بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

طلع سليمان بن داود عليه‌السلام في جنوده والطير تظله فقالت له هذا سليمان قد طلع علينا في جنوده ولا آمن أن يحطمنا ويحطم بيضنا فقال لها إن سليمان عليه‌السلام لرجل رحيم بنا فهل عندك شيء هيأته لفراخك (١) إذا نقبن قالت نعم عندي جرادة خبأتها منك أنتظر بها فراخي إذا نقبن فهل عندك أنت شيء (٢) قال نعم عندي تمرة خبأتها منك لفراخنا فقالت خذ أنت تمرتك وآخذ أنا جرادتي ونعرض لسليمان عليه‌السلام فنهديهما له فإنه رجل يحب الهدية فأخذ التمرة في منقاره وأخذت هي الجرادة في رجليها ثم تعرضا لسليمان عليه‌السلام فلما رآهما وهو على عرشه بسط يديه لهما فأقبلا فوقع الذكر على اليمنى ووقعت الأنثى على اليسرى (٣) فسألهما عن حالهما فأخبره [ فأخبراه ] فقبل هديتهما وجنب جنوده عن بيضهما (٤) فمسح على رأسهما ودعا لهما بالبركة فحدثت القنزعة على رأسهما من مسحة سليمان عليه‌السلام (٥).

تبيان قال الجوهري القبرة واحدة القبر وهو ضرب من الطير والقنبراء لغة فيها والجمع القنابر والعامة تقول القنبرة.

أقول الأخبار تدل على أنها مع النون أيضا لغة فصيحة كما مر عن القاموس قولا ونقل الدميري عن البطليوسي في شرح أدب الكاتب أنها أيضا لغة فصيحة قال وفي طبعه أنه لا يهوله صوت صائح وربما رمى بالحجر فاستخف بالرامي ولطئ بالأرض حتى يجاوزه الحجر وهو يضع وكره على الجادة حبا للإنس انتهى (٦).

وقال الجوهري حضن الطائر بيضه يحضنه إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحه

__________________

(١) في بعض النسخ : خبأته لفراخك.

(٢) في المصدر : فهل عند أنت شيء.

(٣) في المصدر : « على اليمين » وعلى اليسار وسألهما.

(٤) في المصدر : وجنب جنده عنهما وعن بيضهما ومسح.

(٥) فروع الكافي ٦ : ٢٢٥ و ٢٢٦.

(٦) حياة الحيوان ٢ : ١٦٩ و ١٧٠.

٣٠١

على النقاب أي شق البيضة عن الفرخ والحطم الكسر ولعل الخوف لاحتمال النزول أو لاجتماع الناس للنظر إلى شوكته وزينته وغرائب أمره فيحطمون فالإسناد إليه إسناد إلى السبب البعيد.

وقال المحقق الأردبيلي روح الله روحه بعد إيراده الرواية الأخيرة فيها أحكام مثل قصد النسل من النكاح والتجنب عن كسر بيض الطيور وأخذها والهدية وقبولها وإن كان قليلا جدا وكان لصاحبها طلب من المهدي إليه والدعاء له بالبركة وغيرها وإن كان في شرع سليمان عليه‌السلام فتأمل انتهى.

وقال شارح اللمعة نور الله ضريحه كراهة القبرة منضمة إلى البركة بخلاف الفاختة.

٣ ـ دلائل الطبري : عن أحمد بن محمد المعروف بغزال قال : كنت جالسا مع أبي الحسن عليه‌السلام في حائط له إذ جاء عصفور فوقع بين يديه وأخذ يصيح ويكثر الصياح ويضطرب فقال لي تدري ما يقول هذا العصفور قلت الله ورسوله ووليه أعلم فقال يقول يا مولاي إن حية تريد أن تأكل فراخي في البيت فقم بنا ندفعها عنه وعن فراخه فقمنا ودخلنا البيت فإذا حية تجول في البيت فقتلناها (١).

٤ ـ البصائر : عن يعقوب بن يزيد عن الوشاء عمن رواه عن الميثمي عن منصور عن الثمالي قال : كنت مع علي بن الحسين عليه‌السلام في داره وفيها عصافير وهن يصحن فقال لي أتدري ما يقلن هؤلاء العصافير قلت لا أدري قال يسبحن ربهن ويطلبن رزقهن (٢).

دلائل الطبري : عن ابن يزيد عن الوشاء عمن رواه عن الميثمي عن علي بن منصور عن الثمالي مثله إلى قوله يسبحن ربهن ويهللن ويسألنه قوت يومهن ثم قال يا با حمزة : « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » (٣).

__________________

(١) دلائل الإمامة : ١٧٢.

(٢) بصائر الدرجات ٩٩ ط حجر.

(٣) دلائل الإمامة : ٨٨.

٣٠٢

٥ ـ البصائر : عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ثعلبة عن سالم مولى أبان بياع الزطي قال : كنا في حائط لأبي عبد الله عليه‌السلام ونفر معي قال فصاحت العصافير فقال أتدري ما تقول فقلنا جعلنا الله فداك لا ندري ما تقول فقال تقول اللهم إنا خلق من خلقك لا بد لنا من رزقك فأطعمنا واسقنا (١).

٦ ـ مشارق الأنوار : بإسناده عن محمد بن مسلم قال خرجت مع أبي جعفر عليه‌السلام فإذا نحن بقاع مجدب يتوقد حرا وهناك عصافير فتطايرن حول بغلته فزجرها فقال لا ولا كرامة قال ثم سار إلى مقصده فلما رجعنا من الغد وعدنا إلى القاع فإذا العصافير قد طارت ودارت حول بغلته ورفرفت فسمعته يقول اشربي واروي قال فنظرت وإذا في القاع ضحضاح من الماء فقلت يا سيدي بالأمس منعتها واليوم سقيتها فقال اعلم أن اليوم خالطها القنابر فسقيتها ولو لا القنابر لما سقيتها فقلت يا سيدي وما الفرق بين القنابر والعصافير فقال ويحك أما العصافير فإنهم موالي عمر لأنهم منه وأما القنابر فإنهم من موالينا أهل البيت وإنهم يقولون في صفيرهم بوركتم أهل البيت وبوركت شيعتكم ولعن الله أعداءكم ثم قال عادانا من كل شيء حتى من الطيور الفاختة ومن الأيام الأربعاء (٢).

٧ ـ مجالس الشيخ : عن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان عن أبيه عن محمد بن الحسن عن محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن البرقي عن علي بن محمد القاساني عن أبي أيوب المدني (٣) عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عن جده عليه‌السلام قال : لا تأكلوا القنبرة ولا تسبوها ولا تعطوها الصبيان يلعبون بها فإنها كثيرة التسبيح لله وتسبيحها لعن الله مبغضي آل محمد (٤).

__________________

(١) بصائر الدرجات.

(٢) مشارق الأنوار : ١١٤.

(٣) في المخطوطة وفي الكافي : « المديني » وفي المصدر : المدائنى.

(٤) المجالس والاخبار : ٧١ فيه : سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول : لا تقتلوا القبرة ولا تأكلوا لحمها فانها كثيرة التسبيح وتقول في آخر تسبيحها : لعن ا ه‍.

٣٠٣

٨ ـ وبهذا الإسناد قال كان علي بن الحسين عليه‌السلام يقول ما أزرع الزرع لطلب الفضل فيه وما أزرعه إلا ليتناوله الفقير وذو الحاجة وليتناول منه القنبرة خاصة من الطير (١).

الكافي : عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن علي بن محمد بن سليمان عن أبي أيوب مثل الخبرين (٢).

تبيين يظهر من المجالس أن علي بن محمد بن سليمان هو القاساني وأن سليمان تصحيف شيرة فإن القاساني هو علي بن محمد بن شيرة كما ذكره النجاشي ثم اعلم أنه لا يبعد أن تكون الأخبار الواردة في حب بعض الحيوانات والنباتات والجمادات لهم عليه‌السلام وبغض بعضها لهم وكونها منسوبة إلى أعدائهم محمولة على أنه للأشياء الحسنة ارتباط واقعي منسوب بعضها إلى بعض وللأجناس الخبيثة ربط واقعي لبعضها إلى بعض سواء كانت من الإنسان والحيوانات أو الجمادات (٣) أو الأعمال أو الأفعال أو الأخلاق أو غيرها فالطيور الحسنة مثلا من جهة حسنها الواقعي كأنها تحب المقدسين من البشر لاشتراكها معهم في الحسن وكذا النباتات والجمادات وغيرها والأمور القبيحة والأشياء الخبيثة لها مناسبة بالملعونين من البشر فكأنها تحبهم لمناسبتها لهم وتبغض الأئمة وشيعتهم لمباينتها إياهم والتسليم لها مجملا وتفويض علمها إليهم أحوط وأولى وقد مر بعض القول في مثله.

٩ ـ حياة الحيوان : العصفور بضم العين وحكى ابن رشيق الفتح أيضا والأنثى عصفورة قال حمزة سمي عصفورا لأنه عصى وفر وهو أنواع منها ما يطرب بصوته ومنها ما يعجب بصوته وحسنه والعصفور الصوار هو الذي يجيب إذا دعي وعصفور الجنة هو الخطاف وأما العصفور الدوري فإن في طباعه اختلافا وذلك أن فيه من الطباع ما يشبه طباع السباع وهو أكل اللحم ولا يزق فراخه ومن

__________________

(١) المجالس والاخبار : ٧١.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٢٢٥ فيه : ليناله المعتر.

(٣) في المخطوطة : والحيوانات والجمادات.

٣٠٤

البهائم أنه ليس بذي مخلب ولا منسر ويأكل الحب وإذا سقط على عود قدم أصابعه الثلاث وأخر الدابرة وسائر سباع الطير (١) تقدم إصبعين وتفرج إصبعين ويأكل الحب والبقول ويتميز الذكر منها بلحية سوداء كما مر للرجل والتيس والديك وليس في الأرض طائر ولا سبع ولا بهيمة أحنى من العصفور على ولده ولا أشد له عشقا وذلك مشاهد عند أخذ فراخها ووكره في العمران تحت السقوف خوفا من الجوارح وإذا خلت مدينة من أهلها ذهبت العصافير منها فإذا عادوا إليها عادت العصافير بها والعصفور لا يعرف المشي وإنما يثب وثبا وهو كثير السفاد فربما سفد في الساعة الواحدة مائة مرة ولذلك قصر عمره فإنه لا يعيش في الغالب أكثر من سنة ولفرخه تدرب على الطيران حتى أنه يدعى فيجيب قال الجاحظ بلغني أنه يرجع من فرسخ ومن أنواعه عصفور الشوك ومأواه السباخ وزعم أرسطو أن بينه وبين الحمار عداوة لأن الحمار إذا كان به دبر حكه بالشوك الذي يأوي إليه هذا العصفور فيقتله وربما نهق الحمار فتسقط فراخه أو بيضه من جوف وكره فلذلك هذا العصفور إذا رأى الحمار رفرف فوق رأسه وعلى عينه وآذاه بطيرانه وصياحه ومن أنواعه القبرة وحسون (٢) وهو ذو ألوان بحمرة وصفرة وبياض وسواد وزرقة وخضرة وهو يقبل التعليم فيتعلم أخذ الشيء من يد الإنسان المتباعد ويأتي به إلى مالكه (٣) ومنها البلبل والصعوة والحمرة والعندليب والمكاكي والصافر والتنوط والوضع والبرقش والقبعة.

وروى البيهقي وابن عساكر بسندهما إلى أبي مالك قال : مر سليمان بن داود عليه‌السلام بعصفور يدور حول عصفورة فقال لأصحابه أتدرون ما يقول قالوا وما

__________________

(١) في المصدر : وسائر أنواع الطير.

(٢) حياة الحيوان ٢ : ٨٠.

(٣) حياة الحيوان : ١ : ١٦٩.

٣٠٥

يقول يا نبي الله قال يخطبها إلى نفسه ويقول تزوجيني أسكنك أي قصور دمشق شئت قال سليمان وقصور دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها لكن كل خاطب كذاب.

وروى ابن قانع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة ويقول يا رب عبدك قتلني عبثا ولم يقتلني لمنفعة.

وفي الحلية للحافظ أبي نعيم قال أبو حمزة الثمالي كنت عند علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام إذا عصافير يطرن حوله ويصرخن فقال يا با حمزة هل تدري ما تقول هذه العصافير قلت لا قال إنها تقدس ربها جل وعلا وتسأله قوت يومها.

وقال ابن عباس لما ركب موسى والخضر عليه‌السلام السفينة جاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة ثم نقر في البحر (١) فقال له الخضر ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل (٢) ما نقص هذا العصفور من البحر قال العلماء لفظ النقص ليس هنا على ظاهره وإنما معناه أنما علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله كنسبة ما نقره (٣) هذا العصفور من هذا البحر قلت وهذا على التقريب إلى الأفهام وإلا فنسبة علمهما أقل وأحقر

وقال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عنها قيل يا رسول الله وما حقها قال أن يذبحها فيأكلها وأن لا يقطع رأسها ويرمي (٤) به.

رواه النسائي ولحم العصافير حار يابس أجود من لحم الدجاج وأجودها الشتوية السمان وأكلها يزيد في المني والباه لكنها تضر أصحاب الرطوبات الأصلية ويدفع ضررها دهن اللوز وهي تولد خلطا صفراويا توافق من الإنسان الشيوخ ومن الأمزجة

__________________

(١) في المصدر : فنقر نقرة او نقرتين في البحر.

(٢) في المصدر : الا كنقرة هذا العصفور. وفي الرواية الأخرى : الا مثل ا ه‍.

(٣) في المصدر : ما نقص.

(٤) في المصدر : فيرمى به.

٣٠٦

الباردة ومن الأزمان الشتاء (١).

وروى الحافظ أبو نعيم وصاحب الترغيب والترهيب من حديث مالك بن دينار أن سليمان بن داود عليه‌السلام مر على بلبل فوق شجرة تصفر وتحرك رأسها وتميل ذنبها فقال لأصحابه أتدرون ما يقول قالوا لا قال إنه يقول أكلت نصف تمرة وعلى الدنيا العفا.

وهو الدروس وذهاب الأثر وقيل التراب (٢) وقال الصعوة من صغار العصافير أحمر الرأس (٣) وقال الحمر بضم الحاء المهملة وتشديد الميم والراء المهملة ضرب من الطير كالعصفور.

وروي (٤) عن ابن مسعود قال : كنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل رجل غيضة فأخرج منها بيضة حمرة (٥) فجاءت الحمرة ترفرف على رسول الله (٦) صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه فقال لأصحابه أيكم فجع هذه فقال رجل أنا يا رسول الله أخذت بيضها وفي رواية فريخها (٧) فقال رده رده رحمة لها.

وفي الترمذي وابن ماجه عن عامر الدارمي مثله (٨) وقال العندليب الهزار والجمع العنادل والبلبل يعندل إذا صوت (٩) وقال المكاء (١٠) بالمد والتشديد طائر وجمعه المكاكي والمكاء الصغير وهذا

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٨٠ ـ ٨٢.

(٢) حياة الحيوان ١ : ١١٢.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٤٣.

(٤) في المصدر : روى أبو داود والطيالسى والحاكم وقال : صحيح عن ابن مسعود.

(٥) في المصدر : بيض حمرة.

(٦) في المصدر : ترف على رأس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٧) في المصدر : وفي رواية الحاكم : أخذت فرخها.

(٨) حياة الحيوان ١ : ١٩١ و ١٩٢.

(٩) حياة الحيوان ٢ : ١١٠.

(١٠) في المصدر : بضم الميم.

٣٠٧

الطائر يصفر ويصوت كثيرا (١) وقال القزويني هو من طير البادية يتخذ أفحوصة عجيبا وبينه وبين الحية معاداة فإن الحية تأكل بيضه وفراخه وحدث هشام بن سالم أن حية أكلت بيض مكاء فجعل المكاء يشرشر (٢) على رأسها ويدنو منها حتى إذا فتحت فاها ألقى في فيها حسكة فأخذت بحلق الحية فماتت (٣) وقال الصافر ويقال الصفار (٤) طائر معروف من أنواع العصافير ومن شأنه أنه إذا أقبل الليل يأخذ بغصن شجرة ويضم عليه رجليه وينكس رأسه ثم لا يزال يصيح حتى يطلع الفجر ويظهر النور قال القزويني إنما يصيح خوفا من السماء أن تقع عليه قال غيره الصافر التنوط وإنه إن كان له وكر جعله كالخريطة وإن لم يكن له وكر شرع يتعلق بالأغصان كما ذكرناه (٥) وقال التنوط بضم التاء وكسرها وقد يفتح وفتح النون وضم الواو المشددة وقيل يجوز الفتح أيضا قال الأصمعي إنما سمي بذلك لأنه يدلي خيطا من شجرة يفرخ فيها والواحدة تنوطة ومن شأنه إذا أقبل عليه الليل ينتقل في زوايا بيته ويدور فيها ولا يأخذه قرار إلى الصبح خوفا على نفسه (٦) وقال الوضع بفتح الواو والضاد المعجمة (٧) والعين المهملة الصعوة وقيل هو طائر أصغر من العصفور وفي الحديث أن إسرافيل عليه‌السلام له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب وأن العرش

__________________

(١) في المصدر : قال البغوى : اسم طائر ابيض يكون بالحجاز له صفير.

(٢) أي يرفرف.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٢٣٦.

(٤) في المصدر : الصفارية.

(٥) حياة الحيوان ٢ : ٣٩.

(٦) حياة الحيوان ١ : ١٢٠.

(٧) في المصدر : الوصع بفتح الواو والصاد المهملة.

٣٠٨

على منكب إسرافيل ليتضاءل الأحيان لعظمة الله تعالى حتى يصير مثل الوضع (١) والبرقش بالكسر طائر صغير مثل العصفور ويسميه أهل الحجاز السرسوز (٢) وقال القبعة بضم القاف وتخفيف الباء الموحدة والعين المهملة المفتوحتين طوير أبقع مثل العصفور ويكون عنده حجرة الجرذان فإذا فرغ أو رمى بجحر انقبع فيها قاله ابن السكيت وقوله انقبع فيها أي دخل الجحر فالتجأ فيه (٣).

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٢٨٩ و ٢٩٠ فيه : مثل الوصع.

(٢) هكذا في الكتاب ، والصحيح كما في المصدر : شرشور ، راجع حياة الحيوان ١ : ٨٨.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ١٧١.

٣٠٩

١٢

(باب)

الذباب والبق والبرغوث والزنبور والخنفساء والقملة والقرد والحلم وأشباهها

الآيات البقرة ٢ : « إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها » ٢٦.

الحج : ٢٧ « يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ » ٧٢.

تفسير : « أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما » أي للحق يوضحه به لعباده المؤمنين أي مثل كان ما بعوضة فما فوقها وهو الذباب رد بذلك على من طعن في ضربه الأمثال بالذباب وبالعنكبوت وبمستوقد النار والصيب في كتابه وفي مجمع البيان عن الصادق عليه‌السلام إنما ضرب الله المثل بالبعوضة لأنها على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق الله في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين (١) فأراد الله أن ينبه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعه : « فَاسْتَمِعُوا لَهُ » أي استماع تدبر وتفكر : « إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ » يعني الأصنام : « لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً » أي لا يقدرون على خلقه مع صغره : « وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ » أي ولو تعاونوا على خلقه : « وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ » إلخ أي فكيف يكونون آلهة قادرين على المقدورات كلها.

وروي في الكافي عن الصادق عليه‌السلام قال : كانت قريش تلطخ الأصنام التي كانت حول الكعبة بالمسك والعنبر وكان يغوث قبال الباب ويعوق عن يمين الكعبة ونسر عن يسارها وكانوا إذا دخلوا خروا سجدا ليغوث ولا ينحنون ثم يستديرون

__________________

(١) سيأتي في الحديث : « أنه فضل على الفيل بالجناحين » وفي كلام الدميرى : ان للبعوض مضافا الى أعضاء الفيل رجلين زائدتين وأربعة اجنحة وخرطوم الفيل مصمت وخرطومه مجوف نافذ للجوف.

٣١٠

بحيالهم إلى يعوق ثم يستديرون عن يسارها بحيالهم إلى نسر ثم يلبون فيقولون لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك قال فبعث الله ذبابا أخضر له أربعة أجنحة فلم يبق من ذلك المسك والعنبر شيئا إلا أكله فأنزل الله : « يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ » الآية : « ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ » أي ما عظموه حق تعظيمه أو ما عرفوه حق معرفته حيث أشركوا به وسموا باسمه ما هو أبعد الأشياء عنه مناسبة (١).

١ ـ الكافي : عن محمد بن يحيى عن أحمد عن ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم (٢).

٢ ـ ومنه : عن العدة عن سهل عن البزنطي عن مثنى بن عبد السلام عن زرارة عن أحدهما عليه‌السلام قال : سألته عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا آذياه قال نعم (٣).

٣ ـ التهذيب : بإسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد عن أبي بصير يعني المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الذباب يقع في الدهن والسمن والطعام فقال لا بأس كل (٤).

٤ ـ السرائر : نقلا من كتاب البزنطي عن جميل قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يقتل البقة والبراغيث إذا آذياه قال نعم (٥).

٥ ـ العلل : عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عمن ذكره عن الربيع صاحب المنصور قال : قال المنصور

__________________

(١) رواه الكليني في الكافي في باب النوادر من الحج عن محمد بن يحيى عن بعض أصحابه عن العباس بن عامر عن أحمد بن رزق الغمشانى عن عبد الرحمن بن الاشل بياع الانماط راجع فروع الكافي ٤ : ٥٤٢.

(٢) فروع الكافي ٤ : ٣٦٤ فيه عن بعض أصحابنا عن زرارة.

(٣) فروع الكافي ٤ : ٣٦٤ فيه إذا أراداه.

(٤) تهذيب الأحكام ج ٩ ص ٨٦ ط النجف.

(٥) السرائر : ٤٦٦.

٣١١

يوما لأبي عبد الله عليه‌السلام وقد وقع على المنصور ذباب فذبه عنه (١) ثم وقع عليه فذبه عنه فقال يا أبا عبد الله لأي شيء خلق الله عز وجل الذباب قال ليذل به الجبارين (٢).

٦ ـ ومنه : عن الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن محمد بن أبي الصهبان عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لو لا (٣) ما يقع من الذباب على طعام الناس ما وجد منهم إلا مجذوما (٤).

٧ ـ طب الأئمة : عن سهل بن أحمد عن محمد بن أورمة عن صالح بن محمد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فيه فإن في إحدى جناحيه شفاء وفي الأخرى سما وإنه يغمس جناحه المسموم في الشراب ولا يغمس الذي فيه الشفاء فاغمسوها لئلا يضركم (٥).

وقال عليه‌السلام لو لا الذباب الذي يقع في أطعمة الناس من حيث لا يعلمون لأسرع فيهم الجذام (٦).

٨ ـ وعن محمد بن علي الباقر عليه‌السلام لو لا أن الناس يأكلون الذباب من حيث لا يعلمون لجذموا أو قال لجذم (٧) عامتهم (٨).

٩ ـ التهذيب : بإسناده عن محمد بن أحمد عن محمد بن الحسين عن علي بن النعمان عن هارون بن خارجة عن شعيب عن عيسى بن حسان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كنت

__________________

(١) كرر في المصدر قوله : ثم وقع عليه فذبه عنه.

(٢) علل الشرائع ٢ : ١٨٢.

(٣) من هذا الحديث والأحاديث التي تأتي بعده يستفاد ان في الذباب مادة تضاد الجذام وتدافعه وهذا مما لم يهتد إليه الى الآن العلوم العصرية ، وحقيق ذلك بأن يبحث عنه ويجرب.

(٤) علل الشرائع ٢ : ١٨٢.

(٥) طب الأئمة : ١٠٦.

(٦) طب الأئمة : ١٠٦.

(٧) في المخطوطة ـ : لجذموا عامتهم.

(٨) طب الأئمة : ١٠٦.

٣١٢

عنده إذ أقبلت خنفساء فقال نحها فإنها قشة من قشاش النار (١).

بيان : في القاموس القشة بالكسر دويبة كالخنفساء.

وقال الدميري الخنفساء بفتح الفاء ممدودة والأنثى خنفساة بالهاء (٢) تتولد من عفونة الأرض وبينها وبين العقرب صداقة وهي أنواع منها الجعل وحمار قبان وبنات وردان والحنطب وهو ذكر الخنافس والخنفساء مخصوصة بكسرة الفسو.

وروى ابن عدي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ليدعن الناس فخرهم في الجاهلية أو ليكونن أبغض إلى الله من الخنافس.

وحكى القزويني أن رجلا رأى خنفساء فقال ما يريد (٣) الله من خلق هذه أحسن شكلها (٤) أو طيب ريحها فابتلاه الله بقرحة عجز عنها الأطباء حتى ترك علاجها فسمع يوما صوت طبيب من الطرقيين وهو ينادي في الدرب فقال هاتوه حتى ينظر في أمري فقالوا ما تصنع بطريقي (٥) وقد عجز عنك حذاق الأطباء فقال لا بد لي منه فلما أحضروه ورأى القرحة استدعى بخنفساء فضحك الحاضرون فتذكر العليل القول الذي سبق منه فقال أحضروا له ما طلب فإن الرجل على بصيرة (٦) فأحرقها وذر رمادها على قرحته فبرأ بإذن الله تعالى فقال للحاضرين إن الله تعالى أراد أن يعرفني أن أخس المخلوقات أعز الأدوية (٧).

وقال الذباب معروف واحدته ذبابة وجمعه أذبة وذبان بكسر الذال وتشديد الباء الموحدة وبالنون في آخره قال أفلاطون إن الذباب أحرص الأشياء

__________________

(١) تهذيب الأحكام ج ٩ ص ٨٢.

(٢) زاد في المصدر : دويبة سوداء أصغر من الجعل منتنة الريح.

(٣) في المصدر : ما ذا يريد الله تعالى.

(٤) في المصدر : ألحسن شكلها أو لطيب ريحها.

(٥) في المصدر : بطرفى.

(٦) في المصدر : على بصيرة من أمره فاحضروها له فاحرقها.

(٧) حياة الحيوان ١ : ٢٢٢ و ٢٢٣.

٣١٣

ولم يخلق للذباب أجفان لصغر أحداقها ومن شأن الأجفان أن تصقل مرآة الحدقة من الغبار فجعل الله لها عوض الأجفان يدين تصقل بهما مرآة حدقتها فلذا ترى الذباب يمسح بيديه عينيه وهو أصناف كثيرة متولدة من العفونة قال الجاحظ الذباب عند العرب يقع على الزنابير والبعوض (١) بأنواعه كالبق والبراغيث والقمل والصواب والناموس والفراش والنمل والذباب المعروف عند الإطلاق العرفي وهو أصناف النغر والقمع والخازباز والشعراء وذباب الكلاب وذباب الرياض وذباب الكلاء والذباب الذي يخالط الناس يخلق من السفاد وقد يخلق من الأجسام ويقال إن الباقلاء إذا عتق في موضع استحال كله ذبابا فطار من الكوى التي في ذلك الموضع ولا يبقى فيه غير القشر.

وعن أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : عمر الذباب أربعون ليلة والذباب كله في النار إلا النحل.

قيل كونه في النار ليس بعذاب وإنما هو ليعذب به أهل النار لوقوعه عليهم.

وعن أبي أمامة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر عليه فمن ذلك سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب في يوم الصائف ولو بدوا لكم لرأيتموهم على كل سهل وجبل كل باسط يده فاغر فاه ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين.

والعرب يجعل الذباب والفراش والدبر ونحوه كلها واحدا وجالينوس يقول إنه ألوان فللإبل ذباب وللبقر ذباب وأصله دود صغار تخرج من أبدانهن فتصير ذبابا وزنابير وذباب الناس يتولد من الزبل إذا هاجت (٢) ريح الجنوب ويخلق في تلك الساعة وإذا هبت ريح الشمال خف وتلاشى وهو من ذوات الخراطيم كالبعوض انتهى.

ومن عجيب أمره أنه يلقى رجيعه على الأبيض أسود وعلى الأسود أبيض

__________________

(١) في المصدر : على الزنابير والنحل والبعوض.

(٢) في المصدر : ويكثر الذباب.

٣١٤

ولا يقع على شجرة اليقطين ولذلك أنبتها الله على يونس عليه‌السلام حين خرج من بطن الحوت ولو وقعت عليه ذبابة لآلمته فمنع الله تعالى عنه الذباب فلم يزل كذلك حتى تصلب جسمه ولا يظهر كثيرا إلا في الأماكن العفنة ومبدأ خلقه منها ثم من السفاد وربما بقي الذكر على الأنثى عامة اليوم ومن الحيوان الشمسية (١) لأنه يخفى شتاء ويظهر صيفا.

وروى البخاري وغيره (٢) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء.

وفي رواية النسائي وابن ماجه أن إحدى جناحي الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء.

وقال الخطابي وقد تكلم على هذا الحديث بعض من لا خلاق له وقال كيف يكون هذا وكيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي ذبابة وكيف تعلم ذلك في نفسها حتى تقدم جناح الداء وتؤخر جناح الشفاء وما أداها إلى ذلك قال وهذا سؤال جاهل أو متجاهل فإن الذي يجد نفسه ونفوس عامة الحيوان (٣) قد جمع فيها بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وهي أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت ثم يرى الله (٤) سبحانه قد ألف بينها وقهرها على الاجتماع وجعل منها قوى الحيوان التي منها بقاؤه وصلاحه لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والشفاء في جزءين من حيوان واحد وأن الذي ألهم النحلة أن تتخذ البيت العجيب الصنعة وأن تعسل فيه وألهم الذرة أن تكتسب قوتها وتدخره لأوان حاجتها إليه هو الذي خلق الذبابة وجعل لها الهداية إلى أن تقدم جناحا وتؤخر

__________________

(١) في المصدر : وهو من الحيوانات الشمسية.

(٢) في المصدر : وروى البخارى وأبو داود والنسائى وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان.

(٣) في المصدر : ونفس سائر الحيوانات.

(٤) في المصدر : ثم يرى ان الله.

٣١٥

جناحا (١) لما أراد من الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد والامتحان الذي هو مضمار التكليف وله في كل شيء حكمة وعنوان : « وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ » انتهى.

وقد تأملت الذباب فوجدته يتقي بجناحه الأيسر وهو مناسب للداء كما أن الأيمن مناسب للشفاء وقد استفيد من الحديث أنه إذا وقع في المائع لا ينجسه لأنه ليست له نفس سائلة.

ولو وقع الزنبور أو الفراش أو النحل أو أشباه ذلك في الطعام فهل يؤمر بغمسه لعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وقع الذباب في إناء أحدكم الحديث وهذه الأنواع كلها يقع عليها اسم الذباب في اللغة كما تقدم وقد قال علي عليه‌السلام في العسل إنه مذقة ذبابة وقد مر أن الذباب كله في النار إلا النحل فسمي الكل ذبابا فإذا كان كذلك فالظاهر وجوب حمل الأمر بالغمس على الجميع إلا النحل فإن الغمس قد يؤدي إلى قتله.

وفي شفاء الصدور وتاريخ ابن النجار مسندا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يقع على جسده ولا على ثيابه ذباب أصلا.

والذباب أجهل الخلق لأنه يلقي نفسه في الهلكة (٢).

وقال البق المعروف هو الفسافس يقال إنه يتولد من النفس الحار و

__________________

(١) اعلم انه قد أورد حديث الذباب كل من الخاصة والعامة في كتبهم المعتبرة وتكلم عليه كثير ممن شأنهم الاعتراض بكل ما لم يوافق نظره ، واعترض على سابقا بعض الاطباء أيضا فاجبته بانك ما جربت هذا حتى يمكنك نفيه ، واستنكارك ليس إلا صرف الاستبعاد والعلم لم يكشف عن ذلك قناعه فاى مانع في ان الله جعل فيه مادة مضرة يقال لها : ميكروب ، وجعل فيه ضده ودافعه ، ولعل تقديمه الجناح الذي فيه الداء لازالته عن نفسه. وظفرت بعد هذه المحاورة بكتاب كل ما في صحيح البخاري صحيح ورأيت انه تكلم على هذا الحديث وما اعترض عليه ، واجاب بأن بعض الاطباء العصرى استكشف أن في الذباب مادة يوجب الداء وفيه ما يدفعه أقول : ولعله يستفاد من تقديم الجناح الذي فيه الداء أن الماء يدفع ذلك الداء وهو ضده ورافعه.

(٢) حياة الحيوان ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٩.

٣١٦

لشدة رغبته في الإنسان إذا شم رائحته رمى بنفسه عليه (١).

وفي حديث الطبراني بإسناد جيد عن أبي هريرة قال : سمعت أذناي هاتان وأبصرت عيناي هاتان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو آخذ بكفيه جميعا حسنا أو حسينا وقدماه على قدمي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول حزقة حزقة ترق عين بقة فيرقى الغلام فيضع قدميه على صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال افتح فاك ثم قبله ثم قال من أحبه فإني أحبه.

رواه البزار ببعض هذا اللفظ والحزقة الضعيف المتقارب الخطو ذكر له ذلك على سبيل المداعبة والتأنيس وترق معناه اصعد وعين بقة كناية عن ضعف العين (٢) مرفوع خبر مبتدإ محذوف.

وفي تاريخ ابن النجار عن ابن نباتة قال سمعت علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول في خطبته ابن آدم تؤلمه بقة وتنتنه عرقة (٣) وتقتله شرقة (٤).

وقال الزنبور الدبر وهي تؤنث والزنابير لغة فيها وربما سميت النحلة زنبورا والجمع الزنابير وهو صنفان جبلي وسهلي فالجبلي يأوي الجبال ويعيش في الشجر (٥) ولونه إلى السواد وبداءة خلقه دود حتى يصير كذلك ويتخذ بيوتا من تراب كبيوت النحل ويجعل لبيوته أربعة أبواب لمهاب الرياح الأربع وله حمة يلسع بها وغذاؤه من الثمار والأزهار ويتميز ذكورها من إناثها بكبر الجثة والسهلي لونه أحمر ويتخذ عشه تحت الأرض ويخرج التراب منه كما يفعل النمل ويختفي في الشتاء لأنه متى ظهر فيه هلك فهو ينام طول الشتاء كالميتة ولا يجمع القوت للشتاء بخلاف النمل فإذا جاء الربيع وقد صار من البرد وعدم

__________________

(١) في المصدر : فى الإنسان لا يتمالك إذا شم رائحته الا رمى نفسه عليه.

(٢) في المصدر : عن صغر العين ، مرفوع على أنه خبر.

(٣) في المصدر : وتتبعه حرقة.

(٤) حياة الحيوان ١ : ١١٠ و ١١١.

(٥) في المصدر : ويعشش في الشجر.

٣١٧

القوت كالخشب اليابس نفخ الله في تلك الجثة الحياة فعاشت مثل العام الأول وذلك دأبها وفي هذا النوع صنف مختلف اللون مستطيل الجسد في طبعه الحرص والشره يطلب المطابخ ويأكل ما فيها من اللحوم ويطير مفردا (١) ويسكن بطن الأرض والجدران وهذا الحيوان بأسره مقسوم في وسطه ولذلك لا يتنفس من جوفه البتة ومتى غمس في الدهن سكنت حركته وإنما ذلك لضيق منافذه فإن طرح في الخل عاش (٢) ويحرم أكله ويستحب قتله.

لما روي عن أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من قتل زنبورا اكتسب ثلاث حسنات.

لكن يكره إحراق بيوتها بالنار وسئل أحمد عن تدخين بيوت الزنابير فقال إذا يخشى أذاها فلا بأس وهو أحب إلي من تحريقه (٣).

وقال الدبر بفتح الدال جماعة النحل قال السهيلي الدبر الزنابير وقال الأصمعي لا واحد له من لفظه ويقال إن واحده خشرمة.

وفي الفائق أن سكينة بنت الحسين عليه‌السلام جاءت إلى أمها الرباب وهي صغيرة تبكي فقالت ما بك قالت مرت بي دبيرة فلسعتني بأبيرة.

أرادت تصغير دبرة وهي النحلة سميت بذلك لتدبيرها في عمل العسل (٤).

وقال البرغوث واحد البراغيث وضم بائه أكثر من كسرها وحكى الجاحظ أن البرغوث من الحيوان الذي يعرض له الطيران كما يعرض للنحل وهو يطيل السفاد ويبيض فيفرخ بعد أن يتولد وهو ينشأ أولا من التراب لا سيما في الأماكن المظلمة وسلطانه في أواخر فصل الشتاء وأول فصل الربيع ويقال إنه على صورة الفيل وله أنياب يعض بها وخرطوم يمص به ولا يسب لما روي عن أنس أن النبي

__________________

(١) في المصدر : ويطير منفردا.

(٢) في المصدر : فاذا طرح في الخل عاش وطار ويحرم اكله لاستخباثه.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٦ و ٧ فيه : من تحريقها ولا يصح بيعها لأنها من الحشرات.

(٤) حياة الحيوان ١ : ٢٣٧ و ٢٣٨.

٣١٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله سمع رجلا يسب برغوثا فقال لا تسبه فإنه أيقظ نبيا لصلاة الفجر.

ومن معجم الطبراني عن علي عليه‌السلام قال : نزلنا منزلا فآذتنا البراغيث فسببناها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تسبوها فنعمت الدابة فإنها أيقظتكم لذكر الله.

وفي دعوات المستغفري عن أبي ذر (١) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا آذاك البرغوث فخذ قدحا من ماء واقرأ عليه سبع مرات : « وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا » الآية ثم يقول إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عنا ثم ترشه حول فراشك فإنك تبيت آمنا من شرها ويستحب قتله للمحل والمحرم (٢).

١٠ ـ الكافي : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن سعيد بن جناح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما خلق الله عز وجل خلقا أصغر من البعوض والجرجس أصغر من البعوض والذي نسميه نحن الولع أصغر من الجرجس وما في الفيل شيء إلا وفيه مثله وفضل على الفيل بالجناحين (٣).

بيان : قال الجوهري الجرجس لغة في القرقس وهو البعوض الصغار.

وأقول لعل قوله عليه‌السلام أصغر من البعوض يعني به أصغر من سائر أنواعه ليستقيم قوله عليه‌السلام ما خلق الله خلقا أصغر من البعوض ويوافق كلام أهل اللغة على أنه يحتمل أن يكون الحصر في الأول إضافيا كما أن الظاهر أنه لا بد من تخصيصه بالطيور إذ قد يحس من الحيوانات ما هو أصغر من البعوض (٤) إلا أن يقال

__________________

(١) في المصدر : وفي كتاب الدعوات للمستغفرى عن ابى الدرداء وفي شرح المقامات للمسعودي عن أبي ذر رضي الله عنه.

(٢) حياة الحيوان ١ : ٨٧ و ٨٨.

(٣) روضة الكافي : ٢٤٨.

(٤) قد ورد في الحديث في وجه تسمية الله باللطيف : لانه خلق ما لا يعرف ذكره من انثاه وما لا يكاد يستبينه العيون لصغره ، وفي الصحيفة السجادية : وامزج مياههم بالوباء ، وهما يدلان على وجود حيوانات ذرية.

٣١٩

يمكن أن يكون للبعوض أنواع صغار لا يكون شيء من الحيوانات أصغر منها والوالع غير مذكور في كتب اللغة والظاهر أنه أيضا صنف من البعوض وقال الدميري البعوض دويبة وقال الجوهري إنه البق الواحدة بعوضة وهو وهم والحق أنهما صنفان صنف كالقراد لكن له أرجل خفية (١) ورطوبة ظاهرة يسمى بالعراق والشام الجرجس قال الجوهري وهو لغة في القرقس وهو البعوض الصغار والبعوض على خلقة الفيل إلا أنه أكثر أعضاء منه فإن للفيل أربعة أرجل وخرطوما وذنبا وللبعوض مع هذه الأعضاء رجلان زائدتان وأربعة أجنحة وخرطوم الفيل مصمت وخرطومه مجوف نافذ للجوف فإذا طعن به جسد الإنسان استقى الدم وقذف به إلى جوفه فهو له كالبلعوم والحلقوم فلذلك اشتد عضها وقويت على خرق الجلود الغلاظ ومما ألهمه الله تعالى أنه إذا جلس على عضو من أعضاء الإنسان لا يزال يتوخى بخرطومه المسام التي يخرج منها العرق لأنها أرق بشرة من جلد الإنسان فإذا وجدها وضع خرطومه فيها وفيه من الشره أن يمص الدم إلى أن ينشق ويموت أو إلى أن يعجز عن الطيران فيكون ذلك سبب هلاكه ومن ظريف (٢) أمره أنه ربما قتل البعير وغيره من ذوات الأربع فيبقى طريحا في الصحراء فيجتمع حوله السباع والطير مما يأكل الجيف (٣) فمتى أكل منها شيئا مات لوقته وكان بعض جبابرة الملوك بالعراق يعذب بالبعوض فيأخذ من يريد قتله فيخرجه مجردا إلى بعض الآجام التي بالبطائح ويتركه فيها مكتوفا فيقتل في أسرع وقت.

وروى الترمذي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء.

وروى وهب بن منبه أرسل الله (٤) البعوض على نمرود واجتمع منه في عسكره

__________________

(١) في المصدر : خفيفة.

(٢) في المصدر : ومن عجيب امره.

(٣) في المصدر : والطير التي تأكل الجيف.

(٤) في المصدر : « لما ارسل الله البعوض على النمرود اجتمع ».

٣٢٠