الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٩
١٤
باب
*(فضائل امته صلىاللهعليهوآله ، وما أخبر بوقوعه)*
*(فيهم ، ونوادر أحوالهم)*
الآيات : البقرة « ٢ » : وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا « ١٤٣.
آل عمران « ٣ » : كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله « ١١٠ ».
الحج « ٢٢ » : هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير « ٧٨ ».
تفسير : قال الطبرسي رحمهالله في قوله تعالى « امة وسطا » : الوسط : العدل وقيل : الخيار ، قال صاحب العين : الوسط من كل شئ : أعدله وأفضله ، أو الواسطة بين الرسول وبين الناس ، ومتى قيل : إذا كان في الامة من ليس هذه صفته فكيف وصف جماعتهم بذلك؟ فالجواب : أن المراد به من كان بتلك الصفة ، لان كل عصر لا يخلو من جماعة هذه صفتهم ، وروى بريد العجلي عن الباقر عليه قا نحن الامة الوسط ، ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه. وفي رواية اخرى : إلينا يرجع الغالي ، وبنا يلحق المقصر. وروى الحسكاني في شواهد التنزيل بإسناده عن سليم بن قيس ، عن علي عليهالسلام إن الله تعالى إيانا عنى بقوله : « لتكونوا شهداء على الناس » فرسول الله (ص) شاهد علينا ، ونحن شهداء الله على خلقه ، وحجته في أرضه ، ونحن الذين قال الله : « وكذلك جعلناكم امة وسطا ».
وقوله : « لتكونوا شهداء على الناس » فيه أقوال : أحدها أن المعنى لتشهدوا
على الناس بأعمالهم التي خالفوا فيها الحق في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى « وجئ بالنبيين والشهداء(١) » وقال : « ويوم يقوم الاشهاد(٢) » وقيل : الاشهاد أربعة : الملائكة والانبياء وامة محمد صلىاللهعليهوآله والجوارح ، والثاني أن المعنى لتكونوا حجة على الناس فتبينوا لهم الحق والدين ، ويكون الرسول شهيدا مؤديا إليكم.
والثالث : إنهم يشهدون للانبياء على اممهم المكذبين لهم بأن قد بلغوا ، وجاز ذلك لاعلام النبي صلىاللهعليهوآله إياهم بذلك « ويكون الرسول عليكم شهيدا » أي شاهدا عليكم بما يكون من أعمالكم ، وقيل : حجة عليكم ، وقيل شهيدا لكم بأنكم قد صدقتم يوم القيامة فيما تشهدون به(٣). « كنتم خير امة » قيل : هل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله خاصة ، وقيل : هو خطاب للصحابة ، ولكنه يعم سائر الامة(٤) « هو اجتباكم » اي اختاركم واصطفاكم لدينه « من حرج » اي من ضيق لا مخرج منه ولا مخلص من عقابه ، بل جعل التوبة والكفارات ورد المطالم مخلصا من الذنوب ، وقيل : لم يضيق عليكم أمر الدين فلم يكلفكم مالا تطيقون ، بل كلف دون الوسع ، وقيل : يعني الرخص عند الضرورات كالقصر والتيمم وأكل الميتة « ملة أبيكم إبراهيم » أي دينه ، لان ملة إبراهيم داخلة في ملة محمد صلىاللهعليهوآله ، وإنما سماه أبا للجميع لان حرمته على المسلمين كحرمة الوالد على الولد : أو لان العرب من ولد إسماعيل وأكثر العجم من ولد إسحاق ، فالغالب عليهم أنهم أولاده « هو سماكم المسلمين » اي الله سماكم المسلمين ، وقيل : ابراهيم « من قبل » أي من قبل إنزال القرآن « وفي هذا » أي في القرآن « ليكون الرسول شهيدا عليكم » بالطاعة والقبول ، فإذا شهد لكم به صرتم عدولا تستشهدون على الامم الماضية بأن الرسل قد بلغوهم الرسالة وإنهم لم يقبلوا « واعتصموا بالله » أي تمسكوا بدين الله ، أو امتنعوا بطاعة الله عن معصيته ، أو بالله من أعدائكم ، أثقوا بالله وتوكلوا عليه « هو مولاكم » أي وليكم وناصركم والمتولي لاموركم ، ومالككم « فنعم المولى » هو لمن تولاه
____________________
(١) الزمر : ٦٩. (٢) غافر : ٥١.
(٣) مجمع البيان ١ : ٢٢٤ و ٢٢٥. (٤) مجمع البيان ٢ : ٤٨٦.
« ونعم النصير » لمن انتصره(٣).
١ ـ ل : سلمان بن أحمد اللخمي ، عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن منجاب بن الحارث ، عن أبي حذيفة الثعلبي ، عن زياد بن علاقة ، عن جابر بن سمرة السواني ، عن علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : إن النبي صلىاللهعليهوآله قال : سألت ربي تبارك وتعالى ثلاث خصال ، فأعطاني اثنتين ، ومنعني واحدة ، قلت : يارب لا تهلك امتي جوعا ، قال : لك هذه ، قلت : يا رب لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم ـ يعني من المشركين ـ فيجتاحوهم ، قال : لك ذلك ، قلت : يا رب لا تجعل بأسهم بينهم فمنعني هذه.
قال سليمان بن أحمد : لا يروى هذا الحديث عن علي عليهالسلام إلا بهذا الاسناد تفرد به منجاب بن الحارث(١).
٢ ـ ل : أبي ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن ابن هاشم ، عن عبدالله بن القاسم ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قال النبي (ص) : لم تعط امتي أقل من ثلاث : الجمال ، والصوت الحسن ، والحفظ(٥).
بيان : قيل : المعنى أنه لم يخل واحد منهم من واحدة منها ، والاظهر عندي أن المراد به أن تلك الخصال في تلك الامة أقل من سائر الخصال.
٣ ـ ل : العطار ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن حريز ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : رفع عن امتي تسعة : الخطاء ، والنسيان ، وما اكرهوا عليه ، ومالا يعلمون ، ومالا يطيقون ، وما اضطروا إليه. والحسد ، والطيرة ، و التفكر في الوسوسة في الخلق مالم ينطق بشفه(٢).
أقول : قد مر شرحه في كتاب العدل.
ب : هارون ، عن ابن زياد ، عن جعفر ، عن أبيه عن النبي صلوات الله عليهم قال : مما أعطى الله امتي وفضلهم به على سائر الامم ، أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها
____________________
(١) مجمع البيان ٧ : ٩٧. (٢) الخصال ١ : ٤١.
(٣) الخصال ١ : ٦٧. (٤) ٢ : ٤٤.
إلا نبي ، وذلك أن الله تبارك وتعالى كان إذا بعث نبيا قال له : اجتهد في دينك ولا حرج عليك ، وإن الله تبارك وتعالى أعطى ذلك امتي ، حيث يقول : « وما جعل عليكم في الدين من حرج » يقول : من ضيق ، وكان إذا بعث نبيا قال له : إذا أحزنك أمر تكرهه فادعني أستجب لك ، وإن الله تعالى أعطى امتي ذلك حيث يقول « ادعوني أستجب لكم(١) » وكان إذا بعث نبيا جعله شهيدا على قومه ، وإن الله تبارك وتعالى جعل امتي شهداء على الخلق حيث يقول : « ليكون الرسول عليكم شهيدا وتكونوا شهداء على الناس(٢) ».
٥ ـ ضه : قيل : إن الله سبحانه أعطى هذه الامة مرتبة الخليل ، ومرتبة الكليم ، ومرتبة الحبيب ، فأما مرتبة الخليل فإن إبراهيم عليهالسلام سأل ربه خمس حاجات فأعطاها إياه بسؤاله ، وأعطى ذلك هذه الامة بلا سؤال ، سأل الخليل المغفرة بالتعريض فقال في سورة الشعراء : « والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين(٣) » وأعطى هذه الامة بلا سؤال ، فقال : « يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا(٤) » والثاني سأل الخليل فقال في الشعراء : « ولا تخزني يوم يبعثون(٥) » وقال لهذه الامة : « يوم لا يخري الله النبي والذين آمنوا معه(٦) » والثالث : سأل الخليل الوارثة قال في الشعراء : « و اجعلني من ورثة جنة النعيم(٧) » وقال لهذا الامة : « اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون(٨) » والرابع سأل الخليل القبول فقال : « ربنا تقبل(٩) منا » وقال لهذه الامة : « وهو الذي يقبل التوبة عن عباده(١٠) » والخامس
____________________
(١) غافر : ٦٠.
(٢) قرب الاسناد : ٤١. والصحيح كما في المصحف الشريف : [ شهيدا عليكم ] والظاهر انه من تصحيف الناسخ راجع سورة الحج : ٧٨.
(٣ و ٥ و ٧) الشعراء : ٨٢ و ٨٥ و ٨٧
(٤) الزمر : ٥٣. (٦) التحريم : ٨.
(٨) المؤمنون : ١٠ و ١١ (٩) البقرة : ١٢٧.
(١٠) الشورى : ٢٥.
سأل الخليل الاعقاب الصالحة فقال : « رب هب لي من الصالحين(١) » وقال لهذه الامة في سورة الانعام : « وهو الذي جعلكم خلائف في الارض(٢) » ثم أعطى الخليل ست مراتب بلا سؤال ، وأعطى جميع هذه الامة بلا سؤال(٣).
الاول قال للخليل : « ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما(٤) » وقال لهذه الامة : « هو سماكم المسلمين(٥) ».
والثاني قال للخليل : « يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم(٦) » وقال لهذه الامة : « وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها(٧) ».
والثالث قال للخليل : « وبشرناه بغلام حليم(٨) » وقال لهذه الامة : « وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا(٩) ».
والرابع قال للخليل : « سلام على إبراهيم(١٠) » وقال لهذه الامة : « قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى(١١) ».
والخامس قال للخليل : « واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق(١٢) » وقال لامة الحبيب : « وعباد الرحمن (١٣) ».
والسادس قال للخليل : « شاكرا لانعمه اجتباه (١٤) » وقال لهذه الامة : « هو اجتباكم (١٥) ».
وأما مرتبة الكليم فإن الله تعالى أعطى الكليم عشرة مراتب ، وأعطى امة
____________________
(١) الصافات : ١٠٠.
(٢) الانعام : ١٦٥. والصحيح كما في المصحف الشريف : خلائف الارض.
(٣) في المصدر : واعطى هذه الامة جميع ذلك بلا سؤال.
(٤) آل عمران : ٦٧. (٥) الحج : ٧٨.
(٦) الانبياء : ٦٩ (٧) آل عمران : ١٠٣.
(٨) الصافات : ١٠١ والصحيح : فبشرناه.
(٩) الاحزاب : ٤٧. (١٠) الصافات : ١٠٩.
(١١) النحل : ٥٩. (١٢) ص ٤٥.
(١٣) الفرقان : ٦٣. (١٤) النحل : ١٢١.
(١٥) الحج : ٧٨.
محمد عشر أمثالها ، قال(١) للكليم : « وأنجينا موسى(٢) » وقال لامة محمد : « كذلك حقا علينا ننج المؤمنين(٣) ».
والثاني : أعطى الكليم النصرة فقال : « إنني معكما أسمع وأرى(٤) » وقال لهذه الامة : « إن الله مع الذين اتقوا(٥) ».
والثالث القربة قال : « وقربناه نجيا(٦) » وقال لهذه الامة : « ونحن أقرب إليه منكم(٧) ».
والرابع المنة قال تعالى : « ولقد مننا على موسى وهارون(٨) » وقال لهذه الامة : « بل الله يمن عليكم » (٩).
والخامس الامن والرفعة قال الله تعالى : « لا تخف إنك أنت الاعلى(١٠) » وقال لهذه الامة : « ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين(١١) ».
والسادس : المعرفة والشرح في القلب(١٢) فقال الكليم : « رب اشرح لي صدري(١٣) » فأعطاه ذلك بقوله : « قد اوتيت سؤلك(١٤) » وقال لامة محمد : « أفمن شرح الله صدره للاسلام (١٥) ».
والسابع : التيسير قال : « ويسر لي أمري(١٦) » وقال لهذه الامة : « يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر(١٧) ».
والثامن الاجابة قال الله تعالى : « قد احببت دعوتكما(١٨) » وقال لهذه الامة : « ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله(١٩) ».
____________________
(١) في المصدر : الاول : قال.
(٢) الشعراء : ٦٥. (٣) يونس : ١٠٣.
(٤) طه : ٤٦. (٥) النحل : ١٢٨.
(٦) مريم : ٥٢. (٧) الواقعة : ٨٥.
(٨) الصافات : ١١٤. (٩) الحجرات : ١٧.
(١٠) طه : ٦٨. (١١) آل عمران : ١٣٩.
(١٢) في المصدر : في الصدر. (١٣ و ١٤ و ١٦) طه : ٢٥ و ٢٦ و ٣٦.
(١٥) الزمر : ٢٢. (١٧) البقرة : ١٨٥.
(١٨) يونس : ٨٩. (١٩) الشورى : ٢٦.
والتاسع : المغفرة قال الكليم : « رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له(١) وقال لامة محمد صلىاللهعليهوآله : « يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم(٢) ».
والعاشر : النجاح قال : « قد اوتيت سؤلك يا موسى(٣) » وقال لهذه الامة : « وآتاكم من كل ما سألتموه(٤) » وفي ضمنها وما لم تسألوه كقوله : « سواء للسائلين(٥) » أي لمن سأل ولمن لم يسأل.
وأما مرتبة الحبيب فإن الله سبحانه أعطى حبيبه محمدا صلىاللهعليهوآله تسع مراتب وأعطى امته مثلها تسعا : الاول التوبة قال للحبيب : « لقد تاب الله على النبي(٦) » وقال لامته : « والله يريد أن يتوب عليكم(٧) وقال : « ثم تاب عليهم ليتوبوا(٨) ».
والثاني المغفرة قال الله تعالى : « ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك(٩) » وقال لامته : « إن الله يغفر الذنوب جميعا (١٠) ».
والثالث : النعمة قال له : « ويتم نعمته عليك(١١) » وقال لامته : « وأتممت عليكم نعمتي (١٢) ».
والرابع : النصرة قوله تعالى : « وينصرك الله نصرا عزيزا (١٣) » وقال لامته : « وكان حقا علينا نصر المؤمنين (١٤) ».
والخامس : الصلوات ، قال له : « إن الله وملائكته يصلون على النبي(١٥) » وقال لامته : « هو الذي يصلي عليكم وملائكته » (١٦).
والسادس : الصفوة ، قال للحبيب : « الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن
____________________
(١) القصص : ١٦.
(٢) ابراهيم : ١٠. راجعها فانها ليست في امته صلىاللهعليهوآله.
(٣) طه : ٢٥. (٤) ابراهيم : ٣٤.
(٥) فصلت : ١٠. (٦ و ٨) التوبة : ١١٧ و ١١٨.
(٧) النساء : ٢٧. (٩ و ١١ و ١٣) الفتح : ٢ و ٣ و ٤.
(١٠) الزمر : ٥٣. (١٢) المائدة : ٣.
(١٤) الروم : ٤٧. (١٥ و ١٦) الاحزاب : ٤٦ و ٤٣.
الناس(١) » يعني محمدا ، وقال لامته : « ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا(٢) ».
السابع : الهداية ، قال للحبيب : « ويهديك صراطا مستقيما(٣) » وقال لامته : « وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم(٤) ».
والثامن : السلام ، قال للحبيب في ليلة المعراج : السلام عليك أيها النبي و رحمة الله وبركاته ، وقال لامته : « وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة(٥) ».
والتاسع : الرضا ، قال للحبيب : « ولسوف يعطيك ربك فترضى(٦) » وقال لامته : « ليدخلنهم مدخلا يرضونه(٧) » يعني الجنة : ومن رحمة الله سبحانه على هذه الامة وتخصيصه إياهم دون الامم ما خص به شريعتهم من التخفيف والتيسير فقال سبحانه : « يريد الله أن يخفف عنكم(٨) » وقال : « ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج(٩) » وقال : « وما جعل عليكم في الدين من حرج(١٠) » وقال : « يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر(١١) » وقال : « ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم(١٢) ». وكان مما أنعم الله تعالى على هذه الامة أن الامم الماضية كانوا إذا أصابهم بول أو غائط أو شئ من النجاسات كان تكليفهم قطعه وإباتته من أجسادهم ، وخفف عن هذه الامة بأن جعل الماء طهورا لما يصيب أبدانهم وأثوابهم قال الله تعالى : « وأنزلنا من السماء ماء طهورا(١٣) » وقال : « وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم(١٤) » ومنها أنهم كانوا يعتزلون النساء في حال الحيض فلم
____________________
(١) الحج : ٧٥. (٢) فاطر : ٣٢.
(٣) الفتح : ٢. (٤ و ٧) الحج : ٥٤ و ٥٩.
(٥) الانعام : ٥٤. (٦) الضحى : ٥.
(٨) النساء : ٢٨. (٩) المائدة : ٦.
(١٠) الحج : ٧٨. (١١) البقرة. ١٨٥.
(١٢) الاعراف : ١٥٧. (١٣) الفرقان : ٤٨.
(١٤) الانفال : ١١.
يكونوا يؤاكلونهن ولا يجالسونهن ، وما أصاب الحائض من الثياب والفرش و الاواني وغير ذلك نجس حتى لا يجوز الانتفاع به وأباح لها(١) جميع ذلك إلا المجامعة ، ومنها أن صلاتهم كانت خمسين ، وصلاتنا خمسة وفيها ثواب الخمسين وزكاتهم ربع المال ، وزكاتنا العشر(٢) وثوابه ثواب ربع المال ، ومنها أنهم كانوا إذا فرغوا من الطعام ليلة صيامهم حرم عليهم الطعام والشراب والجماع إلى مثلها من الغد ، وأحل الله(٣) التسحر والوطي في ليالي الصوم ، فقال : « كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر(٤) » يعني بياض النهار من سواد الليل ، وقال : « احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم(٥) » يعني الجماع ، ومنها كانت الامم السالفة تجعل قربانها على أعناقها إلى بيت المقدس فمن قبلت ذلك من ارسلت عليه نار فأكلته ، ومن لم يقبل منه رجع مثبورا ، وقد جعل الله قربان امة نبيه محمد صلىاللهعليهوآله في بطون فقرائها ومساكينها ، فمن قبل ذلك منه أضعف له أضعافا ، ومن لم يقبل منه رفعت عنه عقوبات الدنيا.
ومنها أن الله تعالى كتب عليهم في التوراة القصاص والدية في القتل والجراح ولم يرخص لهم في العفو وأخذ الدية ، ولم يفرق بين الخطاء والعمد في وجوب القصاص ، فقال : « وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس(٦) » ثم خفف عنا في ذاك فخير بين القصاص والدية والعفو ، وفرق بين الخطاء والعمد ، فقال تعالى : « يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى » إلى قوله : « فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة(٧) » ومن ذلك تخفيف الله عنهم في أمر التوبة فقال لبني إسرائيل : « وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم(٨) »
____________________
(١) واباح لنا خ ل.
(٢) وزكاتنا ربع خ ل. (٣) في المصدر : واحل الله لنا التسحر.
(٤ و ٥) البقرة : ١٨٧. (٦) المائدة : ٤٥.
(٧) البقرة : ١٧٨. (٨) البقرة : ٥٤.
فكانت توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا الاب ابنه ، والابن أباه ، والاخ أخاه ، والام ولدها ، ومن فر من القتل أو دفع عن نفسه أو اتقى السيف بيده أو أن ترحم على ذي رحمه لم تقبل توبته ، ثم أمرهم الله بالكف عن القتل بعد أن قتلوا سبعين ألفا في مكان واحد ، فهذا توبتهم ، وجعل توبتنا الاستغفار باللسان ، والندم بالجنان ، و ترك العود بالابدان ، فقال عزوجل : « والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون(١) » وقال : « أفلا يتوبون إلى الله(٢) » وقال : « ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله(٣) ».
ومن الامم السالفة من ينظر إلى امرأة بريبة فيؤمر بقلع العين ليقبل عنه التوبة ، وكفارتنا فيه غض البصر ، والتوبة بالقلب ، والعزم على ترك العود إليه وكان منهم من يلاقي بدنه بدن امرأة حراما فيكون التوبة منه إبانة ذلك العضو من نفسه ، وتوبتنا فيه الندم وترك العود عليه ، ومن يرتكب منهم الخطيئة في خفية و خلوة فيخرج وخطيئته مصورة على باب داره : ألا إن فلان بن فلا ارتكب البارحة خطيئة كذا وكذا ، وكان ينادى عليه من السماء بذلك فيفتضح وينتهك ستره ، ومن يرتكب منا الخطيئة ويخفيها عن الابصار فيطلع عليه ربه فيقول للملائكة : عبدي قد ستر ذنبه عن أبناء جنسه ، لقلة ثقته بهم ، والتجأ إلي لعله يتبعه رحمتي ، اشهدوا أني قد غفرتها له لثقته برحمتي ، فإذا كان في يوم القيامة وأوقف للعرض والحساب يقول : عبدي أنا الذي سترتها عليك في الدنيا ، وأنا الذي أسترها عليك اليوم ، ومما فضل الله به هذه الامة أن قيض لهم الاكرمين من الملائكة يستغفرون لهم ويسترحمون لهم منه الرحمة ، فقال سبحانه : « الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا(٤) » ومنها أنه جعلهم شهداء على الناس في الدنيا ، وشهداء وشفعاء في الآخرة ، قال صلىاللهعليهوآله : « المؤمنون شهداء في الارض
____________________
(١) آل عمران : ١٣٥. (٢) المائدة : ٧٤.
(٣) الحديد : ١٦. (٤) غافر : ٧.
وما روأوه حسنا فهو عند الله حسن ، وما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح » قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا ليتني قد لقيت إخواني ، فقيل : يا رسول الله أولسنا إخوانك آمنا بك وهاجرنا معك واتبعناك ونصرناك؟ قال : بلى ، ولكن إخواني الذين يأتون من بعدكم ، يؤمنون بي كايمانكم ، ويحبوني كحبكم ، وينصروني كنصرتكم ويصدقوني كتصديقكم ، ياليتني قد لقيت إخواني(١).
أقول : أوردنا كثيرا من أخبار هذا الباب في باب خصائص النبي صلىاللهعليهوآله ، وسيأتي في باب فضائل الشيعة أيضا فإنهم امة الاجابة.
٦ ـ ل : أبي ، عن علي ، عن أبيه عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي ، عن سليمان بن جعفر البصري ، عن عبدالله بن الحسين بن زيد ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد عن آبائه ، عن علي عليهمالسلام قال : قال رسول الله (ص) : أربعة لا تزال في امتي إلى يوم القيامة : الفخر بالاحساب ، والطعن في الانساب ، والاستسقاء بالنجوم والنياحة ، وإن النايحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب(٢).
بيان : السربال بالكسر : القميص ، والقطران : عصارة الابهل. والقطر بالكسر : النحاس الذائب. قال الجوهري ومنه قوله تعالى : « من قطران(٣) » : والجرب : داء معروف.
٧ ـ ن : بالاسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله (ص) ثلاث(٤) أخافهن على امتي من بعدي : الضلالة بعد المعرفة ، ومضلات الفتن ، و شهوة البطن والفرج(٥).
ما : المفيد ، عن عمر بن محمد الصيرفي ، عن علي بن مهرويه ، عن داود بن سليمان ، عن الرضا ، عن آبائه عن النبي صلىاللهعليهوآله مثله(٦).
____________________
(١) روضة الواعظين : ٢٥٥ ـ ٢٥٨.
(٢) الخصال ٢ : ١٠٧ و ١٠٨. (٣) ابراهيم : ٥٠.
(٤) في المصدر : ثلاثة. (٥) عيون اخبار الرضا : ١٩٨.
(٦) امالى ابن الشيخ : ٩٧ و ٩٨.
٨ ـ ن : بهذه الاسانيد عن علي عليهالسلام قال : قال رسول الله (ص) : إني أخاف عليكم استخفافا بالدين ، وبيع(١) الحكم ، وقطيعة الرحم ، وأن تتخذوا القرآن مزامير ، تقدمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدين(٢).
بيان : قوله : صلىاللهعليهوآله وبيع الحكم ، أي لا يحكمون إلا بالرشوة ، وفي بعض النسخ : ومنع الحكم ، أي لا يحكمون بالحق ، أو يمنعون الحكام عنه. قوله : مزامير ، أي يتغنون به كأنهم جعلوه مزمارا ، والمراد بالتقديم التقديم في إمامة الصلاة ، أو في الخلافة الكبرى(٣).
٩ ـ مع : القطان ، عن ابن زكريا ، عن ابن حبيب ، عن ابن بهلول ، عن أبيه ، عن حفص ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه(٤) عليهمالسلام قال : قال رسول الله (ص) يأتي على الناس زمان يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع ، خير الناس يومئذ مؤمن بين كريمين.
اللكع : العبد ، واللئيم ، وقد قيل : إن اللكع الصغير ، وقد قيل ، إنه الردي ، ومؤمن بين كريمين أي بين أبوين مؤمنين كريمين وقد قيل : بين الحج و الجهاد ، وقد قيل : بين فرسين(٥) يغزو عليهما ، وقيل : بين بعيرين يستقي عليهما(٦) ويعتزل الناس(٧).
بيان : قال الجزري : اللكع عند العرب : العبد ، ثم استعمل في الحمق والذم ، وأكثر ما يقع في النداء وهو اللئيم ، وقيل : الوسخ ، وقد يطلق على الصغير. وقال : بين كريمين ، أي بين أبوين مؤمنين ، وقيل : بين أب مؤمن هو أصله وابن مؤمن : هو فرعه ، والكريم : الذي كرم نفسه عن التدنس بشئ من مخالفة ربه.
١٠ ـ ما : ابن بسران ، عن إسماعيل بن محمد الصفار ، عن محمد بن إبراهيم بن
____________________
(١) منع خ ل. (٢) عيون اخبار الرضا : ٢٠٧.
(٣) بل يمكن أن يكون معناه اشمل حتى يشمل كل زعامة دينية كالمرجعية في الافتاء و غيرها.
(٤) عن ابيه عن آبائه. (٥) الفرسين خ ل.
(٦) بهما خ ل. (٧) معانى الاخبار : ٩٣.
عبدالحميد ، عن علي بن بحر ، عن قتادة بن الفضل ، عن هشام بن العار ، عن أبيه عن جده ربيعة قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : يكون في امتي الخسف والمسخ والقذف ، قال : قلنا : يا رسول الله بم؟ قال : ياتخاذهم القينات وشربهم الخمور(١).
١١ ـ جع : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يأتي على الناس زمان وجوههم وجوه الآدميين ، وقلوبهم قلوب الشياطين ، كأمثال الذئاب الضواري ، سفاكون للدماء لا يتناهون عن منكر فعلوه ، إن تابعتهم ارتابوك ، وإن حدثتهم كذبوك ، وإن تواريت عنهم اغتابوك ، السنة فيهم بدعة ، والبدعة فيهم سنة ، والحليم بينهم غادر والغادر بينهم حليم ، المؤمن فيما بينهم مستضعف ، والفاسق فيما بينهم مشرف ، صبيانهم عارم ، ونساؤهم شاطر ، وشيخهم لا يأمر بالمعروف ، ولا ينهى عن المنكر ، والالتجاء إليهم خزي ، والاعتداد(٢) بهم ذل ، وطلب ما في أيديهم فقر ، فعند ذلك يحرمهم الله قطر السماء في أوانه ، وينزله في غير أوانه ، ويسلط عليهم شرارهم ، فيسومونهم سوء العذاب ، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم. قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يأتي على الناس زمان بطونهم آلهتهم ونساؤهم قبلتهم ، و دنانيرهم دينهم ، وشرفهم متاعهم ، لا يبقى من الايمان إلا اسمه ، ولا من الاسلام إلا رسمه ، ولا من القرآن إلا درسه ، مساجدهم معمورة من البناء ، وقلوبهم خراب عن الهدى ، علماؤهم شر خلق الله على وجه الارض ، حينئذ ابتلاهم الله في هذا الزمان بأربع خصال : جور من السلطان ، وقحط من الزمان ، وظلم من الولاة والحكام فتعجبت الصحابة فقالوا : يا رسول الله أيعبدون الاصنام؟ قال : نعم ، كل درهم عندهم صنم.
وقال النبي صلىاللهعليهوآله : يأتي في آخر الزمان ناس(٣) من امتي يأتون المساجد يقعدون فيها حلقا ، ذكرهم الدنيا وحبهم(٤) الدنيا لا تجالسون فليس لله بهم حاجة. وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : سيأتي زمان على الناس(٥) يفرون من العلماء كما
____________________
(١) امالى ابن الشيخ : ٢٥٣. (٢) الاعتزاز خ ل.
(٣) في المصدر : اناس. (٤) حب الدنيا خ ل.
(٥) في المصدر : على امتى.
يفر الغنم من الذئب ، ابتلاهم(١) الله بثلاثة أشياء : الاول يرفع البركة من أموالهم والثاني سلط الله عليهم سلطانا جائرا ، والثالث يخرجون من الدنيا بلا إيمان.
عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمرة.
وقال صلىاللهعليهوآله يأتي على(٢) امتي زمان امراؤهم يكونون على الجور ، و علماؤهم على الطمع ، وعبادهم على الرياء ، وتجارهم على أكل الربا ، ونساؤهم على زينة الدنيا ، وغلمانهم في التزويج ، فعند ذلك كساد امتي ككساد الاسواق وليس فيها مستقيم ، الاموات(٣) آيسون في قبورهم من خيرهم ، ولا يعيشون الاخيار فيهم ، فعند ذلك(٤) الهرب خير من القيام.
قال النبي صلىاللهعليهوآله : سيأتي زمان على امتي لا يعرفون العلماء إلا بثوب حسن ولا يعرفون القرآن إلا بصوت حسن ، ولا يعبدون الله إلا في شهر رمضان ، فإذا كان كذلك سلط الله عليهم سلطانا لا علم له ولا حلم له ولا رحم له(٥) :
توضيح : العارم : الخبيث الشرير والسيئ الخلق. والشاطر : من أعيا أهله خبثا.
أقول : سيأتي كثير من الاخبار في ذلك في باب أشراط الساعة ، وباب علامات ظهور القائم عليهالسلام.
____________________
(١) في المصدر : فاذا كان كذلك ابتلاهم الله.
(٢) في المصدر : على الناس. (٣) امواتهم خ ل.
(٤) في المصدر : فعند ذلك الزمان. (٥) جامع الاخبار : ١٢٩ و ١٣٠.
أبواب
*(ما يتعلق بارتحاله إلى عالم البقاء صلى الله عليه)*
*(ما دامت الارض والسماء)*
١
باب
*(وصيته صلىاللهعليهوآله عند قرب وفاته)*
*(وفيه تجهيز جيش أسامة وبعض النوادر)*
١ ـ ما : المفيد ، عن الجعابي ، عن يوسف بن الحكم ، عن داود بن رشيد عن سلمة بن صالح ، عن عبدالملك بن عبدالرحمن ، عن الاسعد بن طليق قال : سمعت الحسين بن العربي(١) يحدث غير مرة عن عبدالله بن مسعود قال : نعى إلينا حبيبنا ونبينا صلىاللهعليهوآله نفسه ، فأبي(٢) وامي ونفسي له الفداء قبل موته بشهر ، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت فنظر إلينا فدمعت عيناه ، ثم قال : مرحبا بكم ، حياكم الله حفظكم الله ، نصركم الله ، نفعكم الله ، هداكم الله ، وفقكم الله ، سلمكم الله ، قبلكم الله ، رزقكم الله ، رفعكم الله ، اوصيكم بتقوى الله ، واوصي الله بكم إني لكم نذير مبين ، أن لا تعلوا على الله في عباده وبلاده ، فان الله تعالى قال لي ولكم : « تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين(٣) ». وقال سبحانه : « أليس في جهنم مثوى للمتكبرين(٤) » قلنا : متى يا بني الله أجلك؟ قال : دنا الاجل والمنقلب إلى الله وإلى سدرة المنتهى ، وجنة المأوى ، والعرش الاعلى ، والكأس الاوفى ، والعيش الاهنأ ، قلنا : فمن يغسلك؟ قال : أخي وأهل بيتي الادنى فالادنى(٥).
٢ ـ ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن محمد بن سليمان ، عن إسماعيل بن أبان ، عن عبدالله بن مسلم الملائي ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن علقمة بن الاسود عن عائشة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لما حضره الموت : ادعوا لي حبيبي ، فقلت :
____________________
(١) في المصدر : العرنى. (٢) في المصدر : فبأبى. (٣) القصص : ٨٣.
(٤) الزمر : ٦٠. (٥) امالى ابن الشيخ : ١٢٩.
ادعوا له ابن أبي طالب ، فوالله ما يريد غيره ، فلما جاءه فرج الثوب الذي كان عليه ، ثم أدخله فيه ، فلم يزل محتضنه حتى قبض ويده عليه(١).
بيان : احتضن الصبي : جعله في حضنه ، وهو بالكسر : ما دون الابط إلى الكشح.
٣ ـ ع : ماجيلويه ، عن محمد العطار ، عن سهل ، عن محمد بن الوليد الصيرفي عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن جده عليهمالسلام قال : لما حضرت رسول الله صلىاللهعليهوآله الوفاة دعا العباس بن عبدالمطلب وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام فقال للعباس : يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟ فرد عليه وقال : يا رسول الله أنا شيخ كبير ، كثير العيال ، قليل المال ، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ قال : فأطرق عليهالسلام هنيئة ثم قال : يا عباس أتأخذ تراث(٢) رسول الله ، وتنجز عداته ، وتؤدي دينه؟ فقال : بأبي أنت وامي أنا شيخ كبير كثير العيال ، قليل المال ، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أما أنا(٣) ساعطيها من يأخذ بحقها ، ثم قال : يا علي يا أخا محمد أتنجز عداة محمد وتقضي دينه ، وتأخذ تراثه؟ قال : نعم بأبي أنت وامي(٤) قال : فنظرت إليه حتى نزع خاتمه من إصبعه ، فقال : تختم بهذا في حياتي ، قال : فنظرت إلى الخاتم حين وضعه علي عليهالسلام في إصبعه اليمنى فصاح رسول الله (ص) : يا بلال علي بالمغفر والدرع والراية ، وسيفي ذي الفقار ، وعمامتي السحاب ، والبرد والابرقة ، والقضيب(٥) فوالله ما رأيتها قبل ساعتي تيك ، يعني الابرقة ، كادت تخطف الابصار ، فإذا هي من أبرق الجنة ، فقال : يا علي إن جبرئيل أتاني بها ، فقال : يا محمد اجعلها في حلقة الدرع ، واستوفر بها مكان المنطقة ، ثم دعا بزوجي نعال عربيين إحداهما مخصوفة والاخرى غير مخصوفة ، والقميص الذي أسرى به فيه ، والقميص الذي خرج فيه يوم احد ، والقلانس الثلاث : قلنسوة السفر ، وقلنسوة العيدين(٦) ، وقلنسوة كان
____________________
(١) امالى ابن الشيخ : ٢١١ ، وفيه : يحتضنه.
(٢) محمد خ ل. (٣) انى خ ل.
(٤) في الكافى : بابى انت وامى ذلك على ولى ، قال.
(٥) في المصدر : والقضيب يقال له : الممشوق.
(٦) في الكافى : قلنسوة العيد والجمع.
يلبسها ويقعد مع أصحابه ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا بلال علي بالبغلتين : الشهباء والدلدل ، والناقتين : العضباء والصهباء(١) ، والفرسين ، الجناح الذي كان يوقف بباب مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله لحوايج الناس(٢) ، يبعث رسول الله (ص) الرجل في حاجته فيركبه(٣) وحيزوم وهو الذي يقول : اقدم حيزوم ، والحمار اليعفور(٤) ثم قال : يا علي اقبضها في حياتي حتى لا ينازعك فيها أحد بعدي ، ثم قال أبوعبدالله عليهالسلام : إن أول شئ مات من الدواب حماره اليعفور(٥) ، توفي ساعة قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله قطع خطامه ، ثم مر يركض وأتى(٦) بئر بني خطمة بقبا فرمى بنفسه فيها ، فكانت قبره ، ثم قال أبوعبدالله عليهالسلام : إن يعفور كلم رسول الله فقال : بأبي أنت وامى إن أبي حدثني عن أبيه عن جده أنه كان مع نوح في السفينة ، فنظر إليه يوما نوح عليهالسلام ومسح يده على وجهه ، ثم قال : يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم ، والحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار(٧).
كا : محمد بن الحسن وعلي بن محمد عن سهل مثله(٨).
بيان : باراه : عارضه ، ويقال : فلان يباري الريح سخاء.
قوله : قال : فنظرت ، أي العباس. والابرق : الحبل الذي فيه لونان ، و كل شئ اجتمع فيه سواد وبياض. قوله صلىاللهعليهوآله : واستوفر بها ، أي طلب وفور الثياب وكثرتها بها ، أو البسها وافرة كاملة ، ويحتمل أن يكون بالزاي من قولهم استوفز في قعدته : انتصب فيها غير مطمئن ، وتوفز بالامر : تهيأ ، وفي الكافي : استذفر بها ، من الذفر وهي الريح الطيبة لطيب ريحها ، وفي بعض النسخ : استثفر بها ، من ثفر الدابة ، استعير للمنطقة ، ولعله أظهر.
قوله : وهو الذي يقول ، أي جبرئيل كما مر في غزوة احد ، أو النبي صلىاللهعليهوآله
____________________
(١) في المصدر : والقصوى. (٢) في المصدر : لحوائج رسول الله.
(٣) في الكافى : فيركضه في حاجة رسول الله.
(٤ و ٥) يعفور خ ل. (٦) حتى وافى خ ل.
(٧) علل الشرائع : ٦٦ و ٦٧.
(٨) اصول الكافى ١ : ٢٣٦ و ٢٣٧ راجعه ففيه اختلاف.
كان يقول له : اقدم حيزوم ، فيجيب ويقبل ، وعلى الاول يدل على أن خطاب جبرئيل كان لفرس النبي صلىاللهعليهوآله لا لفرس نفسه ، كما فهمه الاكثر ، قال الجوهري الحيزوم اسم فرس من خيل الملائكة ، أقول : قد مر تفسير ساير أجزاء الخبر من أسماء الدواب وغيرها في باب أسمائه صلىاللهعليهوآله.
٤ ـ فر : عبيد بن كثير معنعنا عن جابر الانصاري رضياللهعنه قال : قال رسول الله (ص) فر مرضه الذي قبض فيه لفاطمة عليهاالسلام : بأبي وامي أنت(١) ارسلي إلى بعلك فادعيه لي ، فقالت فاطمة للحسين(٢) : انطلق إلى أبيك فقل : يدعوك جدي ، قال : فانطلق إليه الحسين(٣) فدعاه فأقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام حتى دخل على رسول الله صلىاللهعليهوآله وفاطمة عليهاالسلام عنده وهي تقول : واكرباه لكربك يا أبتاه ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآله لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة ، إن النبي صلىاللهعليهوآله لا يشق عليه الجيب ، ولا يخمش عليه الوجه ، ولا يدعى عليه بالويل ، ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم : تدمع العينان وقد يوجع القلب ، ولا نقول : ما يسخط الرب ، وإنا بك يا ابراهيم لمحزونون ، ولو عاش إبراهيم لكان نبيا ، ثم قال : يا علي ادن مني فدنا منه ، فقال : ادخل اذنك في في ففعل فقال : يا أخي ألم تسمع قول الله في كتابه : « إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية » قال : بلى يا رسول الله ، قال : هم أنت وشيعتك يجيئون غرا محجلين شباعا مرويين ، أولم تسمع قول الله في كتابه « إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها اولئك هم شر البرية(٤) » قال : بلى يا رسول الله ، قال : هم عدوك وشيعتهم يجوزون(٥) يوم القيامة ظمأ مظمئين أشقياء معذبين ، كفارا منافقين ، ذلك لك ولشيعتك ، وهذا لعدوك ولشيعتهم ، هكذا روى جابر الانصاري رضياللهعنه(٦).
____________________
(١) في المصدر : بابى انت وامى. (٢ و ٣) للحسن خ ل.
(٤) البنية : ٦ و ٧. (٥) في المصدر : يجيئون.
(٦) تفسير فرات : ٢٢٠.
أقول : روى الحسن بن سليمان في كتاب المحتضر من تفسير محمد بن العباس ابن مروان ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل عن إبراهيم بن عاصم ، عن الحسن بن عبدالله ، عن مصعب بن سلام ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليهالسلام عن جابر(١) مثله.
٥ ـ ع : ابن المتوكل ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن محمد بن خالد ، عن إبراهيم بن إسحاق الازدي ، عن أبيه قال : أتيت الاعمش سليمان بن مهران أسأله عن وصية رسول الله (ص) ، فقال : ائت محمد بن عبدالله فاسأله ، قال : فأتيته فحدثني عن زيد بن علي عليهالسلام قال : لما حضرت رسول الله (ص) الوفاة ورأسه في حجر علي عليهالسلام والبيت غاص بمن فيه من المهاجرين والانصار ، والعباس قاعد قدامه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا عباس أتقبل وصيتي وتقضي ديني وتنجز موعدي(٢)؟ فقال : إني امرؤ كبير السن ، كثير العيال ، لا مال لي ، فأعادها عليه ثلاثا كل ذلك يردها عليه ، فقال رسول الله : ساعطيها رجلا يأخذها بحقها لا يقول مثل ما تقول ثم قال : يا علي أتقبل وصيتي ، وتقضي ديني ، وتنجز موعدي؟ قال : فخنقته العبرة ، ولم يستطع أن يجيبه ، ولقد رأى رأس رسول الله صلىاللهعليهوآله يذهب ويجئ في حجره ، ثم أعاد عليه فقال له علي عليهالسلام : نعم بأبي أنت وامي يا رسول الله فقال : يا بلال ائت بدرع رسول الله ، فأتى بها : ثم قال : يا بلال ائت براية رسول الله صلىاللهعليهوآله فأتى بها ، ثم قال : يا بلال ائت ببغلة رسول الله بسرجها ولجامها فأتى بها ، ثم قال : يا علي قم فاقبض هذا بشهادة من في البيت من المهاجرين والانصار ، كي لا ينازعك فيه أحد من بعدي ، قال : فقام علي عليهالسلام حتى استودع جميع ذلك في منزله ، ثم رجع(٣).
٦ ـ ع : ماجليويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن إسحاق عن أبيه ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي عليهالسلام قال : لما حضر رسول الله (ص)
____________________
(١) المحتضر : ١٢٦. يوجد فيه الحديث مرسلا. ولم نجده بالاسناد وفيه : جائعين ظامئين.
(٢) في المصدر : عدتى. (٣) علل الشرائع : ٦٧.
الوفاة قال للعباس : أتقبل وصيتي ، وتقضي ديني ، وتنجز موعدي؟ قال : إني امرؤ كبير السن ذو عيال ، لا مال لي ، فأعادها عليه ثلاثا فردها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لاعطينها رجلا يأخذها بحقها ، لا يقول مثل ما تقول ، ثم قال : يا علي أتقبل وصيتي ، وتقضي ديني ، وتنجز موعدي؟ قال : فخنقته العبرة ثم أعاد عليه ، فقال علي : نعم يا رسول الله ، فقال : يا بلال ائت بدرع رسول الله فأتى بها ، ثم قال : يا بلال ائت بسيف رسول الله ، فأتى به ، ثم قال : يا بلال ائت برآية رسول الله ، فأتى بها ، قال : (١) حتى تفقد عصابة كان يعصب بها بطنه في الحرب ، فأتى بها ، قال : يا بلال ائت ببغلة رسول الله بسرجها ولجامها ، فأتى بها ثم قال لعلي : قم فاقبض هذا بشهادة من هنا من المهاجرين والانصار حتى لا ينازعك فيه أحد من بعدي ، قال : فقام علي عليهالسلام وحمل ذلك حتى استودعه منزله ثم رجع(٢).
٧ ـ مع : أبي عن أحمد بن إدريس ، عن سلمة بن الخطاب ، عن الحسين بن راشد بن يحيى(٢). عن علي بن إسماعيل ، عن عمرو بن أبي المقدام قال : سمعت أبا الحسن أن أبا جعفر عليهاالسلام يقول في هذه الآية : « ولا يعصينك في معروف » قال : إن رسول الله (ص) قال لفاطمة عليهاالسلام : إذا أنا مت فلا تخمشي علي وجها ، و لا ترخي علي شعرا ، ولا تنادي بالويل ، ولا تقيمي علي نائحة ، ثم قال : هذا المعروف الذي قال الله عزوجل في كتابه : « ولا يعصينك في معروف(٤) ».
٨ ـ بشا : يحيى بن محمد الجواني ، عن جعفر بن محمد الحسيني ، عن محمد بن عبدالله الحافظ ، عن عمر بن إبراهيم الكلابي ، عن حمدون بن عيسى ، عن يحيى بن سليمان ، عن عباد بن عبدالصمد. عن الحسن ، عن أنس قال : جاءت فاطمة ومعها الحسن والحسين عليهمالسلام إلى نبي صلىاللهعليهوآله في المرض الذي قبض فيه ، فانكبت عليه فاطمة وألصقت صدرها بصدره ، وجعلت تبكي ، فقال لها النبي : يا فاطمة ، ونهاها
____________________
(١) لم يذكر لفظة ( قال ) في المصدر. (٢) علل الشرائع : ٦٧. (٣) عن يحيى خ ل.
(٤) معانى الاخبار : ١١٠ و ١١١ والاية في الممتحنة : ١٢.