وما قيل ـ بعد تسليم ما ذكر ـ : تكون الآية ظاهرة في حجّيّة خبر الواحد ، وهو لا يكفي ؛ لأنّ الظاهر لا يجري في الاصول (١) ، مدفوع بأنّ الظاهر يجب العمل به ، وإرادة خلافه قبيحة ، كما عرفت سابقا (٢).
ثمّ ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ الضمير في الفعلين يعود إلى المتخلّفين من المؤمنين بعد نفور الطوائف منهم إلى الجهاد ، والضمير في « رجعوا » يعود إلى الطوائف (٣). فالمراد أنّه يجب نفر طائفة من كلّ فرقة إلى الجهاد ، وتخلّف الباقي لأجل التفقّه في الدين بسماعهم ما يتجدّد من النصوص ، واستنباط الأحكام منها حتّى إذا رجع النافرون إليهم من السفر ، أو في الأحكام والحوادث ، أنذروهم.
واحتجّ : بأنّ صدر الآية دالّ على هذا ، وهو قوله تعالى : ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً )(٤) أي إلى الجهاد (٥).
وهذا خلاف الظاهر ، فيجب الحمل على ما ذهب إليه الأكثر. ولا ينافيه صدر الآية ، كما لا يخفى.
ومنها : قوله تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ )(٦) أمر بالتبيّن عند مجيء الفاسق ، فيدلّ على أنّ العدل بخلافه ؛ عملا بمفهوم الشرط وهو منحصر في القبول ـ وهو المطلوب ـ والردّ ، فيلزم كونه أسوأ حالا من الفاسق وهو باطل. والمفهوم وإن كان أعمّ من مجيء العدل ؛ لكونه عدم مجيء الفاسق ، لكنّه فرد منه وهو كاف للمطلوب.
والإيراد عليه بمنع حجّيّة مفهوم الشرط (٧) ، ضعيف كما ستعلم (٨).
واورد عليه : بأنّه نزل في وليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى
__________________
(١) قاله ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٧٥ ، والقاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٦٢.
(٢) في ص ١٩٥ ـ ١٩٦ ، الفصل ٤.
(٣) نسبه الشيخ إلى قتادة والضحّاك وابن عبّاس في التبيان ٥ : ٣٢١ ، ذيل الآية ١٢٢ من التوبة (٩).
(٤) التوبة (٩) : ١٢٢.
(٥) راجع التبيان ٥ : ٣٢١.
(٦) الحجرات (٤٩) : ٦.
(٧) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٣٩٩ ، ومنتهى الوصول لابن الحاجب : ٧٥ ، ومعارج الاصول : ١٤٥.
(٨) راجع ج ٢ ، ص ٨٥٧ في مفهوم الشرط.