الزيادة أشير بما روي : أنه لا ينقص مال من صدقة ، لا إلى النقصان المحسوس حسب ما قال بعض الخاسرين حيث قيل له ذلك فقال : بيني وبينك الميزان. ثم ذكر : أن المراد بتباركه تعالى اختصاصه بالخيرات ، انتهى.

فالبركة بالحقيقة هي الخير المستقر في الشيء اللازم له كالبركة في النسل وهي كثرة الأعقاب أو بقاء الذكر بهم خالدا ، والبركة في الطعام أن يشبع به خلق كثير مثلا ، والبركة في الوقت أن يسع من العمل ما ليس في سعة مثله أن يسعه.

غير أن المقاصد والمآرب الدينية لما كانت مقصورة في السعادات المعنوية أو الحسية التي تنتهي إليها بالأخرة كان المراد بالبركة الواقعة في الظواهر التي فيها هو الخير المعنوي أو ينتهي إليه كما أن مباركته تعالى الواقعة في قول الملائكة النازلين على إبراهيم عليه‌السلام : « رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ » : ( هود : ٧٣ ) خيرات متنوعة معنوية كالدين والقرب وغيرهما وحسية كالمال وكثرة النسل وبقاء الذكر وغيرها وجميعها مربوطة بخيرات معنوية.

وعلى هذا فالبركة أعني كون الشيء مشتملا على الخير المطلوب كالأمر النسبي يختلف باختلاف الأغراض لأن خيرية الشيء إنما هي بحسب الغرض المتعلق به فالغرض من الطعام ربما كان إشباعه الجائع أو أن لا يضر آكله أو أن يؤدي إلى شفاء واستقامة مزاج أو يكون نورا في الباطن يتقوى به الإنسان على عبادة الله ونحو ذلك كانت البركة فيه استقرار شيء من هذه الخيرات فيه بتوفيق الله تعالى بين الأسباب والعوامل المتعلقة به ورفعه الموانع.

ومن هنا يظهر أن نزول البركة الإلهية على شيء واستقرار الخير فيه لا ينافي عمل سائر العوامل فيه واجتماع الأسباب عليه فليس معنى إرادة الله صفة أو حالة في شيء أن يبطل سائر الأسباب والعلل المقتضية له ـ وقد مر كرارا في أبحاثنا السابقة ـ فإنما الإرادة الإلهية سبب في طول الأسباب الأخر لا في عرضها. فإنزاله تعالى بركته على طعام مثلا هو أن يوفق بين الأسباب المختلفة الموجودة في أن لا تقتضي في الإنسان كيفية مزاجية يضره معها هذا الطعام ، وأن لا تقتضي فساده أو ضيعته أو سرقته أو نهبه أو نحو ذلك ، وليس معناه أن يبطل الله سائر الأسباب ويتكفل هو تعالى إيجاد الخير فيها