فرق أهل السنّة

صالح الورداني

فرق أهل السنّة

المؤلف:

صالح الورداني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-319-433-7
الصفحات: ٣١١

ومنها أنه أنكر حرف أبي بن كعب وحرف ابن مسعود في القرآن ، وقال إن الله لم ينزلهما ، ونسب هذين الإمامين إلى الضلال في مصحفيهما.

ومنها أنه شك في جميع عامة المسلمين ، وقال : لا أدري لعل سرائر العامة كلها كفر وشرك ، وأكفرته الأمة فيما انفرد به.

وأكفره أصحابنا في نفيه عن الله تعالى صفاته الأزلية (١).

ثم يحدد بعد ذلك البغدادي الموقف الذي تبناه أهل السنة من الفرق المخالفة.

يقول البغدادي : أجمع أصحابنا على أنه لا يحل أكل ذبائحهم.

وأكثر المعتزلة مع الأزارقة من الخوارج يحرمون ذبائحنا ، وقولنا فيهم أشد من قولهم فينا ، ولا يجوز عندنا تزويج المرأة المسلمة من واحد منهم ، فإن عقد العقد ، فالنكاح مفسوخ ، وإن لم تعلم المرأة ببدعة زوجها حتى وطئها فعليها العدة ولها مهر المثل ، والمرأة منهم إن اعتقدت اعتقادهم حرم نكاحها وإن لم تعتقد اعتقادهم لم يحرم نكاحها لأنها مسلمة بحكم دار الإسلام.

وأجمع أصحابنا على أن أهل الأهواء لا يرثون من أهل السنة ، واختلفوا في ميراث السني منهم : فمنهم من قطع التوارث من الطرفين.

ومنهم من رأى توريث السني منهم وبناه على قول معاذ بن جبل أن المسلم يرث من الكافر وأن الكافر لا يرث من المسلم.

وعلى قول أبي حنيفة يرث السني من المبتدع الضال ما اكتسبه قبل بدعته.

__________________

١ ـ أصول الدين.

٦١

وعلى قول الشافعي : يكون مال الزنديق وكل كافر ببدعة فيئاً فيه الخمس.

وقال مالك : إنه فئ ولا خمس فيه.

وأما قبول شهادة أهل الأهواء فقد اختلفوا فيه : فردها مالك وأشار الشافعي وأبو حنيفة إلى قبولها.

وأوجب أصحاب الشافعي ومالك وداود وابن حنبل وإسحاق بن راهويه إعادة صلاة من صلى خلف القدري والخوارج والرافضي وكل مبتدع تنافي بدعته التوحيد.

وقال أبو سيف القاضي في المعتزلة أنهم زنادقة.

وكل من لا يجوز الصلاة خلفه لا يجوز الصلاة عليه إذا مات.

وكل دار غلب عليها بعض الفرق الضالة ينظر فيها فإن كان أهل السنة فيها ظاهرين يظهرون السنة فهي دار إسلام ، وإن لم يقدر أهل السنة على إظهار الحق فهي دار كفر.

واختلف أصحابنا في حكم أهل هذه الدار : فمنهم من حرم ذبائحهم ونكاح نسائهم وأجاز وضع الجزية عليهم ، ومنهم من جعلهم مرتدين ولم يقبل منهم الجزية ولم يجز استرقاقهم وفي استرقاق أولادهم خلاف.

كذلك تبنّى أهل السنة على أساس الرواية معتقد كفر والدي الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعمه أبو طالب ، وجواز الصلاة وراء البر والفاجر ، والجهاد وراء الحاكم براً كان أو فاجراً ، وتسليم زكاة الأموال له.

وبرز الحنابلة بمعتقد شاذ عن باقي فرق أهل السنة وهو تحريم زيارة

٦٢

القبور وشد الرحال إليها واعتبار المراقد والمقامات والتوسل بالصالحين من آل البيت وغيرهم صورة من صور الشرك والضلال.

وإذا اعتبرنا أن أهل السنة هم الحنابلة فقط بحكم كونهم أول من نادى بالرواية ورفع شعار السنة بجوار الكتاب ، فإن الفرق الأخرى مثل الأحناف والمالكية والشافعية والظاهرية وغيرهم تعتبر مخالفة لأهل السنة خارجة عن الإطار المذهبي العام لهم.

إلاّ أن المتتبع لتاريخ حركة أهل السنة يتبين أن هذه الحركة قد احتوت في دائرتها هذه الفرق جميعاً ، وليس السبب في ذلك يعود إلى الإطار المذهبي لأهل السنة ، وإنما يعود إلى اتفاق هذه الفرق جميعاً على موقف موحد تجاه المخالفين خصوم أهل السنة من الشيعة والمعتزلة وأهل العقل عموماً ، ذلك الموقف الذي مهّد للحكام أن يستثمرون فرق أهل السنة من الماترودية والأشاعرة والحنابلة وسائر الفرق الأخرى لدعم نفوذهم واضفاء المشروعية على عروشهم ، فمن المعروف تاريخياً أن الدول التي قامت في بلاد ما وراء النهر كانت تميل إلى الأحناف والماترودية ، والدول التي قامت في بلاد الشام ومصر كانت تميل إلى الأشاعرة والشافعية ، والدول التي قامت فى بلاد المغرب كانت تميل إلى المالكية (١).

من هنا فإن هذه الدول التي دعمت هذه الفرق قد وسعت من دائرة أهل

__________________

١ ـ مثل الدولة الغزنوية والسلجوقية والعثمانية التي تبنّت الأحناف في المشرق. والدولة الأيوبية والمملوكية في مصر والشام والتي تبنّت الشافعية والأشاعرة. ودول الأندلس وإفريقية التي تبنت المالكية ولا تزال هذه الفرق سائدة في هذه المناطق حتى اليوم.

٦٣

السنة وأسهمت في تعدد فرقها.

إلاّ أن الغريب في الأمر أن الفقهاء والمؤرخين قد باركوا هذه الحالة وأضفوا المشروعية عليها واعتبروا أن الماترودية والأشاعرة جناحي أهل السنة (١).

ونتيجة لاحتضان الحكام لفرق أهل السنة ودعمهم مما أدى إلى انتشارهم وشيوعهم وسيادتهم على واقع المسلمين وتحول مذهبهم إلى مذهب الأغلبية وانحسار الاتجاهات والفرق الأخرى التي لم تسلّط عليها الأضواء ولم تحقق الأمن والاستقرار لأفكارها ومذهبها بسبب تصادمها مع الواقع والحكام ... نتيجة لهذا كله اعتقد أهل السنة أنهم متميزون على الآخرين قيمون عليهم مما قوى الاعتقاد السائد لديهم بكونهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أصحاب الحق ، وهذا بدوره قد قوى اعتقاد نبذ الآخر لديهم بل برر لهم استئصاله والقضاء عليه.

يقول ابن حنبل : هذه مذاهب أهل العلم ، وأصحاب الأثر ، وأهل السنة المتمسكين بعروتها ، المعروفين بها ، المعتنى بهم فيها من لدن أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى يومنا هذا ـ وأدركت من أدركت ـ من علماء الحجاز والشام وغيرهما عليها. فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب ، أو طعن فيها أو عاب قائلها ، فهو مخالف مبتدع ، وخارج عن الجماعة ، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق (٢).

__________________

١ ـ أنظر مقرر التوحيد في المدارس الأزهرية.

٢ ـ عقيدة أهل السنة.

٦٤

وقد أكد ابن حنبل ـ مؤسس فرقة أهل السنة وواضع إطارها المذهبي ـ من خلال هذا الكلام ما ذكرناه سابقاً من أن أهل السنة يتحدثون دائماً بلغة الاستعلاء والقيمومة والسيادة وقد منحوا أنفسهم سلطة الحكم على الآخرين بالزيغ والضلال ووجوب القضاء عليهم.

ويمكن تحديد اللإطار المذهبي لأهل السنة من خلال ما سبق ومن خلال كتب العقائد التي تحمل نصوص مذهبهم فيما يلي :

ـ وجوب التمسك بالرواية.

ـ وجوب الإيمان برؤية الله يوم القيامة والإيمان بصفاته كما وردت في الروايات وهي حقيقة لا مجاز.

ـ الإيمان بعدالة جميع الصحابة وعدم الخوض في أحوالهم وأمورهم.

ـ الإيمان بعذاب القبر.

ـ طاعة الحاكم واجبة وعدم جواز الخروج عليه وشق عصا الطاعة ومفارقة الجماعة جماعة المسلمين.

ـ الصلاة وراء كل برّ وفاجر ، والجهاد ماض وراء كل أمير براً كان أو فاجراً والجمعة والحج والعيدان معه.

ـ مقاطعة أهل البدع ( المخالفين ) والتحذير منهم.

ـ الالتزام بنهج السلف من أهل السنة.

ـ أهل الكبائر والمعاصي مسلمون.

__________________

ومقصود ابن حنبل بأهل العلم وأصحاب الأثر وعلماء الحجاز والشام هم الذين يلتزمون بالطرح السائد في دائرة الفرق المعترف بها المرضي عنها.

٦٥

ـ الخلافة في قريش.

ـ وجوب تسليم زكاة الأموال للحاكم.

ـ الله في السماء ( الفوقية ).

ـ الإيمان بالشفاعة.

ـ الإيمان يزيد وينقص.

ـ الضلال والهداية وفق مشيئة الله.

ـ أفعال العباد بقضاء الله وقدره.

ـ القرآن كلام الله ليس بمخلوق.

ـ خير الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي (١).

وليس هناك ما يدعم هذه البنود من نصوص القرآن فهي تقوم على أساس الرواية التي هي ليست محل تسليم من قبل الفرق الأخرى المناهضة لأهل السنة.

وهذا ما يبرر تمسك أهل السنة بالرواية والتعصب لها وشن الحرب الشعواء على مخالفيها ، فهم قد سموا بأهل السنة لتمسكهم بالرواية التي اتخذوها شعاراً لهم ، وأي محاولة لهدم الرواية يعني هدم مذهبهم وفقدان مبرر وجودهم.

إن فرق أهل السنة المختلفة إنما تتمسك بالرواية وتلتزم بالإطار العام لمذهب أهل السنة على ما سوف نبين.

وإن منظور أهل السنة في النظر إلى الآخرين واعتبارهم فرقاً مخالفة

__________________

١ ـ أنظر كتب عقائد أهل السنة. وأنظر لنا أهل السنة شعب الله المختار.

٦٦

إنما ينطبق عليهم وعلى فرقهم أيضاً.

وفي دائرة هذه الدراسة سوف نلتزم بنفس المقاييس والمعايير التي وضعها أهل السنة وقسموا على أساسها فرق المسلمين تلك المقاييس والمعايير التي وضعها فقهاء العقائد ومؤرخي الفرق ـ سوف نلتزم بها في النظر لحالة أهل السنة وفرقهم (١).

لقد تجنبت كتب الفرق الحديث عن فرق أهل السنة رغم كونها تنطبق عليها نفس الحالة والمقاييس التي أطلقت على الفرق الأخرى المخالفة لأهل السنة ، وذلك لكون أن الذين دوّنوا هذه الكتب هم أهل السنة على ما سوف نبيّن.

وأما الشاك في كفر أهل الأهواء ، فإن شك في أن قولهم هل هو فاسد أم لا؟ فهو كافر ، وإن علم أن قولهم بدعة وضلال وشك في كونه كفراً ، فبين أصحابنا في تكفير هذا الشاك خلاف (٢).

ويلاحظ من خلال عرض موقف أهل السنة من المخالفين مدى تأثير الرواية على هذا الموقف ، كما يلاحظ أن الرواية لها تأثيرها على مواقف واطروحات الفرق الأخرى أيضاً.

وهذه اللغة التي التزم بها البغدادي هي نفس لغة الشهرستاني وابن حزم وابن تيمية وغيرهم من فقهاء أهل السنة ، فهذه اللغة الواحدة إنما هي نابعة من روايات ثابتة لدى القوم كونت لديهم معتقد ثابت في المخالفين.

__________________

١ ـ أنظر ملحق رقم ١ من هذا الكتاب.

٢ ـ المرجع السابق.

٦٧

إن البغدادي وابن حنبل وابن حزم والشهرستاني وغيرهم ممن خاضوا في أمر الفرق المخالفة لأهل السنة لم يبينوا لنا أدلة وبراهين وأطروحات هذه الفرق ، وكانت لغتهم في مواجهته لغة أحادية أفقدتهم الموضوعية والقدرة على حسم الخلاف وكسب المعركة معهم.

ومثل هذه الروايات التى اعتمد عليها أهل السنة لا ترقى إلى درجة الصحة عندهم ، إلا أنهم اعتمدوا عليها في الماضي ، أما في الحاضر فقد بطلت حجتهم بها.

٦٨

الفرقة الناجية

مناقشة الروايات وتحديد السمات

٦٩
٧٠

ورد فى عدة مصادر عن ابى هريرة وغيره أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : افترقت اليهود على إحدى ـ أو اثنين ـ وسبعين فرقة. وتفرقت النصارى على إحدى ـ أو اثنين ـ وسبعين فرقة.

وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة (١).

وعن معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة ، وان هذه الأمة ستفرق على ثلاث وسبعين ملة. كلها في النار إلاّ واحدة وهي الجماعة (٢).

وعن عوف بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار. وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة. والذي نفس محمد بيده لتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار.

قيل : يا رسول الله من هم؟

__________________

١ ـ انظر أبو داود كتاب السنة والترمذي كتاب الإيمان وابن ماجة كتاب الفتن والحاكم كتاب الإيمان وابن حبان كتاب الفتن ومسند أحمد ج ٢.

٢ ـ انظر الدارمي كتاب الجهاد ومسند أحمد ج ٤ والحاكم كتاب العلم وسنن أبي داود.

٧١

قال : الجماعة (١).

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة وهي الجماعة (٢).

وعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا ابن مسعود هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة لم ينج منهم إلاّ ثلاث فرق (٣).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ... وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة. وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم فى النار إلاّ ملة واحدة.

قالوا : ومن هي يا رسول الله؟

قال : ما أنا عليه وأصحابي (٤).

وعن سعد بن أبي وقاص ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين ملة ، ولن تذهب الليالي والأيام حتى تفترق أمتي على مثلها (٥).

__________________

١ ـ ابن ماجة كتاب الفتن. وانظر الحاكم كتاب الإيمان.

٢ ـ ابن ماجة وانظر مسند أحمد ج ٣.

٣ ـ رواه الطبراني في الكبير حديث رقم ١٠٣٥٧. وانظر الحاكم كتاب التفسير ، سورة الحديد.

٤ ـ الترمذي كتاب الإيمان. والحاكم كتاب العلم. وانظر الطبراني حديث رقم ٧٦٥٩.

٥ ـ رواة المروزي والبزار كتاب الفتن باب افتراق الأمم حديث رقم ٢٨٤.

٧٢

وعن أبي إمامة : افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة أو قال : اثنين وسبعين فرقة ، وتزيد هذه الأمة فرقة واحدة ، كلها في النار إلاّ السواد الأعظم (١).

وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تفرقت اليهود على واحد وسبعين فرقة كلها في النار ، وتفرقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار ، وإن امتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله أخبرنا من هم؟

قال : السواد الأعظم (٢).

وروى : ذروا المراء فإن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى على اثنين وسبعين فرقة ، كلهم في الضلالة إلاّ السواد الأعظم.

قالوا : يا رسول الله ، ومن السواد الأعظم؟

قال : من كان على ما أنا عليه وأصحابي ، ومن لم يمار في الدين ، ومن لم يكفر أحداً من أهل التوحيد بذنب غفر له (٣).

وروى أن عوف بن مالك قال له الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :

كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة :

__________________

١ ـ رواه ابن أبي عاصم والمروزي والطبراني في الكبير ج ٨ / ٣٢١ : ٣٢٨ ، والبيهقي ٨ / ١٨٨.

٢ ـ لم يرو هذا الحديث في كتب السنن وإنما روى في تاريخ بغداد ج ٩ / ٢٤٧ ، وتهذيب التهذيب لابن حجر ج ٩ / ٤٩٨ ، والكاشف ج ٣ / ٩٢ والتقريب ج ٢ / ٢١٥.

٣ ـ الطبراني في الكبير ج ٨ / ١٧٨. حديث رقم ٧٦٥٩.

٧٣

واحدة في الجنة وسائرهن في النار؟

قلت : ومتى ذلك يا رسول الله؟

قال : إذا كثرت الشرط ، وملكت الإماء ، وقعدت الحملان على المنابر ، واتخذ القرآن مزامير ، وزخرفت المساجد ، ورفعت المنابر (١).

وروى عن عوف بن مالك أيضاً أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة : أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم ، يحرمون الحلال ويحلون الحرام (٢).

__________________

١ ـ رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ / ٣٢٣.

٢ ـ رواه البزار والهيثمي في مجمع الزوائد كتاب العلم ج ١ / ١٧٩ ، والحاكم كتاب الفتن والملاحم ج ٤ / ٤٣٠ ، والبيهقي في المدخل باب ما يذكر في ذم الرأي.

٧٤

مناقشة السند :

ويمكن تركيز الخلاف الواقع حول سند هذه الروايات فيما يلي :

الرواية الأولى رواها أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم وابن ماجة وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي عاصم والمروزي من طريق محمد بن عمرو بن العاص وعن أبي سلمة عن أبي هريرة وقد تكلم رجال الجرح والتعديل في محمد بن عمرو فقالوا :

قال أبو حاتم : صالح الحديث يكتب حديثه.

وقال النسائي : ليس به بأس.

وقال ابن حجر : صدوق له أوهام.

وتكلم فيه ابن معين والجوزجاني (١).

ومن هذا يتبين لنا أن فقهاء الجرح والتعديل قد وضعوا الراوي لهذه الرواية في دائرة الشك مما يؤدي إلى التوقف في سند الرواية.

وإذا كان الفقهاء قد وضعوا هذه الرواية في درجة حسن واعتبروها صحيحة بالشواهد إلاّ أن هذا كله لا يشفع لهم.

__________________

١ ـ انظر التهذيب ج ٩ / ٣٧٥ ، والجرح والتعديل ج ٨ / ٣١ ، والميزان ج ٣ / ٦٧٣ ، والتقريب ج ٢ / ١٩٦.

٧٥

والرواية الثانية رواها أبو داود والدارمي وأحمد والحاكم وابن أبي عاصم والمروزي عن طريق صفوان بن عمرو عن أزهر بن عبد الله الحرازي عن أبي عامر الهوزني عن معاوية.

أما صفوان بن عمرو فقد وثقه القوم.

وأما أزهر الحرازي فاختلفوا فيه ، وقالوا تابعي حسن الحديث ، لكنه ناصبي ينال من علي كرم الله وجهه.

وأما أبو عامر فاختلفوا فيه أيضاً.

قال ابن حبان والعجلي والذهبي وابن حجر : ثقة.

وقال أبو زرعة والدراقطني : لا بأس به (١).

وعلى هذا الأساس أعطى القوم هذه الرواية درجة حسن أيضاً كسابقتها.

والرواية الثالثة رواها ابن ماجة وابن عاصم والحاكم معلقاً عن طريق عمرو بن عثمان عن عباد بن يوسف ، وعباد بن يوسف هذا لم يرو عنه أصحاب السنن إلاّ ابن ماجة وحده وهو الحديث الوحيد الذي رواه له.

وقد وثق القوم عمرو وعباد (٢).

وحازت هذه الرواية أيضاً على درجة حسن.

والرواية الرابعة رواها ابن ماجة وابن أبي عاصم عن طريق هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم عن أبي عمرو قتادة عن أنس.

__________________

١ ـ انظر الميزان ج ١ / ١٧٣ ، والتقريب ج ١ / ٥٢ ، وثقات ابن حبان ج ٤ / ٣٨.

٢ ـ انظر التهذيب ج ٨ / ٧٦ و ج ٥ / ١١٠ ، والميزان ج ٢ / ٣٨٠ ، والتقريب ج ١ / ٣٩٥.

٧٦

أما هشام فقالوا فيه :

قال ابن معين : ثقة.

وقال العجلي : صدوق.

وقال : ابن حجر : صدوق.

وقال أبو حاتم : لما كبر هشام تغير.

أما الوليد فقد أتهم بالتدليس وكذلك قتادة (١).

وهذه الرواية بهذا الاسناد تعتبر ضعيفة.

والرواية الخامسة رواها الطبراني وابن عاصم عن طريق هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم عن بكير بن معروف.

أما هشام فقد سبق ذكره وكذلك الوليد المتهم بالتدليس.

وقالوا عن بكير : لا بأس به.

وتكلم فيه ابن المبارك وأحمد.

وقال ابن حجر : فيه لين (٢).

والرواية على هذا الأساس ضعيفة.

والرواية السادسة رواها الترمذي والمروزي والحاكم عن طريق عبد الرحمن بن زياد الأفريقي عن عبد الله بن زيد عن عبد الله بن عمرو.

أما عبد الرحمن فقالوا عنه :

__________________

١ ـ انظر التهذيب ج ١١ / ٥١ ، والتقريب ج ١ / ٤٩٣ و ج ٢ / ٣٢ و ١٢٣ ، والميزان ج ٣ / ٣٨٥.

٢ ـ انظر التهذيب ج ١ / ٤٩٥ ، والتقريب ج ١ / ١٠٨ ، والميزان ج ١ / ٣٥١.

٧٧

قال البخاري : في حديثه بعض المناكير (١).

وقال يحيى القطان : ضعيف.

وقال يحيى بن معين : ضعيف.

وقال ابن حجر : ضعيف.

وقال الذهبي : ضعفوه.

وقال النسائي : ضعيف.

وقال أحمد : ضعيف (٢).

والرواية بهذه الأسناد تدخل في دائرة الروايات الضعيفة على أساس أن عبد الرحمن من رواة المناكير.

والرواية السابعة رويت عن طريق أحمد بن عبد الله بن يونس عن أبي بكر بن عياش عن موسى بن عبيدة عن عائشة بنت سعد.

وقد وثق القوم أحمد بن يونس وابن عياش أما موسى بن عبيدة فجرحوه.

وقالوا في عبد الله بن عبيدة أخو موسى بن عبيدة الذي دخل بين موسى وعائشة في رواية المروزي ـ كلاماً كثيراً (٣).

__________________

١ ـ انظر الضعفاء الصغير ص١٤٢.

٢ ـ انظر التهذيب ٦ / ١٧٣ ، والتقريب ج ١ / ٤٨٠.

٣ ـ انظر التقريب ج ١ / ١٩ ، وتهذيب الكمال ج ٣ / ١٥٨٦ ، والثقات لابن حبان ج ٥ / ٢٨٨ ، والتهذيب ج ٥ / ٣٠٩ ، والكاشف ج ٢ / ٩٥ ، والتقريب ج ١ / ٤٣١ وج ٢ / ٣٩٩ ، والثقات للعجلي ص٥٢١.

٧٨

وقالوا في عائشة بنت سعد تابعية ثقة (١).

ومن خلال هذه الأقوال في رواة هذا الحديث يصبح الإسناد ضعيفاً.

والرواية الثامنة يقوم إسنادها على أبي غالب عن أبي إمامة الذي ضعفه أبو حاتم والنسائي وابن حبان ، وشكك فيه ابن عدي ، وقال عنه ابن حجر : صدوق يخطىء بينما وثقة آخرون (٢).

والحديث بهذه الصورة فيه خلل في الإسناد.

والرواية التاسعة رويت عن طريق محمد بن الهيثم وقد وثقه القوم بينما ضعف أبو حاتم وقلل أبو رزعة من الراوي الثاني للرواية وهو شجاع بن الوليد.

وقال ابن حجر في رواية جابر راو لم يسم (٣).

والرواية العاشرة عن طريق كثير بن مروان الشامي ، وهو ضعيف جداً عن عبد الله بن يزيد الدمشقي وهو أسوأ حالا من سابقه.

ومن هنا فنحن نحكم ببطلان هذه الرواية حسب مقاييس القوم.

والرواية الحادية عشر فيها عبد الحميد بن إبراهيم وهو ضعيف ، وقال

__________________

١ ـ انظر التهذيب ج ٢ / ٦ ، والتقريب ج ١ / ٤٤٥ ، والتاريخ الكبير ج ٧ / ١٨٩ ، والجرح والتعديل ج ٧ / ١٣٧ ، و ج ٣ / ٣١٦ ، والتهذيب ج ١٢ / ١٩٧ ، والتقريب ج ٢ / ٤٦٠ ، والكاشف ج ٣ / ٣٢٢.

٢ ـ انظر تهذيب التهذيب ج ٩ / ٤٩٨ ، والكاشف ج ٣ / ٩٢ ، والتقريب ج ٢ / ٢١٥ ، والضعفاء الكبير ج ٢ / ١٨٤ ، وتهذيب التهذيب ج ٤ / ٣١٣ ، والكاشف ج ٢ / ٥ ، والتقريب ج ١ / ٣٤٧.

٣ ـ انظر المجروحين لابن حبان ج ٢ / ٢٢٥.

٧٩

فيه ابن حجر : صدوق إلاّ أنه ذهبت كتبه فساء حفظه (١).

وهذه الرواية من هذا المنظور تعد ضعيفة.

والرواية الثانية عشر جاءت عن طريق نعيم بن حماد عن عيسى بن يونس وعن نعيم بن حماد قالوا :

وثقة أحمد وابن معين وغيرهم.

وقال ابن حجر : صدوق يخطىء كثيراً.

وقد تتبع ابن عدى ما أخطأ فيه ، وقال : وعامة ما أنكر عليه هو هذا الذي ذكرته ، وأرجو أن يكون باقي حديثه مستقيماً.

وقالوا : وبهذا الحديث سقط نعيم بن حماد عند كثير من أهل العلم بالحديث ، إلاّ يحيى بن معين لم يكن ينسبه إلى الكذب ، بل كان ينسبه إلى الوهم.

وقالوا : كل ما حدث به عن عيسى بن يونس غير نعيم بن حماد فإنما أخذه عن نعيم فتكلم الناس فيه بجرأة.

وقالوا إن هذا الحديث سرقه قوم ضعفاء ممن يعرفون بسرقة الحديث وهو منكر (٢).

__________________

١ ـ انظر التهذيب ج ٦ / ١٠٨ ، والميزان ج ٢ / ٥٣٧ ، والكاشف ج ٢ / ١٣٢ ، والتقريب ج ١ / ١٦.

٢ ـ انظر التهذيب ج ١٠ / ٤٥٨ ، ٤٦١ ، والتقريب ج ٢ / ٣٠٥ ، وتاريخ بغداد ج ١٣ / ٣١١.

٨٠