الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٠
٥ ـ فس : « ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله » (١). قال : الغنا وشرب الخمر وجميع الملاهي (٢).
٦ ـ فس : عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد قال : قلت لابي عبدالله عليهالسلام : جعلت فداك إني اريد أن أسألك عن شئ أستحي منه ، قال : سل! قلت : في الجنة غناء! قال : إن في الجنة شجرا يأمر الله رياحها فتهب فتضرب تلك الشجرة بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها حسنا ، ثم قال : هذا عوض لمن ترك السماع في الدنيا من مخافة الله ، الخبر (٣).
٧ ـ ل : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن مهران بن محمد ، عن الحسن بن هارون قال : سمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول : الغناء يورث النفاق ويعتقب الفقر (٤).
٨ ـ ل : عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب عن خالد بن جرير ، عن أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : سئل عن الشطرنج والنرد ، قال : لا تقربهما ، قلت : فالغناء؟ قال : لا خير فيه لا تفعلوا! الخبر (٥).
____________________
(١) لقمان : ٦.
(٢) تفسير القمى : ٥٠٥.
(٣) تفسير القمى : ٥١٢ وتمامه في ج ٨ ص ١٢٧ من هذه الطبعة الحديثة راجعه.
وفيه أيضا ص ٤٤٠ في تفسير قوله تعالى : « فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور » : حدثنى أبى عن ابن أبى عمير عن هشام عن أبى عبدالله عليهالسلام قال : الرجس من الاوثان الشطرنج وقول الزور الغناء.
(٤) الخصال ج ١ ص ١٤.
(٥) الخصال ج ١ ص ١٢٠ وقد مر تمامه في ص ١٦٨.
مع : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن محبوب مثله (١).
٩ ـ ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن نصر بن قابوس ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : المنجم ملعون والكاهن ملعون ، والساحر ملعون : والمغنية ملعونة ، ومن آواها وأكل كسبها [ فهو ظ ] ملعون الخبر (٢).
١٠ ـ ب : عن محمد بن الحسين ، عن إبراهيم بن أبي البلاد قال : قلت لابي الحسن الاول عليهالسلام : جعلت فداك إن رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن أربعة عشر ألف دينار وقد جعل لك ثلثها ، فقال : لا حاجة لي فيها ، إن ثمن الكلب والمغنية والمغنية سحت (٣).
١١ ـ ب : عن الريان بن الصلت قال : قلت للرضا عليهالسلام : إن العباسي أخبرني أنك رخصت في السماع؟ فقال : كذب الزنديق ، ما هكذا كان ، وإنما سألني عن سماع الغناء فأعلمته أن رجلا أتى أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهماالسلام فسأله عن سماع الغناء فقال له : أخبرني إذا جمع الله تبارك وتعالى
____________________
(١) معانى الاخبار ص ٢٢٤.
(٢) الخصال ج ١ ص ١٤٣ وبعده قال عليهالسلام : المنجم كالكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار.
(٣) قرب الاسناد ص ١٢٥ ط حجر ، ورواه في الكافى عن ابراهيم بن أبى البلاد قال : أوصى اسحاق بن عمر بجوار له مغنيات أن يبعن ويحمل ثمنهن إلى أبى الحسن عليهالسلام قال ابراهيم : فبعت الجوارى بثلاث مائة ألف درهم وحملت الثمن اليه فقلت له : ان مولى لك يقال له اسحاق بن عمر أوصى عند وفاته ببيع جوار له مغنيات وحمل الثمن اليك ، وقد بعتهن وهذا الثمن : ثلاث ألف درهم ، فقال : لا حاجة لى فيه ، ان هذا سحت وتعليمهن كفر والاستماع منهن نفاق وثمنهن سحت ، راجع الكافى ج ٥ ص ١٢٠.
بين الحق والباطل مع أيهما يكون الغناء؟ فقال الرج : مع الباطل ، فقال له أبوجعفر عليهالسلام : حسبك ، فقد حكمت على نفسك ، فهكذا كان قولي له (١).
١٢ ـ ل : عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي ، عن محمد بن زياد البصري عن عبدالله بن عبدالرحمن ، عن الثمالي ، عن ثور بن سعيد ، عن أبيه ، عن أمير ـ المؤمنين عليهالسلام قال : كثرة الاستماع إلى الغناء تورث الفقر (٢).
١٣ ـ ل : الاربعمائة : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : الغناء نوح إبليس على الجنة (٣).
١٤ ـ ن : عن الهمداني ، عن على بن إبراهيم ، عن الريان بن الصلت قال : سألت الرضا عليهالسلام يوما بخراسان فقلت : يا سيدي إن هشام بن إبراهيم العباسي حكى عنك أنك رخصت له في استماع الغناء؟ فقال : كذب الزنديق إنما سألني عن ذلك فقلت له : إن رجلا سأل أبا جعفر عليهالسلام عن ذلك فقال أبوجعفر عليهالسلام : إذا ميز الله بين الحق والباطل فأين يكون الغناء؟ فقال : مع الباطل ، فقال له أبوجعفر عليهالسلام قد قضيت (٤).
كش : عن محمد بن الحسن ، عن علي بن إبراهيم مثله (٥).
١٥ ـ ن : بالاسانيد الثلاثة ، عن الرضا ، عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إني أخاف عليكم استخفافا بالدين وبيع الحكم (٦) وقطيعة الرحم ، وأن تتخذوا القرآن مزامير ، وتقدمون أحدكم وليس بأفضلكم
____________________
(١) قرب الاسناد ص ١٤٨ ط حجر.
(٢) الخصال ج ٢ ص ٩٣ في حديث طويل.
(٣) الخصال ج ٢ ص ١٥٥ في حديث طويل.
(٤) عيون الاخبار ج ٢ ص ١٤ ، وفى ط حجر ص ١٨٧.
(٥) رجال الكشى : ٤٢٢ تحت الرقم ٣٥٦.
(٦) منع الحكم خ ل.
في الدين (١).
١٦ ـ ن : عن البيهقي ، عن الصولي ، عن عون بن محمد الكندي ، عن محمد بن أبي عمار وكان مشتهرا بالسماع وبشرب النبيذ قال : سألت الرضا عليهالسلام عن السماع فقال : لاهل الحجاز رأي فيه ، وهو في حيز الباطل واللهو ، أما سمعت الله عزوجل يقول : « وإذا مروا باللغو مروا كراما » (٢).
١٧ ـ ما : عن الفحام ، عن المنصوري ، عن عم أبيه ، عن أبي الحسن الثالث عن آبائه ، عن الصادق عليهالسلام في قوله تعالى : « فاجتنبوا الرجس من الاوثان و اجتنبوا قول الزور » قال : الرجس الشطرنج ، وقول الزور الغناء (٣).
١٨ ـ ما : عن ابن بسران ، عن إسماعيل بن محمد الصفار ، عن محمد بن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن علي بن بحر ، عن قتادة بن الفضل ، عن هشام بن الغار ، عن أبيه ، عن جده ربيعة قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : يكون في امتي الخسف والمسخ والقذف ، قال : قلنا ، يا رسول الله بم؟ قال : باتخاذهم القينات وشربهم الخمور (٤).
١٩ ـ ع : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن إبراهيم ، عن أبي يوسف ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : الغناء عش النفاق ، والشراب مفتاح كل شر ، ومدمن الخمر كعابد وثن ، مكذب بكتاب ثو : عن ابن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن جعفر القمي
____________________
(١) عيون الاخبار ج ٢ ص ٤٢.
(٢) عيون الاخبار ج ٢ ص ١٢٨.
(٣) أمالى الطوسى ج ١ ص ٣٠٠.
(٤) أمالى الطوسى ج ٢ ص ١١.
(٥) علل الشرايع ج ٢ ص ١٦٢.
رفعه إلى أبي عبدالله عليهالسلام مثله (١).
٢٠ ـ مع : عن المظفر العلوى ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن الحسين بن إشكيب ، عن محمد بن السري ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن البطائني ، عن عبدالاعلى قال : سألت جعفر بن محمد عليهالسلام عن قول الله عزوجل « فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور » (٢) قال : الرجس من الاوثان الشطرنج ، وقول الزور الغناء.
قلت : قوله عزوجل : « ومن الناس من يشتري لهو الحديث » (٣) قال : منه الغناء (٤).
٢١ ـ مع : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن محمد بن يحيى الخزاز عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : سألته عن قول الزور ، قال : منه قول الرجل للذي يغني : أحسنت (٥).
٢٢ ـ سن : عن أبيه ، عن عبدالله بن الفضل الهاشمي (٦) ، عن أبيه ،
____________________
(١) ثواب الاعمال ص ٢١٩.
(٢) الحج : ٣٠.
(٣) لقمان : ٦.
(٤ ـ ٥) معانى الاخبار ص ٣٤٩ وفى ط حجر ص ٩٩.
(٦) الظاهر هنا سقوط كلمة العطف ، فان عبدالله الفضل الهاشمى انما هو من أصحاب الصادق ، وقد روى البرقى عن أبيه عن أبى عبدالله عليهالسلام غير مرة على ما تتعبت من كتاب المحاسن ونص على ذلك الاردبيلى في رجاله ، ويؤيد ذلك أنه روى في كتاب المرافق من المحاسن تحت الرقم ١١٨ ولفظه هكذا : عنه عن بعض أصحابنا بلغ به أبا عبدالله (ع) قال : أما يستحى أحدكم أن يغنى على دابته وهى تسبح الحديث ، وهكذا تحت الرقم ٩٧ عنه عن بعض أصحابنا رفعه قال أبوعبدالله (ع) لا تضربوها على العثار واضربوها على النفار ، و قال : لا تغنوا على ظهرها أما يستحى أحدكم أن يغنى على ظهرها أما يستحى أحدكم أن يغنى على ظهر دابته وهى تسبح.
عن بعض مشيخته ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : أما يستحي أحدكم أن يغني على دابته وهي تسبح (١).
٢٣ ـ ضا : كسب المغنية حرام (٢).
واعلم أن الغناء مما قد وعد الله عليه النار في قوله : « ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا اولئك لهم عذاب مهين » (٣).
وقد يروى عن أبي عبدالله عليهالسلام أنه سأل بعض أصحابه فقال : جعلت فداك إن لي جيرانا ولهم جوار مغنيات يتغنين ، ويضربن بالعود ، فربما دخلت الخلاء فاطيل الجلوس استماعا مني لهن.
قال : فقال أبوعبدالله عليهالسلام : لا تفعل! فقال الرجل : والله ما هو شئ آتيه برجلي ، إنما هو أسمع باذني ، فقال أبوعبدالله عليهالسلام : بالله أنت ما سمعت قول الله تبارك وتعالى : « إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا »؟ (٤).
وأروي في تفسير هذه الاية أنه يسأل السمع عما سمع ، والبصر عما نظر ، والقلب عما عقد عليه ، فقال الرجل كأني لم أسمع بهذه الآية في كتاب الله عزوجل من عجمي وعربي ، لاجرم أني قد تركتها ، وإني أستغفر الله ، فقال أبوعبدالله عليهالسلام : اذهب فاغتسل وصل ما بدالك ، فلقد كنت مقيما على أمر عظيم ، ما كان أسوء حالك لوكنت مت على هذا؟ استغفر الله واسأل الله التوبة من كل ما يكره ، فانه لا يكره إلا القبيح ، والقبيح دعه لاهله ، فان
____________________
(١) المحاسن ص ٣٧٥.
(٢) فقه الرضا : ٣٣ باب التجارات والبيوع.
(٣) لقمان ٦.
(٤) أسرى : ٣٦.
لكل قبيح أهلا (١).
٢٤ ـ شى : عن أبي جعفر عليهالسلام قال : كنت عند أبي عبدالله عليهالسلام فقال له رجل : بأبي أنت وامي إني أدخل كنيفا لي ولي جيران ، وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود إلى آخر الخبر (٢).
٢٥ ـ شى : عن جابر ، عن النبى صلىاللهعليهوآله قال : كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى [ وأول ] من حدا : قال : لما أكل من الشجرة تغنى ، ولمااهبط حدابه ، فلما استقر على الارض ناح فادكر ما في الجنة (٣).
٢٦ ـ جع : قال النبي صلىاللهعليهوآله : الغناء رقية الزنا.
وروى أبوأمامة عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : ما رفع أحد صوته بالغناء إلا بعث الله شيطانين على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره ، حتى يمسك (٤).
٢٧ ـ نوادر الراوندى (٥)
____________________
(١) فقه الرضا ص ٣٨.
(٢) تفسير العياشى ج ٢ ص ٢٩٢.
(٣) تفسير العياشى ج ١ ص ٢٧٦ وتمامه في كتاب النبوة باب كيفية نزول آدم تحت الرقم ٢٠ ، راجع ج ١١ ص ٢١٢ الطبعة الحديثة.
(٤) جامع الاخبار ص ١٨٠.
(٥) كذا في الاصل.
١٠٠
* ( باب ) *
* ( المعازف والملاهى ) *
الايات : الجمعة : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين (١).
____________________
(١) الجمعة : ١١ ، ونقل الطبرسى في سبب النزول عن جابر بن عبدالله قال : اقبلت عير ونحن نصلى مع رسول الله صلىاللهعليهوآله الجمعة ، فانفض الناس اليها ، فما بقى غير اثنى عشر رجلا أنا فيهم فنزلت الاية « واذا رأوا تجارة أو لهوا » الخ.
وفى الدر المنثور : أخرج ابن جرير وابن المنذر عن جابر بن عبدالله أن النبى صلىاللهعليهوآله كان يخطب الناس يوم الجمعة فاذا كان نكاح لعب أهله وعزفوا ومروا باللهو على المسجد واذا نزل بالبطحاء جلب ـ قال : وكانت البطحاء مجلسا بفناء المسجد الذى يلى بقيع الغرقد و كانت الاعراب اذا جلبوا الخيل والابل والغنم وبضائع الاعراب نزلوا البطحاء ـ فاذا سمع ذلك من يقعد للخطبة قاموا للهو والتجارة وتركوه قائما فعاتب الله المؤمنين لنبيه صلىاللهعليهوآله فقال : « واذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما ».
وقال الطبرسى : وقال المقاتلان : بينا رسول الله صلىاللهعليهوآله يخطب يوم الجمعة اذ قدم دحية بن خليفة بن فروة الكلبى ثم أحد بنى الخزرج ثم أحد بنى زيد بن مناة من الشام بتجارة وكان اذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق الا أتته.
وكان يقدم اذا قدم بكل ما يحتاج اليه من دقيق أو برأ وغيره فينزل عند أحجار الزيت ـ وهو مكان في سوق المدينة ـ ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج اليه الناس ليبتاعوا معه.
١ ـ لى : في مناهي النبي صلىاللهعليهوآله أنه نهى عن الكوبة والعرطبة يعني الطبل
____________________
فقدم ذات جمعة ـ وكان ذلك قبل أن يسلم ـ ورسول الله صلىاللهعليهوآله قائم على المنبر يخطب ، فخرج الناس فلم يبق في المسجد الا اثنا عشر رجلا وامرءة.
فقال صلىاللهعليهوآله : لولا هؤلاء لسومت عليهم الحجارة من السماء وأنزل الله هذه الاية.
أقول : والظاهر من الاية الشريفة ـ حيث أخذ ذلك وصفا لهم ـ أن تلك الفعلة القبيحة تكررت منهم ثم نزلت الاية تعييرا لهم ، ويؤيد ذلك ما نقله في الدر المنثور عن البيهقى في شعب الايمان عن مقاتل بن حيان أنه قال : فبلغنى ـ والله أعلم ـ أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات ، وهكذا نقل الطبرسى في المجمع عن قتادة ومقاتل أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات في كل يوم مرة لعير تقدم من الشام وكل ذلك يوافق يوم الجمعة.
والظاهر من قوله تعالى « تجارة أو لهوا » حيث عطف اللهو على التجارة بأو ، أن اللهو معدود باستقلاله كالتجارة وأن الانفضاص إلى اللهو حين خطبة الصلاة مذموم كما أن الانصراف إلى التجارة حينذاك مذموم ، ولذلك قال بعده « وما عندالله خير من اللهو ومن التجارة » فعد اللهو في قبال التجارة.
وأما ما قيل : « ان اللهو شئ غير مقصود لذاته والمقصود لذاته التجارة وانما خصت التجارة بعود الضمير اليها في قوله » انفضوا اليها « لانها كانت اهم اليهم وهم بها أسر من الطبل ، لان الطبل انما دل على التجارة وقدوم العير » فليس على محله ، فان ضرب الطبل وحدة قصدا لاخبار الناس لا بأس به ، وليس هو من اللهو ، وان كان مع ضرب الطبل معازف اخرى يستلذ بها الناس فهو لهو قطعا لكنه موجب لانصراف الناس عن التجارة أيضا ، وما كان التجار ليفعلوا ذلك ، كما لم ينقل.
فالمعمول على حديث جابر حيث قال : « فاذا كان نكاح ، لعب أهله وعزفوا ومروا باللهو على المسجد » وقد نقل عنه الطبرسى أن المراد باللهو المزامير.
فالمزامير وأمثالها من
المعازف التى يكون الغرض منها ومن سماعها الاستلذاذ
والطنبور والعود (١).
٢ ـ لى : (٢) عن أبيه ، عن سعد ، عن الهندي ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله إن الله بعثني رحمة للعالمين ، ولامحق المعازف والمزامير ، وامور الجاهلية وأوثانها وأزلامها (٣).
أقول : سيأتي الخبر في باب شرب الخمر (٤) وقد مضى بعضها في باب الغناء.
٣ ـ فس : « وأكلهم السحت » (٥) قال : السحت هو بين الحلال والحرام وهو أن يواجر الرجل نفسه على حمل المسكر ، ولحم الخنزير ، واتخاذ الملاهي ، فاجارته نفسه حلال ، ومن جهة ما يحمل ويعمل هو سحت (٦).
____________________
والتلهى مذموم بنفسها كما أن التجارة حين يخطب النبى صلىاللهعليهوآله مذموم بنفسها ، دعوا اليها بالطبل أولا ، رأوها الناس بأعينهم من داخل المسجد وحيطانه أقصر من القامة ، أو سمعوا جلبة الناس وغوغاءهم فعلموا بقدوم العير والتجارة ، أى ذل كان فهو مذموم.
هذا حكم التجارة حين يخطب النبى صلىاللهعليهوآله وأما حين أذان الصلاة فهو منهى عنه لقوله تعالى « اذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون ».
(١) أمالى الصدوق ص ٢٥٤ في حديث.
(٢) في الاصل رمز الخصال وهو سهو.
(٣) أمالى الصدوق ص ٢٥٠.
(٤) باب شرب الخمر قد مر تحت الرقم ٨٦ وقد ذكر هذا الحديث تحت الرقم ٤ راجعه ان شئت.
(٥) المائدة ص ٦٢ و ٦٣.
(٦) تفسير القمى ص ١٥٨.
٤ ـ ب : عن أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه قال : اتي علي عليهالسلام برجل كسر طنبور رجل ، فقال : تعدى (١).
٥ ـ ل : عن ماجيلويه ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن السياري رفعه إلى أبي عبدالله عليهالسلام أنه سئل عن السفلة فقال : من يشرب الخمر ويضرب بالطنبور (٢).
____________________
(١) قال بعض المعلقين على نسخة الاصل ص ٣٦ : « كذا في الاصل ولا ريب أن فيه سقطا من الناسخ وتصحيفا ولم نجد الرواية في كتاب قرب الاسناد الذى بايدينا ، ولكن في كتاب الجعفريات ما هذا لفظه :
عن على (ع) أنه رفع اليه رجل كسر بربطا بطله ، ومثله في كتاب دعائم الاسلام الا أن فيه زيادة « ولم يوجب على الرجل شيئا » أقول : الحديث مذكور في قرب الاسناد ط نجف ٨٧ ، وفيه : « فقال : بعدا » وفى دعائم الاسلام : روينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن على عليهمالسلام أنه قال : من تعدى على شئ مما لا يحل كسبه فأتلفه فلا شئ عليه فيه ، ورفع اليه رجل كسر بربطأ فأبطله. وليس فيه ما نقله من الزيادة.
وهكذا رواه الشيخ في التهذيب ج ١٠ ص ٣٠٩ والكلينى في الكافى ج ٧ ص ٣٦٨ من دون زيادة.
وفيه أيضا عن أبى جعفر محمد بن على (ع) أنه قال : من كسر بربطأ أو لعبة من اللعب أو بعض الملاهى أو خرق زق مسكر أو خمر فقد أحسن ولا غرم عليه.
وأما الحديث فظاهره ينافى القول بعدم الضمان سواء كان اللفظ « تعدى » أو « تفدى » فان الاول حكم بتعدى الكاسر فعليه الغرم. والثانى ايجاب الفداء وفى التعريفات : الفدية والفداء : البدل الذى يتخلص به المكلف عن مكروه توجه اليه.
(٢) الخصال ج ١ ص ٣٢.
٦ ـ ل : في وصية النبي صلىاللهعليهوآله إلى علي عليهالسلام : ثلاث يقسين القلب : استماع اللهو ، وطلب الصيد ، وإتيان باب السلطان (١).
٧ ـ ل : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن معروف ، عن أبي جميلة ، عن ابن طريف ، عن ابن نباتة ، قال : قال علي عليهالسلام : ستة لا ينبغي أن يسلم عليهم : اليهود ، والنصارى ، وأصحاب النرد والشطرنج ، وأصحاب الخمر و البربط والطنبور ، والمتفكهون بسب الامهات ، والشعراء الخبر (٢).
٨ ـ ن (٣) ع : سأل الشامي أمير المؤمنين عليهالسلام عن معنى هدير الحمام الراعبية ، فقال : تدعو على أهل المعازف والقيان والمزامير والعيدان (٤).
٩ ـ ل : عن أبيه ، عن سعد ، عن أيوب بن نوح ، عن ربيع بن محمد المسلي ، عن عبدالاعلى ، عن نوف ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : يا نوف! إياك أن تكون عشارا ، أو شاعرا ، أو شرطيا ، أو عريفا ، أو صاحب عرطبة ـ وهى الطنبور ـ أو صاحب كوبة ـ وهي الطبل ـ فان نبي الله صلىاللهعليهوآله خرج ذات ليلة فنظر إلى السماء فقال : أما إنها الساعة التي لا يرد فيها دعوة إلا دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر أو شرطي أو صاحب كوبة (٥).
١٠ ـ ل : عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن الاشعري ، عن ابن أبي عثمان ، عن موسى المروزي ، عن أبي الحسن الاول عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أربع يفسدن القلب وينبتن النفاق في القلب كما ينبت
____________________
(١) الخصال ج ١ ص ٦٢.
(٢) الخصال ج ١ ص ١٦٠ ، ومثله في السرائر من كتاب ابن قولويه عن ابن نباتة ص ٤٩٠.
(٣) عيون الاخبار ج ١ ص ٢٤٦ ، وفى ط حجر ١٣٦
(٤) علل الشرايع ج ٢ ص ٢٨٣ و ٢٨٤.
(٥) الخصال ج ١ ص ١٦٤.
الماء الشجر : استماع اللهو ، والبذاء ، وإتيان باب السلطان ، وطلب الصيد (١).
١١ ـ ضا : نروي أنه من أبقى في بيته طنبورا أو عودا أو شيئا من الملاهي من المعزفة والشطرنج وأشباهه أربعين يوما فقد باء بغضب من الله ، فان مات في أربعين مات فاجرا فاسقا ومأواه النار وبئس المصير (٢).
١٢ ـ جع : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يحشر صاحب الطنبور يوم القيامة وهو أسود الوجه وبيده طنبور من النار ، وفوق رأسه سبعون ألف ملك ، بيد كل ملك مقمعة يضربون رأسه ووجهه ، ويحشر صاحب الغناء من قبره أعمى وأخرس وأبكم ، ويحشر الزاني مثل ذلك ، وصاحب المزمار مثل ذلك ، وصاحب الدف مثل ذلك (٣).
١٣ ـ نوادر الراوندى : باسناده ، عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : فرق بين النكاح والسفاح ضرب الدف (٤).
____________________
(١) الخصال ج ١ ص ١٠٨.
(٢) فقه الرضا ص ٣٨.
(٣) جامع الاخبار ص ١٨٠.
(٤) نوادر الراوندى ص ٤٠ ، وبعده قال على عليهالسلام : قالت الانصار : يا رسول الله ماذا نقول اذا زففنا؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : قولوا :
أتيناكم أتيناكم |
|
فحيونا نحيكم |
لولا الذهبة الحمراء |
|
ما حلت فتاتنا بواديكم |
١٠١
* ( باب ) *
* ( ماجوز من الغناء وما يوهم ذلك ) *
١ ـ ج : روي أن موسى بن جعفر عليهالسلام كان حسن الصوت ، حسن القراءة.
وقال يوما من الايام : إن علي بن الحسين كان يقرء القرآن ، فربما مر به المار فصعق من حسن صوته ، وإن الامام لو أظهر في ذلك شيئا لما احتمله الناس ، قيل له : ألم يكن رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلي بالناس ويرفع صوته بالقرآن؟ فقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يحمل من خلفه ما يطيقون (١).
أقول : قد مضى في باب ثواب البكاء على الحسين عليهالسلام تجويز الانشاد فيه والامر به (٢).
٢ ـ ب : عنهما عن حنان قال : كانت امرءة معنا في الحي ، وكانت لها جارية نائحة ، فجاءت إلى أبي فقالت : جعلت فداك يا عماه إنك تعلم أنما معيشتي من الله عزوجل ، ثم من هذه الجارية ، وقد احب أن تسأل أبا عبدالله عليهالسلام ، فان يك ذلك حلالا وإلا لم تنح ، وبعتها وأكلت ثمنها حتى يأتي الله بفرج.
قال : فقال أبي : والله إني لاعظم أبا عبدالله عليهالسلام أن أسأله عن هذه المسألة ، قال : فقلت له : أنا أسأله لك عن هذه ، فلما قدمنا دخلت عليه فقلت : إن امرأة جارة لنا ولها جارية نائحة ، إنما معيشتها منها بعد الله ، قالت لي : اسأل
____________________
(١) الاحتجاج ص ٢١٥ ومثله في السرائر ص ٤٧٦ وقد أخرجه المؤلف في كتاب القرآن ج ٩٢ ص ١٩٤
(٢) راجع ج ٤٤ ص ٢٨٢ و ٢٨٦ و ٢٨٧ ، واذا تعرف أن المراد بالانشاد هو قراءة الاشعار بالتغنى أى الصوت مع الغنة.
أبا عبدالله عن كسبها ، إن يك حلالا وإلا بعتها ، قال أبوعبدالله عليهالسلام : تشارط؟ قلت : والله ما أدري تشارط وتقبل ما اعطيت (١).
٣ ـ ب : عن علي ، عن أخيه قال : سألت عن الغناء هل يصلح في الفطر والاضحى والفرح؟ قال : لا بأس به ، مالم يعص به. وسالته عليهالسلام عن النوح فكرهه (٢).
أقول : في رواية علي بن جعفر : مالم يعص به. يزمر مكان مالم يعص به (٣).
٤ ـ ن : بالاسناد إلى دارم ، عن الرضا عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : حسنوا القرآن بأصواتكم ، فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ، وقرأ عليهالسلام « يزيد في الخلق مايشاء » (٤).
٥ ـ مع : عن محمد بن هارون الزنجاني ، عن علي بن عبدالعزير ، عن أبي عبدالله القاسم بن سلام رفعه إلى النبي صلىاللهعليهوآله قال : ليس منا من لم يتغن بالقرآن (٥).
____________________
(١) قرب الاسناد ص ٧٧ وفى ط حجر : ٥٨.
(٢) قرب الاسناد ص ١٦٣ وفى ط حجر ص ١٢١.
(٣) راجع كتاب المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٧١ الطبعة الحديثة والمزمار القصبة التى يزمر فيها أى ينفخ وفى الاصل المطبوع في رواية على بن الحسين ، وهو تصحيف.
(٤) عيون الاخبار ج ٢ ص ٦٩ ، والاية في فاطر : ١.
(٥) معنى الحديث أن
من كان ذا غناء وترجيع صاحب صوت حسن قادرا على أن
يتغن بالقرآن ولم يتغن تحرجا من الاثم زعما منه أن ذلك لا يليق بالقرآن الكريم
فليس
منا ، كما أن قوله عليه الصلاة والسلام في الحية « من تركها خوفا من تبعتها فليس
منا » يعنى حية الوادى ، وأن من تركها ولم يقتلها زعما منه أنها مخلوقة لله تعالى لها
حياة و
معناه : ليس منا من لم يستغن به ، ولا يذهب به إلى الصوت ، وقد روي أن من قرء القرآن فهو غني لا فقر بعده.
وروي أن من اعطي القرآن فظن أن أحدا اعطي أكثر مما اعطي فقد عظم صغيرا ، وصغر كبيرا ، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يرى أن أحدا من أهل الارض أغنى منه ، ولو ملك الدنيا برحبها.
ولو كان كما يقول : إن الترجيع بالقراءة وحسن الصوت ، لكانت العقوبة قد عظمت في ترك ذلك أن يكون من لم يرجع صوته بالقراءة فليس من النبي عليهالسلام حين قال : ليس منا من لم تيغن بالقرآن (١).
__________________
روح شاعرة ، وقتلها ابادة لخلقه وأذية وألم لها من دون سبب موجب فليس منا ، لا أن من رأى الحية ولم يجسر أن يقتلها خوفا على نفسه أو كان رآه من بعيد فلم يعن بها فقد أثم.
وقد مر الحديث في كتاب القرآن الباب ٢١ باب قراءة القرآن بالصوت الحسن تحت الرقم ٥ ( ج ٩٢ ص ١٩٢ من الطبعة الحديثة ) وقد اشبعنا الكلام في معنى الحديث في خمسين بيتا من أراده فليراجع.
(١) معانى الاخبار ص ٢٧٩.
ومن المناسب هنا أن نبحث عن أنه كيف ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآله الرخصة في التغنى والغناء وضرب الدف والطبل وسماع الحداء. وأنكر أئمتنا عليهم الصلاة والسلام من زمان مولانا أبى جعفر محمد الباقر إلى آخرهم شديدا عن سماع الغناء والملاهى و ضرب الدف والعرطبة وأمثال ذلك فأقول :
السر في ذلك تطور الغناء واستعمال آلات اللهو من الدف والطبل والمزمار من البساطة والسذاجة إلى صناعة الغناء والموسيقى ، وتبديل الفطرة في الغناء الطبيعى و أغراضها المعقولة إلى البطالة واللهو والتعشق التى آلت أمرها إلى نبذ الكتاب وراء ظهورهم ونسيان ما ذكروا به من آيات الله وأحكامه.
__________________
قال العلامة ابن خلدون في مقدمة تاريخه في الفصل الذى عقده للبحث عن صناعة الغناء : ان الاصوات لها كيفيات من الهمس والجهر والرخاوة والشدة والقلقلة والضغط وغير ذلك ، والتناسب فيها هو الذى يوجب لها الحسن ، فأولا ألا يخرج من الصوت إلى ضده دفعة بل بتدريج ثم يرجع كذلك وهكذا إلى المثل بل لابد من توسط المغاير بين الصوتين ... فاذا كانت الاصوات على تناسب في الكيفيات كما ذكره أهل تلك الصناعة كانت ملائمة ملذوذة.
ومن هذا التناسب ما يكون بسيطا ، ويكون الكثير من الناس مطبوعين عليه لا يحتاجون فيه إلى تعليم ولا صناعة ، كما نجد المطبوعين على الموازين الشعرية وتسمى هذه القابلية المضمار ، وكثير من القراء بهذه المثابة : يقرؤن القرآن فيجيدون في تلاحين أصواتهم كانها المزامير ، فيطربون بحسن مساقهم وتناسب نغماتهم.
ومن هذا التناسب ما يحدث بالتركيب ، وليس كل الناس يستوى في معرفته ، ولاكل الطباع توافق صاحبها في العمل به اذا علم ، وهذا هو التلحين الذى يتكفل به علم الموسيقى وهى تلحين الاشعار الموزونة بتقطيع الاصوات على نسب منتظمة معروفة يوقع على كل صوت منها توقيعا عند قطعه فتكون نغمة ، ثم تؤلف تلك النغم بعضها إلى بعض على نسب متعارفة فيلذ سماعها لاجل ذلك التناسب وما يحدث عنه من الكيفية في تلك الاصوات.
وقد يساوق ذلك التلحين في النغمات الغنائية بتقطيع أصوات أخرى من الجمادات اما بالقرع أو بالنفخ في الالات تتخذ لذلك فيزيدها لذة السماع كالشبابة والمزمار والزلامى ـ أو الزنامى ـ والبوق والبربط والرباب والقانون وغير ذلك.
ولا يستدعى هذه الصناعة الا من فرغ عن جميع حاجاته الضرورية والمهمة ولا يطلبها الا الفارغون عن سائر أحوالهم تفننا في مذاهب الملذوذات ، وقد كان في سلطان العجم قبل الملة منها بحر زاخر في أمصارهم ومدنهم ، وكان ملوكهم يتخذون ذلك ويولعون به.
____________________
وأما العرب :
فكان لهم اولا فن الشعر يؤلفون فيه الكلام أجزاء متساوية على تناسب بينها في عدة حروفها المتحركة والساكنة ، ويسمونها البيت ، فلهجوا به ، فامتاز من بين كلامهم بحظ من الشرف ليس لغيره لاجل اختصاصه بهذا التناسب ، وهذا التناسب قطرة من بحر من تناسب الاصوات ، الا انهم لم يشعروا بما سواه لانهم حينئذ لم ينتحلوا علما ولا عرفوا صناعة ، بل كانوا مطبوعين عليه ، وكانت البداوة أغلب نحلهم.
ثم تغنى الحداة منهم في حداء بلهم ، والفتيان في فضاء خلواتهم ، فرجعوا الاصوات وترنموا ، وكانوا يسمون الترنم اذا كان بالشعر غناء واذا كان بالتهليل أو نوع القراءة تغبيرا ، لانها تذكر بالغابر ، ( وهو الماضى من أحوال الامم الماضين والباقين من أحوال الاخرة ) وربما ناسبوا في غنائهم بين النغمات مناسبة بسيطة ، وكانوا يسمونه السناد.
وكان أكثر ما يكون منهم في الخفيف الذى يرقص عليه ، ويمشى بالدف والمزمار فيطرب ويستخف الحلوم ، ولم يزل هذا شأن العرب في بداوتهم وجاهليتهم وهكذا في صدر الاسلام حيث كانوا مع غضارة الدين وشدته في ترك أحوال الفراغ وما ليس بنافع في دين ولا معاش ، حتى اذا استولوا على ممالك الدنيا وحازوا سلطان العجم وغلبوهم عليه ، وجاءهم الترف ، وغلب عليهم الرفه بما حصل لهم من غناء الامم ، هجروا ذلك وصاروا إلى نضارة العيش ورقة الحاشية ، وافترق المغنون من الفرس والروم فوقعوا إلى الحجاز وصاروا موالى للعرب ، وغنوا جميعا بالعيدان والطنابير والمعازف والمزامير بلسانهم ، وسمع العرب تلحينهم ذلك ، فلحنوا عليها أشعارهم ، وما زالت صناعة الغناء تتدرج إلى أن كملت أيام بنى العباس عند ابراهيم بن المهدى وابراهيم الموصلى وابنه اسحاق وابنه حماد وكان من ذلك في دولتهم ببغداد ما تبعه الحديث به وبمجالسه لهذا العهد ، فأمنعوا في اللهو واللعب ، واتخذت آلات الرقص من الكرج وغيرها للولائم والاعراس وأيام الاعياد
____________________
ومجالس الفراغ واللهو. انتهى بتلخيص وتقديم وتأخير.
وقال أبوالفرج في ترجمة سائب خاثر :
وقال ابن خرداذبه : كان عبدالله بن عامر اشترى اماء صناجات وأتى بهن المدينة فكان لهن يوم في الجمعة يلعبن فيه ، وسمع الناس منهن فأخذ عنهن ، ثم قدم رجل فارسى يسمى بنشيط ، فغنى فأعجب عبدالله بن جعفر به ، فقال له سائب خاثر : ـ وكان انقطع اليه و عرف به ـ أنا أصنع لك مثل غناء هذا الفارسى بالعربية ، ثم غدا على عبدالله بن جعفر ، وقد صنع :
لمن الديار رسومها قفر |
|
لعبت بها الارواح والقطر |
وقال ابن الكلبى : هو أول صوت غنى به في الاسلام من الغناء العربى المتقن الصنعة.
أقول : فتراهم في صدر الاسلام والنبى صلىاللهعليهوآله بين أظهرهم انما يتغنون بالغناء الساذج الفطرى الذى طبعوا عليه بفطرة من الله وعرفوه بالهامه عزوجل فتارة يضربون معه بالدف الساذج في زفافهم وأعراسهم ويغنون بالترنم كما علمهم النبى صلىاللهعليهوآله :
أتيناكم أتيناكم |
|
فحيونا نحييكم |
فلولا الذهبة الحمراء |
|
ماحلت فتاتنا بواديكم |
أو يضربن جوار من بنى النجار بالدفوف ويقلن :
نحن جوار من بنى النجار |
|
يا حبذا محمد من جار |
وهذا حين قدم النبى صلىاللهعليهوآله المدينة ونزلت على أبى أيوب ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله اليهم من دون نكير فقال : أتحبوننى؟ فقالوا : بلى والله يا رسول الله ، قال : أنا والله أحبكم ثلاث مرات.
وتارة يتغنون ويترنمون بالرجز الخفيف ويحدون ابلهم على السير السريع ، وقد كان له صلىاللهعليهوآله في حجة الوداع حاديان : البراء بن مالك يحدو بالرجال ، وانجشه الاسود الغلام الحبشى يحدو بالنساء ، وفى ذلك قال له صلىاللهعليهوآله « رويدا
٦ ـ ما : عن جماعة ، عن أبي المفضل ، عن الفضل بن محمد بن المسيب ، عن هارون ابن عمرو المجاشعي ، عن محمد بن جعفر بن محمد ، عن عيسى بن يزيد ، عن صيفي بن
____________________
يا أنجشة رفقا بالقوارير » يعنى النساء.
وقد عرفت في تفسير قوله تعالى : « واذا رأوا تجارة أو لهوا » أنهم كانوا يزفون عرائسهم بالنهار ويضربون بالدف وقد يمرون بها من باب مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله فلا ينكر عليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله وتارة يضربون بالطبل لايذان الناس بمجيئ التجارة والميرة فيسمع ذلك رسول الله ولا ينكر عليهم ، لان في ذلك غرضا عقلائيا ، ليس ذلك للهو واللعب والترقص.
وأما القرآن المجيد فانما أنكر في هذه الاية على المصلين الذين ينصرفون إلى استماعه ويتركون رسول الله صلىاللهعليهوآله قائما يخطب ، ولم يذكر المغنين للعرس والضاربين بالطبل للتجارة لا بمدح ولا قدح ، وانما قال عزوجل « قل ما عندالله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ».
فهذا حال الغناء والضرب بالدف والطبل ، ومثلها المزمار الذى يتخذه الرعاة لجمع مواشيهم وأغنامهم ، ليس بها بأس ، وقد فعلوا ذلك بمرئى ومسمع من رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وأما بعد ذلك فكما عرفت من المؤرخ الكبير ابن خلدون وأشار اليه أبوالفرج صاحب الغناء والاغانى ، قد خرج والضرب بالدف والطبول إلى البطالة واللهو والترقص والتعشق ، وصار مقصودا لذاته يستلذون به بعد ما كان حين حياة النبى صلىاللهعليهوآله وبعده بيسير مقصودا لغيره ، فلذلك أفتى أبوجعفر الباقر وابنه جعفر الصادق وهكذا سائر الائمة عليهمالسلام واحدا بعد واحد في عصرهم بعدم جواز التغنى و هكذا ضرب المعازف وغيرها ، وأنكروا على المسلمين شديدا حين شاع الغناء الصناعى في أندية المسلمين على أيدى خلفاء بنى العباس ، وجعلوها من الباطل مقابل الحق الذى ليس وراءه الا الضلال ، وكل ضلالة سبيلها إلى النار.