__________________
ولو سألنا عن الحشيشة ، لقلنا مثل الأوّل من غير عقد القضيّة الشرعية والعقل لا يرجّح إباحة القسم الأوّل وحرمة الثاني والتوقّف فيه بل لو فرضنا حصر اللحوم مع القطع بأنّ فيها ميتة وأكلنا الجميع لجزمنا بأكل الحرام ، ولو فرضنا استعمال جميع أفراد تلك الحشيشة ما جزمنا بفعل محرّم.
إذا عرفت هذه المقدّمات فنقول : قد ورد مضمون هذا الحديث أو قريب منه بألفاظ متقاربة كقوله عليهالسلام : « كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم الحرام فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك يكون عندك ولعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم لك البيّنة ».
فقوله عليهالسلام : « كلّ شيء فيه حلال وحرام » يحتمل أحد معان ثلاثة :
الأوّل : كلّ فعل من جملة الأفعال التي تتّصف بالحلّ والحرمة وكذا كلّ عين ممّا يتعلّق به فعل المكلّف ويتّصف بالحلّ والحرمة إذا لم تعلم الحكم الخاصّ به من الحلّ والحرمة ، فهو لك حلال ، فخرج ما لا يتّصف بهما جميعا من الأفعال الاضطرارية والأعيان التي لا يتعلّق بها فعل المكلّف وما علم أنّه حلال لا حرام فيه أو حرام لا حلال فيه ، وليس الغرض من ذكر هذا الوصف مجرّد الاحتراز بل هو مع بيان ما فيه اشتباه.
فصار الحاصل أنّ ما اشتبه حكمه وكان محتملا لأن يكون حلالا ولأن يكون حراما ، فهو حلال سواء علم حكم لكلّيّ فوقه أو تحته بحيث لو فرض العلم باندراجه تحته ، أو تحقّقه في ضمنه لعلم حكمه أيضا ، أم لا.
الثاني : أنّ كلّ شيء فيه الحلال والحرام عندك بمعنى أنّك تقسم إلى هذين وتحكم عليه بأحدهما لا على التعيين ، أو لا تدري المعيّن منهما فهو لك حلال.
الثالث : أنّ كلّ شيء تعلم له نوعين أو صنفين نصّ الشارع على أحدهما بالحلّ وعلى الآخر بالحرمة ، واشتبه عليك اندراج هذا الفرد فلا تدري من أيّ النوعين أو الصنفين هو ، فهو لك حلال ، فيكون معنى قوله عليهالسلام : « فيه حلال وحرام » أنّه ينقسم إليهما.
ويمكن أن يكون المراد بالشيء الجزئي المعيّن وحينئذ يكون المعنى أنّه يحتمل الحلّ والحرمة للاشتباه في كونه فردا للحلال أو الحرام مع العلم بهما لنصّ الشارع عليهما ، وحاصل المعنيين أمر واحد ، والمعنى الثالث أخصّ من الأوّلين ، والثاني مرجعه إلى الأوّل