا وجارا ومجرورا. وعورض بوقوعه معرفة وضميرا وجامدا ، وبأنّه لا يتم الكلام بدونه. وأنكر السهيلي دخولها على المبتدأ والخبر أصلا قال : بل هي بمنزلة «أعطيت» في أنّها استعملت مع مفعولها ابتداء.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، الهمع : ٢ / ٢٢٢.
ظنّ حسبت وزعمت مع عد (١) |
|
حجا درى / وجعل اللّذ كاعتقد |
وهب تعلّم ... |
|
... |
ثمّ إنّ هذا القسم ينقسم إلى أربعة أقسام :
أحدها : ما يفيد في الخبر يقينا ، وهي :
«وجد» نحو قوله تعالى : (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) [المزمل : ٢٠].
(و «تعلّم» بمعنى : اعلم ، نحو قول زياد (٢) :
(٣) ـ تعلّم شفاء النّفس قهر عدوّها |
|
... |
__________________
(١) في الأصل : عد مع. انظر الألفية : ٥٣.
(٢) قال العيني : هو زياد بن سيار بن عمرو بن جابر ، وكان زياد هذا قد خرج هو والنابغة يريدان الغزو ، فرأى زياد جرادة ، فقال : حرب ذات ألوان ، فرجع ومضى النابغة ، ولمّا رجع غانما قال :
يلاحظ طيرة أبدا زياد |
|
لتخبره وما فيها خبير |
وذكر بعده ثلاثة أبيات. ولم أجد لزياد هذا ترجمة فيما رجعت إليه من مصادر ، ولعله : زبان بن سيار بن عمرو بن جابر ، لأنني وجدت نفس القصة والأبيات في كتابي الجاحظ : الحيوان والبيان منسوبة لزبان بن سيار. وزبان هذا هو زبان بن سيار بن عمرو بن جابر الفزاري ، شاعر جاهلي غير قديم من أهل المنافرات ، عاش قبيل الإسلام ، وكانت له مع النابغة أبيات في المهاجاة ، توفي سنة (١٠) ق. ه ، أدرك ابنه منظور الإسلام وأسلم ، وكان سيد قومه غير مدافع.
انظر في ذلك الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٧٤ ، الحيوان للجاحظ : ٣ / ٤٤٧ ـ ٤٤٨ ، و٥ / ٥٥٤ ـ ٥٥٥ ، البيان والتبيين للجاحظ : ٣ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ، سمط اللآلئ : ٣ / ٢٦ ، طبقات فحول الشعراء للجمحي (مطبعة المدني) : ١١٢ ، تاريخ التراث العربي (المجلد الثاني ـ الجزء الثاني) : ١٣٧ ، الأعلام : ٣ / ٤١ ، المعارف لابن قتيبة : ١١٢.
٧٢ ـ من الطويل ، وعجزه :
فبالغ بلطف في التحيّل والمكر
وقد نسبه العيني لزياد بن سيار (وقيل يسار) ، فقال البغدادي في أبيات المغني : «وقد غلط في هذه النسبة». تعلم : اعلم وتيقن. شفاء النفس : قضاء مآربها. قهر عدوها : ظفرها به.
بالغ : من المبالغة في الشيء وهي بذل الجهد في تحصيله. بلطف : برفق. التحيل : تدبير الفكر حتى يهتدي إلى المقصود ، وأراد تدبير الحيلة لقهر العدو. المكر : الخديعة.
والشاهد في قوله : «تعلم» حيث دل على اليقين ، ونصب مفعولين.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٧ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٧٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٤٦ ، شذور الذهب : ٣٦٢ ، أوضح المسالك : ٧٢ ، مغني اللبيب (رقم) : ١٠١٧ ، الهمع (رقم) : ٥٨٢ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٣٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٤ ، المطالع السعيدة : ٢٣٩ ، شرح ابن الناظم : ١٩٦ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤٩ ، ١٥١ ، شرح دحلان : ٦٢ ، شواهد الجرجاوي : ٨٨ ، البهجة المرضية : ٦٢ ، أبيات المغني : ٧ / ٢٦١ ، شواهد المغني : ٢ / ٩٢٣ ، شواهد العدوي : ٨٨ ، شرح الفريد : ٢٩٨ ، شواهد الفيومي : ١١٠ ، كاشف الخصاصة : ٩٢ ، الخزانة : ٩ / ١٢٩ ، فتح رب البرية : ١ / ١٦.
وقد تكون بمعنى الماضي ، قال يعقوب (١) : «تقول : تعلّمت أنّ زيدا خارج ، بمعنى : علمت» (٢).
و «درى» ، نحو قوله :) (٣)
٧٣ ـ دريت الوفيّ العهد يا عرو فاغتبط |
|
... |
والثّاني : ما يفيد في الخبر رجحانا ، وهي : «جعل» ، وفيها زيادة ، وهي الاعتقاد ، ولذلك قال : «وجعل اللذ كاعتقد» ، نحو (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩].
و «حجا» ، نحو قول تميم (٥) :
__________________
(١) هو يعقوب بن إسحاق بن السكيت ، أبو يوسف ، إمام في اللغة والنحو والأدب ، عالم بالقرآن والشعر ، ولد سنة ١٨٦ ه ، وتعلم ببغداد ، وصحب الكسائي ، واتصل بالمتوكل العباسي فعهد إليه بتأديب أولاده ، وجعله في عداد ندمائه ، ثم قتله لخمس خلون من رجب سنة ٢٤٤ ه (وقيل : ٢٤٣ ، وقيل : ٢٤٦ ه) ، من آثاره : إصلاح المنطق ، القلب والإبدال ، معاني الشعر ، المقصور والممدود ، الأجناس ، شرح شعر الأخطل ، وغيرها.
انظر ترجمته في نزهة الألباء : ٢٣٨ ، معجم الأدباء : ٢ / ٥٠ ، شذرات الذهب : ٢ / ١٠٦ ، روضات الجنات : ٢٣٧ ، معجم المؤلفين : ١٣ / ٢٤٣ ، الأعلام : ٨ / ١٩٥.
(٢) قال يعقوب بن السكيت في إصلاح المنطق (٣٧٨) : «وتقول : «قد علمت أنّ فلانا خارج ، وقد تعلمت أنّ فلانا خارج» ، بمنزلة : علمت». انتهى. وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٧ ، الصحاح : ٥ / ١٩٩١ (علم) ، اللسان : ٤ / ٣٠٨٣ (علم) ، الهمع : ٢ / ٢١٥ ، حاشية الخضري : ١ / ١٥١.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع التصريح : ١ / ٢٤٧.
٧٣ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله ، وعجزه :
فإنّ اغتباطا بالوفاء حميد
دريت : علمت وتيقنت. عرو : مرخم «عروة». والشاهد في قوله : «دريت» حيث دلت «درى» على اليقين ، ونصبت مفعولين ، الأول منهما التاء ، وهي في موضع رفع على النيابة عن الفاعل ، و «الوفيّ» مفعولها الثاني.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٧ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٧٣ ، شذور الذهب : ٣٦٠ ، شواهد الفيومي : ١١٠ ، الهمع (رقم) : ٥٨١ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٣٢ ، شواهد العدوي : ٨٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤٨ ، شواهد الجرجاوي : ٨٨ ، شرح دحلان : ٦٢ ، المطالع السعيدة : ٢٣٩ ، أوضح المسالك : ٧٢ ، البهجة المرضية : ٦٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٤٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٣.
(٤) هو تميم بن أبي بن مقبل ، من بني العجلان ، من بني عامر بن صعصعة ، أبو كعب ، شاعر جاهلي ، أدرك الإسلام وأسلم ، فكان يبكي أهل الجاهلية ، عاش نيفا ومئة سنة ، وعد من المخضرمين ، وكان يهاجي النجاشي الشاعر ، توفي بعد سنة ٣٧ ه ، له ديوان شعر.
انظر ترجمته في الإصابة : ١ / ١٩٥ ، سمط اللآلئ : ٦٦ ، الخزانة : ١ / ٢٣١ ، الأعلام : ٢ / ٨٧.
٧٤ ـ (قد) (٢) كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة |
|
... |
و «عدّ» ، نحو قول النّعمان (٣) :
٧٥ ـ فلا تعدد المولى شريكك في الغنى |
|
... |
و «هب» ، نحو قول ابن همّام (٥) :
__________________
٧٤ ـ من البسيط ، لتميم (وليس في ديوانه) ، وقيل : هو لأبي شنبل الأعرابي ، وعجزه :
حتّى ألمّت بنا يوما ملمّات
أحجو : أظن. ألمت : نزلت. الملمات : جمع «ملمة» ، وهي النازلة من نوازل الدنيا.
والشاهد في قوله : «أحجو» حيث دلت «حجا» على الرجحان ونصبت مفعولين.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٧ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٧٦ ، شذور الذهب : ٣٥٧ ، شواهد الفيومي : ١٠٩ ، الهمع (رقم) : ٥٧١ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٣٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٣ ، شواهد العدوي : ٩١ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٠ ، شرح ابن الناظم : ١٩٩ ، شواهد الجرجاوي : ٩١ ، شرح دحلان : ٦٢ ، البهجة المرضية : ٦٢ ، أوضح المسالك : ٧٢ ، المطالع السعيدة : ٢٣٧ ، فتح رب البرية : ١ / ٢٧.
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر المصادر المتقدمة.
(٢) هو النعمان بن بشير بن سعيد بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري ، أبو عبد الله ، أمير شاعر خطيب من الصحابة الأجلاء ، نزل الشام ، وشهد صفين مع معاوية ، وولي القضاء بدمشق ، وولي اليمن في عهد معاوية ، ثم استعمله على الكوفة وعزله ، وولاه حمص واستمر فيها إلى أن توفي يزيد بن معاوية ، فبايع الزبير وتمرد أهل حمص فخرج هاربا ، فاتبعه خالد الكلاعي ، فقتله سنة ٦٥ ه ، له ديوان شعر.
انظر ترجمته في الإصابة ترجمة رقم : ٨٧٣٠ ، المحبر : ٢٧٦ ، أسد الغابة : ٥ / ٢٢ ، جمهرة الأنساب : ٣٤٥ ، الأعلام : ٨ / ٣٦ ، معجم المؤلفين : ١٣ / ١٠٣.
٧٥ ـ من الطويل للنعمان ، وعجزه :
ولكنّما المولى شريكك في العدم
تعدد : تظن. والمراد بالمولى الصاحب. قوله : «في العدم» أي : في حالة الإعسار والفقر.
والشاهد في قوله : «تعدد» حيث دلت على الرجحان ونصبت مفعولين.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٨ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٧٧ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٣٠ ، الهمع (رقم) : ٥٧٢ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٠ ، شواهد الجرجاوي : ٩١ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٢ ، شواهد العدوي : ٩١ ، شرح ابن الناظم : ١٩٨ ، شرح المرادي : ١ / ٣٧٥ ، شرح دحلان : ٦٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٤٥ ، البهجة المرضية : ٦٢ ، شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٧٨ ـ مخطوط) ، المطالع السعيدة : ٢٣٨ ، شواهد التوضيح لابن مالك : ١٢٢ ، فتح رب البرية : ١ / ٢٨.
(٣) هو عبد الله بن همام بن نبيشة بن رياح السلولي بن بني مرة بن صعصعة ، شاعر إسلامي ، أدرك معاوية ، وبقي إلى أيام سليمان بن عبد الملك أو بعده نحو سنة ١٠٠ ه ، له أخبار ، يقال له : العطار ، لحسن شعره. ـ ـ انظر ترجمته في الشعر والشعراء : ٢ / ٦٥٥ ، سمط اللآلئ : ٦٨٣ ، الأعلام : ٤ / ١٤٣ ، الخزانة : ٩ / ٣٥.
٧٦ ـ ... |
|
وإلّا فهبني امرأ هالكا |
و «زعم» نحو قول أبي (٢) أميّة الحنفيّ :
٧٧ ـ زعمتني شيخا ولست بشيخ |
|
... |
والثّالث : ما يرد بالوجهين ، والغالب كونه لليقين ، وهي :
«رأى» ، كقوله جلّ ثناؤه : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً)(٤) ، وَنَراهُ قَرِيباً [المعارج : ٦ ـ ٧] ، الأوّل للرّجحان ، والثّاني لليقين.
و «علم» ، كقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمد : ١٩] ، وقوله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) [الممتحنة : ١٠] ، الأولى لليقين ، والثّانية للرّجحان.
__________________
٧٦ ـ من المتقارب ، لابن همام من قصيدة له مدح بها عبد الله بن زياد بن أبيه ، وصدره :
فقلت أجرني أبا خالد
ويروى : «أبا مالك» بدل «أبا خالد». وأجرني : أغثني. والمعنى : فقلت أغثني وأمني مما أخاف يا أبا خالد ، وإن لم تفعل فليكن ظنك بي الهلاك. والشاهد في قوله : «فهبني» حيث دلت على الرجحان ونصبت مفعولين.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٨ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٧٨ ، شرح ابن الناظم : ١٩٩ ، الخصائص : ٢ / ١٨٦ ، شذور الذهب : ٣٦١ ، مغني اللبيب (رقم) : ١٠١٨ ، الهمع (رقم) : ٥٧٨ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٣١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٤ ، أبيات المغني : ٧ / ٢٦٣ ، شواهد الفيومي : ١١٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٠ ، ١٥١ ، شواهد الجرجاوي : ٩٢ ، شرح المرادي : ١ / ٣٧٧ ، شواهد العدوي : ٩٢ ، المطالع السعيدة : ٢٣٨ ، فتح رب البرية : ١ / ٣١.
(١) في الأصل : أبو.
٧٧ ـ من الخفيف لأبي أمية الحنفي واسمه أوس ، ولم أعثر له على ترجمة ، وهو من قصيدة له ، وعجزه :
إنّما الشّيخ من يدبّ دبيبا
يدب : أي يدرج في المشي رويدا. والشاهد في قوله : «زعمتني» حيث دلت «زعم» على الرجحان ونصبت مفعولين.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٨ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٧٩ ، مغني اللبيب (رقم) : ١٠١٦ ، شذور الذهب : ٣٥٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٢ ، شواهد الفيومي : ١٠٩ ، أبيات المغني : ٧ / ٢٦٠ ، شواهد المغني : ٢ / ٩٢٢ ، شرح دحلان : ٦٢ ، أوضح المسالك : ٧٢ ، المطالع السعيدة : ٢٣٧ ، فتح رب البرية : ١ / ٢٩.
(٢) في الأصل : بعيد. انظر التصريح : ١ / ٢٤٨.
والرّابع : ما يرد بهما ، والغالب كونه للرجحان ، وهي :
«ظنّ» ، كقوله :
٧٨ ـ ظننتك إن شبّت لظى الحرب صاليا |
|
... |
وقوله تعالى : (يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) [البقرة : ٤٦] ، الأوّل للرجحان ، والثّاني لليقين.
و «حسب» (٢) ، كقول زفر (٣) :
٧٩ ـ وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة / |
|
... |
وقول لبيد :
__________________
٧٨ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله ، وعجزه :
فعرّدت فيمن كان عنها معرّدا
شبت : أوقدت. لظى الحرب : نارها. صاليا : من صلى يصلي إذا دخل. قوله : «فعردت» من عرد الرجل إذا انهزم وترك القصد. والمعرد : المنهزم. والشاهد في قوله : «ظننتك» حيث جاءت بمعنى الرجحان ونصبت مفعولين.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٨ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٨١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢١ ، أوضح المسالك : ٧٣ ، فتح رب البرية : ١ / ٢١.
(١) في الأصل : وحسبت. راجع التصريح : ١ / ٢٤٨.
(٢) هو زفر بن الحارث بن عبد عمرو بن معاذ الكلابي أبو الهذيل ، شاعر ، أمير من التابعين ، وسيد قيس في زمانه ، شهد صفين مع معاوية أميرا على أهل قنسرين ، وشهد وقعة مرج راهط مع الضحاك بن قيس الفهري ، ثم هرب إلى قرقيسيا (عند مصب نهر الخابور في الفرات) ، ولم يزل فيها حتى مات حوالي سنة ٧٥ ه في خلافة عبد الملك بن مروان.
انظر ترجمته في المؤتلف والمختلف : ١٢٩ ، الخزانة : ٢ / ٣٧٢ ، الأعلام : ٣ / ٤٥ ، شواهد المغني : ٢ / ٩٣١ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٨٢.
٧٩ ـ من الطويل ، لزفر من قصيدة له قالها يوم مرج راهط (موضع كانت لهم فيه وقعة بالشام) ، وعجزه :
عشيّة لاقينا جذام وحميرا
قوله : «كل بيضاء شحمة» ، أراد : كنا نطمع في أمر فوجدناه على خلاف ما كنا نظن ، وهذا من قولهم : «ما كل بيضاء شحمة وما كل سوداء تمرة» ، وهو من أمثال العرب. جذام وحمير : قبيلتان لم ينصرفا للعلمية والتأنيث. ويروى : «ليالي قارعنا» بدل «عشية لاقينا».
والشاهد في قوله : «حسبنا» حيث دلت على الرجحان ، ونصبت مفعولين.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٩ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٨٢ ، مغني اللبيب (رقم) : ١٠٧٨ ، شرح ابن الناظم : ١٩٧ ، شواهد المغني : ٢ / ٩٣٠ ، أوضح المسالك : ٧٣ ، شرح الحماسة للمرزوقي : ١٥٥.
٨٠ ـ حسبت التّقى والجود خير تجارة |
|
... |
الأوّل للرجحان ، والثّاني لليقين.
و «خال» ، كقوله :
٨١ ـ إخالك إن لم تغضض الطّرف ذا هوى |
|
... |
وقوله :
٨٢ ـ ما خلتني زلت بعدكم ضمنا |
|
... |
الأوّل للرجحان ، والثاني لليقين.
فهذه ثلاثة عشر فعلا ، ولم يرتّبها المؤلف في النّظم ، بل ذكرها على
__________________
٨٠ ـ من الطويل من قصيدة للبيد في ديوانه (١٤٦) ، وعجزه :
رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا
حسبت : بمعنى : تيقنت وعلمت هاهنا. ثاقلا : أراد : ميتا ، لأن الأبدان تخف بالروح ، فإذا مات الإنسان صار ثقيلا كالجماد. ويروى : «والحمد» بدل «والجود». والشاهد في قوله : «حسبت» حيث دلت على الرجحان ونصبت مفعولين.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٩ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٨٤ ، شرح التسهيل لابن مالك : (١ / ٧٨ ـ مخطوط) ، الهمع (رقم) : ٥٨٣ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٣٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢١ ، شواهد العدوي : ٨٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤٩ ، شواهد الجرجاوي : ٨٩ ، شرح ابن الناظم : ٢٠٠ ، شرح دحلان : ٦٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٤٣ ، أوضح المسالك : ٧٣ ، شرح الفريد : ٣٠٠ ، اللسان (ثقل) ، المطالع السعيدة : ٢٤١ ، فتح رب البرية : ١ / ٢٥.
٨١ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله ، وعجزه :
يسومك ما لا يستطاع من الوجد
أخالك : أظنك. قوله : «إن لم تغضض الطرف» أراد : إن لم تنم. يسومك : يكلفك. الوجد : شدة العشق. والشاهد في قوله : «إخالك» حيث دلت على الرجحان ونصبت مفعولين.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٩ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٨٥ ، الهمع (رقم) : ٥٨٤ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٣٣ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٠ ، أوضح المسالك : ٧٣ ، فتح رب البرية : ٢٤٠.
٨٢ ـ من المنسرح ، ولم أعثر على قائله ، وعجزه :
أشكو إليكم حموّة الألم
الضمن : المريض. حموة الألم : سورته وشدته. والشاهد في قوله : «ما خلتني» حيث دلت فيه «خال» على الرجحان ، ونصبت مفعولين.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٩ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٣٨٦ ، اللسان والصحاح (ضمن) ، أوضح المسالك : ٧٣ ، شرح الفريد : ٣١٥ ، شرح بانت سعاد لابن هشام : ١٥٩.
حسب ما سمح به الوزن ، ولهذه الأفعال معان أخر لم أنبّه عليها ، لأنّها ليست من هذا الباب.
ثمّ أشار إلى القسم الثّاني بقوله :
... والّتي كصيّرا |
|
أيضا بها انصب مبتدأ وخبرا |
يعني : انصب بالأفعال التي بمعنى «صيّر» المبتدأ والخبر ، كما تنصب بالقلبية ، وإنّما قيل لها : أفعال التّصيير ، لدلالتها على التّحوّل والانتقال من حالة إلى أخرى ، ولم يذكر ألفاظها كما ذكر القلبية ، وهي :
«جعل ، وردّ ، وترك ، واتّخذ ، (وتخذ) (١) ، وصيّر ، ووهب».
قال الله تعالى : (فَجَعَلْناهُ)(٢) هَباءً مَنْثُوراً [الفرقان : ٢٣] ، (لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً) [البقرة : ١٠٩] ، (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي (بَعْضٍ)(٣) [الكهف : ٩٩] ، (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) [النّساء : ١٢٥] ، وقال أبو جندب (٤) :
(٥) ـ تخذت غراز إثرهم دليلا |
|
... |
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٥١.
(٢) في الأصل : فجعلنا. انظر التصريح : ١ / ٢٥٢.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٥٢.
(٤) في الأصل : أبو جندل. انظر ديوان الهذليين : ٣ / ٩٠. وهو أبو جندب بن مرة القردي الهذلي ، أحد عشرة إخوة بينهم أبو خراش الهذلي ، وهو معاصر لأبي مزاحم الثمالي ، كان أحد الفرسان الموهوبين والشعراء سليطي اللسان في الجاهلية وصدر الإسلام ، عرف عنه الإباء الشديد والوفاء.
انظر تاريخ التراث العربي لسزكين (المجلد الثاني ، الجزء الثاني) : ٢٥٩ ، معجم الشعراء في لسان العرب للأيوبي : ١٠٥ ، الخزانة : ١ / ٢٩٣ ، ديوان المعاني لأبي هلال العسكري : ١ / ٨٢ ـ ٨٣.
(٨٣) ـ من الوافر ، لأبي جندب (وفي التصريح : هو جندب) من قصيدة له في ديوان الهذليين (٣ / ٩٠) ، وعجزه :
وفرّوا في الحجاز ليعجزوني
وروي في اللسان (عجز) :
جعلت غران خلفهم دليلا |
|
وفاتوا في الحجاز ليعجزوني |
تخذت : بكسر الخاء وفتحها لغتان. غراز : اسم واد ، والمعنى : جعلت ذلك الوادي دليلا عليهم. قال العيني : «وقد فسره بعضهم بأنّه اسم رجل وهو خطأ ، وضبطه بعضهم بالنون في آخره ثم قال : وهو موضع بناحية عمان ، وهو أيضا ليس بصحيح». إثرهم : عقبهم. و «في»
وقال رؤبة :
(١) ـ ... |
|
وصيّروا مثل كعصف مأكول |
وقالوا : «وهبني الله فداك» (٢).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وخصّ بالإلغاء والتّعليق ما |
|
من قبل هب والأمر هب قد ألزما |
كذا تعلّم ولغير الماض من |
|
سواهما اجعل كلّ ما له زكن / |
يعني : الأفعال المذكورة قبل «هب» تختصّ دون سائر أفعال هذا الباب بالإلغاء والتّعليق.
__________________
بمعنى : إلى. والشاهد في قوله : «تخذت» حيث نصبت مفعولين ، لأنّه من أفعال التصيير التي تنصبهما.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٢ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٠٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٥ ، شرح الفريد : ٣٠٣ ، أوضح المسالك : ٧٤ ، اللسان (عجز ، حجز) ، شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٧٨ ـ مخطوط).
٨٤ ـ من السريع لرؤبة في ملحقات ديوانه (١٨١) ، وصدره :
ولعبت طير بهم أبابيل
ونسب في الكتاب لحميد الأرقط. ويروى : «فصيروا» و «فأصبحوا» بدل «وصيروا» ، كما يروى : «فأصبحت» بدل «وصيروا». العصف : بقل الزرع ، وقيل في قوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) أي : كزرع قد أكل حبه وبقي نبته. والشاهد في قوله : «وصيروا» حيث نصب مفعولين ، لأنه من أفعال التصيير التي تنصب المفعولين.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٢ ، ٢ / ١٧٢ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٠٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٥ ، الكتاب : ١ / ٢٠٣ ، المقتضب : ٤ / ١٤١ ، ٣٥٠ ، سر الصناعة : ١ / ٢٩٦ ، مغني اللبيب (رقم) : ٣٢٤ ، الخزانة : ١٠ / ١٨٤ ، معاني الأخفش : ٣٠٣ ، الهمع (رقم) : ٥٨٧ ، اللسان (عصف) ، الجنى الداني : ٩٠ ، كاشف الخصاصة : ١٦٧ ، التبصرة والتذكرة : ٣١٣ ، أوضح المسالك : ٧٤ ، المطالع السعيدة : ٢٤١ ، ٤٠٥ ، الإفصاح : ٢٦٤ ، الأصول : ١ / ٤٣٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٣٩.
(١) أي : صيرني. حكاه ابن الأعرابي عن العرب ، وهو قليل ، فياء المتكلم مفعوله الأول و «فداك» مفعوله الثاني. انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٤٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٥ ، الهمع : ٢ / ٢١٧ ، شرح المرادي : ١ / ٣٧٨ ، اللسان : ٦ / ٤٩٣٠ (وهب) ، شرح الفريد : ٣٠٢ ، المصباح المنير : ٢ / ٦٧٣ (وهب) ، المطالع السعيدة : ٢٤١ ، شرح دحلان : ٦٢ ، أوضح المسالك : ٧٤.
والإلغاء : إبطال العمل لفظا ومحلا ، لضعف العامل (١) ، والتّعليق : إبطال العمل لفظا لا محلا لمجيء ما له صدر الكلام بعده (٢).
ولا يدخل الإلغاء والتعليق في شيء من أفعال التصيير ، لقوّتها ، ولا في قلبيّ جامد ، لعدم تصرّفه ، وهو اثنان : «هب ، وتعلّم» ، فإنّهما يلزمان الأمر ، وإلى ذلك أشار بقوله :
... |
|
والأمر هب قد ألزما |
كذا تعلّم ... |
|
... |
واعترض بأنّ «تعلّم» قد يكون (٣) بمعنى : الماضي ـ كما تقدّم (٤) ـ.
وفهم منه أنّه يجوز إسنادهما إلى الضّمير المفرد المذكّر والمؤنّث ، وإلى المثنّى والمجموع ، فتقول : «هب وتعلّم يا زيد ، وهبي وتعلّمي يا هند ، ويا زيدان هباني قائما (٥) ، وتعلّماني قائما ، ويا زيدون هبوني قائما ، وتعلّموني قائما» ، فإنّ فعل الأمر صالح لذلك كلّه.
وما عداهما من أفعال هذا الباب ـ فإنّه متصرّف إلّا «هب» من أفعال التّصيير ، فإنّه ملازم للمضيّ ، ولتصاريفهنّ ما لهنّ من الإعمال والإلغاء والتّعليق من المضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول والمصدر.
__________________
(١) وذلك بتوسطه بين معموليه ، فلم ينصبهما ، نحو «زيد ظننت قائم» ، أو بتأخره عن معموليه نحو «محمد قائم ظننت». وقال المرادي : الإلغاء هو ترك العمل لفظا ومعنى لغير مانع.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٧٨ ، الهمع : ٢ / ٢٢٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٦ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٧٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٢ ، معجم المصطلحات النحوية : ٢٠٣ ، معجم مصطلحات النحو : ٢٦٨.
(٢) وذلك كأن يقع العامل قبل «ما» النافية نحو قوله تعالى : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) أو قبل قسم ملفوظ أو مقدر نحو «علمت والله إن زيدا قائم» ، و «علمت أن زيدا قائم» ، أو قبل لام الابتداء ، أو لام جواب القسم نحو «ولقد علموا لمن اشتراه» ، وكقول لبيد :
ولقد علمت لتأتينّ منيّتي |
|
إنّ المنايا لا تطيش سهامها |
أو قبل استفهام نحو (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ.) وقال المرادي : التعليق ترك العمل لفظا لا معنى لمانع.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٤ ، شرح المرادي : ١ / ٣٧٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٢ ، الهمع : ٢ / ٢٣٣ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٦ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٧٩ ، معجم المصطلحات النحوية : ١٥٥ ، معجم مصطلحات النحو : ٢١٤.
(٣) في الأصل : يكو. انظر التصريح : ١ / ٢٥٧.
(٤) انظر ص ٢٨٣ من هذا الكتاب.
(٥) في الأصل : قائمان. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٦.
وإلى ذلك أشار بقوله : «ولغير الماض من سواهما ـ يعني : هب ، وتعلّم ـ اجعل كلّ ما له زكن» ـ أي : علم ـ.
تقول في الإعمال للمضارع : «أظنّ زيدا قائما» وللأمر «ظنّ عمرا صالحا» / ، ولاسم الفاعل «أظانّ زيد عمرا منطلقا» ، ولاسم المفعول «أنت مظنون زيدا (١) جالسا» ، وللمصدر «أعجبني ظنّ زيد عمرا ذاهبا».
وأمّا أمثلة الإلغاء والتّعليق فستأتي.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وجوّز الإلغاء لا في الإبتدا |
|
وانو ضمير الشان أو لام ابتدا |
في موهم إلغاء ما تقدّما |
|
... |
قد تقدّم أنّ الإلغاء إبطال العمل لفظا ومحلا ، لضعف العامل ، وضعفه إمّا بتوسّطه (٢) أو تأخّره.
وفهم من قوله : «لا في الابتدا» ثلاث صور :
ـ أن يتأخّر الفعل عنهما ، نحو «زيد قائم ظننت».
ـ أو يتوسّط بينهما ، نحو «زيد ظننت فاضل».
ـ أو يتقدّم على المفعولين ، ويتقدّم عليه غيره ، نحو «متى ظننت زيد قائم».
وفي جواز الإلغاء في هذه الصّورة الثّالثة خلاف ، وظاهر كلامه جوازه (٣) ، لأنّ الفعل ليس في الابتداء (٤).
__________________
(١) في الأصل : زيد.
(٢) في الأصل : بتوسط. انظر التصريح : ١ / ٢٥٣.
(٣) قال الناظم في شرح الكافية (٢ / ٥٥٦) : «فإن كان الفعل متقدما على جزأي الإسناد لم يجز الإلغاء إلّا إذا تقدم ما يتعلق بهما أو بالفعل الداخل عليهما نحو «في المسجد أظن زيد معتكف» ، و «أين خلت جعفر مقيم» ، و «للندى أرى الفتى مديم». انتهى. وقال في التسهيل (٧١) : «وتختص متصرفاتها بقبح الإلغاء في نحو «ظننت زيد قائم» ، وبضعفه في نحو «متى ظننت زيد قائم» ، و «زيد أظن أبوه قائم».
(٤) وقيل : يمتنع الإلغاء. وعلى رأي الجواز قال المرادي : «فهذه يجوز فيها الأمران ، والإعمال أرجح». وقال الأشموني : «والإعمال حينئذ أرجح ، وقيل : واجب».
انظر شرح المرادي : ١ / ٣٨٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٨ ، الهمع : ٢ / ٢٣٢.
ومثال الإلغاء مع التّوسّط للمضارع : «زيد أظنّ قائم» ، ومع التأخّر له : «زيد قائم أظنّ» ، وقس على ذلك باقي المتصرّفات (١).
وأجاز الكوفيون والأخفش الإلغاء مع التقدّم (٢) ، واستدلّوا بقوله :
٨٥ ـ ... |
|
أني وجدت ملاك الشّيمة الأدب |
برفع «ملاك» على الابتدائيّة ، و «الأدب» على الخبريّة.
وأجيب عنه : بأنّا لا نسلّم أنّ هذا ليس من الإلغاء ، بل هو منه ، لأنّ التّوسّط المبيح للإلغاء ليس هو التّوسّط بين المعمولين فقط ، بل توسّط العامل في الكلام مقتض أيضا للإلغاء ـ كما قدّمناه ـ.
نعم الإلغاء للتّوسّط بين المعمولين أقوى من الإلغاء مع التقدّم عليهما ، والعامل هنا / وهو «وجدت» قد سبق بـ «أنّي».
__________________
(١) فتقول مع التوسط للوصف : «زيد أنا ظان قائم» ، ومع التأخر له : «زيد قائم أنا ظان» فألغى الوصف فيهما مع اعتماده على المبتدأ. والمصدر في ذلك كالفعل فيما ذكر من الإلغاء ، والتعليق ، كما قال الجزولي. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٧ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٨٠.
(٢) وتبعهم أبو بكر الزبيدي ، نحو «ظننت زيد قائم» برفعهما ومنعه البصريون ، لكن الإعمال عند الكوفيين أرجح ، وقد أجازه ابن مالك في التسهيل بقبح ، حيث قال : «وتختص متصرفاتها بقبح الإلغاء في نحو «ظننت زيد قائم».
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٨ ، الهمع : ٢ / ٢٣٢ ، شرح المكودي : ١ / ١١٧ ، التسهيل : ٧١ ، شرح المرادي : ١ / ٣٨٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٨ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٨٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٢ ، ١٥٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٥٧.
٨٥ ـ من البسيط لبعض بني فزارة في ديوان الحماسة للمرزوقي (١١٤٦) ، وصدره :
كذاك أدّبت حتّى صار من خلقي
ويروى : «رأيت» بدل «وجدت» ، ويروى «الأدبا» بدل «الأدب». قوله : «كذاك» إشارة إلى ما ذكره في البيت الذي قبله ، وهو :
أكنيه حين أناديه لأكرمه |
|
ولا ألقّبه والسّوأة اللقب |
ملاك الأمر : ما يقوم به. الشيمة : الخلق. والشاهد في قوله : «إنّي وجدت ... الخ» حيث ألغى «وجدت» وهو متقدم على مفعوليه ، مع أنّه من الأفعال القلبية ، وبذلك استدل الكوفيون والأخفش ، ويسقط استدلالهم بهذا على رواية من روى البيت بنصب «ملاك والأدب».
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٨ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤١١ ، الخزانة : ٩ / ١٣٩ ، المقرب : ١ / ١١٧ ، الهمع (رقم) : ٥٩٤ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٣٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٩ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١١٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٢ ، شواهد الجرجاوي : ٩٥ ، البهجة المرضية : ٦٣ ، فتح رب البرية : ٢ / ٩٧ ، شواهد العدوي : ٩٥ ، شرح ابن الناظم : ٢٠٦ ، شرح المرادي : ١ / ٣٨٢ ، شرح دحلان : ٦٣ ، كاشف الخصاصة : ٩٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٥٨ ، أوضح المسالك : ٧٦ ، الجامع الصغير : ٧٢.
ولو سلّم أنّه من الإلغاء (١) فهو مؤول عند البصريين على أنّ المفعول الأوّل محذوف ، وهو ضمير الشّأن ، والأصل : أنّي وجدته ، فيكون الفعل باقيا على عمله ، والجملة في موضع المفعول الثّاني ، أو على (٢) تقدير لام الابتداء ، والأصل : لملاك ، ثمّ حذف اللام ، وبقي التّعليق بحاله ، وهذا ممّا نسخ لفظه وبقي حكمه (٣).
وإلى هذين التأويلين أشار النّاظم (بقوله) (٤) :
... |
|
(وانو ضمير) (٥) الشّان أو لام ابتدا |
في موهم إلغاء ما تقدّما |
|
... |
والتّأويل الأخير أولى ، لأنّ حذف اللام قد عهد في الجملة ، كقوله تعالى :
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس : ٩] ، والأصل : لقد أفلح ، بخلاف الأوّل ، فإنّ ضمير الشّأن يستعمل في مواطن التّفخيم ، والحذف مناف لذلك.
ولم يتعرّض النّاظم إلى الأرجح في الإلغاء ، والأرجح الإلغاء مع التّأخير (٦) ، والإعمال مع التّوسّط بين المفعولين (٧) ، وقيل : هما في التّوسّط سواء (٨).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
... |
|
والتزم التّعليق قبل نفي ما |
وإن ولا لام ابتداء أو قسم |
|
كذا والاستفهام ذا له انحتم |
__________________
(١) أي : من الإلغاء الذي ذهب إليه الكوفيون في البيت ، وهو الإلغاء مع التقدم.
(٢) في الأصل : وعلى.
(٣) قاله ابن هشام في المغني. انظر مغني اللبيب : ٣١٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٨.
(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر الألفية : ٥٣.
(٦) وذلك بلا خلاف لضعفه بالتأخر. انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٥٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٤ ، شرح المرادي : ١ / ٣٧٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٢ ، الهمع : ٢ / ٢٢٨ ، شرح المكودي : ١ / ١١٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٨.
(٧) وذلك لأنّ العامل اللفظي أقوى من الابتداء. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٤ ، الهمع : ٢ / ٢٢٨ ، حاشية الصبان : ٢ / ٢٨ ، شرح المرادي : ١ / ٣٨٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٢.
(٨) لأنّ ضعف العامل بالتوسط سوغ مقاومة الابتداء له. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٥٦ ، شرح المرادي : ١ / ٣٨٠ ، الهمع : ٢ / ٢٢٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٢ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٨٠.
قد تقدّم أنّ التعليق إبطال العمل لفظا لا محلا ، لمجيء ما له صدر الكلام بعده ، وهو أحد الأشياء السّتّة التي ذكرها النّاظم :
الأوّل : «ما» النّافية ، كقوله تعالى : (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) [فصلت : ٤٨].
الثّاني : «إن» النّافية ، نحو (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٥٢].
الثالث : «لا» النّافية الواقعة / في جواب قسم ملفوظ به ، أو مقدّر ، نحو «علمت والله لا زيد في الدّار ولا عمرو» ، و «علمت لا زيد في الدّار ولا عمرو».
الرّابع : لام الابتداء ، نحو (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) [البقرة : ١٠٢].
الخامس : لام القسم ، كقول (١) لبيد :
٨٦ ـ ولقد علمت لتأتينّ (٣) منيّتي |
|
... |
السّادس : الاستفهام ، وله صورتان :
إحداهما : أن يعترض (٤) حرف الاستفهام (٥) بين العامل والجملة ، نحو (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) [الأنبياء : ١٠٩].
__________________
(١) في الأصل : كقوله.
٨٦ ـ من الكامل ، وعجزه :
إنّ المنايا لا تطيش سهامها
قال العيني : «أقول قائله هو لبيد بن عامر الجعفري ، هكذا قالت جماعة ، ولكني لم أجد في ديوانه إلا الشطر الثاني حيث يقول :
صادفن منها غرّة فأصبنه |
|
إنّ المنايا لا تطيش سهامها |
وهذا في وصف بقرة صادفتها الذئاب فأصبن ولدها». انتهى. وما ذكره العيني بيت من معلقة لبيد المشهورة التي أولها :
عفت الدّار محلّها فمقامها |
|
بمنى تأبد غولها فرجامها |
والاستشهاد فيه على أنّ لام القسم في قوله : «لتأتين منيتي» علقت «عملت» عن العمل ، لأنّ ما له صدر الكلام لا يصح أن يعمل ما قبله فيما بعده.
انظر شرح القصائد العشر للتبريزي : ٢٢٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٩ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٠٥ ، الكتاب : ١ / ٤٥٦ ، شذور الذهب : ٣٥٦ ، شواهد الأعلم : ١ / ٤٥٦ ، الهمع (رقم) : ٦٠١ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٣٧ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٠ ، الخزانة : ٩ / ١٥٩ ، ١٠ / ٣٣٤ ، مغني اللبيب (رقم) : ٧٤٧ ، ٧٥٤ ، شواهد الفيومي : ١١١ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١١٨ ، شرح ابن الناظم : ٢٠٧ ، شرح المرادي : ١ / ٣٨٣ ، شرح ابن عصفور : ١ / ١٥٨ ، ٥٣١ ، المقتصد : ١ / ٦٠٩ ، المطالع السعيدة : ٢٤٥ ، تذكرة النحاة : ٤٧٢ ، فتح رب البرية : ٢ / ٩٩.
(٢) في الأصل : لتأتيني. انظر المراجع المتقدمة.
(٣) في الأصل : يتعرض. انظر التصريح : ١ / ٢٥٦.
(٤) في الأصل : الاسفها. انظر التصريح : ١ / ٢٥٦.
والثّانية (١) : أن يكون في الجملة اسم استفهام ، عمدة كان نحو (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) [الكهف : ١٢] ، أو فضلة ، نحو (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧].
ومثال التّعليق في المضارع : «أظنّ ما زيد قائم» ، وقس على ذلك بقيّة التّصاريف.
ثمّ قال رحمهالله :
لعلم عرفان وظنّ تهمه |
|
تعدية لواحد ملتزمه |
يعني : أنّ «علم» إذا كانت بمعنى «عرف» ، وهو أن يكون معناها متعلّقا بالمفرد ـ تتعدّى إلى مفعول واحد ، كقوله تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) [النحل : ٧٨].
وأنّ «ظنّ» إذا كانت بمعنى «أتّهم» تتعدّى إلى مفعول واحد ، نحو (وما هو على الغيب بظنين) [التكوير : ٢٤] ـ بالظّاء المشالة (٢) ـ وليستا حينئذ من أفعال هذا الباب.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
ولرأى الرّؤيا انم ما لعلما |
|
طالب مفعولين من قبل انتمى |
يعني : أنّ «رأى» الحلميّة ينسب لها من العمل ما انتسب لـ «رأى» العلميّة / من التّعدّي لمفعولين ، لأنّها شبيهة بها في كونها فيها إدراك بالحسّ (٣) ، كقوله تعالى : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) [يوسف : ٣٦] ، وكقول عمرو الباهليّ (٤) :
__________________
(١) في الأصل : والثاني. انظر التصريح : ١ / ٢٥٦.
(٢) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو الكسائي ورويس ، وقرأ الباقون «بضنين» بالضاد أي : ببخيل.
انظر النشر في القراءات العشر : ٢ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩ ، حجة القراءات : ٧٥٢ ، المبسوط في القراءات العشر : ٤٦٤ ، إتحاف فضلاء البشر : ٤٣٤.
(٣) وذهب بعضهم إلى أنّ «رأى» الحلمية لا تنصب مفعولين ، وأنّ ثاني المنصوبين حال.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٠ ، إرشاد الطالب النبيل (١٥١ / ب) ، الأشموني مع الصبان : ٢ / ٣٤.
(٤) هو عمرو بن أحمر بن العمرد بن عامر الباهلي ، أبو الخطاب ، شاعر مخضرم ، كان يكثر الغريب في شعره ، عاش نحو ٩٠ عاما ، أسلم وغزا مغازي في الروم ، ونزل بالشام مع خيل خالد بن الوليد ، ثم سكن الجزيرة وأدرك أيام عبد الملك بن مروان ، له مدائح في عمر وعثمان وعلي وخالد ، ولم يلق أبا بكر ، وهجا يزيد بن معاوية ، فطلبه يزيد ففرّ منه ، وتوفي في حدود سنة ٦٥ ه ، له ديوان شعر.
٨٧ ـ أراهم رفقتي ... |
|
... |
وأضاف «رأى» للرّؤيا ليعلم أنّها الحلميّة ، لأنّ الأشهر أنّ مصدرها «الرّؤيا» ، نحو قوله تعالى : (هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ) [يوسف : ١٠٠] ، ومصدر البصريّة «رؤية» (٢) ، وقد يكون «الرّؤيا» ، خلافا للحريريّ (٣) ، والنّاظم (٤) ، بدليل :
__________________
انظر ترجمته في معجم الشعراء : ٢١٤ ، الأغاني : ٨ / ٢٣٤ ، جمهرة أشعار العرب : ١٥٨ ، سمط اللآلئ : ٣٠٧ ، الخزانة : ٦ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، الأعلام : ٥ / ٧٢.
٨٧ ـ قطعة بيت من الوافر لعمرو بن أحمر الباهلي من قصيدة له يذكر فيها جماعة من قومه لحقوا بالشام فصار يراهم في منامه إذا أتى الليل ، وتمامه :
أراهم رفقتي حتّى إذا ما |
|
تجافى الليل وانخزل انخزالا |
ويروى : «تولى» بدل «تجافى. رفقتي : جمع رفيق. تجافى الليل : انطوى وارتفع. انخزل : انقطع من «الخزل» وهو القطع. والشاهد في قوله : «أراهم رفقتي» حيث نصبت «أرى» الحلمية مفعولين ، وهما الضمير ، وقوله : «رفقتي».
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٠ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤٢١ ، شواهد الجرجاوي : ٩٥ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٤ ، الهمع (رقم) : ٥٨٩ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٣٤ ، شواهد العدوي : ٩٥ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٤ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١١٨ ، شرح ابن الناظم : ٢١٠ ، شرح المرادي : ١ / ٣٨٧ ، المطالع السعيدة : ٢٤٧.
(١) انظر أوضح المسالك : ٧٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥١ ، اللسان : (رأى) ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٤ ، تهذيب اللغة : ٣١٥ (رأى) ، إرشاد الطالب النبيل (١٥١ / ب) ، كتاب الأفعال لابن القطاع : ٢ / ٧٣ ، المصباح المنير : ١ / ٢٤٧ ، ديوان الأدب للفارابي : ٤ / ٢٠٧ ، الصحاح : ٦ / ٢٣٤٩ (رأى) ، كتاب الأفعال للسرقسطي : ٣ / ٤٩ ، المشكاة الفتحية للدمياطي : ٢٦٠.
(٢) هو القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري البصري الشافعي ، أبو محمد ، الأديب الكبير ، صاحب المقامات الحريرية ، عالم بالنحو واللغة ، ناظم وناثر ، ولد في حدود سنة ٤٤٦ ه ، وتوفي بالبصرة سنة ٥١٦ ه (وقيل : ٥١٥ ه) ، من آثاره : درة الغواص في أوهام الخواص ، منظومة ملحة الإعراب في النحو وشرحها ، وديوان شعر ، وغيرها.
انظر بغية الوعاة : ٣٧٨ ، نزهة الألباء : ٤٥٣ ، معجم الأدباء : ١٦ / ٢٦١ ، الأعلام : ٥ / ١٧٧ ، معجم المؤلفين : ٨ / ١٠٨ ، ١٣ / ٤١٢ ، مرآة الجنان : ٣ / ٢١٣ ، هدية العارفين : ٢ / ٤٦٢.
(٣) حيث ذهبا إلى أن «الرؤيا» لا تكون إلا مصدرا للحلمية. وفي اللسان : «قال ابن بري : وقد جاء «الرؤيا» في اليقظة ، وعليه فسر قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً).
انظر أوضح المسالك : ٧٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥١ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٥١ / ب) ، حاشية الصبان : ٢ / ٣٤ ، اللسان : ٣ / ١٥٤١ (رأى) ، حاشية الخضري : ١ / ١٥٤ ، المشكاة الفتحية للدمياطي : ٢٦١.
(وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ)(١) [الإسراء : ٦٠] ، قال (٢) ابن عبّاس (٣) : هي رؤياعين (٤).
واحترز بقوله : «طالب مفعولين» من «علم» العرفانيّة.
و «انم» بمعنى : انسب ، و «انتمى» بمعنى : انتسب.
و «رأى» الحلميّة لا يدخلها إلغاء ولا تعليق ، خلافا للشّاطبي (٥).
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
ولا تجز هنا بلا دليل |
|
سقوط مفعولين أو مفعول |
يعني : أنّ المفعولين في هذا الباب لا يجوز حذفهما (٦) معا عند سيبويه (٧) وجماعة (٨) ، واختاره النّاظم (٩) ، ولا حذف أحدهما بالإجماع (١٠) ، من غير أن
__________________
(١) في الأصل : ريناك. انظر التصريح : ١ / ٢٥١.
(٢) في الأصل : وقال. انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥١.
(٣) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبو العباس حبر الأمة الصحابي الجليل ، ولد بمكة سنة ٣ ق. ه ، ونشأ في عصر النبوة ، فلازم النبي صلىاللهعليهوسلم وروى عنه الأحاديث الصحيحة ، وشهد مع علي الجمل وصفين ، وكف بصره في آخر عمره ، فسكن الطائف وتوفي بها سنة ٦٨ ه ، له في الصحيحين وغيرهما ١٦٦٠ حديثا ، وأخباره كثيرة.
انظر ترجمته في الإصابة ترجمة رقم : ٤٧٧٢ ، صفة الصفوة : ١ / ٣١٤ ، حلية الأولياء : ١ / ٣١٤ ، المحبر : ٢٨٩ ، الأعلام : ٤ / ٩٥.
(٤) قال الخازن في تفسير قوله تعالى (٤ / ١٦٦) : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) «قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة المعراج وهي ليلة أسري به إلى بيت المقدس».
وانظر تفسير القرطبي : ١٠ / ٢٨٢ ، تفسير البغوي : ٣ / ١٢١ ، أوضح المسالك : ٧٤ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥١ ، إرشاد الطالب النبيل (١٥١ / ب) ، المشكاة الفتحية : ٢٦١.
(٥) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٠.
(٦) في الأصل : حذفها. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٩.
(٧) انظر الكتاب : ١ / ١٨ ، ١٩ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٥٣.
(٨) وهم الأخفش والجرمي وابن خروف وابن طاهر والشلوبين والصيمري ، سواء في ذلك أفعال الظن والعلم ، وذلك لعدم الفائدة.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٩ ، التبصرة والتذكرة للصيرمي : ١ / ١١٣ ، الهمع : ٢ / ٢٢٥ ، شرح ابن يعيش : ٧ / ٨٣ ، شرح المرادي : ١ / ٣٩١ ، شرح الرضي : ٢ / ٢٧٩ ، حاشية الصبان : ٢ / ٣٥ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٣٠١.
(٩) انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٥٢ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٤ ، شرح المرادي : ١ / ٣٩١.
(١٠) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٤.
يدلّ على الحذف دليل ، وهذا هو الحذف على جهة الاقتصار (١) لأنّهما في الأصل مبتدأ وخبر.
وعن الأكثرين (٢) : إجازة حذفهما لمجيء ذلك في أفعال العلم ، كقوله تعالى : (فَهُوَ يَرى) [النجم : ٣٥] ، أي : يعلم ما نعتقده حقا ، و (٣) في أفعال الظّن نحو (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) [الفتح : ١٢].
وعن الأعلم / (٤) : يجوز في أفعال الظّنّ دون أفعال العلم (٥).
وفهم من ذلك أنّه يجوز حذفهما أو حذف أحدهما إذا دلّ على الحذف دليل ، وهو الحذف على جهة الاختصار.
فمن حذفهما معا قوله تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [القصص : ٦٢] ، أي : تزعمونهم شركائي ، وهذا مجمع عليه (٦).
ومن حذف الأوّل : (وَلا يَحْسَبَنَ)(٧) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ (بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ
__________________
(١) الحذف لدليل يسمى : اختصارا ، ولغير دليل يسمى : اقتصارا. انظر الهمع : ٢ / ٢٢٤ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٤ ـ ٣٥ ، النكت الحسان : ٩١.
(٢) منهم ابن السراج والسيرافي ، وصححه ابن عصفور لوروده. انظر الأصول لابن السراج : ١ / ١٨١ ، الهمع : ٢ / ٢٢٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٥ ، شرح ابن يعيش : ٧ / ٨٣.
(٣) في الأصل : الواو. ساقط. انظر التصريح : ١ / ٢٥٩.
(٤) هو يوسف بن سليمان بن عيسى ، الشنتمري ، الأندلسي ، أبو الحجاج ، كان مشقوق الشفة العليا فاشتهر بالأعلم ، عالم بالأدب والنحو واللغة ، ولد في شنتمرية الغرب سنة ٤١٠ ه ، ورحل إلى قرطبة ، وكف بصره في آخر عمره ، ومات في إشبيلية سنة ٤٧٦ ه ، من مؤلفاته :
شرح جمل الزجاجي ، النكت على الكتاب ، شرح شواهد الكتاب ، شرح الحماسة لأبي تمام ، وغيرها.
انظر ترجمته في معجم الأدباء : ٢٠ / ٦٠ ، الأعلام : ٨ / ٢٣٣ ، مرآة الجنان : ٣ / ١٥٩ ، شذرات الذهب : ٣ / ٤٠٣ ، معجم المؤلفين : ١٣ / ٣٠٢.
(٥) واستدل بحصول الفائدة في الأول دون الثاني ، والإنسان قد يخلو من الظن ، يفيد قوله «ظننت» أنه وقع منه ظن ، ولا يخلو من علم ، إذ له أشياء يعلمها ضرورة كعلمه أن الاثنين أكثر من الواحد فلم يفد قوله : «علمت شيئا». ورد : بأنه يفيد وقوع علم ما لم يكن يعلم.
وذهب أبو العلا إدريس إلى منع الحذف قياسا ، والجواز في بعضها سماعا ، فلا يتعدى الحذف في «ظننت وخلت وحسبت» لوروده فيها.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٠ ، الهمع : ٢ / ٢٢٥ ، شرح المرادي : ١ / ٣٩٠ ، الأشموني : ٢ / ٣٥.
(٦) انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٥٨ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٥.
(٧) في الأصل : تحسبن. انظر التصريح : ١ / ٢٦٠.
فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) [آل عمران : ١٨٠] ، تقديره : ولا يحسبنّ الذين يبخلون ، ما يبخلون) (١) به هو خيرا لهم.
ومن الثّاني قول عنترة (٢) :
٨٨ ـ ولقد نزلت فلا تظنّي غيره |
|
منّي بمنزلة المحبّ المكرم |
أي : فلا تظنّي غيره منّي (واقعا) (٤).
وهذا أجازه الجمهور ، ومنعه ابن ملكون (٥).
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٦٠.
(٢) هو عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية العبسي ، أشهر فرسان العرب في الجاهلية ، أمه حبشية اسمها زبيبة ، سرى إليه السواد منها ، وكان من أحسن العرب شيمة ومن أعزهم نفسا ، وكان مغرما بابنة عمّه عبلة ، شهد داحس والغبراء وعاش طويلا وقتله الأسد الرهيص أو جبار بن عمرو الطائي في حدود سنة ٢٢ ق. ه وينسب إليه ديوان شعر.
انظر المؤتلف والمختلف : ١٥١ ، الأغاني : ٨ / ٢٣٧ ، كشف الظنون : ٨٠٣ ، الأعلام : ٥ / ٩١ ، الخزانة : ١ / ١٢٨ ، شواهد المغني : ١ / ٤٨١ ، معجم المؤلفين : ٨ / ١٤.
٨٨ ـ من الكامل ، من معلقة عنترة المشهورة في القصائد العشر (٢٧٠) التي أولها :
هل غادر الشعراء من متردّم |
|
أم هل عرفت الدّار بعد توهّم |
المحب : بمعنى المحبوب. المكرم : من الإكرام. والمعنى : لقد حللت ـ أيتها المحبوبة ـ من قلبي في محل من هو حبيب مكرم فتيقني ذلك ، ولا تظني غيره واقعا. والشاهد في قوله : «فلا تظني غيره» حيث حذف مفعول «تظن» اختصارا لدلالة المقام عليه ، والتقدير : فلا تظني غيره واقعا ، وهو جائز عند الجمهور ، ومنعه ابن ملكون من المغاربة وجماعة ، وأجابوا عن هذا البيت بأن قوله : «مني» متعلق بمحذوف لا بـ «نزلت» مفعول ثان لـ «تظن» أي : فلا تظني غيره كائنا مني.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٠ ، الشواهد الكبرى : ٢ / ٤١٤ ، الخزانة : ٣ / ٢٢٧ ، ٩ / ١٣٦ ، الخصائص : ٢ / ٢١٦ ، المحتسب : ١ / ٧٨ ، الهمع (رقم) : ٥٩١ ، الدرر اللوامع : ١ / ١٣٤ ، المكودي مع ابن حمدون : ١ / ١١٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٥٤ ، شرح الأشموني : ١ / ٣٥ ، شواهد العدوي : ٩٧ ، شرح المرادي : ١ / ٣٨٩ ، أوضح المسالك : ٧٧ ، شواهد الجرجاوي : ٩٧ ، المطالع السعيدة : ٢٤٨ ، فتح رب البرية : ١ / ٨ ، المقرب : ١ / ١١٧ ، شذور الذهب : ٣٧٨ ، شواهد الفيومي : ١١٦.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ١ / ٢٦٠.
(٤) منع ابن ملكون حذف أحد المفعولين اختصارا ، وإليه ذهب طائفة منهم ابن الحاجب ، وصححه ابن عصفور ، وحجتهم أن المفعول في هذا الباب مطلوب من جهتين ، من جهة العامل فيه ، ومن جهة كونه أحد جزأي الجملة ، فلما تكرر طلبه امتنع حذفه. وما قالوه منتقض بخبر «كان» فإنه مطلوب من جهتين.
انظر شرح الأشموني : ٢ / ٣٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٠ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٥٢ / أ) ، أوضح المسالك : ٧٧ ، الهمع : ٢ / ٢٢٦.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وكتظنّ اجعل تقول إن ولي |
|
مستفهما به ولم ينفصل |
بغير ظرف أو كظرف أو عمل |
|
وإن ببعض ذي فصلت يحتمل |
وأجري القول كظنّ مطلقا |
|
عند سليم نحو قل ذا مشفقا |
أصل القول وما اشتقّ (١) منه أن يدخل على الجملة الفعليّة ، وكذا الاسميّة عند بعضهم (٢) ، فتحكى به ، وقد ينصب المفرد إذا كان في معنى الجملة كقولك : «قلت خطبة».
ثمّ إنّه قد يضمّن معنى الظّنّ ، فينصب مفعولين ، وذلك بشروط :
الأوّل : أن يكون مضارعا ، وسوّى به السّيرافيّ «قلت» ـ بالخطاب (٣) ، والكوفيّ «قل» (٤).
الثّاني : أن يكون المضارع مفتتحا بتاء المخاطب.
وهذان الشّرطان مفهومان من قوله : «تقول».
__________________
وابن ملكون هو إبراهيم بن محمد بن منذر ، أبو إسحاق ابن ملكون الحضرمي ، نحوي لغوي من أهل إشبيلية مولدا ، وتوفي بها سنة ٥٨١ ه ، من كتبه : إيضاح المنهج ، شرح الجمل للزجاجي ، النكت على التبصرة للصيرمي وغيرها.
انظر ترجمته في بغية الوعاة : ١٨٨ ، إيضاح المكنون : ١ / ١٥٨ ، كشف الظنون : ٣٣٩ ، ٦٩٢ ، الأعلام : ١ / ٦٢ ، معجم المؤلفين : ١ / ١٠٨.
(١) في الأصل : أشفق. انظر شرح المكودي : ١ / ١١٩.
(٢) فلا يعمل القول في جزأيها شيئا ، كما يعمل الظن ، لأن الظن يقتضي الجملة من جهة معناها ، فجزآها معه كالمفعولين في باب «أعطيت» ، فصح أن ينصبهما ، وأما القول فيقتضي الجملة من جهة لفظها فلا يصح أن ينصب جزأيها مفعولين ، لأنه لم يقتضها من جهة معناها ، فلم يشبه باب «أعطيت» ولا أن ينصبها مفعولا واحدا ، لأن الجملة لا إعراب لها فلم يبق إلا الحكاية.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦١ ، شرح ابن الناظم : ٢١١ ، أوضح المسالك : ٧٧ ، حاشية ابن حمدون : ١ / ١١٩.
(٣) فيجوز على قوله إعمال الماضي المسند إلى تاء المخاطبة ، نحو «أقلت زيدا منطلقا» ، وذلك بشروط المضارع.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٢ ، أوضح المسالك : ٧٧ ، حاشية الصبان : ١ / ٣٦.
وفي الهمع (٢ / ٢٤٧) : «وذهب السيرافي إلى جواز إعمال الماضي بشروط المضارع».
وانظر شرح الرضي : ٢ / ٢٨٩.
(٤) فيجوز على قول الكوفيين إعمال فعل الأمر نحو «قل زيدا منطلقا». وفي الهمع : «وذهب الكوفيون إلى جواز إعمال الأمر بشروطه ـ أي بشروط المضارع ـ أيضا».
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٦٢ ، أوضح المسالك : ٧٧ ، الهمع : ٢ / ٢٤٧ ، حاشية الصبان : ٢ / ٣٦.