__________________
والاطمئنان بقول الفاسق حيث جاء بالخبر ، والمراد بالجهالة خلاف الوثوق.
وإن شئت قلت : المراد بالتبيّن هو تحصيل العلم العرفي أطلق عليه لفظه ، لجريان عادة العقلاء على الاعتماد في أمورهم على ما يحصل به الوثوق والاطمئنان حتّى عبّروا عنه بالعلم في محاوراتهم ، فوقع الخطاب على طريقة أهل العرف ، وعلى هذا يكون اعتبار الوثوق والاطمئنان بقول العادل مستفادا من منطوق الآية الكريمة من جهة أمر الله تعالى بتحصيل الاطمئنان بقول الفاسق وتعليله بأنّ في ترك الاطمئنان إصابة قوم بجهالة مستعقبة للندم حتّى كان تلك الجهالة ظلمة يتبعها الندم بعد الإصباح منها.
ولا ريب أنّ معنى العلّية ليس إلاّ الانتفاء عند الانتفاء فينتفي وجوب التبيّن عن خبر العادل من جهة انتفاء علّته التي هي الإصابة بالجهالة والوقوع فيما يستعقب الندم عند انكشاف حقيقة الحال.
فالحاصل ، أنّ الآية ناطقة بعلّية الإصابة من دون وثوق ، وتعرّض ما يستعقب الندم من غير اطمئنان للتبيّن ، ومعنى العلّية هو وجود المعلول عند وجود العلّة وانتفاؤه بانتفائها ، فتدلّ على عدم وجوب التبيّن عمّا يوثق به.
ولا ريب أنّ استعمال التبيّن في الوثوق ، واستعمال الجهالة في خلافه أمر شائع لا يأبى من الحمل عليه لفظ الكتاب ، وممّا يؤيّد هذا المعنى وقوع الإجماع على اعتبار الخبر الضعيف للوثوق بصدوره المفيد للاطمئنان.
وتوضيحه : أنّ استعمال التبيّن في الاطمئنان يلزمه اندراج الخبر الضعيف المذكور تحته ، واستعماله في العلم الوجداني يستلزم التخصيص في الآية ؛ إذ لا بدّ من أن يقال : إنّ خبر الفاسق يجب تحصيل العلم فيه إلاّ إذا كان مفيدا للاطمئنان ، فلا يلزم تحصيل العلم حينئذ وهو تخصيص في لزوم تحصيل العلم بقول الفاسق إذا جاء بنبإ.
فالأولى أن تحمل الآية على ما لا يستلزم التخصيص لكن لا يخفى ما في هذا التأييد ؛ لدوران الأمر فيه بين المجاز والتخصيص ؛ ضرورة كون استعمال التبيّن في الاطمئنان مجازا وقد تقرّر في محلّه أنّ التخصيص أولى من المجاز إلاّ أن يقال : إنّ ما ذكروه إنّما هو بحسب النوع ، وإلاّ فقد يتّفق كون شيء من المجاز أظهر من التخصيص بحسب المتعارف ، فيقدّم على التخصيص ؛ لأنّ ما ذكروه من تقدّمه على المجاز إنّما هو بحكم العرف ، وإذا وجدنا حكم العرف في شيء من