الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٧
أبيك ، قال : وكان بأبي علة ولم أكتب فيها فدعاله ابتداء (١) وعن داود الضرير قال : أردت الخروج إلى مكة ، فودعت أبا الحسن بالعشي وخرجت فامتنع الجمال تلك الليلة ، وأصبحت فجئت اودع القبر فاذا رسوله يدعوني فأتيته واستحييت وقلت : جعلت فداك إن الجمال تخلف أمس فضحك وأمرني بأشياء وحوائج كثيرة ، فقال : كيف تقول؟ فلم أحفظ مثلها قال لي (٢) فمد الدواة وكتب بسم الله الرحمن الرحيم أذكر إن شاء الله والامر بيدك كله فتبسمت ، فقال لي : مالك؟ فقلت له : خير ، فقال : أخبرني فقلت له : ذكرت حديثا حدثني رجل من أصحابنا أن جدك الرضا عليهالسلام كان إذا أمر بحاجته كتب بسم الله الرحمن الرحيم اذكر إن شاء الله ، فتبسم فقال : يا داود لو قلت لك إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا (٣).
بيان : قوله عليهالسلام « كيف تقول » أي سأله عليهالسلام عما أوصى إليه هل حفظه؟ ولعله كان « ولم أحفظ مثل ما قال لي » فصحف فكتب عليهالسلام ذلك ليقرأه لئلا ينسى أو كتب ليحفظ بمحض تلك الكتابة باعجازه عليهالسلام وعلى ما في الكتاب يحتمل أن يكون المعنى أنه لم يكن قال لي سابقا شيئا أقوله في مثل هذا المقام ، ويحتمل أن يكون كيف تتولى كما كان المأخوذ منه يحتمل ذلك ، أي كيف تتولى تلك الاعمال وكيف تحفظها؟
وأما التعرض لذكر التقية فهو إما لكون عدم كتابة الحوائج والتعويل على حفظ داود للتقية ، أو لامر آخر لم يذكر في الخبر.
٥٧ ـ عم : في كتاب الواحدة ، عن الحسن بن جمهور العمي (٤) قال : حدثني
____________________
(١) المصدرنفسه ص ٢٥١.
(٢) في المصدر : « مثلما قال لى »
(٣) كشف الغمة ج ٣ ص ٢٥٢.
(٤) قال في معجم
قبائل العرب : العم : بطن اختلف في نسبهم ، فقيل : انهم نزلوا
بنى تميم بالبصرة في أيام عمر بن الخطاب ، فأسلموا ، وغزوا مع المسلمين ، وحسن
أبوالحسين سعيد بن سهل البصري وكان يلقب بالملاح قال : وكان يقول بالوقف جعفر بن القاسم الهاشمي البصري وكنت معه بسرمن رأى إذ رآه أبوالحسن عليهالسلام في بعض الطرق ، فقال له : إلى كم هذه النومة؟ أما آن لك أن تنتبه منها؟ فقال لي جعفر : سمعت ما قال لي علي بن محمد؟ قد والله قدح في قلبي شيئا.
فلما كان بعد أيام حدث لبعض أولاد الخليفة وليمة فدعانا فيها ، ودعا أبا الحسن معنا ، فدخلنا فلما رأوه أنصتوا إجلالا له ، وجعل شاب في المجلس لايوقره ، وجعل يلغط (١) ويضحك ، فأقبل عليه وقال له : يا هذا تضحك ملء فيك وتذهل عن ذكرالله وأنت بعد ثلاثة من أهل القبور؟ قال : فقلنا هذا دليل حتى ننظر مايكون (٢).
قال : فأمسك الفتى وكف عما هو عليه ، وطعمنا وخرجنا ، فلما كان بعد يوم اعتل الفتى ومات في اليوم الثالث من أول النهار ، ودفن في آخره.
وحدثني سعيد أيضا قال : اجتمعنا أيضا في وليمة لبعض أهل سرمن رأى و أبوالحسن عليهالسلام معنا ، فجعل رجل يعبث ويمزح ، ولايرى له جلالة فأقبل على جعفر فقال : أما إنه لا يأكل من هذا الطعام ، وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغص عليه
____________________
بلاؤهم ، فقال الناس : أنتم ، وان لم تكونوا من العرب واخواننا وأهلنا ، أنتم الانصار والاخوان وبنو العم. فلقبوا بذلك ، وصاروا في جملة العرب.
وقالوا : العم لقب مالك بن حنظلة ، وقالوا : لقب مرة بن مالك ، وهم العميون في تميم ، وقال أبوعبيدة : مرة بن وائل بن عمرو بن مالك بن حنظلة بن فهم ، من الازد وهم : بنوالعم في تميم ، ثم قالوا : مرة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.
(١) في بعض النسخ « يلفظ » وهو تصحيف ، واللغط : الصوت والجلبة ، أوهو اصوات مبهمة لاتفهم ، والكلام الذى لا يبين.
(٢) اعلام الورى ص ٣٤٦.
عيشه ، قال : فقدمت المائدة قال جعفر : ليس بعد هذا خبر ، قد بطل قوله ، فوالله لقد غسل الرجل يده وأهوى إلى الطعام فاذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي وقال له : الحق امك فقد وقعت من فوق البيت ، وهي بالموت ، قال جعفر : فقلت والله لا وقفت بعد هذا وقطعت عليه (١)
قب : عن سعيد بن سهل مثل الخبرين (٢).
٥٨ ـ كش : محمد بن مسعود قال : قال يوسف بن السخت كان علي بن جعفر وكيلا لابي الحسن صلوات الله عليهما وكان رجلا من أهل همينيا (٣) قرية من قرى سواد بغداد فسعي به إلى المتوكل فحبسه فطال حبسه واحتال (٤) من قبل عبدالرحمن بن خاقان بمال ضمنه عنه ثلاثة ألف دينار ، وكلمه عبيدالله (٥) فعرض حاله على المتوكل فقال : يا عبيدالله لو شككت فيك لقلت إنك رافضي هذا وكيل فلان وأنا على قتله.
قال : فتأدى الخبر إلى علي بن جعفر فكتب إلى أبي الحسن عليهالسلام يا سيدي الله الله في ، فقد والله خفت أن أرتاب ، فوقع في رقعته أما إذا بلغ بك الامر ما أرى فسأقصد الله فيك ، وكان هذا في ليلة الجمعة.
فأصبح المتوكل محموما فازدادت عليه حتى صرخ عليه يوم الاثنين فأمر بتخلية كل محبوس عرض عليه اسمه حتى ذكر هو علي بن جعفر وقال لعبيد الله لم لم تعرض علي أمره؟ فقال : لا أعود إلى ذكره أبدا قال : خل سبيله الساعة وسله أن يجعلني في حل فخلي سبيله ، وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن عليهالسلام مجاورا
____________________
(١) المصدرنفسه ص ٣٤٧.
(٢) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٤١٤ و ٤١٥.
(٣) همينيا ـ بضم الهاء وفتح الميم وسكون الياء ـ قرية كبيرة في ضفة دجلة فوق النعمانية.
(٤) اى قبل الحوالة.
(٥) يعنى عبيدالله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل.
بها وبرأ المتوكل من علته (١).
٥٩ ـ كش : محمد بن مسعود ، عن علي بن محمد القمي ، عن محمد بن أحمد ، عن أبي يعقوب يوسف بن السخت ، عن العباس ، عن علي بن جعفرقال : عرضت أمري على المتوكل فأقبل على عبيدالله بن يحيى بن خاقان فقال : لاتتعبن نفسك بعرض قصة هذا وأشباهه ، فان عمك أخبرني أنه رافضي وأنه وكيل علي بن محمد وحلف أن لايخرج من الحبس إلا بعد موته.
فكتبت إلى مولانا أن نفسي قد ضاقت ، وأني أخاف الزيغ فكتب إلى : أما إذا بلغ الامرمنك ما أرى فسأقصد الله فيك ، فما عادت الجمعة حتى اخرجت من السجن (٢)
٦٠ ـ كا : محمد بن يحيى عن محمدبن أحمد ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي علي بن راشد ، عن صاحب العسكر قال : قلت له : جعلت فداك نؤتى بالشئ فيقال هذاكان لابي جعفر عندنا فكيف نصنع؟ فقال : ماكان لابي جعفر عليهالسلام بسبب الامامة فهو لي ، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنة نبيه (٣)
٦١ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله قال : كان عبدالله بن هليل (٤) يقول بعبدالله (٥) فصار إلى العسكر ، فرجع عن ذلك ، فسألته عن سبب رجوعه ، فقال : إني عرضت لابي الحسن عليهالسلام أن أسأله عن ذلك فوافقني في طريق ضيق ، فمال نحوى حتى إذا حاذاني أقبل نحوي بشئ من فيه فوقع على صدري فأخذته فاذا هو رق فيه مكتوب : « ما كان هنالك
____________________
(١) رجال الكشى ص ٥٠٥.
(٢) رجال الكشى ص ٥٠٦.
(٣) الكافى ج ٧ ص ٥٩.
(٤) ضبطه بعضهم بضم الهاء وشد اللام ، ولعله على وزن التصغير.
(٥) يعنى بامامة عبدالله الا فطح.
ولاكذلك » (١)
٦٢ ـ مشارق الانوار : عن محمد بن داود القمي ومحمد الطلحي قالا : حملنا مالا من خمس ونذر وهدايا وجواهر اجتمعت في قم وبلادها ، وخرجنا نريد بها سيدنا أبا الحسن الهادي عليهالسلام فجاءنا رسوله في الطريق أن ارجعوا فليس هذاوقت الوصول فرجعنا إلى قم وأحرزنا ما كان عندنا ، فجاءنا أمره بعد أيام ان قد أنفذنا إليكم إبلا عيرا فاحملوا عليها ماعندكم ، وخلوا سبيلها.
قال : فحملناها وأودعناها الله فلما كان من قابل ، قدمنا عليه فقال : انظروا إلى ماحملتم إلينا فنظرنا فاذا المنايح (٢) كماهي.
٦٣ ـ عيوم المعجزات ، عن أبي جعفر بن حرير الطبري ، عن عبدالله بن محمد البلوي ، عن هاشم بن زيد قال : رأيت علي بن محمد صاحب العسكر وقد اتي بأكمه فأبرأه ، ورأيته تهيئ من الطين كهيئة الطير وينفخ فيه فيطير فقلت له : لا فرق بينك وبين عيسى عليهالسلام فقال : أنا منه وهو مني.
حدثني أبوالتحف المصري يرفع الحديث برجاله إلى محمد بن سنان الرامزي رفع الله درجته قال : كان أبوالحسن علي بن محمد عليهماالسلام حاجاولما كان في انصرافه إلى المدينة ، وجد رجلا خراسانيا واقفا على حمارله ميت يبكي ويقول : على ماذا أحمل رحلي ، فاجتاز عليهالسلام به فقيل له : هذا الرجل الخراساني ممن يتولاكم أهل البيت فدنا من الحمار الميت فقال : لم تكن بقرة بني إسرائيل بأكرم على الله تعالى مني وقد ضرب ببعضها الميت فعاش ثم وكزه برجله اليمنى وقال : قم باذن الله فتحرك الحمار ثم قام ووضع الخراساني رحله عليه ، وأتى به المدينة ، وكلما مر عليهالسلام أشاروا عليه بأصبعهم ، وقالوا : هذا الذي أحيى حمار الخراساني.
عن الحسن بن إسماعيل شيخ من أهل النهرين قال : خرجت أنا ورجل من
____________________
(١) الكافى ج ١ ص ٣٥٥
(٢) المنابح : جمع المنيحة ، الهدايا والمطايا.
أهل قريتي إلى أبي الحسن بشئ كان معنا وكان بعض أهل القرية قد حملنا رسالة ودفع إلينا ما أوصلناه ، وقال : تقرؤنه مني السلام وتسألونه عن بيض الطائر الفلاني من طيور الاجام ، هل يجوز أكلها أم لا؟ فسلمنا ماكان معنا إلى جارية ، وأتاه رسول السلطان فنهض ليركب وخرجنا من عنده ولم نسأله عن شئ فلما صرنا في الشارع لحقنا عليهالسلام وقال لرفيقي بالنبطية أقرئه مني السلام وقل له : بيض الطائر الفلاني لاتأكله فانه من المسوخ.
وروي أن رجلا من أهل المداين كتب إليه يسأله عما بقي من ملك المتوكل فكتب عليهالسلام : بسم الله الرحمن الرحيم قال : « تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن من قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون » فقتل في أول الخامس عشر.
٦٤ ـ جش : جعفر بن محمد المؤدب ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن يحيى الاودي قال : دخلت مسجد الجامع لا صلي الظهر.
فلما صليته رأيت حرب بن الحسن الطحان ، وجماعة من أصحابنا جلوسا فملت إليهم فسلمت عليهم وجلست ، وكان فيهم الحسن بن سماعة (١) فذكروا أمر الحسن بن علي عليهماالسلام وما جرى عليه ثم من بعد زيد بن علي وماجرى عليه ومعنا رجل غريب لانعرفه فقال : ياقوم عندنا رجل علوي بسر من رأى من أهل المدينة ما هو إلا ساحر أو كاهن فقال له ابن سماعة : بمن يعرف؟ قال علي بن محمد بن الرضا.
فقال له الجماعة : فكيف تبينت ذلك منه؟ قال : كنا جلوسا معه على باب داره وهو جارنا بسر من رأى نجلس إليه في كل عشية نتحدث معه ، إذ
____________________
(١) هوأبومحمد الحسن بن محمد بن سماعة الكندى الصير في من شيوخ الواقفة كثير الحديث فقيه ثقة ، كان يعاند في الوقف ويتعصب قال النجاشى بعد ذكر الحديث فأنكر الحسن بن سماعة ذلك لعناده.
مربنا قائد من دار السلطان ، ومعه خلع ومعه جمع كثير من القواد والرجالة والشاكرية (١) وغيرهم.
فلما رآه علي بن محمد وثب إليه وسلم عليه وأكرمه فلما أن مضى قال لنا : هو فرح بما هو فيه وغدا يدفن قبل الصلاة.
فعجبنامن ذلك فقمنا من عنده فقلنا هذا علم الغيب فتعاهدنا ثلاثة إن لم يكن ما قال أن نقتله ونستريح منه ، فاني في منزلي وقد صليت الفجرإذ سمعت غلبة فقمت إلى الباب فاذا خلق كثير من الجند وغيرهم ، وهم يقولون مات فلان القائد البارحة سكر وعبر من موضع إلى موضع فوقع واندقت عنقه فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وخرجت أحضره وإذا الرجل كان كما قال أبوالحسن ميت فما برحت حتى دفنته ورجعت ، فتعجبنا جميعا من هذه الحال وذكر الحديث بطوله (٢).
٦٥ ـ ق : أبوالفتح غازي بن محمد الطرائفي ، عن علي بن عبدالله الميموني عن محمد بن علي بن معمر ، عن علي بن يقطين بن موسى الاهوازي قال : كنت رجلا أذهب مذاهب المعتزلة ، وكان يبلغني من أمر أبي الحسن علي بن محمد ما أستهزئ به ولا أقبله ، فدعتني الحال إلى دخولي بسر من رأى للقاء السلطان فدخلتها ، فلما كان يوم وعد السلطان الناس أن يركبوا إلى الميدان.
فلما كان من غد ركب الناس في غلائل القصب ، بأيديهم المراوح (٣) وركب أبوالحسن عليهالسلام في زي الشتاء وعليه لباد وبرنس ، وعلى سرجه تجفاف طويل وقد عقد ذنب دابته ، والناس يهزؤن به وهو يقول : « ألا إن موعدهم الصبح أليس
____________________
(١) الشاكرى ـ بفتح الكاف ـ معرب جاكر بالفارسية ومعناه الاجير والمستخدم والجمع شاكرية.
(٢) رجال النجاشى ص ٣٢ ـ الطبعة الحروفية بالمطبعة المصطفوية.
(٣) المراوح جمع مروح : آلة يحرك بها المريح ليتبرد به عند اشتداد الحر.
الصبح بقريب » (١)
فلما توسطوا الصحراء وجازوا بين الحائطين ، ارتفعت سحابة وأرخت السماء عزاليها ، وخاضت الدواب إلى ركبها في الطين ، ولو ثتهم أذنا بها ، فرجعوا في أقبح زي ، ورجع أبوالحسن عليهالسلام في أحسن زي ، ولم يصبه شئ مما أصابهم فقلت : إن كان الله عزوجل اطلعه على هذا السر فهو حجة.
ثم إنه لجأ إلى بعض السقايف ، فلما قرب نحى البرنس ، وجعله على قربوس سرجه ثلاث مرات (٢)
ثم التفت إلي وقال : إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال ، وإن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام ، فصد قته وقلت بفضله ولزمته.
بيان : « الغلالة » بالكسر شعار تحت الثوب « والقصب » محركة ثياب ناعمة من كتان و « التجفاف » بالكسر آلة للحرب يلبسه الفرس والانسان ليقيه في الحرب والمراد هناما يلقى على السرج وقاية من المطر ، والظاهر أن المراد بالسر ما أضمر من حكم عرق الجنب كمامر في الاخبار السابقة ، ويحتمل أن يكون المراد به نزول المطر وسيأتي الخبر بتمامه في كتاب الدعاء إن شاء الله.
____________________
(١) هود : ٨١.
(٢) كانه يريد بالبرنس قلنسوته فقط ، وكان قدنوى في ضميره أنه عليهالسلام ان أخذ قلنسوة برنسه من رأسه ، وجعله على قربوس سرجه ثلاث مرات! فهو الحجة ، ثم انه يسأله عن عرق الجنب أيصلى فيه أم لا؟ وقد مر نظير ذلك فيما مضى ص ١٧٤.
٤
* ( باب ) *
* ( ما جرى بينه وبين خلفاء زمانه وبعض احوالهم ) *
* ( وتاريخ وفاته صلوات الله عليه ) *
١ ـ عم : ذكر الحسن بن محمد جمهور العمي (١) في كتاب الواحدة قال : حدثني أخي الحسين بن محمد قال : كان لي صديق مؤدب لولد بغا أو وصيف الشك مني فقال لي : قال لي الامير منصرفه من دار الخليفة : حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون ابن الرضا اليوم ، ودفعه إلى علي بن كركر ، فسمعته يقول : أنا أكرم على الله من ناقة صالح « تمتعوا في دار كم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب » (٢) وليس يفصح بالاية ولا بالكلام ، أي شئ هذا؟ قال : قلت أعزك الله توعد انظر ما يكون بعد ثلاثة أيام.
فلما كان من الغد أطلقه واعتذر إليه فلما كان في اليوم الثالث وثب عليه ياغز ، ويغلون ، وتامش ، وجماعة معهم فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خليفة (٣)
____________________
(١) هو أبومحمد الحسن بن محمد بن جمهور العمى بصرى ثقة في نفسه ، ينسب إلى بنى العم من تميم ، روى عن الضعفاء ، ويعتمد على المراسيل ، ذكره أصحابنا بذلك وقالوا : كان أوثق من أبيه وأصلح
قال النجاشى : له كتاب الواحدة أخبرنا أحمد بن عبدالواحد وغيره عن أبى طالب الانبارى عن الحسن بالواحدة.
(٢) هود : ٦٥.
(٣) اعلام الورى ص ٣٤٦.
قال : وحدثني سعيد بن سهل قال : رفع زيد بن موسى إلى عمر بن الفرج مرارا يسأله أن يقدمه على ابن أخيه ويقول : إنه حدث ، وأنا عم أبيه فقال عمر ذلك لابي الحسن عليهالسلام فقال : افعل واحدة أقعدني غدا قبله ، ثم انظر فلما كان من غد أحضر عمر أبا الحسن عليهالسلام فجلس في صدر المجلس ثم أذن لزيد بن موسى فدخل فجلس بين يدي أبي الحسن عليهالسلام.
فلما كان يوم الخميس أذن لزيد بن موسى قبله فجلس في صدر المجلس ثم أذن لابي الحسن عليهالسلام فدخل ، فلما رآه زيد قام من مجلسه وأقعده في مجلسه وجلس بين يديه (١)
٢ ـ قب : أبومحمد الفحام قال : سأل المتوكل ابن الجهم : من أشعر الناس؟ فذكر شعراء الجاهلية والاسلام ثم إنه سأل أبا الحسن عليهالسلام فقال : الحماني (٢) حيث يقول :
لقد فاخرتنا من قريش عصابة |
|
بمط خدود وامتداد أصابع |
فلما تنازعنا المقال قضى لنا |
|
عليهم بما يهوي نداء الصوامع |
ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا |
|
عليهم جهير الصوت في كل جامع |
____________________
(١) اعلام الورى ص ٣٤٧.
(٢) الحمانى ـ بكسر الحاء وشد الميم نسبة إلى حمان بن عبدالعزى بطن من تميم من العد نانية ـ أبوزكريا يحيى بن عبدالحميد بن عبدالرحمان بن ميمون الكوفى قدم بغداد وحدت بها عن جماعة كثيرة منهم سفيان بن عيينة وأبوبكر بن عياش ووكيع ذكره الخطيب في تاريخ بغداد ، وأورد روايات عن يحيى بن معين أنه قال يحيى بن عبدالحميد الحمانى صدوق ثقة.
مات سنة ٢٨٨ بسرمن رأى في شهر رمضان وكان أول من مات بسامراء من المحدثين الذين اقدموا ، له كتاب في المناقب يروى عنه أحمد بن ميثم ، وقال النجاشى : له كتاب أخبرناه جماعة عن محمد بن على بن الحسين ، عن محمد بن موسى المتوكل ، عن موسى ابن أبى موسى الكوفى ، عن محمد بن أيوب عنه به.
فان رسول الله أحمد جدنا |
|
ونحن بنوه كالنجوم الطوالع (١) |
قال : وما نداء الصوامع؟ يا أبا الحسن! قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوآله جدي أم جدك؟ فضحك المتوكل ، ثم قال : هوجدك ، لا ندفعك عنه (٢)
٣ ـ كش : أحمد بن علي بن كلثوم ، عن إسحاق بن محمد ، عن محمد بن الحسن بن شمون وغيره قال : خرج أبومحمد عليهالسلام في جنازة أبي الحسن عليهالسلام وقميصه مشقوق فكتب إليه أبوعون الابرش قرابة نجاح بن سلمة من رأيت أو بلغك من الائمة شق ثوبه في مثل هذا؟ فكتب إليه أبومحمد عليهالسلام : يا أحمق وما يدريك ما هذا قد شق موسى على هارون (٣).
٣ ـ كش : أحمد بن علي ، عن إسحاق ، عن ابراهيم بن الخضيب الانباري قال : كتب أبوعون الابرش قرابة نجاح بن سلمة إلى أبي محمد عليهالسلام أن الناس قد استوهنوا (٤) من شقك على أبي الحسن عليهالسلام فقال : يا أحمق ما أنت وذاك؟ قد شق موسى على هارون عليهالسلام إن من الناس من يولد مؤمنا ، ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا ، ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ، ويموت كافرا ، ومنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ، ويموت كافرا ، وإنك لاتموت حتى تكفر ، ويتغير عقلك.
فما مات حتى حجبه ولده عن الناس ، وحبسوه في منزله في ذهاب العقل والوسوسة ، والكثرة التخليط ، ويرد على أهل الامامة وانكشف عما كان عليه (٥).
____________________
(١) ظاهر الاشعار أن قائلها رجل من العلويين ، والحمانى ليس بعلوى فانه من تميم كماعرفت ، فالصحيح مامر في نسخة أمالى الشيخ الطوسى ـ قدسسره ـ ص ١٢٩ من هذا لمجلد ، وفيه : « فلما سأل الامام عليهالسلام ، قال : فلان بن فلان العلوى ـ قال : ابن الفحام ـ وأخوه الحمانى ، حيث يقول » الخ.
(٢) مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٤٠٦.
(٣) رجال الكشى ص ٤٧٩.
(٤) في المصدرالمطبوع : قد استوحشوا.
(٥) رجال الكشى ص ٤٨٠.
٤ ـ مصبا : روى إبراهيم بن هاشم القمي قال : توفي أبوالحسن علي بن محمد صاحب العسكر عليهالسلام يوم الاثنين لثلاث خلون من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين وقال ابن عياش : في اليوم الثالث من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين كانت وفات سيدنا أبي الحسن علي بن محمد صاحب العسكر عليهالسلام وله يومئذ إحدى وأربعون سنة.
٥ ـ مهج : من نسخة عتيقة حدثني محمد بن محمد بن محسن ، عن أبيه ، عن محمد بن إبراهيم بن صدقة ، عن سلامة بن محمد الازدي عن أبي جعفر بن عبدالله العقيلي عن محمد بن بريك الرهاوي ، عن عبدالواحد الموصلى ، عن جعفر بن عقيل بن عبدالله العقيلي ، عن أبي روح النسائي ، عن أبي الحسن علي بن محمد عليهالسلام أنه دعا على المتوكل فقال بعد أن حمدالله وأثنى عليه : اللهم إنى وفلانا عبدان من عبيدك ، إلى آخر الدعاء.
ووجدت هذا الدعاء مذكورا بطريق آخر هذا لفظه ذكر باسناده عن زرافة حاجب المتوكل (١) وكان شيعيا أنه قال : كان المتوكل لحظوة الفتح بن خاقان عنده وقربه منه دون الناس جميعا ودون ولده وأهله ، وأراد أن يبين موضعه عندهم فأمر جميع مملكته من الاشراف من أهله وغيرهم ، والوزراء والامراء والقواد وسائر العساكر ووجوه الناس ، أن يزينوا بأحسن التزيين ويظهروا في أفخر عددهم وذخائرهم ، ويخرجوا مشاة بين يديه وأن لاير كب أحد إلا هو والفتح بن خاقان خاصة بسر من رأى ومشى الناس بين أيديهما على مراتبهم رجالة وكان يوما قائظا شديد الحروأخرجوا في جملة الا شراف أبا الحسن علي بن محمد عليهالسلام وشق عليه ما لقيه من الحر والزحمة.
قال زرافة : فأقبلت إليه وقلت له : يا سيدي يعز والله علي ماتلقى من هذه الطغاة ، وما قد تكلفته من المشقة وأخذت بيده فتوكأ علي وقال : يا زرافة.
____________________
(١) مرنظير ذلك عن الخرائج في ص ١٤٧ ، فراجع.
ما ناقة صالح عندالله بأكرم مني أو قال بأعظم قدرا مني ، ولم أزل اسائله وأستفيد منه واحادثه إلى أن نزل المتوكل من الركوب ، وأمر الناس بالا نصراف.
فقدمت إليهم دوابهم فركبوا إلى منازلهم وقدمت بغلة له فركبها وركبت معه إلى داره فنزل ودعته وانصرفت إلى داري ولولدي مؤدب يتشيع من أهل العلم والفضل ، وكانت لي عادة باحضاره عند الطعام فحضر عند ذلك ، وتجارينا الحديث وما جرى من ركوب المتوكل والفتح ، ومشي الاشراف وذوي الاقدار بين أيديهما وذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن علي بن محمد عليهالسلام وما سمعته من قوله : « ما ناقة صالح عندالله بأعظم قدرا مني »
وكان المؤدب يأكل معي فرفع يده ، وقال : بالله إنك سمعت هذا اللفظ منه؟ فقلت له : والله إني سمعته يقوله فقال لي : اعلم أن المتوكل لايبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيام ويهلك فانظر في أمرك واحرزما تريد إحرازه وتأهب لامر ك كي لا يفجؤكم هلاك هذا الرجل فتهلك أموالكم بحادثة تحدث ، أو سبب يجري
فقلت له : من أين لك ذلك؟ فقال لي : أما قرأت القرآن في قصة الناقة وقوله تعالى « تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب » (١) ولا يجوز أن تبطل قول الامام.
قال زرافة : فوالله ماجاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر ومعه بغاء ووصيف والاتراك على المتوكل ، فقتلوه وقطعوه ، والفتح بن خاقان جميعا قطعا حتى لم يعرف أحدهما من الاخر وأزال الله نعمته ومملكته فلقيت الامام أبا الحسن عليهالسلام بعد ذلك وعرفته ماجرى مع المؤدب ، وما قاله ، فقال : صدق إنه لما بلغ مني الجهد رجعت إلى كنوز نتوارثها من آبائنا هي أعز من الحصون والسلاح والجنن وهو دعاء المظلوم على الظالم ، فدعوت به عليه فأهلكه الله فقلت : يا سيدي إن
____________________
(١) هود الاية : ٦٥.
رأيت أن تعلمنيه فعلمنيه إلى آخرما أوردته في كتاب الدعاء (١)
ق : باسناده عن زرافة مثله.
٦ ـ ع ، ل : ابن المتوكل ، عن علي بن إبراهيم ، عن عبدالله بن أحمد الموصلي ، عن الصقربن أبي دلف الكرخي قال : لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري عليهالسلام جئت أسأل عن خبره ، قال : فنظر إلى الزرافي وكان حاجبا للمتوكل فأمرأن ادخل إليه فادخلت إليه ، فقال : ياصقر ما شأنك؟ فقلت : خير أيها الاستاذ ، فقال : اقعد فأخذني ما تقدم وما تأخر ، وقلت : أخطأت في المجئ.
قال : فوحى الناس عنه ثم قال لي : ما شأنك وفيم جئت؟ قلت لخير ما فقال لعلك تسأل عن خبر مولاك؟ فقلت له : ومن مولاي؟ مولاي أمير المؤمنين ، فقال : اسكت! مولاك هو الحق فلا تحتشمني فاني على مذهبك ، فقلت : الحمد لله.
قال : أتحب أن تراه؟ قلت : نعم قال : اجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده.
قال : فجلست فلما خرج قال لغلام له : خذبيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس ، وخل بينه وبينه ، قال : فأدخلني إلى الحجرة وأو مأ إلى بيت فدخلت فاذا هو جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور قال : فسلمت عليه فرد علي ثم أمرني بالجلوس ثم قال لي : يا صقرما أتى بك؟ قلت : سيدي جئت أتعرف خبرك؟ قال : ثم نظرت إلى القبر فبكيت فنظر إلي فقال : يا صقر لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء الان ، فقلت : الحمد لله.
ثم قلت : يا سيدي حديث يروى عن النبي صلىاللهعليهوآله لا أعرف معناه ، قال : وما هو؟ فقلت : قوله صلىاللهعليهوآله « لاتعادوا الايام فتعاديكم » ما معناه؟ فقال : نعم الايام نحن ما قامت السماوات والارض ، فالسبت اسم رسول الله صلىاللهعليهوآله والاحد كناية
____________________
(١) مهج الدعوات ص ٣٣٠ ـ ٣٣٢.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، والاثنين الحسن والحسين ، والثلثا علي بن الحسين ، ومحمد ابن علي وجعفر بن محمد ، والاربعاء موسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي وأنا ، والخميس ابني الحسن بن علي ، والجمعة ابن ابني ، وإليه تجمع عصابة الحق وهو الذي يملاها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
فهذا معنى الايام ، فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الاخرة ثم قال عليهالسلام ودع واخرج ، فلا آمن عليك (١)
ك : الهمداني عن علي بن إبراهيم مثله (٢)
بيان : قوله : « فأخذني ما تقدم وما تأخر » أي صرت متفكرا فيما تقدم من الامور ، وما تأخر منها ، فاهتممت لهاجميعا والحاصل أني تفكرت فيما يترتب على مجيئي من المفاسد ، فندمت على المجئ.
ويحتمل أن يكون « فأخذبي » بالباء أي سأل عني سئوالات كثيرة عما نقدم وعما تأخر فظننت أنه تفطن بسبب مجيئي فندمت « فوحى الناس » أي أشار إليهم أن يبعدوا عنه ، ويمكن أن يقرء الناس بالرفع أي أسرع الناس في الذهاب فان الوحي يكون بمعنى الاشارة ، وبمعني الاسراع ، ويمكن أن يقرء على بناء التفعيل أي عجل الناس في الانصراف عنه و « صاحب البريد » الرسول المستعجل إذ البريد يطلق على الرسول وعلى بغلته.
٧ ـ يج : روى أبوسليمان عن ابن أورمة قال : خرجت أيام المتوكل إلى سرمن رأى فدخلت على سعيد الحاجب ودفع المتوكل أبا الحسن إليه ليقتله ، فلما دخلت عليه قال : أتحب أن تنظر إلى إلهك؟ قلت : سبحان الله الذي لا تدركه الابصار ، قال : هذا الذي تزعمون أنه إمامكم! قلت : ما أكره ذلك قال : قد امرت بقتله وأنا فاعله غدا ، وعنده صاحب البريد ، فاذا خرج فادخل
____________________
(١) ورواه في معانى الاخبار ص ١٢٣ وهكذا رواه الطبرسى في اعلام الورى ص ٤١١.
(٢) كمال الدين ج ٢ ص ٥٤.
إليه ولم ألبث أن خرج ، قال : ادخل.
فدخلت الدار التي كان فيها محبوسا فاذا بحياله قبر يحفر ، فدخلت وسلمت وبكيت بكاءا شديدا فقال : ما يبكيك؟ قلت : لما أرى ، قال : لاتبك لذلك ، لايتم لهم ذلك ، فسكن ماكان بي فقال : إنه لا يلبث أكثر من يومين ، حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رأيته ، قال : فوالله ما مضى غير يومين حتى قتل.
فقلت لابي الحسن عليهالسلام : حديث رسول الله صلىاللهعليهوآله « لا نعادوا الايام فتعاديكم قال : نعم إن لحديث رسول الله صلىاللهعليهوآله تأويلا.
أما السبت فرسول الله صلىاللهعليهوآله والاحد أميرالمؤمنين عليهالسلام ، والاثنين الحسن والحسين عليهماالسلام والثلثا علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ، والا ربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وأنا علي بن محمد ، والخميس ابني الحسن ، والجمعة القائم منا أهل البيت (١)
٨ ـ يج : روى أبوسعيد سهل بن زياد قال : حدثنا أبوالعباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب ونحن في داره بسامره فجرى ذكر أبي الحسن فقال : يا أبا سعيد إني احدثك بشئ حدثني به أبي قال : كنا مع المعتز وكان أبي كاتبه فدخلنا الدار ، وإذا المتوكل على سريره قاعد ، فسلم المعتز ووقف ووقفت خلفه ، و كان عهدي به إذا دخل رحب به ويأمر بالقعود فأطال القيام ، وجعل يرفع رجلا ويضع اخرى وهو لايأذن له بالقعود.
ونظرت إلى وجهه يتغير ساعة بعد ساعة ويقبل عليه الفتح بن خاقان ويقول : هذا الذي تقول فيه ما تقول ، ويردد القول ، والفتح مقبل عليه يسكنه ، يقول : مكذوب عليه يا أمير المؤمنين وهو يتلظى ويقول : والله لا قتلن هذا المرائي الزنديق وهو يدعي الكذب ، ويطعن في دولتي ثم قال : جئني بأربعة من الخزر فجئ بهم ودفع إليهم أربعة أسياف ، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبوالحسن ويقبلوا
____________________
(١) مختار الخرائج ص ٢١٢.
عليه بأسيافهم فيخبطوه ، وهو يقول : والله حرقنه بعد القتل ، وأنا منتصب قائم خلف المعتز من وراء الستر.
فما علمت إلا بأبي الحسن قد دخل ، وقد بادر الناس قدامه ، وقالوا : قدجاء والتفت فاذا أنا به وشفتاه يتحر كان ، وهو غير مكروب ولا جازع ، فلما بصر به المتوكل رمى بنفسه عن السرير إليه ، وهو سبقه وانكب عليه فقبل بين عينيه ويده ، وسيفه بيده وهو يقول : ياسيدي يا ابن رسول الله يا خير خلق الله يا ابن عمي يا مولاي يا أبا الحسن! وأبوالحسن عليهالسلام يقول : اعيذك يا أميرالمؤمنين بالله [ اعفني ] (١) من هذا ، فقال : ما جآء بك يا سيدي في هذا الوقت قال : جاءني رسو لك فقال : المتوكل يدعوك؟ فقال : كذب ابن الفاعلة ارجع يا سيدي من حيث شئت يا فتح! يا عبيدالله! يا معتز شيعوا سيدكم وسيدي.
فلما بصربه الخزر خروا سجدا مذعنين فلما خرج دعاهم المتوكل ثم أمر الترجمان أن يخبره بمايقولون ، ثم قال لهم : لم لم تفعلوا ما امرتم؟ قالوا : شدة هيبته رأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأملهم ، فمنعنا ذلك عما أمرت به ، وامتلات قلوبنا من ذلك ، فقال المتوكل : يا فتح هذا صاحبك ، وضحك في وجه الفتح وضحك الفتح في وجهه ، فقال : الحمد لله الذي بيض وجهه ، وأنار حجته (٢)
٩ ـ شا : كان مولد أبي الحسن الثالث عليهالسلام بصريا من مدينة الرسول صلىاللهعليهوآله للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشر ومائتين وتوفي بسر من رأى في رجب من سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله يومئذ إحدى وأربعون سنة.
وكان المتوكل قد أشخصه مع يحيى بن هرثمة بن أعين من المدينة إلى سر من رأى ، فأقام بها حتى مضى لسبيله وكان مدة إمامته ثلاثا وثلاثين سنة ، وامه ام
____________________
(١) الزيادة من المصدر.
(٢) مختار الخرائج ص ٢١٢ و ٢١٣.
ولد يقال لها سمانة (١).
١٠ ـ عم ، (٢) شا : ابن قولويه عن الكليني (٣) عن علي بن محمد ، عن إبراهيم ابن محمد الطاهري قال : مرض المتوكل من خراج (٤) خرج به ، فأشرف منه على التلف ، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة ، فنذرت امه إن عوفي أن يحمل إلى أبي الحسن على بن محمد عليهالسلام ملا جليلا من مالها.
وقال له الفتح بن خاقان (٥) : لو بعثت إلى هذا الرجل يعني أبا الحسن فسألته فانه ربما كان عنده صفة شئ يفرج الله به عنك ، قال : ابعثوا إليه فمضى الرسول ورجع ، فقال : خذوا كسب الغنم (٦) فديفوه بمآء ورد ، وضعوه على الخراج فانه نافع باذن الله.
فجعل من بحضرة المتوكل يهزء من قوله ، فقال لهم الفتح : وما يضر من تجربة ماقال ، فوالله إني لا رجو الصلاح به فاحضر الكسب ، وديف بماء الورد ووضع على الخراج ، فانفتح وخرج ماكان فيه ، وبشرت ام المتوكل بعافيته فحملت إلى أبي الحسن عليهالسلام عشرة آلاف دينار تحت ختمها فاستقل المتوكل من علته.
____________________
(١) الارشادص ٣٠٧
(٢) اعلام الورى ص ٣٤٤ ورواه ابن شهر آشوب ملخصا في ج ٤ ص ٤١٥.
(٣) الكافى ج ١ ص ٤٩٩.
(٤) الخراج ـ كغراب ـ القروح والدما ميل العظيمة
(٥) قال المسعودى : كان الفتح بن خاقان التركى مولى المتوكل اغلب الناس عليه ، وأكثرهم تقدما عنده ، ولم يكن الفتح مع هذه المنزلة ممن يرحى خيره ، أو يخاف شره ، وكان له نصيب من العلم ، منزلة من الادب وألف كتابا في أنواع من الاداب و ترجمه بكتاب البستان.
(٦) في المصباح : الكسب ـ وزان قفل : ثفل الدهن ، وهو معرب وأصله الكشب بالشين المعجمة.
فلما كان بعد أيام سعى البطحائي (١) بأبي الحسن عليهالسلام إلى المتوكل فقال : عنده سلاح وأموال ، فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم ليلا عليه ، ويأخذ ما يجد عنده من الاموال والسلاح ، ويحمل إليه فقال إبراهيم بن محمد : قال لي سعيد الحاجب : صرت إلى دار أبي الحسن عليهالسلام بالليل ، ومعى سلم ، فصعدت منه إلى السطح ، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني أبوالحسن عليهالسلام من الدار : ياسعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبة من صوف وقلنسوة منها وسجادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة فقال لي : دونك بالبيوت.
فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئا ، ووجدت البدرة مختومة بخاتم ام المتوكل وكيسا مختوما معها ، فقال أبوالحسن عليهالسلام : دونك المصلى فرفعت فوجدت سيفا في جفن غير ملبوس ، فأخذت ذلك وصرت إليه فلما نظر إلى خاتم امه على البدرة بعث إليها ، فخرجت إليه ، فسألهاعن البدرة ، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له : كنت نذرت في علتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه وهذا خاتمك على الكيس ما حركها.
____________________
(١) هو أبوعبدالله محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن أميرالمؤمنين عليهماالسلام. وهو وأبوه وجده كانوا مظاهرين لبنى العباس على سائر أولاد أبى طالب.
قال في عمدة الطالب : كان الحسن بن زيد أمير المدينة من قبل المنصور الدوا نيقى وكان مظاهرا لبنى العباس على بنى عمه الحسن المثنى ، وهو أول من لبس السواد من العلويين.
وقال في القاسم بن الحسن : أنه كان زاهدا عابدا ورعا ، الا أنه كان مظاهرا لبنى العباس على بنى عمه الحسن ، وقال في محمد بن القاسم : أنه يلقب بالبطحانى ـ منسوبا إلى بطحاء ـ أو إلى البطحان ـ واد بالمدينة ، قال العمرى : وأحسب أنهم نسبوه إلى أحد هذين الموضعين لادمانه الجلوس فيه وكان محمد البطحانى فقيها.
وفتح الكيس الاخر وكان فيه أربع مائة دينار ، فأمر أن يضم إلى البدرة بدرة اخرى وقال لي : احمل ذلك إلى أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس بما فيه ، فحملت ذلك إليه واستحييت منه ، وقلت : ياسيدي عز علي بدخول دارك بغير إذنك ، ولكني مأموربه ، فقال لي « سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون » (١)
يج : عن إبراهيم بن محمد مثله.
دعوات الراوندى : مرسلا مثله.
بيان : قوله « كسب الغنم » الكسب بالضم عصارة الدهن ، ولعل المراد هنا ما يشبهها مما يتلبد من السرقين تحت أرجل الشاة « والدوف » الخلط والبل بماء ونحوه ، قوله « واستقل » في ربيع الشيعة استبل أي حسنت حاله بعد الهزال قوله : عز علي أي اشتد على.
١١ ـ شا : كان سبب شخوص أبي الحسن عليهالسلام من المدينة إلى سر من رأى أن عبدالله بن محمد كان يتولى الحرب والصلاة في مدينة الرسول صلىاللهعليهوآله فسعى بأبي الحسن إلى المتوكل ، وكان يقصده بالاذى ، وبلغ أبا الحسن عليهالسلام سعايته به فكتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبدالله بن محمد عليه وكذبه فيما سعى به ، فتقدم المتوكل بإ جابته عن كتابه ودعائه فيه إلى حضور العسكر على جميل من الفعل والقول فخرجت نسخة الكتاب وهي :
« بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد ، فان أمير المؤمنين عارف بقدرك راع لقرابتك ، موجب لحقك ، مؤثر من الامور فيك وفي أهل بيتك ، ما يصلح الله به حالك وحالهم ، يثبت به [ من ] عزك وعزهم ويدخل الامن عليك وعليهم يبتغي بذلك رضا ربه ، وأداء ما فرض عليه فيك وفيهم.
فقد رأى أمير المؤمنين صرف عبدالله بن محمد عما كان يتولى من الحرب و الصلاة بمدينة الرسول ، اذ كان على ماذكرت من جهالته بحقك ، واستخفافه بقدرك ، وعند ماقرفك به ونسبك إليه من الامر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك
____________________
(١) الارشاد ص ٣٠٩ و ٣١٠.