الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٩
الستين إلى السبعين معترك المنايا ، ثم قال : الفقراء محسن الاسلام (١).
٤١ ـ ما : المفيد ، عن ابن قولويه ، عن محمد الحميري ، عن أبيه ، عن البرقي ، عن التفليسي ، عن البقباق ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : يا فضيل لا تزهدوا في فقراء شيعتنا فان الفقير منهم ليشفع يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر (٢).
أقول : سيأتي في وصايا رسول الله صلىاللهعليهوآله لابي ذر أنه قال : أوصاني رسول الله أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي ، وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم (٢) وفي خبر آخر عنه قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآله : أحبب المساكين ومجالستهم (٤) وفي خبر آخر عنه قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآله : عليك بحب المساكين ومجالستهم.
٤٢ ـ فس : «ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى» (٥) قال أبوعبدالله صلوات الله عليه : لمانزلت هذه الاية استوى رسول الله صلىاللهعليهوآله جالسا ثم قال : من لم يعز بعزاء الله تقطعت نفسه حسرات ، ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس طال همه ، ولم يشف غيظه ومن لم يعرف لله عليه نعمة إلا في مطعم ومشرب قصر أجله ودنا عذابه (٦).
٤٣ ـ ما : فيما أوصى به أميرالمؤمنين عليهالسلام عند وفاته ، اوصيك بحب المساكين ومجالستهم (٧).
____________________
(١) معاني الاخبار ص ٤٠٢ وفيه : الفقر (اء) محن الاسلام.
(٢) أمالي الطوسي ج ١ ص ٤٦.
(٣) تراه في ج ٧٧ ص ٧٣ نقلا عن الخصال ج ٢ ص ٣.
(٤) نقله في كتاب الروضة ج ٧٧ من هذه الطبعة نقلا عن معاني الاخبار ص ٣٣٢ الخصال ج ٢ ص ١٠٣ أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٣٨.
(٥) طه : ١٣١.
(٦) تفسير القمي : ٤٢٤.
(٧) أمالي الطوسي ج ١ ص ٦.
٤٤ ـ ع : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام لحمران : يا حمران انظر إلى من هو دونك ، ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة فان ذلك أقنع لك بما قسم لك وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك الخبر (١).
٤٥ ـ ل : الاربعمائة قال أميرالمؤمنين : الفقر هو الموت الاكبر وقال عليهالسلام : لا تحقروا ضعفاء إخوانكم فانه من احتقر مؤمنا لم يجمع الله عزوجل بينهما في الجنة إلا أن يتوب (٢).
٤٦ ـ ثو : ابن المتوكل ، عن محمد بن يحيى ، عن الاشعري رفعه إلى أبي عبدالله عليهالسلام أنه قال لبعض أصحابه ، أما تدخل السوق؟ أما ترى الفاكهة تباع والشئ مما تشتهيه؟ فقلت : بلى والله فقال : أما إن لك بكل ما تراه ولا تقدر على شرائه وتصبر عليه حسنة (٣).
٤٧ ـ ثو : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إذا كان يوم القيامة أمر الله عزوجل مناديا فينادي : أين الفقراء؟ فيقوم عنق من الناس فيؤمر بهم إلى الجنة فيأتون باب الجنة فيقول لهم خزنة الجنة : قبل الحساب؟ فيقولون : أعطيتمونا (٤) شيئا فتحاسبونا عليه؟ فيقول الله عزوجل : صدقوا عبادي ما أفقرتكم هوانا بكم ، ولكن ادخرت هذا لكم لهذا اليوم ، ثم يقول لهم : انظروا وتصفحوا وجوه الناس فمن آتى إليكم معروفا فخذوا بيده وأدخلوه الجنة (٥).
____________________
(١) علل الشرائع ج ٢ ص ٢٤٦.
(٢) الخصال ج ٢ ص ١٥٧.
(٣) ثواب الاعمال ص ١٦٤.
(٤) ما أعطونا خ ل.
(٥) ثواب الاعمال ص ١٦٦.
جع : مثله (١).
٤٨ ـ ثو : حمزة العلوي ، عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن الصادق ، عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا معشر المساكين طيبوا نفسا وأعطوا الرضا من قلوبكم يثبكم الله على فقركم ، فان لم تفعلوا فلا ثواب لكم (٢).
[ أقول ] : قد أوردنا بعض الاخبار في باب من أذل مؤمنا في كتاب العشرة (٣).
٤٩ ـ ص : عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قال الله تعالى لموسى : يا موسى لا لاتستذل الفقير ولا تغبط الغني بالشئ اليسير.
٥٠ ـ ير : إبراهيم بن هاشم ، عن أبي عبدالله البرقي ، عن خلف بن حماد عن ابن طريف ، عن ابن نباتة قال : جاء رجل إلى أميرالمؤمنين عليهالسلام فقال : إني لادين الله بولايتك ، وإني لاحبك في السر كما احبك في العلانية ، فقال له : صدقت طينتك من تلك الطينة ، وعلى ولايتنا اخذ ميثاقك ، وإن روحك من أرواح المؤمنين ، فاتخذ للفقر جلبابا فوالذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : ان الفقر إلى محبينا أسرع من السيل من أعلى الوادي إلى أسفله (٤).
ير : أحمد بن محمد ، عن الاهوازي ، عن الحسين بن علوان ، عن سعد بن طريف ، عن الاصبغ بن نباتة قال : كنت مع أميرالمؤمنين عليهالسلام وذكر مثله (٥).
٥١ ـ ير : عباد بن سليمان ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه سليمان الديلمي عن هارون بن الجهم ، عن سعد الخفاف ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : بينا أميرالمؤمنين
____________________
(١) جامع الاخبار ص ١٣١.
(٢) ثواب الاعمال ص ١٦٧.
(٣) راجع ج ٥ ص ١٤٢ ١٤٧.
(٤) بصائر الدرجات ص ٣٩٠.
(٥) بصائر الدرجات ص ٣٩١.
عليهالسلام يوما جالس في المسجد وأصحابه حوله ، فأتاه رجل من شيعته فقال : يا أميرالمؤمنين أن الله يعلم أني أدينه بحبك في السر كما أدينه بحبك في العلانية وأتولاك في السر كما أتولاك في العلانية ، فقال أميرالمؤمنين : صدقت أما فاتخذ للفقر جلبابا فان الفقر أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي (١).
٥٢ ـ صح : عن الرضا ، عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من استذل مؤمنا أو مؤمنة أو حقره لفقره أو قلة ذات يده شهره الله تعالى يوم القيامة ثم يفضحه (٢).
وبإسناده : قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما كان ولا يكون إلى يوم القيامة مؤمن إلا وله جار يؤذيه (٣).
٥٣ ـ يج : روى سعيد بن عبدالله ، عن محمد بن الحسن بن شمون قال : كتبت إليه عليهالسلام (٤) أشكو الفقر ، ثم قلت في نفسي : أليس قال أبوعبدالله عليهالسلام : الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا ، والقتل معنا خير من الحياة مع غيرنا ، فرجع الجواب أن الله محص أولياءه إذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر ، وقد يعفو عن كثير ، وهو كما حدثت نفسك : الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا ، ونحن كهف لمن التجى ، ونور لمن استضاء بنا ، وعصمة لمن اعتصم ، من أحبنا كان معنا في السنام الاعلى ، ومن انحرف عنا فإلى النار ، قال أبوعبدالله عليهالسلام : تشهدون على عدوكم بالنار ، ولا تشهدون لوليكم بالجنة ، ما يمنعكم من ذلك إلا
____________________
(١) بصائر الدرجات ص ٣٩١ في حديث.
(٢) صحيفة الرضا ص ٣٢ ، وتراه في عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٣٣ وفي ط الحجري ص ٢٠٩ ، وسيأتي.
(٣) صحيفة الرضا عليهالسلام ص ٣٢ ، ولا يوجد في بعض نسخ الصحيفة ، عيون الاخبار ج ٢ ص ٣٣ ، والحديث لا يناسب الباب وانما نقل ههنا لتوهم أن هذا الحديث من تتمة الحديث السابق ففي الاصل وهكذا نسخة الكمباني هكذا : شهره الله يوم القيامة ثم قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يفضحه ما كان ولا يكون الخ.
(٤) يعني أبا محمد العسكري عليهالسلام.
الضعف؟ (١).
كشف : من دلائل الحميري ، عن محمد بن الحسن بن شمون مثله (٢).
كش : أحمد بن علي بن كثلوم ، عن إسحاق بن محمد ، عن محمد بن الحسن بن شمون مثله (٣).
٥٤ ـ شي : عمرو بن جميع رفعه إلى أميرالمؤمنين عليهالسلام قال : الفقر الموت الاكبر (٤).
٥٥ ـ جا : أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن العلا ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : إن فقراء المؤمنين ينقلبون في رياض الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ، ثم قال : سأضرب لك مثال ذلك ، إنما مثل ذلك مثل سفينتين مر بهما على عاشر فنظر في احداهما فلم يجد فيها شيئا ، فقال : أسربوها ، ونظر في الاخرى فاذا هي موقرة ، فقال : احبسوها (٥).
٥٦ ـ كش : خلف بن حماد ، عن سهل ، عن أحمد بن عمر الحلبي قال : دخلت على الرضا عليهالسلام بمنى فقلت له : جعلت فداك كنا أهل بيت عطية وسرور ونعمة ، وإن الله تعالى قد أذهب بذلك كله حتى احتجت إلى من كان يحتاج إلينا فقال لي : يا أحمد ما أحسن حالك يا أحمد بن عمر ، فقلت له : جعلت فداك حالي ما أخبرتك! فقال لي : يا أحمد أيسرك أنك على بعض ما عليه هؤلاء الجبارون ولك الدنيا مملوة ذهبا؟ فقلت : لا والله يا ابن رسول الله فضحك ثم قال : ترجع من ههنا إلى خلف فمن أحسن حالا منك وبيدك صناعة لا تبيعها بملء الارض ذهبا
____________________
(١) لا يوجد في مختار الخرائج المطبوع.
(٢) كشف الغمة ج ٣ ص ٣٠٠.
(٣) رجال الكشي ص ٤٤٨.
(٤) تفسير العياشي ج ٢ ص ١٢٠.
(٥) مجالس المفيد ص ٩١.
ألا ابشرك؟ قلت : نعم ، فقد سرني الله بك وبآبائك.
فقال لي أبوجعفر عليهالسلام في قول الله عزوجل : «وكان تحته كنز لهما» (١) لوح من ذهب فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله محمد رسول الله عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح؟ ومن يرى الدنيا وتغيرها بأهلها كيف يركن إليها وينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطي الله في رزقه ، ولا يتهمه في قضائه ، ثم قال : رضيت يا أحمد؟ قال : قلت : عن الله تعالى وعنكم أهل البيت (٢).
٥٧ ـ ضة : قال أبوالحسن موسى عليهالسلام : إن الانبياء وأولاد الانبياء وأتباع الانبياء خصوا بثلاث خصال : السقم في الابدان ، وخوف السلطان ، والفقر.
وقال أميرالمؤمنين عليهالسلام : الفقر يخرس الفطن عن حجته ، والمقل غريب في بلده ، طوبى لمن ذكر المعاد ، وعمل للحساب ، وقنع بالكفاف.
الغني في القربة وطن ، والفقر في الوطن غربة ، القناعة مال لا ينفد ، الفقر الموت الاكبر ، ما أحسن تواضع الاغنياء للفقراء طلبا لما عند الله ، وأحسن منه تيه الفقراء على الاغنياء اتكالا على الله.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من استذل مؤمنا أو مؤمنة أو حقره لفقره وقلة ذات يده شهره الله يوم القيامة ثم يفضحه.
وقال صلىاللهعليهوآله : اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين.
وقال صلىاللهعليهوآله : إذا أحب الله عبدا في دار الدنيا يرجعه ، قالوا : يا رسول الله وكيف يرجعه؟ قال : في موضع الطعام الرخيص ، والخير الكثير ولي الله لا يجد الطعام ما يملا به بطنه.
وقال صلىاللهعليهوآله : أبواب الجنة مفتحة على الفقراء ، والرحمة نازلة على الرحماء ، والله راض عن الاسخياء.
____________________
(١) الكهف : ٨٢.
(٢) رجال الكشي ص ٤٩٨.
وقال صلىاللهعليهوآله : الفقر فقران : فقر الدنيا وفقر الاخرة ، ففقر الدنيا غنى الاخرة ، وغنى الدنيا فقر الاخرة وذلك الهلاك.
وقال صلىاللهعليهوآله : ما اوحى إلي أن أجمع المال وكن من التاجرين ولكن اوحى إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.
وقال لقمان لابنه : يا بني لا تحقرن أحدا بخلقان ثيابه ، فان ربك وربه واحد.
٥٨ ـ جع : سئل عن النبي صلىاللهعليهوآله ما الفقر؟ فقال : خزانة من خزائن الله قيل ثانيا يا رسول الله ما الفقر؟ فقال : كرامة من الله ، قيل : ثالثا : ما الفقر؟ فقال عليهالسلام : شئ لا يعطيه الله الا نبيا مرسلا أو مؤمنا كريما على الله تعالى.
وقال النبي صلىاللهعليهوآله : الفقر أشد من القتل.
قال النبي صلىاللهعليهوآله : أوحى الله تعالى إلى إبراهيم عليهالسلام فقال : يا إبراهيم خلقتك وابتليتك بنار نمرود فلو ابتليتك بالفقر ، ورفعت عنك الصبر فما تصنع؟ قال إبراهيم : يارب الفقر إلي أشد من نار نمرود ، قال الله ، فبعزتي وجلالي ما خلقت في السماء والارض أشد من الفقر ، قال : يا رب من أطعم جايعا فما جزاؤه؟ قال : جزاؤه الغفران وإن كان ذنوبه يملا ما بين السماء والارض.
وقال عليهالسلام : لولا رحمة ربي على فقراء امتي كاد الفقر يكون كفرا فقام رجل من الصحابة فقال : يا رسول الله فما جزاء مؤمن فقير يصبر على فقره؟ قال : إن في الجنة غرفة من ياقوتة حمراء ينظر أهل الجنة إليها كما ينظر أهل الارض إلى نجوم السماء لا يدخل فيها إلا نبي فقير ، أو شهيد فقير ، أو مؤمن فقير.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام للحسن عليهالسلام : لا تلم إنسانا يطلب قوته ، فمن عدم قوته كثر خطاياه ، يا بني الفقير حقير لا يسمع كلامه ، ولا يعرف مقامه ، لو كان الفقير صادقا يسمونه كاذبا ، ولو كان زاهدا يسمونه جاهلا ، يا بني من ابتلى بالفقر
ابتلي بأربع خصال : بالضعف في يقينه ، والنقصان في عقله ، والرقة في دينه ، وقلة الحياء في وجهه ، فنعوذ بالله من الفقر.
وقال عليهالسلام : الفقر مخزون عند الله بمنزلة الشهادة يؤتيه الله من يشاء.
عن النبي صلىاللهعليهوآله : من توفر حظه في الدنيا انتقص حظه في الاخرة ، وإن كان كريما.
وقال الفقراء لرسول الله : إن الاغنياء ذهبوا بالجنة يحجون ، ويعتمرون ويتصدقون ، ولا نقدر عليه ، فقال عليهالسلام : إن من صبر واحتسب منكم تكن له ثلاث خصال ليس للاغنياء أحدها أن في الجنة غرفا ينظر إليها أهل الجنة كما ينظر أهل الارض إلى نجوم السماء لا يدخلها إلا نبي فقير أو شهيد فقير أو مؤمن فقير ، وثانيها يدخل الفقراء الجنة قبل الاغنياء بخمسمائة عام ، وثالثها إذا قال الغني : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وقال الفقير مثل ذلك لم يلحق الغني الفقير ، وإن أنفق فيها عشرة آلاف درهم ، وكذلك أعمال البر كلها فقالوا : رضينا.
عن أنس بن مالك ، عن النبي صلىاللهعليهوآله : يقوم فقراء امتي يوم القيامة وثيابهم خضر ، وشعروهم منسوجة بالدر والياقوت ، وبأيديهم قضبان من نور ، يخطبون على المنابر فيمر عليهم الانبياء فيقولون : هؤلاء من الملائكة ، وتقول الملائكة : هؤلاء من الانبياء ، فيقولون : نحن لا ملائكة ولا أنبياء ، بل نفر من فقراء امة محمد صلىاللهعليهوآله ، فيقولون : بما نلتم هذه الكرامة؟ فيقولون : لم يكن أعمالنا شديدا ولم نصم الدهر ، ولم نقم الليل ، ولكن أقمنا على الصلوات الخمس ، وإذا سمعنا ذكر محمد صلىاللهعليهوآله فاضت دموعنا على خدودنا.
عن أبي هريرة قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : كلمني ربي فقال : يا محمد إذا أحببت عبدا أجعل معه ثلاثة أشياء : قلبه حزينا ، وبدنه سقيما ، ويده خالية عن حطام الدنيا ( وإذا أبغضت عبدا أجعل معه ثلاثة أشياء : قلبه مسرورا ، وبدنه صحيحا ، ويده مملؤة.
من حطام الدنيا.
قال النبي صلىاللهعليهوآله : من جاع أو احتاج فكتمه الناس وأفشاه إلى الله كان حقا على الله أن يرزقه سنة من الحلال.
وقال صلىاللهعليهوآله : اللهم أحيني مسكينا ، وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين.
وقال عليهالسلام : الفقراء ملوك أهل الجنة ، والناس كلهم مشتاقون إلى الجنة والجنة مشتاقة إلى الفقراء.
وقال صلىاللهعليهوآله : الفقر فخري (١).
قال النبي صلىاللهعليهوآله : من استذل مؤمنا أو مؤمنة أو حقره لفقره وقلة ذات يده ، شهره الله يوم القيامة ثم يفضحه.
قال أبوالحسن موسى عليهالسلام : إن الانبياء وأولاد الانبياء وأتباع الانبياء خصوا بثلاث خصال : السقم في الابدان ، وخوف السلطان ، والفقر.
روي أن أحدا من الصحابة شكى إلى النبي صلىاللهعليهوآله عن الفقر والسقم ، قال النبي صلىاللهعليهوآله : فاذا أصبحت وأمسيت فقل : لا حول ولا قوة إلا بالله توكلت على الحي الذي لا يموت ، والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك قال : فوالله ما قلته إلا أياما حتى أذهب عني الفقر والسقم.
وقال عليهالسلام : الفقر شين عند الناس وزين عند الله يوم القيامة.
عن عبيد البصري يرفعه إلي أبي عبدالله عليهالسلام أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا علي إن الله جعل الفقر أمانة عند خلقه فمن ستره كان كالصائم القائم ، ومن أفشاه إلى من يقدر على قضاء حاجته فلم يفعل فقد قتله ، أما إنه ما قتله بسيف ولا رمح ولكن بما أنكا من قلبه (٢).
٥٩ ـ محص : عن المفضل قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام : كلما ازداد العبد إيمانا ازداد ضيقا في معيشته.
٦٠ ـ محص : عن عبدالله بن سنان قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام : أكرم ما يكون
____________________
(١) في المصدر هنا تقديم وتأخير.
(٢) جامع الاخبار ص ١٢٨ ١٣٠.
العبد إلى الله أن يطلب درهما فلا يقدر عليه ، قال عبدالله بن سنان : قال أبوعبدالله عليهالسلام هذا الكلام وعندي مائة ألف وأنا اليوم ما أملك درهما.
٦١ ـ محص : عن عباد بن صهيب قال : سمعت جعفر بن محمد عليهالسلام يقول : قال الله تعالى : لولا أنني أستحيي من عبدي المؤمن ما تركت له خرقة يتوارى بها إلا أن العبد إذا تكامل فيه الايمان ابتليته في قوته ، فان جزع رددت عليه قوته ، وإن صبر باهيت به ملائكتي فذاك الذي تشير إليه الملائكة بالاصابع.
٦٢ ـ محص : عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : وكل الرزق بالحمق ، ووكل الحرمان بالعقل ، ووكل البلاء بالصبر.
٦٣ ـ محص عن محمد بن سليمان قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام : من استذل مؤمنا لقلة ذات يده شهره الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق لا محالة.
٦٤ ـ محص : عن ابن مسلم ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : المصائب منح من الله ، والفقر عند الله مثل الشهادة ، ولا يعطيه من عباده إلا من أحب.
٦٥ ـ محص : عن علي بن عفان ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن الله ليعتذر إلى عبده المؤمن المحتاج كان في الدنيا كما يعتذر الاخر إلى أخيه ، فيقول : لا وعزتي ما أفقرتك لهوان بك علي ، فارفع هذا الغطاء فانظر [ما عوضتك من الدنيا فيكشف فينظر] ما عوضه الله من الدنيا ، ما يضرني ما منعتني مع ما عوضتني.
٦٦ ـ محص : عن محمد بن خالد البرقي ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : والله ما اعتذر إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا إلى فقراء شيعتنا ، قيل له : وكيف يعتذر إليهم؟ قال : ينادي مناد أين فقراء المؤمنين؟ فيقوم عنق من الناس فيتجلى لهم الرب فيقول : وعزتي وجلالي وعلوي وآلائي وارتفاع مكاني ما حبست عنكم شهواتكم في دار الدنيا [هوانا بكم علي ولكن ذخرته لكم لهذا اليوم أما ترى قوله : «ما حبست عنكم شهواتكم في دار الدنيا»] اعتذارا؟ قوموا اليوم وتصفحوا وجوه خلائقي فمن وجدتم له عليكم منة بشربة من ماء فكافوه عني بالجنة.
وعن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قل لمصاص شيعتنا غربوا أو شرقوا لن ترزقوا
الا القوت (١).
٦٧ ـ محص : عن مبارك ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قال الله : إني لم اغني الغني لكرامة به علي ولم افقر الفقير لهوان به علي ، وهو مما ابتليت به الاغنياء بالفقراء ، ولولا الفقراء لم يستوجب الاغنياء الجنة.
٦٨ ـ محص : عن أبي عمير ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن العبد المؤمن الفقير ليقول : يارب ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير ، فاذا علم الله ذلك منه كتب له من الاجر مثل ما يكتبه لو عمله ، إن الله واسع كريم.
٦٩ ـ محص : عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يقول الله عزوجل : لولا عبدي المؤمن لعصبت رأس الكافر بعصابة من جوهر.
٧٠ ـ محص : عن أميرالمؤمنين عليهالسلام قال : من ضيق عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك حسن نظر من الله له ، فقد ضيع مأمولا ، ومن وسع عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك استدراج من الله فقد آمن مخوفا.
٧١ ـ محص : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : إنا نحب المال وأن لا نؤتي منه خير لنا ، إن عليا أميرالمؤمنين عليهالسلام كان يقول : أنا يعسوب [المؤمنين] وأميرالمؤمنين ، وإن أكثر المال عدو للمؤمنين ويعسوب المنافقين.
٧٢ ـ محص : عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن رجلا من الانصار أهدى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله صاعا من رطب ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله للخادم التي جاءت به : ادخلي فانظري هل تجدين في البيت قصعة أو طبقا فتأتيني به؟ فدخلت ثم خرجت اليه فقالت : ما أصبت قصعة ولا طبقا ، فكنس رسول الله صلىاللهعليهوآله بثوبه مكانا من الارض ، ثم قال لها : ضعيه ههنا على الحضيض ، ثم قال : والذي نفسي بيده لوكانت الدنيا تعدل عند الله مثقال جناح بعوضة ما أعطى كافرا ولا منافقا منها شيئا.
____________________
(١) المصاص : خالص كل شئ ، يقال فلان مصاص قومه : إذا كان أخلصهم نسبا ، يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمؤنث والمذكر ، ويقال : غرب فلان إذا امعن في سيره حتى بلغ المغرب كما يقال شرق إذا بلغ المشرق كذلك.
٧٣ ـ محص : عن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يقول الله عزوجل : يا دنيا تمرري على عبدي المؤمن بأنواع البلاء ، وضيقي عليه في المعيشة ، ولا تحلولي فيركن إليك (١).
٧٤ ـ محص : عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : لولا كثرة الحاح المؤمن في الرزق لضيق عليه من الرزق أكثر مما هو فيه.
٧٥ ـ محص : عن المفضل قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام : لولا الحاح هذه الشيعة على الله في طلب الرزق لنقلهم من الحال التي هم عليها إلى ما هو أضيق.
٧٦ ـ محص : عن عبدالله بن سنان قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام : الفقر أزين على المؤمن من العذار على خد الفرس ، وإن آخر الانبياء دخولا إلى الجنة سليمان ، وذلك لما اعطى من الدنيا.
٧٧ ـ محص : عن ابن دراج ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : ما سد الله على مؤمن باب رزق إلا فتح الله له خيرا منه ، قال ابن أبي عمير ، ليس يعني بخير منه أكثر منه ، ولكن يعني إن كان أقل فهو خير له.
٧٨ ـ محص : عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : من حقر مؤمنا مسكينا لم يزل الله له حاقرا ماقتا حتى يرجع عن محقرته إياه.
٧٩ ـ محص : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : إن الله ليعطي الدنيا من يحب ويبغض ، ولا يعطي الاخرة إلا من يحب ، وإن المؤمن ليسأل ربه موضع سوط في الدنيا فلا يعطيه ، ويسأله الاخرة فيعطيه ما شاء ويعطي الكافر في الدنيا قبل أن يسأله ما شاء ، ويسأله موضع سوط في الاخرة فلا يعطيه شيئا.
٨٠ ـ محص : عن حمران ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : إن هذه الدنيا يعطاها البر والفاجر ، وإن هذا الدين دين لا يعطيه الله إلا خاصته.
٨١ ـ محص : عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن الفقر مخزون عند الله لا يبتلى به إلا من أحب من المؤمنين ، ثم قال : إن الله يعطى
____________________
(١) تمرري أي صيري مرة ، ولا تحلولي : أي لا تصيري حلوة ، من الاحليلاء.
الدنيا من أحب ومن أبغض ولا يعطى دينه إلا من أحب.
٨٢ ـ دعوات الراوندي : قال النبي صلىاللهعليهوآله : لولا ثلاثة في ابن آدم ما طأطأ رأسه شئ : المرض ، والموت ، والفقر ، وكلهن فيه وإنه لمعهن لوثاب.
٨٣ ـ نهج : قال عليهالسلام : الغنى في الغربة وطن ، والفقر في الوطن غربة (١).
وقال عليهالسلام : الفقر يخرس الفطن عن حجته ، والمقل غريب في بلدته (٢).
وقال عليهالسلام : الفقر الموت الاكبر (٣).
وقال عليهالسلام لابنه محمد ، يا بني إني أخاف عليك الفقر فاستعذ بالله منه فان الفقر منقصة للدين ، ومدهشة للعقل ، داعية للمقت (٤).
وقال عليهالسلام : العفاف زينة الفقر والشكر زينة الغنا (٥).
وقال عليهالسلام : ألا وإن من البلاء الفاقة ، وأشد من الفاقة مرض البدن وأشد من مرض البدن مرض القلب ، ألا وإن من النعم سعة المال ، وأفضل من سعة المال صحة البدن ، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب (٦).
وقال عليهالسلام : الغنا والفقر بعد العرض على الله سبحانه (٧).
٨٤ ـ كنز الكراجكي : قال لقمان لابنه ، اعلم أي بني إني قد ذقت الصبر وأنواع المر فلم ار أمر من الفقر ، فان افتقرت يوما فاجعل فقرك بينك وبين الله
____________________
(١) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٥٦.
(٢) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٤٤.
(٣) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٨٤.
(٤) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٢١.
(٥) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٥٦.
(٦) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٣٨.
(٧) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٥٠.
ولا تحدث الناس بفقرك ، فتهون عليهم ، ثم سل في الناس هل من أحد دعا الله فلم يجبه؟ أو سأله فلم يعطه (١).
٨٥ ـ عدة الداعي : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : الفقر خير للمؤمن من حسد الجيران ، وجور السلطان ، وتملق الاخوان.
وروى حسان بن يحيى ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن رجلا فقيرا أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله وعنده رجل غني فكف ثيابه وتباعد عنه ، فقال له رسول الله : ما حملك على ما صنعت؟ أخشيت أن يلتصق فقره بك؟ أو يلصق غناك به؟ فقال يارسول الله أما إذا قلت هذا فله نصف مالي ، قال النبي صلىاللهعليهوآله للفقير : أتقبل منه ، قال : لا ، قال : ولم؟ قال : أخاف أن يدخلني ما دخله.
وعنه عليهالسلام قال : في الانجيل إن عيسى عليهالسلام قال : اللهم ارزقني غدوة رغيفا من شعير ، وعشية رغيفا من شعير ، ولا ترزقني فوق ذلك فأطغى (٢).
وعن الصادقين عليهمالسلام : من كثر اشتباكه بالدنيا ، كان أشد لحسرته عند فراقها.
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : تخففوا تلحقوا ، فانما ينتظر بأولكم آخركم.
وتحسر سلمان الفارسي رضياللهعنه عند موته فقيل له : علام تأسفك يا أبا عبدالله؟ قال : ليس تأسفي على الدنيا ، ولكن رسول الله صلىاللهعليهوآله عهد الينا وقال : ليكن بلغة أحدكم كزاد الراكب ، وأخاف أن نكون قد جاوزنا أمره وحولي هذه الاوساد وأشار إلى ما في بيته ، وقال : هو دست وسيف وجفنة.
وقال أبوذر رحمة الله عليه : يا رسول الله الخائفون الخاشعون المتواضعون الذاكرون الله كثيرا يسبقون الناس إلى الجنة؟ قال : لا ، ولكن فقراء المؤمنين يأتون فيتخطون رقاب الناس ، فيقول لهم خزنة الجنة ، كما أنتم حتى تحاسبوا فيقولون : بم نحاسب؟ فوالله ما ملكنا فنجور ونعدل ، ولا افيض علينا فنقبض
____________________
(١) كنز الكراجكي ص ٢١٤.
(٢) عدة الداعي ص ٨٣.
ونبسط ، ولكن عبدنا ربنا حتى أتانا اليقين (١).
وفيما أوحى الله إلى موسى عليهالسلام : إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين ، وإذا رأيت الغنا مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته (٢).
وقال عيسى عليهالسلام : خادمي يداي ، ودابتي رجلاي ، وفراشي الارض ووسادي الحجر ، ودفئي في الشتاء مشارق الارض (٣) وسراجي بالليل القمر وإدامي الجوع ، وشعاري الخوف ، ولباسي الصوف ، وفاكهتي وريحاني ما أنبتت الارض للوحوش والانعام ، أبيت وليس لي شئ ، وأصبح وليس لي شئ ، وليس على وجه الارض أحد أغنى مني.
وقال الصادق عليهالسلام : إن الله عزوجل ليعتذر إلى عبده المحوج كان في الدنيا ، كما يعتذر الاخ إلى أخيه ، فيقول : وعزتي ما أفقرتك لهوان كان بك على فارفع هذا الغطاء فانظر ما عوضتك من الدنيا ، فيكشف فينظر ما عوضه الله عزوجل من الدنيا ، فيقول ما ضرني يارب ما زويت عني ، مع ما عوضتني (٤).
وقال الله عزوجل لعيسى عليهالسلام : إني وهبت لك المساكين ورحمتهم : تحبهم ويحبونك ، يرضون بك إماما وقائدا وترضى بهم صحابة وتبعا ، وهما خلقان ، من لقيني بهما لقيني بازكى الاعمال واحبها إلي.
وقال النبي صلىاللهعليهوآله : الفقر فخري وبه أفتخر. وقال عيسى عليهالسلام : بحق أقول لكم إن أكناف السماء لخالية من الاغنياء ولدخول جمل في سم الخياط أيسر من دخول غني الجنة.
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : اطلعت على الجنة فوجدت أكثر أهلها الفقراء والمساكين
____________________
(١) عدة الداعي ص ٨٤.
(٢) عدة الداعي ص ٨٥.
(٣) يعني ما يدفع ويدفأ به سورة الشتاء وبرودته الرواح إلى مشارق الارض التي يكون شروق الارض عليها اكثر يعني البلاد الحارة.
(٤) عدة الداعي ص ٦٨.
وإذا ليس فيها أحد أقل من الاغنياء والنساء (١).
٨٦ ـ كتاب الامامة والتبصرة : عن أحمد بن علي ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : سائلوا العلماء وخاطبوا الحكماء ، وجالسوا الفقراء.
ومنه : عن القاسم بن علي العلوي ، عن محمد بن أبي عبدالله ، عن سهل بن زياد عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : طوبى للمساكين بالصبر ، هم الذين يرون ملكوت السماوات.
ومنه : عن محمد بن عبدالله ، عن محمد بن محمد ، عن موسى بن إسماعيل ، عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الفقر خير من الغنى ، إلا من حمل في مغرم وأعطى في نائبه.
وقال صلىاللهعليهوآله : الفقر فقر القلب ، وقال صلىاللهعليهوآله : الفقر راحة.
٩٥
( باب )
* «( الغنا والكفاف )» *
الايات : المؤمنون : أيحسبون أنما نمدهم من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون (٢).
العلق : إن الانسان ليطغى * أن رآه استغنى * إن إلى ربك الرجعى (٣) التكاثر : ألهيكم التكاثر إلى قوله : ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم.
____________________
(١) عدة الداعي ص ٩١.
(٢) المؤمنون : ٥٥ و ٥٦.
(٣) العلق : ٦ ٨.
تفسير : «أيحسبون» في المجمع معناه أيظن هؤلاء الكفار أن ما نعطيهم ونزيدهم في الاموال والاولاد إنما نعطيهم ثوابا مجازاة لهم على أعمالهم أو لرضانا عنهم ولكرامتهم علينا؟ ليس الامر كما يظنون بل ذلك إملاء لهم واستدراج لهوانهم علينا ، وللابتلاء في التعذيب لهم.
وروى السكوني ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن الله تعالى يقول : يحزن عبدي المؤمن إذا قترت عليه شيئا من هذه الدنيا وذلك أقرب له مني ، ويفرح إذا بسطت له في الدنيا ، وذلك أبعد له مني ، ثم تلا هذه الاية إلى قوله : «بل لا يشعرون» ثم قال : إن ذلك فتنة لهم.
ومعنى «نسارع» نسرع ونتعجل وتقديره نسارع لهم به في الخيرات والخيرات المنافع التي يعظم شأنها ونقيضها الشرور ، وهي المضار التي يشتد أمرها والشعور والعلم الذي يدق معلومه وفهمه على صاحبه كدقة الشعر ، وقيل : هو العلم من جهة المشاعر وهي الحواس ولهذا لا يوصف القديم سبحانه (١).
وقال البيضاوي : أي بل هم كالبهائم لا فطنة بهم ولا شعور لهم ليتأملوا فيعلموا ان ذلك الامداد استدراج لا مسارعة في الخير (٢).
١ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن غير واحد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي عبيدة الحذاء قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : قال الله عزوجل : إن من أغبط أوليائي عندي رجل خفيف الحال ، ذا حظ من صلاة أحسن عبادة ربه بالغيب ، وكان غامضا في الناس ، جعل رزقه كفافا فصبر عليه عجلت منيته فقل تراثه وقلت بواكيه (٣).
بيان : الاغبط مأخوذ من الغبطة بالكسر وهي حسن الحال والمسرة « خفيف
____________________
(١) مجمع البيان ج ١ ص ١٠٩.
(٢) انوار التنزيل : ٢٨٨.
(٣) الكافي ج ٧ ص ١٤٠.
الحال في بعض النسخ بالحاء المهملة وفي بعضها بالمعجمة (١) فعلى الثاني أي قليل المال والحظ من الدنيا والاول أيضا قريب منه ، قال في النهاية : فيه إنه صلى الله عليه وآله لم يشبع من طعام إلا على حفف ، الحفف الضيق وقلة المعيشة ، يقال : أصابه حفف وحفوف وحفت الارض إذا يبس نباتها أي لم يشبع إلا والحال عنده خلاف الرخاء والخصب ومنه حديث قال له وفد العراق : إن أميرالمؤمنين بلغ منا وهو حاف المطعم أي يابسه وقحله ومنه رأيت أبا عبيدة حفوقا أي ضيق عيش ، ومنه إن عبدالله بن جعفر حفف وجهد أي قل ماله انتهى.
«ذا حظ من صلاة» أي صاحب نصيب حسن وافر من الصلاة فرضا ونقلا كما وكيفا ، ويحتمل أن يكون «من» للتعليل أي ذا حظ عظيم من القرب أو الثواب أو العفة وترك المحرمات أو الاعم بسبب الصلاة لانها تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي قربان كل تقي.
«أحسن عبادة ربه بالغيب» أي غائبا عن الناس والتخصيص لانه أخلص وأبعد من الرئاء أو بسبب إيمانه بموعود غائب عن حواسه ، كما قال تعالى : «يؤمنون بالغيب» أو الباء للالة إي إحسان عبادتهم بالقلب لا بالجوارح الظاهرة فقط والاول أظهر.
«وكان غامضا في الناس» في النهاية أي مغمورا غير مشهور وأقول : إما للتقية أو المعنى أنه ليس طالبا للشهرة ورفعه الذكر بين الناس «جعل» على بناء المفعول «رزقه كفافا» أي بقدر الحاجة ، وبقدر ما يكفه عن السؤال ، قال في النهاية : الكفاف هو الذي لا يفضل عن الشئ ويكون بقدر الحاجة إليه ، ومنه لا تلام على كفاف أي إذا لم يكن عندك كفاف لم تلم على أن لا تعطي أحدا وفي المصباح : قوته كفاف
____________________
ولعل الصواب «خفيف الحاذ» وان كان الحاذ والحال بمعنى ، قال الفيروز آبادي : هما بحاذة واحدة ، أي بحالة واحدة ، وقال في التاج : الحاذ والحاذة : الحال والحالة ، واللام أعلى من الذال ، وقال الجوهري : وفي الحديث : مؤمن خفيف الحاذ » أي خفيف الظهر.
بالفتح أي مقدار حاجته من غير زيادة ولا نقص ، سمي بذلك لانه يكف عن سؤال الناس ويغني عنهم.
«عجلت منيته» كأن ذكر تعجيل المنية لانه من المصائب التي ترد عليه وعلم الله صلاحه في ذلك لخلاصه من أيدي الظلمة ، أو بذله نفسه لله بالشهادة وقيل : كأن المراد بعجلة منيته زهده في مشتهيات الدنيا وعدم افتقاره إلى شئ منها كأنه ميت ، وقد ورد في الحديث المشهور موتوا قبل أن تموتوا ، أو المراد أنه مهما قرب موته قل تراثه وقلت بواكيه ، لانسلاله متدرجا عن أمواله وأولاده.
وأقول : سيأتي نقلا عن مشكوة الانوار : مات فقل تراثه (١).
وقال في الصحاح : التراث أصل التاء فيه واو ، وقلة البواكي لقلة عياله وأولاده وغموضه وعدم اشتهاره ، ولانه ليس له مال ينفق في تعزيته فيجتمع عليه الناس.
٢ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : طوبى لمن أسلم وكان عيشه كفافا (٢).
بيان : قال في النهاية : فيه فطوبى للغرباء ، طوبى إسم الجنة ، وقيل : هي شجرة فيها وأصلها فعلى من الطيب فلما ضمت التاء انقلبت الياء واوا (٣) وفي القاموس العيش الحياة عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشا ومعيشة وعيشة بالكسر ، والطعام وما يعاش به والخبز.
٣ ـ كا : بالاسناد ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : اللهم ارزق محمدا وآل محمد ومن أحب محمدا وآل محمد العفاف والكفاف ، وارزق من أبغض محمدا وآل محمد المال والولد (٤).
تبيان : العفاف بالفتح عفة البطن والفرج ، أو التعفف عن السؤال من الخلق أو الاعم ، ثم إن هذه الاخبار تدل على ذم كثرة الاموال والاولاد
____________________
(١) مشكاة الانوار : ٢٢ ، ولم يخرجه. (٢) الكافي ج ٢ ص ١٤٠.
(٣) راجع ص ١٦ فيما سبق ففي الذيل شرح لذلك.
(٤) الكافي ج ٢ ص ١٤٠.
والاخبار في ذلك مختلفة ، وورد في كثير من الادعية طلب الغنا وكثرة الاموال والاولاد ، وورد في كثير منها ذم الفقر والاستعاذة منه ، والجمع بينها لا يخلو من إشكال.
ويمكن الجمع بينها بأن الغنا الممدوح ما يكون وسيلة إلى تحصيل الاخرة ولا يكون مانعا من الاشتغال بالطاعات ، كما ورد نعم المال الصالح للعبد الصالح ، وهو نادر ، والفقر المذموم هو ما لايصبر عليه ويكون سببا للمذلة والافتقار إلى الناس ، وربما يحمل الفقر والغنا الممدوحان على الكفاف فانه غني بحسب الواقع ويعده أكثر الناس فقرا ، ولا ريب في أن كثرة الاموال والاولاد والخدم ملهية غالبا عن ذكر الله والاخرة كما قال سبحانه : «إنما أموالكم وأولادكم فتنة» (١) وقال : «إن الانسان ليطغى ، إن رآه استغنى» (٢).
وأما إذا لم تكن حصول هذه الاشياء مانعة عن تحصيل الاخرة ، وكان الغرض فيها طاعة الله وكثرة العابدين لله ، فهي من نعم الله على من علم الله صلاحه فيه ، وكأن هذه الاخبار محمولة على الغالب ، ومضمون هذا الحديث مروي في طرق العامة أيضا ففي صحيح مسلم عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : اللهم اجعل رزق محمد قوتا ، وعنه أيضا اللهم اجعل رزق محمد كفافا ، وفي رواية اخرى اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا.
قال عياض : لا خلاف في فضيلة ذلك لقلة الحساب عليه ، وإنما اختلف أيهما أفضل الفقر أو الغنا؟ واحتج من فضل الفقر بدخول الفقراء الجنة قبل الاغنياء قال القرطبي : القوت ما يقوت الابدان ويكف عن الحاجة ، وهذا الحديث حجة لمن قال : إن الكفاف أفضل ، لانه صلىاللهعليهوآله إنما يدعو بالارجح وأيضا فان الكفاف حالة متوسطة بين الفقر والغنا ، وخير الامور أوسطها ، وأيضا فانه حالة يسلم معها من آفات الفقر وآفات الغنا.
____________________
(١) التغابن : ١٥.
(٢) العلق : ٦ و ٧.