واحد ـ مع مشاركة غيره له فيما صار سبب علمه (١) به كالمشاهدة ، أو السماع ، أو غيرهما ـ يكون كاذبا (٢). ونسبوا خلافه على الإطلاق إلى الشيعة (٣) ، وهو فرية ؛ لأنّهم قالوا : إنّ الكذب مشروط بعدم حامل لهم على الكتمان ، فمع وجوده ـ كالتقيّة والرغبة وأمثالهما ـ لا يحكم به. فإذا أخبر واحد بأنّ فيما بين الحرمين بلدة أوسع منهما ، يحكم بكذبه ؛ لعدم تصوّر حامل على الكتمان لمن شاركه في سبب العلم. وإذا أخبر واحد بأنّ زيدا قتل عمرا ، وكان المشاركون له في سبب العلم أقرباءه (٤) ، فلا يحكم بكذبه باعتبار كتمانهم (٥) ؛ لوجود الداعي.
ومن هذا القبيل عدم تواتر النصوص الجليّة والخفيّة على خلافة عليّ عليهالسلام عند المخالفين لو كانوا صادقين ؛ لفتور الدواعي عن نقلها رهبة ، أو رغبة.
ومن هذا القبيل عدم اشتهار بعض الأحكام عن أئمّتنا عليهمالسلام مع كونها ممّا يعمّ به البلوى.
واعلم أنّه ربما يتوهّم (٦) أنّ كثيرا من معجزات الأنبياء لم يتواتر ، مع كونه ممّا يتوفّر الدواعي على نقله ، كانشقاق القمر ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصى ، وتكلّم عيسى في المهد ؛ فإنّ النصارى لم ينقلوا كلامه فضلا عن أن يتواتر بينهم ، وكذا لم يتواتر كثير من الأحكام الضروريّة مع مسّ الحاجة إليه ؛ والمثال ظاهر.
وتحقيق المقام على وجه يندفع عنه أمثال هذه التوهّمات : أنّ توفّر الدواعي على النقل ممّا يقع فيه الاختلاف والتشكيك بالنسبة إلى الامور ، فهو في بعضها فوق التمام ، وفي بعضها أقلّ ، وهكذا نتنزّل بالتدريج إلى العدم.
وكذا عدد المطّلعين على مدلول الخبر ممّا يقع فيه التفاوت ؛ ففي مدلول بعض الأخبار يبلغ عددهم حدّ التواتر ، وفي بعض آخر يكون أقلّ ، وهكذا يتنزّل إلى أن يصل إلى الواحد.
__________________
(١) في « ب » : « لعلمه ».
(٢) ذهب إليه ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٧٣ ، والقاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٥٨ و ١٥٩.
(٣) نسبه ابن الحاجب ، والقاضي عضد الدين إلى الشيعة في المصدرين المذكورين.
(٤) أي أقرباء زيد.
(٥) في « ب » : « كتمانه ».
(٦) المتوهّم هو الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٥٨ و ٥٩.