بعض أفراد الواجب المخيّر مستحبّا ، كالإتمام في المواطن الأربعة (١). ولا شكّ أنّ الاستحباب مقصور على هذا الفرد ، والوجوب شامل له وللقصر تخييرا ، فالوجوب تخييري والاستحباب عيني ، فاختلف محلّهما ؛ لأنّ محلّ الوجوب أمر كلّي ، ومحلّ الاستحباب فرد شخصي.
إذا عرفت ذلك ، فكيفيّة التفريع أنّ الآيات والأخبار إذا تعارضت بالأمر والنهي في شيء واحد حتّى يتحقّق التساوي بين المأمور به والمنهيّ عنه ، يجب الجمع أو الطرح.
وإذا تعارضت بالعموم والخصوص مطلقا يجب حمل العامّ على الخاصّ مع تقاوم الخاصّ للعامّ ، وإن لم يقاومه يعمل بالعامّ وينطرح (٢) الخاصّ.
وإذا تعارضت بالعموم والخصوص من وجه يخصّص الأضعف بالأقوى. مثلا : قوله تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ )(٣) الآية يدلّ على عدم قبول خبر الفاسق في الواجبات والمستحبّات والمكروهات ، وقبول خبر غير الفاسق فيها جميعا. وقوله عليهالسلام : « من بلغه شيء من الثواب » (٤) إلى آخره وأمثاله يدلّ على قبول خبر الفاسق والعادل في المستحبّات والمكروهات دون الواجبات. فيتحقّق بينهما التعارض بالعموم والخصوص من وجه. فنقول : إنّ الخبر معاضد بأخبار أخر (٥) ، وبالشهرة (٦) ، وبامور أخر (٧) ، فيخصّص الآية (٨) به.
وممّا يمكن أن يتفرّع عليه الذبح بآلة مغصوبة في الأضحية والهدي ، والطهارة في المكان المغصوب أو من الإناء المغصوب.
وتأمّل بعضهم (٩) في ذلك ؛ نظرا إلى أنّ متعلّق النهي فيها ليس عين متعلّق الأمر ولا جزءا
__________________
(١) هي : المسجد الحرام ، ومسجد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ومسجد الكوفة ، والحائر الحسيني عليهالسلام.
(٢) كذا في النسختين ، والأولى : « يطرح ».
(٣) الحجرات (٤٩) : ٦.
(٤) المحاسن ١ : ٩٣ ، ح ٥٢ و ٥٣ ، والكافي ٢ : ٨٧ ، باب من بلغه ثواب من الله على عمل ، ح ١ و ٢.
(٥) راجع المصدر.
(٦) لأنّ المشهور هو التسامح في أدلّة السنن.
(٧) منها : أنّ إخراج مادّة الاجتماع من تحت أخبار من بلغ يوجب لغويّتها ، هذا بخلاف العكس.
(٨) فيصير خبر الفاسق في المستحبّات والمكروهات حجّة.
(٩) ذهب العلاّمة في قواعد الأحكام ١ : ١٩٨ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٩٢ و ١٩٣ إلى بطلان الطهارة في المكان المغصوب ، وصحّتها إذا كانت من الإناء المغصوب.