خبر الواحد أو غيرهما لا يصحّ الاستدلال بها ، فظهر الفرق بين العلم وسائر الأمارات ؛ فإنّها أوساط وحجج دونه.
والسرّ في ذلك : أنّ دلالة شيء على شيء لا بدّ أن تكون بواسطة ملازمة بينهما من العلّية لأحد الطرفين للآخر ، أو لاشتراكهما في علّة ثالثة ـ وإن كانت العلّية تعبّدية شرعية لا عقلية كما في الأمارات التي ثبت حجّيتها بالشرع ـ ولا ملازمة بين العلم ومعلومه ، كيف وهو متأخّر عنه زمانا ، والآثار المترتّبة على المعلوم وإن كانت متأخّرة عنه ذاتا وفي نفس المرتبة (١) إلاّ أنّها مقارنة للمعلوم زمانا ؛ لعدم الانفكاك بينهما ؛ فإنّها مجعولات بجعل ماهيّة الملزوم والمعلوم ، ولا يتعقّل تأثير العلم المتأخّر بحسب الزمان في المتقدّم بحسبه (٢) ؛ ضرورة استلزامه وجود الشيء قبل وجوده وهو محال.
لا يقال : فعلى ما ذكرت لا يجوز أن يكون الظنّ واسطة أيضا ؛ فإنّه متأخّر عن المظنون وتابع له ، فتأثير المتأخّر في المتقدّم ـ كما قرّرت ـ يوجب تقديم المتأخّر وهذا خلف.
لأنّا نقول : إنّ الظنّ تابع للحكم في (٣) نفس الأمر (٤) وهو ليس (٥) واسطة في إثباته (٦) بل هو واسطة في إثبات الحكم الظاهري (٧) وهو متأخّر عنه ، فلا محذور.
وتوضيحه : أنّ هناك قضيّتين : إحداهما أنّ الخمر نجس ، والظنّ في هذه القضية كالعلم تابع ، وثانيهما : القضية الكلّية القائلة بأنّ كلّ ظنّ حجّة ، المتكفّلة لبيان النجاسة الظنّية ، فلا شكّ في تأخّر الحكم المستفاد منها عن الظنّ ، فلا يلزم المحذورات.
فإن قلت : مثل ذلك نقول (٨) بعينه في العلم ؛ فإنّ ما يتوقّف (٩) عليه العلم هو نفس
__________________
(١) « ل » : النفس المترتّبة.
(٢) « ل » : بحسب الذات.
(٣) شطب في « ل » على « في ».
(٤) « ل » : النفس الأمري.
(٥) شطب في « ل » على « ليس ».
(٦) شطب عليها في « ل » وكتب فوقها : « إثبات ».
(٧) لم ترد « بل هو واسطة في إثبات الحكم الظاهري » في ل.
(٨) « ل » : فنقول.
(٩) « ل » : ما لا يتوقّف.