شرّع البراءة لما لم يعلم حكمه من شريعته والمقام منه ، فنحن نستكشف من الأخبار المذكورة في البراءة والمذكورة في بيان تبليغ النبيّ صلىاللهعليهوآله تمام الأحكام أنّ الحكم الواقعي النفس الأمري في تلك الواقعة الخاصّة هو الإباحة فلا بدّ من الأخذ بها ، ولهذا تراهم مطبقين على إجراء البراءة في مثل هذه الموارد من غير اشتراط الفحص عن الحكم في سائر الشرائع ، ولو لا أنّ من المعلوم من هذه الشريعة المقدسة عدم الاتّكال بشيء من الشرائع السابقة وعدم جواز الرجوع في شيء من الأحكام وأخذها إليها ، لما صحّ الأخذ بالبراءة في مواردها إلاّ بعد الفحص عن الأحكام الثابتة فيها أيضا كما هو كذلك بالنسبة إلى أحكامنا.
فإن قلت : إنّ الأخذ بالاستصحاب في هذه الأحكام الثابتة في سائر الشرائع إنّما هو أخذ بها من حيث دلالة الأخبار الواردة فيه ، وليس هذا إلاّ الأخذ بشريعتنا في الحقيقة ؛ لانتهاء المدرك في الأخذ إليها.
قلت : نعم ، ولكن نحن (١) نعلم بعدم جواز الرجوع إلى الشرائع السابقة وأخذ الحكم منها ولو على هذا الوجه لا بدعوى اختصاص أخبار الاستصحاب بما إذا كان اليقين السابق حاصلا في هذه الشريعة حتّى يمنع عنها بعموم اليقين الشامل للحاصل في غيرها أيضا ، بل بدعوى العلم بأنّ الأحكام التي نحن نحتاج (٢) إليها إنّما هو مستفاد من شريعتنا تأسيسا كما في الأحكام الواقعية ، ومعالجة كما في الأحكام الظاهرية.
وبالجملة : فالمعلوم من الشريعة عدم الاعتداد بشيء من أحكام الشرائع السابقة ، وليس هذا بواس طة مدخلية قول النبيّ صلىاللهعليهوآله وإبلاغه في الحكم حتّى يقال بكونه طريقا ومرآة فلا يعقل المدخلية ، كما أشرنا إليه آنفا (٣) ، بل بواسطة دعوى العلم بإباحة كلّ ما لم يعلم حرمته أو وجوبه في شريعتنا ، وأين (٤) هذا من دعوى المدخلية؟ فالحقّ الحقيق
__________________
(١) « ز ، ك » : ـ نحن.
(٢) « ج » : محتاج.
(٣) أشار في ص ٣٦٠.
(٤) « ز ، ك » : وإنّ؟ « ج » : وليس.