وكلاهما فاسدان لا ينبغي للمتأمّل التعويل عليهما ، أمّا الأوّل فقد عرفت (١) في بعض الهدايات (٢) السابقة فساد هذا التوهّم بما لا مزيد (٣) عليه إلاّ أنّه إلى الآن لم نكن عالمين بأنّ مثل هذا التوهّم ممّا يمكن من أمثال الشيخ الجليل ، بل إنّما أوردناه في قبال بعض أهل العصر وبعض من الطلبة ، ولكنّا بعد محتاجين إلى الإفصاح عن هذا المقصد على وجه لا يشكّ فيه أحد. فنقول : إنّ ملخّص ما ذكره يرجع إلى اعتبار الاستصحاب في الشكوك السارية ، وذلك ليس في محلّه ؛ لاختلاف مناط القاعدتين وموردهما ، فلا يمكن أن يكون اللفظ الواحد مفيدا لهما ، فإنّ ملاك الأمر في الشكوك السارية على مجرّد وصف اليقين والشكّ (٤) في صحّة ذلك اليقين ، فلا يلاحظ فيه وجود المتيقّن في السابق ، بل يكفي فيه حصول نفس اليقين وإن لم يكن مطابقا للواقع ، فلو فرض وجود المتيقّن في الواقع مع انتفاء وصف اليقين لم يكن من محلّ الشكوك السارية ؛ لانتفاء ما هو القوام فيه ، فمتعلّق الشكّ واليقين أمر واحد وهو الثبوت ، ومناط الحكم في الاستصحاب على ثبوت متيقّن في السابق والشكّ في وجوده في اللاحق ، فلا حاجة إلى وصف اليقين في الاستصحاب إلاّ من حيث إنّه مرآة عن وجود المتيقّن ، ولذلك لا يفرق بين اقتران وصفي الشكّ واليقين أو (٥) سبق أحدهما على الآخر ، فمتعلّق الشكّ واليقين فيه أمران ، فإنّ متعلّق الشكّ هو البقاء ، ومتعلّق اليقين هو الثبوت ، فإحدى القاعدتين تباين الأخرى ، فأخبار الاستصحاب لا يمكن أن تكون (٦) مسوقة لبيانهما (٧) فلا بدّ من حملها على إحداهما والمفروض دلالتها (٨) على الاستصحاب بتسليم من الخصم فتعيّن حملها عليه.
__________________
(١) انظر ص ٣١٩ ـ ٣٢٠.
(٢) « ز ، ك » : الدرايات.
(٣) « ز ، ك » : ممّا يزيد.
(٤) « ز ، ك » : ولو شكّ.
(٥) « ز ، ك » : « و » بدل « أو ».
(٦) في النسخ : يكون.
(٧) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : لبيانها.
(٨) « ز ، م » : دلالتهما وكذا في المورد الآتي.